الإمامة ذلك الثابت الإسلامي المقدس

بحث نقدي عن موضع الإمامة بين التحول والثبات

الشيخ جلال الدين علي الصغير

 

دار الأعراف للدراسات ـ بيروت

1420 هـ ـ1999 م

فاتحة الكتاب

(وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً قال: ومن ذريتي قال: لا ينال عهدي الظالمين)..

البقرة: 124

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلائق أجمعين حبيب قلوبنا سيدنا ونبينا محمد، وعلى الأنوار الزاهرة والحجج الباهرة الهداة الميامين من آله الطيبين الطاهرين.

يأتي هذا البحث[1] عزيزي القارئ استكمالا لما كنا قد ابتدأناه في الرد على جملة من الأفكار والطروحات التي تبناها التيار التحريفي وطرحها على نطاق واسع وضمن طريق عديدة من جهة، والسعي لإيجاد حالة من التأصيل العقائدي لدى أبناء العقيدة المحمدية عقيدة العترة الطاهرة الغراء من جهة أخرى، بعد أن كان الله قد لطف بنا ووفقنا في البداية لإصدار كتاب (الولاية التكوينية الحق الطبيعي للمعصوم (عليه السلام) وأعقبناه بكتاب (من عنده علم الكتاب؟) لنبحث في هذا الكتاب واحدة من القضايا الجوهرية التي يعتمد عليها الفكر التحريفي ألا وهي مقولة أن الإمامة ليست ثابتاً فكريا من ثوابت الإسلام بالصورة التي سنعرض لها بصورة مفصلة في طيات البحث إن شاء الله تعالى.

ولئن لاحظ القارئ الكريم عدم تسلسل الأبحاث ضمن تراتبية موضوعاتها ضمن مباحثها الأصلية، فذلك يرجع في الواقع إلى أن هذه الأبحاث جاءت تلبية للحاجة المترتبة على ما يطرحه الصراع العقائدي المحتدم مع تيار الانحراف، ولأن أغلب الطروحات التحريفية لم تتبع نسقا متسلسلا في الطرح، وإنما راحت تستغل أي فرصة لبث مادة الثقافة التحريفية في الوسط الشعبي، فمن الطبيعي أن تراعي عملية التصدي لهؤلاء طبيعة ما تمليه حاجات الصراع العقائدي الآني، في مهمة تتوخى من جهة تحصين عقائد الناس والذود عن عقيدة آل محمد (صلوات الله عليه وعليهم أجمعين)، ومن جهة أخرى فضح المستوى الفكري الذي تستند إليه عقيدة الانحراف، لا سيما وأننا لاحظنا عدم جرأة هؤلاء على طرح كل متبنياتهم الفكرية، فهم في العادة يطرحون الأفكار لينفونها في مكان أخر, وينفونها هنا ليثبتونها في موضع ثالث وهكذا[2]، وغالباً ما كانت طروحاتهم الفكرية مغلفة بما يمكن تسميته بعملية (تضبيب) هدفها إتاحة المجال لهم بالتراجع ونكران أصل ما طرحوه متى ما رأوا أن الجو الفكري والاجتماعي أو السياسي لم يستقبل المطروح التحريفي بالصورة التي تنأى بهم بعيداً عن فضح حقيقة مآربهم وتوجهاتهم على هذا الصعيد.

إن هذا البحث يتوخى في الأساس الرد على ما طرح حول الإمامة، وجملة من الثوابت العقائدية، وذلك من خلال سلبها صفة الثبات، وكونها تمثل مرتكزات في المقدس الإسلامي الثابت الذي بموجبه نميز فرقة الهدى من غيرها، ونحدد وفقها معايير التولي والتبرؤ، وإخضاع هذه الأفكار لمستلزمات التحول الفكري القابل للنقاش والجدل ومن ثم الرد والقبول، وذلك بدعوى عدم ثباتها لدى جميع المسلمين.[3]

كل ذلك في مهمة لا تتوقف غايتها عند تهميش الهالة القدسية التي تكتنف وجدان الأمة تجاه كل ما يتعلق بالإمامة ومدرستها فحسب, وإنما تمتد لتؤسس في الفكر الإسلامي أحد أبشع القواعد المستوردة من الفكر الوضعي والغربي، وهي حاكمية الواقع الاجتماعي على النص المرتبط بالعقيدة والرسالة والتشريع، أو لا أقل تأثر هذا النص بذلكم الواقع، بحيث يمنح لهذا الواقع الدور الأساس في تصحيح هذه الأفكار من خلال دعوى الإجماع الاجتماعي، وهي مهمة لو نجحت ـ ولن تنجح ـ لتمكنت من غزو مناطق العقيدة والتشريع فيما له نص فيه فضلا عن غيره، وهو الأمر الذي يعني نهاية مقولة النص المقدس، وحاكميته على التفكير الإسلامي ضمن تفصيل سنتطرق إليه إن شاء الله ضمن متون البحث.

ومن ثم لتمر عبر هدم حجة الإمامية (أعلى الله شأنهم) في تثبيت نظرية (النص الإلهي ) وإفساح المجال إلى جميع نظريات أهل العامة والمستوحاة من المتطلب السياسي الذي فرضه واقع السقيفة وما أعقبه من حوادث ذات شأن في هذا المجال.

وصولا بعد ذلك إلى تثبيت العقيدة المدعاة بأن شأن الإمامية لا يتعدى شؤون الحكم المدني، وحسرها عن مهامها الأساسية المتمثلة بإمامة الدين والدنيا والآخرة بكل أبعادها العقائدية والتشريعية والوجدانية،[4] حتى لقد عد (البعض) أن الخلاف الموجود بين المسلمين حول الإمامة هو خلاف على شرعية من يحكم!!.[5].

ومن بعده لتصل هذه المهمة إلى تزييف مباني العقيدة الإمامية، وتصحيح أعمال من تسببوا بحرف مسيرة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) بحجة أن ما قاموا به هو محض اجتهاد، ومن كان اجتهاده يملي عليه موقفا ما، فما من حق لتجريحه ولومه، فهو اجتهد فيما هو غير مقدس وثابت، وهي منطقة لا خطوط حمراء فيها لأنها من فكر البشر فيما يفهمونه من كلام الله ورسله وهو فهم يخطئ فيه البشر ويصيبون[6]، وحيث أن الإمامة ليست ثابتة ولا هي بالتالي من صنف المقدس، فلا مبرر للوم من انتهبوها وإسقاط عدالتهم فالمقدس تقتصر قدسيته: (على الشخص الذي ثبتت قداسته عنده بحسب اجتهاده) وعليه: (فليس له أن يرجم غيره ممن لا يرى رأيه بإنكار المقدسات).[7]

وقد يقال: لم كل هذا الإصرار على التصدي لظاهرة التشكيك والانحراف؟ في وقت نشهد أن جعبة أعداء الإمامية ما يكفي من التوهين بعقيدة أهل البيت عليهم السلام فلم لا يُردّ على أولئك بدلاً من هؤلاء؟ علماً أن هذا الأمر قد يفهم منه أن الاستهداف هنا هو استهداف شخص المشكك لا أفكاره التشكيكية؟.

وللجواب على مثل هذا التساؤل الذي سمعته كثيرا لا أخفي عجبي من عملية الاعتراض هذه, فالعملية الفكرية للوهلة الأولى يفترض أن تكون حيادية، بمعنى أن معالجة أي فكرة لا ترتبط بقائلها أو متبنيها، وإنما تتم فمن أجل توخي الحقيقة كائنا من كان صاحبها أو المنافح عنها، ولهذا سيان بالنسبة للمعالجات الفكرية أن يطرحها زيد أو عمر، وسواء كان طارحها عدو أو صديق.

على إن الأفكار هي التي تلون الأشخاص وتفرز مواقعهم وتصنفهم ما بين موافق أو مخالف، فمن حيث المحصلة في مواقع الصراع لن يختلف الذي يرميك من الخندق المقابل أو الذي يقف إلى جنبك في نفس الخندق، كما لا يختلف من يرميك بحجر ليقتلك عن الذي يرميك بصاروخ ليحقق نفس الهدف!! وعليه فإن المجابهة الفكرية سواء كانت رداً مباشرا على شخص أو على تيار أو تخلت عن الخطاب المباشر تبقى في حقيقة الحال مجابهة مع كل من يحمل هذه الأفكار ويدافع عنها.

على إن طبيعة ظاهرة التشكيك تحمل في طياتها مشكلة حقيقة، وهي إنها حينما تطرح فكرها التشكيكي ـ والذي قد يتطابق بالكامل مع ما يطرحه أعداء أهل البيت عليهم السلام ـ وقد يتجاوز حتى هؤلاء في بعض الأحيان[8] غير إنها تطرح فكرها التحريفي بعنوانه فكر مدرسة الأئمة عليهم السلام لا بعنوانه فكرا تحريفيا، الأمر الذي يجعل العامة من الناس، أو أولئك الذين لا دراية لهم في مغازي هذا الحديث أو ذلك، تتلقف هذا الفكر دونما ترو، ودونما تأمل، بحساب أن ما يطرح عليها هو فكر إمامي، وليس فكراً تضليلياً!!

فالناس ـ كل الناس ـ لديها في العادة طبيعة التحسس من العدو وبكل ما جاء به، وبالتالي فهي سريعاً ما ترجع إلى أركان أصالتها لتراجعهم في شتى شؤون الحرب مع ذلك العدو، ولكنها في الغالب يمكن أن تخسر معارك الغزو الثقافي إن تمت من داخلها دونما أي شعور منها بالاستعداء!.

ولم نجد بناة الفكر التضليلي والتحريفي من ذوي القدرة الإرادية على طرح كل أفكارهم ومغازيها، بل عادة ما يغلفونها بكلمات من شأنها أن تعطيهم حرية التقدم والتراجع حسب تلقي الوسط الاجتماعي الذي مررت إليه الفكرة التحريفية.

أو لربما تجدهم يسوقون الأكاذيب الفاقعة اللون كي يغطوا بها على حقيقة الأمر، فإن نقلت نصاً ما من أقوالهم تجدهم يهرعون إلى تكذيبه وإثارة الضجيج حوله فمرة يقال بأن هذا النص لا وجود له، وأخرى يقال بأن هذا النص محرف، وثالثة يقال بأن هذا النص قد تم تقطيعه و.. و.. الخ.[9] ليخلص بالنتيجة إلى هذا القول: أنا لا أدعي العصمة، لكني أستطيع أن أقول أن 99,99 بالمائة مما يقال وينشر ضدي هو كذب وافتراء وبهتان.. ومن ثم ليضع الجميع في دائرة الاتهام بقوله: ابحثوا عن المخابرات الدولية.. ابحثوا في قمة شرم الشيخ التي تختفي وراء الكثيرين بشكل مباشر وغير مباشر.[10]

ولنضرب[11]مثلاً بسيطاً حول طبيعة هذه الـ 99,99 بالمائة من الكذب والافتراء والبهتان فلقد قال: أنا لم أنف شيئا يثبته الشيعة.[12]

وقال أيضا بأن عقيدته عن عصمة الأنبياء والأئمة لا تختلف عن الرأي المشهور لعلماء الشيعة الإمامية.[13]

وإذ يقول ذلك فإني سوف لن أكثر الحديث في هذا المجال بل سأعمد إلى نقل بضعة نصوص لأدع المجال للقراء الكرام أن يحكموا بأنفسهم على طبيعة هذا المنهج ويتبينوا بأنفسهم حقيقة الأمر، فمن المعلوم أن إجماع الشيعة الإمامية في الأنبياء والأئمة يقوم على عصمتهم الشاملة في الموضوعات التبليغية والخارجية، وهذا من بديهيات المعتقد، ومع وضع كهذا نرى هذا الرجل يتحدث عن عصمة النبي ـ أي نبي ـ بطريقة لا يتحدث عنها نفس أهل العامة حيث يقول بما نصه: من الممكن من الناحية التجريدية أن يخطئ النبي في تبليغ آية أو ينساها في وقت معين، ليصحح ذلك ويصوّبه بعد ذلك لتأخذ الآية صيغتها الكاملة الصحيحة!.. إلى أن يقول: إن قضية الغرض الإلهي في وصول الوحي إلى الناس، لا يستلزم إلا الوصول في نهاية المطاف من غير خطأ، ولكن لا مانع من حدوث بعض الحالات التي يقع فيها الخطأ لا ليستمر..[14]

وهذا القول يمثل مخالفة واضحة وصريحة للنص القرآني المبارك: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى).[15]وهو بالتالي لا يمثل مخالفة لخصوصية الفكر الإمامي في واحدة من أمهات بنيته الفكرية، بل يمثل مخالفة لا شك فيها لنفس فكر أهل العامة أيضاً.

وتراه في حديثه عن عصمة النبي والإمام (صلوات الله عليهم أجمعين) يعمد إلى تثبيت هذه المخالفة في نفس الموضع الذي حاول أن يدافع فيه عن عقيدته في العصمة فقال: إن العقل لا يحكم بامتناع الخطأ أو النسيان أو السهو على النبي أو الإمام.. إلى أن يقول: إن النبي أو الإمام لا يفقد ثقة الناس به لمجرد خطأ هنا أو خطأ هناك.[16]

ولا يتوقف هذا الأمر عند الجانب السلوكي عند المعصوم (عليه السلام) فحسب، بل يمتد حتى إلى الجانب الفكري والعقيدي وحيث يطول الحديث هنا فإنني اكتفي بذكر النص التالي الذي يرى فيه أن النبي لم يك يعرف حقيقة العقيدة بربه في واحدة من أبسط مسائلها حيث يقول في قوله تعالى: (قال رب أرني انظر إليك)[17] بعد أن يقرر أن موسى (عليه السلام) هنا سال ربه بالمعنى الظاهري للكلام أي أنه طلب وبشكل واقعي أن يرى ربه بنفسه قال: ولكننا لا نستبعد أن يسأل موسى هذا السؤال، فقد لا نستبعد من ناحية التصور والاحتمال أن لا يكون قد مرّ في خاطر موسى مثل هذا التصور التفصيلي للذات الإلهية، لأن الوحي لم يكن قد تنزّل عليه بذلك، ولم يكن هناك مجال للتأمل والتحليل الفلسفي حول استحالة تجسّد الإله أو إمكانه، لأن ذلك قد لا يكون مطروحاً لدى موسى، ونحن نعرف تماماً معنى التكامل التدريجي للتصور الإيماني في شخصية الرسول الفكرية.[18]

وله مع تصوير الشخصية الفكرية والسلوكية لأنبياء الله إبراهيم[19]ويوسف[20]وسليمان (عليهم السلام)[21]وغيرهم من الأنبياء ما يفجع القلب ويدمي الفؤاد فأين كل ذلك من تشابه معتقده مع معتقد الإمامية (أعلى الله شأنهم)؟! فما هو والله إلا حديث خرافة يا أم عمرو!!.

كل ذلك وما شاكله هو الذي يجعل التصدي لهؤلاء ومواجهتهم وتعرية حقائق أفكارهم وما ترمي إليه طروحاتهم يمثل أولوية قصوى في الواجبات الموضعية الملقاة على عاتق العاملين، فما من ريب في أن من يرتدي ثوبك ويخاطبك بخطاب العدو ولكن مع إيهامك بأنه خطابك، أولى بالمقاومة من ذلك الذي لبس لباس العدو، ويخاطبك بخطابه.

وهذا عين ما طلبه منا رسول الله (ص) الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ففي صحيحة داود بن سرحان، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله (ص): إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة، وباهتوهم كيلا يطمعوا في الإسلام، ويحذرهم الناس ولا يتعلمون من بدعهم، يكتب الله لكم بذلك الحسنات، ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة.[22]

وعليه فمن الواضح هنا أن مسألة الاستهداف وإن ارتبط شكلها بشخص معين أو تيار معين، فليس هو المراد بذاته أو بشخصه، وإنما المستهدف هو كل ما له علاقة بفكره ولونه الأيديولوجي كائنا من كان المتحدث بهذا الفكر.

على إنه من المفترض أن كل صاحب فكرة حينما يطرح أفكاره في أي نمط من أنماط التواصل الجمعي[23]لديه ما يكفي من الاستعداد النفسي والذاتي لتلقّي النقد الذي قد يثيره من لا يرضى بهذه الفكرة، دون أن يتسبب ذلك بأي حالة تشنج أو احتقان نفسي، لا سيما إذا كان الرد يحتفظ بوقاره ضمن أصول البحث العلمي، فلا توجد في قواعد البحث العلمي حقوق خاصة للبعض دون البعض الآخر، بمعنى أن تمتلك أنت حقانية الطرح، ولا يمتلك الآخر حق الرد أو الاعتراض!.

وعليه فإن هذا الرد لا يحمل أي طابع شخصي أو جهوي، وإنما هو معد لمناقشة مجموعة أفكار طرحت في فضاء عام، وحشد للدفاع عنها الكثير من الإمكانيات والطاقات، وتحزّب لها فريق من الناس بصورة عمياء تثير العجب حتى أن بعضهم غير مستعد حتى لمجرد قراءة نصوص التحريف والاطلاع عليه، ولقد وجدت كما وجد أساتذة الحوزة العلمية الأجلاء فضلاً عن مراجع الدين العظام (أعلى الله مقامهم الشريف) في مثل هذه الأفكار المجانبة الصريحة عن خط أهل البيت (عليهم السلام)، فتم التصدي لها ومجابهتها، عملاً بالواجب الشرعي الملقى على عاتق عالم الدين لقول صادق آل محمد (عليه السلام) بسند صحيح: (إذا ظهرت البدع فللعالم أن يظهر علمه، وإلا فعليه لعنة الله).[24]ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وحيث أن الأمر كذلك فمن الحق بمكان أن نتصدى للرد الفكري، وعلى صاحب الطرح التحريفي والتشكيكي أن يتحمل بنفسه المسؤولية الفكرية والدينية والاجتماعية المترتبة على ذلك، فمثل هذه الأفكار لا تطرح ـ في العادة ـ بغفلة من طارحيها، بل هي تحتاج إلى الكثير من التهيؤ النفسي لما سيترتب عليها، والقابلية على التعامل مع النتائج المترتبة على العبث في دين الناس الذي ما كان ولن يكون بمثابة النزهة التي يمكن القيام بها لكل من يحلو له ذلك.

ولقد كان مرادي أن يخرج هذا البحث ضمن كتابنا: (الإمامة: بحث في الضرورة والمهام) ولكن طبيعة ما رأيته من الحاجة العقائدية التي أوجدتها لجاجة بعض المشككة، واندفاعهم لإقناع بعض الناس بصحة كون الإمامة من الأفكار غير الثابتة ضمن دعاوى تثير العجب، وكذا إلحاح بعض السادة العلماء والطلبة الأعزاء جعلني أخرجه مستقلاً، سائلاً المولى العلي القدير أن يتقبل هذا المجهود بلطفه وكرمه وجوده، وأن يجعل ثوابه ذخراً لي ولوالدي، وأن يرزقنا به كرامة شفاعة النبي المصطفى وآله الأطهار وأن يعيننا على ما ابتلينا به من وعيد الأشقياء وشقيهم بالصبر والثبات!. إنه نعم من سُئل، وأفضل من أجاب.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المهجر: في 2/صفر الخير/1418 هـ بجوار قبر الصديقة الحوراء زينب (ع) في دمشق

جلال الدين علي الصغير

 


الاهداء

إلى سيدتي رقية بنت الإمام الحسين (عليهم السلام)

ما كتبت الذي كتبت سيدتي إلا استعداء للخط الذي استباح الدين حينما استباح دماءكم، وقتل آمال السماء بقتلكم، واغتال الهدى حينما أنشب مخالبه القذرة في خطكم ليرتدي للضلال والإضلال ألف رداء ورداء, وصنع ولا زال يصنع في كل يوم مظلمة لآل محمد.. وإلا أمثل جدتك الصديقة الزهراء الطاهرة تعصر خلف الباب لينشب مسمار الحقد في صدرها.. ثم ليتلوى سوط الحقد على متنها ووجهها؟! .. ليأتي وارث هذا الظلم في يومنا هذا ليعلن أنه: لا يتفاعل!!..

وأمثل عمتك زينب الحوراء الطاهرة التي أراها الدهر صيغة أخرى من ظلامة أمها الزهراء ليأتي بعد ذلك هذا الوريث وهو يجد السير ليحمل من أوزار الأولين والآخرين ليفوه عن فم يصوّرها كيف تستجدي العفو من ابن الطلقاء؟!!..

سيدتي ومولاتي: وريقاتي هذه تسعى لما لعله إسهام في مسح دمعة من دمعاتك اللاهبة في وجه الضلال تبحث: أين الحسين؟ حيث لا مجيب إلا ذلك الطست الذي كان يحمل رأس أبيك الحسين وهو غارق بدم منحره الشريف.. وهي يا سيدتي تروم المشاركة في بناء لبنة من الخط الذي بنيتموه بدمائكم الطاهرة وأجسادكم الزكية ونحوركم الأبية حتى إذا ما قطعت الأجساد جاء دورك لتصنعي من أحزانك درساً جديداً من دروس الوفاء للعقيدة..

فإن لم أكن أهلا لذلك فأنتم أرباب الكرم والجود أهل لذلك..


 

 

معيارية الثبات والتحول

قبل أن ندخل في صلب الموضوع لا بد من تحديد المقصود بالثبات والتحول،[25] وتشخيص ماهية المعيار الذي نحكم به على المفاهيم، فنضفي عنصر الثبات على واحد لنسلبه من آخر ليغدو بعد ذلك مفهوماً متحولا.

وسنلحظ أن المدارس الفلسفية تتفاوت بطبيعتها في تحديد الموقف من هذه المفاهيم، فمنها من ينفي بالمرة وجود مفاهيم ثابتة لا تقبل التحوّل،[26] كما نلحظ ذلك في النشأة الأولى للفكر السفسطي وكذا في الاتجاهات البوهيمية وأمثالها، فيما يتوسع البعض الآخر ليقف على النقيض من ذلك فيجعل جميع المفاهيم كتلة من الثوابت التي لا مجال للتحول فيها، كما نلحظ ذلك في الاتجاهات الجبرية وغيرها ولكن الفلسفة الدينية الإسلامية وغالبية الفلسفات الوضعية[27] تتفقان على تقسيم المفاهيم إلى ثابتة لا يمكن الحياد عنها، وأخرى متحولة لا تتمتع بصفة الثبات فتخضع عندئذ للشرائط الموضوعية المنعكسة من الواقع الاجتماعي، ولكن هذه الاتفاق لا يعكس إلا شكل الأمر، غير إن واقع الحال يشير إلى وجود تناقض جوهري ما بين الاتجاهين في طبيعة مصادر الثبات والتحول ونوعيته وكيفية التعامل معه.

وأيا كان وضع هذه الفلسفات فمما لا ريب فيه أننا من دون القول بوجود ثبات معين في عالم الأفكار كأن يكون للكون خالقاً، وكون المعلول متسبباً عن علة، وأن الكل أكبر من الجزء، وأن النقيض لا يجتمع مع نقيضه في عرض وزمان واحد، وغير ذلك من أمهات المرتكزات التي يقوم عليها الفكر والمنطق الإنساني، فلا يمكن عندئذ الحديث عن وجود فكر بالمطلق، فمن غير هذا الثبات علينا أن نذعن للتفكير السفسطي والعمال كل مقتضيات الدور والتسلسل الفلسفيين.

ولا يعنينا هنا الخوض في تفاصيل هذه المسائل من وجهة نظر المدارس الفلسفية، حيث أن الموضوع غير مخصص ذلك، ولكن يعنينا بحث هذه المسألة من وجهة النظر الإسلامية ضمن الحدود التي يسمح بها مجال البحث هنا[28].

وليس من العسير العثور على أهم معالم وجهة النظر هذه وأبرزها على الإطلاق في تحكم النص المقدس في معيارية الثبات والتحول حيث يلعب النص المقدس دور الضابط الموضوعي في ثبات المفاهيم وتحولها، من دون أن نجد أي مجال للقول بأن الثبات والتحول تتحكم فيه المعايير التي من شأنها أن تتسبب في التعتيم على الحقيقة والتضبيب على فهمها.

فمن الواضح أن الفهم الإسلامي للحجة الإلهية يتسم بالقول بأن هذه الحجة من البساطة والوضوح ما يجعلها متيسرة لفهم الجميع ولو ارتكازاً، بشكل ينسجم تماماً مع مقتضيات أن تكون هذه الحجة هي المعيار الذي سيقاصّ الله سبحانه وتعالى من عباده يوم القيامة، فيهب جنته لمن أحسن التمسك بعروته الوثقى، ويدخل النار من تخلف عن ذلك، وهذا لا يمكن أن يكون إلا من خلال أن تكون الحجة الإلهية الملقاة على الناس من الوضوح بمكان بحيث تتناسب مع المفهوم القرآني عن العدل الإلهي، فالله جل وعلا لم يخلق الخلق حينما خلقهم ليتركهم سدى هملاً (أيحسب الإنسان أن يترك سدى)[29] بل أمدّه برعاية وهداية كاملتين بعد أن أمدّه بكل مستلزمات الاستفادة من هذه الرعاية والهداية وأوضح له بما لا مجال للبس فيه مآل موقفه من مواقف الهداية والرعاية (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً. إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً. إنا اعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالاً وسعيرا. إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا الخ..)[30]وأوضح أنه لن يظلم أحداً فقال: (تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلماً للعالمين)[31] وكذا قوله تعالى: (إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض)[32].

