الأخبار (1) ، وتنكصون عند النزال (2) ، وتفرون عند القتال .
فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه ومأوى أصفيائه ، ظهر فيكم حسيكة النفاق (3) ، وسمل جلبات الدين (4) ، ونطق كاظم الغاوين (5) ، ونبغ خامل الأقلّين (6) ، وهدر فنيق المبطلين (7) .
فخطر في عرصاتكم (8) ، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه ، هاتفاً بكم ، فألفاكم لدعوته مستجيبين (9) ، وللغرّة فيه ملاحظين (10) . ثم استنهضكم (11) فوجدكم
____________
(1) التوكّف : التوقع . والمراد إخبار المصائب والفتن . وفي بعض النسخ : « تتواكفون الإخيار » ، يقال : واكفه في الحرب أي واجهه .
(2) النكوص : الإحجام والرجوع عن الشئ . والنزال بالكسر : أن ينزل القرنان عن إبلهما إلى خيلهما فيتضاربا . والمقصود من تلك الفقرات أنّهم لم يزالوا منافقين لم يؤمنوا قطً .
(3) الحسيكة : العداوة . قال الجوهري : « الحسك : حسك السعدان ، الواحدة : حسكة وقولهم : في صدره عليّ حسيكة وحساكة أي ضغن وعداوة » . وفي بعض الروايات « حسكة النفاق » فهو على الاستعارة .
(4) سمل الثوب ـ كنصر ـ صار خلقاً . والجلباب بالكسر : الملحفة ، وقيل : ثوب واسع للمرأة غير الملحفة ، وقيل : هو إزار ورداء ، وقيل : هو كالمقنعة تغطّي به المرة رأسها وظهرها وصدرها .
(5) الكظوم : السكوت .
(6) نبغ الشي ـ كمنع ونصر ـ أي ظهر ، ونبغ الرجل : اذا لم يكن في ارث الشعر ثم قال وأجاد . والخامل : من خفي ذكره وصوته وكان ساقطاً لانباهة له . والمراد بالأقلين : الأذلون . وفي بعض الروايات : « الأوّلين » وفي الكشف : « فنطق كاظم ، ونبغ خامل » .
(7) الهدير : ترديد البعير صوته في حنجرته . والفنيق : الفحل المكرم من الإبل الذي لا يركب ولا يهان لكرامته على أهله .
(8) يقال : خطر البعير بذنبه يخطر ـ بالكسر ـ خطراً و خطراناً : إذا رفعه مرة بعد مرة وضرب به فخديه ، ومنه قول الحجاج لما نصب المنجنيق على الكعبة : « خطّارة كالجمل الفنيق » ، شبه رميها بخطران الفنيق .
(9) مغرز الرأس ، بالكسر : ما يختفي فيه . وقيل : لعل في الكلام تشبيهاً للشيطان بالقنفذ ، فإنه انما يطلع رأسه عند زوال الخوف ؛ أو بالمرجل الحريص المقدم على أمر ، فانه يمد عنقه إليه . والهتاف : الصياح . « وأللفاكم » أي وجدكم .
(10) الغرة ، بالكسر : الاغترار والانخداع . والضمير المجرور راجع إلى الشيطان . وملاحظة الشيء : مراعاته ؛ وأصله من اللحظ وهو النظر بمؤخر العين ، وهو اينما يكون عند تعلق القلب بشيء ، أي وجدكم الشيطان لشدة قبولكم للإنخداع كالذي كان مطمح نظره أن يغتر بأباطيله . ويحتمل أن يكون « للعزة » بتقدم المهملة على المعجمة . وفي الكشف : « واللعزة ملاحظين » أي وجدكم طالبين للعزة .
(11) النهوض : القيام ، واستنهضه لأمر أي امره بالقيام إليه .

( 482 )

خفافاً (1) ، وأحمشكم فألفاكم غضاباً (2) ، فوسمتم (3) غير ابلكم ، وأوردتم غير شربكم (4) ؛ هذا والعهد قريب ، والكلم رحيب ، والجرح لمّا يندمل (6) ، والرسول لمّا يقبر (7) زعمتم خوف الفتنة (8) ، « ألا في الفتنة سقطوا وإنّ جهنم لمحيطة بالكافرين »(9) .
فهيهات منكم ، وكيف بكم ، وأنّى تؤفكون ؟ وكتاب الله بين أظهركم (10) ، اموره ظاهرة ، وأحكامه زاهرة (11) ، وأعلامه باهرة ، وزواجره لائحة ، وأوامره واضحة ، قد خلّفتموه وراء ظهوركم ، أرغبةً عنه تريدون ، أم بغيره تحكمون ، « بئس للظالمين بدلاً (12) » (13) « ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من
____________
(1) أي مسرعين إليه .
(2) أحمشت الرجل : أغضبته ، وأحمشت النار : ألهبتها . أي حملكم الشيطان على الغضب فوجدكم مغضبين لغضبه ، أو من عند انفسكن . وفي المناقب القديم : « عطافاً بالعين المهملة والفاء ، من العطف بمعنى اليل والشفقة ، ولعلة أظهر لفظاً ومعنى .
(3) الوسم : أثر الكي ، يقال : وسمته ـ كوعدته ـ وسماً .
(4) الورود : حضور الماء للشرب ، والايراد : الاحضار . والاحضار . والشرب بالكسر : الحظً من الماء ، وهما كنايتان عن أخذ ما ليس لهم بحق من الخلافة والإمامة وميراث النبوة . وفي الكشف : « وأوردتموها شرباً ليس لكم » .
(5) الكلم : الجرح ، والرحب بالضم : السعة .
(6) الجرح بالضم ، الاسم ، وبالفتح المصدر . و « لما يندمل » أي لم يصلح بعد .
(7) قبرته : دفنته .
(8) « ابتداراً » مفعول له للأفعال السابقة ، ويحتمل المصدر بتقدير الفعل . وفي بعض الروايات : « بداراً زعمتم خوف الفتنة » أي ادعيتم وأظهرتم لناس كذباً وخديعة أنا اجتمعنا في السقيفة دفعاً لفتنة ، مع أن الغرض كان غصب الخلافة عن أهلها وهو علين الفتنة . والالتفات في « سقطوا » لموافقة الآية الكريمة .
(9) التوبة : 49 .
(10) « هيهات » للتبعيد ، وفيه معنى التعجب كما صرح به الشيخ الرضي ، وكذلك « كيف » و « أني » تستعملان في التعجب . وأفكه ـ كضربه ـ : صرفه عن الشي وقلبه ، أي إلى أين يصرفكم الشيطان وأنفسكم والحال أن كتاب الله بينكم ! وفلان بين أظهر قوم وبين ظهرانيهم أي مقيم بينهم محفوف من جانبيه أو من جوانبه بهم .
(11) الزاهر : المتلألئ المشرق . وفي الكشف : « بين أظهركم ، قائمة فرائضه ، واضحة دلائله ، نيرة شرائعه .
(12) الكهف : 50 .
(13) « بدلاً » أي من الكتاب ما اختاروه من الحكم الباطل .

