المجلس الثالث ليلة الأحد 25/ رجب / 1345 هجرية |
حضر مجلس البحث الذي انعقد في أول الليل فضيلة الحافظ محمد رشيد مع ثلة من المشايخ والعلماء ، وجمع كبير من أتباعهم ، فلما استقر بهم المجلس وتناولوا الشاي والحلوى ... . قال الحافظ : في الليلة البارحة لما ذهبت من هنا إلى البيت لمت نفسي كثيرا لعدم تحقيقي ومطالعتي حول المذاهب الأخرى وعقائدهم وأقوالهم ، ولم اكتف بكتب مخالفيهم وبتعبيركم : المتعصبين على غيرهم ! وقد ظهر لنا ـ من جملة كلامكم ـ في الليلة الماضية : أن الشيعة يفترقون على مذاهب وطرق شتى ، فأي مذهب على حق عندكم ؟ بينوه حتى نعرف على أي مذهب نحاوركم ، ونكون على بينة من الأمر في هذا التفاهم الديني والحوار المذهبي ! قلت : إني لم أذكر في الليلة الماضية أن الشيعة على مذاهب ، وإنما الشيعة مذهب واحد ، وهم المطيعون لله وللرسول محمد (ص) والأئمة الاثني عشر (ع) . ولكن ظهرت مذاهب كثيرة بدواع دنيوية وسياسية زعمت أنها من الشيعة ، وتبعهم كثير من الجهال فاعتقدوا بأباطيلهم وكفرياتهم ، وحسبهم الجاهلون الغافلون بأنهم من الشيعة ، ونشروا كتبا على هذا الأساس الباطل من غير تحقيق وتدقيق . وأما المذاهب التي انتسبت إلى الشيعة عن جهل أو عمد لأغراض سياسية ودنيوية ، فهي أربع مذاهب أولية ، وقد اضمحل منها مذهبان وبقي مذهبان ، تشعبت منها مذاهب أخرى . والمذاهب الأربعة هي : الزيدية ، الكيسانية ، القداحية ، الغلاة . مذهب الزيدية: وبعد وفاة علي بن الحسين (ع) ساق جماعة من الشيعة الإمامة إلى ابنه زيد وعرف هؤلاء بالزيدية وهم الذين ( ساقوا الإمامة في أولاد فاطمة ولم يجوزوا ثبوت الإمامة في غيرهم ) إلا أنهم جوزوا أن يكون كل فاطمي عالم زاهد شجاع سخي خرج بالإمامة أن يكون إماما واجب الطاعة سواءً كان من أولاد الحسن أو من أولاد الحسين(1). ولما كان زيد الشهيد (ع) كذلك ، اتخذوه إماما بعد أبيه فقد خرج ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويدفع الظلم عن نفسه وعن المؤمنين ، وكان سيدا شريفا ، وعالما تقيا ، وشجاعا سخيا وقد أخبر رسول الله (ص) عن شهادته ، فقد روى الإمام الحسين (ع) أن رسول الله (ص) وضع يده على ظهري وقال : يا حسين سيخرج من صلبك رجل يقال له زيد يقتل شهيدا ، فإذا كان يوم القيامة يتخطى هو وأصحابه رقاب الناس ويدخلون الجنة . وقال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) للمأمون وهو يحدثه عن زيد بن علي الشهيد أنه كان من علماء آل محمد غضب في الله فجاهد أعداءه حتى قتل في سبيله ، ولقد حدثني أبي موسى بن جعفر أنه سمع أباه جعفر بن محمد يقول : رحم الله عمي زيدا إنه دعا إلى الرضا من آل محمد ولو ظفر لوفّى لله ، ومن ذلك أنه قال : أدعوكم إلى الرضا من آل محمد(2). روى الخزاز(3) في حديث طويل عن محمد بن بكير قال : دخلت على زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وعنده صالح بن بشر فسلمت عليه وهو يريد الخروج إلى العراق فقلت له : يا ابن رسول الله ... هل عهد إليكم رسول الله (ص) متى يقوم قائمكم ؟ قال : يا ابن بكير ، إنك لن تلحقه ، وأن هذا الأمر تليه ستة من الأوصياء بعد هذا ( ويعني الإمام الباقر ) ثم يجعل الله خروج قائمنا ، فيملؤها قسطا وعدلا كما ملئت جورا و ظلما . فقلت يا ابن رسول الله ألست صاحب هذا الأمر ؟ فقال : أنا من العترة ، فعدت فعاد إلي ، فقلت : هذا الذي تقول عنك أو عن رسول الله (ص) ؟ فقال : لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير ، لا ولكن عهد عهده إلينا رسول الله (ص) . الكيسانية: وهم أصحاب كيسان وكان عبدا اشتراه الإمام علي (ع) فأعتقه ، ويقولون بإمامة محمد بن الحنفية بعد إمامة الحسن المجتبى والحسين سيد الشهداء (ع) ، ولكن محمدا لم يدع الإمامة أبدا وهو عندنا سيد التابعين ، ويعرف بالعلم والزهد والورع والإطاعة للإمام السجاد (ع) زين العابدين . نعم ، نقل بعض المؤرخين بعض الاختلافات بينهما ، وقد اتخذ الكيساني تلك الاختلافات دليلا على ادعاء محمد بن الحنفية لمقام الإمامة . ولكن الحقيقة أنه أراد أن يوجه أصحابه إلى عدم صلاحيته لذلك المقام الرفيع ، فكان في الملأ العام يخالف رأي الإمام زين العابدين عليه السلام ، وكان الإمام عليه السلام يجيبه جوابا مقنعا فيفحمه ، فكان محمد يسلم للإمام ويطيعه ، وأخيرا تحاكما عند الحجر الأسود في أمر الإمامة وأقر الحجر بإمامة علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليه السلام ، فبايع محمد بن الحنفية ابن أخيه الإمام السجاد ، وتبعه أصحابه وعلى رأسهم أبو خالد الكابلي ، فبايعوا إلا قليل منهم بقوا على عقيدتهم الباطلة بحجة أن اعتراف محمد بإمامة زين العابدين عليه السلام حدث لمصلحة لا نعرفها !! ومن بعد موته ، قالوا بأنه لم يمت ! وإنما غاب في شعب جبل رضوى ، وهو الغائب المنتظر الذي أخبر عنه رسول الله (ص) وسيظهر ويملأ الأرض قسطا وعدلا . وقد انقسموا على أربع فرق : المختارية ، الكربية ، الإسحاقية ، الحربية ، وكلهم انقرضوا ولا نعرف اليوم أحدا يعتقد بمذهبهم . القداحية: وهم قوم باطنيون يتظاهرون بالتمسك ببعض عقائد الشيعة ويبطنون الكفر والزندقة والإلحاد !! ومؤسس هذا المذهب الباطل هو : ميمون بن سالم ، او ديصان ، وكان يعرف ويلقب بقداح ، وكان ابتداء هذا المذهب في مصر ، وهم فتحوا باب تأويل القرآن والأحاديث حسب رأيهم كيفما شاءوا ، وجعلوا للشريعة المقدسة ظاهرا وباطنا وقالوا : إن الله تعالى علّم باطن الشريعة لنبيه ، وهو علّمه عليا ، وعلي عليه السلام علم أبناءه ، وشيعته المخلصين . وقالوا : بأن الذين عرفوا باطن الشريعة ، تحرروا وخلصوا من الطاعة والعبودية الظاهرية !!
وقد بنوا مذهبهم على سبعة أسس ، واعتقدوا بسبعة أنبياء وسبعة
أئمة ، فقالوا في الإمام السابع ، وهو موسى بن جعفر عليه السلام : بأنه غاب ولم يمت
، وسيظهر ويملأ الأرض قسطا 1ـ الناصرية : أي : أصحاب ناصر خسرو العلوي ، الذي تمكن بقلمه وشعره أن يدفع كثيرا من الغافلين في هوة الكفر والإلحاد ، وكان له أتباع في طبرستان . 2ـ الصبّاحيّة : وهم أصحاب حسن الصباح ، وهو من أهل مصر ، ثم هاجر إلى إيران ونشر دعوته في نواحي قزوين ، وكانت واقعة قلعة " الموت" بسببه ، والتي قتل فيها كثير من الناس ، والتاريخ يذكرها بالتفصيل ولا مجال لذكرها . الغلاة: وهم أخس الفرق المنسوبة إلى التشيع ، وهم سبع فرق كلهم ملحدون : السّبئية ، المنصورية ، الغرابية ، البزيغية ، اليعقوبية ، الإسماعيلية ، الدرزية . ولا مجال لشرح أحوالهم وعقائدهم ، وإنما أشرت إليهم وذكرتهم لأقول : نحن الشيعة الإمامية الإثنا عشرية نبرأ من هذه الطوائف والفرق والمذاهب الباطلة ونحكم عليهم بالكفر والنجاسة ، ووجوب الاجتناب عنهم . هذا حكم أئمة أهل البيت عليهم السلام الذين نقتدي بهم ، وقد ذكرت لكم بعض الروايات عن أئمتنا عليهم السلام في حق أولئك الزنادقة الملحدين ـ في الليلة الماضية ـ . ومع الأسف أن نرى كثيرا من أصحاب القلم لم يفرقوا بين الشيعة الإمامية الجعفرية وبين هذه الفرق المنتسبة للشيعة ، مع العلم أن عددنا يربو على أتباع هذه المذاهب الباطلة بأضعاف مضاعفة ، وهم نسبة ضئيلة جدا ، وعددنا نحن اليوم أكثر من مائة مليون ، وأصحابنا موجودون في كل بلاد العالم ، ونعلن براءتنا من هذه العقائد الفاسدة والمذاهب الباطلة التي تنسب إلى الشيعة . خلاصة عقائدنا: والآن أذكر لكم أصول عقائد الشيعة الإمامية الاثنى عشرية باختصار ، وأرجو أن لا تنسبوا إلينا غير ما أبينه لكم . نعتقد : بوجود الله سبحانه وتعالى ، الواجب الوجود ، الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، ليس له شبيه ولا نظير ، ولا جسم ولا صورة ، لا يحل في جسم ، ولا يحدد بمكان ليس بعرض ولا جوهر ، بل هو خالق العرض والجوهر وخالق كل شيء ، منزه عن جميع الصفات التي تشبهه بالممكنات ، ليس له شريك في الخلق وهو الغني المطلق ، والكل محتاج إليه على الإطلاق. أرسل رسله إلى الخلق واصطفاهم من الناس واختارهم فبعثهم إليهم بآياته وأحكامه ليعرفوه ويعبدوه ، فجاء كل رسول من عند الله سبحانه ما يقتضيه الحال ويحتاجه الناس ، وعدد الأنبياء كثير جدا إلا أن أصحاب الشرائع خمسة ، وهم أولو العزم : 1ـ نوح ، نجي الله 2ـ إبراهيم ، خليل الله 3ـ موسى ، كليم الله 4ـ عيسى ، روح الله 5ـ محمد ، حبيب الله ، صلوات الله وسلامه عليهم جميعا . وإن سيدهم وخاتمهم هو : نبينا محمد المصطفى (ص) ، الذي جاء بالإسلام الحنيف وارتضاه الله تعالى لعباده دينا إلى يوم القيامة . فحلال محمد (ص) حلال إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام إلى يوم القيامة . والناس مجزون بأعمالهم يوم الحساب ، فالدنيا مزرعة الآخرة ، فيحيي الله الخلائق بقدرته ، ويرد الأرواح إلى الأجساد ، ويحاسبهم على أقوالهم وأفعالهم ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) (4). ونعتقد : بالقرآن الحكيم كتابا ، أنزله الله تبارك وتعالى على رسوله الكريم محمد (ص) ، وهو الذي بين أيدي المسلمين ، لم يحرف ولم يغير منه حتى حرف واحد ، فيجب علينا أن نلتزم به ونعمل بما فيه من الصلاة والصوم والزكاة والخمس والحج والجهاد في سبيل الله . ونلتزم بكل ما أمر به الرب الجليل ، وبكل الواجبات والنوافل التي بلغها النبي (ص) ووصلتنا عن طريقه . ونمتنع عن ارتكاب المعاصي ، صغيرة أو كبيرة ، كشرب الخمر ولعب القمار والزنا واللواط والربا وقتل النفس المحترمة والظلم والسرقة ، وغيرها مما نهى الله ورسوله عنها . ونعتقد : أن الله عز وجل هو وحده يبعث الرسل وينزل عليهم الكتاب والشريعة ، ولا يحق لقوم أن يتخذوا لأنفسهم دينا ونبيا غير مبعوث من عند الله تعالى ، وكذلك هو وحده الذي ينتخب ويختار خلفاء رسوله بالنص ، والرسول يعرفهم للأمة. وكما أن جميع الأنبياء عرفوا أوصياءهم وخلفاءهم لأممهم كذلك خاتم الأنبياء محمد (ص) لم يترك الأمة من غير هاد وبلا قائد مرشد من بعده ، بل نصب عليا وليا مرشدا ، وعلما هاديا ، وإماما لأمته ، وخليفة من بعده في نشر دينه وحفظ شريعته . وقد نص النبي (ص) ـ كما في كتبكم أيضا ـ أن خلفاءه من بعده اثنا عشر ، عرفهم بأسمائهم وألقابهم ، أولهم سيد الأوصياء علي بن أبى طالب عليه السلام ، وبعده ابنه الحسن المجتبى ، ثم الحسين سيد الشهداء ثم علي بن الحسين زين العابدين ، ثم ابنه محمد باقر العلوم ، ثم ابنه جعفر الصادق ، ثم ابنه موسى الكاظم ، ثم ابنه علي الرضا ، ثم ابنه محمد التقي ، ثم ابنه علي النقي ، ثم ابنه الحسن العسكري ، ثم ابنه محمد المهدي ، وهو الحجة القائم المنتظر ، الذي غاب عن الأنظار ، وسوف يظهر فيملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا ، وقد تواترت الأخبار في كتبكم وعن طرقكم أيضا ، أن النبي (ص) أخبر بظهور المهدي صاحب الزمان ، وهو المصلح العالمي الذي ينتظره جميع أهل العالم ، ليمحو الظلم والجور ويقيم العدل والقسط على وجه البسيطة . وبكلمة واحدة أقول : نحن نعتقد بجميع الأحكام الخمسة ـ من الحلال والحرام والمستحب والمكروه والمباح ـ التي أشار إليها القرآن الكريم ، أو جاءت في الروايات والأخبار الصحيحة المعتبرة التي وصلتنا عن النبي الأكرم (ص) وأهل بيته الطيبين الطاهرين . وأنا أشكر الله ربي إذ وفقني لأعتقد بكل ذلك عن تحقيق ودراسة وعلم واستدلال ، لا عن تقليد الآباء والأمهات ، ولذا فإني أفتخر بهذا الدين والمذهب الذي أتمسك به ، وأعلن أني مستعد لأناقش على كل صغيرة وكبيرة من عقائدي ، وبحول الله وقوته أثبت حقانيتها . ( الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ) (5). ارتفع صوت المؤذن لصلاة العشاء ، وبعد الفراغ من الصلاة شربوا الشاي وتناولوا شيئا من الحلوى ، ثم افتتح الحافظ كلامه قائلا : نشكركم على التوضيح عن فرق الشيعة ، ولكن نرى في الأخبار والأدعية المروية في كتبكم وعبارات ظاهرها يدل على الكفر ! قلت : أرجو أن تذكروا عبارة واحدة من تلك العبارات حتى نعرف . الحافظ : إني طالعت أخبارا كثيرة في كتبكم بهذا المعنى ولكن الذي أذكره الآن ويجول في خاطري ، عبارة ، في "تفسير الصافي "(6) للفيض الكاشاني الذي هو أحد كبار علمائكم فقد روى : أن الحسين شهيد الطف وقف يوما بين أصحابه فقال : أيها الناس ! إن الله تعالى جل ذكره ما خلق العباد إلا ليعرفوه ، فإذا عرفوه عبدوه ، وإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه . قال رجل من أصحابه : بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله (ص) فما معرفة الله ؟ قال (ص) : معرفة أهل كل زمان إمامهم الذي تجب عليهم طاعته . قلت : أولا: يجب أن ننظر إلى سند الرواية ، هل كان صحيحا أو موثقا ، قويا أو ضعيفا ، معتبرا أو مردودا . ثم على فرض صحة السند فهو خبر واحد ، فلا يجوز الاستناد عليه والالتزام به ، فمثل هذا الخبر يلغى عندنا لمناقضته للآيات القرآنية والروايات الصريحة المروية عن أهل البيت عليهم السلام في التوحيد(7). ومن أراد أن يعرف نظر الشيعة في التوحيد فليراجع خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في )نهج البلاغة) حول التوحيد وليراجع مناظرات أئمتنا عليهم السلام ومناقشاتهم مع الماديين والدهريين المنكرين لوجود الله عز وجل ، لتعرفوا كيف ردوا شبهاتهم ، وأثبتوا وجود الخالق وتوحيده على أحسن وجه . راجعوا كتاب توحيد المفضل ، وتوحيد الصدوق ، وكتاب التوحيد من موسوعة " بحار الأنوار" للعلامة المجلسي قدس الله أسرارهم . وطالعوا بدقة كتاب النكت العقائدية ، والمقالات في المذاهب والمختارات ، وهما من تصانيف محمد بن محمد بن نعمان ، المعروف بالشيخ المفيد طاب ثراه ، وهو من أكبر علمائنا في القرن الرابع الهجري. طالعوا بإمعان كتاب ) الاحتجاج ) للشيخ الجليل أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي رحمه الله . راجعوا هذه الكتب القيمة حتى تعرفوا كلام أئمة الشيعة وعلمائهم في التوحيد . ولكنكم لا تريدون معرفة الحقيقة والواقع ! وإنما تبحثون في كتبنا لتجدوا أخبارا متشابهة فتتحاملون بها علينا ، وتهرجون بها ضدنا . أتبصر في العين مني القذى وفي عينك الجذع لا تـــبصر فكأنكم لم تطالعوا كتبكم وصحاحكم فتجدوا فيها الأخبار الخرافية والموهومات ، بل الكفريات التي تضحك الثكلى ويأباها العقل السليم ، فلو تقرأها بإمعان لما رفعت رأسك خجلا ، ولم تنظر في وجوه الحاضرين حياء !! الحافظ : إن المضحك المخجل هو كلامكم في تخطئة الكتب العظيمة التي لم يصنف ولم يؤلف مثلها في الإسلام ، خصوصا صحيح البخاري وصحيح مسلم اللذان أجمع علماء الإسلام على صحتهما ، وأن الأحاديث المروية فيها صادرة عن النبي (ص) قطعا ، ولو أن أحدا أنكر الصحيحين أو خطّأ بعض الأحاديث المروية فيهما فإنه ينكر وينفي مذهب السنة والجماعة ، لأن مدار عقائد أهل السنة وفقههم بعد القرآن يكون على هذين الكتابين . كما كتب ابن حجر المكي ، وهو من كبار علماء الإسلام وإمام الحرمين ، في كتابه "الصواعق المحرقة" : فصل في بيان كيفيتها ـ أي : كيفية خلافة أبي بكر ـ روى الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب بعد القرآن ، بإجماع يعتد به : فلذلك من البديهي أن الأخبار المندرجة في الصحيحين كلها قطعية الصدور عن النبي (ص) ، لأن الأمة أجمعت على قبولهما ، وكل ما أجمعت الأمة على قبوله فهو مقطوع به ، فكل ما في الصحيحين مقطوع بصحته !! على هذا ، كيف يتجرأ أحد أن يقول : توجد في الصحيحين خرافات وكفريات وموهومات ؟! رد الإجماع المزعوم: قلت : نحن نورد إشكالا علميا على الإجماع الذي تدعونه على صحة ما في الصحيحين وإسناد ما فيها إلى النبي (ص) ! فقد ناقش كثير من علمائكم روايات الصحيحين ورفضوا كثيرا منها ، أضف على أولئك جميع الشيعة ، وهم أكثر من مائة مليون مسلم في العالم . فإن إجماعكم هذا مثل الإجماع الذي زعمتم في الخلافة بعد النبي (ص) !! فإن كثيرا من علمائكم الكبار ، مثل : الدارقطني وابن حجر وشهاب الدين أحمد بن محمد القسطلاني في ( إرشاد الساري) والعلامة أبي الفضل جعفر بن ثعلب الشافعي في كتاب ( الامتناع في أحكام السماع ) والشيخ عبد القادر بن محمد القرشي الحنفي في ( الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية ) وشيخ الإسلام أبو زكريا النووي في شرح صحيح مسلم ، وشمس الدين العلقمي في ( الكوكب المنير في شرح الجامع الصغير ) وابن القيم في كتاب ( زاد المعاد في هدي خير العباد ) وأكثر علماء الحنفية انتقدوا كثيرا من الأحاديث المدرجة في الصحيحين وقالوا : إنها من الروايات الضعاف وهي غير صحيحة . وبعض المحققين من علمائكم مثل كمال الدين جعفر بن ثعلب بالغ في بيان فضائح بعض الروايات من الصحيحين ، وأقام الأدلة العقلية والنقلية على خلافها . فلسنا وحدنا المنتقدين لصحيحي مسلم والبخاري والقائلين بوجود الخرافات فيهما حتى تهرج ضدنا ! الحافظ : بينوا لنا من خرافات الصحيحين كما تزعمون حتى نترك التحكيم في ذلك للحاضرين . قلت : أنا لا أحب أن أخوض في هذا البحث ، ولكن تلبية لطلبكم ، ولكي تعرفوا أني لا أتكلم إلا عن علم وإنصاف ، وعن وجدان وبرهان ، اذكر بعض تلك الروايات باختصار : رؤية الله سبحانه عند أهل السنة: إذا أردتم الاطلاع على الأخبار التي تتضمن الكفر في الحلول والاتحاد وتجسم الله سبحانه ورؤيته في الدنيا أو في الآخرة على اختلاف عقائدكم ، فراجعوا : صحيح البخاري ج 1 ، باب فضل السجود من كتاب الصلاة ، وج 4 باب الصراط من كتاب الرقاق ، وصحيح مسلم ج1 ، باب إثبات رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة ، ومسند أحمد ج2 ص 275 ، وأنقل لكم نموذجين من تلك الأخبار الكفرية : 1ـ عن أبي هريرة : إن النار تزفر و تتقيظ شديدا ، فلا تسكن حتى يضع الرب قدمه فيها ، فتقول : قطّ قطّ ، حسبي حسبي . وعنه : إن جماعة سألوا رسول الله (ص) : هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال (ص) : نعم ، هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب ... إلى آخرها . بالله عليكم أنصفوا ! أما تكون هذه الكلمات كفرا بالله سبحانه وتعالى . وقد فتح مسلم بابا في صحيحه كما مر ونقل أخبار عن أبي هريرة وزيد بن أسلم وسويد بن سعيد وغيرهم في رؤية الله تبارك وتعالى . وقد رد هذه الأخبار كثير من كبار علمائكم وعدوها من الموضوعات والأكاذيب على النبي (ص) ، منهم الذهبي في " ميزان الاعتدال " والسيوطي في " اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة " وسبط ابن الجوزي في " الموضوعات " فهؤلاء كلهم أثبتوا ـ بأدلة ذكروها ـ كذب تلك الأخبار وعدم صحتها . وإذا لم تكن هناك أدلة على بطلانها سوى الآيات القرآنية الصريحة في دلالتها على عدم جواز رؤية الباري عز وجل لكفى ، مثل : ( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير )(8) . وفي قصة موسى بن عمران (ع) وقومه إذ طلبوا منه رؤية الله تعالى وهو يقول لهم : لا يجوز لكم هذا الطلب ، ولكنهم أصروا فقال : ( رب أرني أنظر إليك قال لن تراني )(9) و (لن) تأتي في النفي الأبدي . قال السيد عبد الحي ـ وهو إمام جماعة المسجد ـ : ألم ترووا عن علي كرم الله وجهه أنه قال : لم أكن أعبد ربا لم أره ؟! قلت : حفظت شيئا وغابت عنك أشياء ، إنك ذكرت شطرا من الخبر ولكني أذكر لك الخبر كله حتى تأخذ الجواب من نص الخبر : روى ثقة الإسلام الشيخ محمد بن يعقوب الكليني قدس سره(10) في كتاب الكافي كتاب التوحيد باب إبطال الرؤية وروى أيضا الشيخ الكبير حجة الإسلام أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق طاب ثراه(11) في كتاب التوحيد باب إبطال العقيدة رؤية الله تعالى ، رويا عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) أنه قال : جاء حَبْرٌ إلى أمير المؤمنين (ع) فقال : يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك حين عبدته ؟ فقال (ع) : ويلك ! ما كنت أعبد ربا لم أره . قال : وكيف رأيته . قال (ع) : ويلك ! لا تدركه العيون بمشاهدة الأبصار ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان . فكلام أمير المؤمنين (ع) صريح في نفي رؤيته سبحانه بالبصر ، بل يدرك بالبصيرة وبنور الإيمان . وعندنا دلائل عقلية ونقلية أقامها علماؤنا في الموضوع ، وتبعهم بعض علمائكم ، مثل : القاضي البيضاوي ، وجار الله الزمخشري في تفسيريهما ، أثبتا أن رؤية الله سبحانه لا تمكن عقلا . فمن يعتقد برؤية الله سواء في الدنيا أو في الآخرة ، يلزم أن يعتقد بجسميته عز وجل ، وبأنه محاط ومظروف ، ويلزم أن يكون مادة حتى يرى بالعين المجردة ، وهذا كفر كما صرح العلماء الكرام من الفرقين !! الأخبار الخرافية في الصحيحين: ثم أني أعجب كثيرا من اعتقادكم بالصحاح الستة ، وبالأخص صحيحي البخاري ومسلم على أنهما كالوحي المنزل ، فلو نظرتم فيهما بعين التحقيق والنقد ، لا بعين القبول والتسليم ، لاعتقدتم بكلامي ، ولقبلتم أن صحاحكم ، وحتى صحيحي مسلم والبخاري لا تخلو من الخرافات والموهومات ، وإليكم بعضها : 1ـ أخرج البخاري في كتاب الغسل ، باب من اغتسل عريانا ، وأخرج مسلم في ج2 باب فضائل موسى ، وأخرج أحمد في مسنده ج2 ص 315 عن أبي هريرة قال : كانوا بنوا إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى سوأة بعض ، وكان موسى يغتسل وحده ، فقالوا : والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر ـ أي ذو أدرة ، وهي : الفتق ـ . قال فذهب مرة ليغتسل فوضع ثوبه على حجر ، ففر الحجر ، بثوبه ، فجعل موسى يجري بأثره ويقول : ثوبي حجر ! ثوبي حجر ! حتى نظر بنو إسرائيل إلى سوأة موسى !!! فقالوا : والله ما بموسى من بأس ، فقام الحجر بعد حتى نظر إليه ، فأخذ موسى ثوبه فطفق بالحجر ضربا !! فوالله إن بالحجر ندبا ستة أو سبعة !! بالله عليكم أنصفوا .. هل يرضى أحدكم أن تنسب إليه هذه النسبة الموهنة الشنيعة ؟! التي لو نسبت إلى سوقيّ عاميّ لغضب واستشاط ! فكيف بنبي صاحب كتاب وشريعة ، وصاحب حكم ونظام ، يخرج في أمته وشعبه عريانا وهم يمنعون النظر إلى سوأته هل العقل يقبل هذا ؟! وهل من المعقول أن الحجر يسرق ملابس موسى ويفر بها وموسى يركض خلفه ، والحجر يمر من فوق يده وموسى ينادي الحجر ، والحجر أصم لا يسمع ولا يبصر ؟!! وهل من المعقول أن موسى بن عمران يقوم بعمل جنوني فيضرب الحجر ضربا مبرحا حتى يئن الحجر ؟!! ليت شعري أبيده كان يضرب الحجر ؟! فهو المتألم لا الحجر !! أم كان يضربه بالسيف ، فالسيف ينبو وينكسر ! أم كان الضرب بالسوط ، فالسوط يتقطع ! فما تأثير الضرب بأي شكل كان ، على الحجر ؟! فكل ما في الحديث من المحال الممتنع عقلا ، وهو من الأحاديث المضحكة التي من التزم بها فقد استهزأ بالله ورسله !! قال السيد عبد الحي : هل حركة الحجر أهم أم انقلاب عصا موسى إلى ثعبان وحية تسعى ؟!! أتنكرون معاجز موسى بن عمران فقد نطق بها القرآن ؟! قلت نحن لا ننكر معاجز موسى ومعاجز سائر الأنبياء (ع) ، بل نؤمن بصدور المعاجز من الأنبياء ولكن في محلها ، وهو مقام تحديهم الخصوم في إحقاق الحق ودحض الباطل . وموضوع الحجر في غير محل الإعجاز ، فأي إحقاق حق ودحض باطل في التشهير بكليم ، وإبداء سوأته على رؤوس الأشهاد من قومه ؟! بل هو تنقيص من مقامه ! ولا سيما وهم يشاهدونه يركض وراء حجر لا يسمع فيناديه : ثوبي حجر !! ، أو يشتد ويغضب على حجر لا يشعر ولا يدرك فينهال عليه ضربا !! السيد عبد الحي : أي حق أعلى من إبراء نبي الله ؟! فالناس عرفوا بذلك أن ليس فيه فتق ! قلت : على فرض أن موسى كان ذا أدرة ، فما تأثير هذا المرض على مقامه ونبوته ؟! صحيح أن الأنبياء يجب أن يكونوا براء من النواقص مثل : العمى والصمم والحول ، وأن النبي لا يولد فلجا أو مشلولا أو به زيادة أو نقيصة في أحد أعضائه ، أما الأمراض العارضة على البشر فلا تعد نواقص ، فإن يعقوب بكى حزنا لفراق يوسف حتى ابيضت عيناه ، وإن أيوب أصيب بقروح في بدنه ، والنبي الأكرم وهو سيد الأولين والآخرين ، كسرت ثناياه في جهاده مع الأعداء في أحد ، فهذه الأشياء لا تنقص شيئا من شأن الأنبياء ولا تنزل من مقامهم وقدرهم. والفتق مرض عارض على جسم الإنسان ، فما هي أهميته حتى يبرئ الله عز وجل كليمه بهذا الشكل الفظيع المهين . عن طريق خرق العادة والمعجزة ، ثم تنتهي بهتك حرمة النبي وكشف سوأته أمام بني إسرائيل ؟! وهل بعده يبقى شأن وقدر لموسى عند قومه ؟! وهل بعد ذلك سيطيعوه ويحترموه ؟!! وهل يقتنع السيد عبد الحي ويقر بوجود أخبار خرافية في الصحيحين ،أنقل رواية أخرى عن أبي هريرة مضحكة أيضا ، ولا أظن أحدا من الحاضرين ـ بعد استماع هذه الرواية ـ سيدافع عن أبي هريرة ، أو يعتقد بصحة روايات البخاري ومسلم ! نقل البخاري في ج1 ، باب من أحب الدفن في الأرض المقدسة ، وج2 ، باب وفاة موسى ، ونقل مسلم في ج2 باب فضائل موسى عن أبي هريرة ، قال : جاء ملك الموت إلى موسى (ع) ، فقال له أجب ربك. قال أبو هريرة : فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها !! فرجع الملك إلى الله تعالى ، فقال : إنك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت ففقأ عيني ! قال : فرد الله إليه عينه وقال : ارجع إلى عبدي فقل : الحياة ترد ؟! فان كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور فما توارت بيدك من شعرة فإنك تعيش بها سنة . وأخرجه الإمام أحمد في مسنده ج2 ص 315 ، عن أبي هريرة ، ولفظه : إن ملك الموت كان يأتي الناس عيانا ، فأتى موسى فلطمه ففقأ عينه . وأخرجه ابن جرير الطبري في تاريخه ج1 ، في ذكر وفاة موسى ولفظه : إن ملك الموت كان يأتي الناس عيانا أتى موسى فلطمه ففقأ عينه ـ إلى أن قال : ـ إن ملك الموت إنما جاء إلى الناس خفيا بعد موت موسى ! وقد علقت فقلت لأنه يخاف من الجهال أن يفقئوا عينه الأخرى . فضحك جمع من الحاضرين بصوت عال . قلت بالله عليكم أنصفوا ... ألم يكن هذا الخبر الذي أضحككم من الخرافات والخزعبلات ؟! وإني أتعجب من رواة هذا الخبر وناقله !! وأستغرب منكم إذ تصدقون هذا الخبر وأشباهه ، ولا تسمحون لأحد أن يناقشها وينتقدها ، حتى لعلمائكم !! فإن في هذه الرواية ما لا يجوز على الله تعالى ولا على أنبيائه ولا على ملائكته !! أيليق بالله العظيم أن يصطفي من عباده ، جاهلا خشنا يبطش بملك من الملائكة المقربين وهو مبعوث من عند الله تعالى ، فيلطمه لطمة يفقأ بها عينه ؟! أليس هذا العمل عمل المتمردين والطاغين الذين يذمهم الله العزيز إذ يقول : ( وإذا بطشتم بطشتم جبارين )(12) ؟! فكيف يجوز هذا على من اختاره الله الحكيم لرسالته ، واصطفاه لوحيه ، وآثره بمناجاته ، وكلمه تكليما(13) وجعله من أولي العزم ؟!
وكيف يكره الموت هذه الكراهة الحمقاء فيلطم ملك الموت وهو مأمور
من قبل الله تعالى ، تلك اللطمة النكراء فيفقأ بها عينه مع شرف مقامه ورغبته في
القرب من الله تعالى والفوز بلقائه عز وما ذنب ملك الموت ؟! هل هو إلا رسول الله إلى موسى ؟! فبم استحق الضرب بحيث تفقأ عينه ؟! وهل جاء إلا عن الله وهل قال لموسى سوى : أجب ربك ؟! أيجوز على أولي العزم من الرسل إيذاء الكروبيين من الملائكة وضربهم حينما يبلغونهم رسالة ربهم وأوامره عز وجل؟! تعالى الله ، وجلت أنبياؤه وملائكته عن كل ذلك وعما يقول المخرفون . إن هكذا ظلم فاحش لا يصدر من آدمي جاهل فكيف بكليم الله ! ثم إن الهدف والغرض من بعثة الأنبياء وإرسال الرسل : هداية البشر وإصلاحهم ، ومنعهم من الفساد والتعدي والوحشية ، فلذلك فإن الله سبحانه وكل أنبيائه ورسله منعوا الإنسان من الظلم حتى بالنسبة للحيوان ، فكيف بالنسبة لملك مقرب ؟! فلذا نحن نعتقد ونجزم بأن هذا الخبر افتراء على الله وكليمه ، وجاعل هذا الخبر كذاب مفتر يريد الحط من شأن النبي موسى ويريد هتك حرمة الأنبياء وتحقيرهم عند الناس . أنا لا أتعجب من أبي هريرة وأمثاله ، لأنه كما كتب بعض علمائكم أنه كان يجلس على مائدة معاوية ويتناول الأطعمة الدسمة اللذيذة ، ويجعل الروايات ويضعها على ما يشاء معاوية وأشباهه . وقد جلده عمر بن الخطاب لكذبه على النبي (ص) وجعل الأحاديث عنه (ص) ، فضربه بالسوط حتى أدمى ظهره !!! ولكن أستغرب وأتعجب من الذين له مرتبة علمية بحيث لو أمعنوا ودققوا النظر لميزوا بين الصحيح والسقيم ، ولكنهم أغمضوا .. أعينهم ونقلوا هذه الأخبار الوراثية في كتبهم ، وأخذ الآخرون عنهم ونشروها فيكم ، حتى أن جناب الحافظ رشيد يعتقد كما يزعم : أن هذه الكتب أصح الكتب بعد كلام الله المجيد ، وهو لم يطالعها بدقة علمية ، وإلا لما كان يبقى على الاعتقاد الذي ورثه من أسلافه عن تقليد أعمى . وما دامت هذه الأخبار الخرافية توجد في صحاحكم وكتبكم فلا يحق لكم أن تثيروا أي إشكال على كتب الشيعة لوجود الأخبار الغريبة فيها ، وهي غالبا قابلة للتأويل والتوجيه ! نرجع إلى الخبر المروي عن إمامنا الحسين عليه السلام(14) كل عالم منصف إذا كان يسلك طريق الإصلاح ، إذا وجد هكذا خبر مبهم ـ وما أكثرها في كتبكم وكتبنا ـ إن كان يمكنه أن يؤوله بالأخبار الصريحة الأخرى فليفعل ، وإذا لم يكن ذلك فليطرحه ويسكت عنه ، لا أنه يتخذ وسيلة لتكفير طائفة كبيرة من المسلمين . والآن لما لم يوجد تفسير الصافي عندنا في المجلس حتى تراجع سند الخبر وندقق فيه النظر ، ولربما شرحه المؤلف بشكل مقبول . إذ لو عرف المسلم إمام زمانه فقد توصل عن طريقه إلى معرفة ربه كالخبر المشهور : من عرف نفسه فقد عرف ربه عز وجل . أو نقول في تقريب الخبر إلى أذهان الحاضرين : إننا لو تصورنا أستاذا تخرج على يده جمع من العلماء ، في مراتب مختلفة ممن العلم ، فإذا أراد أحد أن يعرف مدى عظمة ذلك الأستاذ ، يجب عليه أن ينظر إلى أعظم تلامذته وأعلاهم مرتبة حتى يصل من خلاله إلى حقيقة الأستاذ وعظمته العلمية . كذلك في ما نحن فيه : فإن آيات الله كثيرة ، بل كل شيء هو آية الله تعالى ، إلا أن النبي (ص) هو الآية العظمى والحجة الكبرى ، ومن بعده عترته الأبرار الأئمة الأطهار (ع) ، فإنهم محال معرفة الله . وقد ورد عنهم : بنا عرف الله ، وبنا عبد الله ، أي : بسببنا وبواسطتنا عرف الله ، وبعدما عرفوه عبدوه.
فهم الطريق إلى الله ، والأدلاء على الله ، ومن تمسك بغيرهم فقد
ضل ومن يهتد ، ولذا جاء في الحديث المتفق عليه بين الفرقين ، والخبر المقبول الصحيح
عند الجميع ، أن رسول الله (ص) الحافظ : لا ينحصر الدليل على كفركم وشكركم في هذه الرواية حتى تؤولها وتخلص منها ، بل في كل الأدعية الواردة في كتبكم نجد أثر الكفر والشرك ، من قبيل : طلب حاجاتكم من أئمتكم من غير أن تتوجهوا إلى الله رب العالمين ، وهذا أكبر دليل على الكفر والشرك !! قلت : ما كنت أظنك أن تتبع أسلافك إلى هذا الحد ، فتغمض عينيك ، وتتكلم من غير تحقيق بكل ما تكلموا ، فإن هذا الكلام في غاية السخافة ، وبعيد عن الإنصاف والحقيقة ، فإما انك لا تدري ما تقول أو انك لا تعرف معنى الكفر والشرك !! الحافظ : إن كلامي في غاية الوضوح ، ولا أظنه يحتاج إلى توضيح ، فأنه من البديهة أن من أقر بوجود الله عز وجل واعتقد انه هو الخالق والرازق ، وأن لا مؤثر في الوجود إلا هو ، لا يتوجه إلى غيره في طلب حاجة ، وإذا توجه فقد أشرك بالله العظيم . والشيعة كما نشاهدهم ونقرأ كتبهم لا يتوجهون إلى الله أبدا، بل دائما حوائجهم من أئمتهم بغير أن يذكروا الله ، حتى نشاهد فقرائهم والسائلين الناس في الأسواق ذكرهم: يا علي ويا حسين ، ولم أسمع من أحدهم حتى مرة يقول: يا الله !! وهكذا كله دليل على أن الشيعة مشركون ، فانهم لا يذكرون الله تعالى عند حوائجهم ولا يطلبون منه قضاءها وإنما يذكرون غير الله ويطلبون حوائجهم من غيره سبحانه!! قلت : لا أدري .. هل أنت جاهل بالحقيقة ولا تعرف مذهب الشيعة ؟! أم إنك تعرف وتحرف ، وتسلك طريق اللجاج والعناد ؟! لكن أرجو أن لا تكون كذلك ، فإن من شرائط العالم العامل : الإنصاف . وفي الحديث الشريف : إن العالم بلا عمل كشجرة بلا ثمر . ولما نسبت إلينا الشرك في حديثك كرارا والعياذ بالله ! وأردت بهذه الدلائل العامية التافهة أن تثبت كلامك السخيف الواهي ، وتكفر الشيعة الموحدين المخلصين في توحيد الله عز وجل غاية الخلوص ، والمؤمنين بما جاء به خاتم الأنبياء (ص) فإذا كان هذا التكرار والإصرار في تكفيرنا بحضورنا فكيف هو في غيابنا ؟! واعلم أن أعداء الإسلام الذين يريدون تضعيف المسلمين وتفريقهم حتى يستولوا على ثرواتهم الطبيعية ويغصبوا أراضيهم ، فهم فرحون بكلامهم هذا ، ويتخذوه وسيلة لضرب المسلمين بعضهم ببعض ، كما أنني أجد الآن في هذا المجلس بعض العوام الحاضرين من أتباعكم قد تأثروا بكلامكم ، فبدأوا ينظرون إلينا شزرا ، حاقدين علينا باعتقادهم أننا كفار فيجب قتلنا ونهب أموالنا !!! وفي الجانب الآخر ، أنظر إلى الشيعة الجالسين ، وقد ظهرت على وجوههم علائم الغضب ، وهم غير راضين من كلامك هذا ، ونسبة الشرك والكفر إليهم ، فيعتقدون أنك مفتر كذاب ، وأنك رجل مغرض ، وعن الحق معرض ، لأنهم متيقنون ببراءة أنفسهم مما قلت فيهم ونسبت إليهم . والآن لكي تتنور أفكار الحاضرين بنور الحقيقة واليقين ، ولكي تتبدد عن أذهانهم ظلمات الجهل وشبهات المغرضين ، أتكلم للحاضرين باختصار ، موجزا عن الشرك ومعناه ، وأقدم لكم حصيلة تحقيق علمائنا الأعلام ، أمثال : العلامة الحلي ، والمحقق الطوسي ، والعلامة المجلسي (رضوان الله عليهم)، وهم استخرجوها واستنبطوها من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث المروية عن النبي (ص) وعترته الهادية ( سلام الله عليهم ) . نواب : إن انعقاد هذا المجلس كان لتفهيم العوام وإثبات الحق أمامهم ، كما قلت سالفا ، فأرجوكم إن تراعوا جانبهم في حديثكم ، وأن تتكلموا بشكل نفهمه نحن العوام . قلت : حضرة النواب ! إنني دائما أراعي هذا الموضوع ، لا في هذا المجلس فحسب ، بل في جميع مجالسي ومحاضراتي ومحاوراتي العلمية والكلامية ، فإني دائما أتحدث بشكل يفهمه الخاص والعام ، لأن الغرض من إقامة هذه المجالس وانعقادها ـ كما قلتم ـ هو تعليم الجهلاء وتفهيم الغافلين ، وهذا لا يتحقق إلا بالبيان الواضح والحديث السهل البسيط الذي يفهمه عامة الناس ، والأنبياء كلهم كانوا كذلك . فقد روي عن خاتم الأنبياء وسيدهم (ص) أنه قال : إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم(16). أقسام الشرك: إن الحاصل من الآيات القرآنية ، والأحاديث المروية ، والتحقيقات العلمية ، أن الشرك على قسمين ، وغيرهما فروع لهذين ، وهما : الشرك الجلي ، أي : الظاهر ، والآخر الشرك الخفي ، أي المستتر . الشرك الجلي: أما الشرك الظاهري ، فهو عبارة عن : اتخاذ الإنسان شريكا لله عز وجل ، في الذات أو الصفات أو الأفعال أو العبادات . أـ الشرك في الذات ، وهو أن يشرك مع الله سبحانه وتعالى في ذاته أو توحيده ، كالوثنية وهم المجوس ، اعتقدوا بمبدأين : النور والظلمة . وكذلك النصارى ... فقد اعتقدوا بالأقانيم الثلاثة : الأب والابن وروح القدس ، وقالوا : لكل واحد منهم قدرة وتأثيرا مستقلا عن القسمين الآخرين ، ومع هذا فهم جميعا يشكلون المبدأ الأول والوجود الواجب ، أي : الله ، فتعالى الله عما يقولون علوا كبيرا . والله عز وجل رد هذه العقيدة الباطلة في سوره المائدة ، الآية 37 ، بقوله : ( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد ) وبعبارة أخرى فالنصارى يعتقدون : أن الألوهية مشتركة بين الأقانيم الثلاثة ، وهي : جمع اقنيم ـ بالسريانية ـ ومعناها بالعربية : الوجود وقد أثبت فلاسفة الإسلام بطلان هذه النظرية عقلا ، وأن الاتحاد لا يمكن سواء في ذات الله تبارك وتعالى أو في غير ذاته عز وجل . ب ـ الشرك في الصفات ... وهو : أن يعتقد بأن صفات الباري عز وجل ، كعلمه وحكمته وقدرته وحياته هي أشياء زائدة على ذاته سبحانه ، وهي أيضا قديمة كذاته جل وعلا ، فحينئذ يلزم تعدد القديم وهو شرك ، والقائلون بهذا هم الأشاعرة أصحاب أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري البصري ، وكثير من علمائكم التزموا بل اعتقدوا به وكتبوه في كتبهم ، مثل : ابن حزم وابن رشد وغيرهما ، وهذا هو شرك الصفات ... لأنهم جعلوا لذات الباري جل وعلا قرناء في القدم والأزلية وجعلوا الذات مركبا . والحال أن ذات الباري سبحانه بسيط لا ذات أجزاء ، وصفاته عين ذاته . ومثاله تقريبا للأذهان ـ ولا مناقشة في الأمثال ـ : هل حلاوة السكر شيء غير السكر ؟ وهل دهنية السمن شيء غير السمن ؟ فالسكر ذاته حلو ، أي : كله . والسمن ذاته دهن ، أي : كله . وحيث لا يمكن التفريق بين السكر وحلاوته ، وبين السمن ودهنه ، كذلك صفات الله سبحانه ، فإنها عين ذاته ، بحيث لا يمكن التفريق بينها وبين ذاته عز وجل ، فكلمة : (( الله )) التي تطلق على ذات الربوبية مستجمعة لجميع صفاته ، فالله يعني : عالم ، حي ، قادر ، حكيم ... إلى آخر صفاته الجلالية والجمالية والكمالية . ج ـ الشرك في الأفعال ... وهو الاعتقاد بأن لبعض الأشخاص أثرا استقلاليا في الأفعال الربوبية والتدابير الإلهية كالخلق والرزق أو يعتقدون أن لبعض الأشياء أثرا استقلاليا في الكون ، كالنجوم ، أو يعتقدون بأن الله عز وجل بعدما خلق الخلائق بقدرته ، وفوض تدبير الأمور وإدارة الكون إلى بعض الأشخاص ، كاعتقاد المفوضة ، وقد مرت روايات أئمة الشيعة في لعنهم وتكفيرهم ، وكاليهود الذين قال الله تعالى في ذمهم : ( وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء)(17).