ونظراً لطبيعة أن الذي لا يظلم عبيده ينبغي أن يوضح أوامره لهم بشكل لا مجال للبس فيه، لذا فإن الله سبحانه وتعالى ولطبيعة رحمته التي وسعت كل شيء لم يكتف بإبلاغ حجته كاملة على عباده فحسب، بل وأرسل رسولا منه ليبلغ هذه الحجة بشيرا ونذيرا، ومن ثم ليكون مصدر رحمة للعالمين، كما وصفه سبحانه: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)[33] ولهذا عبّر سبحانه وتعالى عن أن له الحجة البالغة: (قل فلله الحجة البالغة)[34] لكونه سد جميع أبواب الاعتذار أمام عباده لتفادي اعتذارهم يوم القيامة بأي عذر فقال: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين. أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون)[35] وهذا الأمر من بديهيات العدالة الإلهية.

وإذا كان الأمر كذلك، فمن البديهي بمكان القول بعدم وجود أي مجال لأن يدع الشارع المقدس المفاهيم والأفكار التي لها أعمق الآثار في فهم الشارع والتشريع، عرضة لفهم العبد، فالعبد إذا كان مأموراً باتباع سبيل محدد، كيف يمكن له سبيل ذلك؟ في وقت يترك فهمه لهذا السبيل لرحمة حدود غير منضبطة بضابطة محددة، ولا مؤطرة بإطار محدد، بل هي متروكة في واقع الأمر لنفسه ومقتضيات بنائه الفكري والذي تتداخل فيه أهواء جمة، ترسمها ضغوط الواقع تارة، وإغراءات الحياة أخرى، ومجاهيل عدة تحددها إخفاقات الحكمة مرة وعجزه عن نيلها أخرى؟!! بل كان الشارع المقدس بالمرصاد لتفكير من هذا القبيل، فحدد أن النص الإلهي فيه محكم وفيه متشابه، وهذا الأخير يمكن أن يكون عرضة لتلاعب أصحاب القلوب المريضة، أو أصحاب العقول العاجزة، مما سيجعله مدعاة لفتنة عبيده وصدّهم عن بركاته وهداه كما في قوله تعالى: (هو الذين أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله)[36].

وهذا الأمر سيسهّل مؤونتنا في إماطة اللثام عن حقيقتين جوهريتين، وهما:

أـ إن المعايير التي تتحكم في المفاهيم مطلقة وليست نسبية، بمعنى أن هناك ضوابط صارمة في تحديد اتجاهات الإطلاق في النص، واتجاهات التغير والتحول فيه، فهذا النص فيه محكمات (هن أم الكتاب) لا يمكن العبث فيهما أبداً، وكل انحياز عنهما يعني الانحياز عن الدين، وثبات هذه المحكمات يحدد بدوره ثبات التفاصيل المتعلّقة بها، والتي تطلق الآية الكريمة عليها اسم (المتشابهات).

ولكن لطبيعة التداخل بين هذه المتشابهات مع تفاصيل الحياة الرسالية المختلفة، وإمكان التصادم بين الأوليات المطروحة أمام هذه الحياة سميت بالمتشابهات حيث سنرى أن التحول في الالتزام بها، والذي سيطر أ عليها نتيجة لظروف الحياة المختلفة لا يلغيها بحيث يجعلها نسبية قابلة لتغير كما توهّم ذلك بعض الكتّاب ومنهم محمد حسين فضل الله في مقالات عدة حيث اعتبر القيمة في الأديان نسبية حيث يقول ما نصه: (إن قضية الحلال والحرام لا تتجمد في هذه المفردة أو تلك المفردة، وإنما تنطلق إلى ما وراء ذلك من الهدف الذي يتحرك الحرام من أجل أن يبعده، أو يتحرك الحلال من أجل أن يؤكده، على هذا الأساس القيمة حتى في الأديان نسبية[37]).

وكذا قوله: إن الإنسانية ليست قيماً غير مثالية ومطلقة وإنما هي قيم نسبية، إلى أن يقول: إن القيمة في الإسلام في جانبها السلبي أو الإيجابي ليست مطلقة، بل هي نسبية).[38].

بل إنه سيؤجل العمل بها لمصلحة ما يتقدمه في سلم الأولوية، فنحن إن رأينا أن الحكم بالصدق يغدو حراماً إن اقترن بأذى المجتمع كلاً أو جزءاً من قبل الطاغوت، فلا يعني ذلك أن قيمة الصدق كانت نسبية، فتغيرت من الحسن إلى القبح هنا، بل لأن حفظ المجتمع من أذى الطاغوت يمثل أولوية تفوق أولوية الحفاظ على الصدق، لذلك تقدمت هذه الأولوية على تلك، من دون أن يلغي قيمة الصدق المناقبية، مثلها مثل من يحمل ذهباً في سفينة تكاد أن تغرق بسبب حملة الذهب، فتعمده إلقاء الذهب في البحر، لا يلغي قيمة الذهب بل لأن حياته أغلى من الذهب، لذلك قدم الأهم على المهم، من دون أن يعني تقديم الأهم انتفاء قيمة المهم، الذي سيعود إلى أهميته حالما يرتفع الطارئ، في حين أن نسبية القيم، تطيح بالقيم حتى وإن ارتفع الطارئ الذي يمثل استنثاءا في الحياة لا واقعاً ثابتاً.

ولهذا نجد النص القرآني يوجد سلّماً في الأولويات لجعله هو الضابطة المعيارية التي تتحكم في تطبيق الأحكام في حال التعارض.

ولكن هذه الضابطة إن لم يتم التعرف عليها بدقة، فإنها ستكون مدعاة لحصول واحدة من نتيجتين على الأقل:

الأولى: أنها ستكون أداة بيد المتسلّطين على عامة المجتمع بأي شكل من أشكال التسلّط فيستغلونها لتحقيق مآربهم وأهدافهم السيئة، كما صوّرهم الباري جلّت قدرته في نفس هذه الآية: (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة) أو كما نرى النتيجة في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم)[39] في وقت لا يجد المجتمع أي مجال للتخلص من ربقة ظلمهم إلا بالتحرر من النص نفسه، وفي ذلك من المفسدة العظيمة والشر المطلق ما لا يخفى، ومعرفة تداعيات صراع الكنيسة الأوربية مع الآخر إبان القرون الماضية تكشف حجم الأضرار التي يمكن أن يفرزها مثل هذا الواقع، حيث تصور الأوربيون أن صراعهم مع سلطة الكنيسة هو صراع ديني، لذا خاضوا معاركهم ضد الدين مباشرة!!.

الثانية: أن هذا الكتاب الذي أطلق هذه المتشابهات نزل من عند الله، وفيه من الأسرار التي لا يستطيع بالضرورة نليها وإدراكها كل من رام إليها سبيلاً، فدين الله وعلمه قد أتيح لخاصة أوليائه فقط، وليس لعامة الناس، (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا)[40] وإلا لما افترض وجود وحي، وجعل المنزل عليه معصوماً لا يزلّ ولا يخطئ، ويتلقى هذا العلم بصورة استثنائية لعلنا نتلمس بعض آفاقها في ما تعكسه لنا مقدمة سورة النجم (والنجم إذا هوى، ما ضل صاحبكم وما غوى. وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحى يوحى . علمه شديد القوى . ذو مرة فاستوى. وهو بالأفق الأعلى. ثم دنا فتدلى. فكان قاب قوسين أو أدنى. فأوحى إلى عبده ما أوحى. ما كذب الفؤاد ما رأى. أفتمارونه على ما يرى. ولقد رآه نزلة أخرى. عند سدرة المنتهى. عندها جنة المأوى . إذ يغشى السدرة ما يغشى . ما زاغ البصر وما طغى. لقد رأى من آيات ربه الكبرى) ولهذا فإن هذه الأسرار إن تصدّى لحلّها من لا أهلية له في هذا المجال فإن العاقبة الحتمية لعملية ابتغاء التأويل بهذه الصورة ستكون زيغا عن الهدى، وضياعاً عن الطريق لأن لعملية التأويل المطلوبة جهة محددة لم يفسح المجال لغيرها في فك أسرار هذه الكتاب وفق ما تبينه الآية الكريمة: (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم)[41].

وترينا الصورة التي تمخضت عنها مأساة السقيفة من ضلال الناس بعيداً عن الدين، وإذا بالرسالة التي بعثت هدى للعالمين سرعان ما غدت ملهاة بيد من لا خبرة له بعلم، ولا سابقة له في فهم، وليس أدل على ذلك من المهازل الدينية والسياسية التي ارتكبت في زمن الخليفة الأول كالحادثة المفجعة التي تمخضت عنها شهادة الزهراء البتول (عليها السلام) بعد غصب حقوقها المادية في فدك، والوجدانية في حقها بالبكاء على أبيها رسول الله (ص) فضلاً عن الدينية بالحفاظ على إمامة الناس في الموضع الذي وضعه الرسول الأكرم (صلوات الله عليه وآله)، وكذا السياسية بأخذ مشورتها على الأقل فيمن سيخلف الرسول الأعظم، ناهيك عن سائر مآسي أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، والجريمة النكراء بحق الصحابي الجليل مالك بن نويرة، واغتيال سعد بن عبادة، وحرق الفجاءة السلمي، وعشرات غيرها!!.

ب ـ مثلما رأينا أن الضابطة التي تحكم الثبات والتغيير في التشريع هي النص، فمن البداهة بمكان أن يكون مصدر تشخيص التغير والثبات، ومحل الحسم في خصوصيات التزاحم بينهما هو المؤتمن على هذا النص، لا أي أحد من الناس، ففي وقت حذرنا الله جل وعلا من خطورة التأويل لأنها تكتنف الوقوع في الفتنة، وأوضح لنا أن عملية التأويل هذه في أحسن صورها ستكون زيغاً عن الطريق وإن لم تقترن بفساد النوايا، وضرب لنا مثلا في كيفية انتهاب الكثير من الأحبار والرهبان لمصالح العباد وعبثهم بدين الله، بل أوضح لنا أن حتى من حظي بكرامات الله لم يكن بمنأى من الوقوع في مخاطر أهواء النفس وشهواتها كما في قصة بلعم بن باعوراء (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين)[42].

ولهذا فمن العبث بمكان الحديث عن ضابطة واقعية للتأويل بمعزل عن من اختصه الله لعلمه وأتمنه على وحيه، ولهذا شخّص الله هذه الحقيقة بصورة قاطعة لا مجال لأي لبس فيها (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب).

وعليه فإن تشخيص الثبات والتغير في الشريعة إنما هو من اختصاص النص الإلهي وحده والذي يمثله في عرفنا ـ نحن الإمامية ـ الكتاب الكريم كنص مكتوب، والسنة المعظمة للمعصوم (صلوات الله عليه) كقول وفعل وتقرير له (صلوات الله عليه)، وأي دعوى للخروج بهذا الفهم عن هذه الدائرة تمثل معلماً أساسيا من معالم الانحراف عن إطار هذا النص.


 

 

المجتمع ليس معيارا للثبات والتغير

ولا تمثل الدعوى التي أطلقها محمد حسين فضل الله في تفسيره للتغير والثبات في جوهرها خروجا عن دائرة الانحراف الأولى التي اختطت مسيرتها من التداعيات التي أنشأت الصياغة الفكرية التي قامت عليها أحداث سقيفة بني ساعدة، كما إنها لا تفترق كثيرا عن الصياغة الفكرية للفلسفة الغربية[43] التي رأت في حاكمية الكثرة الاجتماعية على صياغة الثوابت الفكرية، وذلك بالصورة التي طالعنا فيها في مقالة (الأصالة والتجديد).

وقد قدم فضل الله فكرته عن الثبات والتغير مقومة على أساس الموقف الاجتماعي منها، وقدم هذا الموقف مرة على أساس الفهم، وأخرى على أساس الالتزام، لذا تراه يقول: في داخل الثقافة الإسلامية ثابت يمثل الحقيقة القطعية، مما ثبت بالمصادر الموثوقة من حيث السند والدلالة بحيث لا مجال للاجتهاد فيه، لأنه يكون من قبيل الاجتهاد في مقابل النص، وهذا هو المتمثل ببديهيات العقيدة كالإيمان بالتوحيد والنبوة واليوم الآخر..

وهناك المتحول الذي يتحرك في عالم النصوص الخاضعة في توثيقها ومدلولها للاجتهاد مما لم يكن صريحا بالمستوى الذي لا مجال لاحتمال الخلاف فيه، ولم يكون موثوقا بالدرجة التي لا يمكن الشك فيها، وهذا هو الذي عاش المسلمون الجدل فيه، كالخلافة والإمامة والحسن والقبح العقليين والذي ثار الخلاف فيه بين العدلية وغيرهم، والعصمة[44] في التبليغ وفي الأوسع من ذلك بحيث يشمل الأفعال جميعها والآراء جميعها في شخصية النبي والأئمة، وفي المسار الجسماني والروحاني، وفي مستوى علم الأنبياء والأئمة، من حيث علم الغيب ووعي الأشياء في الكون والحياة، وفي مسألة حدود الشرك والتوحيد وغير ذلك مما يتصل بالجانب العقيدي.[45]

ويقول في موضع آخر بصورة جلية أكثر: الثابت هو الذي يملك ثباتا في وعي الناس لا الثبات في الواقع، والمتحول هو الشيء الذي لا يرى الناس كلهم فيه ثباتاً في الوعي.[46]

ويقول أنصاره: الثابت هو المقدس الذي لا يناقشه أحد من المسلمين، بينما المتحول يخضع للمناقشة لاختلاف المسلمين فيه.[47]

ونحن هنا لسنا في صدد النقاش حول ما إذا كانت المفردات المذكورة لها هذا الموقع الذي ذكره في واقع النصوص  الإسلامية أو في واقع المسلمين أو لا، فلذلك مجاله اللاحق ـ إن شاء الله تعالى ـ ولكن يهمنا في البدء التوقف عند الزيف الذي حاول فيه أن يغطّي على واقع النظرية الإسلامية في شأن الثبات والتغير، فمن حقنا أن نتساءل عن الأساس الشرعي لفكرته عن الثبات والتحول، ومن أي مصدر استقاها؟ فإن كان ثمة أثر من نص أو دليل شرعي، فنحن بحاجة لسماعه، أما أن يكون الدليل الشرعي كتابا وسنة خلاف ذلك قلباً وقالباً، فمن حقنا عندئذ أن نبدأ بإثارة أصابع الاتهام الفكري مرة، والانحرافي أخرى[48] .!!

فمن البديهي ضمن وجهة النظر الإسلامية أن قيمة الأفكار لا تكتسب من الواقع الاجتماعي مهما بلغ هذا الواقع في عنفوان ضغطه أو وطأة إغراءاته، فالعملية الفكرية ليست انعكاسا لهذا الواقع حتى نجعل هذا الواقع يتحكم في ثبات الأفكار أو تغيرها، فالحق الذي جاء به النص المقدس يأخذ حقانيته من النص، من دون أن يكون للواقع الاجتماعي أي أثر في تقييمه سواء قبله أو رفضه!! والعدل الذي أقرّه الشارع المقدس تنبع أصالة الحقيقة فيه من هذا الإقرار، لا من أي شيء يرتبط بقبول الناس له أو ممانعتهم عنه.

ولهذا فإن محص أن يقبل المسلمون بفكرة أو يختلفون عليها لا قيمة له برصد واقع المقدسات الفكرية، ولا أثر له في تقييم عناصر الثبات والتحول، وخضوع آية فكرة للنقاش لا يعني سلب قداستها وثباتها، فها نحن نتناقش مع الملاحدة في وجود الله، فهل يعني أن فكرة وجود الله أصبحت متحولة لمجرد وجود من يناقش فيها حتى وإن تعاظم عدد المناقشين في هذه المسالة.

وها نحن نختلف مع المسيحيين في قدسية دينهم، ومع اليهود في قداسة معتقدهم، ويختلفون معنا في قداسة ديننا ونبينا وكتابنا وقبلتنا وكل شيء فينا (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير)[49] فهل سيعني ذلك أن نتنازل عن قداسة مقدساتنا؟ لمجرد أن هؤلاء يثيرون نقاشا حول ذلك؟.

إن كان من السلامة القول بأن نقاش هؤلاء لا يعني أي شيء في مضمار قداسة مقدساتنا، فمن السلامة أيضا القول بأن نقاش أهل الإسلام لا قيمة له في التعرف على حقائق المعتقد وثوابت التشريع، لأن الجميع من ملاحدة ويهود ونصارى ومسلمين وسائر بني آدم لا يمتلكون قدرة التشخيص لعناصر الثبات في التشريع، فهو ليس منهم حتى نتفق معهم حول أي عنصر ثابت وأي عنصر متحول، وليس هو فكراً بشريا حتى نتوسل بفكر البشر لتقييم الحقيقة والباطل فيه، بل هو فكر سماوي نزل عليهم من قبل الله (جل وعلا) وهو وحده الذي يشخّص هذه العناصر، وطالما إنه أوكل هذا التشخيص لكتابه ومن ائتمنه عليه، لذا فالعبرة الحقيقة في التقييم تبقى للكتاب وشارحيه من المعصومين (صلوات الله عليهم).


 

 تداعيات اجتماعية الثبات والتغير

تنطوي فكرة أن يكون ثبات المفاهيم وتغيرها محكوما بالواقع الاجتماعي بصوره المتعددة على تداعيات هامة وخطيرة جداً فعلاوة على كونها تمثّل اغترابا صارخاً عن الفكر الإسلامي، فإنها تخلّف وراءها جملة ليست بالقليلة من الانتكاسات القيمية والمعيارية، ويهمنا هنا أن نعرض لبعضها فقط لعدم اتساع المجال لاستقصاء الجميع، ومن ذلك

 

أولاً : الصعيد الطائفي

من الطبيعي أن نلمس أول التداعيات وهي تضرب بأطنابها على كاهل المعترك الطائفي، حيث سنجد تطبيقاتها العملية في أرجاء سقيفة بني ساعدة، واسقاطاتها السياسية والفكرية والاجتماعية وغيرها المتأتية بعدها، والتي رسمت أولى إبهاماتها على باب الصديقة الزهراء (صلوات الله عليها) وجسدها الشريف لتصنع معها واحدة من أقذر الجرائم السياسية والدينية والتي انتهت بصياغة فصول المأساة المفجعة لقديسة آل محمد (صلوات الله عليها)، ومن ثم لتجر الويلات تلو الويلات على دين محمد (صلى الله عليه وآله(، فمع تغييب النص السماوي الذي أطلقت شرارته العلنية يوم نادى داعية السقيفة بوجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في رزية يوم الخميس: إن النبي ليهجر،[50] حتى أسفر صباح التقييم البشري يوم أقفلت السماء أبواب وحيها المقدس وهيمن الظلام حينما اغتيلت آمال السماء يوم الاثنين، ليعرب عن إخضاع الأمور لواقعيات التسلط الاجتماعي، فما بدا مقدّسا في نظر السماء والذي عبّر عنه القرآن بقوله تعالى: (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)[51]، وكرره الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بقوله الشريف المتواتر باتفاق جميع أهل الإسلام: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً.

غير أن هذا المقدس سرعان ما علاه التحوّل، حينما هتف هاتف السقيفة بعدم رغبة القوم بنص السماء وفق التصوير الذي يصوّره ابن عباس حيث قال على ما رواه ابن الأثير وابن أبي الحديد والطبري وغيرهم، أن عمراً قال له: يا ابن عباس أتدري ما منع قومكم منكم بعد محمد؟ قال ابن عباس: فكرهت أن أجيبه، فقلت له: إن لم أكن أدري فإن أمير المؤمنين يدري! فقال عمر: كرهوا إن يجمعوا لكم النبوة والخلافة فتبجحوا على قومكم بجحا[52] فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت.[53] وحينما يكون الأمر على هذه الشاكلة فإن التشكيك بالإمامة وببيعة الغدير ومقتضياتها، يعتبر أمراً لا مندوحة عنه، ليقال أن لا نص من السماء فيخلو الجو عندئذ لدعاة دخالة التقييم الاجتماعي، ومن ثم ليترك الحق يرزح أسيرا لضغط المقولات التاريخية والتجاذبات السياسية، وهذا هو الأمر الذي تجد فيه محمد حسين فضل الله يقف حيث تعهد وقوفه في هذا المجال، حيث يعمل على التضبيب على حقائق الغدير ومقتضياته بصور متعددة، فتراه مرة يتحايل من أجل أن يمرر حكاية عدم وجود نص على الأمير (صلوات الله عليه) ليقول بما نصه: فالقضية ربما كانت من خلال طبيعة الكلمات مجالاً، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) مثلاً (هكذا هو النص) بأذهان الناس يصير شك، أما لماذا لم يكتب النبي (صلى الله عليه وآله) كتابا؟ كان النبي ذلك الوقت يريد للتجربة أن تتحرك.[54]

ولم يكتف بذلك بل تراه في مرة أخرى يشيع جوا من الإرباك في ضرورة وجود الإمام حينما يجعل مفهوم الحديث النبوي المتواتر لدى المسلمين: من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، مورد شك حينما يقول بما نصه: الواقع إن سند هذا الحديث ليس فوق مستوى النقد.[55]

ثم عاد ليطرح تشكيكا مطلقاً وواسع النطاق في قصة الغدير سنداً ودلالة فقال في مجال سند الحديث الذي تبرم من كونه مرويا بكثافة من قبل المسلمين : إن مشكلتنا هي أن حديث الغدير هو من الأحاديث المروية بشكل مكثف من السنة والشيعة، ولذلك فإن الكثير من إخواننا المسلمين السنة يناقشون الدلالة ولا يناقشون السند، في الوقت الذي لا بد أن ندرس القضية من خلال ذلك أيضاً.[56]

وعمد لنفس الشيء في مجال الدلالة والمفهوم ليطرحها ضمن احتمالات تبعدها عن المضمون الحقيقي فقال: لقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من كنت مولاه فعلي مولاه، فهل أن معناه من كنت أحبه فعلي يحبه، ومن كنت ناصره فعلي ناصره، أو أن معناه من كنت أولى به من نفسه (وهو معنى الحاكمية) فعلي أولى به من نفسه، فبعض الناس يقول هذا تصريح وليس تأكيداً.[57]

وبعد أن طرح فهم الولاية ضمن احتمالات بعيدة عن المفهوم الأصلي، وظّف فهمه لتحكم وعي الناس في المفاهيم، ليعلن بعد اعتباره للإمامة من المفاهيم المتحولة وليس من الثوابت كما لحظنا ذلك في مقال الأصالة والتجديد بضرورة عدم تخطئتنا لما جرى في السقيفة، فما هو مقدس لدي، ليس مقدساً لدى رجالات السقيفة، ومن ثم فليس ثمة مجال لرجمهم[58].

وكان لا بد من التخلص من نص المعصومين بعد الرسول (عليهم افضل الصلاة والسلام) لتبقى المسألة بعد ذلك فيما يفهمه المسلمون من حديث الكتاب والرسول (صلى الله عليه وآله)، لذا عد كل ما جاء بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) فكراً نسبيا حيث قال: ونحن نعتقد من خلال ذلك، أن كل ما جاءنا من تراث فقهي وكلامي وفلسفي، هو نتاج المجتهدين والفقهاء والفلاسفة والمفكرين من خلال معطياتهم الفكرية ولا يمثل الحقيقة إلا بمقدار ما نقتنع به من تجسيده للحقيقة، على أساس ما نملكه من مقاييس الحقيقة، وبهذا فإننا نعتبر أن كل الفكر الإسلامي ما عدا الحقائق الإسلامية البديهية[59]هو فكر بشري، وليس فكراً إليهاً قد يخطئ فيه البشر فيما يفهمونه من كلام الله وكلام رسول الله (صلى الله عليه وآله( وقد يصيبون!!.[60]

وتبعاً لذلك كله فلا بد من نكران مأساة بيت الزهراء (بأبي وأمي ) بكل فصولها، لأن وجود هذه المأساة يخرج مجريات السقيفة من مجرد فهم اجتماعي، إلى مصافّ المؤامرة الكبرى، ولهذا تجد كيف شمّر فضل الله وتياره عن ساعديه كي ينفي كل ما خصّ ظلامة الزهراء (صلوات الله على أنوارها القدسية)، ولم يكتف بذلك فحسب بل عمد إلى تبرئة ساحة المتسببين بهذه الظلامة، مشيرا إلى أنها كانت تحظى باحترامهما، وإن علاقتها معهما كانت طبيعية[61]!!.

 

ثانياً الصعيد التشريعي

ومن خلال الالتزام بالقول بحاكمية الواقع على النص، سنواجه مشكلة تشريعية ضخمة، فحيث أن فهم هذا الواقع يبقى في كل الظروف نسبياً يتباين من مجتهد لآخر، ومن مدرسة فقهية لأخرى، فما أراه مصلحة في قضية معينة، قد يراه الآخر مفسدة عظمى، وحيث أن ما جاء بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) فهو فهم نسبي كما يزعم فضل الله، فمن المحتوم عندئذ أن يتعدد فهمنا للأحكام الشرعية، وحيث أن هذا الأمر يجبرنا على الاعتقاد بأن هذا الفهم هو فهم ظني للنص فلا يمكننا عندئذ إلا أن نقول بأننا نعتقد الصحة في فهمنا، ولا نقول بخطأ من لا برى صحة فهمنا، بل حتى من يناقض هذا الفهم، وهذا مفاد (مبدأ التصويب) الذي يجمع الإمامية (أعلى الله شأنهم) على بطلانه، فيما تلتزم مدرستي أهل السنة من الأشاعرة والمعتزلة به على اختلاف فيما بينهما حوله.[62]

ولربما توضح المحاورة التي جرت بين الخليفة الأول والثاني طبيعة فهمهم للتصويب حينما ثار عمر على خالد بن الوليد بعد جريمته النكراء بحق الصحابي الجليل مالك بن نويرة (رضوان الله تعالى عليه) حيث قتله ومثل به ووضع رأسه أثافي لقدره، ثم نزا على زوجته في نفس الوقت، والقتل فيه قتل، والمثلة فيها قتل، والزنا بامرأة محصنة فيها جلد في حال السفر حيث قال عمر لأبي بكر: إن خالداً قد زنى فاجلده.

