مصباح الهدى

في

إقامة الشعائر الحسينيّة

آية الله العظمى الشيخ حسين النوري الهمداني

مدّ ظله العالي


(3)

قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم *:

الحسين بن علي في السماوات أعظم مما هو في الارض ، وإسمه مكتوب عن يمين العرش:

إنَّ الحُسينَ مِصباحُ الهُدى وسفينةُ النجاة


* - مدينة المعاجز، ج4 ص 52، وبمعناه وبألفاظ قريبة منه في بحار الانوار، ج 36 ص 205 ، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) ، ج 1 ص 62 .


(4)


(5)

بسم الله الرحمن الرحيم

المُقدَّمةُ

قال تعالى:]فبشّرعبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الالباب [ الزمر/17-18.

الحمد لله على عظيم نعمه، وجزيل منَّه وكرمه، الذي جعل في البلاء لعباده الصالحين كمالاً ورفعة، ]فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً[ الأحزاب /23، واصطفى منهم الشهداء لهم أجرهم و نورهم، ]وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنّة حيث نشاء فنعم أجر العاملين[ الزمر/74.

والصلاة والسلام على محمد عبده ورسوله، وعلى آله الطيبين الطاهرين وبعد

فقد وصلتني انباء ونداءات من بلاد الاحساء، بلد العلم والايمان، والولاء العميق والعريق لأهل البيت «عليهم السَّلام»، من علمائها وأهاليها، تنبئ عن مواجهتهم لمضايقاتٍ فيما يتعلق باقامة مراسم العزاء والمآتم، على سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين «عليه السَّلام» وشفّعوا نداءاتهم باستفتاء حول وظيفتهم الشرعية في هذا المجال.

فلما استوثقت من الامر، أجبتهم على نحو الاجمال، بما يتضمن توضيح أهميّة النهضة الحسينية في حفظ الدين، وأهميّة إحياء مراسم العزاء على ريحانة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم، ولزوم الحفاظ عليها وتعظيمها، وانّ إحياءها إحياء للاسلام وضمانٌ لبقاء الدين، ووجهت النصح إلى الحكومة


(6)

السعودية، أن لا تقدم على ما يثير قلق العلماء والمسلمين على أوضاع الشيعة في تلك البلاد.

وبما أنني احتملت أن بعض من يقومون بهذه الممارسات ضدّ الشيعة، إنّما يقومون بذلك نتيجةً لجهلهم بأهميّة إحياء النهضة الحسينية، وشرعية المراسم التي يقوم بها أتباع أهل البيت «عليهم السلام » ، ارتأيت أن أحرّر رسالةً موجزةً في هذا الشأن ، حتى يتضح الحال وتزول الشبهات ويتبين استناد الشيعة في هذه الأمور إلى مصادر الإسلام الأصيلة ، أي الكتاب المجيد والسّنة المطهّرة‌.

من هذا عمدتُ إلى بعض مؤلفاتي ، واخترت منها ما كان مادّةً للبحث ، ورتبتُ هذه الرسالة ‌بعد المقدمة ، على ستة فصول:

الفصل الأول : ادلة الإمامة حسب ما تذهب إليه الشيعة :

أومضت فيه إلى بعض الأدلة النقلية في الإمامة حسب ما تذهب إليه الشيعة، من أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قد نص في حياته على الخليفة من بعده ، وهو الإمام علي «عليه السَّلام » ، وذلك تمهيداً للدخول في تفاصيل البحث.

الفصل الثاني : لمحة موجزة عن هويّة التشيع ، ونشأته :

ذكرت فيه لمحة موجزة عن هويّة التشيع ، وكيف ومتى نشأ، وذكرت أن جميع ذلك مستندٌ إلى توجيهات النبي صلّى الله عليه وآله وسلم ، مدعّماً لذلك بالنصوص الجليّة من صحاح إخواننا أهل السنة وكتبهم المعتبرة‌.

الفصل الثالث : محبّة الرسول وأهل بيتة «عليه وعليهم السلام » :

استعرضت فيه بعض الروايات ، التي تحثُّ على محبّة الرسول وأهل بيته « عليه وعليهم آلاف التحيّة والسلام » ، وبيّنت أن الحثّ على محبّتهم يستلزم


(7)

تعظيمهم وتكريمهم ، والفرح لفرحهم ، والحزن لحزنهم ، واحياء ذكراهم وغير ذلك من الامور التي يعيبها البعض على الشيعة ، وهي في الحقيقة عمل بوصايا النبي صلّى الله عليه وآله وتأسٍّ به .