( 483 )

الخاسرين » (1) . ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفرتها ، ويسلس قيادها (2) ثم أخذتم تورون وقدتها (3) ، وتهيّجون جمرتها (4) ، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي (5) ، وإطفاء أنوار الدين الجلي ، وإهماد سنن النبي الصفي (6) ، تسرون خشوا في أرتعاء (7) ، وتمشون لأهله ووله في الخمر والضراء (8) ، ونصبر منكم على مثل حزّ المدى (9) ، ووخز السّنان في الحشا (10) ، وأنتم تزعمون ألاّ إرث لنا ، « أفحكم
____________
(1) آل عمران : 85 .
(2) ريث ـ بالفتح ـ بمعنى قدر ، وهي كلمة يستعملها أهل الحجاز كثيراً ، وقد يستعمل مع ما ، يقال : لم يلبث إلا ريثما فعل كذا ، وفي الكشف هكذا : « ثم لو تبرحوا ريثاً » وقال بعضهم : هذا ولم تريثوا حتها إلا ريث . وفي رواية ابن أبي طاهر : « ثم لم تريثوا اختها » وعلى التقديرين ضمير المؤنث راجع إلى فتنة وفاة الرسول صلى الله عليه وآله . وحتّ الورق من الغصن : نثرها ، أي لم تصبروا إلى ذهاب أثر تلك المصيبة . ونفرة الدابة ، بالفتح : ذهابها وعدم انقيادها .
والسلس ، بكسر اللام : السهل اللّين المنقاد ، ذكره الفيروز آبادي ، وفي مصباح اللغة : سلسل سلساً من باب تعب : سهل ولإن . والقياد بالكسر : ما يقاد به الدابة من خبل وغيره .
(3) في الصحاح : « ورى الزّند يري ورياً : إذا خرجت ناره . وفي لغة اخرى : « وري الزند يري ، بالكسر فيهما ، وأوريته أنا وكذلك وريته توريةً . وفلان يستورى زناد الضلالة » . ووقده النار بالفتح : وقودها ، ووقدها : لهبها .
(4) الجمرة : المتوقد من الحطب ، فاذا برد فهو فحم . والجمر بدون التاء جمعها .
(5) الهتاف ، بالكسر : الصياح ، وهتف به أي دعاه .
(6) إهماد النار ك: إطفاؤها بالكلية . والحاصل أنكم انما صبرتم حتى استقرت الخلافة المغصوبة عليكم ، ثم شرعتم في تهييج الشرور والفتن واتباع الشيطان وإبداع البدع وتغيير السنن .
(7) الإسرار : ضد الإعلان . والحسو بفتح الحاء وسكون السين المهملتين : شرب المرق وغيره شيئاً بعد شي : والارتغاء : شرب الرغوة وهو زبد اللبن ، قال الجواهري : « الرغوة مثلثة : زبد البن . وارتغيت : شربت الرغوة . وفي المثل : « يسر حسواً في ارتغاء » يضرب لمن يظهر أمراً ويريد غيره . قال الشعبي لمن سأله عن رجل قبل أم امرأته [ قال ] : يسر حسواً في ارتغاء ، وقد حرمت عليه امرأته » . وقال الميداني : قال أبو زيد والأصمعي : أصله الرجل يؤتى باللبن فيظهر أنه يريد الرغوة خاصة ولا يريد غيرها فيشربها وهو في ذلك ينال من اللبن ؛ يضرب لمن يريك أنه يعينك وإنما يجر النفع إلى نفسه .
(8) الخمر ، بالتحريك ما واراك من شجر وغيره ، يقال : نوارى الصيد عني في خمر الوادي ؛ ومنه قولهم : دخل فلان في خمار الناس ـ بالضم ـ أي ما يواريه ويستره منهم . والضراء الضاد المعجمة المفتوحة والراء المخففة : الشجر الملتفت في الوادي ؛ ويقال لمن ختل صاحبه وخاده : يدب له الضراء ويمشي له الخمر . وقال الميداني : قال ابن الأعرابي : الضراء ما انخفض من الأرض .
(9) الحزّ ، بفتح الحاء المهملة : القطع أو قطع الشي من غير إبانة . والمدى بالضم : جمع مدية وهي السكّين والشفرة .
(10) الوخز : الطعن بالرمح ونحوه لا يكون نافذاً ، يقال : وخزه بالخنجر .

