فهرس الكتاب

 

المجلس الثاني

ليلة السبت 24/ رجب /1245هـ

بعدما انتهيت من صلاة العشاء، حضر أصحاب البحث والحوار وكانوا أكثر عددا من الليلة الماضية، فاستقبلتهم ورحبت بهم، وبعد أن استقروا في أماكنهم وشربوا الشاي، افتتح الحافظ كلامه قائلا :

أقول حقيقة لا تملقا : لقد استفدنا في الليلة السابقة من بيانكم الشيق وكلامكم العذب، وبعدما انصرفنا من هنا كنا نتحدث في الطريق عن شخصيتكم وأخلاقكم، وعن علمكم الغزير واطلاعكم الكثير، وقد انجذبنا لصورتك الجميلة وسيرتك النبيلة، وهما قل ان يجتمعا في واحد، فأشهد أنك ابن رسول الله (ص) حقا .

وإني راجعت المكتبة في هذا اليوم، وتصفحت بعض كتب الأنساب حول بني هاشم والسادة الشرفاء، فوجدت كلامكم في الليلة الماضية حول نسبكم الشريف مطابقا في تلك الكتب، واغتبطت بهذا النسب العالي لسماحتكم .

ولكن استغربت وتعجبت من شيء واحد، وهو : أن شخصا شريفا صحيح النسب كجنابكم مع حسن الصورة والسيرة ،كيف تأثرتم بالعادات الواهية والعقائد العامية، وتركتم طريقة أجدادكم الكرام واتبعتم سياسة الإيرانيين المجوس، وتمسكتم بمذهبهم وتقاليدهم ؟!

قلت :

أولا : أشكرك على أول كلامك حول نسبي وحسن ظنك بي .

ولكنك اضطربت بعد ذلك في الكلام ، وخلطت الحلال بالحرام، سردت جملا مبهمة ما عرفت قصدك منها والمرام، وإن كلامك هذا عندي أقاويل وأوهام .

فالرجاء .. وضح لي مرادك من :" العادات الواهية والعقائد العامية " .

وما المقصود من : " طريقة أجدادي الكرام " ؟!

وما هي :" سياسة الإيرانيين الني اتبعتها " ؟!

الحافظ : أقصد بالعادات الواهية والعقائد العامية : البدع المضلة والتقاليد المخلة، التي أدخلها اليهود في الإسلام .

قلت : هل يمكن أن توضح لي أكثر حتى أعرف ما هذه البدع التي تأثرت أنا بها ؟!

الحافظ : إنك تعلم جيدا والتاريخ يشهد، أن بعد موت كل نبي صاحب كتاب، اجتمع أعداؤه وحرفوا كتابه، مثل التوراة والإنجيل فحذفوا وزادوا، وغيروا وبدلوا، حتى سقط دينهم وكتابهم عن الاعتبار .

ولكن أعداء الإسلام لم يتمكنوا من تحريف القرآن الحكيم، فدخلوا من باب آخر، فإن جماعة من اليهود ـ وهم ألد أعداء الإسلام ـ دخلوا الدين وأسلموا عن مكر وخداع، مثل : عبدالله بن سبأ، كعب الأحبار، ووهب بن منبه، وغيرهم ..، أسلموا بالظاهر ولكنهم بدءوا يبثون وينشرون عقائدهم الباطلة بين المسلمين، وذلك عن طريق جعل الأحاديث عن لسان رسول الله (ص) .

فأراد الخليفة الثالث عثمان، أن يلقي القبض عليهم ليؤدبهم ففروا إلى مصر واستقروا فيها، فاجتمع حولهم الجاهلون واغتروا بعقائدهم، وصاروا حزبا باسم : " الشيعة " فأعلنوا إمامة علي بن أبي طالب في عهد عثمان رغما له لا حبا لعلي كرم الله وجهه، فوضعوا أحاديث كاذبة في تأييد مذهبهم، مثل :

قال النبي (ص) : " علي خليفتي وإمام المسلمين بعدي " .

فكانوا السبب في سفك دماء المسلمين حتى انتهى الأمر إلى قتل عثمان ذي النورين، وبعده نصبوا عليا وبايعوه بالخلافة، فالتف الناقمون على عثمان حول علي ونصروه، فمنذ ذلك الوقت ظهر حزب الشيعة !

ولكن في حكومة بني أمية، لما قاموا بقتل آل علي ومواليه، اختفى هذا الحزب .

وإن عددا من الصحابة، أمثال : سلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري وعمار بن ياسر، كانوا يدعون الناس بعد النبي (ص) إلى علي كرم الله وجهه، ولكن عليا لم يكن راضيا بهذا العمل .

فاختفى حزب الشيعة أيام بني أمية وأوائل حكومة بني العباس، وبعد أن تولى هارون الرشيد الحكم ظهر حزب الشيعة مرة أخرى وخاصة في خلافة المأمون، إذ تغلب بمساعدة الإيرانيين على أخيه الأمين فقتله واستولى على الحكم، فقويت شوكته بالإيرانيين، وهم كانوا يفضلون علي بن أبي طالب على الخلفاء الراشدين، وكانوا يسوقون المسلمين إلى الاعتقاد بهذا الباطل، كل ذلك لغرض سياسي ومرض نفسي .

إن الإيرانيين كانوا حاقدين على العرب، لأن حكومتهم اضمحلت وسيادتهم بادت بسيوف العرب .

فكانوا بصدد اختراع مذهب يخالف دين العرب ومذاهبهم، فلما سمعوا بحزب الشيعة وعقائدهم، تقبلوه وسعوا في نشره، وخاصة في دولة آل بويه حين قويت شوكتهم واستولوا على كثير من بلاد الإسلام .

وأما في الدولة الصفوية فقد أعلنوا مذهب الشيعة رسميا في إيران، والحقيقة أن مذهبهم الرسمي هو " المجوسية" كما تقتضي سياستهم، فإنهم إلى يومنا هذا يختلفون مع جميع المسلمين في العالم ويقولون : نحن شيعة .

فالتشيع مذهب سياسي حادث، ابتدعه عبد الله بن سبأ اليهودي، ولم يكن لهذا المذهب اسم في الإسلام .

وإن جدك رسول الله (ص) بريء من هذا المذهب واسمه، لأنه على خلاف سنته وتشريعه، بل هو متشعب من دين اليهود وعقائدهم .

لذا أتعجب حينما أرى عالما شريفا مع هذا النسب الرفيع يتبع هذا المذهب الباطل ويترك دين جده، الإسلام الحنيف!!

وأنت ـ يا سيد ـ أولى باتباع جدك وبالعمل بالقرآن والسنة النبوية الشريفة .

لما كان الحافظ يسترسل في كلامه ويتقول ما يريد، كنت أشاهد الشيعة الحاضرين في المجلس قد تغيرت وجوههم حتى كادوا يهجمون عليه، ولكني أشرت إليهم بالهدوء والوقار .

ثم أجبت الحافظ وقلت : ما كنت أتوقع منك ـ وأنت من أهل العلم ـ أن تتمسك بكلام وهمي واه من أباطيل المنافقين وأكاذيب الخوارج وأقاويل النواصب، أشاعه الأمويون وتقبله العوام الجاهلون .

وإنك خلطت أمرين متباينين، وجمعت بين الضدين، حيث حسبت الشيعة اتباع عبد الله بن سبأ، والحال أنهم يذكروه في كتبهم باللعن ويحسبوه منافقا كافرا .

وعلى فرض ان ابن سبأ كان يدعي أنه موالي علي بن أبي طالب ومحبيه، وذلك لغرض سياسي، فهل من الحق أن تحسبوا أعماله المخالفة للإسلام، على حساب شيعة آل محمد (ص) المخلصين المؤمنين ؟!

فلو ظهر لص في زي أهل العلم، وصعد المنبر وصلى بالناس، ولما وثق به المسلمون خانهم وسرق أموالهم، فهل صحيح أن نقول : كل العلماء لصوص وسراق ؟!

فتعريفك للشيعة بأنهم أتباع ابن سبأ الملعون، بعيد عن الإنصاف، وخلاف الحقيقة والوجدان .

لذا تعجبت كثيرا من تعبيرك عن مذهب الشيعة، بحزب سياسي اختلقه ابن سبأ اليهودي في عهد عثمان !

وأستغرب كيف تقرأ هذه الأكاذيب وتعتمد عليها، ولا تقرأ الأخبار الصحيحة والروايات الصريحة عن الشيعة في كتبكم المعتبرة أن النبي (ص) هو الواضع لأسس الشيعة وأصولها، وقد شاعت كلمة " شيعة علي " من لسان رسول الله (ص) بين أصحابه، كما نقل وروي ذلك علماؤكم في كتبهم وتفاسيرهم(1).

وإذا كنت تستند في حوارك هذا على كلام الخوارج، وتقولات النواصب، فإني أستند إلى القرآن الحكيم، والأخبار المعتبرة عندكم، حتى يظهر الحق ويزهق الباطل .

وأنصحكم أن لا تتكلموا من غير تحقيق، لأن الحق سوف يظهر، وكلامكم يفند من قبل الحاضرين، فحينئذ يصيبكم الخجل فتندمون، ولا يفيد حينها الندم، ولتكن الآية الشريفة نصب أعينكم : ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) (2).

فكلامكم يسجل عليكم ويحفظ عند ربكم، وتحاسبون عليه .

والآن إذا تسمحون لي ولا تتألمون من كلامي، أثبت لكم بالأدلة المقبولة، أن الحق خلاف ما قلتم، والصواب غير ما اعتقدتم .

الحافظ : إن مجلسنا انعقد لهذا الغرض، وكل هذا النقاش والحوار من أجل رفع الشبهات وكشف الحقائق المبهمات، والكلام الحق لا يؤلمنا .

حقيقة الشيعة وبدايتها:

قلت : تعلمون أن كلمة :" الشيعة" بمعنى : الأتباع والأنصار(3).

قال " الفيروزآبادي" في (القاموس) في كلمة " شاع" :... وشيعة الرجل : أتباعه وأنصاره، والفرقة على حدة، ويقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث، وقد غلب هذا الاسم على كل من يتولى عليا وأهل بيته، حتى صار اسما لهم خاصا، جمعه : أشياع وشيع .

فهذا هو معنى كلمة :" الشيعة" فأرجو أن لا تشتبهوا في معناها بعد اليوم .

وأما الاشتباه الآخر الذي صدر منكم عمدا أو سهوا، أو لعدم اطلاعكم على التفاسير والأحاديث الشريفة، أو لأنكم تأثرتم بكلام واه تقوّله أسلافكم، وأنتم قبلتموه من غير تحقيق فكررتم كذبهم بقولكم : إن كلمة "الشيعة" وإطلاقها على أتباع علي بن أبي طالب ومواليه، حدث في عهد عثمان وخلافته، وابتدعه عبدالله بن سبأ اليهودي !