دـ الشرك في العبادات ... وهو أن الإنسان أثناء عبوديته يتوجه
إلى غير الله سبحانه ، أو لم تكن نيته خالصة لله تعالى ، كأن يرائي أو يريد جلب
انتباه الآخرين إلى نفسه أو ينذر لغير الله عز فكل عمل تلزم فيه نية القربة إلى الله سبحانه ، ولكن العامل حين العمل إذا نواه لغير الله أو أشرك فيه مع الله غيره ، فهو شرك ... والله عز وجل يمنع من ذلك في القرآن الكريم إذ يقول : ( فمن كان يرجو لقار ربه فليعمل صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا )(18). الحافظ : استنادا إلى هذا الكلام الذي صدر منكم الآن فأنتم مشركون ، لأنكم قلتم : إن من نذر لغير الله فهو مشرك ، والشيعة ينذرون لأئمتهم وأبناء أئمتهم . " النذر عندنا " قلت : العقل السليم والمنطق السليم يقضيان بأن أحدا لو أراد أن يعرف عقائد قوم ، فيجب أن لا ينظر إلى أقوال وأفعال جهالهم ، وإنما ينظر إلى مقال وأفعال علماء القوم . وأنتم إذا أردتم التحقيق عن الشيعة ومعتقداتهم ، فعليكم أن تنظروا إلى كتب علمائهم ومحققيهم ، فتعرفوا الشيعة من خلال أقوال فقهائهم وأعمالهم . فإذا شاهدتم بعض العوام منا قد نذر لأحد الأئمة (ع) أو لأحد أبناء الأئمة (ع) أو أحد الصالحين ، عن جهل بالمسألة ، فلا تحسبوه من معتقدات الشيعة ، فإن كل مذهب وملة يوجد هناك عوام يجهلون مسائل دينهم ، وهذا ليس عندنا فحسب . وأنتم إذا لم تكونوا مغرضين ، ولم تكونا بصدد خلق المعائب والأباطيل على الشيعة ، فراجعوا كتب فقهائهم وانظروا إلى سيرة المؤمنين منهم العارفين للمسائل الدينية . فان التوحيد الخاص والمصفى من كل شائبة لا يكون إلا عند الشيعة الإمامية . وأرجو منكم أن تراجعوا كتابي : شرح اللمعة ، وشرائع الإسلام ، وأي كتاب آخر يضم المسائل الفقهية ، وحتى الرسائل العلمية لفقهائنا المعاصرين ، وهم مراجع الشيعة في مسائل دينهم . راجعوا في هذه الكتب " باب النذر " فتجدون إجماع فقهائنا : أن النذر بهذا الشكل " لله علي أن : أفعل كذا وكذا، أو : أترك كذا وكذا " فيذكر بدل الجملة الأخيرة ، نذره إيجابا كان أو سلبا فإذا تعذر عليه إجراء الصيغة باللغة العربية أو صعب عليه ذلك ، فيترجم مفهومه إلى لغته ويجريه بلسانه . وأما إذا نوى النذر لغير الله سبحانه أو أشرك معه آخر ، سواء كان نبيا أو إماما أو غيره ، فالنذر باطل . وإذا نذر على الصورة الأخيرة عالما بالمسألة ، فإن عمله حرام وشرك بالله عز وجل ، فقد قال تعالى : ( ولا يشرك بعبادة ربه أحدا )(19). فيجب على العلماء أن يعلموا الجاهلين ويبينوا لهم كل مسائل الدين ، ومنها مسائل النذر ، فالنذر يكون لله وحده لا شريك له ، ولكن الناذر يكون مخيرا في تعيين مصرف النذر ، فمثلا : له أن يقول : لله علي نذر أن أذبح شاة عند مرقد النبي (ص) أو عند مرقد الإمام علي (ع) أو غيرهما أو يقول : لله علي نذر أن أذبح شاة وأطعم لحمها السادة الشرفاء ، أو الفقراء ، أو العلماء ... إلى آخره . أو يقول : لله علي نذر أن أعطي ثوبا لفلان بالتعيين ، أو لعالم ، على غير تعيين . فكل هذه الصيغ في النذر صحيحة ، ولكن إذا لم يذكر الله كأن يقول : نذرت للنبي أو الإمام أو الفقيه أو الفقير أو اليتيم ... إلى آخره ، كل هذه الصيغ باطلة غير صحيحة . وكذلك إذا ذكر الله سبحانه مع آخر ... كأن يقول : نذرت لله وللنبي ، أو نذرت لله ولفلان ... فهو باطل وغير صحيح وكان آثما إن كان عالما بالمسألة فنذره باطل وهو غير آثم . فالواجب علينا وعلى كل فقيه وعالم أن يبلغ مسائل الدين ويكتب أحكامه الإلهية ويعرضها على العوام ليتعلموا ويعملوا بها . ويجب على العوام أيضا استماع المسائل الدينية وتعلمها والعمل بها ، فإذا ما تعلموا ولم يعملوا بتكاليفهم كما ينبغي ، فالإشكال يرد عليهم لا على دينهم ومذهبهم . وكم من أهل السنة والجماعة يشربون الخمر ويلعبون القمار ويرتكبون الفاحشة ، فهل هذا دليل على أن مذهبهم يجيز لهم تلك المعاصي والذنوب ؟! وهل الأشكال يرد على مذهبهم أم عليهم ؟! " الشرك الخفي ": أما القسم الثاني من الشرك ، فهو الخفي ، ويتحقق في نية الرياء والسمعة في العبادات . فقد ورد في الخبر : إن من صلى أو صام أو حج ، وهو يريد بذلك أن يمدحه الناس فقد أشرك في عمله(20). وفي الخبر المروي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) أنه قال : لو أن عبدا عمل عملا يطلب به رحمة(21) الله والدار الآخرة ثم أدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا(22). وروي عن النبي (ص) أنه قال : اتقوا الشرك الأصغر . فقالوا : وما الشرك الأصغر يا رسول الله ؟ قال : الرياء والسمعة(23). وروى عن النبي (ص) أنه قال : إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الخفي ، فإن الشرك أخفى من دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء(24)، ثم قال (ص) : من صلى أو صام أو تصدق أو حج للرياء فقد أشرك بالله . فالواجب في الصلاة وغيرها من العبادات أن تكون النية فيها خاصة لوجه الله وقربة إلى الله وحده ، بأن يتوجه الإنسان في حين عمله العبادي إلى ربه عز وجل ، ويتكلم معه وحده ، ويركز ذهنه ، ويوجه قلبه إلى الذات الموصوفة بالصفات التي ذكرناها ، وذلك هو الله لا إله إلا هو . وأكتفي بهذا المقدار ، وأظن بأن الحق قد انكشف للحاضرين المحترمين ، بالخصوص المشايخ العلماء في المجلس ، فأرجو أن لا ينسبوا الشرك إلى الشيعة بعد هذا ، ولا يموهوا الحقيقة على العوام . تبسم الشيخ عبدالسلام ضاحكا وقال : وهل بقي عندكم شيء في هذا المضمار ، فاكتفيتم بهذا المقدار ؟! فالرجاء إن بقي عندكم شيء في الموضوع فبينوه للحاضرين . قلت : هناك قسم آخر جعلوه من أقسام الشرك ، ولكنه مغفور ، وهو : الشرك في الأسباب: وهو الذي يتحقق في أكثر الناس من غير التفات ، فانهم يتخذون الوسائط والأسباب للوصول إلى أغراضهم وتحقيق آمالهم ، أو إنهم يخشون بعض الناس ويخافون من بعض الأسباب في الإحالة دون حوائجهم وآمالهم ، فهذا نوع من الشرك ، ولكنه معفو عنه . والمقصود من الشرك بالأسباب : أن الإنسان يعتقد بأن الأسباب المؤثرة في الأشياء والأمور الجارية ، مثلا : يعتقد أن الشمس مؤثرة في نمو النباتات ، فإذا كان اعتقاده أن هذا الأثر من الشمس بالذات من غير إرادة الله تعالى فهو شرك . وإذا كان يعتقد أن الأثر يصدر من الله القادر القاهر فهو المؤثر والشمس سبب في ذلك ، فهو ليس بشرك ، بل هو حقيقة التوحيد ، وهو من نوع التفكر في آيات الله وقدرته سبحانه . وهكذا بالنسبة إلى كل الأسباب والمسببات ، فالتاجر في تجارته ، والزارع في زراعته ، والصانع في صناعته ، والطبيب في طبابته ، وغيرهم ، إذا كان ينظر إلى أدوات مهنته ، أسباب صنعته وآثارها ، نظرا استقلاليا ، وأن الآثار الصادرة من تلك الأسباب والأدوات تصدر بالاستقلال من غير إرادة الله تعالى ، فهو شرك ، وإن كان ينظر إلى الأسباب والأدوات نظرا آليا فيعتقد أنها آلات ، والله تعالى هو الذي جعل فيها تلك الآثار ، فلا مؤثر في الوجود إلا الله ، فهو ليس شركا بل التوحيد بعينه . الشيعة نزيهون من أنواع الشرك بعد أن بيّنّا أقسام الشرك وأنواعه ، فأسألكم : أي أقسام الشرك تنسبوه إلى الشيعة؟! ومن أي شيعي عالم أو عامي سمعتم أنه يشرك بالله سبحانه في ذاته أو صفاته وأفعاله ؟! وهل وجدتم في كتب الشيعة الإمامية والأخبار المروية عن أئمتهم عليهم السلام ما يدل على الشرك بالتفصيل الذي مر ؟! الحافظ : كل هذا البيان صحيح ، ونحن نشكركم على ذلك ، ولكنكم إذا دققتم النظر في معتقداتكم بالنسبة لأئمتكم ، ستصدقونني لو قلت إنكم تطلبون الحوائج منهم ، وتتوسلون بهم في نيل مقاصدكم وتحقيق مطالبكم ، وهذا شرك ! لأنا لا نحتاج إلى واسطة بيننا وبين ربنا ، بل في أي وقت أحببنا أن نتوجه إلى الله تعالى ونطلب حاجاتنا منه فهو قريب وسميع مجيب . قلت : أتعجب منك كثيرا ! لأنك عالم متفكر ، ولكنك متأثر بكلام أسلافك من غير تحقيق ، وكأنك كنت نائما حينما كنت أبين أنواع الشرك ! فبعد ذلك التفصيل كله ، تتفوه بهذا الكلام السخيف وتقول : بأن طلب الحاجة من الأئمة شرك!! فإذا كان طلب الحاجة من المخلوقين شرك ، فكل الناس مشركون ! فإذا كانت الاستعانة بالآخرين في قضاء الحوائج شرك ، فلماذا كان الأنبياء يستعينون بالناس في بعض حوائجهم . اقرءوا القرآن الكريم بتدبر وتفكر حتى تنكشف لكم الحقيقة ، راجعوا قصة سليمان عليه السلام في سورة النمل الآيات 38 ـ 40 : ( قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين * قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك ولأني عليه لقوي أمين * قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ..) . من الواضح أن الإتيان بعرش بلقيس من ذلك المكان البعيد ، بأقل من لمحة بصر ، لم يكن هينا وليس من عمل الإنسان العاجز الذي لا حول له ولا وقوة ، فهو عمل جبار خارق للعادة ، وسليمان مع علمه بأن هذا العمل لا يمكن إلا بقدرة الله تعالى وبقوة إلهية ، مع ذلك ما دعا الله سبحانه في تلك الحاجة ولم يطلبها من ربه عز وجل ، بل أرادها من المخلوقين ، واستعان عليها بجلسائه العاجزين . فهذا دليل على أن الاستعانة بالآخرين في الوصول إلى مرادهم ، وطلب الحوائج من الناس ، لا ينافي التوحيد ، وليس بشرك كما تزعمون ، فإن الله سبحانه وتعالى جعل الدنيا دار أسباب ومسببات ، وعالم العلل والمعلولات . وحيث أن الشرك أمر قلبي ، فإذا طلب الإنسان حاجته من آخر ، أو استعان في تحقق مراده والوصول إلى مقصوده بمن لا يعتقد بألوهيته ولا يجعله شريكا للباري ، وإنما يعتقد أنه مخلوق لله عز وجل ، وهو إنسان مثله ، إلا أن الله عز وجل خلقه قويا وقادرا بحيث يتمكن من إعانته في تحقق مراده وقضاء حاجته ، فلا يكون شركا . وهذا أمر دائر بين المسلمين جميعا ، يعمل به المؤمنون عامة ، وهناك كثير من الناس يقصدون زيدا وبكرا ويقضون ساعات على أبوابهم ليطلبوا منهم حوائجهم ويستعينوا بهم في أمورهم ، من غير أن يذكروا الله تعالى . فالمريض يذهب عند الطبيب ويتوسل به ويستغيث به ويريد منه معالجة مرضه ، فهل هذا شرك ؟! والغريق وسط الأمواج يستغيث بالناس ويستعين بهم في إنقاذه من الغرق والموت ، من غير أن يذكر الله عز وجل ، فهل هذا شرك ؟! وإذا ظلم جبار إنسانا ، فذهب المظلوم إلى الحاكم وقال : أيها الحاكم ، أعنّي في إحقاق حقي ، فليس لي سواك ولا أرجو أحدا غيرك في دفع الظلم عني ! فهل هذا شرك ؟! وهل هذا المظلوم مشرك ؟! وإذا تسلق لص الجدار وأراد أن يتعدّى على إنسان فيسرق أمواله ويهتك عرضه ، فصعد صاحب الدار السطح واستغاث بالناس وطلب منهم أن يدفعوا عنه السوء ، وهو في تلك الحالة لم يذكر الله تعالى فهل هو مشرك ؟! لا أظن أن هناك عاقلا ينسب هؤلاء إلى الشرك ، ومن ينسبهم إلى الشرك فهو : إما جاهل بمعنى الشرك أو مغرض !! فأيها السادة الحاضرون أنصفوا ، وأيها العلماء احكموا ولا تغالطوا في الموضوع !! عقيدة الشيعة في التوسل: الشيعة كلهم متفقون على أن أحدا لو اعتقد بألوهية النبي أو الأئمة ، أو جعلهم شركاء لله سبحانه في صفاته وأفعاله ، فهو مشرك ونجس يجب الاجتناب والابتعاد عنه . وأما قولهم : يا علي أدركني ، أو يا حسين أعنّي ، وما إلى ذلك ، فليس معناه : يا علي أنت الله فأدركني ! أو يا حسين أنت الله فأعني ! بل لأن الله عز وجل جعل الدنيا دار وسائل وأسباب ، وأبى الله أن يجري الأمور إلا بأسبابها ، فنعتقد أن النبي (ص) وآله هم وسيلة النجاة في الشدائد ، فنتوسل بهم إلى الله سبحانه . الحافظ : لماذا لا تطلبون حوائجكم من الله تعالى بغير واسطة ؟! فاطلبوا منه بالاستقلال لا بالوسائل . قلت : إن توجهنا إلى عز وجل في طلب الحوائج ودفع الهموم والغموم هو بالاستقلال ، ولكنا نتوسل بالنبي وآله الطيبين صلوات الله عليهم أجمعين ليشفعوا لنا عند الله سبحانه في قضاء حوائجنا ، ونتوسل بهم إلى الله تعالى ليكشف عنا همومنا وغمومنا ، ومستندنا في هذا الاعتقاد هو القرآن الحكيم إذ يقول ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة )(25). آل محمد (ص) هم الوسيلة: نحن الشيعة نعتقد بأن الله عز وجل هو القاضي للحوائج ، وأن آل محمد (ص) لا يحلون مشكلا ولا يقضون حاجة لأحد إلا بإذن الله وإرادته سبحانه ، وهم ( عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون )(26). فهم واسطة الفيض ، والفياض هو الله رب العالمين . الحافظ : بأي دليل تقولون أن المراد من الوسيلة في الآية الكريمة آل محمد (ص) ؟ قلت : لقد روي ذلك كبار علمائكم منهم : الحافظ أبو نعيم ، في : " نزول القرآن في علي " والحافظ أبو بكر الشيرازي في " ما نزل من القرآن في علي " والامام الثعلبي في تفسيره للآية الكريمة ، وغير أولئك رووا عن النبي (ص) : أن المراد من الوسيلة في الآية الشريفة : عترة الرسول وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين . ونقل ابن أبي الحديد المعتزلي ـ وهو من أشهر وأكبر علمائكم ـ في " شرح نهج البلاغة " تحت عنوان : ذكر ما ورد من السير والأخبار في أمر فدك ، الفصل الأول ، ذكر خطبة فاطمة (ع) . قالت : واحمدوا الله الذي لعظمته ونوره يبتغي من في السماوات والأرض إليه الوسيلة ، ونحن وسيلته في خلقه ... (27). حديث الثقلين: ومن جملة الأحاديث المعتبرة ، التي نستدل بها على التمسك والتوسل بآل محمد (ص) ومتابعتهم : حديث الثقلين ، وهو حديث صحيح أجمع عليه الفريقان ، وقد بلغ حد التواتر . قال النبي (ص) : إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي أهل بيت ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ، وهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض (28). الحافظ : أظن أنكم قد أخطأتم حين قلتم : إن هذا الحديث صحيح ومتواتر ! لأنه غير معتبر ومجهول عند كبار علمائنا ! فهذا شيخنا الكبير محمد بن إسماعيل البخاري ، وهو إمام علماء الحديث عند أهل السنة والجماعة ، لم يذكر حديث الثقلين في صحيحه الذي يعد عندنا بعد القرآن الكريم أصح الكتب ! قلت إن عدم ذكر البخاري لحديث الثقلين لا يدل على ضعفه ، فإن البخاري واحد ، ولكن الذين ذكروا هذا الحديث وعدوه صحيحا موثقا ، هم عشرات العلماء والمحدثين منكم ، فهذا ابن حجر المكي مع شدة تعصبه فإنه يقول في كتابه الصواعق المحرقة ، آخر الفصل ، الباب الحادي عشر ، الآية الرابعة : ص 89 و 90 . بعدما نقل أخبارا وأقوالا حول حديث الثقلين يقول : اعلم أن لحديث التمسك بالثقلين طرقا كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابيا ..إلى آخره(29). وقد نقل الحديث عن الترمذي وأحمد بن حنبل الطبراني ومسلم ... إلى آخره . حول البخاري وصحيحه: وأما قولكم أن حديث الثقلين غير صحيح ، لآن البخاري لم ينقله في صحيحه . فإن الاسترداد مردود عند العلماء والعقلاء . فالبخاري إن لم ينقل هذا الحديث الشريف ، فقد نقله عدد كبير من مشاهير علمائكم ، منهم : مسلم بن الحجاج الذي يساوي البخاري عند أهل السنة والجماعة ، وقد نقله في صحيحه ، وكذلك نقله سائر أصحاب الصحاح الستة غير البخاري . فإذا لم تعتمدوا إلا على صحيح البخاري ، فأعلنوا بأن صحيح البخاري وحده صحيح ، وسائر الصحاح غير مقبولة لدينا لعدم صحتها ، وأن أهل السنة والجماعة مستندة إلى ما جاء في صحيح البخاري فحسب ! وإذا كنتم تعتقدون غير هذا ، وتعتمدون على الصحاح الستة فيجب أن تقبلوا الأخبار والروايات المنقولة فيها حتى إذا لم ينقلها البخاري لسبب ما . الحافظ : لم يكن أي سبب في عدم نقله لبعض الأخبار سوى أنه كان كثير الاحتياط في النقل ، وكان دقيقا في الروايات ، فالتي لم ينقلها البخاري إما لضعف في السند ، أو لأن العقل يأبى من قبولها وصحتها . قلت قديما قالوا : حب الشيء يعمي ويصم ! وأنتم لشدة حبكم للبخاري تغالون فيه وتقولون أنه كان دقيقا ومحتاطا ، وإن الأخبار التي رواها في صحيحه كلها معتبرة وقوية ، وهي كالوحي المنزل ! والحال أن في رواة صحيح البخاري أشخاصا وضاعين وكذابين وهم مردودون وغير معتبرين عند كثير من العلماء والمحققين في علم الرجال . الحافظ : إن كلامكم هذا مردود عند جميع العلماء ، وإنه إهانة لمقام العلم ومرتبة رجال الحديث وخاصة الإمام البخاري ، وإنه تحامل بغيض على كل أهل السنة والجماعة ! قلت : إن كنتم تحسبون الانتقاد العلمي تحاملا بغيضا وإهانة ، فكثير من كبار علمائكم ، أهانوكم وأهانوا أهل مذهبهم ، قبلنا ! لأن كثير من مشاهير علمائكم المحققين نقحوا الصحاح ، وخاصة صحيحي مسلم والبخاري ومسلم ، وميزوا بين السقيم والسليم ، والغث والسمين ، وأعلنوا أن رجال الصحاح وحتى صحيحي البخاري ومسلم ، كثير منهم وضاعين وجعالين للحديث . وأنا أنصحكم أن لا تعجلوا ولا تتسرعوا في إصدار الحكم علينا في ما نقوله عنكم ، بل راجعوا كتب الجرح والتعديل التي كتبها علماؤكم المحققون وطالعوها بدقة وتدبر بعيدا عن التعصب والمغالاة في شأن أصحاب الصحاح ، سواء البخاري وغيره ، حتى تعرفوا الحقائق . راجعوا كتاب " اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة " للعلامة السيوطي ، و " ميزان الاعتدال " و " تلخيص المستدرك " للعلامة الذهبي ، و " تذكرة الموضوعات " لابن الجوزي ، و" تاريخ بغداد " لأبي بكر الخطيب البغدادي ، وسائر الكتب التي كتبها علماؤكم في علم الرجال وتعريف الرواة . راجعوا فيها أحوال : أبي هريرة الكذاب ، وعكرمة الخارجي ، ومحمد بن عبدة السمرقندي ، ومحمد بن بيان ، وإبراهيم بن مهدي الأبلي ، وبنوس بن أحمد الواسطي ، ومحمد بن خالد الحبلي ، وأحمد بن محمد اليماني ، وعبد الله بن واقد الحراني ، وأبي داود سليمان بن عمرو ، وعمران بن حطان ، غيرهم ممن روي عنهم البخاري وأصحاب الصحاح ، حتى تعرفوا آراء علمائكم ومحققيكم في أولئك ، وهم نسبوهم إلى الوضع والكذب وجعل الأحاديث ، فتنكشف لكم الحقائق ، ولا تغالوا بعد ذلك في صحة ما نقله البخاري ومسلم وغيرهما من أصحاب الصحاح ! وأنت أيها الحافظ ! إن كنت تقرأ وتطالع هذه الكتب التي ذكرتها ـ وهي لعلمائكم ـ لما قلت : إن البخاري ما نقل حديث الثقلين في صحيحه إلا لاحتياطه في النقل . هل العقل السليم يقبل أن عالما محتاطا ، إمام محققا ، ينقل روايات وأحاديث موضوعة من رواة كذابين يأبى كل ذي عقل قبولها ، بل يستهزئ بها كل عاقل ذي شعور وإيمان ، كالروايات التي مرت أن موسى ضرب عزرائيل على وجهه حتى فقأ عينه فشكاه إلى ربه ... إلى آخره ، أو أن الحجر أخذ ملابس موسى وهرب فلحقه موسى عريانا وبنو إسرائيل ينظرون إلى نبيهم وهو مكشوف العورة ... إلى آخره !! ألم تكن هذه الخزعبلات والخرافات من الأخبار الموضوعة ؟! وهل في نظركم أن نقل هذه الموهمات في صحيحه كان من باب الاحتياط في النقل والتدقيق في الرواية ؟!! هتك حرمة النبي الأكرم (ص) في الصحيحين: نجد في صحيحي البخاري ومسلم أخبار تخالف الاحتياط والحمية الإسلامية ويأباها كل مؤمن غيور ! منها : ما نقله البخاري في صحيحه ج2 ص 120 ، باب اللهو بالحراب ، ونقله مسلم في صحيحه : ج1 باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد ، عن أبي هريرة عن عائشة ، قالت : وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب في المسجد ، فإما سألت رسول الله ، وإما قال تشتهين تنظرين ؟ فقلت : نعم ، فأقامني وراءه ، خدي على خده ، وهو يقول : دونكم يا بني أرفده ، حتى إذا مللت ، قال : حسبك ؟! قلت : نعم ، قال : فاذهبي . بالله عليكم أيها الحاضرون ! أنصفوا ، هل يرضى أحدكم أن ينسب إليه هذه النسبة الفظيعة والعمل المخزي ؟! إذا قال قائل لجناب الحافظ : بأنا سمعنا أنك حملت زوجتك على ظهرك ، وكان خدها على خدك وجئت في الملأ العام لتنظر إلى جماعة كانوا يلعبون ، ثم كنت تقول لزوجتك : حسبك ؟ وهي تقول لك : نعم ، ثم إن زوجتك كانت تحدث الرجال الأجانب بهذا الموضوع . بالله عليكم أيها الحاضرون ! هل الحافظ يرضى بذلك ؟! وهل غيرته تسمح لأحد أن يتكلم بهذه الأراجيف ؟! وإذا سمعت هذا الخبر من إنسان ظاهر الصلاح ،ن هل ينبغي لك أن تنقله للآخرين ؟! وإذا نقلته ، ألا يعترض عليك الحافظ ويقول : بأن جاهلا إذا حدثك بخبر كهذا ، ولكن ـ أنت العاقل ـ لماذا تنقله بين الناس ؟! أليس العقلاء يؤيدونه على اعتراضه عليك ؟! فقايسوا هذا الموضوع مع الرواية التي مر ذكرها من صحيحي مسلم والبخاري ، فإن كان الأخير كما تزعمون دقيقا ومحتاطا في النقل ، وكان عارفا وعالما بأصول الحديث ـ على فرض أنه سمع هكذا خبر ـ فهل ينبغي ويحق له أن ينقله في صحيحه ، ويجعله خبرا صادق ومعتبرا ؟! والأعجب ... أن العامة ، ومنهم جناب الحافظ ، يعتقدون أن صحيح البخاري هو أصح الكتب بعد القرآن الحكيم !! " احتياطات البخاري ": إن احتياطات البخاري لم تكن في محلها ، بل كانت خلافا لأصول الاحتياط ، كما ذكرنا سابقا بعض الروايات التي نقلها في صحيحه . إن العقل والإيمان يحتمان ويؤكدان على عدم نقلها ، فكان من الاحتياط بل الواجب أن لا يذكرها . ولكنه كان يحتاط فلا ينقل الأخبار التي تتضمن ولاية علي بن أبي طالب (ع) أو تبين فضائله ومناقبه ومناقب أبناءه الميامين ، عترة النبي الصادق الأمين (ص) !! نعم ، كان يحتاط ! بل يمتنع في نقل تلك الروايات حتى لا يستدل بها العلماء المنصفون على إمامة علي (ع) وأحقيته بالخلافة ، فلو قايسنا صحيح البخاري مع غيره من الصحاح الستة لعرفنا هذا الموضوع بوضوح ، فإنه لم ينقل خبرا ربما يستفاد منه في خلافة علي بن أبي طالب وإمامته ، ولو كان الخبر مؤيدا بالقرآن ومتواترا ومنقولا في سائر الصحاح و مجاميع أهل الحديث ، وحتى لو كان مجمعا على صحته كخبر الغدير، ونزول الآية الشريفة( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ...)(30). وكخبر التصدق بالخاتم ، ونزول الآية الكريمة : ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهو راكعون )(31). وخبر الإنذار ، ونزول الآية الكريمة : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) (32). وخبر المؤاخاة ، وحديث السفينة ، وحديث باب حطة ، وغيرها من الأحاديث التي تثبت بها ولاية أبي الحسن علي بن أبي طالب (ع) ، وإطاعة أهل البيت (ع) ، فإن البخاري احتاط في نقل هذه الأخبار المجمع عليها ولم يذكرها في صحيحه !!! بعض مصادر حديث الثقلين: والآن لابد لي أن أذكر لكم بعض كتبكم المعتبرة عنكم ، التي ذكرت وروت حديث الثقلين عن النبي (ص) ، حتى تعرفوا أن البخاري لم ينقل هذا الحديث الشريف من باب الاحتياط ، لأن كبار علمائكم ومشاهيرهم نقلوا هذا الحديث ، منهم : مسلم بن الحجاج ، الذي لا يقل صحيحه عن صحيح البخاري في الاعتبار والوثوق عند أهل السنة والجماعة : 1ـ صحيح مسلم : 7/122 . 2ـ الترمذي : 2/307 . 3ـ النسائي / خصائص : 30 . 4ـ أحمد بن حنبل في مسنده : 3/14 و 17 وج4/26 و 59 وج5/182 و 189 ، وغيرهم(33) رووا بطرقهم وبإسنادهم عن النبي (ص) أنه قال : إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، من تمسك بهما فقد نجا ، وممن تخلف عنهما فقد هلك . وفي بعضها : ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا . فبهذا المستند الحكيم والدليل القويم لابد لنا أن نتمسك بالقرآن الكريم وبأهل البيت (ع) . الشيخ عبد السلام : إن صالح بن موسى بن عبدالله بن اسحاق بن طلحة بن عبدالله القرشي التيمي الطلحي روى بسنده عن أبي هريرة أن النبي قال : إني قد خلفت فيكم ثنتين : كتاب الله وسنتي ... إلى آخره . قلت : أيؤخذ بخبر فرد طالح ضعيف مردود عند أصحاب الجرح والتعديل والذين كتبوا في أحوال الرجال والرواة ، مثل الذهبي ويحيى والإمام النسائي والبخاري وابن عدي ، وغيرهم ، الذين ردوه ولم يعتمدوا رواياته ، أيؤخذ بقول هذا ويترك قول هذا الجمع الغفير والجمهور الكثير من علمائكم المشاهير ؟! وهم رووا بإسنادهم كما مر أن النبي (ص) قال : كتاب الله وعترتي ، ولم يقل " وسنتي " . هذا من باب النقل . وأما العقل : فلأن السنة النبوية والمروية عنه (ص) أيضا بحاجة إلى من يبينها ويفسرها كالكتاب الحكيم ، فلذا قال (ص) : وعترتي ... لأن العترة هم الذين يبينون للأمة ما تشابه من الكتاب ، ويوضحون الحديث والسنة الشريفة ، لأنهم أهل بيت الوحي ، أهل بيت النبوة ، وأهل البيت أدرى بما في البيت . حديث السفينة: وإن من دلائلنا المحكمة في التوسل بأهل البيت (ع) الحديث النبوي الشريف : " مثل أهل بيتي كسفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها هلك " وهو حديث معتبر صحيح متفق ومجمع عليه ، وكما يخطر الآن ببالي ، أن أكثر من مائة من كبار علمائكم ومحدثيكم ، أثبتوا هذا الحديث في كتبهم منهم : مسلم بن الحجاج في صحيحه(34). أحمد بن حنبل في مسنده : 3/14 و17 و26 . الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء : 4/306 . ابن عبد البر في الاستيعاب . الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد : 12/91 . محمد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول : 20 . ابن الأثير الجزري في : النهاية : مادة (زخ) . سبط ابن الجوزي في تذكرة خواص الأمة : 323 . ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة : 8 . السمهودي في تاريخ المدينة . السيد مؤمن الشبلنجي في نور الأبصار : 105 . الامام الفخر الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب ، في آية المودة . السيوطي في الدر المنثور ، في تفسير : ( وإذا قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم )(35). الثعلبي في تفسيره كشف البيان . الطبراني في الأوسط . الحاكم في المستدرك : 3/150 وج2/343 . سليمان الحنفي القندوزي في ينابيع المودة / الباب الرابع والسادس والخمسون . الهمداني في مودة القربى / المودة الثانية والثانية عشرة . ابن حجر في الصواعق المحرقة : 234 . الطبري في تفسيره وتاريخه . الكنجي الشافعي في كفاية الطالب ، باب 100 (36). وذكر غير هؤلاء من أعاظم علمائكم بأسانيدهم وطرقهم أن النبي (ص) قال : مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها هلك ، أو : غرق ، أو : هوى ، والعبارات شتى ، ولعل النبي (ص) قاله كرارا وبعبارات شتى . وقد أشار الإمام محمد بن إدريس الشافعي إلى صحة هذا الحديث الشريف في أبيات له نقلها العلامة العجيلي في ( ذخيرة المآل) : ولمّا رأيت النـــــاس قد ذهبت بهم * مذاهبهـــم في أبـــــحر الغي والجهل ركبت على اسم الله في سفن النجا * وهم أهل بيت المصطفى خاتم الرسل وأمسكت حبل الله وهو ولاؤهــــم * كما قد أمرنا بالتمــــــسك بالـحـبـــــل إذا افترقت في الدين سبعون فرقة * ونيفا على ما جاء في واضـــح النقل ولم يك ناج منهم غير فــرقـــــــة * فقل لي بها يا ذا الرجاحة والــعــقـــل أفي الفرقــــة الهــلاك آل محمـــد * أم الفرقة اللاتـــي نجـت مـنهم قل لي فإن قلت في الناجين فالقول واحد * وإن قلت في الهلاك حفت عــن العدل إذا كان مولـــى القوم منهم فإنني * رضيت بهم لا زال في ظـــلهم ظــلــي رضيت عليا لــي إمامــا ونسلـــه * وأنت من الباقين في أوســــع الــحـل فلا يخفى على من أمعن ونظر في هذه الأبيات لعرف تصريح الشافعي وهو إمام أهل السنة والجماعة ، بأن آل محمد (ص) ومن تمسك بهم هم الفرقة الناجية وغيرهم هالكون ، وفي وادي الضلالة تائهون !! فحسب أمر النبي الكريم (ص) وهو كما قال الله الحكيم : ( وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى )(37). الشيعة يتمسكون بآل محمد الأطهار وعترته الأبرار ، ويتوسلون بهم إلى الله سبحانه ، هذا من جانب . ومن جانب آخر فقد خطر الآن ببالي ، بأن الناس إذا كانوا لا يحتاجون إلى وسيلة للتقرب إلى ربهم عز وجل والاستعانة به ، وإنه من توسل بأحد إلى الله تعالى فقد أشرك . فلماذا كان عمر بن الخطاب ـ وهو الفاروق عندكم ـ يتوسل ببعض الناس إلى الله سبحانه في حالات الشدة والاضطرار ؟! الحافظ : حاشا الفاروق عمر رضي الله عنه من هذا العمل ، إنه غير ممكن !! وإني لأول مرة أسمع هذه الفرية على الخليفة ! فلا بد أن تبينوا لنا مصدر هذا القول حتى نعرف صحته وسقمه . قلت : كما ورد في كتبكم المعتبرة : أن الفاروق كان في الشدائد يتوسل إلى الله سبحانه بأهل بيت النبي وعترته الطاهرة ، وقد تكرر منه هذا العمل في أيام خلافته عدة مرات ، ولكني أشير إلى اثنين منها حسب اقتضاء المجلس : 1ـ نقل ابن حجر في كتابه الصواعق بعد الآية : 14 ، في المقصد الخامس ، أواسط الصفحة : 106 ، قال : وأخرج البخاري أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس وقال : اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا محمد (ص) إذا قحطنا فتسقينا ، وإنا كنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ، فيسقون . قال ابن حجر : وفي تاريخ دمشق : إن الناس كرروا الاستسقاء عام الرمادة سنة سبع عشرة من الهجرة فلم يسقوا . فقال عمر : لأستسقينّ غدا بمن يسقيني الله به ، فلما أصبح غدا للعباس فدق عليه الباب ، فقال : من ؟ قال : عمر قال : ما حاجتك ؟ قال : أخرج حتى نستسقي الله بك . قال : اجلس. فأرسل إلى بني هاشم أن تطهروا وألبسوا من صالح ثيابكم ، فأتوه ، فأخرج طيبا فطيبهم ، ثم خرج وعلي عليه السلام أمامه بين يديه والحسن عن يمينه والحسين عن يساره وبنو هاشم خلف ظهره . فقال : يا عمر ! لا تخلط بنا غيرنا . ثم أتى المصلى فوقف ، فحمد الله وأثنى عليه . وقال : اللهم إنك خلقتنا ولم تؤامرنا ، وعملت ما نحن عاملون قبل أن تخلقنا ، فلم يمنعك علمك فينا عن رزقنا ، اللهم فكما تفضلت في أوله ، تفضل علينا في آخره . قال جابر : فما برحنا حتى سحت السماء علينا سحا ، فما وصلنا إلى منازلنا إلا خوضا . فقال العباس : أنا المسقى ابن المسقى ابن المسقى ابن المسقى ابن المسقى ابن المسقى . خمس مرات ، أشار إلى أن أباه عبد المطلب استسقى خمس مرات فسُقي(38). 2ـ في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد(39) قال : وروى عبد الله بن مسعود : إن عمر بن الخطاب خرج يستسقي بالعباس ، فقال : اللهم إنا نتقرب إليك بعم نبيك وبقية آبائه وكبر رجاله ، فإنك قلت وقولك الحق : ( وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة .....)(40) فحفظتهما لصلاح أبيهما ، فاحفظ اللهم نبيك في عمه ، فقد دنونا به إليك مستشفعين ومستغفرين . ثم أقبل على الناس فقال : ( استغفروا ربكم إنه كان غفارا )(41) إلى آخره . انتهى نقل ابن أبي الحديد . فهذا عمل الخليفة ، يتوسل ويتقرب بعم النبي (ص) إلى الله سبحانه ، وما اعترض عليه أحد من الصحابة ، ولا يعترض اليوم أحد منكم على عمله ، بل تحسبون أعماله حجة فتقتدون به ، ولكنكم تعارضون الشيعة لتوسلهم بآل محمد (ص) وعترته ، وتنسبون عملهم إلى الكفر والشرك والعياذ بالله !! فإذا كان التوسل بآل محمد (ص) والاستشفاع بعترته الهادية عند الله عز وجل شرك ، فحسب رواياتكم فإن الخليفة الفاروق يكون مشركا كافرا ، وإذا تدفعون عنه الشرك والكفر ، ولا تقبلون نسبته إليه ، بل تصححون عمله وتدعون المسلمين إلى الاقتداء به ، فعمل الشيعة وتوسلهم بآل محمد (ص) أيضا ليس بشرك ، بل حسن صحيح . وعلى هذا يجب أن تستغفروا ربكم من هذه الافتراءات والاتهامات التي تنسبونها لشيعة آل محمد (ص) وتكفرونهم وتقولون إنهم مشركون . ويجب عليكم أن تنبهوا جميع أتباعكم وعوامكم الجاهلين على أنكم مخطئين في اعتقادكم بالنسبة للشيعة ، فهم ليسوا بمشركين ، بل هم مؤمنون وموحدون حقا . أيها الحاضرون الكرام والعلماء الأعلام ! إذا كان عمر الفاروق مع شأنه ومقامه الذي تعتقدون به له عند الله سبحانه ، وأهل المدينة ، مع وجود الصحابة الكرام فيهم ، دعاؤهم لا يستجاب إلا أن يتوسلوا بآل محمد (ص) ويجعلوهم الواسطة والوسيلة بينهم وبين الله عز وجل حتى يجيب دعوتهم ويسقيهم من رحمته ، فكيف بنا ؟! وهل يجيب الله سبحانه دعوتنا من غير واسطة وبلا وسيلة ؟! فآل محمد (ص) وعترته في كل زمان هم وسائل التقرب إلى الله تعالى ، وبهم ـ أي بسببهم وبشفاعتهم ودعائهم ـ يرحم الله عباده . فهم ليسوا مستقلين في قضاء الحوائج وكفاية المهام ، وإنما الله سبحانه هو القاضي للحاجات والكافي للمهمات ، وآل محمد (ص) عباد صالحون وأئمة مقربون ، لهم جاه عظيم عند ربهم ، وهم شفعاء وجهاء عند الله عز وجل ، منحهم مقام الشفاعة بفضله وكرمه ، فقد قال سبحانه : ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه )(42). هذا هو اعتقادنا في النبي وعترته الهادية وآله المنتجبين الطيبين الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، ولن تجدوا في كتبنا الاعتقادية والكتب الجامعة للزيارات والأدعية المأثورة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام أكثر مما ذكرت لكم . الحافظ : إن ما بينتموه عن اعتقادكم بأهل البيت ، رضي الله عنهم ، مخالف لما سمعناه من الآخرين وقرأناه بخصوصكم في كتب علمائنا المحققين . قلت : دعوا أو اتركوا ما سمعتموه أو قرأتموه عنا ، واعتمدوا على ما تشاهدوه منا وتقرأوه في كتبنا . فهل طالعتم وتدبرتم في كتب علمائنا الأعلام الجامعة للزيارات والأدعية المروية عن أئمتنا ، أئمة أهل البيت والعترة الهادية عليهم السلام ؟! الحافظ : ما وصلت يدي حتى الآن إلى كتبكم .