فقال أبو بكر: لا، لأنه تأول فأخطأ!. قال: فإنه قتل مسلماً فاقتله. قال: لا، إنه تأول فأخطأ.[63]

وبعد أن ألحّ عمر على أبي بكر بالاقتصاص من خالد قال له بغضب: هيه يا عمر تأوّل فأخطأ فارفع لسانك عن خالد.[64]

وواضح أن (التصويب) هنا يبتني نفسه على أساس ما يتعارف الأصوليون على تسميته بحالة (الانسداد)، أي عدم وجود طريق للوصول إلى الحكم الإلهي بعد غياب المشرع وانقطاعه، وهذه المشكلة التي واجهت الفقه السني وضربت بأطنابها الثقيلة عليه منذ وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله)، لذا عمد هذا الفقه للاستعانة بطرق متعددة كسنة الصحابة وطرق الرأي والقياس والمصالح المرسلة وما إلى ذلك، فيما لم تواجه هذه المشكلة الفقه الشيعي أبداً، لأن فترة الوجود الواقعي للمشرع امتدت إلى حلول فترة الغيبة الكبرى للإمام (عليه السلام) أي عام 329 هـ وهي فترة كافية لأن يجد الحكم الإلهي الواقعي طريقه إلى الناس، سيما وأن المشرّع المقدس (صلوات الله عليه) أشار إلى أنه ليس من واقعة إلا ولله فيها حكم، وتمام الحجة الإلهية تقتضي من المشّرع أن يلتزم بالإفصاح عن هذا الحكم وتبيانه، وهذه من بديهيات الفكر الإمامي، ولهذا فإن القائل بالتصويب المتداعي من القول بحاكمية الواقع الاجتماعي على النص سيكون واحدا من اثنين، فهو إما من غير الإمامية، وإما ممن لا يفهم من الإمامية أي شيء!.

 

ثالثاً: الصعيد العقائدي

ومن يقرأ تمام مقالة (الأصالة والتجديد) يجد بوضوح التزام فضل الله بمقالة التصويب ليس في المجال الفقهي والأصولي فحسب، بل حتى في المجال العقائدي فتراه لا يطالبنا بعدم رجم من نعتقد بخطأ حكمه الفقهي فحسب، بل يمد ذلك ليبلغ فيه حدّه الطائفي الأقصى حيث يطالبنا بعدم البراءة ممن لا يؤمن بعقائدنا لأنه لا يعتقد بثبوت قدسيتها حيث يقول: (إن المقدّس في الإسلام بالمعنى المطلق هو الثابت بطريقة قطعية لا مجال للاجتهاد فيها بحسب مصادرها اليقينية، ولا مجال للخلاف حولها، وكل ما عدا ذلك فهو غير مقدس، وتكون قداسته مقتصرة على الشخص الذي ثبتت قداسته عنده بحسب اجتهاده، فليس له أن يرجم غيره ممن لا يرى رأيه بإنكار المقدسات.[65]

وهذا ما أدى بالمرجع الديني الكبير الشيخ جواد التبريزي (دام ظله المبارك) إلى أن يعلّق على ذلك بالقول: إن القائل يتصور أن تعدد حكم الواقعة الواحدة بحسب اختلاف المجتهدين في الأعصار فيها أمر ممكن وواقع وهذا مخالف لمذهب العدلية الملتزمين ببطلان التصويب في الوقائع التي وردت فيها الخطابات أو استفيد حكمها من مدارك أخرى.[66]

والعجيب أن فضل الله انساق مع تداعيات هذه الفكرة، وكاد أن يصل إلى ما لم يصل إليه أحد المسلمين حينما ناقش آية : (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) حيث قال شارحاً: المعنى في هذه الآية واضح، فهي تؤكد أن النجاح في الآخرة تناله كل هذه الفئات الدينية المختلفة في تفكيرها وتصورها الديني للعقيدة والحياة، بشرط واحد وهو التقاؤها على قاعدة الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح.[67]

ورغم أنه حاول أن يخفف من حدة هذه اللهجة، ويتيح المجال له بالتنصل من ربقة موضوع كهذا كعادته في هذه المواقف، غير أنه في واقع الحال حاول أن يخفف جهة الفارق بين المسلمين وغيرهم حيث قال: وربما يخطر في البال أن الإيمان بالرسول يختلف عن الإيمان بالله في مدلوله الإيماني، وفي طبيعة موقعه في العقيدة، فإن الإيمان بالله غاية في نفسه باعتبار أن معرفته وعبادته من أسس العقيدة في ذاتها، أما الإيمان بالرسول فقد لوحظ من حيث هو طريق للارتباط بالرسالة والعمل الصالح، ولذلك لم يؤكد القرآن عليه في كل دعوات الإيمان إلا في هذا النطاق، وعلى ضوء ذلك فقد يكون إغفاله في مجال الحديث عن الأساس في نجاة الإنسان في الآخرة، ومن جهة الاكتفاء عنه بكلمة الإيمان بالله والعمل الصالح الذي هو كناية عن السير في خط الله من العبودية له والخضوع لشرائعه وأحكامه الثابتة برسالات الأنبياء، وقد تتضح لفكرة بشكل أعمق ذا لاحظنا أن الإسلام لم يعتبر وجود اختلاف بين الرسالات إلا من خلال بعض الجوانب التفصيلية مما يجعل القضايا الأساسية واجدة في الجميع، ويكون الانسجام مع واحدة منها انسجام مع الكل، كما يكون الانحراف عن الخط في إحداها انحرافا عن الخط في الباقي، وبذلك تعتبر النبوات منطلقة من قاعدة واحدة كما يوحي به قوله تعالى: (إن الدين عند الله السلام) مما يجعل كل صفة طارئة[68] تسقط وتتضاءل أمام القاعدة الصلبة التي تتحرك من خلالها الرسالات.[69]

ولا أدري إن كانت مجموعة مواقف فضل الله من اليهودية والمسيحية وعقائدهما تتعلق بهذا الاتجاه أم لا؟!.

حيث يلحظ عليه خروجه بأفكار لم يتجرأ أحد من المسلمين على مجرد التحدث بها، إذ يرى أن الثالوث المسيحي لا يمثل شركاً بالله.[70]رغم أن الجليل الأعلى تباركت أسماءه يتحدث بصراحة عن كفر من يقول بالثالوث: (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم)[71](وقالت اليهود عزيز ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون)[72]. ولا أعلم لم عدّ مثل الولاية التكوينية شركاً؟[73] رغم وضوح القول باتصالها بولاية الله، ولم يعد أمثال الثالوث المسيحي شركا!! بل لم يلتزم بعدم كفر القائلين بالثالوث،[74] رغم وضوح تكفير القرآن لهم على ذلك، والعجيب أنه رغم هذا الوضوح تراه يقول بأن القرآن لا ينفي التوحيد الإيماني عن المسيحيين[75]، وحيث يعتقد أن الإنجيل والتوراة لم تحرف باللفظ بل حرفت بالمعنى[76]، وحيث يعتقد أن الخلافات بيننا وبين الأديان الأخرى هي عقدنا وذاتياتنا[77] رغم أن القرآن الكريم كان واضحاً في قوله: (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا ليهود)، وقد اعتبر أن لا مشكلة بين المسلمين مع المسيحيين في شأن اعتبار المسيح هو تجسيد للإله.[78] ولم ينفع النص القرآني التالي في تراجعه عن قوله هذا : (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم).[79]

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فيلحظ على هذه المقولة[80] أنها تعطي أصلي البراءة من أعداء الله والتولي لأوليائه تعميماً يتسع لما يجعل المفهوم متماهيا إلى الدرجة التي تفرغه من محتواه بشكل تام، فالكل حسب نظرية فضل الله حينما يعمل فإنما يعمل بناء على ما يعتقده مقدساً، مما يجعل المعتقد نسبياً، وما دام أن معتقدي عن الإيمان ورجالاته وأعداءه غدا نسبيا، فلا معنى لخصيصة التولي والتبرؤ لأنهم مصيبون فيما يعتقدونه، وإن أخطأوا إصابة الواقع، ولذا لا يجوز لي رجمهم ولعنهم إن اعتقدوا خلاف المعتقد، فلربما كان معاوية مثلا محقا في عقيدته في وقفه بوجه الإمام أمير المؤمنين (عليهم السلام)، وإن أخطأ التقدير، وبالنتيجة فليس عليّ أن اوجه له إصبع الاتهام والبراءة فلقد تأوّل وأخطأ!! وعلى ذلك فقس حتى إذا ما انتهيت تعال على الإسلام نبكي ونلطم!!.

ومن جهة ثالثة فلا بد أن تجد التشيع يتحول من الصورة الأصلية للدين، والتعبير الصادق عمّا جاء به الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) إلى مجرد وجهة نظر قد يصيب الشيعة فيما يفهمونه من كتاب الله ورسوله، وقد يخطؤون والعكس صحيح أيضا بالنسبة للسنة حيث يعتبر فضل الله التشيع مجرد فكر بشري حيث تراه يقول: لتكون المسألة السنية والشيعية مسألة مدرستين في فهم الإسلام[81].

 

رابعاً: الصعيد السياسي

وهنا تهدف هذه المقولة لتمرير الواقع السياسي الإسلامي، وتصحيح وتزكية ما جرى من أعمال خلال الصفحات الأولى لهذا الواقع، فلقد لحظنا فيما مر أنه من خلال مقولته عن المقدس وغيره في الإسلام يحاول أن يؤسس لفكرة تصويب عمل رجال السقيفة وكل التداعيات المترتبة عليها، فهم حتى لو قلنا بأنهم أخطأوا، فهم لا يستحقون منا أية براءة ولعن، فما حصل كان مجرد اختلاف، وهي وجهة نظرهم في مقابل وجهة نظر أهل البيت (عليهم السلام)، والكل يحاول أن يقدم فهمه عن الإسلام، بل لربما تجده يدعونا لأن نحذوا حذوهم حيث يقول: علينا أن نمارس خلافنا في الرأي كما مارسه الأولون، فقد مارسوه فيما لم يكن الاختلاف مضرة للإسلام، حتى سارت المسيرة الإسلامية في طريقها المستقيم.[82]

ولعمري لا ينقضي عجب المرء وهو يفتش عن كنه هذه الاستقامة فهل كانت غصب الإمامة؟ أم حرق بيت الصديقة الزهراء (عليها السلام) وإسقاط المحسن (عليه السلام)؟ أم أخذ الإمام(صلوات الله عليه) من تلابيبه؟ أم اشتراك الثلاثة في جلدهم للبتول الطاهر (بأبي وأمي)؟ أم غصبهم لفدك؟ أم حربهم لأمير المؤمنين (عليه السلام)؟ أم تقطيعهم لكبد الحسن (عليهم السلام)؟ أم قتل الحسين (عليه السلام)؟ أم؟ أم؟ ..

ومن هذه النظرية ينهل القائلون بحاكمية بيعة الأمة على ولاية الإمام، التي طرحت مؤخرا من بعضهم، ويمكن تلمس آثارها من قول فضل الله عن بيعة الغدير بأن النبي: أراد للتجربة أن تتحرك،[83] فإن لم تعط الأمة بيعتها للإمام، فلا ولاية له عليها من الناحية الشرعية!!.

على أي حال فهذا جانب من التداعيات الطائفية والتشريعية والعقائدية والسياسية التي أشرنا إليها بعجل كي نشير إلى حقيقة من حقائق الانحراف، فإن قالوا بأنهم لا يعلمون إن لهذه الأفكار هذه الخطورة من التداعيات، فهذا ضلال! وإن كانوا يعرفون حقيقة ما تكلموا به فهو إضلال!!.


مصدر ثبات الإمامة

بعد أن ناقشنا المبنى الفلسفي في عد داعية الانحراف الإمامة من المتحولات، وأوضحنا أن هذا المبنى لا يستند لأي معيار فكري إسلامي، نأتي هنا لنبين إن الإمامة ـ كفكرة ـ لم تكن من الأمور التي اختلف المسلمون بشأنها، بل هي ثابتة من ثوابت الإسلام باعتراف الجميع، وسنتابع هنا أولا مصادر ثبات الإمامة على المستوى الفلسفي والتشريعي، ثم نعقّب ولو بإيجاز لنرى ثباتها عند المسلمين جميعاً لنفنّد مزاعم الانحراف بشأن عدم ثباته لدى المسلمين.

وتعترضنا في البداية ملاحظة مهمة أثناء محاولة الخوض في تفاصيل ثبات الإمامة، وهي ملاحظة منهجية لمن أراد اعتماد منهج هذا الرجل، وهي ما نلحظه في إن فضل الله قد أطلق الحديث عن عدم ثبات الإمامة، من دون أن يقيده بشيء، مما يعني أن مسالة الإمامة بمعناها العام هي مورد عدم الثبات في التفكير الإسلامي، لا معناها الخاص لدى الإمامية فحسب، وهذا ما يجعلنا نثير التساؤل حول ما إذا كان هذا الرجل يعتبر القرآن في الأساس مصدرا من مصادر الثبات التشريعي والعقيدي أم لا؟.

حيث نلحظ أن الإمامة كمفهوم عام قد تم طرحها في القرآن بشكل واضح لا يتناقض فيه اثنان، كما نلحظ ذلك في قوله تعال: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين)[84].

وكذا قوله تعالى: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين)[85] .

وكذا قوله تعالى: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين)[86].

وأيضا قوله تبارك اسمه: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون)[87].

ففي مجموع هذه الآيات نلحظ أن القرآن الكريم لم يكتف بالإشارة إلى المصطلح فحسب، وإنما قام باستعراض بعض مواصفات الإمامة فهي جعل من الله، وهي معصومة، ومن صفات الأئمة المعلنة الصبر واليقين والعبادة المحضة ولم يكتف بهذه فحسب، بل وحدد جملة من المهام للأئمة، فهم يقومون بعملية الهداية الربانية، وهم ممن يوحى إليه فعل الخير وإقام الصلاة، وحينما يقومون بذلك فبتكليف خاص من الله نتيجة لصبرهم يختلف عن بقية التكاليف الموجهة لبقية البشر، وهذه بمجموعها حقائق غير قابلة للجدل والنقاش بين جميع فرق المسلمين، وكانت من الواجب على فضل الله ضمن مبناه الذي تحدث به في مقالة (الأصالة والتجديد) أن يضع الإمامة في خانة الثوابت لا أن يضعها في خانة المتحولات!.

أما إذا قصد بوضعها ضمن المتحولات اختلاف المسلمين حول تفاصيلها، فمن باب أولى أن يأتي بجميع ما وضع في الثوابت ليضعه في المتحولات كالتوحيد النبوة والمعاد وغير ذلك من مسائل التشريع، فليس من واحدة من هذه الأمور بثابتة في جميع تفاصيلها لدى المسلمين بل حتى في اتباع المذهب الواحد! وما من مهرب بعد ذلك أمام فضل الله إلا الإذعان إلى ما وقع فيه من خلل منهجي!.

وأيا كان الوضع فنحن نعتقد إن الإمامة هي من الحقائق الثابتة في الفكر الإسلامي، سواء أخذت بمعناها العام، أم تناولناها بمعناها الخاص.

فإذا ما كنا نعتقد أن القرآن الكريم معجزة البلاغة وانه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لقوله تعالى: (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)[88] وأنه لا يحوي على أي تناقض كما أوضح الله سبحانه بقوله: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا)[89] فمن اللازم أن نعتقد أن تعميمات القرآن تفضي إلى خصوصياته، والعكس صحيح أيضا حيث تؤدي خصوصياته إلى عمومياته، وهذه من لوازم عملية الهدى التي أنزل القرآن الكريم كي يكون إطارها الروحي والفكري، وما دام إن القرآن قد طرح شيئا من هذا وشيئا من ذلك، فلا بد وأن نخوض في عبابه كي نستدل على حقيقة الأمر منه.

وبعد ذلك فلا يمكننا أن نمر على الآيات القرآنية التي تحدثت عن الإمامة مرور الكرام، وهنا ستستوقفنا الآية الكريمة: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين)[90] لتطرح عدة من مشخصات خط الإمامة، حيث نلحظ هنا أن مقامها الرباني ارفع من النبوة،[91] فالجعل الإلهي الذي تتحدث عنه الآية لم يتم إلا بعد أن أكمل إبراهيم النبوة المشار إليها بالكلمات في الآية الكريمة.

ويمكننا تلمس الفارق الكامن بين الدورين، من خلال ملاحظة الفارق بين قوله تعالى: (بكلمات) وبين قوله: (عهدي) فالكلمات هي إبلاغ من الله لأنبيائه ورسله بأوامر محددة وتوجيهات مباشرة منه، أما العهد فهو التكليف بعمل والتوصية به، ومعلوم أن الذي يكلف بعمل ما، لا بد من أن يحرز أن المكلَّف قادر على درء التكليف ولا معنى لتكليف من لا قدرة له على إدارة مناط التكليف، مما يعني أنه يمنح من القدرات والصلاحيات ما تجعله مؤهلا لإدارة مهام التكليف وحيث أن عمله منحصر في الدوائر الثلاث: الوجود الكوني و الوجود المرتبط بعالم التكليف (الإنس والجن) والتشريع بعنوانه المنظم للعلاقة ما بين الدائرتين، وبينهما وبين الله، فلا بد من أن تكون له الولاية والقدرة الكافية في هذه الدوائر كي تمكّنه من إدارة أوامر الهداية الإلهية بحذافيرها، وهذا الفهم للعهد تؤكده الآيات الكريمة: (ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل)[92] وكذا قوله: (وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون)[93] فهذه الآيات في حديثها توجه النظر إلى ما عهد عند موسى (عليه السلام) بحيث أنه يتمتع بالقدرة الإعجازية على رفع العذاب عنهم.

وكيفما يكن من أمر، فلازم الآية الكريمة العديد من الأمور أهمها:

أولا: أن يكون الإمام مشخصا من قبل الله جل وعلا، فهو مصدر الجعل في هذا الشأن، ولم يترك ذلك للناس لسبب بسيط أن الإمامة المنظورة هنا هي أكبر من طاقات وقدرات الناس بل حتى الأنبياء والأولياء منهم كما يتضح من قوله تعالى: (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما)[94]وهذا ما يلجؤنا إلى القول بأن لا إمامة من دون نص إلهي مسبق.

ثانياًَ: إن هذا الإمام ينبغي أن يكون معصوما، وهذا ما يدل عليه تحريم الله هذا المقام والعهد للظالمين (قال لا ينال عهدي الظالمين)، وقد قرّب أحد الأعلام الاستدلال على العصمة من خلال هذه الآية بالقول على ما ينقله العلامة الطباطبائي (قدس سره) عنه: إن الناس بحسب القسمة العقلية على أربعة أقسام: من كان ظالماً في جميع عمره، ومن لم يكن ظالماً في جميع عمره، ومن هو ظالم في أول عمره دون آخر، ومن هو بالعكس، وهذا وإبراهيم (عليه السلام) أجلّ شأنا، من أن يسال الإمامة للقسم الأول والرابع من ذريته، فبقي قسمان وقد نفى الله أحدهما، وهو الذي يكون ظالماً في أول عمره دون آخر، فبقي الآخر، وهو الذي يكون غير ظالم في جميع عمره.[95]

ثالثاً: إن دور الإمامة يبقى إلى أمد الدهر، إذ ترينا جملة: (لا ينال عهدي الظالمين) أن هذا العهد يبقى أمد الدهر، لما يلحظ من تقدم فعل المضارعة هنا (ينال) عليه، والذي يفيد الحال والاستئناف المستقبلي.

رابعاً: أن يكون الإمام في كل الأحقاب الزمنية مشخصا فلا معنى للنص على إمامة من دون إمام، ولا دور للإمام من دون أن يلزم الشارع المقدس بالتبعية له، ولا تبعية من دون تشخيص الإمام.

ولقد أشرنا فيما سبق أن صورة العهد الإلهي تقتضي أن يكون المعهود إليه بالهداية متمتعا بقدرات استثنائية تتيح له التعامل مع دوائر عمله الثلاث، وهي كما قلنا: الوجود الكوني، والوجود المرتبط بعالم التكليف بشقي عالم التكليف وأعني الإنس والجن، والتشريع باعتباره المنظم للعلاقة بين الوجودين وبينهما مع الله، ولو حللنا حالة هذه العوالم بدقة فسنجد أنها بحاجة إلى خمسة مقامات من الهداية، ومع هذه المقامات يمكننا تلمس وجود ستة أنماط من الإمامة وهذه الأنماط هي:

أولا: إمامة التشريع، إذ لا يعقل أن يعهد الله للإمام بعهد هداية الناس وهو لا يمثل المحور الأول في جهة معرفة التشريع من جهتيه، أي من جهة التعرف على حكم الله الواقعي في جميع الأمور، مما يستدعي أن يكون له علما استثنائيا في كل ما يتصل بعملية الهداية، فالإمام الذي يمارس عملية الهداية بالصورة التي حددها القرآن لا بد وأن يكون له علم بقدرها أو بأكثر منها.

ومن جهة الموضوعات الخارجية التي يمكن أن يكون لها مساس بأي مفردة من مفردات الهداية، وهاتان الجهتان هما مورد وجود ما نصطلح عليه بـ (علم الإمام).

ثانيا: إمامة السياسة، وهي وإن كانت تابعة لما سبقها، إلا إن طبيعتها الخاصة، وتعقيدها الشديد ألجأنا لإفرادها بشكل مستقل.

ثالثاً: إمامة الوجدان، فقضايا الحب والبغض والولاء والتبرؤ وأمثالها، بسبب اتصالها الشديد بأهواء النفس ولمقدرتها الشديدة على التفاعل مع البواعث الإرادية، فلا بد لعملية الهداية الإلهية أن تنصب إماما من شأنه أن يكون هو محور إمامة الوجدان والهداية له بحيث يكون هو معيار الحب والبغض والتولي والتبرؤ.

رابعاً: الإمامة الشاهدة فطبيعة الحجة الإلهية البالغة تتطلب أن يكون هناك شاهد على العباد من أنفسهم، يشهد لهم فيما عملوه، ويشهد عليهم فيما اقترفوه واجترحوه من أعمال، ويكون هو الشاهد على الخلق بإمكانية تطبيق الشرعة الإلهية، من خلال التزاماته الجادة بكل مقتضيات التكامل والكمال.[96]

خامساً: إمامة الوجود، فهذا الوجود الذي سخره الله لعباده بقوله تعالى: (ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة)[97].

وكذا قوله تعالى: (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)[98] وعملية التسخير هذه تحتاج ـ كما في طبيعة الحجة القرآنية ـ إلى شاهد عليها من البشر حتى يتعرف على حجمها وما فيها من أسرار، وكما حصل الأمر مع إبراهيم: (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين) والرؤية وحدها لا تكفي، بل لا بد من أن يكون مؤتمنا عليها وفق ما تصوره آية الأمانة: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا)[99] وهذا ما يستلزم لازمين:

أولهما: احتياج الوجود الكوني إلى من يتحمل مسؤوليته أمام الله.

وثانيهما: أن يكون هذا المؤتمن معصوما مبتعداً عن الظلم والجهل.

وعليه فإن هذا لوجود برمته يتطلب وجود حجة وإمام عليه، مما يجعل وجود الإمام بمثابة العلة لوجوده، والمسبب له، وهذا مفاد الحديث الشريف المتواتر في معناه ولفظه كما في الصحيحة التي يرويها الثمالي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): تبقى الأرض بغير إمام؟ قال: لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت.[100]

ومن الطبيعي أن وجودا كهذا سيكون وجودا ذا قدرة وتحكم في مجمل المجال الكوني.[101]

سادساً: إمامة الآخرة وهذا النمط مترتب على بقية الأنماط، فحيث رأينا وجود إمامة التشريع والسياسة والحكم وإمامة الوجدان حيث أحكام الحلال والحرام والتي بموجبها يكون الموقف من الجنة والنار وحيث إمامة الوجود والشهادة وما تستدعيه من أداء الأمانة بعد ختم سجلات الدنيا وطي صحفها، كان لا بد من وجود نمط سادس من أنماط الإمامة وهو إمامة الآخرة حيث يكون جزاؤها (عقابا أو حسابا) مرتبطا بطبيعة الموقف من تلك الأنماط.

ومن خلال متابعة وملاحقة آيات القرآن الكريم نجد أن هذه الأنماط قد تم التحدث عنها بشكل مسهب في القرآن الكريم وهو ما سنطلع عليه فيما يأتي من حديث إن شاء الله تعال، ولو شئنا الاختصار في ذلك قلنا: إن ما من فعل تام ذكر في القرآن قد تمّ التحدث عن أفعل التفضيل له بصورة ظاهرة أو مضمرة، وحيث أن أفعل التفضيل هذا له حدان سالب وموجب، بمعنى أن ما من صفة إلا ولزم افتراض وجود صورتها الجمالية الكاملة التي لا شوب فيها، والعكس صحيح أيضا، فالتقوى ـ مثلاً ـ التي تحدث عنها القرآن لأفعل تفضيلها إما أن نراه مضمراً موجبا بعنوان الأتقى، أو ظاهرا سالبا بعنوان الأخسرين كما تحدث عنهم القرآن: (قل هل ننبأكم بالأخسرين أعمالا . الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا)[102] ومثلما افترض وجود أئمة للكفر (فقاتلوا أئمة الكفر)[103] فإنه تحدث عن أئمة الإيمان (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين)[104] ولربما نجد أن هذا السبب هو الذي جعل الصحابي الجليل عبد الله بن عباس يجزم في الحديث المتواتر عنه بأن الله لم ينزل آية: (يا أيها الذين آمنوا) إلا وعلي رأسها وقائدها وشريفها وأميرها.[105]

وكيفما يكن فإن هذا كله يدلنا بوضوح على أن ثمة مقامات تعرض القرآن الكريم للحديث عنها، لا يمكن أن تفي النبوة والرسالة وحدها بمستلزماته، فعلى أقل التقادير لا يمكن مع وجود النبوة الخاتمة أن نجد من يحتل هذه المقامات بعد وفاة أو قتل الرسول (صلى الله عليه وآله) لا أقل في جملة من مهمات الرسالة وتوابعها، فقوله تعالى: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيرا)[106] مثلا حينما يطرح النبي الشاهد لا بد من أن نتساءل عن سبب الشهادة، وهل هي خاصة بعهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) دون غيره، هنا سوف لا نجد القرآن يقف مكتوف اليد تجاه مسألة كهذه، بل سنراه يوضح بقوله تعالى: (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا)[107] أنها مطلوبة في كل الأزمان،[108] فإن كانت الشهادة ضرورة رسالية في زمن الرسول الأعظم، فما من شك أن هذه الضرورة لا تنتفي بمجرد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله)، وحيث أن الشهادة عملية عيان وجودي، الأمر الذي يعني إن الحاجة إلى ضرورة وجود امتداد لهذا الأمر تبقى ملحة بنفس إلحاح وجود النبي الشاهد.