والحال أن هذا الكلام خلاف الواقع والحقيقة، فإن كلمة "الشيعة" اصطلاح يطلق على أتباع علي بن أبي طالب وأنصاره منذ عهد النبي (ص) وإن واضع هذه الكلمة والذي جعلها علما عليهم هو رسول الله (ص)، وهو كما قال الله عز وجل فيه : ( وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى )(4).

وقد قال (ص) :" شيعة علي هم الفائزون" وروى علماؤكم هذا الحديث وأمثاله في كتبهم وتفاسيرهم .

الحافظ : لم أجد هكذا روايات وأحاديث في كتبنا، وليتني كنت أعرف، في أي كتاب من كتبنا قرأتم هذا الحديث وأمثاله ؟!

قلت : هل إنكم لم تجدوا هذا الحديث وأمثاله في كتبكم، أم استنكفتم من قبوله وأغمضتم عينكم وأبيتم إلا الجحود والكتمان ؟؟!

ولكنا حين قرأناه في كتبكم وكتبنا، قبلناه وأعلناه، ولا نكتمه أبدا، لأن الله تعالى يقول : ( عن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون )(5).

وقال عز وجل : ( إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم )(6).

فالله عز وجل يلعن الذين يكتمون الحق ويخبر أنهم من أهل النار والعذاب، فإياكم أن تكونوا منهم .

الحافظ : هذه الآيات حق وصدق، تبين جزاء الذين يكتمون الحق، ولكنا ما كتمنا حقا، فلا تشملنا هذه الآيات الكريمة .

قلت : بإذن الله ولطفه، وتحت رعايته وعنايته، وبالاستمداد من جدي خاتم الأنبياء (ص)، سأكشف لكم الحق الذي هو أظهر وأجلى من الشمس، وأبدد ظلام الأوهام عن وجه الحقيقة، حتى يعرفها جميع الحاضرين .

وأرجو أن تجعلوا هذه الآيات الكريمة نصب أعينكم، حتى لا تأخذكم العزة بالإثم ولا تخافوا لومة لائم .

ورجائي أن تتركوا التعصب لتقاليد آبائكم وتتحروا من أغلال العادات التي قيدكم بها أسلافكم، فحينئذ يسهل عليكم قبول الحق وإعلان الحقيقة .

الحافظ : أشهد الله أني لا أتعصب، ولا أماري، ولا أجادل، بل إذا اتضح الحق تمسكت به، وإذا عرفت الحقيقة قبلتها وأعلنتها .

وأنا لا أجتهد لأكون غالبا في المحاورة، إنما أريد أن أعرف الحق والحقيقة، فإذا ظهر الحق ومع ذلك تعصبت وجادلت فأكون ملعونا ومعذبا في النار كما صرح الله تعالى .

أما الآن فنحن مستعدون لاستماع حديثك، وأسأل الله عز وجل أن يجمعنا وإياكم على الحق .

قلت : روى الحافظ أبو نعيم(7) في كتابه " حلية الأولياء" بسنده عن ابن عباس، قال : لما نزلت الآية الشريفة :
( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية)(8) خاطب رسول الله (ص) علي بن أبي طالب وقال : يا علي ! هو أنت وشيعتك، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين .

ورواه أبو مؤيد، موفق بن أحمد الخوارزمي في الفصل 17 من كتاب المناقب في كتاب تذكرة خواص الأمة(9) وسبط ابن الجوزي(10) بحذف الآية .

وروى الحاكم عبيد الله الحسكاني، وهو من أعاظم مفسريكم، في كتابه (شواهد التنزيل) عن الحاكم أبي عبدالله الحافظ، بسند مرفوع إلى يزيد بن شراحيل الأنصاري، قال : سمعت عليا عليه السلام يقول : حدثني رسول الله (ص) وأنا مسنده إلى صدري، فقال : أي علي. ألم تسمع قول الله تعالى : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية )(11).

؟ هم أنت وشيعتك، وموعدي وموعدكم الحوض، إذا جثت الأمم للحساب، تدعون غرا محجلين(12).

وروى أبو المؤيد الموفق أحمد الخوارزمي في مناقبه في الفصل التاسع(13) عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال : كنا عند النبي (ص) فأقبل علي بن أبي طالب، فقال (ص) : قد أتاكم أخي، ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده ثم قال : والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة، ثم إنه أولكم إيمانا، وأوفاكم بعهد الله، وأقومكم بأمر الله، وأعدلكم في الرعية، وأقسمكم بالسوية، وأعظمكم عند الله مزية .

قال : ونزلت : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية )(14) إلى آخره .

قال : وكان أصحاب محمد (ص) إذا أقبل علي عليه السلام قالوا : قد جاء خير البرية(15).

وروى جلال الدين السيوطي وهو من أكبر علمائكم وأشهرهم، حتى قالوا فيه : بأنه مجدد طريقة السنة والجماعة في القرن التاسع الهجري، كما في كتاب (فتح المقال) .

روى في تفسيره ( الدر المنثور) عن ابن عساكر الدمشقي، أنه روى عن جابر بن عبدالله الأنصاري أنه قال : كنا عند رسول الله (ص) إذ دخل على علي بن أبي طالب (ع)، فقال النبي (ص) : والذي نفسي بيده، إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة، فنزل : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ) .

وكذلك، جاء في " الدر المنثور " في تفسير الآية الكريمة، عن ابن عدي، عن ابن عباس، أنه روي : لما نزلت الآية المذكورة قال النبي (ص) لعلي : تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين .

وروى ابن الصباغ المالكي في كتابه الفصول المهمة صفحة 122 عن ابن عباس، قال: لما نزلت الآية ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ) قال النبي (ص) لعلي : هو أنت وشيعتك، تأتي يوم القيامة أنت وهم راضين مرضيين، ويأتي أعداؤك غضابا مقمحين .

ورواه ابن حجر في الصواعق باب 11 عن الحافظ جمال الدين، محمد بن يوسف الزرندي المدني، وزاد فيه : فقال علي (ع) : من عدوي ؟ قال (ص) : من تبرأ منك ولعنك .

ورواه العلامة السمهودي في "جواهر العقدين " عن الحافظ جمال الدين الزرندي أيضا .

وروى المير سيد علي الهمداني الشافعي وهو من كبار علمائكم في كتابه " مودة القربى " عن أم سلمة أم المؤمنين وزوجة النبي الكريم (ص) أنها قالت : قال رسول الله (ص) : يا علي، أنت وأصحابك في الجنة، أنت وشيعتك في الجنة .

ورواه عنها ابن حجر في الصواعق أيضا .

وروى الحافظ ابن المغازلي الشافعي الواسطي في كتابه " مناقب علي بن أبي طالب (ص) " بسنده عن جابر بن عبدالله، قال : لما قدم علي بن أبي طالب بفتح خيبر قال له النبي (ص) : يا علي، لولا أن تقول طائفة من أمتي فيك ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك مقالا لا تمر بملأ من المسلمين إلا أخذوا التراب من تحت رجليك وفضل طهورك، يستشفون بهما، ولكن حسبك أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي، وأنت تبرئ ذمتي وتستر عورتي، وتقاتل على سنتي، وأنت غدا في الآخرة أقرب الخلق مني، وأنت على الحوض خليفتي، وإن شيعتك على منابر من نور مبيضة وجوههم حولي، أشفع لهم، ويكونون في الجنة جيراني، وإن حربك حربي، وسلمك سلمي(16).

وصلنا إلى هنا وارتفع صوت المؤذن يعلن وقت العشاء فقطعنا الكلام، وسكتنا عن قراءة ذيل الرواية، والخبر فإنه طويل، فقام الإخوان العامة وتهيؤا للصلاة، وذهب السيد عبدالحي ليؤم المسلمين في المسجد .

وحينما رجع من المسجد جاء بتفسير " الدر المنثور " وكتاب " مودة القربى " ومسند الإمام أحمد بن حنبل، ومناقب الخوارزمي، وقال ذهبت بعد الصلاة إلى البيت وجئتكم بهذه الكتب التي تستندون بها في محاورتكم، حتى نراجعها عند الضرورة .

فتناولت منه الكتب وشكرته وبقيت الكتب عندنا إلى آخر ليلة من ليالي الحوار، ثم استخرجت الأخبار والأحاديث التي نقلتها من تلك الكتب، وكلما قرأت الأحاديث التي مر ذكرها من كتبهم، كنت ألاحظ وجوه المشايخ تنخطف، وألوانه تتغير، والخجل يبدو ويعلو على وجوههم، لأنهم كانوا يحسون بالفضيحة والنكسة أمام أتباعهم الحاضرين .

وقرأنا في كتاب " مودة القربى " إضافة ما نقلناه، حديث آخر في الموضوع هو :

روي أن رسول الله (ص) قال : يا علي، ستقدم على الله أنت وشيعتك راضين مرضيين، ويقدم عليه عدوك غضابا مقمحين .

وبعده قلت : إن هذا بعض الدلائل المحكمة والمؤيدة بكلام الله سبحانه وتعالى وبالأخبار المعتبرة والمقبولة عندكم، ولو نقلتها لكم كلها لطال الكلام، ولكن في ما ذكرنا كفاية لمبتغي الحق بغير غواية .

وأرجو بعد هذا أن لا تكرروا ذلك الكلام الفارغ الوهمي الواهي، بأن مؤسس مذهب الشيعة عبدالله بن سبأ اليهودي

فقد اندفع هذا التهام وارتفع الإيهام، بالقرآن الحكيم وحديث النبي العظيم (ص)، ولقد تبين لكم أن ما كنتم تظنوه في حق الشيعة، إن هو إلا أباطيل الخوارج وأكاذيب النواصب من بني أمية وغيرهم .

ومع الأسف ... أنتم العلماء قد ألقيتم هذه الأقاويل إلى أتباعكم من عامة الناس، وألبستم عليهم الحق والحقيقة، من حيث تعلمون أو لا تعلمون .

والآن عرفتم بأن الشيعة محمديون وليسوا بيهود، وإن إطلاق اسم : (( الشيعة )) على من تولى عليا وأحبه ونصره إنما بدا من نبي الإسلام وهادي الأنام محمد (ص)، وقد صرح به كرارا بين أصحابه حتى صار علما لموالي عليا (ع) وأنصاره، كما سمعتم الروايات والأخبار التي نقلتها لكم .

وجاء في كتاب " الزينة " لأبي حاتم الرازي، وهو منكم قال : إن أول اسم وضع في الإسلام علما لجماعة على عهد رسول الله (ص) كان اسم (( الشيعة )) وقد اشتهر أربعة من الصحابة بهذا الاسم في حياة النبي الأكرم (ص) وهم :

1ـ أبو ذر الغفاري 2ـ سلمان الفارسي 3ـ المقداد بن الأسود الكندي 4ـ عمار بن ياسر .