( 484 )

الجاهلية تبغون ومن أحسن من حكماً لقوم يوقنون » (1) أفلا تعلمون ؟ بلى تجلّى لكم كالشمس الضاحية (2) أنّي ابنته .
أيها المسلمون أاغلب على إرثيه (3) يا ابن أبي قحافة أفي كتاب الله أن ترث أباك ، ولا أرث أبي ؟ « لقد جئت شيئاً فرياً (4) » (5) ، أفعلى عمدٍ تركتم كتاب الله ، ونبذتمونه وراء ظهوركم ، إذ يقول : « وورث سليمان داود » (6) , وقال فيما اقتصّ من خبر يحيى بن زكريا عليها السلام إذ قال ربّ « هب لي من لدنك وليّاً يرثني ويرث من آل يعقوب » (7) وقال : « واولوا الأرحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله » (8) وقال :« يوصيكم الله في أولادكم للذّكر مثل حظ الانثيين » (9) وقال : « إن ترك خيراً الوصيّة للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين » (10) ، وزعمتم ألاّ حظوة لي (11) ، ولا إرث من أبي لا رحم بيننا !
____________
(1) المائدة : 50 . وفيها « يبغون » .
(2) أي الظاهرة البيّنة ، يقال : فعلت ذلك الأمر ضاحية أي علانية .
(3) في رواية ابن أبي طاهر : « وبها معشر المهاجرة ابتز إرث أبيه » قال الجوهري : « إذا أغريته بالشي قلت : ويها يا فلان ، وهو تحريض » انتهى . ولعل الانسب هنا التعجب . والهاء في « أبيه » في الموضعين « وإرثيه » ـ بكسر الهمزة بمعنى الميراث ـ للسكت ، كما في سورة الحاقة ، « كتابيه وحسابيه وماليه وسلطانية » تثبت في الوقف وتسقط في الوصل . وقرئ بإثباتها في الوصل أيضاً . وفي الكشف : « ثم أنتم أولاء تزعمون أن لا إرث ليه » فهو أيضاً كذلك .
(4) اقتباس من سورة مريم : 27 .
(5) أي أمرأ عظيما بديعا ، وقيل : أي أمرأ منكراً قبيحاً . وهو مأخوذ من الافتراء بمعنى الكذب . واعلم أنه قد وردت الروايات المتظافرة ـ كما ستعرف ـ في أنها عليها السلام ادّعت أن فدكاً كانت نحلة لها من رسول الله صلى الله عليه وآله ـ فلعل عدم تعرضها ـ صلوات الله عليها ـ في هذه الخطبة لتلك الدعوى ليأسها عن قبولها إياها ، إذ كانت الخطبة بعد ما ردّ أبو بكر شهادة أمير المؤمنين عليه السلام ومن شهد معه ، وقد كان المنافقون الحاضرون معتقدين لصدقه ، فتمسكت بحديث الميراث لكونه من ضروريات الدين .
(6) النمل : 16 .
(7) مريم : 6 .
(8) الأنفال : 75 .
(9) النساء : 11 .
(10) البقرة : 180 .
(11) بكسر الحاء وضمّها وسكون الظاء المعجمة : المكانة والمنزلة ، ياقل : حظيت المرأة عند زوجها : إذا دنت من قبله .

( 485 )

أفخصّكم الله بأية أخرج منها أبي ؟ أم هل تقولون أهل ملّتين لا يتوارثان ، ولست أنا وأبي من أهل ملّة واحدة ؟ ! أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي (1) ؟ فدونكها مخطمة مرحولة (2) تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ، والزّعيم محمدّ (3) ، والموعد القيامة ، وعند الساعة ما تخسرون (4) ، ولا ينفعكم إذ تندمون ، « ولكل نبأٍ مستقرّ وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه (5) ويحلّ عليه عذاب مقيم » (6) . ثم رمت بطرفها (7) نحو الأنصار فقالت : يا معاشر الفتية (8) ، وأعضاد الملّة (9) ، وأنصار الإسلام ! ما هذه الغميزة في حقّي (10) ؟ والسّنة عن
____________
(1) في الكشف : « فزعمتم أن لا حظ لي ولا إرث لي من أبيه . أفحكم الله بآية أخرج أبي منها ، أم تقولون أهل ملّتين لا يتوارثان ، أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي ؟ أفحكم الجاهليّة ( الآية ) . إيها معاشر المسلمة أأبتزّ إرثيه ؟ الله أن ترث أباك ولا ارث أبيه ؟ لقد جئتم شيئاً فرياً » .
(2) الضمير راجع إلى فدك المدلول عليها بالمقام ، والأمر بأخذها للتهديد ، والخطام ، بالكسر : كل ما يوضع في أنف البعير ليقاد به ، والرحل ـ بالفتح ـ للناقة كالسرج للفرس ، ورحل البعير ـ كمنع ـ شد على ظهره الرحل . شبهتها عليها السلام في كونها مسلمة لايعارضه في أخذها احد بالناقة المنادة المهياة للركوب .
(3) في بعض الروايات : « والغريم » أي طالب الحق .
(4) كلمة « ما » مصدرية ، أي في القيامة يظهر خسرانكم .
(5) « ولكل نبأ مستقر » أي لكل خبر ـ يريد نبأ العذاب او الايعاد به ـ وقت استقرار ووقوع « وسوف تعلمون » عند وقوعه « من ياتيه عذاب يخزيه » .
(6) الاقتباس من موضعين : احدهما سورة الانعام ، والاخر في سورة هود قصة نوح عليه السلام حيث قال : « ان تسخروا منا فانا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم » فالعذاب الذي يخزيهم الغرق والعذاب المقيم عذاب النار .
(7) الطرف بالفتح : مصدر طرفت عين فلان : اذا نظرت ، وهو ان ينظر ثم يغمض . والطرف أيضا : العين .
(8) المعشر : الجماعة ، والفتية بالكسر : جمع فتى وهو الشاب والكريم السخي . وفي المناقب « يا معشر البقية ، وأعضاد الملة وحصنة الاسلام » وفي الكشف : « يا معشر البقية ، ويا عماد الملة وحصنة الاسلام » .
(9) الأعضاد : جمع عضد بالفتح : يقال : عضدته كنصرته لفظار ومعنى .
(10) قال الجواهري : « ليس في فلان غميزة ، أي مطعن » ، ونحوه ذكر الفيروز آبادي وهو لا يناسب المقام إلاّ بتكلف ، وقال الجواهري : « رجل غمز ، أي ضعيف » . وقال الخليل في كتاب العين : « الغميزة بفتح العين المعجمة والزاي : ضعفة في العمل وجهلة في العقل ، ويقال : سمعت كلمة فاغتمزتها في عقله ، أي علمت انه احمق » وهذا المعنى انسب . وفي الكشف : « ما هذه الغميزة » بالفاء المفتوحة وسكون التاء ، وهو السكون ، وهو أيضا مناسب ، وفي رواية ابن ابي طاهر بالراء المهملة ، ولعله من قولهم : غمر على اخيه ، أي حقد وضغن ، او من قولهم ،غمز عليه ، أي اغمى عليه ،