ولو قلنا بضرورة الشاهد بعد النبي (صلى الله عليه وآله) والذي تعبر عنه الآية الكريمة: (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد)، فسيحتاج حتما إلى أمور عدة لا غنى عنها فسيحتاج إلى علم خاص يمكنه من الشهادة على كل شيء يتعلق بمهمته الرسالية، وطبيعة الشهادة الرسالية وخصوصية ذلك العلم يعطيه ملكة القدرة على ما يشهد عليه، أضف إلى ذلك أن شهادة كهذه وعلم كهذا يفرض أن يكون صاحبه معصوماً، وهذه الأمور الثلاثة تتطلب ممن يهب العصمة والعلم والشهادة أن ينص على من وهب له هذا الأمر، فتأمل!.

ولو أخذنا الآية الشريفة: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)[109] فهي الأخرى تدلنا على ما نحن بصدده، فالامتداد هنا واضح، ولكن طبيعة الهداية التي تنسجم مع أن تكون حجة الله بالغة بصورة لا تجعل لعباده أي مجال للتذرع، تفترض أن يكون الهادي مشخصا من قبل نفس جهة الهداية ربا كان أو رسولا، بمعنى أن يكون هناك نص عليه، وأن يكون هاديا يقضي بأن يكون مطاعا، من قبل نفس الجهة التي أمرت بطاعة الرسول لإنذاره، وحيث إن الأمر بالطاعة يستلزم أن يكون المطاع مستحقا لها، فلا بد عندئذ من أن يكون معصوما، [110] وهذا ما يجرّنا إلى ما نحن بصدده، وهي استلزام الامتداد في جهة الهداية لما بعد الرسول.

وتطرح سورة القدر الأمر بوضوح من بعد آخر، ففي قوله جل وعلا: (تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر)[111] وما نرى من دور لفعل المضارعة في الآية المناظرة لها: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين . فيها يفرق كل أمر حكيم)[112] وكذا قوله: (تنزل) يدل على أن هذا التنزل من قبل الملائكة والروح يكون في كل عام، من دون أن يتخصص بزمن الرسول (صلى الله عليه وآله) دون غيره من الأزمان.

ولو جارينا العامة ومعهم فضل الله[113] في القول بأن الملائكة تتنزل بالأرزاق والآجال، فما بال الروح قد نزل معهم؟ فالروح إن كان جبرائيل (عليه السلام) حسب روايات العامة ومعهم فضل الله بالطبع، أو كان الروح ذلك المخلوق الذي تصفه روايات أهل البيت (عليهم السلام) بأنه أعظم خلقا من الملائكة،[114] وهو ما عليه جمهور مفسري الشيعة ومحدثيهم وتؤيده الآية الكريمة: (ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن انذروا)[115] أيا كان ذلك فهو أمر متعلق الوحي الإلهي.[116]

ولو قدّر أن الأمر الذي جاءت به الملائكة متعلق بالأرزاق والآجال، فعلى ما ذا جاء هذا الروح معهم واختصاصه هو الوحي؟ وماذا يفعل في ساحة انقطع عنها الوحي الإلهي ـ حسب منطوق فكر أهل العامة ـ؟.

وما من تفسير يمكن وصفه بالدقة لهذا التنزل السنوي للروح إلا من خلال الإذعان لنظرية وجود امتداد رسالي للنبوة هو الإمامة، ودون إثبات نفيه خرط القتاد!! فلا تغفل.

من كل ذلك يمكننا أن نستخلص أن مفهوم الإمامة ضمن الخطوط العامة له والتي لا دخل لها في الصراع الفكري بين مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وما سواهم، هو مفهوم قرآني بحت، وله من الثبات ما للنبوة والتوحيد من الثبات، ولا يوجد أي وجه لوصفه بالمتحول، فنصه القرآني له حضوره الشاخص، والمفهوم الذي يدل عليه هو الآخر له حضوره المتميز مثله مثل أي أمر أولاه القرآن أهمية خاصة.

 وهذا الأمر ـ ثبات الإمامة ـ لا ينفرد فيه الشيعة فقط، بل هو من مسلمات الفكر العقائدي السني أيضا على ما يتضح لنا من خلال شهادات أرباب مذاهبهم فقد قال ابن حزم الأندلسي الظاهري ما يلي: اتفق جميع أهل السنة وجميع المرجئة وجميع المعتزلة وجميع الشيعة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة، وإن الأمة فرض واجب عليها الانقياد لإمام عادل يقيم فيهم أحكام الله، ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول الله (صلى الله عليه وآله( حاشا النجدات[117] من الخوارج فإنهم قالوا: لا يلزم الناس فرض الإمامة، وإنما عليهم أن يتعاطوا الحق بينهم، ـ إلى أن قال: ـ وقول هذه الفرقة ساقط يكفي من الرد عليه وإبطاله إجماع كل من ذكرنا على بطلانه، والقرآن والسنة قد وردا بإيجاب الإمام، ومن ذلك قول الله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) مع أحاديث كثيرة صحاح في طاعة الأمة وإيجاب الإمامة.. إلى آخر أقواله في هذا المجال.[118]

وقال عبد القاهر البغدادي: إنه لا بد للمسلمين من إمام ينفذ أحكامهم، ويقيم حدودهم ويغزي جيوشهم، ويزوج الأيامى، ويقسم الفيء بينهم.. إلى أن يقول: وقد وردت الشريعة بأحكام لا يتولاها إلا إمام، أو حاكم من قبله.[119]

وقال أبو حامد الغزالي في معرض استدلاله على وجوب الإمام: البرهان عليه أن نظام الدين لا يحصل إلا بنظام الدنيا، ونظام الدنيا لا يحصل إلا بإمام مطاع.. إلى أن يقول: فبان أن السلطان ضروري في نظام الدنيا، ونظام الدنيا ضروري في نظام الدين، ونظام الدين ضروري في الفوز بسعادة الآخرة، وهو مقصود الأنبياء قطعا، فكان وجوب نصوب الإمام من ضروريات الشرع الذي لا سبيل إلى تركه فاعلم ذلك.[120]

وقال الرازي: اتفقت الأمة إلا شذاذا منهم على وجوب الإمامة والقائلون بوجوبها منهم من أوجبها عقلا، ومنهم من أوجبها سمعا، أما الموجبون عقلا فمنهم من أوجبها على الله تعالى، ومنهم من أوجبها على الخلق.. إلى آخر ما قال.[121]

وقال التفتازاني مستدلا على وجوب الإمامة: لنا على الوجوب وجه: الأول:وهو العمدة إجماع الصحابة. الثاني: إن الشارع أمر بإقامة الحدود، وسد الثغور، وتجهيز الجيوش للجهاد، وكثير من الأمور المتعلقة بحفظ النظام، وحماية بيضة الإسلام، ولا يتم إلا بإمام، وما لا يتم الواجب مطلقا إلا به وكان مقدورا فهو واجب. الثالث: إن في نصب الإمام منافع لا تحصى، واستدفاع مضار لا يخفى، وكل ما كان كذلك فهو واجب، أما الصغرى فيكاد يلحق بالضروريات، بل المشاهدات، ويعد في العيان الذي لا يحتاج إلى البيان، ولذا اشتهر أن ما يزع في السلطان أكثر مما يزع في القرآن، وما يلتئم باللسان لا ينتظم بالبرهان.. إلى آخر كلامه في هذا المجال.[122]

وقد تحدث الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية والولاية الدينية عن وجوب الإمامة وتحدث بشكل مفصل عن وظائفها ضمن منظوره على أصعدة الدين والسياسية والمجتمع.[123]

وفي موضع آخر قال: فليس دين زال سلطانه إلا بدّلت أحكامه، وطمست أعلامه، وكان لكل زعيم بدعة، وكل عصر فيه وهية أثر، وكما أن السلطان إن لم يكن على دين تجتمع به القلوب حتى يرى أهله الطاعة فيه فرضا، والتناصر عليه حتما لم يكن للسلطان فيه لبث، ولا لأيامه صفو، وكان سلطان قصر أو مفسد دهر.

ومن هذين الوجهين وجب إقامة إمام يكون سلطان الوقت وزعيم الأمة، فيكون الدين محروسا بسلطانه، والسلطان جارياً على سنن الدين وأحكامه.[124]

ويقول ابن تيمية الحنبلي: يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لحراسة الدين من رأس.[125]

وعلى نفس المنوال تحدث القاضي الباقلاني في كتابه التمهيد في الرد على الملحدة والمعطلة والرافضة والخوارج والمعتزلة.[126]

وكذا الموقف كان موقف الفضل بن روزبهان حيث يعقد على وجود الإمام جملة من المهام كحفظ الحوزة، والعلم بالرياسة وطرق التعيش مع الرعية وحماية للذمار وهي مما لا يمكن أن تقوم الحياة من دونه.[127]

وحذا باتجاهه بنفس الطريقة ابن خلدون في مقدمته المعروفة وقال عن الإمامة: وإذ قد بينا حقيقة هذا النص وأنه نيابة عن صاحب الشريعة في حفظ الدين وسياسة الدنيا به تسمى خلافة وإمامة والقائم به خليفة وإماما إلى أن قال: ثم إن نصب الإمام واجب قد عرف وجوبه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين.[128]

وقال الإيجي عضد الدين في المواقف مع شارحه الشريف الجرجاني: إنا نعلم علماً يقارب الضرورة أن مقصود الشارع فيما شرع في المعاملات والمناكحات والجهاد والحدود والمقاصات وإظهار شعار الشرع في الأعياد والجمعات إنما هو مصالح عائدة إلى الخلق معاشا ومعادا وذلك المقصود لا يتم إلا بإمام يكون من قبل الشارع يرجعون إليه فيما يعنّ لهم.. الخ.[129]

وبعد ذلك فليس أدل على ذلك من إن كل الكتب الحديثية كالصحاح والمسانيد والفقهية الخاصة بأهل العامة قد حوت أحاديث عن الإمامة ومتعلقاتها، وضمن كتبها الرئيسية الحديثية والفقهية تجد كتاب الإمارة الذي يبحث في شأن الإمامة على صعد السياسة والدين والمجتمع وقد رأيت أن من عرضنا له من المتكلمين هم علية القوم من علماء والفرق، وفهم من له ناصبية واضحة ومعلنة ضد مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) كعبد القاهر البغدادي وابن حزم وابن تيمية وابن روزبهان وغيرهم.

نعم الفرق بين المبحثين وتفاصيل الإمامة بين الفريقين مما لا يخفى، وهذا بطبيعة الحال لا يخص الإمامة فحسب، بل هو يشمل التوحيد والنبوة والمعاد وكذا كل ما ذكره فضل الله بعنوانه من الثوابت، ولكن هذا الفرق وإن كان بينا جدا، غير أنه لا يقدح في التسالم ما بين الطرفين على كون الإمامة ضرورة دينية، وحتى لو بحثها البعض من وجهة نظر دنيوية، فتبقى في نفس إطار الضرورة الدينية، لما في الارتباط الوثيق واللصيق بين الدين والدنيا في مجالات الإمامة.

ولا أعتقد أن لفضل الله القدرة من الناحية المنهجية ـ ولو من وجهة نظر منهاجه ـ على الجواب عن السبب الذي أدى به إلى أن يجعل الإمامة من جملة المتحولات وعزلها عن الثوابت رغم ما قد علمت من ثبات شأنها في النصوص القطعية التي لا مجال للشك فيها، فيما وضع التوحيد والنبوة والمعاد في جملة الثوابت وفيها من النقاش والتفاصيل المختلف بشأنها مثلها مثل الإمامة!.

ومن الحق أن نتساءل عن السبب في هذا التفريق رغم اتحاد المشكلة بين الاثنين أي بين من سمّاه بالثوابت وبين من سماه بالمتحول، فهما مما اتفق الجميع على ضرورتهما الدينية رغم اختلاف الجميع في اغلب التفاصيل؟.

ولربما نجد السبب يكمن في نفس الأمر الذي جعله يعتبر ذكر الشهادة الثالثة في الأذان ـ وهي المستحبة والخارجة عن الصلاة ـ تسبب بمفاسد كثيرة،[130] لأنه لا يجد أي مصلحة شرعية في إدخال أي عنصر جديد في الصلاة في مقدماتها وأفعالها.[131] فيما لا يجد مثل هذه المفسدة في حالات التكتف[132]، وهي البدعة التي أوجدها عمر، ولا في قول آمنين وهي الأخرى في داخل الصلاة وضمن ركن من أركانها وهي أيضا بدعة من مبتدعات عمر، فالأولى وإن تحدث عن إبطالها للصلاة إن قصد بها الجزئية، غير انه عاد ليقول: وإن كان الأقوى عدم البطلان بذلك في فرض عدم قصد الجزئية وانتفاء التشريع، خصوصا إذا قصد به الخضوع والخشوع لله[133]، ولا ريب عدم البطلان لو فعل ذلك سهواً أو تقية.

أما قول آمين بعد قراءة الحمد فهو مبطل للصلاة على الأحوط، لكنه كالعادة عاد ليقول: وإن كان للصحة وجه وجيه،[134] لا سيما إذا قصد بها الدعاء.[135] ثم ليذكر في مكان آخر بأنه لا يبطل الصلاة.[136]

مع العلم أنها داخلة ضمن ركن من أركان الصلاة، وقول آمين يجعل قول: (اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين)[137] بمثابة الدعاء بما يبطل القراءة، في الوقت الذي نعلم فيه أن المطلوب هنا هو قراءة الفاتحة بعنوانها قرآنا، وليس بمعناها دعاءاً، وعلى ذلك فقس، وإن عشت أراك الدهر عجباً!.

يبقى علينا أن نقول إننا تعمدنا ترك الحديث عن الجانب العقلي في ثبات الإمامة، حتى لا يقال أن هذا تفكير بشري لا يحمل عنصر ثبات النص!!.


ضرورة الإمامة

نحاول  في هذا المبحث أن نتلمس الأدلة القرآنية على اعتبار الإمامة ضرورة من ضرورات الرسالة الاسلامية، بمعزل عن الاسقاطات الطائفية في هذه المجال، وسنعالج ذلك من خلال العثور على المباني القرآنية لما تحدثنا عنه من قبل وقلنا بأن ثمة ستة مقامات للإمامة قد افترضنا وجودها في القرآن، وأعني بذلك الإمامة الشاهدة، وإمامة التشريع، وإمامة الوجدان، وإمامة السياسة والحكم، وإمامة الوجود، وإمامة الآخرة، ونحاول تطبيق هذه المقامات على تلك المواصفات التي دلّتنا عليها الاية الكريمة : (قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) وأعني بها ضرورة النص وعصمة المنصوص عليه، وامتداد الإمامة وعدم توقفها عند محطة الخاتمية النبوية، وتشخيص جهة المنصوص عليه.

فإن تطابقت هذه مع تلك بمجموعها فمن الواجب الرضوخ لمتطلباتها، خاصة وان افتراض تطابق كل واحدة من هذه المقامات الستة، مع كل واحدة من المواصفات الأربع، لن تكون بأي شكل من الأشكال نتاج حالة اعتباطية أو لمجرد الاحتمال، فهذا التوافق والتطابق لا بد وأن يحكي تكاملا في المنظومة التي تضمهم جميعاً، والقول ببعضها دون البعض الآخر يمثل صدعا فيها وتشويها لها.[138]

وقبل أن نلج في عباب الموضوع، لا بد وأن أعرض لواحدة من أساسيات المنهج الذي نعتمده في هذا الكتاب، وهو أننا هنا لسنا في صدد الحديث عن إمامة أهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين) وهو ما نعتقد أنه حق الدين والإيمان، وخلافه خروج عن دائرة الإيمان، ولكن ما يهمنا هنا هو محاولة تسليط الضوء على المفهوم القرآني للإمامة، بمعزل عن هوية الإمام الشخصية، وإن كنا تعمدنا التوقف عند هويته المفهومية، وقد تركنا كل ذلك لكتابنا: (الإمامة بحث في الضرورة والمهام).

وسبب ذلك يعود إلى أننا نرغب في قطع القارئ الكريم عن المسبقات والمسلمات الطائفية، ونحاول إبعاده عن اسقاطات واقع التأريخ السياسي والديني والمذهبي وتداعياتها، حيث نعتقد أن هذه الاسقاطات تلك التداعيات هي التي حجرت على قطاع كبير من المسلمين أن يقفوا من مسالة الإمامة موقفهم اللامبالي، وهو الذي أودى بالنتيجة إلى ما ألفناه في الواقع السياسي من سيطرة الأطر غير الإسلامية على هذا الواقع بحجة خلو النظام الإسلامي من الترابط الواقعي بين مسألتي الشرعية والسلطة واللتان يعتبرن من ركائز أي واقع سياسي يعتمد أسس الثبات الشرعي وتنظيم العلاقة الطبيعية بين الحاكم والمحكوم وبين الإمام والمأموم.

إن ما نريد فعله هنا هو تحرير العقلية من المسبقات التي يمكن لها أن تكبّلها فتمنعها من رؤية الحقيقية المجردة بمعزل عن ما خلّفته التراكمات التاريخية وسبل تبرير الواقع السياسي والديني الذي هيمن على التأريخ الإسلامي، وقد كان لهذه التراكمات أكبر الأثر في إيجاد حشد هائل من النصوص والنصوص المضادة حيث لعبت المصالح السياسية والمذهبية لتستخدم السذاجة الشعبية والممتزجة بالبراءة في الكثير من الأحيان، والجهل المقنّع برداء الحرص على التراث في إبعاد العقل الإسلامي عن أن يشقّ طريقه بتجرد سعياً وراء الحقيقة.

وقد ساهمت ردة الفعل الشيعية، وأوضاع الصراعات المذهبية، وواقع العنت السياسي والطائفي والثقافي المسلّط على التشيع من الأطر السياسية والفكرية التي حكمت أوضاع التأريخ السياسي والفكري في أن تبتعد بعض منتديات علم الكلام الإمامي عن تسليط الضوء على مفهوم القرآن عن الإمامة إلى الانهماك في بحث الفاضل والمفضول، وموقع الواحد من الثلاثة، على الرغم من اعتراف هذا الجمع بأن الإمام لا يمكن أن يقاس به أي واحد من أفراد البشر، وبالتالي فأين مقايسة أمير المؤمنين (عليه السلام) من أي أحد من أفراد البشر فيما خلا الرسول وأهل بيته الأطهار (صلوات الله على أنوارهم الزاكيات)؟.

ولكن بطبيعة الحال ليس هذه الأبحاث مما يخلو من فائدة، بل على العكس فإنها أسهمت بشكل جدي في تنمية وعي معين بالنسبة للإمامة، ولكن هذا لا يمكن مقايسته بما لو تم العمل على كشف المفهوم القرآني عن الإمامة، ومن ثم ليجعل المسلم قبالة أحكام القرآن القطعية التي من شأنها أن تعرّي حقيقة كل واقع التاريخ السياسي والفكري الإسلامي، بصورة تجعل أي مقايسة للإمام بغيره من أبطال ذلك الواقع وصنعته بمثابة إهانة كبرى تلحق بالإسلام ورجاله الأمناء على أسراره والحفظة على كتاب (صلوات الله عليهم أجمعين).

 


إمامة التشريع

تشير الآية الكريمة: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب)[139] إلى حقيقة أن هذا الكتاب لا يكفي بمفرده ليعالج مشكلة هداية الناس وسوقهم نحو الطاعة لله، وذلك لأنه يحوي محكمات ومتشابهات، وهذه المتشابهات مرتبطة بتلك المحكمات،  غير أن إرجاع كل آية إلى موضعها ضمن تعقيدات الحياة المختلفة عملية تنطوي على مخاطر متعددة، فالذي يريد القيام بهذه العملية إما أن يقع أسيرا لأهواء نفسه في رغبته للتخلص من الخطر أو رغبتها في الاستزادة من الدنيا، فيضع النص القرآني بدوره أسيرا لمراميه ومآربه (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة) فيفتن الناس ويضلهم سعيا وراء طموحاته وأهدافه المتحركة من أهواء النفس وزيغ الشيطان، وذلك وفق ما صورته الآية الكريمة: (يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم)[140].

وإما أن يكون جاداً في وصوله لتأويل هذه المتشابهات، ولكن لطبيعة أن هذا الكتاب قد أرسل من قبل الجهة الربانية، وعلمه مختص بمن توليه هذه الجهة أسراره بحيث يكون هذا العلم إما متساوياً مع ما في الكتاب من علم أو أكثر منه، لاستحالة أن يكون أقل منه باعتبار أن فاقد الشيء لا يعطيه، لذا فلا يمكن تصور أن بمقدور أي إنسان شاء أن يستطيع سبر أغوار هذا الكتاب (وابتغاء تأويله) فيضلّ الناس عن بلوغ مرامي الكتاب حتى لو رغب صادقا في تأويل الكتاب، فتأويله سيأتي بمقدرة عقل مهما قلنا فيه فسيبقى ناقصا، وكيف يمكن لناقص أن يفسر كاملا؟.

وفي كلا الحالتين نرى الجهد البشري يتخلف عن الوصول إلى حقائق هذا الكتاب لخصوصياته التي جعلت فهمه الكامل والشامل منحصرة في جهة خاصة هي التي عبّرت عنها الآية الكريمة بدقة وحزم: ( وما يعلم تأويله إلا الراسخون في العلم).

ومعها فإن ثمة تساؤلات طبيعية ستفرض نفسها عن هذه الجهة التي سميت بـ (الراسخون في العلم) هوية وطبيعة، ومقدار ما نالته من العلم؟ وطبيعة هذا العلم هل هو كسبي.. وبالتالي يمكن الوصول إليه؟.

أم هو نمط آخر من العلم الذي لا يناله إلا من اصطفاه الله لعلمه واجتباه لحفظ أسرار كتابه؟ خصوصا إذا ما لاحظنا أن بعض آيات الكتاب الكريم كانت قد تحدثت عن طبيعة غير عادية بالنسبة لهذا الكتاب، وأولته إمكانات هي في أدنى حدودها الطبيعية فوق ما يسمى بعالم الطبيعة كما في قوله جل من قائل: (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا)[141].

أو في قوله تعالى اسمه: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون)[142].

إن مقتضى الإطلاق في مفردة الراسخين في العلم تستدعي أن يكون هذا العلم علماً شمولياً في كتاب وصف بأن فيه تبيان كل شيء[143]، ومثل هذا العلم لا يتصور الكسب فيه، وإنما يحتاج إلى القابلية التي تجعل حامله ذا قدرة على حمله، ومثل هذه القابلية لها اتجاهان، فمرة قابلية جهة العلم الأصلية على العطاء، وبكلمة أخرى هل أن الله يمنح هذا العلم أو لا؟ وما من شك هنا في أن الله الذي وصف نفسه بصاحب الرحمة التي وسعت كل شيء له قابلية المنح، يبقى السؤال عن وجود القابل الإنساني لتحمل مثل هذا العلم الذي يترفع على أهواء النفس وأمراضه من جهة، ويستعصي على طالبي التأويل لمجرد طلبهم، وقد أشار القرآن الكريم لوجود الجهة التي جملت هذا العلم، والتي عبّر عنها بجهة (الراسخين في العلم) حيث لا يمكن تصور أن الله جل شأنه يتحدث عن جهة لا وجود لها.

ومن كل ذلك يتبين لنا في المرحلة الأولى إن هذا العلم قد منح إلى جهة إنسانية، وان الممنوح لا بد وأن يتمتع بمواصفات خاصة تجعله بعيدا عن زيغ القلوب وأهواء النفس، وطبيعته العلمية تنأى به عن الجهل وعدم الحكمة في التعاطي مع مسائل هذا العلم ويكون ارتباطه مع هذا العلم ارتباط الراسخ مع المرسوخ بحيث لا ينفك أحدهما عن الآخر.

مبدئيا لا يمكن التخلي عن حقيقة أن الرسول الأعظم (ص) هو أحد هؤلاء الراسخين في هذا العلم والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: هل أن ما أعطي للرسول (ص) لم يعط غيره؟.

