قال المعاصر: {أن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ} أي لئلا تقول نفس لم تلتزم بالخط الإيماني المرتبط بالله، كلمات الحسرة على التفريط والتقصير في جانب الله، في ما يفرضه أمره ونهيه من السلوك المستقيم الذي يؤدي إلى الله(1).
أقول: لا نكاد نُنكر بأنَّ المعنى الذي ذكره المعاصر صحيح في نفسه، ولكن الذي يريب أنه يتكلم بالعموم وبالمفاهيم العامة في جلِّ كلماته، ولا يُشير إلى المصداق وإلى أفراد أو بعض أفراد هذا العنوان هنا أو هناك، ومثل هذا الأسلوب فيه من تضييع الحقِّ، والتضليل عن أهله، وتجهيل الناس بهم، ما لا يجهله أحدٌ.
هذا وقد وردت نصوص كثيرة عن أئمة العترة الطاهرة (عليهم السلام)، مفادها أنهم (عليهم السلام) هم جنب الله تعالى، ونحن على ما جرينا عليه من أول الكتاب من الاقتصار على إيراد بعض الأخبار في كل مقام، سنورد هنا بعضاً منها.
فقد أخرج الصفار في البصائر، والكليني في الكافي، بإسنادهما عن هاشم بن أبي عمارة الجنبي قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول:... وأنا جنب الله.
أقول: وأخرجه الصَّدوق في التوحيد، بإسناده عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وأخرجه الصفار بإسناده عن عبد المزاحم عن أبي عبد الله عن أمير المؤمنين (عليه السلام).
وأخرج الصفار، والكليني، ومحمد بن العباس في تفسيره، بإسنادهم عن علي بن سويد عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) في قول الله تعالى {أن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ} قال: جنبُ الله أميرُ المؤمنين (عليه السلام)، وكذلك ما كان بعده مِن الأوصياء بالمكان الرفيع إلى أن ينتهي الأمر إلى آخرهم.
وأخرج الصفار في البصائر، والصَّدوق في كمال الدين، والطوسي في الأمالي، بإسنادهم عن خيثمه عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: نحن جنب الله.... (الحديث).
وأخرج الصَّدوق في التوحيد وفي معاني الأخبار، والمفيد في الاختصاص، بإسنادهما عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته:.... وأنا جنب الله الذي يقول {أن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ}.
وأخرج فرات في تفسيره، بإسناده عن أبي ذر الغفاري قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: ونحن جنب الله الذي ينادي مَن فرَّط فينا يوم القيامة بالحسرة والندامة.
وأخرج النعماني في الغيبة، بإسناده عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) (في حديث) فقالوا: يا رسول الله مَن وصيُّك؟ فقال: هو الذي أنزل الله فيه {أن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ} فقالوا: يا رسول الله وما جنب الله هذا؟ فقال (صلى الله عليه وآله): هو الذي يقول الله فيه {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً}(2) هو وصيي، والسبيل إلى مَن بعدي.
وأخرج محمد بن العباس في تفسيره، بإسناده عن أبان بن تغلب عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) عن أبيه (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) في قول الله عزَّ وجل {يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ} قال: خلقنا الله من نور جنب الله وذلك قوله عزَّ وجل {يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ} يعني ولاية عليٍّ (عليه السلام).
وبإسناده عن عطاء الهمداني عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عزَّ وجل {يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ} قال: قال عليٌّ (عليه السلام): أنا جنبُ الله، وأنا حسرةُ الناس يوم القيامة.
وبإسناده عن سدير الصيرفي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: وقد سأله رجل عن قول الله عزَّ وجل {يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ}؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): نحن واللهِ، خُلقنا من نور جنب الله تعالى، وذلك قول الكافر إذا استقرَّت به الدار {يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ} يعني: ولاية محمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله)(3).
أقول: فهل أنَّ ـ في الإشارة إلى بعضٍ من هذه الأخبار أو في الإشارة إلى وجود هذا المعنى من تطبيق الآية على أئمة الهدى (عليهم السلام) ـ شيئاً من الباطل، لذا احتاط هذا المعاصر عن الإشارة حذراً مِن أن يذكر في كتابه شيئاً من الباطل؟!!