( 486 )

ظلامتي (1) ، أما كان صلى الله عليه وآله وسلم أبي يقول : « المرء يحفظ في ولده » ؟ سرعان ما أحدثتم ، وعجلان ذا إهالةً (2) ، ولكم طاقة بما احاول ، وقوّة على ما أطلب وازاول ! أتقولون مات محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟! فخطب جليل استوسع وهيه (3) ، واستنهر فتقه ، وانفتق رتقه (4) ، وأظلمت الأرض لغيبته ، وكسفت النجوم لمصيبته (5) ، واكدت الآمال (6) ، وخشعت
____________
أو من الغمر ، بمعنى الستر ، ولعله كان بالضاد المعجمة فصحف ، فان استعمال اغماض العين في مثل هذا المقام شايع .
(1) السنة بالكسر : مصدر وسن يوسن ـ كعلم يعلم ـ وسنا وسنة ، والسنة : اول النوم او النوم الخفيف ، والهاء عوض عن الواو . والظلامة بالضم كالمظلمة بالكسر : ما اخذه الظالم منك فتطلبه عنده . والغرض تهييج الانصار لنصرتها ، او توبيخهم على عدمها . وفي الكشف بعد ذلك ، : « ما كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان يحفظ » .
(2) سرعان مثلثة السين : وعجلان بفتح العين كلاهما من أسماء الأفعال بمعنى سرع وعجل ، وفيهما معنى العجب ، أي ما اسرع واعجل . وفي رواية ابن ابي طاهر : « سرعان ما اجديتم فاكديتم » يقال : اجدب القوم أي أصابهم الجدب . واكدى الرجل : اذا قل خيره ، والاهالة بكسر الهمزة : الودك وهو دسم اللحم . وقال الفيروز آبادي : « قولهم : سرعان اذا اهالة ، اصله ان رجلا كانت له نعجة عجفاء وكانت رغامها يسيل من منخريها لهزالها ، فقيل له : ما هذا الذي يسيل ؟ فقال السائل : سرعان ذا اهالة . ونصب « اهالة » على الحال : وذا اشارة إلى الرغام او تميز على تقدير نقل الفعل كقولهم : تصبب زيد عرقا ، والتقدير : سرعان اهاله هذه ، وهو مثل يضرب لمن يخبر بكينونة الشيء قبل وقته » انتهى . والرغام بالضم : ما يسيل من انف الشاة والخيل ، ولعل المثل كان بلفظ عجلان ، فاشتبه على الفيروز ابادي او غيره . او كان كل منهما مستعملا في هذا المثل . وغرضها صلوات الله عليها التعجب من تعجيل الانصار ومبادرتهم إلى احداث البدع ، وترك السنن والاحكام ، والتخاذل عن نصرة سيد الانام ، مع قرب عهدهم به ، وعدم نسيانهم ما اوصاهم به فيهم ، وقدرتهم على نصرتها واخذ حقها ممن ظلمها ولا يبعد ان يكون المثل اخبارا مجملا بما يترتب على هذه البدعة من المفاسد الدنيوية وذهاب الاثار النبوية .
(3) الخطب ، بالفتح : الشان والأمر عظم أو صغر . والوهي كالرمي : الشق والخرق يقال : وهي الثوب : اذا بلي وتخرق واستوسع .
(4) استنهر : استفعل من النهر ـ بالتحريك ـ بمعنى السعة ، أي اتسع ، والفتق : الشق ، والرتق ضده . انقتق أي انشق . والضماير المجرورات الثلاثة راجعة إلى الخطب بخلاف المجرورين بعدهما فانهما راجعان إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
(5) كسف النجوم : ذهاب نورها ، والفعل منه يكون متعديا ولازما ، والفعل كضرب . وفي رواية ابن ابي طاهر مكان الفقرة الاخيرة : « واكتأبت خيرة الله المصيبة » والاكتئاب : افتعال من الكآبة بمعنى الحزن . وفي الكشف : « واستنهز فتقه ، وفقد راتقه ، وأظلمت الأرض ، وأكتأبت لخيرة الله ـ إلى قولها ـ واديلت الحرمة ـ » من الادالة بمعنى الغلبة .
(6) يقال : اكدى فلان أي بخل او قل خيره .