إن افتراض أن هذا العلم أعطي لجهة الهداية بأطرافها الثلاثة الإنذار والتبشير والشهادة، يستدعي القول بأن طبيعة المهمة التي أنيطت بعاتق الرسول (ص) يفترض أنه لم يكن الوحيد في هذا المجال لأسباب عدة أذكر منها اثنين فقط:

الأول: إن الله الكريم في جوده، والوهاب في رحمته حينما ينزل بالعلم على عباده، فمن أجل الرحمة بهم وسوقهم نحو مكامن الهداية، ولكي يتم حجته على عباده، وهذا مقتضى أن يكون صاحب الحجة البالغة (قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين)[144] وأمر كهذا لا يتوقف على حياة رسول الله (ص) بل يمتد حتما إلى ما سواه حتى يتحقق المراد الإلهي، وهذا هو مفاد روايات شريفة متعددة كما في صحيحة الفضيل بن يسار حيث روى عن الإمام الباقر (ع) قوله: (إن العلم الذي نزل مع آدم لم يرفع، وما مات عالم فذهب علمه وإن العلم ليتوارث، إن الأرض لا تبقى بغير عالم).[145]

الثاني: إن الحياة العملية تثبت أن الرسول الأكرم (ص) لم يكن متفرغا لإلقاء الصورة الظاهرية لهذا العلم، فضلا عن صورته الحقيقة، ومضامينه التفصيلية، وصيغه التطبيقية بل إن ما عاشه من حروب وأزمات سياسية، وطبيعة العقلية الاجتماعية المهيمنة، والمستوى الروحي الذي كان يتمتع به المجتمع الذي كان يعايشه لم تمكّنه من إبلاغ هذا العلم إلى المسلمين بالطرق العادية، ولم تكن الحالة العقلية للمسلمين بالدرجة التي تسمح للرسول (ص) بمجرد الاطمئنان لما حصل من تقدم علمي فضلا عن تكاملهم العملي.

وليس أدل على ذلك من اتفاق جمهور المسلمين على أن المجتمع الذي عايش الرسول (ص) لم يكن قادرا على تشخيص الكثير من بديهيات التشريع كما في اختلافهم في مقدار التكبيرات المطلوبة للصلاة على الميت أثناء الصلاة على الرسول (ص) فلقد أخرج  الطحاوي عن إبراهيم قوله:  (قبض رسول الله والناس مختلفين في التكبير على الجنازة لا تشاء أن تسمع رجلا يقول: سمعت رسول الله يكبر سبعا، والآخر يقول: سمعت رسول يكبر خمساً، وآخر يقول: سمعت رسول الله يكبر أربعاً.[146]

بل أكثر من ذلك فسنراها تمتد إلى بديهيات العقيدة والحياة، فنحن إذا ما حملنا قولة عمر حينما تناهى إليه خبر وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على ظاهرها وأخرجناها من حيثياتها السياسية حيث قال: من للمدائن والروم.. إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليس بميت حتى نفتحهما ولو مات لانتظرناه كما انتظرت بنو إسرائيل موسى.[147]

هذا بالرغم من إن الرسول (ص) سبق له وأن أراهم كيفية الصلاة على الميت عمليا من خلال مئات المرات التي صلى بها على موتاهم!!، وخاطبه مرارا وتكرارا بأنه ميت وإنهم يموتون، وقرآنه لهج بذلك بغير مرة فقال جلت قدرته: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين)[148]وقال أيضا: (إنك ميت وإنهم ميتون)[149].

إزاء هذه الصورة العجيبة كيف يمكن تصور مصداقية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يترك رسالته لأمة كهذه؟ في وقت كان يصف فيه رسالته بأنها جاءت رحمة لكل العالمين لقوله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)[150] ولا يمكن التخلص من ذلك إلا من خلال الركون إلى حقيقة أن البديل لا بد وان يمثل الامتداد الكامل لدور الرسول (ص) مما يجعل مسالة وجوب أن يكون هناك شريك لرسول الله (ص) في الرسوخ بهذا العلم أمرا لا مندوحة عنه!!.

وبلحاظ أن هذا العلم هو كمال كله، فلا يفترض أن العقل البشري[151] بقادر على الإحاطة بهن، بل يلزمه عقل يستطيع أن ينوء بجميعه أو بما هو أكثر منه، وافتراض أن يكون العقل دون ذلك يفضي إلى أن إبلاغ الحجة الإلهية سيكون ناقصا لنقص علم المبلّغ بها، وهذا ما يتنافى مع مبدأ (الحجة البالغة)، فكيف؟ والحال أن مرمى هذا العلم أن يتوصل به الإنسان إلى عبادة اليقين لقوله تعالى: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)؟[152].

ومن خلال ملاحظة أن من وصف بالرسوخ في العلم هنا قد أطلق القرآن علمه بالتأويل، مما يعني أنه لا يخضع لمعايير الفتنة النابعة من القلوب المريضة والزائفة، ولا يخضع لمعايير الجهل التي تبعد بالتأويل عن مرماه الحقيقي، هذا ناهيك عن أن علم هكذا كنهه لا يمكن أن يتخلف العمل بمقتضاه عنه، مما يعني أن هذه الجهة معصومة حتماً.

وإن كان الأمر كذلك، فلا بد وان نلقى صدى الامتداد الذي لا يقف عند رسول الله (ص) فحسب في بقية الآيات القرآنية، ولربما تأتي الآية القرآنية الكريمة: (وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)[153] لتكشف عن هذه الحقيقة بجلاء ووضوح، ففعل الأمر هنا (فاسألوا) لا يتعلق بزمان دون غيره  بل هو يمتد إلى كل الأزمان، ويخص جميع الأقوام، وهو مبدأ عقلي أيضا.

وأياً كانت التفاسير،[154] فلا بد من وجود جهة غير الرسول (ص) تجمّع لديها كل ذلك الذكر والعلم بحيث أصبحت أهلاً له ومعروفة به، وبالتالي فإن جهة العلم أصبحت متعددة لا تختص بالرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) فقط، وإنما لديها من العلم ما للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا الأمر من البداهة بمكان، وذلك لأن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما منح هذا العلم ففي إحدى أسبابه فمن أجل أداء مهام هذه الرسالة وتحقيق أهدافها، وحيث إن من المسلم أنه لم يتمكن من إنجاز جميع المهمة، لذا كان من اللازم أن يمنح هذا العلم لمن سيلي من بعده في المهمة التي أوكلت إليه.

وبعد أن أبان النص القرآني لنا وجود إمامة للتشريع والعلم وصفت بالرسوخ فيه، وبعد أن أبان لنا في أن هذه الإمامة لا بد وأن تكون معصومة، وبعد أن اظهر وجود الامتداد لما بعد الرسول (ص)، نجد أننا لو ساءلنا هذا النص المبارك عما إذا كان هناك نص محدد في جهة هذا العلم، فجميع المواصفات قد لحظناها، ولا يعقل أن يترك الله الأمر غائما من دون تشخيص، لا سيما وإننا نحتاج النص والتشخيص في أمري العصمة، فالمعصوم لا يدل عليه إلا معصوم أو من هو فوقه، ولا يعقل أن يدل على العصمة من لا فقه له بطوايا القلوب وخباياها. والعلم الإلهي لا يدل عليه إلا من له علمه الكامل به، أو من صدر العلم منه.

ومن حسن كمال النص القرآني الذي وصف وفق ما تصوره الآية الكريمة: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا)[155] إننا لا نعدم فيه إشارة كهذه وهو ما يتمثل بقوله تعالى: (ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب)[156].

هذا وقد أجمعت رواية أهل البيت (عليهم السلام) والكثير من مفسري العامة على أن من عنده علم الكتاب هو علي (عليه السلام) وما يمثله من بعده من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)،[157] ومن بين هذه الروايات اكتفي بذكر صحيحة علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير؛ ومحمد بن يحيى، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عمّن ذكره، عن ابن أبي عمير جميعا، عن ابن أذينة، عن بريد بن معاوية قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) قال: إيانا عنى، وعلي أولنا وأفضلنا وخيرنا بعد النبي (ص).[158]

ورغم أن تفاسير أهل العامة ومن بينها تفسير فضل الله[159] يشير إلى أنهم علماء أهل الكتاب، غير أن التدقيق العلمي والتاريخي يحبط هذه الأقوال، ولو تناسينا شأن المواصفات التي جعلها الله لمن يوليه علمه ويحتفظ عنده بسرّه، والتي نلحظ شدة تركيزها على العصمة، فلا أدل على زيف هذه القول من أن الله الذي وصف علماء أهل الكتاب بما وصفهم فيه من تلاعب بالكلم وتحريفه عن مواضعه وأكل أموال الناس بالباطل والصد عن سبيل الله وحرب الرسول (ص) والمؤمنين، كيف يمكن أن يضع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو في قمة تحديثه للكافرين في مثل هذا الإحراج ليجعل الشهادة على صحة الرسالة متعلقة بأناس لم يؤمنوا بنفس الرسالة؟‍ فلا تغفل.

ولو تجاوزنا عن ذلك، وقبلنا أن يكون الرسول قد استنجد بعبد الله بن سلام وأضرابه من علماء الكتاب ممن وصفهم فضل الله بأنهم المعنيون بهذه الآية[160] فماذا نفعل بفعل المضارعة في أول الآية: (ويقول)؟ والذي يدل على أن هذا التحدي مستمر إلى آخر ما يدل عليه فعل المضارعة من امتداد في المستقبل، وحيث أن التحدي مستمر، فإن استمرار شهادة الشاهد تبقى بلا شك, فهل نستعين بعلماء أهل الكتاب في وقتنا المعاصر؟ لكي يدلّونا على صحة الرسالة؟!. ونفس الأمر نجده في الآية الكريمة (وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون).[161] فأهل الذكر يتطابقون مقاماً مع من عنده علم الكتاب، ومع من وصفوا بالراسخين في العلم، وفعل الأمر هنا له من الدلالة على الاستمرار المستقبلي بنفس الدلالة التي رأيناها في كلمة: (يقول) في الآية السابقة، وهي على أي حال تدل بنفس الدلالات السابقة على نفس المضامين والمواصفات المتعلقة بمن عنتهم الآية الكريمة بأهل الذكر من حيث ضرورة وجود تشخيص لهذه الجهة وما يتعلق بذلك من ملازمة وهو ضرورة وجود النص، وكذا ضرورة العصمة، وقابلية الامتداد، وحيث تدل روايات أهل البيت (عليهم السلام) على اختصاصها بهم، تجد إلى النقيض من ذلك تيار التحريفية المعاصر يتخندق في موقف مضاد ليماشي بالنتيجة أهل العامة فيما يفكرون به من اختصاص أهل الذكر بعلماء أهل الكتاب[162]. وفداه روحي حينما يشخّص الإمام الباقر (عليه السلام) النتيجة العملية لاعتبار أهل الذكر متعلقة بأهل الكتاب حينما يقول وفق صحيحة محمد بن مسلم قال: قلت له: إن من عندنا يزعمون إن قول الله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) إنهم اليهود والنصارى. قال: إذا يدعونهم إلى دينهم، ثم أشار بيده إلى صدره وقال: نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون.[163]

وهي كما ترى في حكمها العام تستلزم الرجوع الدائم لأهل الذكر الذين هم أعلى درجات العلم الخاص بالذكر الإلهي، مما يرجعنا إلى نفس ما قلناه سابقا، فالأمر الإلهي بالرجوع يستدعي من جهة أن يكون المرجوع إليه عالماً بكمال الذكر، ومن جهة إطلاق الرجوع يستدعي أن يكون هذا العالم معصوماً، لأن هذا العلم يكشف عنه العمل، ولا يمكن إلا للمعصوم أن يفي بالتزامات علم كهذا، واستمرارية لأمر الإلهي تستدعي الامتداد، وحالات كهذه لا بد من وجود تشخيص للجهة من الناحية المفهومية والمصداقية معاً.

وهذه الأمور بمجموعها تكشف لنا ما يلي:

أولا: أن القرآن شخّص وجود إمامة خاصة للعلم والتشريع بحيث أنه يعدها المرجعية الوحيدة التي يرجع إليها في مسائل العلم والتشريع.

ثانيا: إن هذا التشخيص في الدور أعقبه تشخيص في المواصفات فقال بعصمة هذه الإمامة، وبالتالي عصمة من يلي أمرها، ثم أعقب القول بالعصمة بقول آخر يتعلق بضرورة الامتداد إلى آخر الزمن.

ثالثا: إن هذه التشخيصات المفهومية تستوجب التشخيص المصداقي، ونجد في آيات عديدة كما في آية الراسخين، وآية من عنده علم الكتاب، وآية أهل الذكر أنها وصلت المفاهيم بالمصاديق بشكل دقيق لا يخفى على عاقل حر.


 

إمامة السياسة والحكم

 

العلاقات بين الناس في داخل الأمة الواحدة، وبين هذه الأمة وسائر الأمم، وإدارة العلاقة بين المجتمع وبين الطبيعة بكل ما منح الله فيها من موارد وخيرات، لها أشد الارتباط بمسار الحركة الربانية الهادية، فعلى أعتابها تكمن محاور الطواغيت والمترفين والظلمة وأعوانهم والباغين في الأرض فساداً، ومحرفي الأديان الإلهية وتجارها، ومنها تنطلق حرمة الكفر والشرك والظلم والفساد بكل أنواعه، ومنها تمتلئ الأرض بالمظلومين والمستضعفين والمخرجين من ديارهم ظلماً، ومنها تنطلق حركة قتلة الأنبياء الأولياء والمؤمنين، وبسببها يسلط بلاء الجوع، ونقص الأموال والأنفس والثمرات، ومنها تستحيي النساء وتيتم الأولاد، وتعلن الحروب وتسام الأمم ألوان العذاب.

ولا يعقل أن القرآن الذي طرح كل هذه المشاكل باعتبارها عقبات رئيسية ومحورية أمام مسار حركة الإيمان وتركها من دون أن يضع لها الحل الناجع، لأن ذلك خلاف تكامل مسار الهداية، وخلاف رحمة الإرسال المشخصة بقوله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).

إن هذه المسائل بمجموعها والتي تنطوي خطوطها العامة تحت إطار مسألة الحكم والسياسة، تتطلب بطبيعة الحال إمامة خاصة بها، لا سيما وإننا قد رأينا أن الرسول الكريم (ص) قد أمر بالكثير من الأوامر المتعلقة في هذه المجال كما في قوله تعالى: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم ورئس المصير)[164].

وكما في قوله: (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطغوا في دينكم فقاتلو أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون)[165].

وكما في قوله : (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)[166].

قوله تعالى: (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيرا)[167].

وكذا قوله: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير . الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز . الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور)[168].

وكذا قوله تعالى: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا)[169] وغير ذلك المئات من الآيات القرآنية التي اتصلت بمسائل السياسة الحكم وشؤونهما.

وحيث لا يعقل أن الرسول (ص) الذي تحدث كتابه المقدس بكل هذه الأمور وهو لا يخطط للأمور التي ستعقب وجوده الحياتي، لا سيما وانه قد أخبر من قبل القرآن بالأوضاع غير الطبيعية التي ستعقب حياته الشريفة: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين)[170].

ولهذا نقول بأن من المفروض أن نجد في القرآن دلالة واضحة على وجود إدامة لهذا الخط الذي سار عليه رسول الله (ص) ولا سيما وأن الرسول (ص) لم يستطع أن يحقق المهام التي وضعها نصب عينيه، فهذه المدينة التي كانت معقلا للرسول (ص) كانت تحوي من أصناف المنافقين وأعداء الرسالة بالصورة التي تصوّر فيه سورة التوبة[171]  ـ وهي السورة التي نزلت في جملة أواخر السور القرآنية ـ بعضا من أصنافهم كما في قوله تعالى: (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتنني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين)[172].

وكذا قوله: (ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون)[173].

وكذا قوله: (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم)[174].

وكذا قوله: (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين. فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون)[175].

وقوله أيضا: (فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون)[176].

هذه صورة من جملة كثيرة من الصور التي قدمها القرآن في هذه السورة وغيرها عن طبيعة المجتمع الذي كان يحيى فيه رسول الله (ص) فقط، هذا ناهيك عما يحيط بهذا المجتمع من مشاريع استعدائية مستقبلية ظاهرة، فمن جهة هناك أحقاد قريش ومجاميع الطلقاء، ومن جهة هناك أحقاد اليهود وضغائنهم، ومن جهة ثالثة ما تمثله الدعوة المحمدية من خطر للروم والفرس والأقباط، وهو الخطر الذي قرع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بنفسه نواقيسه من خلال معركتي مؤتة وتبوك.

وعليه فمن الحري بالقرآن الذي يخطط لهداية ربانية شاملة تمتد لآخر الزمن، أن يبين لنا موقفا واضحا في مسائل الحكم والسياسة وحسم مسالة العلاقة الجدلية بين الشرعية والسلطة والتي تعد واحدة من أكثر المسائل إثارة للحروب والفتن، ونظراً لأن مسألة الشرعية في السلطة من الأمور التي تحتاج إلى وضوح كامل، لان أي غبش في صورة الشرعية يمكن أن يفتح شارع الحروب الأهلية والانقلابات السياسية وضعضعة أمن المجتمع والفرد، ومن وراء ذلك كله أسوء صور الدمار والتفكك الاجتماعي وشرذمة وتفتيت الصف الواحد، لهذا لا بد من أن يكون تشخيص المرجعية السياسية التي يتحدد عبرها إطار الشرعية[177] بشكل حاسم ودقيق، لأن أي تهاون في هذه الدقة يمكن له أن يفضي إلى عواقب وخيمة لا أقلها أنه قد يدخل المجتمع في أتون أزمات سياسية وأمنية وفكرية خانقة، وحسم كهذا يستوجب أن يلتزم بالمقاييس والمواصفات الأربع التي رأيناها في الإمامة وأعني بها النص والعصمة والتشخيص والامتداد.

ولعل الآية الكريمة: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا)[178] تفتتح شأن الهداية الربانية في هذا المجال، فعبر هذه الآية نجد أن شأن الطاعة المطروحة هنا إنما هو شأن إمامة كاملة المواصفات بعد الرسول (ص)، وذلك لأن الطاعة التي أوليت هنا لأولي الأمر لا يمكن تفسيرها بشكل منطقي ومتكامل بمعزل عن التنصيب الإلهي لمن وصف بولاية الأمر، حيث لا يمكن تصور أن الله يقرن طاعته وطاعة رسوله (صلى الله عليه وآله( بطاعة ولاة الأمر من دون أن يكون له عناية خاصة بهذا المقام ضمن نسق حرمة الهداية الربانية، وهذه العناية لا يمكن إتمامها من دون تشخيص مواصفات هذا المقام, ومن دون تحديد طبيعة علاقته بجهتي الهداية وأعني بذلك الله والناس، ومن دون حسم طبيعة موضعه من جهتي رسالة الهداية وأعني بذلك الرسول (صلى الله عليه وآله) وكتابه، الأمر الذي يضفي بعداً جديداً على أبعاد المواصفات التي شخّصت في إمامة التشريع، وهو أن يكون الإمام في هذا المجال هو نفسه في مجال التشريع، حيث يلحظ اتحادا في الدور والهدف، ولا يمكن تصور وجود إمامين في زمان ومكان واحد.

وما يؤكد هذا المعنى أن القرآن صريح في هذه الآية في تشخيص عصمة من وصفهم بولاة الأمر، فلا يعقل أن يطلب الله طاعة جهة إلا وهي معصومة، لأن خلاف ذلك سيؤدي إلى تناقض الأمر الإلهي، فهو من جهة يطلب طاعة ولاة الأمر على أي حال، وحينما يكون ولي الأمر خالياً من العصمة فلا بد من وقوعه في الخطأ، ولكن هذا الوقوع في الخطأ لا يلغي الأمر الإلهي بطاعته مطلقاً، ومما يعني التزامنا بطاعته في الخطأ، وهذا ما يستلزم تناقض الأمر الإلهي، وهذا مستحيل.

وقد التفت الفخر الرازي إلى هذه الحقيقة فقال: إن الله تعالى أمر بطاعة (أولي الأمر) على سبيل الجزم في هذه الآية، ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لا بد وأن يكون معصوما عن الخطأ، إذ لو لم يكن معصوما عن الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته، فيكون ذلك أمرا بفعل ذلك الخطأ، والخطأ لكونه خطأ منهي عنه، فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد وإنه محال. فثبت أن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم، وثبت أن كل ما أمر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوما عن الخطأ، فثبت قطعا أن أولي الأمر المذكور في هذه الآية لا بد وان يكون معصوماً.[179]

وحين يكون ولي الأمر معصوما فلا بد من ورود نص فيه، ولذلك لأن العصمة لا تشخصها إلا الجهة التي تهب العصمة، أو من هي في مقام العصمة بحيث تصلح شهادتها بوجود العصمة، وبغير ذلك لا يمكن تشخيص العصمة لأن المقامات الرفيعة والسامية لا يمكن تشخيصها من قبل من لم يصل لمقام الرفعة والسمو، وفق القاعدة العقلية: (فاقد الشيء لا يعطيه).

وكذلك لا بد من تعرّف الناس على هذا المعصوم، حيث أن مقام العصمة إنما وجد فلأسباب عديدة منها حاجة الناس إلى المعصوم، ولا يمكن قضاء هذه الحاجة والناس لا تعرف موضعها.

وما من شك أن هذا التشخيص لا بد وأن نجد صداه في مشخصات الولاية في القرآن، ولهذا نعتقد أن الآية الكريمة: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) تقدم دلالات  جوهرية على هذا الصعيد، فالولاية المتحدّث عنها في هذه الآية تتفق في مؤدياتها العامة مع نفس المؤديات التي تتوقف على الطاعة التي تحدثت عنها الآية السابقة، فالطاعة لا تمنح إلا لمن له الولاية على المطاع، ولا يمكن تصوّر من لا حق له في الولاية على شيء يُعطى حق الطاعة والتبعية من ذلك الشيء إليه، ولهذا فإن هذه الآية الكريمة تعتبر دلالاتها حاسمة في مجال تشخيص مصاديق الآية السالفة، لا سيما وإننا نلمس اتفاقها مع الآية السابقة في التطابق مع المواصفات الأربع التي قلنا أنها ضرورية في تشخيص الإمامة، فمثلما رأينا أن البارئ عز اسمه أوقف الطاعة في الآية الأولى على المعصوم، فإننا لا يمكننا أن نتصور منحه ولايته إلا لمن اتسم بالعصمة، حتى لا تساء الاستفادة منها إن منحت لغير المعصوم.

ومثلما لاحظنا في آية أولي الأمر كيف يتحدد نسق الامتداد من طاعة الله إلى طاعة الرسول ومن بعده إلى ولي الأمر، نجد هنا في آية الولاية تتابع نفس النسق، ومثلما رأينا الحدية في تنظيم آلية الطاعة في الآية الأولى نرى نفس الآلية تقرر في مجال الولاية، ومثلما لاحظنا أن الجهة المأمورة في آية الطاعة تتخذ كمالها في صيغة انتمائها إلى حزب الله، نلحظ آية الولاية تعطينا نفس الصورة حينما تتحدث عن نفس الجهة (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون)[180] مما يؤكد أن جهة الطاعة والولاية هما جهة واحدة، وحيث أنه لا يمكن طاعة جهة لم تشخص بشكل دقيق من قبل المولى عز وجل، كذلك لا يمكن للموالي التسليم لولاية جهة لم يتم تشخيصها من قبل صاحب الولاية الأصلي تبارك اسمه.

ولهذا فإننا إذ نجد كل هذا التطابق فلا بد من أن تكون كل واحدة من هاتين الآيتين كاشفة لما في الآية الأخرى.

وعليه فلا يمكننا ولا بأي شكل من الأشكال تصور سبب نزول الآية الثاني منعزلا عن تشخيص العامل الحاسم في الآيتين وأعني بذلك تشخيص من نص عليه في شان الولاية السياسية، خاصة وأن آية: (إنما وليكم) تتحدث عن الولاية بشكل مطلق فيما تقيده آية: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) في شأن السياسة والحكم ومتعلقاتهما.

هذا وقد اتفق المسلمون على أن مورد نزول آية (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) كان أمير المؤمنين (عليهم السلام) في القصة المعروفة بتصدقه بالخاتم أثناء الصلاة.[181]

ومهما تمحّل القوم من أهل العامة في تفسير وجود أمير المؤمنين (عليهم السلام) في هذه الآية،[182] إلا أن من الواضح أن القرآن لم يأت على ذكر أمير المؤمنين (عليهم السلام) اعتباطا، خصوصا في آية تتحدث عن قضية عظيمة كهذه، ولا يمكنهم بأي حال من الأحوال إن أرادوا الابتعاد عن التمحلات[183] والتخرصات ـ أن يفسروا دلالتها وما سبقها من آية الطاعة على العصمة، غير الرضوخ لمنطق أهل البيت (صلوات الله عليهم) في تخصيص الآية ومدلولها بهم (صلى الله عليهم أجمعين) وهذا هود مورد إجماع ما روي عنهم.

وبهذه الآية يكتمل عقد المواصفات المطلوبة للإمامة السياسية حيث رأينا كيف تجتمع صفات الامتداد والتشخيص والعصمة والنص في شخصية واحدة، وكيف تجتمع هذه الإمامة بشخصها مع من شخّص لإمامة التشريع.


الإمامة الشاهدة

الملاحظ في شأن الإمامتين الخاصة بالتشريع والسياسة أنهما تشملان مهمة الإنذار والتبشير التي جعلت من ضمن المهام الجوهرية لعملية الهداية الربانية، ومن يلاحظ حديث القرآن عن ذلك يجد أنه قرن مع هاتين المهمتين مهمة ثالثة حينما عبّر بقوله تعالى: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا)[184]. وكذا قوله: (إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا)[185]وحيث رأينا توافق إمامتي التشريع والسياسة مع مهمتي الإنذار والتبشير فهل سنعثر على شاهد قرآني يكمل عملية التوافق هذه ويمدّها إلى الإمامة الشاهدة؟.

وإن عثرنا على ذلك فهل ستكون هذه الإمامة بنفس المواصفات التي استعرضناها فيما سبق؟.

وإذا ما تطابقت هذه الأوصاف فهل ستتفق في نفس الشخص؟.