فأدعوكم لتتفكروا، كيف يمكن أن يشتهر أربعة من أصحاب رسول الله (ص) الأقربين وحواريه، بلقب أو اسم (( الشيعة )) بمرأى ومسمع منه (ص) وهو لم يمنعهم من تلك البدعة كما يزعم البعض ؟!

ولكن نستنبط من مجموع الأخبار والأحاديث الواردة في الموضوع أن أولئك الأصحاب المخلصين، سمعوا النبي (ص) يقول : شيعة علي خير البرية، وهم الفائزون. لذلك افتخروا بأن يكونوا منهم، ويشتهروا بين الأصحاب باسم (( لشيعة )) .

مقام هؤلاء الأربعة في الإسلام:

يروي علمائكم عن النبي (ص) أنه قال : " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " وقد كتب أبو الفداء في تاريخه ـ وهو من مؤرخيكم ـ : أن هؤلاء الأربعة امتنعوا من البيعة لأبي بكر يوم السقيفة، وتبعوا علي بن أبي طالب (ص)، فلماذا لا تجعلوا عملهم حجة ؟! مع ما نجد في كتبكم أن هؤلاء كانوا من المقربين والمحبوبين عند النبي (ص)، لكن نحن تبعناهم واقتدينا به وصرنا شيعة علي (ع)، فنحن مهتدون بحديث رسول الله (ص) الواصل عن طريقكم : بأيهم اقتديتم اهتديتم .

ولكي نعرف جاه ومقام هؤلاء الأربعة عند الله تعالى وعند رسوله (ص)، أنقل لكم بعض الأخبار المروية عن طرقكم في حقهم :

1ـ روى الحافظ أبو نعيم في المجلد الأول من حلية الأولياء ص 172 وابن حجر المكي في كتابه الصواعق المحرقة في الحديث الخامس من الأحاديث الأربعين التي نقلها في فضائل علي بن أبي طالب (ع) قال : عن الترمذي والحاكم،

عن بريدة : أن رسول الله (ص) قال : إن الله أمرني بحب أربعة، وأخبرني أنه يحبهم، فقيل من هم ؟ قال (ص) : علي بن أبي طالب، وأبو ذر والمقداد، وسلمان(17).

2ـ نقل ابن حجر أيضا الحديث 39 عن الترمذي والحاكم عن أنس بن مالك، أن النبي (ص) قال : الجنة تشتاق إلى ثلاثة : علي وعمار وسلمان .

فكيف أن هؤلاء الأربعة الذين هم من خواص أصحاب النبي (ص) وقد أحبهم الله ورسوله، ومن أهل الجنة، خالفتموهم ولم يكن عملهم حجة عندكم ؟!

أليس من المؤسف أن تحصروا أصحاب النبي (ص) في الذين دبروا فتنة السقيفة وانخرطوا في تلك اللعبة الجاهلية، وقبلوا منتخب المتآمرين وتركوا حجة ربة العالمين ؟!

وأما بقية الصحابة الأخيار، الذين خالفوا ذلك التيار، ورفضوا ذلك القرار، إذ وجدوه جائرا مخالفا لنص الواحد القهار، فساروا على الخط الذي رسمه النبي المختار (ص) لسعادة المؤمنين الأحرار الأبرار، لم تعتبروهم ولم تقتدوا بهم، فكأنكم حرفتم عمليا حديث النبي (ص) " أصحابي كالنجوم ..." بأن " بعض أصحابي كالنجوم " ؟!

التشيع ليس حزبا سياسيا:

وأما قولك : إن مذهب الشيعة مذهب سياسي، والإيرانيون المجوس اتخذوا التشيع وسيلة للفرار من سلطة العرب، كلام بلا دليل وهو من أقاويل أسلافكم، ونحن أثبتنا أن التشيع مذهب إسلامي، وهو شريعة خاتم الأنبياء وامتداد للإسلام .

والنبي (ص) أمر أمته بمتابعة علي ومشايعته في الأمور والحوادث، بأمر من الله سبحانه وتعالى، ونحن نتبع عليا أمير المؤمنين وأبناءه الطاهرين (ع)، ونعمل بأوامرهم حسب أمر النبي المطاع الأمين (ص)، ونرى في ذلك نجاتنا .

ولو تدبرنا التاريخ ودرسنا الحوادث بعد حياة النبي (ص) لوجدناه أن أبرز قضية سياسية وأظهر حادثة انقلابية هي مؤامرة السقيفة وانتخابهم الخليفة. ومع ذلك لا تطلقون على أولائك المجتمعين في السقيفة والهمج الذين تبعوهم كلمة : " حزب سياسي " ولكن تتهمون الشيعة المؤمنين المخلصين بأنهم حزب سياسي !!

وكم عندكم أحاديث معتبرة أن النبي (ص) يأمر الأمة بمتابعة علي بن أبي طالب وأهل بيته الكرام، وخاصة عند التباس الأمر واختلاف الرأي، ولا نجد حديثا واحدا من الرسول (ص) يأمر الأمة بتشكيل السقيفة وانتخابهم الخليفة بعده، ولو كان ذلك من حق الناس، لما نص على أخيه وصنوه علي (ع) من بعده، ولما عينه خليفة بأمر من الله (عز وجل)، في يوم الإنذار ويوم الغدير وغيره .

وأما بالنسبة لتشيع الإيرانيين الذي تزعم أنت وكثير من الذين أغوتهم الدعايات الأموية، بأنه كان من غرض سياسي .

أقول إن من كان له أدنى اطلاع في القضايا السياسية يعرف، أن قوما إذا اتخذوا مذهبا وسيلة للوصول إلى أغراضهم وأهدافهم السياسية تركوا ذلك المذهب ولم يعبئوا به حينما يصلون إلى أهدافهم. والحال أن التاريخ يشهد في حق الإيرانيين الذين تمسكوا بالتشيع واتبعوا آل محمد (ص) وأحبوهم ونصروهم وضحوا بالغالي والنفيس من أجلهم أكثر من ألف عام، وإلى يومنا هذا هم كذلك يجاهدون ويضحون في سبيل إعلاء كلمة الحق والعدل وانتشار راية : لا إله إلا الله، محمد رسول الله (ص) علي ولي الله، فهذا التفاني طيلة ألف عام وأكثر، يستحيل أن يكون لغرض سياسي دنيوي، وإنما يكون لهدف معنوي أخروي، والتشيع عند معتنقيه من الإيرانيين وغيره هدف لا وسيلة !

أسباب تشيع الإيرانيين:

أما الأسباب التي دعت الإيرانيين إلى التمسك بمذهب الشيعة والالتزام بولاء أهل البيت، متابعتهم، والسير على منهج علي بن أبى طالب وأبنائه الطيبين، والتفاني في ذلك، هي :

1ـ عدم وجود العصبيات القبلية والنزعات الطائفية والدواعي العشائرية عندهم، لأنهم لم يكونوا ينتمون لأي قبيلة من قبائل قريش أو غيرها الموجودة في الجزيرة العربية، وبعيدا عن كل هذه، وجدوا الحق في علي بن أبي طالب عليه السلام فانحازوا إليه، ولم تصدهم العصبيات والنزعات عن طريق أهل البيت عليهم السلام ومذهبهم .

2ـ الذكاء والتعقل عندهم(18)، يمنعهم من التعصب الباطل والتقليد الأعمى، فهم أهل تحقيق وتدقيق في أمر الدين والعبادة، لذلك كانت المجوسية عندهم رخوة ومتزلزلة، ولهذا السبب أسلمت أكثر بلادهم من غبر حرب وفتحت من غير مقاومة، وبعد فتح بلادهم تركوا المجوسية من غير كره وإجبار واعتنقوا الإسلام بالحرية والاختيار، لأنهم عاشروا المسلمين وحققوا حول الإسلام، وعرفوا حقانيته، فتمسكوا به وأصبح الإسلام دينهم الذي كانوا يضحون أنفسهم دونه، ويقدمون الغالي والنفيس من أجله، ويجاهدون في سبيل الله تحت راية الإسلام مع العرب وغيرهم من المسلمين جنبا لجنب في صف واحد .

وبعدما دخلوا في الإسلام، واجهوا مذاهب شتى وطرائق قددا، كل منهم يدعي الحق وينسب الآخرين إلى الضلال فدققوا وفتشوا عن الحقيقة، وفحصوا وحققوا عن الحق والواقع، فوجدوه في مذهب الشيعة الامامية الاثنى عشرية، فتمسكوا به وانعقدت قلوبهم على معالمه، فتبعوا عليا وأبناءه المعصومين، ورضوا بهم أئمة وقادة وسادة، لأن الله تعالى جعلهم كذلك .

3ـ إن عليا عليه السلام كان يعرف حقوق الإنسان وحقوق الأسرى في الإسلام، لأن النبي (ص) كان يوصي المسلمين بالأسرى ويقول : أطعموهم مما تطعمون، وألبسوهم مما تلبسون، ولا تؤذوهم ... إلى آخره، فكان علي عليه السلام يلتزم بتطبيق هذه الحقوق، وأما غيره فما كان يعرفها ! وإذا كان يعرفها ما كان يلتزم بها .

وحينما جاءوا بأسرى الإيرانيين إلى المدينة، عاملهم بعض المسلمين بما لا يليق، فقام علي عليه السلام بالدفاع عن ابنتي الملك حين أمر الخليفة أبو حفص ببيعهن، ولكن عليا عليه السلام منعه وقال :إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منع من بيع الملوك وأبنائهم وبناتهم، وإنما تنتخب كل واحدة من هاتين رجلا من المسلمين فتتزوج منه .

وعلى هذا انتخبت إحداهن ـ وهي " شاه زنان" ـ محمد بن أبي بكر، وانتخبت " شهربانو" ـ وهي الأخرى ـ الإمام الحسين عليه السلام .

وذهب كل منهما مع زوجته بعقد شرعي ونكاح إسلامي إلى بيته، فولدت شاه زنان من محمد ولده " القاسم" وأصبح من فقهاء المدينة وهو والد " أم فروة " والدة الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، وولدت شهربانو الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام .

فلما رأى بعض الإيرانيين وسمع آخرون منهم بزواج ابنتي يزدجرد واحترام الإمام علي عليه السلام لهما، شكروا هذا الموقف التاريخي العظيم، والقرار الإنساني الجسيم، من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام .

وكان هذا من أهم الأسباب التي دعت الإيرانيين إلى تحقيق أكثر حول شخصية أبي الحسن عليه السلام، وعلي عليه السلام هو الرجل المقدس الذي كلما زاد الإنسان معرفة به، زاد حبا له وتعظيما .