( 487 )

الجبال ، واضيع الحريم (1) ، وازيلت الحرمة عند مماته (2) . فتلك والله النّازلة الكبرى (3) ، والمصيبة العظمى ، لا مثلها نازلة ولا بائقة عاجلة (4) أعلن بها كتاب الله ـ جل ثناؤه ـ في أفنيتكم في ممساكم ومصبحكم (5) هتافاً وصراخاً وتلاوة وإلحاناً (6) ، ولقبله ما حلّ بأنبياء الله ورسله ، حكم فصل (7) وقضاء حتم (8) : « وما محمد إلا رسول قد خلت (9) من قبله الرسول أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم (10) ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين (11) » (12) .
____________
(1) حريم الرجل : ما يحميه ويقاتل عنه .
(2) الحرمة : ما لا يحل انتها كه . وفي بعض النسخ : « الرحمة » مكان « الحرمة » .
(3) النازلة : الشديدة .
(4) البائقة : الداهية .
(5) فناء الدار ، ككساء : العرصة المتسعة امامها . والممسى والمصبح . بضم الميم فيها ـ مصدران وموضعان من الاصباح والامساء .
(6) الهتاف : بالكسر : الصياح ، والصراخ ، كغراب : الصوف او الشديد منه ، والتلاوة ، بالكسر : القراءة والالحان : الافهام يقال : ألحنه القول أي افهمه اياه ، ويحتمل ان يكون من اللحن بمعني الغناء والطرب ، قال الجوهري : « اللحن واحد الالحان واللحون ، ومنه الحديث : اقرأوا القرآن بلحون العرب ، وقد لحن قرائته اذا طرد به وغرد ، وهو الحن الناس اذا كان احسنهم قراءة او غناء » انتهى . ويمكن ان يقرأ على هذا بصيغة الجمع ايضا ، والأوّل اظهر . وفي الكشف : « فتلك نازلة اعلن بها كتاب الله في قبلتكم ممساكم ومصبحكم هتافا هتافا » .
(7) الحكم الفصل : هو المقطوع به الذي لا ريب فيه ولا مرد له ، وقد يكون بمعنى القاطع الفارق بين الحق والباطل .
(8) والحتم في الاصل : احكام الامر ، والقضاء الحتم هو الذي لا يتطرق إليه التغيير .
(9) مضت .
(10) الانقلاب على العقب : الرجوع القهقري ، اريد به الارتداد بعد الإيمان .
(11) آل عمران : 144 .
(12) الشاكرون : المطيعون المعترفون بالنعم الحامدون عليها . قال بعض الامائل : واعلم ان الشبهة العارضة للمخاطبين ، بموت النبي صلى الله عليه وآله وسلم اما عدم تحتم العمل بأوامره وحفظ حرمته في أهله ، فان العقول الضعيفة مجبولةعلى رعاية الحاضر اكثر من الغايب وانه اذا غاب عن ابصارهم ذهب كلامه عن اسماعهم ووصاياه عن قلوبهم ، فدفعها اشارة إليه صلوات الله عليه واله ـ من اعلان الله جل ثناؤه واخباره بوقع تلك الواقعة الهايلة قبل وقوعها وان الموت مما قد نزل بالماضين من انبياء الله ورسله ـ تثبيتا واخباره بوقوع تلك الواقعة الهايلة قبل وقوعها وان الموت مما قد نزل بالماضين من انبياء الله ورسله ـ تثبيتا للامة على الإيمان ، وازالة لتلك الخصلة الذميمة عن نفوسهم . ويمكن ان يكون معنى الكلام . اتقولون مات محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبعد موته ليس لنا زاجر ولامانع عما ، نريد ولانخاف احدا في ترك الانقياد للاوامر وعدم الانزاجار عن

( 488 )

