قال المعاصر: {وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} أي مَن يكتسب حسنة بإتيان ما أمر الله به من الأعمال الصالحة التي أوجبها أو استحبها في شريعته، فإنَّ الله يضاعف له إيجابياتها بمضاعفة أجرها وزيادة إيجابياتها.
وربما خصَّ البعضُ الحسنةَ بالمودة للقربى بالإستناد إلى بعض الروايات، ولكن الظاهر أنَّ ذلك لو تمَّ من قبيل المصاديق لا من قبيل المفهوم، وقد تعارف في الروايات التفسير على نحو الجري والتطبيق، والله العالم(1).
أقول: أولاً: ينبغي أن نشكر السيد محمد حسين فضل الله على ما أشار إليه، مِن أنَّ هناك مَن خصَّ الحسنة بالمودة لآل محمد (صلى الله عليه وآله).
وثانياً: ينبغي أن نشكره على تصريحه بتشكيكه في ثبوت كون مودة آل محمد (صلى الله عليه وآله) من الحسنات، فإنَّ قوله «لو تم» صريح في أنه لا يرى بأنَّ ذلك تامٌّ، وإنما نشكره لأنَّ تشكيكه بمثابة التصريح بما هو مذهبه فيما يخصُّ آل محمد (صلى الله عليه وآله).
وثالثاً: لست أدري كيف سوَّلت له نفسُهُ التشكيك في أنَّ مودة آل محمد (صلى الله عليه وآله) يُعدُّ حسنةً، فإنَّ الشكَّ في ذلك بمنزلة الجزم بأنها ليست حسنة.
لا تقل: إنه غيرُ شاكٍّ.
فإنه: قال: «لو تمَّ التفسير الذي ذكره البعض، فإنَّ الروايات تُحمل على أنَّ المودة من قبيل أحد المصاديق»، وهل هناك مَن يجهل بأنَّ مودة آل محمد (صلى الله عليه وآله) من أفضل وأعظم الحسنات؟!!
وهل نحتاج في مقام إثبات أنَّ مودة آل محمد من جملة الحسنات ومن مصاديق الحسنات، على تماميَّة الروايات التي استند إليها ذلك البعض الذي أشار إليه المفسِّر المعاصر بقوله «وربما خصَّ البعض...»؟!!
أَوَ لم يثبت عند المعاصر أنَّ مودتهم (عليهم السلام) حسنةٌ، حتى رأيناه يقول «لو تمَّ»؟!!
وهل معنى قوله «لو تمَّ» أنه تامٌّ ثابت عنده؟!
ورابعاً: لا مجال لنا ـ لضيق المجال ـ للتعليق بنحو مفصَّل على ما ذكره من حَمْلِ ما ورد من التفسير على أنه من التطبيق، ويكفي لك أن تتأمل في مفاد الآية، حيث أفادت أنه سبحانه سيزيد مَن اقترف حسنة، وأنت تعلم بأنَّ أيَّةَ حسنة مِن أيِّ شخصٍ مِن دون تولِّي آل محمد (صلى الله عليه وآله) لا تُسمَّى في الآخرة حسنةً، أو لا تكون عند الله حسنةً ما لم ينضم إليها الولاء لآل محمد (صلى الله عليه وآله)، بينما ولايتهم (عليهم السلام) هي عند الله حسنة وأية حسنة، ولا يُشترط أن ينضمَّ إليها أيُّ شيء آخر قطعاً.
نعم، لا مجال لأن يقال: إنَّ ولاية آل محمد (صلى الله عليه وآله) من دون التوحيد ومن دون الاعتقاد بالنبوة لا تنفع.
لأنك تعلم بأنَّ الولاية لهم (عليهم السلام)، هي فرع الاعتقاد بالله تعالى والنبوة لسيدنا محمد (صلى الله عليه وآله).
ثم إننا رجعنا إلى الأخبار التي ادَّعى المعاصر أنها لو تمَّت فهي محمولة على بيان أحد المصاديق، فوجدنا أنها آبيةٌ عن الحمل على ما ادَّعاه، بل تكاد تكون صريحة جداً في التخصيص، وفي قصر الحسنة وحسرها بالمودة وبالتولي لآل محمد (صلى الله عليه وآله)، ولا نظن بأنَّ مَن كان من أبناء العرب يَخْفى عليه ذلك.
وأما قوله: «أنَّ ذلك لو تم».
فنجيب عليه: بأنَّ ذلك تامٌّ وصحيح وثابت ومشهور جداً، ولن نظنَّ بالمعاصر أنه غيرُ مطَّلِعٍ، أو أنه قاصرٌ عن الاطِّلاعِ والتعلُّمِ والتبيُّن.
قال الطبرسي في مجمع البيان وابن شهرآشوب في المناقب: وصحَّ عن الحسن بن علي (عليهما السلام) أنه خطب الناس، فقال في خطبته: أنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم على كل مسلم، فقال: {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً}(2) فاقتراف الحسنة: مودتُنا أهل البيت.