ضمن ما افترضناه سابقا فلا بد من العثور على ذلك بأجمعه، لا سيما وأن شأن الشهادة لا يمكن القول بأنه قد استوفى أغراضه أثناء حياة الرسول (ص)، ولا حاجة له فيما بعد ذلك، فلو: رجعنا للغايات الإلهية التي تقف وراء الشهادة والتي تشير إليها الآية القرآنية الكريمة: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيمة إنا كنا عن هذا غافلين)[186] لوجدنا أن طبيعة إلقاء الحجة الربانية كاملة على بني آدم لا تتوقف عند قوم دون آخرين، وإنما يجب سريانها على جميع الأقوام والأمم، وذلك لأن هذه الغاية رافقت البنية التكوينية لبني آدم، ولذا فإن من الطبيعي بمكان أن يتلازم بقاء الجنس البشري مع بقاء هذه الحجة، وإن انتفاء أحدهما يستلزم انتفاء الثاني لاستحالة أن يقال أن الإرادة الربانية إرادة عابثة في مخلوقاتها.

ولا اعتقد أن ثمة عسر في الوصول إلى تلازم آخر، وهو تلازم الشهادة مع وجود المعاينة، فليس من معنى للشهادة بمعزل عن أن يكون الشاهد معاينا لم سيشهد به، ومع هذا الحال يتبدى للوهلة الأولى أن ثمة تناقض بين هذا المفهوم، وبين مفاد الآيات التي أشارت إلى شاهدية الرسول، وقد أشير إلى هذه الشاهدية بمعنى مطلق، الأمر الذي يعني أن شهادة الرسول لا تتوقف عند زمانه فحسب، بل هي تمتد إلى ما بعد زمانه الشريف بالمصاف مع إنذاره وبشارته (ص).

ولا يمكن حل هذا التناقض ألا بالقول بأن الشهادة دور ومهمة، وهذه المهمة يمكن أن توكَلَ إلى وكيل هو كالأصيل في إتمام هذا الدور، نتيجة لتحقق خصائص ومواصفات الشهادة في شخصيته، وهذا ما يلتقي أيضا مع جملة من الآيات القرآنية التي أشارت إلى وجود شهادات سابقة لحياة الرسول (ص) كما في الآية الكريمة: (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا)[187] وكذا في قوله تعالى: (ويوم نبعث في كل أمة شهيداً عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء)[188] وهما يشيران وبوضوح إلى وجود شهادة لأنبياء ورسل وأوصيا الأمم، واعتبار الرسول (ص) الشاهد على هؤلاء جميعا، وحيث أن الرسول لم يكن حاضرا في حياة تلك الأمم، ولهذا لا يمكن فهم هذه الآيات إلا من خلال اعتبار شهادات الأنبياء (عليهم السلام) في طول شهادته (ص) أي هي شهادات وكلاء تتجمع لدى الوكيل الأصيل، وهذه الأخيرة ـ أي شهادته على الأمم السابقة ـ والتي تلتقي مع مفهوم كونه سيد الأنبياء والمرسلين، تستلزم أن يستمر دور الشهادة إلى الأمم اللاحقة لحياة الرسول (ص) فهو شاهد على جميع الأمم، وهذا ما يلتقي مع مفهوم نظرية النص الإلهي التي تعتمدها الإمامية[189]، والتي تعني استمرار دور شاهدية الرسول (ص) من خلال شهادة الأئمة (عليهم السلام) على مجتمعاتهم، ومن دون ذلك فإن الحديث عن استمرارية دور الرسول في الشهادة يغدو فارغا من محتواه، وذلك لاستلزامها لمواصفات لا يمكن أن توجد عند أحد غيرهم.[190]

ولو أردنا أن ندقق في شأن الشهادة وما تكتنف عليه طبيعتها لوجدنا أن الشهادة تحتاج إلى مواصفات أساسية : فالشاهد ينبغي أن يكون أعلم الموجودين بشأن ما يشهد به، وإذا كان مفاد الشهادة هو الرسالة، فلا بد إذن من أن يكون هو الأعلم بهذه الرسالة، سيما وأن بعض الآيات تتحدث عن تمكن الشاهد من الشهادة على بينات الله كما في قوله تعالى: (أفمن كان على بينة من أمره ويتلوه شاهد منه)[191] وهذا أمر لا يمكن حصوله إلا من خلال علم استثنائي، فالرسالة إن كانت تعبر عن العلم الإلهي في بعض صوره، فالشاهد على تبليغه يفترض أن يكون علمه في مصافه، وأن يكون كذلك فالواجب أن يكون تلقيه لهذا العلم من معدنه، أي أن يكون علمه الهي، ومن قبل الله، مما يعني أن تعلمه لن يكون من خلال الطرق التقليدية للتعليم، وهذا ما يجعل الشاهد استثنائيا في علمه أيضا، ولن يكون هذا الشخص بهذا المستوى إلا من خلال كونه شخصا قد اصطفاه الله لذلك، وخصه بذلك.

والشاهد لا بد وأن يكون عادلا في الإدلاء بشهادته بحيث أنه لا يكتمها مهما كانت الظروف، فلا بد وأن يكون معصوما، إذ لا معنى لتعلق مفهوم الحجية على حضور الشاهد في الوقت الذي لا تكون فيه عملية الإدلاء بالشهادة محسومة بشكل قطعي، ولا قطع في هذا المجال من دون العصمة.

ويتأكد كل ذلك من خلال التأمل الدقيق في مرامي الآية الكريمة التي تتحدث عن مواصفات الشاهد حيث قال جل وعلا: (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون . وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير)[192].

فما أشار إليه سبحانه وتعالى هنا إنما هو الصورة الفضلى لهذه الأعمال، فليس الركوع هنا أي ركوع، وليس السجود هنا أي سجود، وليست العبادة هنا آية عبادة، وإنما هي الصورة في بعدها المطلق، ومما لا شك فيه أن هذه الصورة لا يمكن تحققها، إلا من خلال العصمة.

على إن ملكة العدالة والعلم في هذا المجال لا تكفي وحدها، وإنما لا بد من أن يكون لدى الشاهد قابلية الشهادة من حيث الاستعداد لحمل عبئها من جهة، والإحاطة بساحات الشهادة وأدائها (أماكن وأزمان) من جهة أخرى، فهذا القرآن يحدثنا عن إن زمن الشهادة العامة لا يسمح لكل أحد بالقيام بها كما في قوله تعالى: (يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا)[193] وقول الصواب المطلق كما ترى يستلزم من الشخص أن يكون بمؤهلات عالية عند الله، بحيث يدعه يتكلم في يوم وصف بأوصاف رهيبة من جملتها ما وصفته الآية الكريمة: ( يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم . يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد)[194]، وهذه المواصفات أقلّها أن من لم يكن مطمئنا على نجاته يومئذ، فهو في شغل عن الشهادة على نفسه ولها، فضلا عن الشهادة على غيره وله، وهذا الأمر هو الآخر يدلنا مرة أخرى على ضرورة أن يكون الشاهد من أهل العصمة على الأقل،[195] بحيث أنه يقدر ـ نتيجة لاطمئنانه ـ أن يشهد حينما يدعى للشهادة.

على إن هذه الأهلية إن لم تلتزم بوجوب تمتّع الشاهد بمواصفات استثنائية خاصة، تصطدم بإمكانية الشهادة على الجوارح، وتصطدم أيضا بالشهادة على عوالم الجن، وهؤلاء يدخلون في مقتضياتها، لتحقق الطلب الإلهي منهم بالعبادة، مما يستلزم الثواب والعقاب، ومعهما يصبح وجود الشاهد عليهم واجبا، ولكونهم أمم أمثالنا، وكذا الشهادة على عالم الملائكة بما فيهم ملائكة الوحي، فضلا عن الملائكة الكاتبين، لأن الملائكة أمة من الأمم، وهذه تدخل في مفاد قوله تعالى: (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا).[196]

ومن خلال كل ذلك نكون قد تحققنا من ضرورية امتداد دور الشهادة من النبوة إلى الإمامة، ورأينا في إبلاء دور الشهادة إلى الإمام أحد الشواهد على عصمته، وما نحتاجه بعد ذلك وجود النص الذي يشخّص الدور ويشخّص الشاهد.

والآية الكريمة: (ويقول الذين كفروا لست مرسلاً قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب)[197] كما نعتقد أنها قد قدمت جميع الأجوبة المطلوبة في هذا المجال، فهي تشخص أولا ديمومة وجود الشاهد لرسول الله (ص) لكونها قد أطلقت الحديث عبر فعل المضارعة (ويقول)، ومعلوم انه لا يتوقف عند زمان القول بل يمتد إلى آخر الزمن بعد أن أطلق بهذه الصورة دونما أي تقييد، ثم تمنحه العصمة بعد كل هذه الثقة به والتي يمكن تلمسها من خلال كل هذا الجزم في عدم تخلفه عن الشهادة والمعبر عنه بكلمة: (قل كفى) حيث تم قرن شهادته مع شهادة الله سبحانه وتعالى، ومن ثم دللت على المستوى العلمي الكامل الذي بلغه هذا الشاهد والذي عبرت عنه الآية بالقول: (ومن عنده علم الكتاب) ليكون أولا دليلا على العصمة، وثانياً دليلاً على قدرته على الشهادة، وثالثاً دليلا على عدالته لثقة السماء بعدم تخلفه عن أداء الشهادة، ومن ثم ليتلاقى الجميع مع ما رأيناه من المواصفات التي أوليت لإمامة التشريع وإمامة السياسة والحكم.

ولا يبقى بعض كل هذا التشخيص للمواصفات إلا الإفصاح عن هوية هذا الذي عنده علم الكتاب.

وقد أبانت آية: (الذي عنده علم من الكتاب)[198] الإمكانية الفلسفية والعقلية على أن ينال الإنسان كل علم الكتاب، ولكن بعد التكامل المعنوي والروحي، ولهذا نعرف: إن من السخف بمكان أن يولى هذا الوصف المؤطر: بالذي (عنده علم الكتاب) إلى من لم تتكامل عنده جوانب الشخصية بالصورة التي توصله إلى دائرة العصمة المطلقة، ويسير في مقام التفاضل المعنوي بحيث يصل إلى موقعية أعلى بكثير من آصف بن برخيا كي يبلغ درجة التكامل بالصورة التي عنتها الآية الكريمة، ومع ذلك نعرف مدى التخبط الذي وقع فيه مفسرو أهل العامة ومعهم محمد حسين فضل الله[199] حينما خصّوا بها علماء أهل الكتاب من أمثال عبد الله بن سلام وتميم الداري وعبد الله بن صوريا وأمثالهما، في الوقت الذي نعرف أن لا أحد يدعي أنه وصل إلى درجة معتدة من الكمال فضلا عن تمامه.

وهذا وقد أجمعت رواية أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) على اختصاص الآية الكريمة بهم كما في الصحيحة التي يرويها سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن محمد بن عمرو، عن عبد الله بن الوليد السمان قال: قال الباقر (عليه السلام): يا عبد الله ما تقول في علي وموسى وعيسى؟ قلت: ما عسى أن أقول فيهم؟ قال: هو والله أعلم منهما، ثم قال: ألستم تقولون: إن لعلي ما لرسول الله من العلم؟ قلت: نعم، والناس ينكرون. قال: فخاصمهم فيه بقوله تعالى لموسى: (وكتبنا له في الألواح من كل شيء) فعلمنا أنه لم يكتب له الشيء كله! وقال لعيسى: (ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه) فعلمنا أنه لم يبين الأمر كله.

وقال لمحمد (ص) (وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء)[200]. قال: فسئل عن قوله: (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) قال: والله إيانا عنى، وعلي أولنا وأفضلنا وخيرنا بعد رسول الله (ص).[201]

وكذا في صحيحة علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الذي عنده علم الكتاب هو أمير المؤمنين (عليه السلام) وسئل عن الذي عنده علم من الكتاب أعلم؛ أم الذي عنده علم الكتاب؟ فقال: ما كان علم الذي عنده علم من الكتاب عند الذي عنده علم الكتاب إلا بقدر ما تأخذ البعوضة بجناحها من ماء البحر.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : ألا إن العلم الذي هبط به آدم من السماء إلى الأرض وجميع ما فضل به النبيون إلى خاتم النبيين في عترة خاتم النبيين.[202]

ولا نطيل الحديث في ذلك لكوننا تحدثنا في كل ما أحيط بهذا الموضوع من تشكيك أو تحريف ضمن مناقشة مفصلة في كتابنا من عنده علم الكتاب.

ولكن يبقى أن نشير إلى أننا لا نستغرب حينما نجد إن نفس مشخصات الإمامة على مستوى الدور وعلى مستوى المصداق قد اتفقت في المواضع الآنفة (التشريع، والسياسة، والشهادة).


 

إمامة الوجدان

يلعب الحب والبغض، والود والحقد، والقناعة والحسد وكافة صور العاطفة والوجدان دورا محوريا هاما في بلورة وصياغة شكل ومحتوى الحركة الإرادية للمخلوقات التي وضعت في دائرة التكليف، ولربما نجد في العديد من الأحيان أنها صاحبة الشان الأعلى في رسم اتجاهات هذه الإرادة، حيث تجدها تحتل موقعا أساسيا في تحديد اتجاهات الأنا، ومن ثم لتكون صاحبة الشأن المعلى في تحديد بواعث الإرادة واحباطاتها، وتكمن في مواقع أهواء النفس لتعطي للكثير من هذه الأهواء هويتها ومحتواها الحقيقي، وهي صاحبة النغمة الأخطر في سعي الشيطان الدؤوب لحرف مسارات هذه الإرادة عن الاتجاه الرباني، ولهذا فليس من المستغرب أن نجد القرآن يضع اللوم الأساسي على هذا الجانب من مكونات العباد، وهو يصور ثلاثا  من حركات الانحراف الكبرى التي ابتليت بها حركة الهداية الربانية، حيث نلمس دور هذا العامل الجوهري في انحراف إبليس (لع) بعد أن كان يرتع في العبادة مع الملائكة حيث لعبت الأنا دورها الرئيسي في نفسية إبليس، ومن ثم لتعكس صورة عصيانه وتكبره (لع)، كما أشار الله (تباركت أسماؤه) في قوله تعالى: ( ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم  فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين . قال ما منعك إلا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين)[203].

وكذا في قوله تعالى: (فسجد الملائكة كلهم أجمعون . إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين . قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي استكبرت أم كنت من العالين . قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين)[204]

ونرى نفس العامل يفضي محتواه في أول حركة عصيان وإجرام شهدتها الأرض من البشر والتي أشار إليها قوله تعالى: (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين . لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين . إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين . فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين)[205]

حيث نجد هنا عنصر الحسد يحرك بواعث الغضب ومن ثم ليحولها إلى حقد أعمى نراه يعبر عن نفسه في قصة قتل هابيل (عليه السلام) من قبل أخيه قابيل (لع).

ونفس العامل نجده يعبر عن نفسه في صورة أخرى تتمثل في تغلب العقد النفسية والأهواء على إيمان بلعم بن باعوراء الذي كان قد وصل به المقام إلى انه كان من المحظيين برحمة الله عليه حين أصبح يتمتع بآيات الله، وذلك بالصورة التي تصورها الآية الكريمة: (واتل عليهم تنبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين . ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل  عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون).[206]

ونفس ما نراه في الانحراف نراه في الإيمان من احتلال هذا العامل للدور الرئيسي في الدفع باتجاه الكمال المعنوي والروحي كما تصوره الآية الكريمة: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم)[207]، حيث نرى الصفات الصالحة قد ابتنيت على حب الله وجاذبية هذا الحب للعاشقين ليجسد نفسه في الصور التي عرضت لها الآية الكريمة.

وحين يكون للجانب الوجداني والعاطفي كل هذا الدور، فلا بد من أن تحسب عملية الهداية الربانية له حسابها الخاص المتناسب مع موقعه وتأثيراته على دور المكلفين تجاه مهام التكليف، بحيث تجعل جملة من الشواخص الاجتماعية لتلعب دور المحور القيادي الذي تستدل به العاطفة على درب الهدى ويشخص بدوره مسارات الضلال بانحيازها عن هذا المحور.

ولا يمكن القبول بوضع جملة من المعايير الخلقية والمناقبية وحدها لتلعب هذا الدور، وذلك لأسباب كثيرة منها أن المكلف من جن أو انس في مواطن الاستقطاب العاطفي والتحفز الوجداني قد لا يهتدي لمسارات العقل والحكمة فيعمد بفعله إلى مجانبة عقله، ولهذا يغدو وجود المحور الاجتماعي الذي لا يغيب عنه الكمال مهما علت حالة هذا الاستقطاب عنصرا أساسيا ضمن مجموعة العناصر التي ترجع بالإنسان إلى هداه، وتعيد إليه توازنه.

ومن ثم ليلعب هذا المحور الدور الذي من شأنه أن يعطي لتلك المسارات صورتها التجسيدية في الواقع الاجتماعي، من دون أن يفسح المجال لكي يتم التعتيم على تلك المسارات والسبل بدعوى مثاليتها وخياليتها وعدم واقعيتها.

وضمن هذا المجال نلحظ أن القرآن الكريم رسم اتجاهين يكمل أحدهما الآخر، كان أحدهما قد تولّى تحديد الإطار لإمامة الوجدان، فيما عمل الآخر على إثارة وجدان المكلف ودفعه للتمسك بهذا الإطار.

وفي الاتجاه الأول سار القرآن في البداية على مركزة الولاء لرسول الله (ص) فهو المطاع (قل اطبعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين)[208] وهو صاحب الولاية (إنما وليكم الله ورسوله) وهو مركز الشفاعة، وهو صاحب الوسيلة (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة)[209] وهو معدن الرحمة (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)[210] وهو الشاهد، والبشير، والنذير، وسبب دفع العذاب (وما كان الله ليعذّبهم وأنت فيهم)[211] وغير ذلك من الصفات والمناقب التي بطبيعتها تنشأ علقة عاطفية غير طبيعية حتى تبلغ بها المستوى الأعلى بحيث لا تكون معها أي عاطفة لأقرب المقربين إن ما حاد عن رسول الله (ص) كما نلحظ ذلك في تعبير الآية الكريمة: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيّدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله إلا إن حزب الله هم المفلحون)[212]

ولو دققنا في المحور الأخير من الآية (أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون) نجد أنها تسعى لبلورة هذه العاطفة ضمن إطار لا يتوقف عند الرسول (ص) فحسب، وإنما يمتد لكل ما من شأنه أن يتصل بالرسول، ليكون هذا المتصل من أركان حزب الله وفقا لطبيعة موقف رسول الله (ص) منه، ولهذا ليس من المستغرب أن نجد بعد هذا الطرح توسعة في تحديد الأطر القيادية لحزب الله حيث تعبر الآية الكريمة عن ذلك بالقول: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون . ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون).[213]

ومن هذه الآية تتبلور صورة الاتجاه الثاني، حيث نجد خطاً قرآنيا جديداً في المحورية الوجدانية وهذا المحور الذي يسميه القرآن هنا بجهة الذين آمنوا، سيصفه القرآن في موضع آخر بجهة القربى حيث يجعل مودتهم الصورة الأخرى لكمال الالتزام بالرسالة المحمدية، فبعد أن حدد الرسول (ص) خط هذا الالتزام في الآية القرآنية: (قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا)[214] نراه يعمل على وضع التجسيد الاجتماعي والمصداقي لهذا الخط بالصورة التي وصفتها الآية الكريمة: (ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور)[215]، أو بالصورة التي تعبير عنها آية المباهلة في وضع نفس الرسول (ص) وأمير المؤمنين (عليه السلام) في مصاف واحد (فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم)[216].

ولا يكتفي بذلك فحسب بل يعمل على تحشيد عدد كبير جدا من الآيات القرآنية لوصف مناقب جهة القربى كلا أو جزءا والتمجيد بها،[217] في مهمة تستهدف إعادة مركزة الوجدان من بعد رسول الله (ص) بهذه الجهة ولهذا طولبنا بالاقتداء بها (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا)[218] وما كانت لتسمى بالحسنة لولا أسباب منها الرغبة في الحث على التمسك بهذا المناقب والفضائل.[219]

ومن يراجع كتب أهل العامة المنصفة نسبيا, أو تلك المناصبة في عدائها لأهل البيت (عليهم السلام)، ومهما بلغت تبريراتها في التعسف والتمحل، فلن يجد غير حقيقة ناصعة واحدة، وهي أن أهل البيت (عليهم السلام) هم أصحاب القدح المعلى في تعداد الآيات النازلة بحقهم مدحا وتمجيدا وثناء.

أما لو اكتفيت بما ذكر في الكتب التي أنصفت الحق فلن تجد ثناء نزل على أحد بعد رسول الله (ص) كما نزل عليهم (صلوات الله عليهم أجمعين)، حتى لقد قال ابن عباس: ما في القرآن آية إلا وعلي رأسها وقائدها وشريفها وأميرها، ولقد عاتب الله أصحابه محمد (ص) في القرآن، وما ذكر علياً إلا بخير.[220]

ولو أضفنا إلى كل ذلك ما جاء على لسان القوم من حديث رسول الله (ص) بحق أمير المؤمنين (عليه السلام) فإن الحصيلة تكون من الضخامة ما لا يمكن لمن يحترم عقله أن يدع إمامة أهل البيت (عليهم السلام) ليلوذ بغيرها.

وهنا ينبغي أن نلفت الانتباه إلى حقيقة أن القرآن الكريم لا يمكن أن يتحدث عن تلك المناقب والفضائل بشكل مجرد أو بصورة اعتباطية لا هدف لها فهو الكتاب الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)[221]، ولهذا لا بد من القول بأن أحد صور هذه الهدفية هي غاية جمع الناس حول أصحاب هذه الآيات وشد انتباههم إليهم، ولعمري إن وجد القوم في آية الغار : (ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا)[222] على ما فيها من إشعار بضعف موقف رفيق الغار، ما يشكّل منقبة له ليتغنوا بها ويجعلوها أحد مبررات أفضليته، فكيف لا يمكن أخذ هذه الأفضلية من حشد عظيم من هذه الآيات التي تتحدث عن المناقبية الفذة للعترة الطاهرة!! قاتل الله الطائفية كيف تعمي وتصم!!.

يبقى علينا أن نستدل على توافر مواصفات الإمامة التي أشرنا إليها فيما سبق من حديث ضمن نص واضح يشير إلى مصداق هذه الإمامة في الواقع الاجتماعي، ولئن رأينا دلالة في جملة المناقب لاسيما آية الولاية، وآية البلاغ، وآية مودة القربى، وآيات الشهادة وغيرها كثير، فإننا نجد في آية التطهير: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)[223] تشخيصا تاماً ودقيقا لعصمة هذه الإمامة على مستوى المصداق والدور، حيث نلحظ أن العصمة في إمامة الوجدان ضرورة كضرورة عصمة إمامة التشريع وإمامة السياسة والحكم وإمامة الشهادة.

من هذا كله يتبين لنا مرة أخرى التوافق التام ما بين المواصفات الفكرية والمعنوية والمصداقية لهذه الإمامة مع مواصفات الإمامات الثلاثة التي مرت علينا.


 

إمامة الوجود

كنا قد ذكرنا فيما سبق شيئا عن إمامة الوجود ونعود الآن لنتحدث بشيء من التفصيل عن جانب من مفردات ذلك تاركين التفصيل لكتابنا (الإمامة: بحث في الضرورة والمهام).

الناظر للآيات التي تحدثت عن الوجود الكوني يمكنه أن يقسمها إلى أقسام ثلاثة حيث سنجد القسم الأول وهو يتحدث عن بدايات النشأة  وعلة الوجود كما في قوله تعالى: (وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا)[224].

فيما سنلحظ القسم الثاني  وهو يتحدث عن الدور الذي سيضطلع به هذا الوجود كما في الآية الكريمة: (ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير)[225].

أو قوله تعالى: (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)[226].

فيما سنلحظ أن القسم الثالث تحدث عن كيفية الترابط ما بين دور الوجود، وما بين الهدف المتوخى منه كما نرى في قوله تعالى: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا)[227].

أو قوله تعالى : (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).[228]

ونظراً لحقيقة أن الوجود الكوني يمثل إحدى الحلقات الأساسية في تحقيق عملية الهداية الربانية، إذ لا يمكن تصور هداية من دون هذا الوجود، فلا بد من أن نضع هذه الأقسام ضمن النسق الذي تحدده عملية الهداية الربانية، مما يقتضي التفتيش عن إمامة لهذا الوجود ومواصفاتها، ومن ثم البحث عن مصداقها الاجتماعي، فهي لا تتحرك في الفراغ.

وفي عملية البحث هذه لا بد وأن ننطلق من أصل الخلقة التي أكد القرآن أنها لم تنطلق في الفراغ، ولم تحصل نتيجة عبث (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين)[229] وكذا قوله تعالى: (أ فحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون)[230]، وإذا ما كانت كذلك فثمة هدف يناقض العبث تماما، وهذا الهدف في صورته العامة عبرت عنه الآية الكريمة: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، وفي صورته النهاية: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)[231].

إذن فإن الموجود المكلف خلق من أجل هدف العبادة، ولذا فإن سائر ما خلق في هذه الكون مسخر لتحقيق هذا الهدف وهذه الغاية.

وعليه فمن الجهل بمكان أن نتصور أن ما أودع في هذا الكون من نعم وما سخر الله للإنسان مما في السماوات والأرض بالصورة المطلقة التي عبرت عنها الآيات الكريمة: (الله الذي خلق السنوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار . وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل النهار . وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار)[232] لمجرد لهبة والعطاء والإنعام المجرد من الغاية، بل تظهر خاتمة الآية الكريمة: (إن الإنسان لظلوم كفار) تداخل هذه المنح والإيتاء مع مسؤولية المكلف في هذا الكون، فلا معنى لوجود كلمة الظلوم إلا في مصاف الحديث عن دور هذا المكلّف في هذا الوجود.