قلت : إن العقل يقضي أن تقرأ كتبنا أولا ، فإذا وجدت فيها
إشكالا مما كنت تسمعه عنا ، فحينئذ أشكل علينا ، وأنا الآن معي كتابين ، أحدهما :
كتاب ( زاد المعاد) تأليف العلامة المجلسي فأخذوا يتصفحون الكتابين وينظرون في الكلمات والجمل بدقة ، وإذا بالسيد عبد الحي قد وصل إلى دعاء التوسل ، فكأنه وصل إلى بغيته ومقصده ، فأشار إلى الحاضرين بالسكوت فسكتوا ، ثم بدأ بقراءة دعاء التوسل كلمة كلمة ، والحاضرين منصتون يستمعون ، وكان بعضهم يعرف العربية ويدرك معاني الكلمات والجمل ، فكانوا يهزون رؤوسهم ويبدون أسفهم لابتعادهم عن مذهب أهل البيت عليهم السلام ، فيقول بعضهم لبعض : كيف قلبوا الأمور ونحن غافلون ، والتبس علينا الحق ونحن جاهلون ؟! فلما انتهى السيد عبد الحي من قراءة الدعاء ، قلت : أيها الأخوة ! بالله عليكم انصفوا !!! في أي كلمة أو عبارة من هذا الدعاء شممتم رائحة الشرك أو الغلو ، أيها العلماء أجيبوني ؟! فإن لم يكن فيه شيء من الشرك والغلو ، فلماذا تقذفون الشيعة المؤمنين بالشرك ؟! لماذا تزرعون بذر العداء والبغضاء بين المسلمين الذين جعل الله سبحانه بينهم المودة والإخاء ؟! لماذا ( تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون )(43)؟! لماذا تضلون أتباعكم الغافلين الجاهلين فتشحنون قلوبهم ضد الشيعة المؤمنين ، فينظرون إليهم شزرا على أنهم مشركون ؟! وكم من جهالكم المتعصبين تأثروا بكلام علمائهم ـ أنتم وأمثالكم ـ فأباحوا دماء الشيعة وأموالهم ، فقتلوهم ونهبوهم ( وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا )(44)، ويظنون أن الجنة وجبت لهم بذلك العمل الشنيع !! ولا شك أن وزر هذه الجنايات والفجائع هي في ذمتكم أيضا ، وأنتم العلماء مسؤولون عنها وتحاسبون عليها أكثر من الجاهلين ! هل سمعتم إلى الآن ، أن شيعيا التقى بأحد أهل السنة فقتله قربة إلى الله ؟! لا ، ولن يقدم شيعي حتى العامي منهم على مثلها أبدا ، لأن علماءنا ومبلغينا دائما يعلنون في أتباعهم ، إن أهل السنة والجماعة هم إخواننا في الدين فلا يجوز أذاهم . فكيف بقتلهم ونهب أموالهم ؟! نعم نبين لأتباعنا ، الاختلافات المذهبية بيننا وبينكم، ولكن نقول لهم أيضا : بأنها رغم خلافنا مع العامة في بعض المسائل ، فهم إخواننا في الدين ، فلا يجوز لنا أن نعاديهم ونبغضهم . أما علماء السنة مع كل الاختلافات النظرية والاجتهادية الموجودة بين أئمة المذاهب الأربعة في الأصول والفروع ، يحسبون أتباع الأئمة الأربعة أصحاب دين واحد ، وهم أحرار في اختيار أي مذهب شاؤا من المذاهب الأربعة . ولكن كثيرا من أولئك العلماء ـ ومع الأسف ـ يحسبون شيعة المرتضى وأتباع العترة الهادية عليهم السلام مشركين وكفارا.. بحيث يحل سفك دمائهم ونهب أموالهم ، فليس لهم حرية العقيدة واختيار المذهب في البلاد السنية ، حتى انهم يضطرون لأن يعيشوا بينكم في خوف وتقية مخافة أن يقتلوا بيد جهالكم الغافلين أو عتاتكم المعاندين !! فكم من عالم ورع وفقيه متقي قتل شهيدا بفتوى بعض علمائكم ، كما أن كثيرا من علمائكم يصرحون بلعن الشيعة في كتبهم . ولكن لا يوجد شيعي واحد ، حتى من العوام الجاهلين ، يحل سفك دم سني أو يجوز لعنه لأنه سني . الحافظ : انك تريد إثارة العواطف والاحساسات بهذا الكلام ، فأي عالم من الشيعة قتل بفتوى علمائنا ؟! وأي عالم منّا يلعن الشيعة؟ ! قلت : لا أريد أن أبين هذا الموضوع بالتفصيل لأنه يحتاج إلى وقت طويل فيستغرق منا ساعات عديدة ومجالس مديدة ، ولكن أنقل لكم قليلا من كثير مما سجله التاريخ ، ليتضح لكم الأمر وتعرفوا ما جهلتموه ! فلو تصفحتم كتب بعض علمائكم الكبار الذين اشتهروا بالتعصب ضد الشيعة الأخيار لوجدتم تصريحاتهم بلعن الشيعة المؤمنين بالإصرار والتكرار ! منهم : الإمام الفخر الرازي في تفسيره المشهور ، فكأنه كان مترصدا ليجد مجالا حتى يصب جام غضبه ولعنه على شيعة آل محمد (ص) ، فنجده عند آية الولاية(45) وآية إكمال الدين(46) وغيرهما يكرر هذه الكلمات .. وأما الروافض لعنهم الله .. هؤلاء الروافض لعنهم الله .. أما قول الروافض لعنهم الله .. إلى آخره . وأما إفتاء بعض علمائكم بقتل علمائنا الأعلام فكثير ، منها : قتل الشهيد الأول: من جملة الفجائع التي حدثت على مفاخر العلم وأهل التقوى وشيعة آل محمد (ص) بفتوى غريبة من قاضيين كبيرين من قضاة الشام ، وهما : برهان الدين المالكي وعباد بن جماعة الشافعي . وقد أصدرا حكم قتل أفقه علماء الإسلام في عصره وهو : العالم العامل ، والتقي الفاضل ، والزاهد الورع ، أبو عبدالله محمد بن جمال الدين المكي العاملي ( رضوان الله تعالى عليه ) ، ومن سعة اطلاعه في المسائل الفقهية أنه صنف وألف كتاب اللمعة الدمشقية في السجن في أسبوع واحد ، وليس عنده أي كتاب فقهي سوى كتاب : ( المختصر النافع ) . وكتاب ( اللمعة ) يدرس في الحوزات العلمية حتى اليوم لاحتوائه على أكثر الفروع والمباني الفقهية . وكان الشيخ الشهيد ( قدس سره) مرجعا لعلماء المذاهب الأربعة في حل المعضلات العلمية وكشف الأحكام الدينية ، وكان يعيش في تقية ، أي يخفي مذهبه من الحكومة ومن عامة الناس ، ومع ذلك عرفوا منه التشيع فشهد عليه نفر عند الحاكم ، فحوله الحاكم إلى القاضي فزجه القاضي في السجن حقدا . فبقي سنة كاملا سجينا في قلعة الشام يعاني من التجويع والتعذيب ، وبعدها حكم برهان الدين المالكي وابن جماعة الشافعي بإعدامه ، فقتلوه أولا بالسيف ثم صلبوه ، و لم يكتفوا بهذا المقدار من إظهار الحقد الدفين ، فحركوا الهمج الرعاع العوام كالأنعام ، فرجموا جسد ذلك العالم الفقيه بالحجارة ، وأعلنوا أنهم فعلوا كل ما فعلوه بذلك الفقيه الفاضل والعالم العامل ، لأنه رافضي مشرك !! وعلى هذا الجرم الذي ليس مثله جرم في الإسلام !! أمروا بحرق جسده الشريف ، وذروا رماده في الفضاء . وكان ذلك في التاسع أو التاسع عشر من جمادى الأولى عام 786 من الهجرة النبوية الشريفة ، في عهد الملك برقوق وحاكمه يومذاك على الشام : بيد مرو . قتل الشهيد الثاني: ومن جملة الفجائع الشنيعة ضد مذهب الشيعة ، والتي حدثت بسبب فتوى بعض علمائكم ، قتل العالم الفقيه ، والتقي النبيه ، العالم الرباني ، المعروف بالشهيد الثاني ، الشيخ زين الدين بن نور الدين علي بن أحمد العاملي ( قدس الله نفسه الزكية ) . وكان هو أشهر العلماء وأعظمهم في بلاد الشام ، وكان يعيش في عزلة من الناس ، دائبا على التأليف والتصنيف ، يقضي أوقاته في تحقيق المسائل واستنباط الأحكام وتدوينها ، وقد صنف أكثر من مائتي مؤلف في مختلف العلوم . فحسده علماء عصره لتوجه الناس إليه وتعظيمهم له ، فبعث قاضي صيدا واسمه معروف ، كتاب إلى السلطان سليم العثماني جاء فيه قد وجد في بلاد الشام رجل مبدع خارج عن المذاهب الأربعة. فأمر السلطان بإرسال الشيخ زين الدين إلى اسلامبول ليحاكموه ، وكان الشيخ آنذاك في الحج فلم ينتظروا رجوعه ، بل أرسلوا له جماعة فقبضوا عليه في المسجد الحرام ، وقد قال تعالى : ( ومن دخله كان آمنا )(47) فسجنوه أربعين يوما في مكة ثم بعثوه عن طريق البحر إلى إسلامبول عاصمة الخلافة . ولما وصل إليها ونزل الساحل ، ضربوا عنقه وقطعوا رأسه قبل أن يحاكموه ، ورموا بجثته في البحر وبعثوا برأسه إلى السلطان !! فيا أيها الحاضرون ! بالله عليكم أنصفوا !! هل قرأتم أو سمعتم أن أحد علماء الشيعة عامل واحدا من علماء السنة أو عوامها بهذا الشكل ، وقد كانوا متمكنين ومقتدرين في ظل ملوك الشيعة وحكوماتها التي حكمت على كثير من بلاد السنة ؟! بالله عليكم ! هل إن عدم الانتماء إلى المذاهب الأربعة ذنب يستوجب القتل ؟! ليت شعري ما هو دليلهم ؟! هل إن المذاهب الأربعة التي وجدت بعد رسول الله (ص) بعشرات السنين هي التي يجب الانتماء إليها والتمسك بها والعمل على طبقها ؟! ولكن المذهب الذي كان على عهد النبي الكريم (ص) وكان مرضيّا عنده ، لا يجوز التمسك به ؟ ! وإن المتمسك به يجب قتله !! وإذا كان كذلك ، فبرأي من كان المسلمون يأخذون ويعملون في الفترة الواقعة بعد النبي (ص) وقبل ميلاد الأئمة الأربعة وانتشار آرائهم ؟! أم تقولون إن الأئمة الأربعة كانوا على عهد رسول الله (ص) وأخذوا منه بلا واسطة ؟! الحافظ : لم يدّع أحد بأن الأئمة الأربعة أو أحدهم أدرك النبي (ص) وتشرف بصحبته أو سمع حديثه . قلت : وهل ينكر أحد صحبة الإمام علي عليه السلام لرسول الله (ص) واستماع حديثه الشريف ، حتى أصبح باب علم الرسول (ص) ؟! الحافظ : لا ينكر أحد ذلك ، بل كان علي ( رضي الله عنه) ، من كبار الصحابة ، وفي بعض الجهات كان أفضلهم . قلت : على هذه القاعدة لو اعتقدنا بأن متابعة الإمام علي عليه السلام والأخذ منه في المسائل الفقهية واجب لما قاله النبي (ص) في حقه : إن من أطاعه فقد أطاعني ، ومن عصاه فقد عصاني ، وهو باب علمي ، ومن أراد أن يأخذ من علمي فليأت الباب . فهل هذا الاعتقاد كفر ؟! أم الذي خالف النبي (ص) فقد كفر ؟! لقوله سبحانه وتعالى : ( ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )(48)! وإذا قلنا : إن من لم يعتقد بما قاله النبي (ص) في علي بن أبي طالب والأئمة من ولده الذين جعلهم عدل القرآن الحكيم في حديث الثقلين وألزم متابعتهم والتوسل بهم في حديث السفينة وهما حديثان مقبولان عندكم أيضا كما ذكرنا مصادركم فيهما . فلو قلنا : بأن من خالف عترة النبي (ص) وأهل بيته الطاهرين فقد تمرد على الله ورسوله وخرج من الدين ، ما قلنا شططا ، وما ذهبنا غلطا ، بدليل الحديثين الشريفين ، السفينة والثقلين ، وأدلة عقلية ونقلية أخرى . ولكن مع كل ذلك ما صدرت منا هكذا فتاوى خطيرة تشجع عوام الشيعة وملوكهم على ارتكاب جنايات فجيعة في حق أهل السنة والجماعة ، بالنسبة إلى علمائهم أو جهالهم . وإنما علماؤنا دائما يعلنون : أن أهل السنة والجماعة إخواننا في الدين ، ويجب أن نتحد كلنا ضد غير المسلمين المعادين ، غاية ما هنالك إننا نقول : إن الأمر اشتبه والحق التبس عليكم ، ولكنكم تبعا لبعض علمائكم تقولون فينا خلاف ما نقوله فيكم ، إنكم تقولون في حق الشيعة المؤمنين أتباع أهل بيت النبوة عليهم السلام : إنهم أهل البدع وغلاة ورفضة ويهود وكفرة ومشركون و و و.!!! وتبيحون بل توجبون قتل من لم ينتمِ إلى أحد المذاهب الأربعة ، وليس عندكم أي دليل شرعي وعقلي وعرفي في ذلك ! الحافظ : ما كنت أظن أنكم هكذا تفترون علينا ، وتكذبون على علمائنا أمورا بعيدة عن الحقيقة ، وإنما هي من أباطيل الشيعة وأكاذيبهم الشنيعة ، وهم يقصدون بها إثارة وأحاسيس الناس واكتساب عطفهم وحنانهم . قلت : كل ما نقلته لكم هو حق وصدق بشهادة التاريخ ، وكيف تظن بأني أفتري عليكم وعلى مذهبكم أو علمائكم ، في وجودك وحضور كثير من العلماء معك ، وكذلك بحضور هذا الجمع الغفير من أتباعكم ، أيعقل ذلك ؟! واعلم أني نقلت قضيتين من التاريخ كنموذج من معاملة علمائكم وقضاتكم مع فقهائنا وعلمائنا . وإذا تصفحتم تاريخ خوارزم وحملاتهم على إيران ، وقوم أزبك وحملاتهم على بلاد خراسان ، وحملات الأفغان على إيران ، وقتلهم عامة الناس بلا رحمة ، ونهب أموالهم وسبي نسائهم وأطفالهم وبيعهم في الأسواق كما يعامل الكفار ، لصدقتم كلامي وما كذبتم حديثي ! وفي زمن السلطان حسين الصفوي وصل الأفغان ـ وهم قومك وأبناء وطنك ـ إلى أصفهان ، فلم يرحموا حتى المراضع والرضع ، فقتلوا ونهبوا وسبوا ، وهتكوا حرمات المسلمين في كل أرض وطؤوها من بلاد إيران ، كل ذلك بفتاوى علمائهم من أهل السنة والجماعة ، حتى أنهم أفتوا ببيع أسارى الشيعة كالعبيد ، فباعوا ـ كما يحدثنا التاريخ ـ أكثر من مائة ألف رجل شيعي على أبناء السنة وغيرهم في أسواق تركستان !! الحافظ : إن تلك المعارك كانت سياسية لا ترتبط بفتاوى علمائنا . كلام خان خيوه: قلت : يذكر التاريخ أن في أوائل حكومة ناصر الدين شاه قاجار ، وفي وزارة أمير كبير ميرزا تقي خان ، حينما كانت الدولة منشغلة بإخماد الفتن التي آثارها رجل اسمه : " سالار " في خراسان ، وكانت سلطة الدولة الضعيفة في تلك المقاطعة . اغتنم الفرصة أمير خوارزم وهو : محمد أمين خان أزبك المعروف بخان خيوه ، وهجم بجيش جرار على خراسان ، وقتل ونهب ودمر وأسر جمعا كثيرا من الناس ، فساقه إلى بلاده سبايا . وبعدما أخمدت فتنة سالار ، بعثت الدولة القاجارية سفيرا إلى خان خيوه ليفاوضه في شأن السبايا واستخلاصهم ، وكان السفير هو رضا قلي خان ، الملقب بهدايت ، وهو من كبار الدولة ورجال البلاط الملكي . فلما وصل إلى خوارزم والتقى بخان خيوه ، دار بينهم كلام طويل سجله التاريخ جملة جملة ، وكلمة كلمة ، والشاهد هنا هو هذه العبارة : إن المغفور له هدايت قال لخان خيوه : إن الدول الكافرة تعامل الإيرانيين معاملة حسنة ، وهم في أمن وأمان من جيوش روسية والإفرنج ، ولكنكم مع الأسف تعاملون الإيرانيين معاملة الكفار والمشركين ، وهم معكم على دين واحد ، لا فرق في قبلتنا وقرآننا ونبينا ، نحن وأنتم نعتقد ونشهد : أن لا إله إلا الله ، محمد رسول الله (ص) ، فلماذا تهجم بجيوشك على بلادنا ، وتدمر ديارنا ، وتقتل وتنهب ، وتأسر المسلمين وتبيعهم في الأسواق كأسرى الكفار والمشركين ؟! فأجاب خان خيوه : إن علماءنا وقضاتنا في بخارى وخوارزم : يفتون بأن الشيعة كفار وأهل بدع وضلال ، وجزاؤهم القتل ونهب الأموال ، وهم يوجبون علينا هذه المعاملة مع الإيرانيين ، فيبيحون لنا دماءهم ونساءهم وأموالهم !! وللاطلاع التام فليراجع : تاريخ روضة الصفا الناصري ، وكذلك مذكرات سفر خوارزم ، تأليف رضا قلي خان هدايت . هجوم الأزبك: كما إن أحد أمراء الأزبك المسمى عبدالله خان حاصر بجيوشه منطقة خراسان ، فكتب علماء خراسان إليه كتابا جاء فيه : نحن نشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله (ص) ، فلماذا تغير علينا بجيشك وتقاتلنا وتهتك حريمنا ونحن أتباع القرآن الكريم والعترة الهادية ، وإن الوحشية والمعاملة السيئة التي نجدها منكم غير مقبولة في الإسلام ، وإن الله سبحانه لا يجيزها لكم بالنسبة للكفار ، فكيف مع المسلمين ؟! فلما وصل الكتاب إلى يد عبد الله خان أعطاه لعلماء السنة وقضاتهم الذين كانوا يرافقونه في حملاته على المسلمين الشيعة ، وطلب منهم أن يجيبوا ويردوا على الكتاب . فأجاب علماء السنة ـ ردا على كتاب علماء خراسان ـ بجواب مشحون بالتهم والأكاذيب على الشيعة و قذفوهم بالكفر !! لكن علماء خراسان ردوا عليهم ، ونسفوا تهمهم وأكاذيبهم ، وأثبتوا أن الشيعة مؤمنون بالله ورسوله وبكل ما جاء به النبي الكريم (ص) . ومن أراد الوقوف على تلك الردود والإجابات فليراجع كتاب " ناسخ التواريخ " . فشاهد الكلام إن علماء السنة الأزبكيين كتبوا : إن الشيعة رفضة وكفار ، فدماؤهم وأموالهم ونساؤهم مباحة للمسلمين !! وأما في بلادكم أفغانستان ، فإن الشيعة يعانون أشد الضغوط والهجمات الوحشية منكم ومن أمثالكم أهل السنة والجماعة . والتاريخ مليء بالفجائع والجنايات التي ارتكبوها جماعة السنة في حق الشيعة في أفغانستان ، ومن جملتها : في سنة 1267 هجرية في يوم عاشوراء وكان يوافق يوم الجمعة ، وكانت الشيعة مجتمعة في الحسينيات في مدينة قندهار ، وكانوا يقيمون شعائر العزاء على مصائب سبط الرسول وسيد الشهداء ، الحسين بن علي ( ع) وأنصاره الذين استشهدوا معه في سبيل الله تعالى . وإذا بأهل السنة والجماعة يهجمون عليهم بالأسلحة الفتاكة ، ولم يكن الشيعة مسلحين ولا مستعدين لقتال ، حتى أنهم لم يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم ، فقتل قومكم جمعا كثيرا حتى الأطفال بأفجع أنواع القتل ، ونهبوا أموالهم وأموال الحسينيات !! والأعجب من ذلك ، أن أحدا من علماء السنة لم يندد بهذا العمل الوحشي الشيطاني ، ولم يبد أسفه على تلك الجناية البشعة ، فكان سكوت العلماء تأييدا لعمل الجهال المهاجمين ، والجناة المتعصبين ، وربما كان كل ذلك بتحريك بعض علمائهم ، والله أعلم . والتاريخ يحدثنا عن هجمات كثيرة من هذا النوع ضد الشيعة في أفغانستان وبلاد الهند والباكستان أيضا ، فكم من نفوس مؤمنة أزهقت ، ودماء بريئة سفكت ، وأموال محترمة نهبت ، وحرمات دينية هتكت ، بأيدي أهل السنة والجماعة ، وقد قتلوا حتى بعض فقهائنا الكبار وعلمائنا الأبرار . قتل الشهيد الثالث: ولقد زرت في سفري هذا مقابر بعض شهداء هذه الحوادث الأليمة في مدينة " أكبر آباد آكره " وبالأخص قبر الشهيد الثالث ، العالم الورع ، والفقيه التقي ، الذي ينتهي نسبه الشريف إلى النبي (ص) وهو : القاضي السيد نور الله التستري ( قدس الله سره ) ، وهو أحد ضحايا هذه التعسفات والتعصبات التي توجد في أهل السنة العامة . فقد استشهد هذا العالم الجليل ، والحبر النبيل ، سنة 1019 هجرية ، على أثر سعاية علماء العامة في " أكبر آباد آكره " عند الملك المغولي الجاهل المتعصب جهانكير ، في الهند . وكان عمر السيد الشهيد حينما قطعوا رأسه يتجاوز السبعين عاما ، وقبره إلى يومنا هذا مزار المؤمنين الشيعة ، ورأيت مكتوبا على صخرة قبره هذين البيتين : ظالمي إطفاء نــور اللـــه كـــرد * قرة العـين نبي را ســر بريــد سال قتلش حضرت ضامن على * كفت : نور الله سيد شد شهيد أي : ظالم أطفأ نور الله ، وحز رأس قرة عين رسول الله (ص) فقال ضامن علي في تاريخ شهادته : إن السيد نور الله أصبح شهيدا . الحافظ : إنكم تبالغون في هذه القضايا وتضخمونها ، ونحن لا نرضى بأعمال جهالنا وعوامنا ، ولكن الشيعة بأعمالهم الخاطئة يسببون تلك الفجائع . قلت : ما هي أعمال الشيعة التي توجب قتلهم ونهب أموالهم وهتك أعراضهم ؟! الحافظ : في كل يوم يقف آلاف الشيعة أمام قبور الأموات ويطلبون منهم الحاجات ، ألم يكن هذا العمل عبادة الأموات ؟! لماذا أنتم العلماء لا تمنعونهم ؟! حتى أننا نجد كثيرا منهم يخرون إلى الأرض ويسجدون لتلك القبور باسم الزيارة ، فهم بهذه الأعمال الخاطئة يسببون تلك الفجائع ، لأن عوامنا لا يتحملون هذه البدع باسم الإسلام فيفرطون بالانتقام !! وبينما كان الحافظ يتكلم وكلنا يصغي إليه ، كان الشيخ عبد السلام ، الفقيه الحنفي ، يتصفح كتاب " هدية الزائرين " ويطالع فيه ليجد إشكالا فيلقيه ، ولما وصل الحافظ إلى هذه الجملة ، صاح الشيخ عبد السلام مؤيدا للحافظ ومخاطبا إياي : تفضل واقرأ هذه الصفحة حتى تعرف ما يقول الحافظ . قلت : اقرأ أنت ونحن نستمع . فقرأ هذه العبارة : وإذا فرغت من الزيارة فصل ركعتين صلاة الزيارة ، ثم قال : أليست نية القربة شرط في صحة الصلاة ؟! فالصلاة لغير الله سبحانه لا تجوز حتى للنبي والإمام ، فالوقوف أمام القبور والصلاة بجانبها شرك بين ، وهو أكبر دليل على الكفر ، وهذا كتابكم سند معتبر وحجة عليكم ! قلت : حيث طال بنا الجلوس والوقت لا يتسع للجواب عن شبهاتكم ، فلنترك الجواب إلى الليلة المقبلة إنشاء الله تعالى . لكن أهل المجلس ـ شيعة وسنة ـ كلهم قالوا نحن مستعدون أن نبقى حتى الصباح لنسمع جوابكم . قلت : أسألك يا شيخ عبد السلام : هل ذهبت لزيارة أحد أئمة أهل البيت (ع) وهل رأيت بعينك أعمال الشيعة الزائرين لقبور أئمتهم (ع) أم لا ؟ الشيخ : لا ... إني لم أذهب إلى مزارات الأئمة ، ولم أشاهد أعمال الشيعة هناك . قلت إذا كيف تقول : بأن الشيعة يصلون متوجهين لقبور الأئمة ؟! وتستدل به على كفر الشيعة ! ثبت العرش ثم انقش . الشيخ : إنما قلت هذا نقلا عن هذا الكتاب الذي بين يدي ، فإنه يقول : صل للإمام صلاة زيارة ! قلت : ناولني الكتاب حتى أعرف صحة ما تقول . فناولني الكتاب مفتوحا ، فرأيت تلك الصفحة تنقل كيفية زيارة علي بن أبي طالب (ع) . فقلت أيها الجمع الحاضر ! إني أقرأ عليكم مقتطفات وجمل من هذه الزيارة حتى نصل إلى تلك العبارة التي يذكرها الشيخ ، ثم أنتم أنصفوا واقضوا بيننا وبين الشيخ عبدالسلام والحافظ محمد رشيد . في آداب زيارة أمير المؤمنين (ع): إذا وصل الزائر إلى خندق الكوفة يقف ويقول : الله أكبر ، الله أكبر أهل الكبرياء والمجد والعظمة ، الله أكبر أهل التكبير والتقديس والتسبيح والآلاء ، الله أكبر مما أخاف وأحذر ، الله أكبر عمادي وعليه أتوكل ، الله أكبر رجائي وإليه أنيب .. إلى آخره . وإذا وصل إلى الباب الأول من الروضة المقدسة فليقل بعد حمد الله تعالى : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ... إلى آخره . وإذا وصل إلى الباب الثاني فليقل : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ... إلى آخره . وإذا أراد أن يدخل الروضة المقدسة يستأذن الله تعالى ورسوله (ص) والأئمة والملائكة . وبعد ذلك يستلم القبر الشريف فيسلم على النبي وعلى أمير المؤمنين وعلى آدم ونوح ... إلى آخره . والعبارة التي هي محل الشاهد للشيخ عبد السلام ولنا هي : ثم صل ثلاث صلوات ثنائية ، ركعتان هدية لأمير المؤمنين (ع) ، وركعتان هدية لآدم أبي البشر ، وركعتان هدية لنوح شيخ الأنبياء ، لأنهما مدفونان عند قبر أبي الحسن أمير المؤمنين (ع) . " صلاة الزيارة والدعاء بعدهما " هل صلاة الهدية شرك ؟! ألم ترد روايات في صلاة الهدية للوالدين وغيرهما من المؤمنين (ع) قربة إلى الله تعالى هل هذا شرك ؟! فقد جرت العادة عند الناس وكذلك المؤمنين ، أن كل من يذهب لزيارة أحبابه يأخذ معه هدية ، ونجد في أكثر كتب الأخبار والأحاديث فضلا في استحباب وثواب هدية المؤمن لأخيه المؤمن وقبولها منه . والزائر لما يصل إلى قبر من يحبه ويعلم أن الصلاة أحب شيء إلى مزوره ، فيصلي ركعتين قربة إلى الله تعالى ويهدي ثوابها إلى المزور . والمعترضون لو كانوا يواصلون مطالعتهم و يقرءوا الدعاء بعد صلاة الزيارة لعرفوا خطأهم وتيقنوا أن عمل الشيعة عند الزيارة ليس بشرك ، بل هو التوحيد وكمال العبادة لله عز وجل . واعلموا أن الشيعة إنما يزورون الإمام علي والأئمة من ولده (ع) ، لأنهم عباد الله الصالحون وأوصياء رسوله الصادقون . وأما عبارة الرواية فهي كما يلي ، على خلاف ما قاله الشيخ عبد السلام : " بأن يقف بجانب القبر يصلي " بل العبارة : " أن يقف مستقبل القبلة مما يلي رأس الإمام (ع) " فيصبح القبر على يسار المصلي ، فيقول : اللهم إني صليت هاتين الركعتين هدية مني إلى سيدي ومولاي ، وليك وأخي رسولك ، أمير المؤمنين ، وسيد الوصيين ، علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وعلى آله ، اللهم فصل على محمد وآل محمد وتقبلها مني واجزني على ذلك جزاء المحسنين ، اللهم لك صليت ولك ركعت ولك سجدت ، وحدك لا شريك لك ، لأنه لا تجوز الصلاة والركوع والسجود إلا لك ، لأنك أنت الله لا إله إلا أنت . بالله عليكم أيها الحاضرون ! أنصفوا ، أي عمل من هذه الأعمال يستوجب الشرك بالله تعالى ؟! الشيخ عبدالسلام : عجبا ألا تجد هذه العبارة تقول : ثم قبل العتبة وادخل الحرم . ألم يكن هذا العمل سجودا لصاحب القبر ؟! والسجود لغير الله شرك . " تقبيل قبور الأئمة (ع) وعتبة روضاتهم المقدسة ": قلت : إن جنابك تغالط في البحث ، إذ تفسر تقبيل العتبة بالسجود ، ثم تحمل ذلك الشرك بالله سبحانه !! وإذا كنتم في حضورنا تفسرون كلامنا هكذا ، فلابد في غيابنا وخاصة أمام أتباعكم من العوام والجاهلين ، تثبتون كفرنا !! وأما الجواب : فإن الوارد في هذا الكتاب وغيره من كتب الزيارات يقول : إن الزائر تأدبا يقبل العتبة ... ليت شعري بأي دليل تفسرون القبلة بالسجود ؟! وأين ورد نهي عن تقبيل قبور الأنبياء وأوصيائهم وغيرهم من أولياء الله الصالحين ، وتقبيل أعتابهم المقدسة ؟! في القرآن الكريم ؟! أم في الحديث الشريف ؟! ثم بأي دليل تعدون هذا العمل شركا بالله العظيم ؟! والعجيب أن عوامكم يصنعون بقبر أبي حنيفة والشيخ عبد القادر أكثر مما تصنعه الشيعة بقبور أئمة أهل البيت (ع) . وإني أشهد الله العلي العظيم فقد ذهبت يوما إلى قبر أبي حنيفة في بغداد ، في محلة الأعظمية ، فرأيت جماعة من أهل السنة الهنود ، سقطوا على الأرض كالساجدين وقبلوا التراب !! وحيث إني لم أنظر إليهم بعين الحقد والعداء ، ولم يكن عندي دليل على أن عملهم كفر وشرك ، لم أنقل هذا الموضوع في أي مجلس ، ولم أنتقد عملهم ، بل تلقيته أمرا عاديا . لأني أعلم أنهم ما وقعوا على الأرض بنية السجود لصاحب القبر ، وهذا أمر بديهي . فاعلم يا شيخ ! وليعلم الحاضرون ! إن أي زائر شيعي عالم أو جاهل حاشا أن يسجد لغير الله تعالى ، وإن كلامكم على الشيعة : بأنهم يسجدون لأئمتهم ، كذب وافتراء علينا !! وعلى فرض أن الزائر يجعل جبهته على التراب أمام القبر ، ولكن لما لم يقصد السجود لصاحب القبر وإنما يريد بذلك احترامه وإظهار محبته له ، لم يكن فيه بأس وإشكال . الشيخ عبدالسلام : كيف يعقل أن يهوي إنسان إلى الأرض ويجعل جبهته على التراب ومع ذلك لا يكون عمله سجودا ؟! قلت : لأن الأعمال بالنيات ، فإذا فعل أحد ذلك ولم ينوي السجود فلا نحسب عمله سجودا(49) كما فعل إخوان يوسف الصديق له ، ولم يمنعهم يوسف ولا أبوهم يعقوب من ذلك ، والله سبحانه يخبر بعملهم ويحكيه ولا يقبحه ، فيقول : ( ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقّا )(50). وكم من موضع من الذكر الحكيم يخبر الله عز وجل فيه عن سجود الملائكة لآدم بأمر منه سبحانه .
فحسب كلامكم ، فإن إخوة يوسف الصديق والملائكة كلهم مشركون ،
إلا إبليس لأنه لم وأما جوابي لجناب الحافظ ، وإن كان الوقت لا يتسع له ، ولكن أبينه باختصار : بقاء الروح بعد الموت: إن شبهتكم حول الشيعة بأنهم لماذا يطلبون حوائجهم عند قبور الأموات ؟! إنما هو كلام الماديين والطبيعيين ، فإنهم لا يعتقدون بالحياة بعد الموت ، والله سبحانه يحكي قولهم في القرآن إذ قالوا : ( إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين )(51). وأما الاعتقاد بالحياة بعد الموت ، وأن الجسم يبلي بالموت ولكن الروح باقية ، فهو من ضروريات دين الإسلام ، وبالأخص حياة الشهداء ، فقد صرح بها القرآن الكريم بقوله : ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ..)(52) إلى آخره ... فهل يمكن للميت الفرح والسرور والارتزاق ؟! لا! ولذلك فإن الآية الكريمة تصرح بأنهم : ( أحياء عند ربهم يرزقون ) فكما أنهم يفرحون ويرزقون ، فهم يسمعون الكلام ويجيبون ، ولكن حجاب المادة على مسامعنا مانع من إحساسنا بكلامهم واستماع جوابهم . وقد ورد عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في زيارة جده سيد الشهداء الحسين عليه السلام قوله : يا أبا عبدالله أشهد أنك تشهد مقامي وتسمع كلامي وأنك حي عند ربك ترزق ، فأسأل ربك وربي في قضاء حوائجي . وجاء في الخطبة 86 من نهج البلاغة عن الإمام علي عليه السلام إذ يعرّف فيها أهل البيت عليهم السلام ويصفهم ، فيقول : أيها الناس ! خذوها من خاتم النبيين : إنه يموت من مات منا وليس بميت ، ويبلى من بلى منا وليس ببال . قال ابن أبي الحديد والميثمي والشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية ، قالوا في شرح هذه الكلمات ما ملخصه : " إن أهل بيت النبي (ص) لم يكونوا في الحقيقة أمواتا كسائر الناس "(53) فنقف عند قبور أهل البيت عليهم السلام والعترة الهادية ، ولا نحسبهم أمواتا بل هم أحياء عند ربهم ، ونحن نتكلم معهم كما تتكلمون أنتم مع من حولكم من الأحياء ، فنحن لا نعبد الأموات كما تزعمون وتفترون علينا ، بل نعبد الله سبحانه الذي يحفظ أجساد الصالحين من البلى ، ويبقي أرواح العالمين بعد ارتحالهم من الدنيا (54) . وأنتم ألا تحسبون عليا عليه السلام ، وابنه الحسين والذين استشهدوا بين يديه ، وكذلك أصحاب النبي (ص) الذين قتلوا في بدر وحنين وغيرهما من غزواته ، شهداء ؟! وهل إنكم لا تعتقدون أن هؤلاء الصفوة ضحوا بأنفسهم في سبيل الله وثاروا على ظلم بني أمية وكفر يزيد ، وأنهم أنقذوا الدين الحنيف من براثن آل أبي سفيان ، ورووا بدمائهم شجرة التوحيد والنبوة ؟؟ فكما إن أصحاب رسول الله (ص) خاضوا المعارك وجاهدوا في سبيل الله وقاتلوا أعداء الدين وكافحوا معارضي النبوة ومخالفي الرسالة لنشر الإسلام وإعلاء كلمة الحق ، كذلك الإمام علي عليه السلام وابنه الحسين وأصحابهما فقد جاهدوا في سبيل الله تعالى لإبقاء دينه وإنقاذ الإسلام حتى قتلوا واستشهدوا في سبيل الله . وكل من عنده أدنى اطلاع عن تاريخ الإسلام بعد النبي (ص) يعلم بأن آل أبي سفيان وخاصة يزيد بن معاوية وأعوانه كادوا يقضون على الإسلام ويحرفوه عن مواضعه الإلهية بأعمالهم الإلحادية ، وإن خطر هؤلاء المنافقين كان أشد على الإسلام والمسلمين من الكفار والمشركين . والتاريخ يشهد أن لولا نهضة الإمام الحسين سبط رسول الله (ص) وجهاد أصحابه الكرام مستميتين ، لتمكن يزيد بن معاوية أن يحقق هدف سلفه المنافقين الفجرة ، وهو تشويه الإسلام وتغييره على الكفر والجاهلية الأولى . فالحسين السبط وأنصاره وأصحابه الكرام عليهم السلام وإن سالت دماؤهم واستشهدوا ، إلا أنهم فضحوا يزيد وحزبه وسلفه الفاسقين ، وكشفوا عنهم الستار وعرفوهم للمسلمين . دفاع الشيخ عبد السلام عن معاوية ويزيد: الشيخ : إني أتعجب منك إذ تصرح بكفر يزيد وهو خليفة المسلمين المنصوب من قبل معاوية ، وهو خال المؤمنين وخليفتهم ، وقد جعله عمر الفاروق والخليفة المظلوم عثمان واليا على بلاد الشام في طيلة أيام خلافتهما . ولما رأى المسلمون أهليته وكفاءته للحكم بايعوه للخلافة ، وهو جعل ابنه يزيد ولي العهد ليكون خليفته من بعده ، ورضي به المسلمون فبايعوه بالخلافة ! فأنت حينما تعلن كفر يزيد وسلفه ، فقد أهنت جميع المسلمين الذين بايعوه بالخلافة ، وأهنت خال المؤمنين ، بل أهنت الخليفتين الراشدين اللذين عينا معاوية واليا وممثلا عنهما في بلاد الشام !! ولا نجد في التاريخ عملا ارتكبه يزيد فيكون سبب كفره وارتداده ، فهو كان مؤمنا مصليا وعاملا بالإسلام ، إلا أن عامله على العراق ، قتل سبط النبي وريحانته وسبي حريمه وعياله وأرسلهم إلى يزيد في الشام !! فلما وصلوا إلى مجلس يزيد حزن واعتذر من أهل البيت واستغفر الله من أعمال الظالمين . وإن الإمام الغزالي والدميري أثبتا براءة الخليفة يزيد من دم الحسين بن علي وأصحابه ، فما تقولون ؟! ولو فرضنا أن وقائع عاشوراء الأليمة وفجائع كربلاء كانت بأمر من يزيد بن معاوية ، فإنه تاب بعد ذلك واستغفر الله سبحانه ، والله غفور رحيم !! ردنا على كلام الشيخ: قلت : ما كنت أظن أن التعصب يبلغ بك إلى حد الدفاع عن يزيد العنيد ! وأما قولك : إن الخليفتين نصبا معاوية واليا وهو عين ولده يزيد خليفة على المسلمين فتجب طاعته عليهم ! فهو كلام مردود عند العقلاء ولا سيما في هذا العصر عصر الديمقراطية . ثم إن هذا الكلام لا يبرر موقف معاوية وعمل يزيد ، بل هو يؤيد كلامنا ويدل على صحة معتقدنا بأنه يلزم أن يكون الخليفة معصوما ومنصوبا من عند الله سبحانه ، حتى لا تبتلى الأمة برجل كيزيد ونظرائه . وأما قولك : إن الإمام الغزالي أو الدميري وأمثالهما دافعوا عن يزيد وبرأوا ساحته عن فضائح الأعمال الشنيعة والجرائم القبيحة ، لا سيما قتل سبط رسول الله (ص) وسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين عليه السلام ! فأقول : أولئك أيضا أعمتهم العصبية مثلكم ، وقد قيل : إن حب الشيء يعمي ويصم ، وإلا فأي إنسان منصف ، وأي عاقل عادل يبرئ ذمة يزيد العنيد من دم السبط الشهيد وأصحابه الأماجد ؟! وأي عالم متدين ملتزم بالحق تسوغ نفسه ويسمح له دينه وعلمه أن يدافع عن مثل يزيد العنيد ؟! وأما قولك : إن قتل الحسين ريحانة رسول الله (ص) ما كان بأمره ، وأنه اعتذر من أهل البيت وتاب واستغفر عن فعل عامله ، فلو كان كذلك فلماذا لم يحاكم ابن زياد ولم يعاقب قتلة الحسين عليه السلام ؟! ولماذا لم يعزل أولئك المجرمين عن مناصبهم وهم شرطته وجلاوزته وأعوان حكومته ؟! ثم من أين تقولون إنه تاب واستغفر ؟! وكيف تجزمون وتحتمون بأن الله سبحانه وتعالى قبل توبته وغفر له ؟! صحيح ، إن الله عز وجل غفور رحيم ، ولكن للتوبة شروط : أولها : رد حقوق الناس ، فهل رد يزيد حقوق أهل البيت والعترة الطاهرة . ثم إن فضائح يزيد وقبائحه لم تنحصر في قتل السبط الشهيد وسبي نسائه ونهب أمواله وحرق خيامه .. إلى آخره ، بل إنكاره ضروريات الدين ، ومخالفته القرآن الكريم ، وتظاهره بالفسق والمعاصي ، كل واحد منها دليل على كفره وإلحاده . النواب : أرجوك أن تبين لنا دلائلكم على كفر يزيد حتى نعرف الحقيقة ونتبع الحق . دلائل كفر يزيد العنيد: قلت : من الدلائل الواضحة على كفر يزيد بن معاوية مخالفته لحكم الله سبحانه في حرمة شرب الخمر ، فإنه كان يشرب ويتفاخر بذلك في أشعاره فقد قال وثبت في ديوانه المطبوع : شميسة كرم برجها قعر دنّـهـــا * فمشرقها الساقي ومغربهـا فمـي فإن حرمت يوما على دين أحمد * فخذها على دين المسيح بن مريم وقال أيضا كما في ديوانه : أقول لصحب صمّت الكاس شملهم * وداعـــي صبابات الهوى يترنّم خــذوا