4ـ ارتباط الإيرانيين وعلاقتهم بسلمان الفارسي وهو منهم، ثم لسابقته الفاخرة في الإسلام، ومكانته المرموقة عند النبي (ص)، حتى عده من أهل بيته، في الحديث الذي اشتهر عنه (ص) في كتب الشيعة والسنة انه قال (ص) : سلمان منا أهل البيت(19).

وكان ينادى من ذلك اليوم : بسلمان المحمدي .

ولسائر فضائله ومناقبه أصبح محور الإيرانيين ومرجعهم في أمور الدنيا والدين .ولما كان سلمان من شيعة أهل البيت والموالين لآل محمد (ص) ومن المخالفين لاجتماع السقيفة والخليفة المنتخب فيها، أرشد قومه وهداهم إلى مذهب الشيعة، ودعاهم إلى التمسك بحبل الله المتين وصراطه المستقيم، وهو ولاية وإمامة أبى الحسن أمير المؤمنين، لأنه شهد يوم الغدير، وبايع عليا عليه السلام بالخلافة، وسمع أحاديث عديدة من فم النبي الكريم (ص) في شأن أبي الحسن وسمع كرارا حديث النبي (ص) من أطاع عليا فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله، ومن خالف عليا فقد خالفني، ومن خالفني فقد خالف الله(20).

5ـ لو تعمقنا في الموضوع وتفحصنا التاريخ للوصول إلى جذوره، لوجدنا أن من أهم أسباب التفاف الإيرانيين حول علي وبنيه عليهم السلام، وابتعادهم عن الغاصبين لحقوق آل محمد (ص) هو : سوء معاملة الخليفة عمر بن الخطاب مع الإيرانيين بعدما أسلموا وهاجر كثير منهم إلى المدينة المنورة، فكانت سيرته معهم خلاف سيرة النبي (ص) مع سلمان، وكانت سيرته معهم تصرفات شخصية تنبئ عن حقد دفين في قلبه لهم، وكان يحقرهم ويمنعهم من الحقوق الاجتماعية التي منحها الله تعالى لكل إنسان(21).
أما معاملة الإمام علي عليه السلام معهم فقد كانت حسنة كمعاملة النبي (ص) لسلمان الفارسي .

لهذا كان حب الإمام علي وبنيه عليهم السلام، وبغض عدوه وظالميه، مكنون في قلوب الإيرانيين، ولم يجدوا فرصة في لإظهارهما حتى القرن الرابع الهجري في عهد : آل بويه ودولتهم، فأظهروا حبهم لعلي وأبنائه عليهم السلام وبغضهم لظالميه وأعدائه .

وليس هناك أي ارتباط بين تشيع الإيرانيين وحكومة هارون وابنه المأمون العباسي .

دولة آل بويه

وأما آل بويه ـ الذين بدأت دولتهم في شيراز في القرن الرابع الهجري، وسرعان ما سرى نفوذهم في كل بلاد إيران والعراق، بل امتد سلطانهم في جميع بلاد بني العباس، وكانت كلمتهم تحكم في كل الولاة والحكام، وليس للخليفة العباسي إلا مراسيم الخلافة ـ فقد كانوا من شيعة إيران، وآل بويه مع هذه القدرة والنفوذ، ومع أنهم كانوا من شيعة وموالين لعلي وبنيه عليهم السلام، فهم لم يحاربوا التسنن، كما فعل الكثير من ملوك أهل السنة مع الشيعة، ولم يتعصبوا للشيعة على السنة، وإنما أعطوا الشيعة حرية إبداء العقيدة فحسب(22).

شيعة إيران في عهد المغول:

وفي سنة 694 هجرية فتح غازان خان المغولي بلاد إيران، ولكنه أسلم وسمي بـ : " السلطان محمود " وكان يظهر الحب والولاء لآل رسول الله (ص) ويحترم محبيهم، وكان الشيعة في حرية العقيدة في دولته، ولما توفي سنة 707 هجرية خلفه أخوه، وقد أسلم هو أيضا وسمي : " محمد شاه خدابنده " ولما اطلع هذا على كثرة المذاهب، وأهل كل مذهب يزعمون أنهم على حق وأن غيرهم على ضلال أحب أن يعرف الحقيقة ويكشف عن الحق ليتمسك به، فأمر بإحضار العلماء من كل مذهب، ثم أمرهم بالمناقشة والمناظرة والمحاورة بمحضره .

وكان العلامة الكبير الشيخ جمال الدين حسن بن يوسف الحلي، ممثل الشيعة في المجلس، وهو وحده ناظر جميع علماء المذاهب الأربعة الحاضرين في مجلس السلطان، وأفحمهم بالأجوبة الكافية والأدلة الشافية، وأورد عليهم مسائل وإشكالات فلم يتمكنوا من ردها .

هنالك ظهر الحق وزهق الباطل، وأعلن " خندابنده " وحاشيته تشيعهم، وأصدر بعد ذلك بيانا إلى جميع ولاته على البلاد، وأخبرهم بما جرى في مجلسه، وأنه تشيع على علم ودراية، لذا يجب أن تلقى الخطب في الجمعة والجماعات باسم الإمام علي وأبنائه (ع)، وطبع الدراهم والدنانير بكلمة : لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله، وسعى كثيرا واجتهد لنشر مذهب الشيعة في البلاد .

والملوك الصفويون من بعد المغول، جدوا واجتهدوا في نشر مذهب الشيعة، وأعلنوه المذهب الرسمي في إيران، وقدموا خدمات عظيمة للبلاد والعباد تحت راية علماء الشيعة ومفكريهم .

وإلى يومنا هذا، فإن المذهب الرسمي في إيران هو مذهب الشيعة الإمامية الإثنا عشرية، وهذا منذ عهد آل بويه قبل فترة الصفوية بسبعمائة عام، والمجوس أقلية لا يعدون شيئا بالنسبة للمسلمين في إيران بل هناك أقليات أخرى، ربما يكون عددهم أكثر من المجوس، وهم أيضا لا يعدون شيئا بالنسبة للمسلمين الشيعة في بلاد الفرس .

فالأكثرية الساحقة في إيران، يعتقدون بـ : توحيد الله سبحانه وتعالى، وبرسالة محمد بن عبدالله خاتم الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين، وبإمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأبنائه المعصومين الأحد عشر (ع) .

الحافظ : إني أتعجب منك أيها السيد الحجازي المكي المدني، حيث حللتم في إيران نسيت أصلك، وتركت شريعة جدك، وصرت مدافعا عن الإيرانيين، وحسبتهم أتباع علي كرم الله وجهه، والحال أن عليا برئ من عقائدهم ومذهبهم، لأنهم يؤهلون عليا ويجعلوه بمنزلة الرب ( عز وجل ) في أشعارهم وأقوالهم، وهو باليقين برئ من هذه العقيدة، لأنه كان عبدا مطيعا لله سبحانه وتعالى .

والآن أقرأ عليك بعض أشعار شعراء إيران الشيعة حتى تعرف صدقي وصحة كلامي، فقد أنشد الشاعر الإيراني، عن لسان علي كرم الله وجهه كفرا صريحا، وهو :

مظهر كـل عـجائب كيـسـت ؟ مــن                مظهـر كل العجـائب مــن ؟ ... أنــا !

مظهر سـر غـرايب كيـسـت ؟ مــن              مظهر ســر الغـرائب مـن ؟ ... أنــا !

صاحب عون نوائب كيسـت ؟ مــن              صاحب عـون النوائـب مـن ؟ أنــا ..!

در حقيقت ذات واجب كيست ؟ من              في الحقيقة ذات الواجب من ؟ أنا ..!

ويقول الآخر :

در مذهـــب عـارفـان آكــاه الله علي، علي است الله !

في مذهب العرفاء العالمين الله علي، عـلي هــو الله !

فهل بعد هذا تشك في كفرهم ؟!

قلت : إني لا أشك، ولا كنت شاكا، في كفر القائلين لهذه الأبيات وأمثالها، والعجب ثم العجب منك، إذ تنسب هؤلاء الشعراء الملاحدة والغلاة والزنادقة، إلى الشيعة الموحدين لله تعالى، وعلى هذا الحساب الجائر والخيال القاصر، تفتون ـ لأتباعكم ـ بكفر الشيعة، وتسمحون لعوامكم بنهب أموا الشيعة وسفك دمائهم وهتك أعراضهم .

فكم شبت فتن على إثر هذه الفتاوى، في أفغانستان وطاجيكستان وأوزبكستان وتركستان والهند وباكستان وغيرها، التي يندى منها جبين البشرية، وتبكي لها عين الإنسانية والله يعلم كم من الشيعة المؤمنين قتلوا بأسلحة أتباعكم العوام، لأنهم بسبب هذه التقولات الموهومة والاتهامات المزعومة على شيعة آل محمد (ص) يحسبونهم كفارا، حتى في الأزمنة السالفة كان اعتقاد كثير من أهل السنة في هذه المناطق التي ذكرتها أن من قتل عددا من الروافض ـ الشيعة ـ وجبت له الجنة !!

اعلموا أن مسؤولية هذه الدماء التي سفكت، إنما تكون عليكم، وسوف تسألون عنها في المحشر، يوم ينادي المنادي : ( وقفوهم إنهم مسؤولون )(23) ! فما يكون جوابكم عند الله تعالى ؟!

أسألكم إذا كفر عدد قليل لا يعبأ بهم في قوم مؤمنين يبلغ عددهم الملايين، هل صحيح أن يحكم على كل القوم بالكفر ألم تكن في بلادكم أقليات مشركة وطوائف كافرة ؟! وهم يعدون من الأفغان فهل صحيح نحكم على كل أفغاني بالكفر والشرك؟

ألم تكن جماعات من الغلاة الذين يؤهلون عليا في تركيا وغيرها من البلاد الإسلامية ؟! فهل صحيح أن نحكم على أهل كل بلد يعيش فيه عدد من الغلاة بالكفر والإلحاد ؟!

فإن اعتقادكم هذا بالإيرانيين دون غيرهم، ينبئ عن غيظ وحقد مكنون في قلوبكم ضدهم، ويكشف عن تعصب بغيض ضد الشيعة .

وأما الأبيات التي قرأتها وأمثالها، إن هي إلا من شعر الغلاة، وهم غير الشيعة، بل الشيعة الامامية وعلمائهم يكفرون الغلاة ويتبرؤن منهم، وقد أفتى علماء الشيعة في إيران وفي كل مكان بكفر الغلاة ونجاستهم وقالوا بوجوب الاجتناب عنهم والتبري منهم .

الإسلام يرفض التعصب القومي:

وأما قولك : بأني سيد حجازي مكي مدني، فلماذا صرت مدافعا عن الإيرانيين ؟!

فمن الواضح أني أفتخر بنسبي إلى رسول الله (ص) وانتسابي لمكة والمدينة، ولكني أحمد الله الذي لم يجعل في نفسي شيئا من النزعة القومية التي تتفرع عن جذور الجاهلية .