وأخرج علي بن جعفر الصادق (عليهما السلام) في مسائله بإسناده عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) قال: خطب الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) حين قُتل عليٌّ (عليه السلام) ثم قال: وأنا من أهل بيت افترض الله مودتهم على كل مسلم، حيث يقول {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً}، فاقتراف الحسنة: مودتنا أهل البيت.
أقول: وأخرجه الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين وأبو الفرج الأصفهاني ـ وهما من أبناء السُّنة ـ في مقاتل الطالبيين، ومحمد بن العباس في تفسيره، بإسنادهم عن علي بن الحسين (عليهما السلام)، وأيضاً أخرجه أبو الفرج بإسناده عن أبي إسحق السبيعي، وأخرجه الشيخ الطوسي في الأمالي، وفرات الكوفي في تفسيره، وأبي جعفر الطبري في بشارة المصطفى، عن أبي الطفيل.
وأخرج ابن المغازلي في مناقبه، والحاكم الحسكاني في شواهده ـ وهما من أبناء السُّنة ـ ومحمد بن سليمان في المناقب، بإسنادهم عن السدي في قوله تعالى {وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنةً} قال: المودة لآل محمد (صلى الله عليه وآله).
وأخرج الحاكم الحسكاني والثعلبي في تفسيره ـ كما عن القندوزي في ينابيع المودة ـ وجميعهم من أبناء السُّنة، بإسنادهم عن أبي مالك عن ابن عباس في قوله {وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنةً} قال: المودة لآل محمد (صلى الله عليه وآله).
أقول: وأخرجه أحمد بن حنبل، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس كما عن ابن حجر في الصواعق المحرقة، وكما عن السيوطي ـ وجميعهم من أبناء السنُّة ـ في الدر المنثور(3).
وأخرج الصفار في البصائر، والكليني في الكافي، وفرات في تفسيره، بسند صحيح عن محمد بن مسلم ـ والكلام للكليني ـ عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله تعالى {وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً} قال: الاقتراف: التسليمُ لنا، والصدقُ علينا، وألا يكذِبَ علينا.
ومثله أيضاً أخرج الصفار بسند صحيح عن حريز عن أبي جعفر (عليه السلام).
أقول: وذلك هو المودة الحقيقية.
وأخرج الكليني بإسناده عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عزَّ وجل {وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً} قال: مَن تولَّى الأوصياء من آل محمد (صلى الله عليه وآله) واتبع آثارهم، فذلك يزيده ولايةُ مَن مضى من النبيين والمؤمنين الأولين حتى تصل ولايتهم إلى آدم (عليه السلام).
وأخرج فرات بإسناده عن زياد بن المنذر عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) قال: إقتراف الحسنة: حبنا (مودتنا) أهل البيت(4).
----------------------------------
(1) من وحي القرآن ج 20 ص 176.
(2) سورة الشوري الآية 23.
(3) من مصادر أبناء السُّنة: مقاتل الطالبيين ص 32 ـ 33 ؛ المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 172 ؛ شواهد التنزيل ج 2 ص 206 ـ 207 و212 إلى215 و447 ؛ تفسير القرطبي ج 16 ص 24 ؛ الدر المنثور ج 6 ص 7 ؛ سبل الهدي والرشاد ج 11 ص 67 ؛ نظم درر السمطين ص 86 و147 ـ 148 و240 ؛ ينابيع المودة ج 1 ص 41 و ج 2 ص 213 و454 ـ 455 وج 3 ص 139 ؛ ذخائر العقبى ص 138 ؛ شرح نهج البلاغة ج 16 ص 30 ؛ مناقب أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان الكوفي الزيدى المذهب ج 1 ص 153.
(4) مسائل علي بن جعفر ص 328 ؛ بصائر الدرجات ص 541 ؛ الكافي ج 1 ص 391 وج 8 ص 379 ؛ مختصر بصائر الدرجات ص 72 ؛ الارشاد ج 2 ص 7 ـ 8 ؛ الأمالي للشيخ الطوسي ص 269 ـ270 ؛ مناقب آل ابي طالب ج 2 ص 296 وج 3 ص 2 و170 ـ 171 ؛ العمدة ص 55 و355؛ اليقين ص 320 ؛ الصراط المستقيم ج 1 ص 189 و241 ؛ كتاب الأربعين ص 473 و475 ؛ بحار الأنوار ج 2 ص 160 و200 وج 32 ص 231 - 232 و246 - 248 و251-252 وج 24 ص 44 – 45 و47 و367 وج 26 ص 252 وج 36 ص 102 وج 39 ص 256 وج 43 ص 361 ؛ الغدير ج 2 ص 308 -309 ؛ تفسير القمي ج 2 ص 276 ؛ تفسير فرات الكوفي ص 197ـ 198 و395 ـ 398 ؛ تفسير مجمع البيان ج 9 ص 49 ـ 50 ؛ التفسير الصافي ج 4 ص 78 و374 ؛ تفسير نور الثقلين ج 4 ص 104 و342 و572 - 573 و576 ؛ تفسير الميزان ج 18 ص 48 و52 ؛ بشارة المصطفى ص 369 - 370 ؛ إعلام الوري ج1 ص406 ـ 407 ؛ نهج الايمان ص 626 ؛ تأويل الآيات ج2ص545 ـ 547
|