وهذا النعم التي لا تحصى مما يحسّ في الحياة، ومما لا يحسّ تقضي بوجود ثلاث حالات انسجاما مع ما يعكسه مبدأ (الحجة البالغة لله) وهما:

الحالة الأولى: تقضي بوجود العالم المطلع على هذه النعم بكل تفاصيلها، وقابليتها للتسخير حتى يكون شاهدا لله جلت آلاؤه.

الحالة الثانية: والحاجة إلى وجود هذا العالم الشاهد تقتضي أن يكون شاهدا موجودا منذ الوهلة الأولى لخلق هذه النعم وعالم المسخرات.

الحالة الثالثة: بوجود المسخّر الإنساني الشامل الذي يكون مصداقا إنسانيا لبقية الخلق بإمكانية التسخير من جهة، وحجة على عالم التكليف بواقعية النعمة الربانية الشاملة التي لا تحصى من جهة ثانية.

ولكن هذا الأمر هل يمكن له أن يتم بعبثية خالية من الهدفية؟ وهل يمكن إتمامه من دون الخضوع لمواصفات تأهيلية؟.

من الطبيعي أن يتم ذلك وفق مواصفات تأهيلية، لأن هذا الإنسان في صورته التكوينية الأولى سبق وأن وصف وصفا دقيقا وفقا لمقتضياته التكوينية من قبل الملائكة: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء).[233]وحالة كهذه لا يمكنها أن تجعله مؤهلا لنيل الأمانة لكنه حينما حملها، فبسبب أنه تخلى عن الظلم والعبثية، ولهذا أصبح قابلا لنيل هذه الأمانة.

ولهذا فليس من العبث أن نجد ترابطا ما بين خاتمة هذه الآية (إن الإنسان لظلوم كفار) وبين طريقة تحقيق الهدف الرباني المعبر عنها في الآية الكريمة: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنا وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا) حيث نجد أن هذه الطريقة التي عبر عنها بحمل الأمانة تعتبر الضد للظلم المشار إليه في خاتمة الآية : (إنه كان ظلوماً جهولا) لتلتقي من بعد ذلك مع آية الإيتاء المارة، مما يعني أن كل هذه النعم التي آتاها الله سبحانه وتعالى خاضعة لمسار هذا الإنسان نحو تحمل الأمانة الكونية، مما يعني أن من تحمل هذه الأمانة وضع تحت تصرفه جميع ذرات الكون، وهو المعنى المرادف لعملية التسخير الربانية الشاملة الذي تحدثت عنه الآية الكريمة: (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه) أو ما نعبر عنه بالولاية التكوينية.

وعندئذ فمن البديهي بمكان أن نلاحق الإمامة الكونية من خلال الجهة التي حملت هذه الأمانة، لنكتشف معها حقيقة ارتباط وجود الكون مع وجود هذه الإمامة، وان انتفاءها من الوجود مدعاة لنفي الوجود برمته.

ويقدّم القرآن الكريم لنا في هذا الصدد آيتين للتعرف على ذلك، أما الأولى فهي: (وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملاً)[234] ففي هذه الآية نجد تعليل عملية الخلق مقترنة بوجود جهة (أحسن العاملين)، فقوله: (ليبلوكم) جعل بمقام الشرط للخلق، وذلك لوجود لام التعليل السابقة للفعل (يبلوكم)، وحيث تم الخلق، فمن البديهي أن نلمس أن جهة أحس العاملين كانت موجودة قبل خلق الخلق،[235] إذ لا يعقل تخلّف العلة عن المعلول، وها ما تؤكده الآية الثانية التي تحدثت في نفس الاتجاه، ففي آية الإمامة المارة نلحظ أن أمانة الوجود الكوني قد عرضت على سائر الموجودات الكونية فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، ولكن حملها ذلك الإنسان الذي لا يتصف بالظلم والجهل ولم يقاربهما بحيث وصل به الكمال إلى درجته القصوى، وهو نفس المعنى الذي  يؤدي إليه مصطلح (أحسن العاملين)،[236] ومن ثم ليكون هذا الإنسان هو المعادل الوحيد لوجود الأمانة، إذ لولاه لما حملت الأمانة، ولولا حمل الأمانة لما خلق الكون وما فيه.

إذن فإن من البداهة بمكان أن ترضخ عملية التسخير بكاملها لهذا الإنسان ويكون وجودها مرتبط بوجوده.

وهذا ما يدلنا بطبيعته على جملة من المواصفات التي تركزت في هذا الإنسان، فمن حمله للأمانة وابتعاده عن الظلم والجهل نستدل على عصمته المطلقة، ومن خضوع عملية التسخير له نستدل على الطبيعة العلمية الشاملة والكاملة التي يتمتع بها، ومن هذه الطبيعة نستدل على أن هذا العلم كان مختصا به من قبل الله (عظمت آلاؤه)، وحيث نجد ذلك فلا بد من القول بوجود النص عليه.

وثمة شيء آخر، فحيث إن العطاء الرباني لم يبلغ ـ في المضمار الواقعي ـ إلى عالم التكليف من مداه إلا المقدار البسيط منه، فيما نجد إن الحديث الإلهي عظيم عنه، فلا بد من وجود الشاهد الذي يستطيع أن يرى هذا العطاء العظيم المخصص لهذا العالم، ليكون شاهدا على وجوده من جهة، وشاهدا على الإمكانات المتاحة فيه الصالحة للسخرة من جهة ثانية، وشاهدا على طبيعية التسخير الجارية في عالم التكليف، ومن ثم حكما عليها من جهة ثالثة.

الأمر الذي يحتّم أن يكون لهذا الوجود إمامة خاصة به وتلتقي مع سائر الصفحات المكونة لعملية الهداية الربانية وعليه فإن من الواجب أن يكون هذا الشخص هو نفسه في الإمامات السابقة.

وما من شك في اتفاق أهل الإسلام جميعا على إن هذا الإنسان هو رسول الله (ص)، وحيث أن آية المباهلة[237] قد دلتنا على التطابق الكلي بين نفس الرسول (ص) مع نفس الإمام أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، ودلتنا آية الولاية[238] على تطابق ولايتهما الشمولية، ودلتنا آية التطهير[239]على تطابق عصمتهما، ودلتنا آية الراسخون في العلم[240]على تطابق علومهما، ودلّتنا آية من عنده علم الكتاب[241] على تطابق شهادتهما، ودلتنا آية أولي الأمر[242] على تطابق وجوب الطاعة لهما، وغيرهما كثير.

فعندئذ لا نجد أي عائق في الرضوخ لشأن امتداد هذه الإمامة من بعد رسول الله (ص)، إلى من تطابقت مواصفات الرسول (ص) مع مواصفاته، بل تلجؤنا الضرورة العقلية والموضوعية إلى القول بأن غياب رسول الله (ص) الزمني والمكاني، لا يلغي الحاجة إلى وجوده الشريف في إمامة هذا الكون وحفظ وجوده، فهذا الوجود يتوقف عليه عدم وقوعهم في العذاب كما دلت عليه الآية الكريمة: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم)[243]وعدم زوال الرحمة الإلهية للعالمين التي أشير إليها في قوله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الأمر الذي يجعل امتداد إمامته إلى من بعده ضرورة لا مندوحة عنها.

وهذا ما هو عليه اتجاه أهل البيت (عليهم السلام) المتمثل بمذهب الإمامية (أعلى الله شأنهم)، ولا يمكن لأي اتجاه آخر أن يحقق التوافق الموضوعي بين ما أشرنا إليه من استلزام امتداد إمامة التشريع وإمامة الولاية والحكم وإمامة الشهادة وإمامة الوجدان وإمامة الوجود التي أوليت لرسول الله (ص) باعتباره الإمام الأكبر وضمن مواصفات النص والعلم، لما بعده، وذلك بسبب عدم تمكن العمر الزماني والمكاني لرسول الله (ص) من أن يحقق الأغراض المرتبطة بها، إلا من طريق القبول بإمامة الأئمة الاثنى عشر (صلوات الله عليهم) وبقبول التفاصيل الإمامية في خصوص حياة الإمام المهدي (عجل ا لله تعالى فرجه الشريف)، ومن غير ذلك فخرط القتاد أهون من نيل المستحيل!! أو التعسف في تفسير الآيات القرآنية الشريفة وتحمليها ما لا يحتمل وفي ذلك من الخيانة لله ولرسوله الكريم (ص)، وليس أمامي بعد ذلك كله غير النصيحة الصادقة عبر قوله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون. واعملوا إنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم . يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم). [الأنفال: 27ـ29].


إمامة الآخرة

وجدنا فيما مرّ من مقامات الإمامة إنها تستوعب كل الشؤون الدنيوية التي لها ارتباط تام بكافة شؤون الآخرة. فإن كانت الآخرة تعني نهاية وجود عالم الدنيا بكل تفاصيله، فلقد وجدنا الارتباط العضوي بين ذلك وبين مهام إمامة الوجود. وإن كانت الآخرة تعني حلول ساعات الحساب والجزاء، فليس ثمة مجال للتوهم بعدم شمولية إمامة التشريع والسياسة والحكم والوجدان وإمامة الشهادة لكل متعلقات الحساب والجزاء وتفاصيلهما, مما ينحو بنا إلى القول بأن حضور نفس إمام عالم الوجود الدنيوي كإمام لعالم الآخرة يعدّ بمثابة الأمر الذي لا مندوحة عنه.

فلقد وجدنا الإمام هو الذي حدّد لعالم الدنيا مفاهيم الحلال والحرام، أو مفاهيم السعي باتجاه مراتب الكمال، ووفق معاييره تمت صياغة مفاهيم العدالة وتجسداتها الفردية أو الاجتماعية، وعلى محوريته في عالم الوجدان تم تحديد وظائف المحتوى الداخلي للإنسان وتحديد أطر المراقبة الموضوعية في الذات، هذا ناهيك عن مهام إمام الشهادة في الشهادة للأعمال وعليها.

وهذا بمجموعه يرينا الصورة الكاملة التي تقوم عليها أطر عالم الحساب في يوم القيامة، وهو بمجموعه ينضوي تحت معايير الصراط المستقيم التي جعلت حكماً مفهومياً في صور الحساب.

ووفقاً لعدالة الله (عظمت آلاؤه) فإن من كان سبباً في الحساب، لابد وأن يجعله سبباً في جزاء العمل الذي حوسب بموجبه، فهذا الجزاء متقوّم على مقدمة هي كالشرط بالنسبة لذلك الجزاء، الأمر الذي يجعل تحكيم الإمام في مسارات يوم الحساب والجزاء أمراً لا مناص منه.

ولربما يرينا مفهوم المؤذن المطروح في قوله تعالى: (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقاً فهل وجدتّم ما وعد ربّكم حقاً قالوا نعم فأذّن مؤذّن بينهم أنّ لعنة الله على الظالمين)[244] صورة أولى لإمامة الآخرة في بعد الفرز المقوّم على الحساب على المستوى المصداقي وليس المفهومي فقط. فمن الواضح أن هذا المؤذن لم يك من أي الطرفين، بل كان حكماً عليهم، بدليل وجود كلمة (بينهم) مما يجعله في جهة القضاء بين الفريقين، وهو الأمر الذي يظهر علو شأنه عليهم.

وهذه الجهة التي لها مثل هذا الشأن في يوم كهذا يجرّنا المنطق لضرورة التعرف عليها.. فمن هو يا ترى هذا المؤذن؟.

في البدء لا بد من ملاحظة أن التحدّث عن الظلم في الآية بهذه الطريقة وفقاً لمفاد مفهوم الحجة البالغة يقتضي أن يكون المتحدّث مبتعداً عن الظلم بجدارة، لأن من شؤون القيامة أن المتكلمين لا يمكن أن يتكلّموا إلاّ بما هو واقع، ولا يعقل أن هذا المؤذن يلعن أهل الظلم ويتبرأ منهم ويطردهم من الرحمة الإلهية إلا من خلال كونه بريئاً براءة كاملة من الظلم، وهذا ما يجعله بداهة من أصحاب الاختيار في البعد عن كافة صروف الظلم، بحيث يكون له مثل هذا الأذان القاطع في الحكم على الظالمين، مما يخرج ما حاول بعض المفسرين تصوير هذا المؤذن بأنه من الملائكة[245]، فهم وإن لم يرتكبوا أي ظلم، غير أن كونهم في خارج عالم التكليف الذي يرتبط به عالم الحساب والجزاء، يجعل وجودهم في محلّ هذا المؤذن وجوداً بلا مبرر. فتأمل!.

ويؤكد هذا المعنى ـ أي أنه من غير الملائكة ـ هو كلامه في يوم أكّد القرآن الكريم أنه لا يتكلم فيه ـ من شدة الهول والفزع: (إلاّ من أذن له الرّحمن وقال صواباً)[246] فلو كان من الملائكة ( وهم من قائلي الصواب حتماً ) لما أخرجهم من هذا الاستثناء. فلا تغفل.

 وكونه كذلك فهو معصوم حتماً، بدليل براءته من الظلم، مما يفرض له شأنية تتعدى دائرة الجميع (أصحاب الجنة وأصحاب النار).

ولربما تطرح الآية الكريمة: (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريءٌ من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خيرٌ لكم وإن تولّيتم فاعلموا أنّكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم)[247] تطابقاً في الدور بين هذا المؤذن وذاك، فمن خلال التأمّل البسيط نلحظ أنه يتحدّث عن نفس الموضوع من حيث المحصلة.

وكل ذلك يثير أمامنا من جديد أهمية التعرف على هذا المؤذن، حيث أن من الواضح أن تشخيص هويته سيزيح عنا الغطاء عن ماهية إمام الحساب.[248] سواء قلنا بأن هذا الدور قد أعطي للمؤذن على نحو المباشرة، أو قلنا بأن هذا الدور قد منح له بتوكيل من جهة أخرى غير الجهة الربانية المقدسة.

ولو قلنا  بتطابق  الآيتين من حيث تشخيص هذا المؤذن، أو تابعنا الأمر في السنة النبوية وفقاً لأمر أمير المؤمنين (عليه السلام) في حالات من هذا القبيل: لا تخاصمهم بالقرآن، فإن القرآن حمال ذو وجوه، تقول ويقولوا، ولكن حاججهم بالسنة، فإنهم لن يجدوا عنها محيصا.[249]

فالأمر سيان على مستوى الدلالة.

فمن الواضح أن مؤذن سورة البراءة الذي مر كان أمير المؤمنين (عليه السلام) وعلى ذلك أجمعت الخاصة والعامة، ويسير قول رسول الله (ص) في تعليله لسحب كتاب البراءة من أبي بكر في ثنايا القصة: لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني، أو ما ورد بلسان جبرائيل (عليه السلام): لا (لن) يبلغ عنك إلا أنت أو رجل منك.[250] إلى أن الأذان الذي تتحدث عنه الآية كان من صلب دور الإمامة، ومفروغ عنه أنه من متطلبات الوحي[251]، وبالتالي فإننا لو لحظنا طبيعة مهام المؤذن هنا ولمسنا طبيعة البشارة التي يسوقها إلى الناس بقوله: (فإن تبتم فهو خير لكم) وكذا الإنذار الذي يوجهه إليهم: (وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب اليم) وهما من المقتضيات العامة لمهمة الهداية الربانية، ومن الطبيعي أن يقال: إن إبلاء مثل هذا الدور يستدعي وجود النص بصاحب هذا الدور.

إننا لن نعدم ملاحظة تطابق نفس الدورين بين مؤذن الدنيا (الذي أوجده النص الملحوظ في قوله (ص): لا ( لن) يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني) وجعل ظرف أدائه له عدلا للرسالة، وبين مؤذن الآخرة، لا سيما وأن هذا المؤذن لا يمكنه أن يتحدث بأمر من هذا القبيل من دون تسلط كامل وقدرة كاملة عليه.

ولو تابعنا الأمر من خلال المواصفات التي طرحتها الإمامات الأخرى فسنجد اكتمالا في صورة إمام الآخرة، فهو الذي أعطى ضمن إمامة التشريع الصورة المعيارية للأعمال فهذا حلال وذاك حرام .. الخ .. وهو الذي نراه في إمامة الوجدان معيارا في تشخيص سلامة البواعث الإرادية (النوايا) .. وهو الذي نجده في الإمامة الشاهدة رقيبا على هذه الأعمال. وكل ذلك يعطيه بطبيعة الحال دور الحاكم الشاهد.. حيث نجده هو الذي حدد للمكلفين صورة العمل، وهو الذي أبلغ بوجود الجزاء عليه، وهو الذي كان شاهدا على اتجاهه، وهذا الأمر يتطابق مع الدور الرباني في هذا المجال، ويتطابق مع مفهوم الحجة البالغة التي من شأنها أن تخرس ألسن المعترضين، وتسقط حجج المتخاصمين.

ولربما تطرح الآية الكريمة: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) طرافة في المعنى هو ما نحتاجه في هذا المجال حيث أن التطابق بين الدورين، لا يعني إبلاء الله (عظمت صفاته) عالم الحساب والجزاء لغيره، ولكن آية الولاية هذه تظهر أن كل نمط من أنماط ولاية الله قد أذن الله في تمكين رسوله منه، والى من وصفتهم الآية الكريمة بالذين آمنوا، ولا شك أن ولايته على عالم الحساب والجزاء هي إحدى هذه الولايات.

وأيا كان فإن آية المؤذن تطرح جهة لعالم الحساب غير الجهة الإلهية، ومواصفاتها كما عرفنا متطابقة مع مواصفات بقية الإمامات من حيث العصمة والنص والتشخيص، ولهذا فليس من الغرابة بمكان أن نرى إجماع روايات أهل البيت (عليهم السلام) وعدد من روايات أهل السنة على تشخيص مؤذن الآخرة بشخص أمير المؤمنين (عليه السلام)، كما في صحيحة أحمد بن عمر الحلال (رضوان الله تعالى عليه) فيما رواه ثقة الإسلام الشيخ الكليني (أعلى الله مقامه الشريف) في الكافي الشريف بإسناده عن الحسين بن محمد، عن المعلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عنه قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) (وهو الإمام الكاظم) عن قوله تعالى: (فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين) قال: المؤذن أمير المؤمنين (عليه السلام).[252]

وكذا ما في الصحيحة التي يرويها الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي في تفسيره، عن أبيه، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: المؤذن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) يؤذن أذانا يسمع الخلائق كلها، والدليل على ذلك قول الله عز وجل في سورة البراءة (وأذان من الله ورسوله) فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): كنت أنا الأذان في الناس.[253]

ويحسم الأمر بين الناس، ويتجه بأهل الجنة إلى جنتهم، وأهل الناس إلى نارهم، ومن المثير أن ثمة جهة متخصصة في الحسم في يوم الجزاء، وهو ما يؤكده قوله تعالى: (وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون . وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين . ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون . أ هؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة أدخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا انتم تحزنون . ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين)[254] مما يعني وجود ضرورة للتطابق ما بين الجهتين.

ورغم أن مفسري أهل العامة ومعهم فضل الله ـ كما هي العادة ـ[255] كانوا قد شرّقوا وغربوا في تحديد هوية أهل الأعراف، غير أن جملة من الملاحظات تجعل اختصاص الآية بأناس لهم امتياز خاص في شأن الجزاء الأخروي، ومن جملة هذه الملاحظات أذكر ما يلي:

أ ـ إن القول بالتساوي بين الذنوب والحسنات وبالتالي تصنيف مقام خاص بهم غير مقامي الجنة والنار، لا دليل عله، فمن جهة الظهور القرآني فإننا نجد أن القرآن الكريم لم يتحدث عن مقامات الجزاء الأخروي، إلا عن مقامي الجنة والنار بالإضافة لما سمته الآية الكريمة : (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا)[256] بالمقام المحمود، وهو بطبيعة الحال له تميز لا يمكن للعامة من محشوري يوم القيامة بلوغه، وسنعرف من خلال المواصفات القرآنية التي أوليت لأهل الأعراف أنهم في مقام سامي جدا تنسجم رفعته مع المقام المحمود، وهو ما عليه عدد غير قليل الروايات.

ومن جهة فإن ذلك يتناقض مع ظاهر الرحمة الإلهية التي تسبق عدله فضلا عن غضبه، وما من ريب أن للحسنة كرامة عند الله تبقى مهما كانت متدنية في المدى فهي تفضل السيئة، ولكن ونتيجة لطبيعة العدل الإلهي قد يعرضهم من جديد لاختبار جديد كما هو الحال مع أطفال الكفار والمشركين وغيرهم، وبالنتيجة ليس ثمة مقام يجعل ما بين الجنة والنار لمن تساوت حسناته مع سيئاته، بل هم سيتجهون حتما إلى واحدة من الجهتين.

ولربما أمكن للبعض رد ذلك بالقول بأن هذا المقام يمكن أن يوجد للحظات معدودة من أجل حدية العدل الإلهي، ثم تنزل عليهم رحمة الله تعالى فتنقذهم مما هم فيه، وهذا الرأي لا يستقيم لأن الحديث عن أهل الأعراف إنما كان بعد تمام عملية الحساب بين الطرفين وتحديد مواقعهم وقبل تحديد الجزاء بصورته الدقيقة، وهذا ظاهر من حديث القرآن عن الفريقين بعنوانهم المستوفى من الحساب.

وحديث أهل الأعراف مع أهل الجنة ليس بحديث استعطاف بالصورة التي تتناسب مع حالتهم، وما يفترض من استيلاء الرعب على من له حالة كحالتهم وهم يرون النار كيف ستستعر بأهلها، وهم بمكان يمكن أن يفضي بهم إليه، ولهذا فمن الطبيعي أن نتلمس ظهور هذه الأحاسيس في أي حديث يتحدث به من له وضع كوضعهم ولو ضمنا، هذا إذا كان المقام يسمح لهم بالحديث، وهو أمر مستبعد لمن في حالتهم حيث يفترض أن هول وفزع ذلك اليوم يعقل كل الألسن ويخرس كل الأفواه (إن زلزلة الساعة شيء عظيم . يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد).[257]

ب ـ تكلم العديد من مفسري العامة عن أن أهل الأعراف هم طبقة بشرية، فمنهم من جعلهم أصحاب أعمال حسنة، فحكى ابن الأنباري عن انهم أنبياء، وقال الحسن ومجاهد بأنهم من الصالحين فقهاء وعلماء، وادعى عبد العزيز بن يحيى بأنهم قوم ماتوا خلال الفترة ولم يبدلوا دينهم، فيما عدهم البعض بأنهم ممن خلطوا بين عمل صالح وآخر طالح؛ فحكى البعض أنهم قوم قتلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم. أو أنهم ممن رضي عنهم أحد الأبوين، ولم يرض الثاني منهم. أو أنهم ممن عمل لله ولكن أعمالهم كان فيها رياء، والبعض الآخر من المفسرين وصفهم بأنهم من مخلفات أوزار الآباء فذكر المنجوفي أنهم أولاد المشركين وذكر صالح عن ابن عباس أنهم أولاد الزنى.[258]

ومن الواضح أن أصحاب الأعمال الحسنة هم من جملة أصحاب الجنة، فما الذي أخرجهم من تلك الهيئة إلى هذه الهيئة، وادعاء ابن الجوزي وأضرابه بأنهم خرجوا على سبيل النزهة، لا قيمة له بدليل وجود الحجاب فيما بينهم وبين أصحاب الجنة كما أشار قوله تعالى: (وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم) وكذا وضوح الفرز بينهم وبين أصحاب الجنة الذي يشير إليه قوله تعالى: (ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم) مما يجعل هذا التشخيص في غير محله.

ولا قيمة للآراء التي جعلتهم ممن خلطوا بين المعصية والطاعة، فهؤلاء إما في الجنة وإما في النار، ولا ظهور قرآني يدل عليه.

وأسخف منه من جعلهم من حملة أوزار الآباء كأولاد الزنى والمشركين (إن كان المعني بهم الأطفال منهم)، لظهور وجود تمايز بين أصحاب الأعراف وبين أصحاب الجنة وأصحاب النار، ومن الواضح أن هؤلاء إما من جملة من سيختبر يوم ذاك (كما هو ظاهر بعض روايات أهل البيت (عليهم السلام) وبالنتيجة فإن مقامه إما إلى جنة أو إلى نار، ليخرج بذا عن التمايز عن الفريقين، أو انه ستدركهم رحمة من ربهم، فخرج بذا عن التمايز المطلوب عن الفريقين، ولهذا فهو لا يصح.

وبمعزل عن ذلك كله فلا مناص من ملاحظة حالة التمايز بين أهل الأعراف وبين الطرفين الآخرين، يكشفه مرة وجودهم بين الطرفين من خلال الحجاب المضروب بينهم، وثانية وجودهم على الأعراف على اختلاف التفاسير في طبيعة المراد من الأعراف هل هو سور بين الطرفين؟ أم هو كثبان بين الجنة والنار ؟ أم هو شيء آخر له معنى العلو؟ على اختلاف أقوال المفسرين.

وهناك ميزة أخرى لدى هؤلاء وهم أنهم (رجال يعرفون كلا بسيماهم) أي أنهم يعرفون كلا الفريقين بعلامات خاصة بهم، وهذه المعرفة لا تنم عن وجود علامات مادية تميزهم عن بعضهم كبيض الوجوه بالنسبة لأهل الجنة وسوادها وزرقة العيون بالنسبة لأهل النار[259] كما يحاول بعض المفسرين قوله، بل هي علامات خاصة بطبيعة عمل كل واحد منهم على سبيل التفصيل، كما يدل عليه مخاطبتهم لطائفة من مستكبري أهل النار: (ونادى أصحاب الأعراف رجلا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون . أ هؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون) فلولا معرفتهم حقيقة أعمالهم لما ميزوهم من بين جميع أهل النار ليصفوهم بهذا الوصف، فلا تغفل!.

