قال المعاصر: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا} من الكفار الذين جسَّدوا جريمةَ الكفر في عقولهم وانتمائهم، وعاشوا مسؤولية الدعوة إليه، والوقوف أمام كل دعوة للإيمان بالله، فكانت الجريمة مزدوجة من خلال ما عاشوه في أنفسهم، وما اعتدوا به على غيرهم في إقامة الحواجز بينهم وبين الإيمان، أو في منع المؤمنين من حرية الحركة في الانتماء والدعوة، والعمل على اضطهادهم بمختلف الوسائل التي يملكونها في ذلك الاتجاه، ومنها أنهم {كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} كأسلوب من أساليب السخرية منهم والاستهزاء بهم، في ما كانوا يلتقون به من مفردات حياتهم(1).
أقول: أخرج الحاكم الحسكاني ـ من أبناء السُّنة ـ في الشواهد، ومحمد بن العباس في تفسيره، بإسنادهما عن عبد الرحمان بن سالم ـ واللفظ للحسكاني ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا... إلى آخر السورة} قال: نزلت في عليٍّ (عليه السلام)، والذين استهزؤوا به من بني أمية، إنَّ علياً (عليه السلام) مرَّ على نفر من بني أمية وغيرهم من المنافقين فسخروا منه، ولم يكونوا يصنعون شيئاً إلا نزل به كتاب، فلما رأوا ذلك مطوا بحواجبهم فأنزل الله تعالى {وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ}(2).
وبإسنادهما عن أبي صالح ـ واللفظ للحاكم ـ عن ابن عباس في قوله {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا... إلى آخر السورة} قال: فالذين آمنوا عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) وأصحابه، والذين أجرموا منافقو قريش.
وأخرج الحاكم الحسكاني أيضاً، بإسناده عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا} قال: هم بنو عبد شمس، مرَّ بهم عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) ومعه نفر فتغامزوا به وقالوا: هؤلاء هم أهل الضلال، فأخبر الله تعالى ما للفريقين عنده جميعاً يوم القيامة وقال: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا} وهم عليٌّ (عليه السلام) وأصحابه {مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}(3) بتغامزهم وضحكهم وتضليلهم علياً (عليه السلام) وأصحابه، فبشَّر النبي (صلى الله عليه وآله) علياً (عليها السلام) وأصحابه الذين كانوا معه.
وبإسناده عن مقاتل في قوله تعالى{إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} قال: وذلك أنَّ عليَّ بن أبي طالب (عليه السلام) انطلق في نفر إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، فسخر منهم المنافقون وضحكوا وقالوا: {إِنَّ هَؤُلاَءِ لَضَالُّونَ} يعني يأتون محمداً (صلى الله عليه وآله) يرون أنهم على شيء، فنزلت هذه الآية قبل أن يصِلَ عليٌّ (عليه السلام) ومن معه إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا} يعني المنافقين {كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} يعني عليَّاً وأصحابه {يَضْحَكُونَ} إلى آخرها، ستنظرون إليهم وهم يُعذَّبون في النار.
وأخرج محمد بن العباس في تفسيره، بإسناده عن عباية بن ربعي عن عليٍّ (عليه السلام) أنه كان يمر بالنفر من قريش فيقولون: أنظروا إلى هذا الذي اصطفاه محمد (صلى الله عليه وآله) واختاره من بين أهله، ويتغامزون فنزلت هذه الآيات {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ... إلى آخر السورة}
وبإسناده عن مجاهد في قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} قال: إنَّ نفراً من قريش كانوا يقعدون بفناء الكعبة فيتغامزون بأصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويسخرون منهم، فمرَّ بهم عليٌّ (عليه السلام) في نفر من أصحاب رسول (صلى الله عليه وآله) فضحكوا منهم وتغامزوا عليهم، وقالوا: هذا أخو محمد (صلى الله عليه وآله)! فأنزل الله عزَّ وجل {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} فإذا كان يوم القيامة أُدخل عليٌّ (عليه السلام) ومن كان معه الجنة، فأشرفوا على هؤلاء الكفار ونظروا إليهم، فسخروا منهم وضحكوا، وذلك قوله تعالى {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ}.
وفي مناقب ابن شهرآشوب: عن الزجاج ومقاتل والكلبي والضحاك والسدي والقشيري والثعلبي ـ وجميعهم من أئمة أبناء السُّنة ـ أنًّ علياً (عليه السلام) جاء في نفر من المسلمين إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فسخر بهم أبو جهل والمنافقون وضحكوا وتغمزوا، ثم قالوا لأصحابهم: رأينا اليوم الأصلع فضحكنا منه، فأنزل الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ}.
وفي مجمع البيان وتفسير القرطبي عن مقاتل: أنها نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام)، وفي مجمع البيان زاد وعن الكلبي(4).
أقول: وهل أنَّ السيد محمد حسين لم يلحظ هذه الأخبار؟!!
أو أنه يتهمُ أبناء السُّنة بوضع هذه الأخبار وبافتعالها؟!
أو أنَّ هذه الأخبار والتي تُثبت منقبة وفضيلة لمولى المتقين (عليه السلام)،قد صنعها الموساد الإسرائيلي والمخابرات الأمريكية، والتعامل معهم محرَّمٌ في مثل هذه الأمور فحسب عند المفسِّر المعاصر؟!!
---------------
(1) من وحي القرآن ج24 ص 139.
(2) سورة المطففين الآية 30.
(3) سورة المطففين الآيات 34 ـ 36.
(4) بحار الأنوار ج8 ص 115 وج18 ص 178 وج24 ص 5 وج 31 ص 655 ـ 657 وج 35 ص 339 ـ 340 وج 36 ص 66 ـ 69 وج 39 ص 224 ؛ مناقب آل ابي طالب ج 3 ص 30 ـ 31؛ مناقب أهل البيت للشيرواني ص 79 ؛ تفسير فرات الكوفي ص 546 ؛ تفسير مجمع البيان ج 10 ص 298 ؛ التفسير الصافي ج 5 ص 302 ؛ التفسير الأصفى ج 2 ص 1421 ؛ نور الثقلين ج5 ص535؛ تفسير الميزان ج 20 ص 240 ؛ شواهد التنزيل ج 2 ص 426 إلى 428 ؛ تفسير القرطبي ج 19 ص 267 ؛ تأويل الآيات ج 2 ص 780 ـ 781.
|