ب - إخضاع النص لنظم الألسنية الحديثة

     

وفي هذا الاتجاه نجد هنا من يحاول اقتناص ما عجز الاتجاه الأول من تصيده، أو لتكمل مسيرة ما انتهى إليه ذاك الاتجاه بمعنى أن ساحة خطاب هذا الاتجاه غيرها في تلك الساحة، حيث يبدو أنها هنا تخاطب الفئة الأكثر التزاما بالرجوع إلى الأصالة، ولهذا نجد القرآن له قداسة خاصة في هذا الفهم، ولكن يطلب من القرآن له يخضع للمواصفات التي تقدمها نظم الألسنية الحديثة، فالنص هنا يقدم لتيم تشريحه وفق مراد المتلقي له لا صاحب النص نفسه، إذ يعمل هذا المنهج لتعويم النص إلى الدرجة التي لا يبقي له معنى، بحيث يشرف على اللا تناهي في الدلالة واللا محدود في المعنى ـ كما يتحدث بذلك محمد حسين فضل الله ـ فهو يرى أولا: ضرورة إخراج المفردة اللغوية في النص من إطارها التاريخي إلى أن تكون متحركة عبر الزمن، وثانيا: إلى الفصل بين النص وبين محرره، وفصل التجربة الشخصية للإنسان المتكلم بها، لأن معناها يمثل عالما ثقافيا في حجم حركته في التاريخ وفي الكون كله، مما قد يختلف الناس في وعيه في مختلف أبعاده وتنوع آفاقه.[23]

وخطورة هذا المنهج تنبع أساسا من طريقة فهم النص، وعدم تعليقه على مراد الناصّ، وإنما إطلاق الفهم ليشمل كل ما يمكن أن تشير إليه مفردات النص، بحيث أن المفردة اللغوية لو كانت في عهد النص تدل على المعنى الفلاني، ثم اختلفت حركة الدلالة مع الزمن لتشير إلى شيء آخر، فما من ضير من العمل بالدلالة المتأخرة عن عهد النص، واعتمادها ككاشفة عن فهم النص، وهذا ما يؤدي عمليا إلى إمكانية التلاعب بالنصوص بالطريقة المناسبة، وإغفال عنصر الظهور اللازم لفهم المراد من النص.[24].

ونظرة بسيطة على ما كتبه هؤلاء تعطي الانطباع الكامل عن معالم وأبعاد هذا المشروع.

--------------
[23] - انظر فضل الله في مقاله: النص والتأويل وآفاق حركة الاجتهاد المنشور في مجلة المعارج العدد: 28ـ31 ص 259، وكذا انظر مقالة وجيه قانصوه: جدلية النص والواقع المنشورة في فصل: فضل الله وآمال المرجعية المؤسسة في نفس العدد ص: 119ـ120.

ولا أعرف في واقع الحال ما اذا كان فضل الله يعي حقيقة ما يقوله هنا، حيث أن ذلك عكس منهجه المعلن في التفسير الملتزم بحجية الظهور وعدم تعدد المعاني بشكل متشدد. (انظر مقدمة الطبعة الجديدة من وحي القرآن). وقد أشرت إلى أن هذا الهدف المعلن وما أعتقده يتجاوز ذلك فهو يحتاج إلى الالتزام بظاهر النص كلما كان المجال مفتوحا لنقض فكر الإمامية (أعلى الله شأنهم).

[24] - الولاية التكوينية الحق الطبيعي للمعصوم (عليه السلام): 27ـ28 للمؤلف ط2.

 

     

فهــرس الكتــاب