لأن جدي رسول الله (ص)، وإن روي عنه أنه قال : حب الوطن من الإيمان، وبهذه العبارة دعا كل قوم إلى الدفاع عن وطنه والتفاني لبلاده أمام هجوم. ولكنه حارب النزعات القومية والعصبيات القبلية بشدة(24) مثلما حارب عبادة الأصنام، وسعى جاهدا لتوحيد القوميات كلها تحت راية التوحيد والإسلام، فنادى بأعلى صوته كرارا بين أصحابه : الناس سواسية كأسنان المشط، لا فخر لعربي على عجمي، ولا أبيض على أسود، إلا بالتقوى .

وقال (ص) : أيها الناس، ليبلغ الشاهد الغائب، إن الله تبارك وتعالى قد أذهب عنكم بالإسلام نخوة الجاهلية، والتفاخر بآبائها وعشائرها .

أيها الناس ! كلكم لآدم وآدم من تراب، ألا إن خيركم عند الله وأكرمكم عليه، أتقاكم وأطوعكم له .

وقال (ص) حين فتح مكة : يا معشر قريش ! إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، الناس من آدم وآدم خلق من تراب، قال الله تعالى : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )(25).

فهذا جدي وهو النبي الأكرم (ص) وسيد بني آدم، كان يحترم بلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي ويساويهم في المعاملة مع أقرانهم من العرب، كأبي ذر الغفاري والمقداد الكندي وعمار بن ياسر وغيرهم .

ولكن أبا لهب الذي ولد في أشرف بيت من قريش، وهو عم النبي الكريم (ص) حين كفر بالله العظيم، تبرأ منه رسول الله (ص) والمسلمون، ونزلت سورة في ذمه فيها : ( تبت يدا أبي لهب وتب )(26)... إلى آخرها .

نعم :لقد رفع الإسلام سلمان فارس وقد وضع الشرك الشريفَ أبا لهب

التمييز العنصري سبب الحروب:

كل من يطالع تاريخ العالم، يعرف أن أكثر الحروب في العالم أو كلها نشبت بسبب حمية الافتخارات الجاهلية، من نزعات قومية وتفرقة عنصرية وغيرها .

فالألمانيون يعتقدون أن قومية (الجرمن) تفوق القوميات الأخرى .

واليابنيون يريدون سيادة بني الأصفر على العالم .

والأوربيون يفضلون البيض على غيرهم .

والامريكيون يريدون السيطرة على العالم بزعمهم أنهم أفضل الخليقة، ويفضلون البيض على السود بشكل فظيع، وقد وضعوا قوانين ظالمة تسحق حقوق السود، فلا يحق لهم أن يدخلوا في الأماكن والمحلات المخصصة للبيض، حتى في الكنائس والمعابد !

وفي المعاهد العلمية، العلماء السود يجلسون في صف النعال والبيض الذين هم أنزل رتبة في العلم، يعلون عليهم في المجلس .

ولا يحق للسود مناقشة البيض في المطارحات والمناظرات العلمية، لذلك خصصوا لهم معاهد خاصة .

وحتى في القطارات والمطارات وغيرها، نجد التمييز العنصري ظاهر، وقانونه الجائر ونافذ في الدول التي تدعي التدمن والالتزام بحقوق الإنسان !

وأشد مظاهر التمييز العنصري اليوم هو في أمريكا، وهي تزعم سيادة العالم والدفاع عن حقوق البشر وحرية الانسان في كل الأقطار والأمصار، ولكنها تعامل السود الذين يشكلون نسبة عظيمة من الشعب الأمريكي كالحيوان، بل يفضلون عليهم بعض الحيوانات، فالسود في أمريكا محرومون من حقوقهم الاجتماعية والإنسانية التي منحها الله تعالى لكل البشر على الحد سواء .

ولكن الإسلام العظيم وقائده الكريم محمد (ص) منذ أكثر من ألف وثلاثمائة عام، ألغى النزعات القومية والتفرقة العنصرية، وحاربها كما حارب الكفر والشرك، وعبر عنها بالنخوة والعادات الجاهلية .

ثم إنه (ص) احتضن بلال الحبشي وصهيب الرومي بالتكريم والمحبة، كما احتضن أبا ذر وعمار وسلمان، وقال في كل واحد منهم، ما بين فيه مكانته وقربه عند الله سبحانه وتعالى .

وعين بلال الحبشي ـ الأسود ـ مؤذنا في مسجده، وهو مقام رفيع في الإسلام، فإن المؤذن : داعي الله ومناديه في عبادة المؤمنين .

وقد جعل الله عز وجل التقوى معيارا في التكريم والتفضيل، فقال عز من قائل : (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)(27).

وأنا ـ بعيدا عن النزعات القومية و التعصبات الجاهلية ـ ألزم نفسي بالدفاع عن الحق وإن كان أكثره من غير قومي، وأحارب الباطل وإن كان أكثر أهله من قومي، فأصر التشيع لأنه المذهب الحق وإن كان أكثر المتمسكين به إيرانيين، وأحارب الباطل وأرفضه وإن كان أكثر الحجازيين .

نحــن أبنــــاء الدليـــل حـيـثـمــــا مــــال نـمـــــــيل

الغلاة ليسوا من الشيعة :

لقد نسبت أشعار الغلاة الإيرانيين إلى الشيعة الموحدين المؤمنين، فخلطت الحابل بالنابل .

فإن شيعة الإمام علي (ع)، سواء أكانوا إيرانيين أم عربا أم غيرهم، كلهم يوحدون الله تعالى ويطيعونه ويعبدونه ولا يشركون به شيئا، ويشهدون بأن محمدا بن عبدالله عبده ورسوله، و خاتم النبيين، ولا نبي بعده إلى قيام يوم الدين .

ويعتقدون بأن علي بن أبي طالب ولي الله وعبده الصالح، اتخذه النبي (ص) أخا، وأوصى إليه وجعله خليفته من بعده، كل ذلك بأمر من الله تبارك وتعالى .

ويعتقدون بإمامة الحسن المجتبى (ع) بعد أبيه المرتضى، ومنم بعده إمامة الحسين الشهيد (ع)، ثم إمامة تسعة من أولاد الحسين (ع) نص عليهم رسول الله (ص) وعرفهم بأوصافهم وصفاتهم، وقد عصمهم الله تعالى من الذنب، وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وهم عباده المكرمون، ولا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون .

ومن كان يقول ويعتقد غير هذا في الإمام علي وبنيه الأئمة الأحد عشر (ع) فلا تنسبوه إلى الشيعة .

ونحن الشيعة في إيران وغيره براء من الغالين في الإمام علي أو بنيه، كالسبئية والخطابية والغرابية والحلولية وغيرهم، وهذه الفرق أقليات متفرقة في أكثر البلاد الإسلامية لا إيران فقط، إلا أنه في تركيا يبلغ عددهم الملايين، مع ذلك لا تنسبون مسلمي تركيا ـ بما فيهم الشيعة الأتراك ـ إلى الغلاة !

فالشيعة في كل مكان بريئون من هذه الفرق، ويتألمون من انتسابها إليهم، كما أن المسلمون عموما يتبرءون منها عندما ينسب المستشرقون هذه الفرقة الغالية إلى الإسلام .

والشيعة : علماؤها وفقهاؤها في إيران وغيرها حكموا على الغلاة بالكفر، وأفتوا بنجاستهم ووجوب الاجتناب عنهم، ومع هذا كله، تنسبون إلينا هذه الفرق الضالة، أو تحسبوننا منهم !! إن هذا إلا بهتان عظيم .

فلو كنتم تقرءون كتبنا الكلامية، لوجدتم ردود متكلمينا وعلمائنا على عقائد الغلاة الإلحادية، بالدلائل العقلية والنقلية، وسأنقل لكم بعض الأخبار المروية في كتبنا عن أئمة الشيعة، وقد جمع قسما منها المحدث الجليل، والحبر النبيل، علامة عصره، ونابغة دهره، الشيخ المولى باقر المجلسي ـ قدس سره ـ في كتابه بحار الأنوار الذي هو أضخم دائرة معارف الشيعة الامامية وعدد أجزائه مائة وعشر مجلدات .

1ـ روي في ج 25 ص 273، حديث 19 : عن أبي هاشم الجعفري قال سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن الغلاة و المفوضة فقال الغلاة كفار و المفوضة مشركون من جالسهم أو خالطهم أو واكلهم أو شاربهم أو واصلهم أو زوجهم أو تزوج إليهم أو أمنهم أو ائتمنهم على أمانة أو صدق حديثهم أو أعانهم بشطر كلمة خرج من ولاية الله عز و جل و ولاية الرسول (ص) و ولايتنا أهل البيت .

2ـ وفي ج 25 ص 283، حديث 33 : عن الإمام جعفر الصادق (ع) الغلاة شر خلق الله يصغرون عظمة الله و يدعون الربوبية لعباد الله و الله إن الغلاة لشر من اليهود و النصارى و المجوس و الذين أشركوا .

3ـ وفي ج 25 ص 286، حديث 40 : عن أبان بن عثمان قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول لعن الله عبد الله بن سبأ إنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين و كان و الله أمير المؤمنين (ع) عبدا لله طائعا الويل لمن كذب علينا و إن قوما يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا نبرأ إلى الله منهم نبرأ إلى الله منهم .

4ـ وفي ج 25 ص 286، حديث 41 : عن الثمالي قال : قال علي بن الحسين (ع) لعن الله من كذب علينا إني ذكرت عبد الله بن سبإ فقامت كل شعرة في جسدي لقد ادعى أمرا عظيما ما له لعنه الله كان علي ع و الله عبدا لله صالحا أخو رسول الله ص ما نال الكرامة من الله إلا بطاعته لله و لرسوله و ما نال رسول الله ص الكرامة من الله إلا بطاعته لله عز وجل .

5ـ وفي ج 25 ص 296، حديث 55 : عن المفضل بن يزيد قال : قال أبو عبد الله (ع) ـ و ذكر أصحاب أبي الخطاب و الغلاة ـ فقال لي يا مفضل لا تقاعدوهم و لا تؤاكلوهم و لا تشاربوهم و لا تصافحوهم و لا توارثوهم .

6ـ ج 25 ص 297، حديث 59 : عن الصادق (ع) : لعن الله من قال فينا ما لا نقوله في أنفسنا و لعن الله من أزالنا عن العبودية لله الذي خلقنا و إليه مآبنا و معادنا و بيده نواصينا .

7ـ وفي ج 25 ص 303، حديث 69 : عن صالح بن سهل قال كنت أقول في أبي عبد الله (ع) بالربوبية فدخلت فلما نظر إلي قال يا صالح إنا و الله عبيد مخلوقون لنا رب نعبده و إن لم نعبده عذبنا .