أيها بني قيلة ! (1)أاهضم تراث أبيه (2) وأنتم بمرأى منّي ومسمع (3) ، ومبتدأ
____________
النواهي . ويكون الجواب ما يستفاد من حكاية قوله سبحانه « افأن مات او قتل » الآية لكن لايكون حينئذ لحديث اعلان الله سبحانه واخباره ، بموت الرسول مدخل في الجواب إلاّ بتكلف . ويحتمل ان يكون شبهتهم عدم تجويزهم الموت على النبي صل الله عليه وآله وسلم كما افصح عنه عمر بن الخطاب ، وسيأتي في مطاعنه ، فبعد تحقق موته عرض لهم شك في الأيمان ، ووهن في الاعمال ، فلذلك خذلوها وقعدوا عن نصرتها ، وحينئذ مدخلية حديث الاعلان وما بعده في الجواب واضح . وعلى التقادير لا يكون قولها ـ صلوات الله عليها ـ « فخطب جليل » داخلا في الجواب ولا مقولا لقول المخاطبين على استفهام التوبيخي ، بل هو كلا مستأنف لبث الحزن والشكوى ، بل يكون الجواب ما بعد قولها « فتلك والله النازلة الكبرى » ويحتلم ان يكون مقولا لقوهم ، فيكون حاصلا شبهتهم ان موته صلى الله عليه وآله والذي هو اعظم الدواهي قد وقع ، فلا يبالي بما وقع بعده من لمحظورات ، فلذلك لم ينهضوا بنصرها ، والانتصاف ممن ظلمها . ولما تضمن ما زعموه كون مماته صلى الله عليه وآله أعظم المصائب سلمت عليها السلام اولا في مقام تلك المقدمة لكونها محض الحق ثم نبهت على خطابهم في انها مستلزمة لقلة المبالاة بما وقع والقعود عن نصرة الحق وعدم اتباع اوامره صلى الله عليه و آله بقولها اعلن بها كتاب الله إلى اخر الكلام ، فيكون حاصل الجواب : ان الله قد اعلمكم بها قبل الوقوع واخبركم بانها سنة ماضية في السلف من انبيائه وحذركم الانقلاب على اعقابكم كيلا تتركوا العمل بلوازم الإيمان بعد وقوعها ، ولا تهنوا عن نصرة الحق وقمع الباطل ، وف تسليمها ما سلمته اولا دلالة على ان كونها اعظم المصائب مما يؤيد وجوب نصرتي ، فاني انا المصاب بها حقيقة وان شاركني فيها غيري ، فمن نزلت به تلك النازلة الكبرى فهو بالرعاية احق واحرى . ويحتمل ان يكون قولها عليها السلام « فخطب جليل » من اجزاء الجواب ، فتكو شبهتهم بعض الوجوه المذكورة او المركب من بعضها مع بعضها مع بعض ، وحاصل الجواب حينئذ انه اذا نزل بي مثل تلك النازلة وقد كان الله عزوجل اخبركم بها وامركم ان لا ترتدوا بعدها على اعقابكم ، فكان الواجب عليكم دفع الضيم عني والقيام بنصرتي . ولعل الانسب بهذا الوجه ما في رواية ابن ابي طاهر من قولها « وتلك نازلة أعلن بها كتاب الله » بالواو دون الفاء .
ويحتمل ان لا تكون الشبهة العارضة للمخاطبين مقصورة على احد الوجوه المذكورة بل تكون الشبهة لبعضهم بعضا وللآخرى اخرى ، ويكون كل مقدمة من مقدمات الجواب اشارة إلى دفع واحدة منها .
أقول : ويحتمل ان لا تكون هناك شبهة حقيقية ، بل يكون الغرض انه ليس لهم في اتكاب تلك الامور الشنيعة حجة ومتمسك إلاّ ان يتمسك احد بامثال تلك الامور الباطلة الواهية التي لا يخفى على احد بطلانها . وهذا شايع في الاحتجاج .
(1) ايها ـ بفتح الهمزة والتنوين ـ بمعنى هيهات . وبنو قيلة : الاوس والخزرج قبيلتا الانصار . وقيلة بالفتح : اسم ام لهم قديمة وهي قيلة بنت كاهل .
(2) الهضم : الكسر يقال : هضمت الشيء أي كسرته ، وهضمته : اذا ظلمه وكسر عليه حقه . والتراث ، واصل التاء فيه الواو .
(3) أي بحيث اراكم واسمعكم ( اسمع ظ ) كلامكم . وفي رواية ابن ابي طاهر : « منه » أي من الرسول صلى الله عليه واله و سلم .

( 489 )

ومجمع (1) ؟! تلبسكم الدّعوة ، وتشملكم الخبرة (2) ، وأنتم ذوو العدد والعدّة ، والأداة والقوّة ، وعندكم السلاح والجنّة ؛ توافيكم الدعوة فلا تحبيبون ، وتأتيكم الصّرخة فلا تغيثون ، وأنتم موصوفون بالكفاح (3) ، معروفون بالخير والصّلاح ، والنجّبة التي انتجبت (4) ، والخيرة التي اختيرت !(5) قاتلتم العرب ، وتحمّلتم الكذّ والتعب ، وناطحتم الامم (6) ، وكافحتم البهم (7) ، فلا نبرح أو تبرحون (8) ، نأمركم فتأتمرون (9) حتى دارت بنا رحى الإسلام (10) ،
____________
(1) والمبتدأ في اكثر النسخ بالباء الموحدة مهموزاً ، فلعل المعنى انكم في مكان يبتدأ منه الامور والاحكام ، والاظهر أنه تصحيف المنتدا بالنون غير مهموز بمعنى المجلس ، وكذا في المناقب القديم ، فيكون « المجمع » كالتفسير له . والغرض الاحتجاج عليهم بالاجماع ( بالاجماع ـ خ ل ) الذي هو من اسباب القدرة على دفع الظلم . واللفظان غير موجودين في رواية ابن ابي طاهر .
(2) « تلبسكم » على بناء المجرد أي تغطيكم وتحيط بكم . والدعوة : المرة من الدعاء أي النداء كالخبرة ـ بالفتح ـ من الخبر بالضم بمعنى العلم ، او الخبرة بالكسر بمعناه . والمراد بالدعوة نداء المظلوم للنصرة ، وبالخبرة علمهم بمظلوميتها صلوات الله عليها . والتعبير بالاحاطة والشمول للمبالغة او للتصريح بان ذلك قد عمهم جميعاً . وليس من قبيل الحكم على الجماعة بحكم البعض او الاكثر . وفي رواية ابن ابي طاهر : « الحيرة » بالحاء المهملة ، ولعلة تصحيف ، ولا يخفى توجيهه .
(3) الكفاح : استقبال العدو في الحرب بلا ترس ولا جنة ، ويقال : فلا يكافح الامور أي يباشرها بنفسه .
(4) النجبة ، كهمزة : النجيب الكريم . وقيل : يحتمل ان يكون بفتح الخاء المعجمة او سكونها بمعنى المنتخب المختار ، ويظهر من ابن الاثير انها بالسكون تكون جمعا
(5) الخيرة ، كعنية : المفضل من القوم المختار منهم .
(6) أي حاربتم الخصوم ودافعتموها بجد واهتمام كما يدافع الكبش قرنه بقرنه . واليهم : الشجعان كما مر ومكافحتها : التعرض لدفعها من غير توانٍ وضعف .
(7) في المناقب : « لنا هل البيت قاتلتم وناطحتم الامم وكافحتم البهم » .
(8) « أو تبرحون » معطوف على مدخول النفي ، فالمنفي احد الأمرين ، ولا ينتفي إلاّ بانتفائهما معاً ، فالمعنى لا نبرح ولا تبرحون .
(9) أي كما لم نزل آمرين ، وكنتم مطيعين لنا في اوامرنا ، وفي كشف الغمة : « وتبرحون بالواو ، فالعطف على مدهول النفي ايضا ويرجع إلى مامر . وعطفه على النفي اشعارا بأنه قد كان يقع منهم براح عن الاطاعة كما في عزوة احد وغيرها بخلاف أهل البيت عليهم السلام اذا لم يعرض لهم كلال عن الدعوة والهداية ، بعيد عن المقام . والاظهر ما في رواية ابن ابي طاهر من ترك املعطوف رأسا : « لانبرح نأمركم » أي لم نزل عادتنا الأمر ، وعادتكم الايتمار ، وفي المناقب « لا نبرح ولا تبرحون نأمركم » فيحتمل ان يكون « أو » في تلك النسخة ايضا بمعنى الواو ، أي لانزال نأمركم ولا تزالون تأتمرون ، ولعل ما في المناقب اظهر النسخ واصوبها .
(10) دوران الرحى كناية عن انتظام امرها ، والباء للسببية .