وأخيراً، فقد انتهينا والحمد لله وحده، من استعراض أهم الموارد التي عرفت حال المعاصر في شأن تعاطيه معها.
وصحيح أننا قد تلفَّظنا بكلمات والتي قد لا يراها بعض الناس مناسبة، ولكن العذر لنا في ذلك أننا لسنا في مقام الدفاع عن حقٍّ شخصيٍّ لنا، وإنما نحن في مقام الذبِّ والدفاعِ عن مذهبِ وعقيدةِ أبناء الفرقة الناجية، أي أننا في مقام الدفاع عن الحق في مقابل الباطل، وليس بُهتاناً مِن القول أن يُقال لمَن يختار الباطل في قولٍ هنا أو في رأيٍ هناك، أن يُقال له ما قلناه، بل قد رأى المحققون والعلماء من أبناء الطائفة المرحومة، أنَّ القدح في المقالات الفاسدة وفي أصحابها من أعظم العبادات، وَلْيَرْضَ المحبُّ الموالي، وَلْيَغْضَب الثائر لهواه كيفما يشاء، فإنَّ المبتَغى رضى سيدنا محمد وآله البررة عليهم آلاف السلام والثناء والتحية، واتفق الفراغ من كتابة هذه الأوراق في شهر ذي القعدة من شهور السنة الثالثة والعشرين بعد الأربعمائة والألف من الهجرة النبوية المباركة على الصادع بها وآله آلاف الثناء والتحية، وأنا الطامع في رضى سادة الخلق علي بن حسين، بن عباس، بن محمد، بن أبو الحسن، بن مهدى، بن إبراهيم، بن عبد السلام، بن زين العابدين، بن عباس، بن علي، بن علي نور الدين أبو الحسن الموسوى العاملي، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الميامين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين.
------------------------
(1) من وحي القرآن ج 19 ص 353.
(2) سورة الفرقان الآية 27.
(3) بصائر الدرجات ص 81 ـ 84 ؛ الكافي ج1 ص 145 ؛ من لايحضره الفقيه ج 2 ص 590؛ التوحيد ص 164ـ 165 ؛ كمال الدين وتمام النعمة ص 205 ـ 206 ؛ معاني الأخبار ص 17 ؛ كتاب الغيبة للنعماني ص 39 ـ 40 ؛ الاختصاص ص 248 ؛ الأمالي للشيخ الطوسي ص 654 ؛ عيون المعجزات ص 67 ؛ الاحتجاج ج 1 ص 75 و375 ـ 376 ؛ مناقب آل ابي طالب ج 2 ص 205 ـ 207 وج 3 ص 64 ـ 65 و314 و336 و403 و406؛ المزار لابن المشهدى ص 219 ؛ الفضائل ص 83 و174 ـ 175 ؛ المزار للشهيد الأول ص 104 ـ 105 ؛ الصراط المستقيم ج 2 ص 75 وج 3 ص 58 – 59 ؛ بحار الأنوار ج 2 ص 30 وج 4 ص 8 - 9 وج 7 ص 159 و200 و211 وج 24 ص 191 – 199و202 وج 25 ص 22 و174 وج 26 ص 248 و258 وج 27 ص 198 وج 36 ص 17 و112 و150 وج 37 ص 209 وج 39 ص 89 ؛ تفسير القمي ج 2 ص 251 ؛ تفسير فرات ص 258 ـ 371 ؛ تفسير مجمع البيان ج 8 ص 410 ؛ التفسير الصافي ج 4 ص 326 ـ 327 ؛ التفسير الأصفى ج 2 ص 1089 ؛ تفسير نور الثقلين ج 4 ص 494 -ـ 496 ؛ تفسير الميزان ج 17 ص 286؛ نهج الايمان ص 568 ؛ تأويل الآيات ج 2 ص 519 ـ 521 و871 ؛ ينابيع المودة ج 1 ص 77 وج 3 ص 359 و401 .
|