هذا أئمة الشيعة في ابن سبأ وأبي الخطاب والمفوضة والغلاة، ومع هذا كله، فإنكم وكثير من كتابكم تنسبون الشيعة إلى ابن سبأ الملعون !

فهل وجدتم كتاب واحد من كتب الشيعة الامامية الجعفرية ـ المنسوبين للإمام جعفر الصادق (ع) ـ كلمة واحدة في مدح ابن سبأ ؟!

هذه كتبنا من أكثر من ألف سنة ملأت المكتبات والمدارس ـ اقرؤها بدقة، وطالعوها بتدبر، فلن تجدول شطر كلمة في تأييد ابن سبأ وعقائده وأفكاره، بل تجدون رده ولعنه، وأنه يهودي كافر .

فارجعوا عن كلامكم واعدلوا عن قولكم ورأيكم عن الشيعة، واخشوا الله وخافوا الحساب، يوم تسألون عن كل حرف مما قلتم، فقد قال تعالى ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )(28).

وقال سبحانه ( فمن يعمل مثقال ذرة خير يره * ومن يفعل مثقال ذرة شرا يره )(29).

فأرجوكم أن تحاوروني بكلام نابع من الواقع والحقيقة، ولا تأخذوا ما يقول أعداؤنا وخصومنا فينا، فإن الخصم قلما ينصف خصمه .

فكما أحتج وأتكلم أنا بالاستناد إلى كتبكم وصحاحكم في إثبات ما أقول، فإن أصول المحاجة والحوار تقتضي أن تكونوا كذلك .

الحافظ: إن نصائحكم مقبولة، وإن شاء الله لا نقول إلا ما فيه رضاه، وإني حين سمعت هذه الروايات عندكم في رد الغلاة، زاد تعجبي فيكم، لأنا نسمع منكم في هذا الحوار تعابير في أئمتكم، يشم منها رائحة الغلو، وهم غير راضين بتلك الكلمات، بالرغم من أنكم تحرصون على كل كلمة تلفظونها، حتى لا يؤاخذكم بها، ولا تكون سببا للطعن فيكم .

قلت : أنا لست جاهلا معاندا، ولا متعصبا جامدا، فإذا كانت في كلامي هفوات ومغالاة، فالواجب أن تنبهوني، فإن الإنسان في معرض السهو والنسيان، وأرجوكم أن تذكروا كل ما كان في نظركم غلوا أو كفرا أو خارجا عن ميزان العقل والمنطق .

الحافظ : إن الله تعالى خص نبيه محمدا (ص) بتحية الصلاة، والسلام في الآية الكريمة : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) (30) ولكن الشيعة كلهم ـ وحتى جنابكم في هذا المجلس ـ كلما ذكرتك أحد أئمتكم ألحقتم باسمه جملة ( سلام الله عليه ) أو ( صلوات الله عليه ) عوض أن تقولوا : ( رضي الله عنه ) فإنكم تشركون أئمتكم مع النبي في ما خصه الله تعالى من التحيات، فعملكم هذا بدعة وضلال وخلاف لنص القرآن الكريم .

قلت : إن الشيعة لم يخالفوا نصا في أي عمل من أعمالهم الدينية، ولكن أعداءهم كالخوارج والنواصب وبني أمية وأتباعهم في القرون الماضية افتروا عليهم، واعترضوا على بعض أعمالهم بأنها بدعة .

وعلماؤنا ردوا عليهم وأجابوهم بأدلة عقلية ونقلية أثبتوا بها أن الشيعة ليسوا أهل البدع والضلال، أجابوهم على الإشكال الذي أوردته بالتفصيل، ولكن رعاية للوقت، وإني أرى آثار التعب والنعاس تبدو على بعض الحاضرين، أجيبكم باختصار :

أولا : إن الله عز وجل في الآية الكريمة يأمر المؤمنين بالصلاة والسلام على النبي (ص) ولا ينهى عن الصلاة والسلام على غير النبي (ص) .

ثانيا : كما أن الله تعالى قال في الآية الكريمة : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ) فقد قال في سورة الصافات ( سلام على آل ياسين ) (31) .

والله عز وجل في تلك السورة أيضا سلم على أنبيائه بقوله( سلام على آل نوح في العالمين)(32) (سلام على إبراهيم)(33) ( سلام على موسى وهارون)(34) ولم يسلم على آل أحد الأنبياء إلا آل ياسين، و(يس) أحد أسماء نبينا (ص)، لأن الله تعالى ذكر لنبيه الكريم في القرآن، الحكيم خمسة أسماء وهي : محمد وأحمد وعبدالله ونون ويس، فقال ( يس * والقرآن الكريم * إنك لمن المرسلين ) (35) يا : حرف نداء، و(س) اسم رسول الله (ص) وهو إشارة إلى تساوي ظاهره وباطنه .

النواب : ما هو سبب اختيار حرف (س) من بين الحروف ؟!

قلت : لأن حرف الـ (س) في حروف التهجي هو وحده يكون عدد ظاهره وباطنه متساويين، فإن لكل حرف من حروف التهجي عند المتخصصين بعلم الحروف والأعداد زُبَر وبينة، وحين تطبيق عدد : زُبِر وبينة كل حرف يكون عددهما مختلفا، إلا حرف (س) فإن زبره يساوي بينته .

نواب : عفوا يا سيد، أرجو منك التوضيح بشكل نفهمه نحن العوام، ونحن لا نعرف معنى : الزبر والبينة، فنرجو توضيحا أكثر .

قلت : أوضح :

الزبر : هو اسم الحرف الذي يخط على القرطاس : (س) وهو حرف واحد، ولكن عند التلفظ يكون : ثلاثة حروف : س ي ن فكل ما زاد على الحرف وخطه في تلفظه يكون بينته، وعدد (س) عند العلماء : ستون وعدد (ي) عشرة، و(ن) خمسون، فيكون جمعهما ستون أيضا، فيتساوى عدد : (س) وعدد : (ين) وهذا هو الحرف الوحيد بين حروف التهجي يتساوى زبره وبينته .

ولذلك فإن الله تعالى خاطب نبيه قائلا : يس، الياء : حرف نداء، و (س) : إشارة إلى اعتدال ظاهره وباطنه.

وكذلك في الآية المباركة قال : ( سلام على آل ياسين ) .

الحافظ : إنكم تريدون بسحر كلامكم أن تثبتوا شيئا لم يقله أحد من العلماء!

قلت أرجوك أن لا تتسرع في نفي ما أقول، بل فكر وتدبر ولا تعجل، فإن العجلة ندامة، لأني أثبت كلامي استنادا إلى كتبكم وصحاحكم، وعندها تُحرج أمام الحاضرين وتخجل، وأنا لا أحب لك ذلك .

وإنكم إما غير مطلعين على كتبكم، أو مطلعين عليها ولكنكم تكتمون الحق !

أما نحن، فمطلعون على كتبكم وما فيها من الروايات والأحاديث الصحيحة والمدسوسة، فنأخذ الصحيحة ونترك غيرها .

وفي خصوص هذا الموضوع نعرف روايات وأحاديث معتبرة في كثير من كتبكم، منها : في كتاب ( الصواعق المحرقة ) الآية الثالثة في فضائل أهل البيت .

قال إن جماعة من المفسرين رووا عن ابن عباس أنه قال : أن المراد بـ ( سلام على آل ياسين ) أي : سلام على أل محمد، قال وكذا قاله الكلبي .

ونقل ابن حجر أيضا عن الإمام الفخر الرازي أنه قال : إن أهل بيته (ص) يساوونه في خمسة أشياء :

1ـ في السلام، قال السلام عليك أيها النبي، وقال سلام على آل ياسين .

2ـ وفي الصلاة عليه وعليهم في التشهد .

3ـ وفي الطهارة، قال تعالى (طه)(36) أي : يا طاهر، وقال : ( ويطهركم تطهيرا )(37).

4ـ وفي تحريم الصدقة .

5ـ وفي المحبة، قال تعالى : ( فاتبعوني يحببكم الله )(38) وقال : (( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى )(39) .

وذكر السيد أبو بكر شهاب الدين في كتابه " رشفة الصادي ..." في الباب الأول ص 24 : عن جماعة من المفسرين رووا عن ابن عباس، والنقاش عن الكلبي : سلام على آل ياسين، أي : آل محمد .

ورواه أيضا في الباب الثاني : ص34 .

وذكر الإمام الفخر الرازي في التفسير الكبير ج 7 ص 163 في تفسير الآية الكريمة : ( سلام على آل ياسين ) وجوها ... الوجه الثاني : إن آل ياسين هم آل محمد(40) .

فجواز الصلاة والتسليم على آل محمد، أمر متفق عليه بين الفريقين(41) .

الصلاة والسلام على الآل السنة

روى البخاري في صحيحه ج 3 .

ومسلم في صححه ج 1 .

والعلامة القندوزي في ينابيع المودة ص 227 نقلا عن البخاري، وابن حجر في الصواعق المحرقة : في الباب الحادي عشر، الفصل الأول، الآية الثانية .

كلهم رووا عن كعب بن عجرة، قال لما نزلت هذه الآية، قلنا : يا رسول الله ! قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك ؟

فقال : قولوا اللهم صل على محمد وعلى وآل محمد. .. إلى آخره .

قال ابن حجر : وفي رواية الحاكم، فقلنا : يا رسول الله ! كيف الصلاة عليكم أهل البيت ؟

قال : قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ... إلى آخره .

قال ابن حجر : فسؤالهم بعد نزول الآية : ( يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) وإجابتهم بـ : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ... إلى آخره، دليل ظاهر على أن الأمر بالصلاة على أهل بيته وبقية آله مراد من هذه الآية، ولم يسألوا عن الصلاة على أهل بيته وآله عقب نزولها ولم يجابوا بما ذكر، فلما أجيبوا به دل على أن الصلاة عليهم من جملة المأمور به ... إلى آخر كلامه في " الصواعق " فراجع.

وروى الإمام الفخر الرازي في ج6 من تفسيره الكبير ص 797 : لما سأله الأصحاب : كيف نصلي عليك ؟

قال (ص) قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، بارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .

وروى ابن حجر في الصواعق ص 87 : قال (ص) : لا تصلوا علي الصلاة البتراء .

فقالوا : وما الصلاة البتراء ؟

قال (ص) : تقولون : اللهم صل على محمد وتمسكون، بل قولوا : اللهم صل على محمد وعلى لآل محمد(42) .

قال : وقد أخرج الديلمي أنه ( ص) قال : الدعاء محجوب حتى يصلي على محمد وأهل بيته، اللهم صل على محمد وآله .