الفصل الرابع : بكاء النبي صلّى الله عليه وآله وسلم على مصائب أهل بيت عليهم السَّلام

وقد استعرضت فيه مجموعة من الروايات ، التي تثبت وبشكل خاص استحباب إقامة المآتم على آهل البيت عليهم السَّلام ، والبكاء على مصائبهم ، تأسياً واقتداءً بالنبيّ صلّى الله عليه وآله .

الفصل الخامس : دور أهل البيت عليهم السَّلام  في إحياء ذكرى عاشوراء:

وبتضّمن الفصل بحثاً متعدد الاطراف ، عن اهتمام أهل البيت بتخليد واقعة الطفّ وحثِّ الشيعة على البكاء على أبي عبد الله الحسين عليه السَّلام  وإنشاد الشعر في رثائه .

الفصل السادس : في رحاب النّهضة الحسينيّة :

ومضاتٌ من عاشورا ونهضة سيد الشهداء ، واهدافها وأبعادها والدروس التي تُستلهم منها.

وفي الختام ، نسأله تعالى أن يجمع بيننا وجميع المسلمين على الاعتصام بحبله المتين ، وأن يردَّ عنا وعنهم كيد أعداء الدين ، إنّه خير ناصرٍ ومعين .

                                                                                                                         حسين النوري الهمداني

14 / ربيع الثاني / 1421


(9)

الفَصْلُ الأَوَّلُ

أدلة الإمامة حسب ما تذهب إليه الشيعة

قال تعالى : ] ادعُ الى سبيل ربِّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إنَّ ربك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين [ النحل/125.

بهذه الآية انطلق رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ، بما يملك من سعة صدرٍ ورحمة على أمّته ، في تبليغ رسالته وهداية المجتمع المكي فالمدني ثم الى جميع العالم ، ليكون مصداق الآية الكريمة :] وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين [ الأنبياء/107.

حيث اعتمد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم نهجاً فعالاً ، يتوافق مع فطرة الانسان وتكوينه ، وهو نهج الدعوة والتبليغ في نشر الدين وتوسيع نطاقه .

لقد كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم حريصاً كل الحرص على بيان سبل نجاة الامة الى يوم القيامة من الضلال وانتشالها من الضياع ، ولم يتوان في تأكيد تلك السبل طوال فقرة حياته ، حتى وهو على فراش الموت ، وأوصى أتباعه بذلك منذ بداية الدعوة الاسلامية.

وقد تجلّت هذه الحقيقة في أفعال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم وأقواله فنمّت عن اهتمامه بسلامة مسيرة ‌الأمة بعد ارتحاله ، وتضافر النقل عنه في فضل أمير المؤمنين علي عليه السَّلام  ، ومدح شيعته وكونه وصيّه والخليفة من بعده ، والزام المسلمين بمحبته وسائر أهل بيته عليهم السَّلام . كل ذلك في الكتب المعتبرة لأهل السنة ، بأحسن الطرق وأنصعها، بما لا يدع مجالاً لمن


(10)

له حريجةٌ في الدين ، إلا اتّباع هذه النصوص ، وهذا ما التزم به شيعة أهل البيت عليهم السَّلام، فما ذنبهم إذا كان هذا هو الحقّ ؟! والحقّ أحقّ أن يتبع !

وسوف أتلو نبذةً من هذه النصوص الساطعة ، حتى يتبيّن أنّ الشيعة قد استندوا في جميع أمورهم ، في أصولهم وفروعهم ، وفي حبّهم وبغضهم ، وجميع معارفهم وسلوكيّاتهم الدينيّة ، إلى أوامر الله تعالى وتوجيهات النبي صلّى الله عليه وآله وسلم.

وواحدةٌ من هذه السلوكيّات الدينيّة احياء الشعائر الحسينية ، واقامة المآتم على سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السَّلام  ، والبكاء لما جرى عليه من المصائب، وتخليد ذكرى نهضته والقيم التي استشهد من أجلها، وهذا ما سيتّضح من خلال الفصول الآتية .

أما النصوص الدالة على الإمامة حسب ما تذهب إليه الشيعة ، من أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قد نصّ في حياته على الخليفة من بعده ، وأنه أمير المؤمنين علي«عليه السَّلام» فمنها :

حديث الثقلين الذي رواه السنة والشيعة في غدير خم (1)* .


*-  ملاحظة ، باعتبار اننا استفدنا من مكتوباتنا السابقة واضفنا إليها بحوثاً جديدة ، فلربما صارت الروايات منقولة من طبعات مختلفة والمصدر واحد ، فلابد أن يراعى في مصادر الأحاديث الآتية اختلاف الطبعات ، فإن الوقت لم يسعنا لتطبيق بعضها على بعض ، مع ما في ذلك من العسر لكثرة الطبعات الموجودة .