بنصـيـب مـن نـعـيـــم ولــذة * فكــــل وإن طال الـمدى يتصرم فهو في هذين البيتين يدعو إلى لذة الدنيا ونعيمها وينكر الآخرة ، ومن شعره في إنكار الآخرة والمعاد ، ما نقله أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه : ( الرد على المتعصب العنيد ، المانع عن لعن يزيد لعنه الله ) وهو : عليـة هـاتي نــاولي وترنمــي * حديـثـك إني لا أحــب الـتـناجيا فإن الذي حدثت عن يوم بعثنا * أحاديث زور تترك القلب ساهيا ومن كفريّاته : يا معشر الندمان قوموا * واسمعوا صوت الأغاني واشربــوا كــأس مـدام * واتـركـوا ذكــر الـمـعاني شـغـلـتني نغمة العيدان * عـــــــن صـــــوت الأذان وتعـوضـــت عن الحور * عــجـــوزا فــــي الـدنـان ومن الدلائل الواضحة على كفر يزيد وارتداده ، أشعاره الإلحادية وكفرياته التي أنشدها بعد مقتل السبط الشهيد سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي عليه السلام . فقد ذكر سبط ابن الجوزي في كتابه ـ التذكرة : ص148 ـ قال : لما جاءوا بأهل البيت إلى الشام سبايا ، كان يزيد جالسا في قصره ، مشرفا على محلة جيرون ، فأنشد قائلا : لما بدت تلك الرؤوس وأشرقـت * تلك الشموس على ربى جيرون نعب الغراب قلت : نح أو لا تنح * فلقـد قضـيت مـن النـبي ديونـي ومن الدلائل على كفر يزيد العنيد لعنه الله : فقد ذكر المؤرخون كلهم أن يزيد احتفل بقتل الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام ودعا إلى ذلك المجلس كبار اليهود والنصارى ، وجعل رأس السبط الشهيد سيد شباب أهل الجنة أمامه ، وانشد أشعار ابن الزبعرى : ليت أشياخي ببدر شهـــدوا * جزع الخزرج من وقـــع الأسل لأهـلوا واستــهـلوا فرحــــا * ثـم قالـوا يــا يـــزيــد لا تـشـــل قد قتلنا القرم من ساداتهــم * وعـــدلــنـاه بـبــدر فـــاعــتــدل لعبت هــاشم بالمــلك فــــلا * خــبر جــاء ولا وحـــي نــــــزل لست من خندف إن لم أنتقم * مــن بــني أحـمـد مـا كـان فعل قد أخذنا من عـــلي ثـــارنا * وقتــلنــا الفـارس الليـــث البطل والظاهر أن البيت الثاني والأخير ليزيد نفسه . وقد كتب بعض علمائكم مثل : أبي الفرج ابن الجوزي ، والشيخ عبد الله بن محمد بن عامر الشبراوي في كتاب الاتحاف بحب الأشراف : ص 18 ، والخطيب الخوارزمي في الجزء الثاني من كتابه " مقتل الحسين ". صرحوا : إن يزيد لعنه الله كان يضرب ثنايا أبي عبدالله الحسين بمقصرته ويترنم بهذه الأبيات التي نقلناها . جواز لعن يزيد : إن أكثر علمائكم قالوا بكفر يزيد ، منهم : الإمام أحمد بن حنبل ، وكثير من علمائكم جوزوا لعنه ، منهم : ابن الجوزي الذي صنف كتابا في الموضوع وسماه : " الرد المتعصب العنيد المانع عن لعن يزيد لعنه الله " ولنعم ما قال أبو العلاء المعري : أرى الأيــام تفعــل كل نكـر * فما أنا في العجائب مستزيد أليس قريشكم قتلت حسينا * وكان على خلافتكم يزيـد !! وهناك عدد من علمائكم الذين أعمتهم العصبية الأموية ، وضربت على عقولهم حجب الجاهلية ، أمثال : الغزالي ، فأخذوا جانب يزيد وذكروا أعذارا مضحكة لأعماله الإجرامية !! ولكن أكثر علمائكم كتبوا عن جنايات يزيد وعدوه كفرا ، وساعيا في محو الإسلام وإطفاء نور الله عز وجل ، وذكروا له أعمالا منافية للتعاليم الإسلامية والأحكام الإلهية . فقد نقل الدميري في كتابه " حياة الحيوان " والمسعودي في " مروج الذهب " وغيرهما ، ذكروا : إن يزيد كان يملك قرودا كثيرة وكان يحبها فيلبسها الحرير والذهب ويركبه الخيل ، وكذلك كانت له كلاب كثيرة يقلدها بقلائد من ذهب ، وكان يغسلها بيده ويسقيها الماء بأواني من ذهب ثم يشرب سؤرها ، وكان مدمنا على الخمر !! وقال المسعودي في مروج الذهب ج2 : إن سيرة يزيد كانت مثل سيرة فرعون ، بل كان فرعون أقل ظلما من يزيد في الرعية ، وإن حكومة يزيد صارت عارا كبيرا على الإسلام ، لأنه ارتكب أعمالا شنيعة كشرب الخمر في العلن ، وقتل السبط رسول الله (ص) وسيد شباب أهل الجنة ، ولعن وصي خاتم النبيين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وقذف الكعبة بالحجارة وهدمها وحرقها ، وإباحته مدينة رسول الله (ص) في وقعة الحَرَّة ، وارتكب من الجنيات والمنكرات والفسق والفجور ما لا يعد ويحصى وكل ذلك ينبئ عن أنه غير مغفور له . النواب : ما هي وقعة الحَرَّة ، وما معنى إباحة المدينة المنورة بأمر يزيد ؟؟! قلت : ذكر المؤرخون كلهم من غير استثناء ، منهم : سبط ابن الجوزي في التذكرة : 63 ، قال : إن جماعة من أهل المدينة في سنة 62 هجرية دخلوا الشام وشاهدوا جرائم يزيد وأعماله القبيحة وعرفوا كفره وإلحاده ، فرجعوا إلى المدينة المنورة وأخبروها أهلها بكل ما رأوا ، وشهدوا على كفر يزيد وارتداده ، فتكلم عبد الله بن حنظلة ـ غسيل الملائكة ـ وكان معهم فقال : أيها الناس ! قد قدمنا من الشام من عند يزيد ، وهو رجل لا دين له ، ينكح الأمهات والبنات والأخوات !! ويشرب الخمر ، ويدع الصلاة ، ويقتل أولاد النبيين !! فنقض الناس بيعتهم ولعنوا يزيد وأخرجوا عامله من المدينة وهو : عثمان بن محمد بن أبي سفيان . فلما وصل الخبر إلى يزيد في الشام بعث مسلم بن عقبة على رأس جيش كبير إلى الشام ، وأمرهم أن يدخلوا المدينة المنورة ويقتلوا فيها من شاؤا ويفعلوا كل ما أرادوا ثلاثة أيام . ذكر ابن الجوزي والمسعودي وغيرهما : إنهم لما هجموا على مدينة الرسول (ص) قتلوا كل من وجدوه فيها حتى سالت الدماء في الأزقة والطرق ، وخاض الناس في الدماء حتى وصلت الدماء قبر النبي الأكرم (ص) ، وامتلأت الروضة المقدسة والمسجد بالدم ، وسميت تلك الوقعة بالحَرَّة ، وكان ضحيتها عشرة آلاف من عامة المسلمين وسبعمائة قتيل من وجوه أهل المدينة وأشراف المهاجرين والأنصار !! وأما الأعراض التي هتكت والنواميس التي سلبت ، فإني أخجل أن أذكرها ، فقد ارتكبوا فضائح وقبائح يندي منها جبين الإنسانية ، ولكي تعرفوا شيئا قليلا ، من تلك الفجائع والشنائع ، أنقل لكم جملة واحدة من تذكرة سبط ابن الجوزي : ص 163 ، فإنه روى عن أبي الحسن المدائني أنه قال : ولدت ألف امرأة بعد وقعت الحَرَّة من غير زوج !! نعم ، هذه نبذة من جرائم يزيد العنيد ، وعلى هذه فقس ما سواها . الشيخ عبد السلام : كل ما ذكرته من أعمال يزيد إنما يدل على فسقه ولا يدل على كفره ، والفسق عمل خلاف ، يغفره الله سبحانه ويعفو عن عامله إذا تاب واستغفر ، وإن يزيد تاب عن هذه الأعمال حتما ، واستغفر به قطعا ، والله تعالى غفار تواب ، وقد غفر له كما يغفر لكل فاسق وعاص إذا تاب واستغفر ، فلماذا أنتم تلعنون يزيد ؟! قلت : إن بعض المحامين من أجل المال يدافعون عن موكليهم إلى آخر فرصة حتى عندما يظهر بطلان كلامهم وإجرام موكلهم ! ولا أدري ما الذي تناله يا شيخ بهذا الدفاع المرير عن يزيد اللعين الشرير ؟! فتكرر كلامك الواهي من غير دليل وتقول : إن يزيد تاب واستغفر ، وإن الله سبحانه غفر له! هل جئت من عند الباري عز وجل فتخبر بأنه غفر ليزيد المجرم العنيد ؟! من أين تقول إنه تاب ؟! ليس لك دليل إلا ظنك ، و( إن الظن لا يغني من الحق شيئا)(55). وإن جرائم يزيد المفجعة وأعماله الشنيعة مسطورة في التاريخ ولا يجحدها إلا المعاند المتعصب . هل في نظركم أن إنكار المبدأ والمعاد والوحي والرسالة لا يوجب الكفر؟! وهل في نظركم انه لا يجوز لعن الظالمين والكافرين ؟! أم هل في نظركم أن يزيد ما كان كافرا ولا ظالما ؟! ولكي تعرف ويعرف الحاضرون حقيقة الأمر ، أسمعكم خبرين من صحاحكم : 1ـ ذكر البخاري ومسلم في الصحيح ، والعلامة السمهودي في وفاء الوفا وابن الجوزي في "الرد المتعصب العنيد" وسبط ابن الجوزي في " تذكرة الخواص " والإمام أحمد بن حنبل في مسنده وغيرهم ، رووا عن النبي (ص) أنه قال : من أخاف أهل المدينة ظلما أخافه الله ، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، ولا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا . 2ـ وقال (ص) لعن الله من أخاف مدينتي ، أي : أهل مدينتي فهل فاجعة الحرة ، وسفك تلك الدماء ، وقتل المسلمين الأبرياء والتعدي على أعراضهم ، وهتك حرماتهم ، واغتصاب بناتهم ونسائهم ، ونهب أموالهم ، ما أخافت أهل المدينة ؟! فعلى هذا فإن أكثر علمائكم يلعنون يزيد ، وقد كتبوا رسائل وكتبا في جواز لعنه ، منهم : العلامة عبدالله بن محمد بن عامر الشبراوي ، فقد ذكر في كتابه الإتحاف بحب الاشراف ص20 ، قال : لما ذكر يزيد عند الملا سعد الدين التفتازاني قال : لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه . وذكروا أن العلامة السمهودي قال في كتابه ( جواهر العقدين) : انه اتفق على جواز لعن من قتل الحسين ( رضي الله عنه ) أو أمر بقتله ، أو أجازه ، أو رضي به من غير تعيين . وأثبت ابن الجوزي ، وكذلك أبو يعلى والصالح بن أحمد بن حنبل ، كلهم أثبتوا لعن يزيد بدليل آيات من القرآن الكريم وأحاديث نبوية شريفة . ولا يسمح لي الوقت لأن أذكر أكثر مما ذكرت ، وفيه كفاية لمن أراد الهداية والابتعاد عن الغواية . فالإمام الحسين بن علي عليه السلام حقه كثير وفضله كبير على الإسلام والإنسانية ، فقد جاهد وكافح مثل هذا الظالم الفاجر ، وفضحه في العالم ، وأنقذ الدين من براثن كفر يزيد وحزبه الظالمين الفاسقين المنافقين . وإني أتأسف لما يصدر منكم ، فبدلا من أن تقدروا هذا الجهاد العظيم للحسين السبط ، وتقدروا تضحياته القيمة وتفانيه في سبيل الله سبحانه ، فتؤبنوه في كل عام وتحيوا يوم عاشوراء بتشكيل المجالس والمحافل ، وتقرءوا على المسلمين تاريخه المبارك ، وتلقوا على الناس خطبه وكلماته التي يبين فيها أسباب نهضته المقدسة وأهدافه السامية ، ويفضح فيها يزيد وبني أمية وحزبهم . وبدل أن تذهبوا لزيارة مرقده الشريف وتقفوا أمامه وقفة إجلال وإكرام واحترام ، فتستلهموا منه الإيمان واليقين ، وتتعلموا منه التضحية والتفاني في سبيل الدين . بدل كل ذلك ، تعارضون الملايين من شيعته ومحبيه الذين يؤدون له الاحترام ويقدرون نهضته المباركة وجهاده العظيم ، وينظرون إليه نظرة إكبار وإجلال ، ويبكون ويحزنون لما أصابه من أعدائه الظالمين ، ويزورون مرقده المقدس بلهفة وخشوع . وإنكم ترمونهم بالكفر والشرك ، وتعبرون عن زيارة تلك المراقد المشرفة بعبادة الأموات !! رمز قبر الجندي المجهول: جرت العادة في أكثر بلاد العالم وخاصة البلاد المتقدمة الأوربية والدول الحضارية ، أنهم يشيدون مبنى على شكل قبر رمزي باسم : الجندي المجهول ، ويصرفون أموالا باهظة في إنشائه ، ويعينون مديرا مسؤولا وبإمرته موظفين لإدارته والمحافظة عليه . فيأخذون ضيوف الدولة وهم شخصيات البلدان الأخرى كرؤساء الجمهوريات ورؤساء الدول والوزراء والممثلين عنهم ، إلى ذلك القبر الوهمي ، فيقفون وقفة خشوع واحترام ، ويؤدون المراسيم التي تنبئ عن تجليل وتعظيم ذلك المكان الذي ليس هو إلا قبر رمزي قام ببنائه وشيدت أركانه لإحياء اسم الجندي الذي دافع عن وطنه وضحى نفسه في سبيل حرية شعبه وبلاده . ولم يكن في العالم ، ولا يوجد هناك عاقل يعارض هذا العمل وينهى عنه . بل كاد أن يكون من المراسيم الواجبة عند الحكومات والدول المتقدمة . ولكن نجدكم تعارضون الشيعة وتنكرون عملهم حينما يقفون أمام قبور شهداء الإسلام وخاصة شهداء العترة الهادية وهم جنود لله سبحانه ، المعلومون المعروفون في السماوات والأرضين . وتنتقدون الشيعة لوقوفهم أمام تلك القبور التي لم تكن وهمية وخالية أو خيالية ، بل هي مراقد أطهار ومراكز أنوار ، تتضمن أشخاص كان لهم الأثر العظيم في بناء حضارة البشر وإنسانية الإنسان ، تتضمن أجسادا تشع منها أنوار العلم والفضيلة ، وأنوار الإيمان والإحسان ، وتذكر زائريها بالمثل العليا وتلهمها الصبر والجهاد وصفات الأمجاد ، وكل خصال الخير والأخلاق الحميدة . فالشيعي يقف أمام تلك القبور المقدسة والمراقد الطاهرة ويخاطب أصحابها الذين تحسبونهم أمواتا ، والله يقول : ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون )(56). لذلك يخاطبهم الشيعي فيقول : " أنا سلم لمن سالمكم ، وحرب لمن حاربكم ، وولي لمن والاكم ، وعدو لمن عاداكم " وهو يعلن بهذه العبارات الرائعة أنه سائر على خط الجهاد في سبيل الله تعالى ونيل الشهادة من أجل الدين والعقيدة .. وأنتم تنتقدون الشيعة وتنكرون عليهم زيارة تلك القبور المقدسة !! وطائفة أخرى ـ وهم الوهابيون ـ يهدمون تلك المراقد المباركة ، ويخربون تلك القباب الطاهرة ، ويهتكون حرمتها ، ويقتلون زوارها ، كما حدث في سنة 1216 هجرية في الثامن عشر من شهر ذي الحجة في يوم الغدير ، وكان أهالي كربلاء أكثرهم قد ذهبوا إلى زيارة مرقد الإمام علي بن أبي طالب (ع) في النجف الأشرف ، وبقيت النساء والأطفال والعجزة والمرضى في المدينة ، فاغتنم الوهابيون هذه الفرصة وهجموا من الحجاز على كربلاء المقدسة ، وهدموا قبر أبي عبد الله الحسين (ع) وقبور الشهداء من صحبه الكرام ، ونهبوا خزانة الحرم الشريف التي كانت تحتوي على ثروة عظيمة لا تثمن من هدايا الملوك وغيرهم . وقد أبدوا وحشية وضراوة لا نظير لها ، فما رحموا حتى النساء والأطفال والشيوخ والمرضى ، فقتلوا خلقا كثيرا حتى بلغ عددهم أكثر من خمسة آلاف ، وأسروا جمعا آخر وساقوهم معهم فباعوهم في الأسواق !! وهكذا صنعوا ما صنعوا وارتكبوا ما ارتكبوا باسم الدين المبين وشريعة سيد المرسلين وهو منهم برئ ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . هدم قبور أهل البيت (ع) في البقيع: إن الأمم المتمدنة في العالم تبني قبور شخصياتها من العلماء والقادة والملوك والزعماء وتحافظ عليها وتحترمها ، وحتى القبور الوهمية والمراقد الرمزية باسم قبر الجندي المجهول . ولكن مع الأسف الشديد ، إن فرقة من الذين يدعون أنهم مسلمون ، ويزعمون أن مخالفيهم في عقائدهم الشاذة التي ما أنزل الله بها من سلطان ، مشركون ، وهي الفرقة الوهابية ، هجموا بكل وحشية ، بالأسلحة الفتاكة ، الجارحة والنارية ، على مراقد أئمة أهل البيت النبوي (ع) ومنتسبيهم في البقيع بالمدينة المنورة وهدموا قبابهم المقدسة ، وساووا قبورهم ومراقدهم الطاهرة بالأرض ، وسحقوها سحقا ، وذلك في اليوم الثامن من شوال سنة 1324 هجرية . فكأنهم أسفوا على عدم وجودهم مع أسلافهم الذين رشقوا جنازة الحسن المجتبى السبط الأكبر للنبي المصطفى بالسهام والنبال ،أو مع أسلافهم الذين سحقوا جسد الحسين الشهيد سبط الرسول وقرة عين الزهراء البتول وأجساد أهله وأنصاره المستشهدين معه بخيولهم . ولكن إذا لم يدركوا ذلك الزمان ولم ينالوا من أجساد آل النبي الكرام ، فقد نالوا من قبورهم وسحقوا مراقدهم المقدسة ! فتلك قبور أبناء رسول الله وعترته الطاهرة في البقيع ، وقبور شهداء أحد وسيدهم حمزة سيد الشهداء (ع) في أحد ، وقبور غيرهم من الصحابة الكرام ، مهدومة مهجورة ، ليس هناك سقف يستظل به الزائرون ، ولا مصباح وسراج يستضيء بنوره الوافدون ، بمرأى من المسلمين ، وهم أحق من غيرهم بحفظ تلك المعالم الفاخرة والمراقد الطاهرة ، فقد قال النبي (ص) : حرمة المسلم ميتا كحرمته حيا . وكم عندنا وعندكم من الأخبار الصحيحة المروية في فضل زيارة قبور المؤمنين ، وأن رسول الله (ص) يذهب إلى البقيع ويستغفر للأموات ولنعم ما قيل : لمــن الـدارســات بطـيبــــة * عفــت لها أهــل الشقـــا آثـــــارا قل للذي أفتى بهدم قبورهـم * أن سوف تصلى في القيامة نارا أعلمت أي مراقد هدمتها ؟! * هــي للمـلائـك لا تــزال مــــزارا فلم هذه المعاملة السيئة مع آل النبي (ص) ومع أئمة أهل البيت (ع) ؟! وهم الذين جعلهم الله عز وجل في المرتبة العليا والدرجة العظمى ، وجعلهم سادة المسلمين وقادة المؤمنين . الحافظ : إنكم تغالون في حق أئمتكم ، ما الفرق بينهم وبين سائر أئمة المسلمين ؟! إلا أنهم يمتازون بانتسابهم إلى النبي الأكرم (ص) ، وليس لهم أي فضل آخر على غيرهم ! قلت : هذا مقال من يجهل قدرهم ولا يعرف شأنهم ومقامهم ! ولو تركتم التعصب والعناد ، ودرستم حياتهم وسيرتهم دراسة تحقيق وإمعان ، لعرفتم كيف هم أفضل من أئمتكم ، ولأقررتم أن أئمتنا هم وحدهم يمثلون جدهم رسول الله (ص) في علمه وحلمه وصفاته وأخلاقه وسيرته وسلوكه . وبما أن الوقت لا يتسع لخوض هذا البحث أختم حديثي وأدع هذا المبحث الهام إلى مجلس آخر إنشاء الله تعالى . فوافق الحاضرون كلهم وتركوا المجلس مودعين ، فخرجت إلى الباب لتوديعهم أيضا .
