قال المعاصر: {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً} أي قريباً، عندما جاءهم الوعد الحق، فواجهوا الموقف الحاسم، {سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} بفعل المفأجاة التي انتصبت أمامهم، حيث كانوا يسخرون منه وينكرونه، وشعروا من خلال ملامح وجوههم الحائرة الخائفة بالخيبة والخسران {وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ} عندما كنتم تسألون عنه وتستعجلونه وتطلبونه وتتساءلون دائماً عن سخرية أو حقيقة: متى هذا الوعد؟(1)
أقول: لن أُعلِّق على كلام المفسِّر المعاصر، وسنورد بعض الأخبار، ونترك الحكم لك بعد أن تُقارن بين ما وردت به الأخبار، وبين ما فسَّر المعاصر الآية به.
فقد أخرج أبو العباس بن عقدة ـ كما عن ابن طاوس في اليقين ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ} قال: لما رأي فلان وفلان منزلة عليٍّ (عليه السلام) يوم القيامة، إذا دفع الله تبارك وتعالى لواء الحمد إلى محمد (صلى الله عليه وآله)، تحته كلُّ مَلَكٍ مقرَّب، وكلُّ نبيٍّ مرسَلٍ، فدفعه إلى عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) {سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ} أي باسمه تُسمَّون أمير المؤمنين.
وأخرج الحاكم الحسكاني ـ من أبناء السُّنة ـ في الشواهد، ومحمد بن العباس في تفسيره، بإسنادهما عن شريك عن الأعمش في قوله تعالى {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} قال: لما رأوا ما لعليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) عند الله من الزلفى سيئت وجوه الذين كفروا.
وأخرج الحاكم الحسكاني بإسناده عن سهل بن عامر قال: نزلت في عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام).
وبإسناده عن عمرو بن أبي بكار التميمي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) في قوله تعالى {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً} قال: فلما رأوا مكان عليٍّ (عليه السلام) من النبي (صلى الله عليه وآله) {سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} يعني الذين كذَّبوا بفضله.
وأخرج الحاكم الحسكاني، وفرات الكوفي في تفسيره، بإسنادهما عن المغيرة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول في قوله تعالى {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً} لما رأوا علياً (عليه السلام) عند الحوض مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) {سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا}.
وأخرجا بإسنادهما وكذا محمد بن العباس في تفسيره عن داود بن سرحان قال: سألت جعفر بن محمد (عليهما السلام) عن قوله تعالى {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً} قال: هو عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام)، إذا رأوا منزلته ومكانه من الله، أكلوا أكُفَّهم على ما فرَّطوا في ولايته.
وأخرج الكليني في الكافي، ومحمد بن العباس في تفسيره، بإسنادهما عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر (عليه السلام) (في حديث) ثم تلا هذه الآية{فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ} ثم قال: أتدرى ما رأوا؟ رأوا واللهِ علياً (عليه السلام) مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقربَه منه، {وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ} أي تُسمَّون بأمير المؤمنين، يا فضيل، لم يتسمَّ بها أحدٌ غير أمير المؤمنين إلا مفترٍ كذَّاب إلى يوم البأس.
وأخرج الكليني في الكافي، بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ} قال: هذه نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام) وأصحابه الذين عملوا ما عملوا، يرون أمير المؤمنين (عليه السلام) في أغبط الأماكن لهم، فيسيء وجوههم ويقال لهم: هذا الذي كنتم به تدعون، الذي انتحلتم اسمه.
وقال الطبرسي في مجمع البيان: وروي الحاكم أبو القاسم الحسكاني بالأسانيد الصحيحة عن الأعمش قال: لما رأَوا ما لعليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) عند الله من الزلفى، سيئت وجوه الذين كفروا. وعن أبي جعفر (عليه السلام) فلما رأوا مكان عليٍّ (عليه السلام) من النبي (صلى الله عليه وآله) سيئت وجوه الذين كفروا، يعني الذين كذَّبوا بفضله(2).
أقول: والذي يريب أنَّ المفسِّر المعاصر فسَّر الآية بما يخصُّ يوم القيامة فحسب.
-----------------------------
(1) من وحي القرآن ج 23 ص 30.
(2) الكافي ج 1 ص 425 وج 8 ص 267 و288 ؛ كامل الزيارات ص 547 – 551 ؛ شرح الأخبار ج 1 ص 234 ؛ اليقين ص 182 و303 ؛ مدينة المعاجز ج 1 ص 72 ـ 73 ؛ بحار الأنوار ج 7 ص 167 و282 – 283 وج 24 ص 268-269 و314 ـ 315 وج 31 ص 628 وج 36 ص 67 ـ 69 و165 وج 37 ص 302 و318 وج 39 ص 213 ـ 215 و227 ؛ تفسير القمي ج 2 ص 379 ؛ تفسير فرات الكوفي ص 493 ـ 494 ؛ تفسير مجمع البيان ج 10 ص 80 ـ 81 ؛ التفسير الصافي ج 5 ص 205؛ التفسير الأصفى ج 2 ص 1332؛ تفسير نور الثقلين ج 5 ص 384 - 385 ؛ تأويل الآيات ج 2 ص 704 – 706.
من مصادر أبناء السُّنة: شواهد التنزيل ج 2 ص 353 إلى 355 ؛ فيض القدير ج 6 ص 282؛ لسان الميزان ج 1 ص 387 ؛ ينابيع المودة ج 1 ص 301
|