  - 1اما مصادر حديث الثقلين من كتب أهل السنة فكثيرة جداً ، تحتاج إلى صفحات لاحصائها . من شاءها فليراجع كتاب الغدير للعلامة الأميني ففيه ذكر المصادر ، أو يراجع تعليقة المراجعات للشيخ حسين الراضي ، وحسبك بما أوردناه من صحيح مسلم ومسند الإمام احمد ومستدرك الصحيحين ، وتجده أيضاً في صحيح الترمذي ج 5 ص328 و 329 ح 3874 و ح 3876 طبعة دار الفكر.


(11)

(( أما بعدُ . ألا أيها الناس ! فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربِّي فأجيب. وأنا تارك فيكم ثقلين : أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به )) ، فحثَّ على كتاب الله ورعَّب فيه ..

ثم قال - (( وأهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي )). صحيح مسلم كتاب الفضائل ج2 ص 362.

وفي مسند الإمام احمد بن حنبل (ج 3 ص 17) :

« انّي أوشِك أن أُدعى فأجيب ، وإنّي تاركّ فيكم الثقلين : كتاب الله عزّ وجلَّ وعترتي ؛ كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإنّ اللطيف أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض».

وفي مستدرك الصحيحين (ج 3 ص 109) :

«ايّها الناس إني تارك فيكم أمرين ، لن تضلوا إن اتّبعتموهما ، وهما كتاب الله وأهل بيتي ، عترتي ».. ثم قال «أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم »؟ ثلاث مرات !! قالوا: نعم ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم :«من كنت مولاه ، فعليٌّ مولاه»». قال : حديث صحيح على شرطهما ، أي البخاري ومسلم .

وقال ابن حجر العسقلاني في صواعقه : (ولهذا الحديث طرق كثيرة عن بضع وعشرين صحابياً) (1) .


 - 1 الصواعق المحرقة لابن حجر، ص 136.


(12)

وجليٌّ من هذا الحديث المتواتر ، أن النبي صلّى الله عليه و آله وهو ينعى للمسلمين نفسه ، في حشد الحجيج عند عودته من حجة الوداع ، يريد أن يعلن للمسلمين عن منهاج السير والقانون الذي ينبغي أن يلتزموا به (وهو القرآن) ، وأن يعيّن لهم قائد المسيرة العارف بأسرار هذا القانون ، القادر على تطبيقه ، الذي يكون وليّهم وأميرهم من بعده (وهم أهل البيت ) ، حتى لا يضلوا ولا يتيهوا إذا ما تمسكوا بهما . ويفهم من قوله «عليهم السلام »  « لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض » عصمة هذا الرائد ووفاؤه للقانون ، لأن أي انحراف منه افتراق عن القرآن ، وقد أخبر النبي صلّى الله عليه وآله وسلم عن عدم افتراقهما ، وهذه هي العصمة التي يقول بها الشيعة .

و قال الإمام الزرقاني المالكيّ ، يحكي عن العلامة السمهودي أنه قال : هذا الخبر يُفهم وجود من يكون أهلاً للتمسك به من عترته في كلّ زمن إلى قيام الساعة ، حتى يتوجه الحثّ المذكور على التمسّك به ، كما أن الكتاب كذلك (1).

ومنها : (حديث الغدير)

لما رجع النبي صلّى الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع ، ونزل غدير خُمّ (2) ، في الثامن عشر من ذي الحجة ، أمر أن يُردَّ من تقدم ويُحتَبَس من تأخّر في ذلك المكان ، وأمر بدوحاتٍ عظام ، كان قد نهى أن ينزل تحتهن أحد ، فقُمِمْن (3) ، ثم خطب القوم ، وهم قرابة مئة الفٍ على أقل النقول ، ثم قال : «كأني


1 - شرح المواهب ، ج 7 ، ص 8 .

2- غديرّ معروف بين مكة والمدينة بالجُحفة .

 -3 القَمُّ ، هو : الكنس ، ومنه القُمامة ، وقُمِمْنَ، أي : كُنِسْنَ ، أي كُنس ما تحتهن من الشوك .


(13)

دُعيت فأجبت ، وإنّي قد تركت فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله تعالى ، وعترتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض » ثم قال :

« إن الله عزَّ وجلَّ مولاي ، وأنا مولى كل مؤمن » ثم أخذ بيد علي فقال :«من كنت مولاه فهذا وليُّه ، اللّهم والِ من والاه ، وعاد من عاداه » (1) الحديث بطوله .

وهذا الحديث المعروف بحديث الغدير ، من أقوى ادلة الشيعة وأظهرها على خلافة علي «عليه السَّلام » وإمامته ، من بعد النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم بلا فصل.