|
(1) الشهر ستاني ـ الملل والنحل ص 302 (2) الوسائل كتاب الجهاد (3) الخزاز ـ كفاية الأثر ـ من كتاب الزيدية في موكب التاريخ للشيخ جعفر السبحاني . (4) سورة الزلزلة ، الآية 7 و8 (5) سورة الأعراف ، الآية 43 . (6) مصدر الحديث هو كتاب كنز الفوائد لأبي الفتح الكراجكي في رسالة له في وجوب الإمامة : ص 151 ـ من الطبعة الحجرية . (7) وللشيخ الكراجكي ـ قدس سره ـ تعليق دقيق يزيل كل مناقضة عن هذا الحديث الشريف قال : اعلم أنه لما كانت معرفة الله وطاعته لا ينفعان من لم يعرف الإمام ، ومعرفة الإمام وطاعته لا تنفعان إلا بعد معرفة الله ( لما كانت كذلك ) صح أن يقال : ان معرفة الله هي معرفة الإمام وطاعته . ولما كانت ايضا المعارف الدينية العقلية والسمعية تحصل من جهة الإمام ، وكان الإمام آمرا بذلك وداعيا إليه ، صح القول بأن معرفة الإمام وطاعته هي معرفة الله سبحانه ، كما تقول في المعرفة بالرسول وطاعته : إنها معرفة بالله سبحانه ، قال الله عز وجل ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) كنز الفوائد : ص151 الطبعة الحجرية . (8) سورة الأنعام ، الآية 103 . (9) سورة الأعراف ، الآية 143 . (10) الكافي : 1/98 ، كتاب التوحيد ، الحديث 6 . (11) التوحيد : 109 ، الحديث 6 ، الباب 8 . (12) سورة الشعراء ، الآية 130 . (13) إشارة إلى سورة النساء ، الآية 164 ، والآية هكذا ( وكلم الله موسى تكليما ) . (14) هذا العنوان انتخبه المترجم (15) ( حديث الثقلين في كتب العامة ) أجمع المسلمون على صدور حديث الثقلين عن رسول الله (ص) ، وإليكم بعض مصادر هذا الحديث الشريف من كتب العامة : 1ـ مسند أحمد : 5/181 و 182 ، عن الركين بن الربيع بن عميلة الفزاري ، وفي 3/26 عن عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي ، وج 5/189 عن أبي أحمد الزبيري الحبال . 2ـ صحيح مسلم : 2/237 عن طريق أبي خيثمة النسائي وص 238 عن طريق سعيد ابن مسروق الثوري . 3ـ صحيح الترمذي 2/220 ، عن سليمان الأعمش . 4ـ المنمق : 9 ، عن محمد بن حبيب البغدادي . 5ـ الطبقات الكبرى : 1/194 ، عن محمد بن الزهري . 6ـ المطالب العالية : حديث رقم 1873 عن اسحاق بن مخلد . 7ـ إحياء الميت بفضائل أهل البيت : 11 و 12 ، الحديث السادس ، عن زيد بن أرقم ، والحديث السابع عن زيد بن ثابت ، والحديث الثامن عن أبي سعيد الخدري ، وفي ص 19 الحديث الثاني والعشرون عن أبي هريرة ، والحديث الثالث والعشرون عن علي (ع) ، وفي ص 26 الحديث الأربعون عن جابر ، وفي ص 27 عن عبدالله بن حنطب وهو الحديث الثالث والاربعون ، وفي ص 30 الحديث الخامس والخمسون عن البارودي عن أبي سعيد ، والحديث السادس والخمسون عن زيد بن ثابت . 8ـ كتاب الإنافة في رتبة الخلافة : 10 عبد الله بن حنطب . 9ـ البدور السافرة عن أمور الآخرة : 16 عن زيد بن ثابت . 10 ـ تفسير الدر المنثور : 2/60 عند تفسير : واعتصموا بحبل الله جميعا وفي ج6/7 عند تفسير : قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى . 11 ـ الخصائص الكبرى : 2/266 عن زيد بن أرقم . 12 ـ الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير ـ بشرح المناوي ـ : 2/174 عن زيد بن ثابت . 13 ـ النثير في مختصر نهاية ابن الأثير في مادة ثقل . 14ـ نوادر الأصول : 68 ، عن طريق نصر بن علي الجهضمي ، وص 69 عن جابر ابن عبدالله وعن حذيفة بن أسيد الغفاري. 15ـ المعجم الصغير : 1/131 عن طريق عباد بن يعقوب الروجني الأسدي / وص 135 عن أبي سعيد الخدري بطرق عديدة . 16 ـ المعجم الكبير 5/170 و 171 عن زيد بن ثابت بطرق عديدة ، وج 5/185 و 186 و187 و190 و192 عن زيد بن أرقم بطرق عديدة . 17 ـ سنن الدرامي 2/431 بسنده عن زيد بن أرقم . 18 ـ تذكرة خواص الأمة : 322 عن طريق أبي داود . 19 ـ صحيح الترمذي : 2/219 بسنده عن جابر بن عبدالله ، وعن أبي ذر الغفاري ، عن أبي سعيد الخدري ، وعن زيد بن أرقم ، وعن حذيفة ين أسيد . 20ـ المسترك على الصحيحين : 3/109 عن طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل ، وص 110 عن طريق أبي بكر بن اسحاق ودعلج بن أحمد السجزي . 21ـ الخصائص ـ للنسائي ـ : 93 بسنده عن زيد بن أرقم .، وص272 عن أبي سعيد الخدري . 22ـ مسند ابن الجعد : 2/972 عن أبي سعيد الخدري . 23ـ كنز العمال : 15/91 عن زيد بن أرقم ، وعن أبي سعيد الخدري . 24ـ فرائد السمطين : 2/268 عن زيد بن أرقم ، وص 272 عن أبي سعيد ، وص 274 عن حذيفة بن أسيد الغفاري . 25ـ لسان العرب : 4/538 مادة (عترة) ، وج 11 / 88 مادة (ثقل) ، وج 4/137 مادة (حبل) . 26ـ تاج العروس من جواهر القاموس : 7/345 مادة ( ثقل ) . 27ـ مجمع البحار ـ لمحمد طاهر الفتني ـ مادة ( ثقل ) . 28ـ منتهى الأرب : ج 1 / 143 مادة (ثقل) . 29ـ المؤتلف والمختلف : 2/1045 عن أبي ذر الغفاري ، وفي ج/4 2060عن أبي سعيد الخدري . 30ـ أخرجه أبو اسحاق الثعلبي في تفسيره عند : ( واعتصموا بحبل الله جميعا ) سورة آل عمران ، الآية 103 . 31ـ حلية الأولياء لأبي نعيم : 1/355 ، وأخرجه أيضا في كتابه " منقبة المطهرين " بطرق عديدة وأسانيد سديدة ، عن أبي سعيد الخدري وزيد بن أرقم وأنس بن مالك والبراء بن عازب وجبير بن مطعم . 32ـ المناقب للخوارزمي : 93 ، عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم . 33ـ مصابيح السنة بشرح القاري : 5/593 ، عن زيد بن أرقم ، وفي ج5/600 عن جابر . 34ـ الشفا بتعريف حقوق المصطفى ـ بشرح القاري ـ : 485 . 35ـ تاريخ ابن عساكر ، ج2 ، من ترجمة علي (ع) . 36ـ تاريخ ابن كثير : 5/208 . 37ـ تفسير ابن كثير : 5/457 عند تفسير آية التطهير ، وفي ج6/199 و200 عند تفسير آية المودة . 38ـ لباب التأويل : 1/328 عند تفسير ( واعتصموا بحبل الله جميعا ) . 39ـ معالم التنزيل : 6/101 عند تفسير آية المودة وفي ج7 عند تفسير آية (سنفرغ لكم أيها الثقلان) الآية 31 من سورة الرحمن 40ـ الفخر الرازي في تفسير عند آية ( واعتصموا بحبل الله ) . 41ـ غرائب القرآن :1/349 عند تفسير ( واعتصموا بحبل الله ) . 42ـ جامع الأصول لابن الأثير : 1/178 عن جابر الأنصاري . 43ـ النهاية ـ لابن الأثير ـ في مادة (ثقل) رواه عن زيد بن أرقم . 44ـ أسد الغابة : 3/147 بترجمة عبدالله بن حنطب . وفي ج2/12 بترجمة سيدنا الامام (ع) عن زيد بن أرقم . 45ـ مشارق الأنوار ـ بشرح ابن الملك ـ : 3/157 . 46ـ مطالب السؤول : 8 . 47ـ كفاية الطالب ـ للعلامة الكنجي الشافعي ـ في الباب الأول . 48ـ تهذيب الأسماء واللغات : 1/347 . 49ـ ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربى : 16 . 50ـ مشكاة المصابيح : 3/255 و 258 عن زيد بن أرقم . 51ـ نظم درر السمطين : 231 عن زيد بن أرقم . 52ـ المنتقى في سيرة المصطفى (ص) ، بطرق عديدة وشرح واف . 53ـ فيض القدير في شرح الجامع الصغير : 3/15 . 54ـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : 9/163 . 55ـ الفصول المهمة في معرفة الائمة لابن الصباغ المالكي : 23 . 56ـ الرسالة العلية في الأحاديث النبوية : 29 و30 . 57ـ المواهب اللدنية بشرح الزرقاني : 7/4 ـ 8 . 58ـ الصواعق الحرقة 25 و 86 و 87 و 89 و 90 و 136 ، أخرجه بطرق عديدة وألفاظ كثيرة ، وقال : رواه عشرون صحابيا . 59ـ إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون : 3/336 . 60ـ نزل الأبرار بما صح من مناقب أهل البيت الأطهار : 12 . 61ـ إزالة الخفا عن سيرة المصفى : 2/54 . 62ـ إسعاف الراغبين : 110 . 63ـ ينابيع المودة ، ج1 عقد فصلا خاصا بحديث الغدير والثقلين . 64ـ تتمة الروض النضير : 5/344 . 65ـ مشكل الآثار : 2/307 . 66ـ الذرية الطاهرة 168 . هذا قليل من كثير ، وكله من كتب العامة ليكون أوفع في نفوسهم ، وترى فيه الكفاية لمن أراد الهداية . " المترجم" (16) البحار : 77/140 ، الحديث 19 ، الباب 7 . (17) سور المائدة ، الآية 64 . (18) سورة الكهف ، الآية 110 . (19) سورة الكهف ، الآية 110 . (20) لاحظ تفسير القمي وتفسير العياشي ، الآية الأخيرة من سورة الكهف . (21) في المصدر : وجه الله (22) لاحظ تفسير العياشي ، الآية الأخيرة من سورة الكهف . (23) منية المريد ، عنه بحار الأنوار : ج72 ص 266 . (24) راجع بحار الأنوار : ج73 ص 359 ، وتحف العقول في كلمات الامام الباقر . (25) سورة المائدة ، الآية 35 . (26) سورة الأنبياء ، الآية 36 و 37 . (27) شرح نهج البلاغة : 16 / 211 ، طبع دار إحياء التراث العربي ـ بيروت . (28) قبل صفحات نقلت بعض مصادر هذا الحديث الشريف ، والشهير ، من كتب العامة في الهامش ، وقد وصلت فيه إلى 66 مصدرا ، فراجع . "المترجم " (29) الصواعق المحرقة ، آخر الفصل ، الباب الحادي عشر ، الآية الرابعة : ص 89 و 90 . (30) المائدة ، الآية 67 . (31) سورة المائدة ، الآية 55 . (32) سورة الشعراء ، الآية 214 . (33) قبل صفحات ذكرت بعض مصادر هذا الحديث الشريف من كتب العامة في الهامش ، وقد وصلت فيه إلى 66 مصدرا فراجع . " المترجم " (34) لم أر هذا الحديث فيه . " المترجم " (35) سورة البقرة ، الآية 58 . (36) وإن كان في ما ذكره السيد المؤلف ) قدس سره ) كفاية في الوصول الى الغاية ، ولكن زيادة المصادر تزيد في اعتبار الحديث والرواية .
لذلك أذكر للقارئ الكريم بعض مصادر العامة التي وصلت إليها في
الحديث من باب الدراية غير ما ذكره المؤلف : 2ـ مشكاة المصابيح : 523. 3ـ المعجم الصغير : 1/ 139. 4ـ ثمار القلوب : 29 . 5ـ الإنباء على قبائل الرواة :67 . 6ـ مناقب ابن المغازلي : 132. 7ـ ذخائر العقبى :20. 8ـ نظم درر السمطين : 235 . 9ـ الفواتح للميبدي : 113 . 10ـ اساس الاقتباس / في الكلمة الرابعة . 11ـ الخصائص الكبرى : 2/ 266 . 12ـ تاريخ الخلفاء : 26 و573 . 13ـ كنز العمال : 13 / 8و85 . 14ـ المرقاة في شرح المشكاة : 5/ 610 . 15ـ اللمعات في شرح المشكاة : 2/700. 16ـ المشرع الروي : 12 . 17ـ جمع الفوائد : 2/ 236. 18ـ وسيلة المتعبدين في متابعة سيد المرسلين :2/234 . 19ـ غرائب القرآن ـ لنظام الدين النيسابوري ـ 25/28 عند آية المودة . 20 ـ معجم الزوائد ومنبع الفوائد : 9/ 168 . 21ـ نزهة المجالس ومنتخب النفائس : 2/ 222. 22ـ الرسالة العلية في الأحاديث النبوية 33/ 371 . 23ـ الجامع الصغير ، شرح المناوي : 2/ 519 و 5/ 517. 24ـ إحياء الميت بفضل أهل البيت ، النسخة الصغرى ، حديث : 20 و21 و22 . 25ـ كنوز الحقائق هامش الجامع الصغير :2ص89. 26ـ السراج المنير في شرح الجامع الصغير :2ص18و3وص299. 27ـ الصراط السوي في مناقب آل النبي / باب أهل البيت أمان للأمة وأنهم سفينة نوح . 28ـ نزل الأبرار بما صح في مناقب أهل البيت الأطهار :6. 29ـ قرة العينين ـ لولي الله الدهلوي ـ : 120 . 30ـ حاشية الجامع الصغير ، لمحمد بن سالم الحنفي . 31ـ إسعاف الراغبين ـ المطبوع بهامش نور الأبصار ـ : 123. 32ـ وسيلة النجاة في مناقب السادات / في بابه . 33ـ الحق المبين في فضائل أهل بيت سيد المرسلين / في بابه . 34ـ مشارق الأنوار في فوز أهل الاعتبار : 86 . 35ـ الفتح المبين / في فصل ذكر فضائل اهل البيت . 36ـ الفتح الكبير في ضم الزيادة الى الحامع الصغير : 1/ 414. 37ـ السيف اليماني المسلول في عنق من يطعن في أصحاب الرسول : 9 . 38ـ المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية : 4/ 75. 39 ـ شفاء الغليل : 220 و253. 40ـ أرجح المطالب : 329. 41ـ روح المعاني ـ للآلوسي ـ 25/ 30 . 42ـ راموز الاحاديث : 391. 43ـ رشفة الصادي : 79. 44ـ مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف الاخبار / مادة ( زخ) . 45ـ تاج العروس في اللغة / مادة (زخ) . 46ـ لسان العرب مادة (زخ) . ذكر هؤلاء الثلاثة ـ من أصحاب كتب اللغة العربية ـ عبارة ابن الاثير الجزري في كتابه ( النهاية في غريب الحديث) قال في مادة (زخ) وفيه : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من تخلف عنها زُخّ به في النار . أي دُفع ورُمي . وفي ما ذكرناه من المصادر كفاية لمن أراد الحق والهداية . ( المترجم ) (37) سورة النجم ، الآية 3و4 (38) أرى من المناسب أن أنقل للقارئ الكريم بقية ما نقله السيد المؤلف ( رحمه الله ) من كتاب الصواعق المحرقة ، ص 106 ، لأني وجدت في عباراته ما يخص البحث في توضيح الموضوع فلا يبقى ريب وشك فيه ، فقد جاءت فيها كلمات : الوسيلة ، التقرب ، الشفاعة ، التوجه .. وإليك نصه : وأخرج الحاكم : أن عمر لما استسقى بالعباس خطب فقال : يا أيها الناس ! إن رسول الله (ص) كان يرى للعباس ما يرى الولد لوالده ، يعظمه ويفخمه ويبر قسمه ، فاقتدوا أيها الناس برسول الله (ص) في عمه العباس فاتخذوه وسيلة إلى الله عز وجل فيما نزل بكم . وأخرج بن عبد البر من وجوه ، عن عمر ، أنه استسقى به . قال : اللهم إنا نتقرّب إليك بعم نبيك ونستشفع به ، فاحفظ فيه نبيك كما حفظت الغلامين بصلاح أبيهما ، وأتيناك مستغفرين ومستشفعين ...الخبر . وفي رواية لابن قتيبة : اللهم إنا نتقرب إليك بعم نبيك وبقية آبائه وكبرة رجاله ، فإنك تقول وقولك الحق : ( وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا) فحفظتهما لصلاح أبيهما ، فاحفظ اللهم نبيك في عمه ، فقد دنونا به إليك مستشفعين . وأخرج ابن سعد : إن كعبا قال لعمر : إن بني إسرائيل كانوا إذا أصابتهم سنة استسقوا بعصبة نبيهم ، فقال عمر : هذا العباس انطلقوا بنا إليه ، فأتاه ، فقال : يا أبا فضل ! ما ترى للناس فيه؟ وأخذ بيده وأجلسه معه على المنبر وقال : اللهم إنا قد توجهنا إليك بعم نبيك ، ثم دعا العباس . ( المترجم) . (39) شرح نهج البلاغة : 7/ 274 ط . دار إحياء التراث العربي ـ بيروت . (40) سورة الكهف ، الآية 82. (41) سورة نوح ، الآية 10 . (42) سورة البقرة ، الآية 255. (43) سورة آل عمران ، الآية 71 . (44) سورة الكهف ، الآية 104. (45) ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ) سورة المائدة ، الآية 55 . (46) ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ) سورة المائدة ، الآية 3 . (47) سورة آل عمران ، الآية 97 . (48) سورة الحشر ، الآية 7 . (49) بل هذا العمل سجود ولكن لم يكن محرما لأن الساجد لم ينو عبادة المسجود ، وإنما ينوي بذلك احترامه ، والقرآن الكريم يصرح ويقول : ( وخروا له سجدا ) ويقول عن الملائكة : كما في سورة البقرة ، الآية 34 : ( فسجدوا إلا إبليس ) ( المترجم) . (50) سورة يوسف ، الآية 100 . (51) سورة المؤمنون ، الآية 37 . (52) سورة آل عمران ، الآية 169 و 170 . (53) نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج6 / 373/ ط دار إحياء التراث العربي ـ بيروت . (54) أرى من المناسب أن أنقل للقارئ الكريم صورة الاستئذان المكتوبة على أبواب المشاهد المقدسة عند الدخول إلى روضتهم وزيارة مراقدهم المشرفة ، وهي : بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم إني وقفت على باب من أبواب بيوت نبيك صلواتك عليه وىله ،
وقد أمرت الناس أن لا يدخلوا إلا بإذنه فقلت : أ أدخل يا الله ، أ أدخل يا رسول الله ، أ أدخل يا حجة الله ؟ فأْذن لي يا مولاي بالدخول أفضل ما أذنت لأحد من أوليائك ، فإن لم أكن أهلا لذلك فأنت أهل لذلك . والسلام عليكم يا أهل بيت النبوة جميعا ورحمة الله وبركاته . ( المترجم) . (55) سورة يونس ، الآية 36 . (56) سورة آل عمران ، الآية 169 . |