( 490 )

ودرّ حلب الأيام (1) ، وخضعت نعرة الشرك (2) ، وسكنت فورة الإفك (3) ، وخمدت نيران الكفر (4) ، وهدأت دعوة الهرج (5) ، واستوسق نظام الدين (6) ، فأنّى جرتم بعد البيان (7) ، واسررتم بعد الإعلان ، ونكصتم بعد الإقدام (8) ، وأشركتم بعد الإيمان ؟ « ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم وهمّوا بإخراج الرسول وهم بدأوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق ان تخشوه إن كنتم مؤمنين (9) » (10) .
____________
(1) در اللبن : جريانه وكثرته . والحلب بالفتح : استخراج ما في الضرع من اللبن ،وبالتحريك : اللبن المحلوب ، والثاني اظهر للزوم ارتكاب تجوز في الاستناد ، او في المسند إليه على الأوّل .
(2) والنعرة بالنون والراء المهملتين مثال همزة : الخيشوم والخيلاء والكبر او بفتح النون من قولهم نعر العرق بالدم أي فار . فيكون الخضوع بمعنى السكون ، او بالغين المعجمة من نغرت القدر أي فارت . وقال الجوهري « نغر الرجل ـ بالكسر ـ أي اغتاض . قال الاصمعي : هو الذي يغلي جوفه من الغيظ . وقال ابن السكيت : يقال : ظل فلان يتنعر على فلان أي يتذمر عليه » . وفي اكثر النسخ بالثاء المثلثة المضمومة والغين المعجمة وهي نقرة النحر بين الترقوتين . فخضوع ثغرة الشرك كناية عن محقه وسقوطه كالحيوان الساقط على الأرض ، نظيره قول امير المؤمنين ـ صلوات الله عليه وسلامه عليه ـ : « انا وضعت كلكل العرب » أي صدورهم .
(3) الافك بالكسر : الكذب وفورة الافك : غليانه وهيجانه .
(4) خمدت النار : أي سكن لهبها ولم يطفاً جمرها . ويقال : همدت ـ بالهاء ـ اذا طفي جمرها . وفيه اشعار بنفاق بعضهم وبقاء مادة الكفر في قلوبهم . وفي رواية ابن ابي طاهر : « وباخت نيران الحرب » قال الجوهري : « باخ الحر والنار والغضب والحمى أي سكن وفتر » .
(5) هدأت أي ، سكنت ، والهرج ، الفتنة والاختلاط . وفي الحديث : الهرج القتل .
(6) استوسق أي اجتمع وانضم ، من الوسق بالفتح وهو ضم الشيء إلى الشيء ، واتساق الشيء : انتظامه . وفي الكشف : « فناويتم العرب ، وبادهتم الامور ( إلى قولها عليها السلام ) حتى دارت لكم بنا رحى الاسلام ، ودر حلب البلاد وخبت نيران الحرب » يقال : بدهه بأمر أي استقبله به ، وبادهه : فاجاه .
(7) كلمة « اني » ظرف مكان بمعنى « أين » وقد يكون بمعنى « كيف » أي من اين حرتم وما كان منشأه ؟ و « جرتم » اما بالجيم من الجور وهو الميل عن القصد والعدول عن الطريق ، أي لماذا تركتم سبيل الحق بعد ما تبين لكم . او بالحاء لمهملة المضمومة من الحور بمعنى الرجوع او النقصان ، يقال : « نعوذ بالله من الحور بعد الكور » أي من النقصان بعد الزيادة ، واما بكسرها من الحيرة .
(8) النكوص : الرجوع إلى الخلف .
(9) التوبة : 13 .
(10) نكث العهد ، بالفتح : نقضه والإيمان جمع يمين وهو القسم . المشهور بين المفسرين ان الآية نزلت في اليهود الذين نقضوا عهودهم ، وخرجوا مع الاحزاب ، وهموا باخراج الرسول من المدينة ، وبدأوا بنقض العهد والقتال . وقيل : نزلت في مشركي قريش وأهل مكة حيث نقضوا ايمانهم التي عقدوها مع الرسول والمؤمنين على ان لا يعاونوا عليهم اعدائهم ، فعاونوا بني بكر على خزاعة ، وقصدوا اخراج الرسول صلى الله عليه وآله من مكة حين تشاوروا بدار الندوة وأتاهم ابليس بصورة شيخ نجدي ـ إلى اخر مامر في القصة ـ ، فهم بدأوا بالمعاداة والمقاتلة في هذا الوقت ،