ولابن حجر بحث مفصل ينقل آراء علمائكم وفقهائكم في وجوب الصلاة والسلام على آل محمد (ص) في التشهد في الصلوات اليومية، ثم يقول : وللشافعي رضي الله عنه :

يا أهل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم القدر أنكــم من لم يصل عليكم لا صلاة لــه

وقد بحث الموضوع السيد أبو بكر بن شهاب الدين في كتابه رشفة الصادي، الباب الثاني : ص 29 ـ 35، ونقل دلائل في وجوب الصلاة والسلام على آل محمد في الصلاة اليومية عن النسائي والدار قطني وابن حجر والبهيقي وأبي بكر الطرطوسي وأبي اسحاق المروزي والسمهودي والنووي والشيخ سراج الدين القصيمي .

ونظرا لضيق الوقت ورعاية لحال الحاضرين أكتفي بهذا المقدار، أكتفي بهذا المقادير، وأترك الموضوع للعلماء الحاضرين حتى يفكروا ويراجعوا وجدانهم وضمائرهم، ثم يحكموا فيه وينصفوا. وبعد هذا كله ستصدقونني حتما وتقبلون بأن الصلاة والسلام على آل محمد ليست بدعة، وإنما هي عبادة وسنة أمر بها النبي الكريم (ص)، ولا ينكر هذا إلا الخوارج والنواصب المعاندون ، خذلهم الله، حيث دلسوا على إخواننا العامة، وألبسوا عليهم الحق والحقيقة .

ومن الواضح أن الذين أمر النبي (ص) أن تقرن أسمائهم مع اسمه الشريف، ويصلي ويسلم عليهم في الصلوات اليومية مقدمون على غيرهم في الفضل والشرف .

ومن السفاهة والجهل والتعصب والعناد أن نرجح الآخرين عليهم .

والآن أشاهد آثار التعب والنعاس تبدوا على كثير من الإخوان، لذلك أنهي المجلس وأنتظر قدومكم في الليلة الآتية إن شاء الله .

فقام القوم وانصرفوا وشيعتهم إلى باب الدار .

 

(1) لقد حقق عن هذا الموضوع الأستاذ محمد كرد علي وهو من محققيهم المعاصرين، وعضو المجمع العلمي العربي بدمشق، والمحول إليه التحقيق عن التشيع من قبل ذلك المجمع العلمي، وقد كتب حصيلة تحقيقه في كتابه :" خطط الشام " ج5ص251 ـ 256 وهي :

" عرف جماعة من كبار الصحابة بموالاة علي عليه السلام في عهد رسول الله (ص) مثل : سلمان الفارسي القائل : بايعنا رسول الله (ص) على النصح للمسلمين والائتمام بعلي بن أبي طالب والموالاة له .

ومثل : أبي سعسد الخدري الذي يقول : أمر الناس بخمس ففعلوا أربعة وتركوا واحدة، ولما سئل عن الأربع قال : الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج .

قيل : فما الواحدة التي تركوها ؟

قال : ولاية علي بن أبي طالب .

قيل له : وانها لمفروضة معهن ؟!

قال : نعم هي مفروضة معهن !

ومثل : أبي ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وذي الشهادتين خزيمة بن ثابت، وأبي أيوب الأنصاري وخالد بن سعيد بن العاص وقيس بن سعد بن عبادة "

وبعد تحقيق دقيق كتب :" وأما ما ذهب إليه بعض الكتاب من أن مذهب التشيع من بدعة عبدالله بن سبأ، المعروف بـ: ابن السوداء، فهو وهم وقلة معرفة بحقيقة مذهب الشيعة، ومن علم منزلة هذا الرجل عند الشيعة وبراءتهم منه ومن أقواله وأعماله، وكلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف بينهم، علم مبلغ هذا القول من الصواب، لا ريب في أن أول ظهور الشيعة كان في الحجاز بلد المتشيع له " .

وقال :" وفي دمشق يرجع عهدهم إلى القرن الأول للهجرة ".

لقد صدر هذا التحقيق بقلم أستاذ متتبع غير شيعي، وفيه كفاية لمن يطلب الحق ويبتعد عن الغواية. ( المترجم)

(2) سورة ق، الآية 18 .

(3) قال ابن خلدون في مقدمته ـ صفحة 138ـ إعلم ان الشيعة لغة : هم الصحب والأتباع، ويطلق في عرف الفقهاء والمتكلمين من الخلف والسلف : على أتباع علي وبنيه رضي الله عنهم .

وقال ابن الأثير في كتابه " نهاية اللغة " في معنى كلمة " شيع" :... "الشيعة" الفرقة من الناس، وتقع على الواحد والاثنين والجمع، والمذكر والمؤنث بلفظ واحد ومعنى واحد، وقد غلب هذا الاسم على كل من يزعم أنه يتولى عليا رضي الله عنه وأهل بيته، حتى صار لهم اسما خاصا، فإذا قيل : فلان من الشيعة، عرف أنه منهم، وفي مذهب الشيعة كذا، أي عندهم، وتجمع على " شِيَع" وأصلها من المشايعة وهي المتابعة والمطاوعة. (المترجم)

(4) سورة النجم، الآية 3و4.

(5) سورة البقرة، الآية 159.

(6) سورة البقرة، الآية 174.

(7) الحافظ أبو نعيم هو من أكبر علمائكم ومحدثيكم، يقول ابن خلكان في كتابه (وفيات الأعيان) بأنه من أكبر الحفاظ الثقات، وأعلم المحثين، وكتابه (حلية الأولياء) الذي يبلغ عشر مجلدات من أحسن الكتب .

وقال صلاح الدين الصفدي في كتابه (الوافي بالوفيات) : تاج المحدثين الحافظ أبو نعيم ...الى آخره .

وقال في تعريفه محمد بن عبدالله الخطيب في كتابه (مشكاة المصابيح) : هو من مشايخ الحديث الثقات، المعمول بحديثهم، المرجوع الى قولهم، كبير القدر، وله من العمر ست وتسعون سنة .

(8) سورة البينة الآية 7 .

(9) المناقب، الحديث الثاني من الفصل 17 في بيان ما نزل من الآيات في شأنه (ص).

(10) تذكرة خواص الأمة، ص56. قال فيه بالسند المذكور عن أبي سعيد الخدري قال : نظر النبي (ص) الى علي بن أبي طالب فقال هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة .

(11) سورة البينة الآية 7 .

(12) رواه العلامة محمد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي في كتابه (كفاية الطالب) الباب 62 بسنده عن يزيد بن شراحيل، وذكره الحافظ موفق بن أحمد المكي الخوارزمي في مناقب علي عليه السلام. (المترجم)

(13) مناقب علي عليه السلام، الفصل التاسع، الحديث العاشر .

(14) سورة البينة الآية 7 .

(15) رواه العلامة الكنجي الشافعي في كتابه (كفاية الطالب)، الباب 62 بسنده عن جابر بن عبدالله الانصاري، وقال : هكذا رواه محدث الشام في كتابه بطرق شتى . (المترجم)

(16) رواه غيره أيضا، منهم الكنجي الشافعي في كفاية الطالب، الباب 62 .

الشيعة في الحديث :

* تاريخ بغداد ج12، ص 289، قال النبي (ص) لعلي : أنت وشيعتك في الجنة .

* مروج الذهب، ج 2 ص 51، قال (ص) : إذا كان يوم القيامة دعي الناس بأسمائهم، وأسماء أمهاتهم إلا هذا ـ يعني عليا ـ وشيعته، فإنهم يدعون بأسمائهم ،وأسماء آبائهم لصحة ولادتهم .

* الصواعق المحرقة، ص 66 ط. الميمنية بمصر، قال رسول الله (ص) : يا علي أنت وشيعتك تردون علي الحوض رواء مرويين، مبيضة وجوههم، وإن أعداءكم يردون على الحوض ظماء مقمحين .

أقول : ورواه العلامة صالح الترمذي في المناقب المرتضوية، ص 101، ط. بومبي .

* كفاية الطالب، ص 135، قال (ص) لعلي : ... وإن شيعتك على منابر من نور مبيضة وجوههم حولي، أشفع لهم، فيكونون غدا في الجنة جيراني ...

* مناقب ابن المغازلي، ص 238، رواه أيضا والخبر طويل .

* كفاية الطالب، ص 98 بسنده عن عاصم بن ضمرة، عن علي (ع)، قال : قال رسول الله (ص) : شجرة أنا أصلها، وعلي فرعها، والحسن والحسين ثمرتها ـ والحسنان ثمرها / خ ل ـ والشيعة ورقها، فهل يخرج من الطيب إلا الطيب ؟! ...

قال العلامة الكنجي : هكذا رواه الخطيب، في تاريخه وطرقه .

أقول : ورواه الحاكم في المستدرك 2/160، وابن عساكر في تاريخه 4/318، ومحب الدين في الرياض النضرة 2/222، وفي ينابيع المودة، للعلامة القندوزي الحنفي، ص 257، ط. إسلامبول، روي عن النبي (ص) : لا تستخفوا بشيعة علي، فإن الرجل منهم ليشفع مثل ربيعة ومضر .

أقول : رواه العلامة الهندي في " انتهاء الأفهام " ص 19، ط. لكنهو .

تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي، ص 59، ط. الغري بسنده عن أبي سعيد الخدري، قال : نظر النبي (ص) إلى علي بن أبي طالب فقال هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة .

* فردوس الأخبار للدليمي، روى عن أنس بن مالك أنه قال : قال رسول الله (ص) : شيعة علي هم الفائزون.

أقول : رواه العلامة المناوي في " كنوز الحقائق " ص 88، ط. بولاق، ورواه القندوزي في " ينابيع المودة " ص 180، ط. اسلامبول، ورواه العلامة الهندي الهندي في " انتهاء الأفهام " ص 222، ط. نول كشور .

* المناقب المرتضوية، للعلامة الكشفي الترمذي، ص 113 طبع بومبي، وروى عن ابن عباس، قال : قال رسول الله (ص) : علي وشيعته هم الفائزون يوم القيامة .

أقول : رواه القندوزي في " ينابيع المودة " ص 257، ورواه العلامة الهندي في " انتهاء الإفهام " ص 19، كلاهما عن ابن عاس .

* الدر المنوثور ـ للسيوطي ـ 6/379، طبعة مصر، قال رسول الله (ص) لعلي : أنت وشيعتك تردون علي الحوض رواء .

ورواه القندوزي في " ينابيع المودة " ص 182، بعينه .

* تاريخ ابن عساكر 4/318، قال (ص) : يا علي، إن أول أربعة يدخلون الجنة، أنا وأنت والحسن والحسين، وذرارينا خلف ظهورنا، وأزواجنا خلف ذرارينا، وشيعتنا عن أيماننا وعن شمائلنا .

أقول : وأخرجه ابن حجر في الصواعق، ص 96، وتذكرة الخواص ص 31، ومجمع الزوائد 9/131، وكنوز الحقائق ـ في هامش الجامع الصغير ـ 2/16 .

* اسعاف الراغبين، المطبوع بهامش نور الأبصار ص 131 قال : وأخرج الدار قطني مرفوعا قال لعلي : يا أبا الحسن أما أنت وشيعتك في الجنة .