فهو من حيث السند ، متواتر قطعي الصدور ، بعد أن رواه اعاظم الصحابة وتعددت طرقه بحيث تجاوزت المئة (2) فلو لم يصح حديث الغدير ، لا يصح لنا حديث أبداً .

من هنا لم يشكك أحد في صدوره ، وانما حصل التشكيك في دلالته ، فمع أن الظاهر من كلمة «المولى » في المخاطبات العرفية هو : الاولى بالتصرف  


 -1 مستدرك الحاكم ، ج 3 ، ص 109 ، أخرجه عن زيد بن أرقم مرفوعاً ، ثم قال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله ، خصائص النسائي للشافعي ، ص21، - ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ، ص32 طبعة إسلامبول.

 -2 روى هذا الحديث أحمد بن حنبل من اربعين طريقاً ، وابن جرير الطبري من نيف وسبعين طريقاً وابن عقدة من مائة وخمس طرق ، وابو سعيد السجستاني من مائة وعشرين طريقاً ، وابوبكر الجعابي من مائة وخمس وعشرين طريقاً ، وقد أورد العلامة الأميني رضوان الله عليه في كتابه القيّم «الغدير » ، أسماء مئة وعشرة‌ من أعاظم الصحابة انتهت إليهم رواية حديث الغدير . راجع ج1 ، ص35.


(14)

وأنّ قوله : من كنت مولاه ، أي : من كنت أولى بالتصرف في شؤونه من نفسه ، أي من كنت حاكماً وولياً عليه ، وهذه العبارة بلاشك بمعنى الإمام والامير .

إلا أنّ هناك من صرف اللفظ إلى معانٍ بعيدة ، ليست مقصودةً جزماً ، من قبيل الناصر والمحبّ والقرائن الحالية والمقالية القطعية تعين المعنى الاول ، ومن هذه القرائن باختصارٍ شديد :

ان النبي صلّى الله عليه وآله وسلم لا يمكن أن يحتبس ذلك الجمع الغفير ، في تلك الرمضاء الملتهبة ، ينتظر المتأخر ويردّ المتقدم ، ويعلن لهم عن قرب ارتحاله ، وانه تارك فيهم الثقلين ، كل ذلك في تمهيداتٍ ومظاهر ، تدل على الأهمية القصوى لما يريد إبلاغه ، ثم يرفع يد علي «عليه السلام » حتى بان بياض ابطيه (كما تعبرالروايات) ، ثم يدعو له بذلك الدعاء الذي يتناسب مع منصب الإمامة والخلافة :« اللهم والِ من والاه ، وعاد من عاداه وانصر من نصره ، واخذل من خذله » ، ثم تإتي الوفود ، لتهنئ علياً عليه السَّلام  .

فهل كل هذا لأجل أن يقول لهم : من كنت احبّة فهذا يحبّه ، أو من كنت ناصره فهذا ناصره كما حاوله البعض حتى لا يخطّئ السلف ؟!! واذا كان هذا هو المقصود فلماذا يحتاج إعلان هذا الأمر الواضح إلى هذه العناية الفائقة ؟!

على أن بعض روايات الغدير ، فيها مقدمات مقالية تعين المعنى الذي قلناه ، كقوله : «إن الله مولاي ، وانا مولى المؤمنين اولى بهم من انفسهم ».

أي : أولى بشؤونهم من أنفسهم . وهذا صريحّ في معنى الحكومة والرئاسة.

ثم إن النصرة والمحبة ليست محصورةً في علي «عليه السَّلام»، فالمؤمنون متناصرون متحابون .

فالحق إذاً، أن ما صدر من النبي صلّى الله عليه وآله وسلم ، كان مراسم تنصيب وولاية.


(15)

ومنها : (حديث آية الإنذار)

ما أعلنه صلوات الله عليه وسلامه ، من بداية الدعوة حين نزلت الآية الكريمة : ] وأنذر عشيرتك الاقربين (1) [ .

حيث دعا أقرباءه وعشيرته تلبية لنداء ربه ، وعندما اجتمعوا - وفيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب - قال لهم صلّى الله عليه وآله وسلم في آخر ما قال :

(( يا بني عبدالمطلب ! إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به ، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه ، فأيكم يؤازرني على هذا الامر ، على أن يكون أخي ، ووصيّي ، وخليفتي فيكم ؟)) .. فأحجم القوم عنها غيرعلي ، وكان أصغرهم ، إذ قام فقال (( أنا يا نبيّ الله ! أكون وزيرك عليه )) .

فأخذ رسول الله برقبته وقال: ((إنّ هذا أخي ، ووصيّي ، وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا)). فقام القوم يضحكون ، ويقولون لابي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع .

وهذا الحديث من صحاح المأثور، ورد عن الثقاة من أهل السنة بألفاظ متقاربة وافية الدلالة ، وأخرجه غير وا