( 491 )

ألا قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض (1) ، وأبعدتم من هو أحقّ بالبسط والقبض (2) ، وخلوتم بالدعة (3) ، ونجوتم من الضيق بالسّعة ، فمججتم ما وعيتم (4) ، ودسعتم الذي تسوّغتم (5) ، « فإن تكفروا (6) أنتم ومن في الأرض جميعاً فإنّ الله لغني
____________
أو في يوم بدر ، او بنقض العهد ، والمراد بالقوم الذين نكثوا ايمانهم في كلامها ـ صلوات الله عليها ـ اما الذين نزلت فيهم الآية ، فالغرض بيان وجوب قتال الغاصبين للامامة ولحقها ، الناكثين لما عهد اليهم الرسول صلى الله عليه وآله في وصيه عليه السلام وذوي قرباه وفي أهل بيته كما وجب بأمره سبحانه قتال من نزلت الآية فيهم . او المراد بهم الغاصبون لحق هل البيت عليهم السلام ، فالمراد بنكثهم ايمانهم نقض ما عهدوا إلى الرسول حين بايعوه من الانقياد له في اوامره والانتهاء عند نواهيه وان لا يضمروا له العداوة ، فنقضوه وناقضوا ما امرهم به ، والمراد بقصدهم بقصدهم اخراج الرسول عزمهم على اخراج من كنفس الرسول وقائم مقامه بامر الله وامره عن مقام الخلافة ، وعلى ابطال اوامر ووصاياه في أهل بيته النازل منزلة اخراجه من مستقره وحينئذ يكون من قبيل الاقتباس ، وفي بعض الروايات : « لقوم نكثوا ايمانهم وهموا باخراج الرسول وهم بدأوكم اول مرة اتخشو نهم » . فقوله « لقوم » متعلق بقوله « تخشونهم » .
(1) الرؤية هنا بمعنى العلم أو بالنظر بالعين ، وأخلد إليه : ركن ومال . والخفض بالفتح : سعة العيش .
(2) المراد بمن هو احق بالبسط والقبض امير المؤمنين صلوات الله عليه ، وصيغة التفضيل مثلها في قوله تعالى : « قل اذلك خير ام جنة الخلد » .
(3) خلوت الشيء : انفردت به واجتمعت معه في خلوة . والدعة : الراحة والسكون .
(4) مج الشراب من فيه : رمي به . و « وعيتم » أي حفظتم .
(5) الدسع ، كالمنع : الدفع والقيء واخراج البعير جرته إلى فيه . وساغ الشراب يسوغ سوغا : اذا سهل مدخله في الحلق ، وتسوغه : شربه بسهولة .
(6) صيغة « تكفروا » في كلامها عليها السلام اما من الكفران وترك الشرك كما هو الظاهر من سياق الكلام المجيد حيث قال تعالى : « واذ تأذن ربكم لئن شكرتم لا زيدنكم ولئن كفرتم ان عذابي بالمعنى الاخص . والتغيير في المعنى لاينافي الاقتباس ، مع ان في الآية ايضا يحتمل هذا المعنى . والمراد ان تكفروا انتم ومن في الارض جميعا من الثقلين فلا يضر ذلك إلا انفسكم فانه سبحانه غني عن شكركم وطاعتكم ، مستحق للحمد في ذاته ، او محمود تحمده الملائكة بل جميع الموجودات بلسان الحال ، وضرر الكفران عائد اليكم حيث حرمتم من فضله تعالى ومزيد انعامه واكرامه . والحاصل انكم انما تركتم الإمام بالحق ، وخلعتم بيعته من رقابكم ، ورضيتم ببيعة ابي بكر لعلمكم بأن امير المؤمنين عليه السلام لايتهاون ولا يداهن في دين الله ولا تأخذه في الله لومة لاثم ، ويأمركم بارتكاب الشدائد في الجهاد وغيره ، وترك ما تشتهون من زخارف الدنيا ، ويقسم الفيء بينكم بالسوية ، ولايفضل الرؤساء والأمراء ، وان ابابكر رجل سلس القياد ، مداهن في الدين لارضاء العباد ، فلذا رفضتم الإيمان ، وخرجتم عن طاعته سبحانه إلى طاعة الشيطان ، ولا يعود وباله إلاّ اليكم . وفي الكشف : « إلاّ وقد أرى ـ ان قد اخلدتم إلى الخفض وركنتم إلى الدعة فمججتم الذي أوعيتم ، ولفظتم الذي سوغتم » وفي رواية ابن ابي طاهر : « فعجتم عن الدين » . يقال : ركن إليه ـ