أقول : ورواه أخطب خوارزم في " المناقب " ص 67، ورواه صاحب منتخب كنز العمال ـ المطبوع بهامش المسند ـ 5/439، طبع المطبعة الميمنية بمصر. ورواه العلامة البرزنجي صاحب " الاشاعة في أشراط الساعة " ص 41 .

* مجمع الزوائد 9/173، روى عن أبي هريرة، قال : قال النبي (ص) لعلي : أنت معي وشيعتك في الجنة .

شرف النبي (ص)، للعلامة الخركوشي، روى عن أم المؤمنين أم سلمة، قالت : قال رسول الله (ص)، للعلامة الخركوشي، روي عن أم المؤمنين أم سلمة، قالت : قال رسول الله (ص) : أبشر يا علي، أنت وشيعتك في الجنة .

ورواه عنها أيضا العلامة الآمر تسري الحنفي، في " أرجح المطالب " .

* مجمع الزوائد ـ للهيثمي ـ 9/172، قال (ص) في خطبة له : أيها الناس، من أبغضنا أهل البيت حشره الله يوم القيامة يهوديا، فقال جابر بن عبدالله : يا رسول الله وإن صام وصلى ؟!

قال (ص) : وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم !

أحتجر بذلك سفك دمه وأن يؤدي الجزية عن يد وهم صاغرون .

مُثّل لي أمتي في الطين، فمر بي أصحاب الرايات، فاستغفرت لعلي وشيعته .

* المناقب المرتضوية، ص 116، طبع بومبي، للعلامة الكشفي الترمذي، أن أَنَسا روى عن النبي (ص) أنه قال : حدثني جبرائيل عن الله تعالى (عز وجل)، أن الله تعالى يحب عليا ما لا يحب الملائكة، ولا النبيين ولا المرسلين، وما من تسبيحة يسبح الله إلا و يخلق الله منه ملكا يستغفر لمحبه وشيعته ليوم القيامة .

أقول رواه العلامة القندوزي الحنفي في " ينابيع المودة " ص 256، طبعة اسلامبول، روى الحديث عن أنس بعين ما تقدم، إلا أنه أسقط ( ولا النبيين ولا المرسلين " .

وفي هذا كفاية لمن أراد الهداية، ولو رمت اسهابا أتى الفيض بالمدد. " المترجم "

(17) روى ابن المغازلي الشافعي في ـ مناقب علي بن أبي طالب ـ ح رقم 331 بسنده عن بريدة قال، قال رسول الله (ص) : إن الله يحب من أصحابي أربعة وأخبرني أنه يحبهم وأمرني أن أحبهم قالوا من هم يا رسول الله ؟

قال : ان عليا منهم وابا ذر وسلمان والمقداد بن الأسود الكندي .

وأخرجه الامام أحمد بن حنبل في مسنده 5/351/ بالاسناد عن ابن نمير بعين السند واللفظ .

وأخرجه في 5/356 بالاسناد إلى أسود بن عامر عن شريك بعين السند .

وأخرجه الحافظ البخاري في تاريخه قسم الكنى 37/ بالاسناد إلى محمد بن الطفيل عن شريك .

وأخرجه الحاكم المستدرك 3/130/ من طريق الامام أحمد بن خنبل عن الاسود ابن عامر وعبدالله بن نمير معا وصححه وأقره الذهبي في تلخيصه المطبوع بذيله .

وأخرجه الحافظ القزويني في سنن المصطفى 1/52/ط محمد فؤاد، عن بريدة مع اختلاف يسير في اللفظ والمعنى واحد. " المترجم "

(18) روى الامام أحمد في مسنده 2/420ـ422، عن النبي (ص) أنه قال: لو كان العلم بالثريا لتناوله ناس من أبناء فارس .

وفي الاصابة 3/459، أخرج ابن قانع باسناده عن رسول الله (ص) : لو كان الدين متعلقا بالثريا لتناوله قوم من أبناء فارس (المترجم) .

(19) مستدرك الحاكم : 3/ 598، وشرح مختصر صحيح البخاري ـ لأبي محمد الأزدي ـ : 2 / 46. ( المترجم)

(20) ذكر الحديث الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين ـ طبعة دار المعرفة بيروت ـ : 3 / 121 مع اختلاف فليراجع .

(21) روى مالك في الموطأ : 2/12، عن الثقة عنده، أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : ( أبى عمر بن الخطاب أن يورث أحدا من الأعاجم إلا أحدا ولد في العرب ) وعلى هذا يفتي مالك فيقول : ( وإن جاءت امرأة حامل من أرض العدو فوضعته في أرض العرب فهو ولدها ) يرثها ان ماتت، ميراثها في كتاب الله ) مع العلم أم حكم التوارث بين المسلمين عربا كانوا أم أعاجم، واين ماولدوا، في أرض العرب أو غيرها من ضروريات دين الإسلام، نطق به كتاب الله ورسوله، فليس هناك تخصيص، وليس من شروط التوارث الولادة في أرض العرب ولا العروبة شرط الإسلام، ولكن كم لهذه القضية في حكومة عمر من نظائر وهي تنبئ عن نزعته القومية والعصبية الجاهلية المتأصلة فيه( المترجم).

(22) ولو راجعت تاريخ ابن الأثير المسمى بالكامل، حوادث ما بعد عام 440، لعرفت عفوهم وتغاضيهم عن أهل التسنن في كثير من الحوادث التي أججوا نارها والفتن التي أحدثوها ضد الشيعة .

نعم، آل بويه أعانوا علماء الشيعة على تأسيس المدارس لنشر علوم آل محمد (ص) ولنشر الكتب في بيان عقائد الامامية ودفع الشبهات عنهم، وكاموا يحبون التفاهم مع السنة والجماعة عن طريق الاستدلال العلمي والحوار المنطقي، لا السيطرة عليهم بالقهر والغلبة .

وفي تاريخ الكامل في حوادث 372، قال : وكان ـ عضد الدولة ـ محبا للعلوم وأهلها، مقربا لهم، محسنا إليهم، وكان يجلس معهم يعارضهم في المسائل، فقصده العلماء من كل بلد وصنفوا له الكتب، ومنها : الإيضاح في النحو، والحجة في القراءات، والملكي في الطب والناجي في التاريخ .. إلى غير ذلك .

فابن الأثير يشهد لهم بحبهم لعامة أهل العلم لا الشيعة الخاصة. وحينما وجد الشيعة حرية العقيدة في دولة آل بويه، اظهروا ولاءهم وحبهم للإمام علي وبنيه وأعلنوا عداءهم وبغضهم لأعدائه وظالميه .. وكان بدء ذلك في بغداد عاصمة بني العباس، وكان يرأس هذه الحركة، زعيم الطائفة الشيعية، وأعلم أهل زمانه في العلوم الدينية : الشيخ المفيد، وهو عربي من بغداد، وتلاميذه : السيد الرضي والسيد المرتضى وغيرهما ولا يشك أحد في عروبتهم .

كما لا يشك أحد من العلماء المحققين، إن الذين انضموا تحت راية الإمام علي عليه السلام في حربه مع عائشة وطلحة والزبير في يوم الجمل، وفي حربه مع معاوية وابن العاص في صفين وفي النهروان، كانوا شيعته وأتباعه، وقد كانوا من المهاجرين والانصار الذين بايعوه في المدينة وكانوا من أهل الكوفة واليمن، كلهم من العرب ويرجع أصلهم ونسبهم إلى عدنان وقحطان، أكانت قريش من الفرس ؟! أم الاوس والخزرج، أم همدان وكندة، أم تميم ومضر، وغيرهم من قبائل الجزيرة العربية ؟؟!

وأما المشاهير من أصحابه وأركان جيشه : فمالك الأشتر وهاشم المرقال وصعصعة ابن صوحان وعمار بن ياسر وقيس بن سعد بن عبادة وابن عباس ومحمد بن أبي بكر وعدي بن حاتم الطائي وأويس القرني ونظراؤهم، أيهم كان فارسيا حتى ينسب مذهبهم الى الفرس ؟!

ولو كان مقياس الحق والباطل العربية والفارسية فإن المذاهب الأربعة أحق بالانتساب الى الفرس والأعاجم، لأن أبا حنيفة وهو الامام الأعظم لأهل السنة فارسي أعجمي .

ولو استقرت أرباب الصحاح الستة، لعرفت أنهم جميعا من العجم، والصحاح الستة هي الأساس لمذاهب السنة .

وإما أصحاب التفاسير فأشهرهم : النيسابوري والطبري والزمخشري والرازي ..

ولكن لا اعتبار عندنا للقوميات، وليست القومية عندنا معيارا للحق والباطل، فقد قال الله عز وجل في سورة الحجرات الآية 13 : (ان أكرمكم عند الله أتقاكم) ( المترجم).

(23) كما في سورة الصافات، الآية 24.

(24) روى أبو داود في سننه: 2/332، عن النبي (ص): ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية. (المترجم).

(25) سورة الحجرات، الآية 13 .

(26) سورة المسد، الآية 1.

(27) سورة الحجرات، الآية 13 .

(28) سورة ق، الآية 18 .

(29) سورة الزلزلة، الآية 7 و 8 .

(30) سورة الاحزاب، الآية 56 .

(31) سورة الصافات، الآية 130 .

(32) سورة الصافات، الآية 79 .

(33) سورة الصافات، الآية 109 .

(34) سورة الصافات، الآية 120 .

(35) سورة يس، الآية 1ـ 3 .

(36) سورة طه، الآية 1 .

(37) سورة الأحزاب، الآية 23 .

(38) سورة آل عمران، الآية 31 .

(39) سورة الشورى، الآية 23 .

(40) ونقل الحافظ سليمان الحنفي في " ينابيع المودة " الطبعة السابعة، ص 6 من مقدمته ما نصه : وأخرج أبو نغيم الحافظ وجماعة من المفسرين، عن مجاهد وأبي صالح، هما عن ابن عباس ( رضي الله عنهما )، قال : آل ياسين : آل محمد، و ياسين : اسم من أسماء محمد (ص). " المترجم "

(41) وتطرق الحافظ سليمان في مقدمة كتابه " ينابيع المودة " إلى ذكر كثير من الروايات في الموضوع، ثم قال : فمن هذه الآيات والأحاديث علم أن لا تكون التصلية والتسليمة على الأنبياء والملائكة مختصة لهم ـ وبعد ذكر أدلته ... ـ قال : وإنما نشأ هذا القول، بأنهما مختصان للأنبياء والملائكة، من التعصب بعد افتراق الأمة، نسأل الله أن يعصمنا من التعصب. " المترجم ".

(42) رواه العلامة القندوزي في مقدمة ينابيع المودة : ص 6، عن الصواعق المحرقة، وعن جواهر العقدين. " المترجم " .