ويبقى أن ثمة ميزة أخرى وهي الأهم من بين كل المزايا في بحثنا هذا، وهي حاكميتهم في عملية الدخول إلى الجنة وهو الأمر الواضح من أمرهم لأهل الجنة: (ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا انتم تحزنون) وواضح أن هذا الأمر إنما كان قبل دخول الجنة وبعد الحساب، وكما يتضح في قوله السابق عن أهل الجنة (لم يدخلوها وهم يطمعون).[260]

وكل هذه المواصفات تظهر أن رجال الأعراف لهم مزية روحية خاصة وعظيمة، بحيث نرى في مثل هذا اليوم الذي وصف بأنه يجعل الولدان شيبا،[261] وبه تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى فيه الناس سكارى من ذهول الرعب والفزع وما هم بسكارى، ولكن عذاب المنتقم الجبار، وغضب الحليم أشد مما يمكن للشدة أن تتحمله من معان، ولكن رغم هذا لهول تراهم لا يتكلمون على جهة القضاء كما في أذان المؤذن بين القومين فحسب، بل تراهم يتصرفون بالجزاء تصرف من له الصلاحية فيه أيضا كما عبر عن ذلك أمرهم لأصحاب الجنة أن يدخلوا الجنة، بعد سلامهم عليهم وتهنئتهم بما فازوا به، وهذا الحال يتناغم تماما مع مصداق الآية الكريمة: (يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمان ورضي له قولا)[262] ومع مصداق الآية الكريمة: (يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا)[263] وبطبيعة هذه المواصفات تسقط جميع ما تقوله أهل العامة ومعهم تيار الانحراف في تصوير أهل الأعراف بصورة لا تنسجم مع هذه المواصفات.

ومع هذا الوصف نجد أن خصائص الإمامة تنطبق جميعها عليهم، فهم كما رأيناهم في طبيعة المؤذن، وكما رأيناهم في طبيعة مقاضاتهم للمستكبرين، وكما لاحظناهم في حكمهم لأهل الجنة بالجنة لا بد من أن يكونوا من أهل العصمة، وهذا المقام لم يكن ليكون إلا باجتباء خاص من الله الذي أذن لهم بالحساب والجزاء، وهذا بجميعه كما رأينا يلتقي مع مقتضيات الإمامات السابقة.

وكل ذلك يلتقي مع ما توافقت عليه روايات أهل البيت (عليهم السلام) في شأن تحديد هوية أصحاب الأعراف، فقد جاء في صحيحة محمد بن الحسن الصفار (أعلى الله مقامه) فيما حدثه به أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيوب،[264] عن بريد العجلي قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم)؟ قال: أنزلت في هذه الأمة، والرجال هم الأئمة من آل محمد. قلت: فالأعراف؟ قال: صراط بين الجنة والنار، فمن شفع له الأئمة منا من المؤمنين المذنبين نجا، ومن لم يشفعوا له هوى.[265]

وكذا ما رواه بسنده عن علي بن إسماعيل،[266] عن صفوان بن يحيى، عن اسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله في قول الله عز وجل: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم) قال: هم الأئمة من أهل بيت محمد (ص)[267].

وكذا ما في صحيحة سعد بن عبد الله الأشعري (طيب الله ثراه)، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن عبد الرحمن [بن محمد][268] بن أبي هاشم، عن أبي سلمة بن مكرم الجمال، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز وجل: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم) قال: (نحن أولئك الرجال؛ الأئمة منا يعرفون من يدخل النار، ومن يدخل الجنة، كما تعرفون في قبائلكم الرجال منكم يعرف من فيها صالح أو طالح.[269]

وكذا صحيحة محمد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول اله عز وجل: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم) فقال : هم الأئمة منا أهل البيت (عليهم السلام) في باب من ياقوت أحمر على سور الجنة، يعرف كل إمام منا ما يليه. فقال رجل: ما معنى وما يليه؟ فقال: من القرن الذي هو فيه إلى القرن الذي كان.[270]

وكذا ما رواه الثمالي (رحمه الله) عن أبي جعفر الباقر (عليهم السلام) في حديث يقول فيه ابن الكواء لأمير المؤمنين (عليه السلام): يا أمير المؤمنين (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم) قال: نحن الأعراف نعرف أنصارنا بسيماهم، ونحن أصحاب الأعراف نوقف بين الجنة والنار، فلا يدخل الجنة إلا من عرفنا وعرفناه، ولا يدخل النار إلا من أنكرنا وأنكرناه.[271]وتتطابق هذه الحقيقة بشكل كامل مع مفاد الحقيقتين التاليتين:

الأولى: الحديث المتواتر عن الرسول (ص) في خطابه لأمير المؤمنين (عليه السلام) أو عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) نفسه بألفاظ متعددة متفاوتة لكنها تؤدي هذا المعنى: علي قسيم الجنة والنار، وبلفظ ابن جحر الهيتمي فيما رواه عن عنترة، عن علي الرضا أنه (ص) قال له: أنت قسيم الجنة والنار فيوم القيامة تقول النار هذا لي وهذا لك.[272]

وغير ذلك من الروايات التي وردت عن طرق العامة والتي تؤكد نفس المعنى والمضمون، أما ما روته الشيعة في هذا المجال فحّدث ولا حرج.

ويتفق هذا المعنى مع مجموعة كبيرة جدا من الروايات التي قرنت الإمام (عليهم السلام) بالكثير من صوالح الأعمال التي تفضي قطعا إلى الجنة وتبعد عن النار، لتجعله المصداق الاجتماعي الأكمل للمعايير التي يحتكم إليها في شأني الحساب والجزاء في يوم القيامة، كما في قوله (صلوات الله عليه): والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي إلي أن لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق).[273]

ونفس الأمر نجده مثلاً في قول رسول الله (ص) وهو يشير إلى أمير المؤمنين (عليه السلام): أنا وهذا حجة على أمتي يوم القيامة.[274]

وعلى أي حال فثمة عشرات من الروايات التي وردت في كتب العامة فضلاً عن الخاصة[275] وهي تتحدث بصورة مباشرة أو بدلالة القرينة الإلتزامية عن وجود إمام للآخرة يتولى حساب الخلق ويوفيهم جزاءهم، ومن الطبيعي القول بأن ذلك إنما يتم فبإرادة من الله لأنه أوقع للحجة، فالمصداق الاجتماعي للحق هو الذي يُقايَس الناس وفقاً لقيمه ومعاييره، فما توافق معه كان إلى الجنة حيث وعد الله تعالى، وما تناقض معه كان إلى جهنم حيث أنذر الله تعالى.

ب ـ  أما الحقيقة الثانية في هذا المجال فهو موضوع الشفاعة، حيث تطرح الآيات القرآنية موضوع الشفاعة في العديد من المواضع، وقد أجمعت روايات أهل البيت (عليه السلام) على وجود شفاعة كاملة للرسول وآله الطاهرين (صلوات الله عليه وعليهم أجمعين) متى ما شاءوا وكيفما شاءوا، وقد خالف تيار الضلالة كعادته ذلك فقال بالشفاعة الصورية[276] التي يعبّر عنها فضل الله بالصورة التالية المتداعية من قوله:[277] الشفاعة من أين تنطلق؟ تنطلق على أساس أن هناك حالات ذاتية بين النّاس، فنحن نستفيد من هذه الحالات الذاتية التي تجعل لشخص موقعاً عند شخص فباعتبار أنه إذا جاء إليه هذا الشخص محمل بهذه المشاعر فإن ذلك يغيّر رأيه ويبدّل رأيه.. بالنسبة إلى الله ما له معنى هذا الكلام، ما في أحد له علاقة بالمعنى الذاتي مع الله لأن الخلق كلهم خلق الله ما له معنى، واحد أقرب إلى الله من خلال الذات لأنه أنت يكون أبنك واحد أجمل، واحد أفضل، واحد أكثر عطفاً عليك تقول هذا أقرب إليّ، وهذا خدمني أكثر، هذا أعطاني أكثر.. أما بالنسبة إلى الله؛ الأعلم الأفضل الأقوى كلهم مثل بعض [278] .. الله هو الذي أعطاهم هذا المستوى من الجمال، هذا المستوى من القوة، هذا المستوى من الفضل، من العلم، لكن الله هو يختار من يشفّعه.[279] ما في (لا يوجد) أحد يقدر يشفع بطبيعته. الأنبياء ما عندهم بأنفسهم أساس لأن يبادروا بالشفاعة . . ليس هناك شيء ذاتي يعني أنت تروح تقول: اشفع لي يا رسول الله، اشفع لي عند الله يا أمير المؤمنين، اشفعي لي يا فاطمة. صحيح . . لكن لا أمير المؤمنين ولا رسول الله ولا فاطمة يقدروا يشفعوا إذا لم يشفّعهم الله، وعندما يشفعون فإن الشفاعة لا تنطلق من عناصر ذاتية، والله هذا قريبي، وهذا أحبه، وهذا نذر لي نذر، وهذا ذبح ذبيحة، وهذا عمل لي مولد،[280] مثل هذه الأشياء التي نحن نصورها هنا، نحن نعمل مع الأنبياء والأولياء من قبيل: أطعم الفم تستحي العين. ما يصير أنا ذبحت ذبيحة للعباس بكرا (غداً) تقول له هذه ذبيحة يعني لا بد أن تجاملني بهذا الموضوع.. لا هناك أسس (لا يشفعون إلاً لمن ارتضى) يعني الله يكرم الأنبياء بأن يشفعهم فيمن جرت إرادته على أن يغفر لهم، يعني الله يريد أن يغفر لإنسان يريد أن يدخل إنسانا الجنة، فالله يريد أن يكرم نبيه ويكرم وليه أن يكرمهما بأن يشفعهما فيما أراد أن يكرمه وأراد أن يعفو عنه.[281]

وهذا الكلام مع إنه بلا دليل يدلّ عليه فهو يتناقض أيضاً مع بديهيات عقيدة أهل البيت (عليهم السلام) في الشفاعة، فالشفاعة لم توضع إلا لأصحاب الذنوب والمعاصي، ولا معنى لوجودها في عالم لا ذنوب فيه، وهذا هو مفاد حديث رسول الله(ص): إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي.

ومثله قول صادق آل محمد (عليه السلام): شفاعتنا لأهل الكبائر من شيعتنا، فأما التائبون فإن الله يقول: (ما على المحسنين من سبيل).[282]

وحيث أنها وجدت فقد وضع الله نماذج لهذه الشفاعة بناء على طبيعة مؤهلاتهم الذاتية، ومنح كرماً منه وتفضّلاً أصحاب المؤهلات العالية في هذا المجال كرامة الشفاعة لأصحاب الذنوب فقال في كريم كتابه: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون)[283] وفي عبارته الأخيرة تظهر طبيعة هذه المؤهلات، وبعد أن طرح موافقته على هذه الشفاعة، فلا قيمة يمكن لها الانسجام مع كرم الله ورحمته حينما  يجعل الشفعاء معبراً صورياً لمن أراد الله بنفسه أن يغفر لهم.

وهؤلاء الذين أراد الله أن يغفر لهم إن كانوا من أصحاب الأعمال التي توجب الغفران فلا معنى لوجود الشفيع لهم بأي صورة كان، وإن كانوا ممن لم يعملوا لنيل الغفران أو لم يقدموا بين أيديهم ما يجلب لهم الغفران، فكيف سيغفر الله لهم بناء على قاعدة عدم وجود الترجيح بلا مرجح؟ ولم غفر لهم ولم يغفر لكل خلقه؟!.

من الواضح إن ذلك لا يستقيم بالمرة، بل إن المستفيض من روايات أهل البيت (عليهم السلام)  وغيرهم وجود الشفاعة بحيث أن الشفيع يشفع لمن شاء، وبما شاء.

وحيث أن مدى الشفاعة في لغة الروايات والمنطلق العقلي مهما يكن فسيبقى نسبيا لعامة الناس، حيث نجد أن منهم من لا يستطيع الشفاعة إلا لأهل بيته مثلاً، ومنهم من يشفع لمثل ربيعة ومضر كما تعبّر عن ذلك الروايات الشريفة، فلا بد من وجود مظهر كامل للشفاعة الكاملة التي تظهر كرم الله ورحمته وجوده على خلقه، لأن عدم وجود هذا المظهر الكامل سيبقي مدى ومقدار كرم الله بلا شاهد عليه، وهذا خلاف مبدأ الحجة البالغة. فتأمل!!.

وفي عقيدتنا فإن مظهر الشفاعة الكاملة تمثل برسول الله وأهل بيته الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) ونظراً لموقف تيار الانحراف السلبي من عصمة ومقام وظلامة الصديقة الطاهرة والمظلومة الكبرى فاطمة الزهراء (عليه السلام) وددت أن أنقل هذه الرواية التي وردت في الأثر الشريف عن الإمام الباقر (عليه السلام) فيما نقله عن قول جابر بن عبد الله الأنصاري، عن رسول الله (ص) أنه قال: إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة (عليها السلام) على ناقة من نوق الجنة مدبجة[284] الجنين، خطامها من لؤلؤ رطب قوائمها من الزمرد الأخضر، ذنبها من المسك الأذفر، عيناها ياقوتتان حمراوان، عليها قبة من نور يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، داخلها عفو الله، وخارجها رحمة الله، وعلى رأسها تاج من نور، للتاج سبعون ركناً، كل ركن مرصع بالدر والياقوت يضيء كالكوكب الدري في أفق السماء، وعن يمينها سبعون ألف ملك وعن شمالها سبعون ألف ملك وجبرائيل آخذ بخطام الناقة ينادي بأعلى صوته: غضوا أبصاركم  حتى تجوز فاطمة بنت محمد. فلا يبقى يومئذ نبي مرسل، ولا رسول ولا صديق ولا شهيد إلا غضوا أبصارهم حتى تجوز فاطمة.

فتسير حتى تحاذي عرش ربها (جلّ جلاله) وتروح بنفسها عن ناقتها وتقول: إلهي وسيدي أحكم بيني وبين من ظلمني. اللهم احكم بيني وبين من قتل ولدي. فإذا النداء من قبل الله جلّ جلاله: يا حبيبتي وابنة حبيبي سليني تعطي، واشفعي تشفعي وعزتي وجلالي لا أجازي ظلم ظالم، فتقول: إلهي وسيدي ذريتي وشيعتي وشيعة ذريتي ومحبي ومحب ذريتي، فإذا النداء من قبل الله جلًّ جلاله: أين ذرية فاطمة وشيعتها ومحبوها ومحبّو ذريتها؟ فيقومون وقد أحاط بهم ملائكة الرحمة فتقدمهم فاطمة حتّى تدخلهم الجنة.[285]


 

خاتمة مطاف البحث

إلى هنا نكون قد سلطنا الضوء على أن الإمامة لم تكن مقولة طائفية تخص طائفة محددة من دون غيرها، فها هي آيات القرآن تلهج بالحديث عنها ولا تكتفي بالحديث فحسب، بل وتحدد المواصفات المتعلقة بها، ولا تركن عند ذلك فقط، وإنما تعمد للحديث الصريح عن مصاديق الإمامة وسبلها.

ومن خلال كل ذلك عرفنا أن الإمامة من الثوابت القرآنية التي لا يمكن التحدث عنها بعنوان التحول كما عمد إلى ذلك محمد حسين فضل الله في مقالته (الأصالة والتجديد)، بعد ما عرفنا شأن الخلاف بين الطوائف الإسلامية لا يبيح لنا الرضوخ لمقتضيات المقولات الطائفية واجتهاداتها، فهذه المقولات كانت ولا تزال تحاكي الاسقاطات السياسية التي أفرزتها معركة السقيفة وما آل إليه الوضع من بعدها، بينما تبقى الحقائق القرآنية واضحة السبل وصريحة التعبير لمن لم يضع على عينيه غشاوة الجهل الأعمى وقناع التعصب الحزبي والطائفي، ولم يحرر نفسه من المخلفات والعقد والمسلمات المسبقة سلفا قبل الخوض بحثا عن الحقيقة (قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين).[286]

هذا وقد وقع الفراغ منه في الثاني عشر من صفر الخير عام 1418 هـ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين نعم المولى ونعم النصير والصلاة من بعد ذلك على الرسول الأمين وشفيع يوم الدين سيدنا ونبينا محمد وعلى الهداة الميامين والأدلاء على صراط المتقين، والأمناء على شرعة سيد المرسلين من آله الطيبين الطاهرين.[287]


ملحق

جواب سماحة المرجع الديني الكبير آية الله العظمى الشيخ جواد التبريزي حول مقال الأصالة والتجديد

[1]

وقد وجدت أن من المفيد ضم ما استفتينا به سماحة العلم المفدى المرجع الديني الكبير آية الله العظمى الشيخ جواد التبريزي (مد ظله الوارف) حول مقال محمد حسين فضل الله في مجلة المنهاج حال صدوره وأرسلناه إليه مرفقا مع السؤال فقال بما نصه:

ظاهر ما أرسل إلينا أن القائل يتصور إن تعدد حكم الواقعة الواحدة بحسب اختلاف المجتهدين في الأعصار فيها أمر ممكن وواقع، وهذا مخالف لمذهب العدلية الملتزمين ببطلان التصويب في الوقائع التي وردت فيها الخطابات أو استفيد حكمها من مدارك أخرى، فإن مقتضى الإطلاقات ثبوت الحكم واستمراره بحسب الأزمنة في ظروف فعلية الموضوع في أي ظرف كان ولو كان استقبالا، ويدل على ذلك الروايات أيضا كصحيحة زرارة المروية في الكافي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحلال والحرام، فقال: حلال محمد أبدا إلى يوم القيامة، وحرامه حرام أبدا إلى يوم القيامة، لا يكون غيره ولا يجئ غيره، وقال: قال علي (عليه السلام): ما أحد ابتدع بدعة إلا وترك بها سنة.[288]

وإما فتاوى المجتهدين في موارد الخلاف، فلا تصيب من فتاواهم واقعة واحدة، إلا فتوى واحدة من ذلك.

نعم فتوى كل واحد من المجتهدين مع اجتماع شرائط التقليد فيه عذر بالنسبة للعامي في موارد الخطأ.

ثم أن الحكم المجعول في الشريعة له مقامان: مقام الجعل والثاني مقام الفعلية، وعلى ذلك فيمكن أن ينطبق عنوان الموضوع في شيء في زمان فيكون فعليا، ولا ينطبق على ذلك الشيء في زمان آخر فلا يكون ذلك فعليا، وهذا من ارتفاع فعلية الحكم، لا من تغير المجعول في الشريعة كما إذا كان شيء آلة القمار في زمان، وسقط عن آلية القمار في زمان آخر بعد ذلك الزمان، فاللعب به بلا رهان باعتبار عدم انطباق عنوان آلة القمار عليه في زمان اللعب لا يكون محرما وهذا ليس من تغير حكم حرمة آلة القمار كما هو واضح، وكوجوب الجهاد الابتدائي فانه بناء على اشتراط الجهاد الابتدائي بحضور الإمام (عليه السلام) فلا يكون في زمان الغيبة وجوب الجهاد فعليا لعدم حضوره (عليه السلام)، لا لأن مع عدم حضوره تغير حكم الجهاد في الشريعة وأمثال ذلك كثير.

نعم في الشريعة يمكن أن تكون لشخص أو أشخاص أحكام مختصة لهم، وهذه الأحكام تنتهي بانتهائهم كالأحكام المختصة بالنبي (ص)، وهذه قضايا خارجية لا ربط لها بالأحكام العامة الشرعية التي يعبر عنها بالقضايا الحقيقة .. والله العالم.

وأما مسألة حلق اللحية فالحكم فيها على تقدير الحرمة ثابت من الأول ويبقى إلى الأبد، وان كان حلالا ـ كما هو رأي بعض العلماء لمناقشتهم في دليل الحرمة ـ فالحلية أيضا كانت من الأول إلى الأبد، ولا يختلف ذلك باختلاف الأعصار والله العالم..[289]

جواد التبريزي

ختمه الشريف

 

[2]

وقد سئل سماحة المرجع الكبير من قبل أحد المؤمنين من دبي حول مقولات التحول والثبات التي ذكرها فضل الله في بداية مقال الأصالة والتجديد، وبعد أن استعرض جانبا من أقواله قال: والسؤال هو: هل صحيح ما ورد في هذا المقال من أن الإمامة من القضايا المتحولة التي لم تثبت بدليل قطعي؟! وهل العصمة كذلك؟.

وما هو نظر الشرع في من ذهب إلى هذه المقالة، هل يعد عندنا من الإمامية الإثني عشرية أم يعد من المخالفين؟أفتونا مأجورين.

وباعتبار أن جواب سماحة المرجع المفدى كان هذه المرة غيره في المرة السابقة حيث أجاب في المرة الأولى من وجهة النظر الأصولية والفقهية البحتة، فيما سنرى أن الجواب هنا سيكون من وجهة النظر العقائدية ولهذا أدرجنا جوابه الشريف حيث قال:

بسمه تعالى: مسألة الإمامة وعصمة الأئمة (عليهم السلام) من الضروريات والمسلمات عند الشيعة،ولا يضر في كونها ضرورية استدلال علماء الإمامية على ثبوتها في مقابل المخالفين المنكرين أو المشككين في ذلك، كما لا يضر استدلال العلماء على النبوة الخاصة والمعاد الجسماني في مقابل الفرق المنكرة لها من أهل الكتاب في كونهما من ضروريات الدين، وقد أوضحنا كل ذلك في جواب مفصل ألصق بالاستفتاء والله العالم.

وقد جاء في هذا الجواب ما يلي:

الضروريات الدينية على قسمين قسم منها ضروري عند عامة المسلمين أو جلّهم كوجوب الصلاة وصوم شهر رمضان المبارك، وقسم منها من ضروريات المذهب كجواز الجمع بين الظهرين والعشاءين من غير ضرورة ومثل عدم طهارة الميتة بالدبغ. وهذه الأمور تحسب من ضروريات المذهب ومسلماته والمنكر لذلك مع علمه بكونها ضرورية من المذهب خارج عن المذهب، كما أن في الأول المنكر مع عدم الشبهة يخرج عن الإسلام. هذا بالنسبة للأحكام الضرورية وأما بالنسبة للاعتقادات التي تجب معرفتها على كل مكلف عينا والاعتقاد بها اعتقادا جزميا بعضها من أصول الدين كالتوحيد والنبوة الخاصة والمعاد الجسماني والقسم ا لآخر من الاعتقادات من أصول المذهب كالاعتقاد بالإمامة للائمة (عليهم السلام) بعد النبي (ص) والاعتقاد بالعدل فإنه يجب على كل مكلف الاعتقاد بها إلا إن عدم الاعتقاد والمعرفة بالأول يخرج الشخص عن الإسلام، وفي الثاني لا يخرجه عن الإسلام وإنما يخرج عن المذهب.

والاعتقاد بكلا القسمين، كما ذكر العلماء ليس أمرا تقليديا بل يجل على كل مكلف تحصيل المعرفة والاعتقاد بهما ولو بدليل إجمالي يقنع نفسه به، وكون هذه الأمور أصوليا لا يمنع البحث ورد الشبهات الواردة عند طائفة من المتبحرين والمطلعين على الشبهات.

ولذا إن علماء الكلام كما بحثوا في مسألة النبوة الخاصة بل في مسألة المعاد بحثوا في مسالة الإمامة أيضا، وكما أن بعض الفرق تناقش في مسألة المعاد الجسماني بل في مسألة النبوة الخاصة كذلك ناقشت فرقة من المسلمين في مسألة الإمامة، ولكن هذه البحوث سواء أكانت من الدين أو المذهب لا تخرجها عن الضروريات عند المستدلين عليها بالأدلة القاطعة، ولو لم تقبل هذه الأدلة بعض الفرق كما ذكرنا، فإن استدلال العلماء على مثل هذه الأمور بالأدلة إنما هو لدفع الشبهات من الفرق الأخرى لا  إنها مسائل اجتهادية لم يثبت شئ منها بالنص الصريح أو الدليل القاطع.

وبالجملة ضروريات المذهب ـ أي مسألة الإمامة والعدل ـ ثابتة عند الشيعة بأدلة قاطعة وواضحة بنحو حرم العلماء التقليد فيها بل قالوا بوجوب تحصيل العلم والمعرفة على كل مكلف لسهولة الوصول إلى معرفتها، كما انهم أوجبوا العلم بأصول الدين ولم يجوزوا التقليد فيها لأن طريق تحصيل العلم بها سهل يتيسر لكل مكلف، والمتحصّل أن الإعتقاديات سواء أ كانت من أصول الدين أو أصول المذهب أمر قطعي ضروري عند المسلمين أو عند المؤمنين. وإنما يكون اختلاف آراء المجتهدين في غير الضروريات والمسلمات من الدين أو المذهب ويفحص في غيرهما من فروع الدين عن الدليل عليه، وبما أن العامي لا يتمكن من الفحص في مدارك الأحكام تكون وظيفته التقليد فيها فالاجتهاد والتقليد إنما يكونان في غير الضروريات والمسلمات، وأما الضروريات فالاستدلال فيها لغرض الرد على الفرق التي لا تؤمن ولا تعتقد بهذه الضروريات لا يخرج ذلك عن كونه ضروريا عند أهله ومسالة الإمامة عند الشيعة داخلة في ذلك كما بيناه. والله العالم.


المصادر والمراجع

1- القرآن الكريم.

2- نهج البلاغة؛ أمير المؤمنين؛ دار التعارف للمطبوعات؛ لبنان.

3- الأحكام السلطانية والولايات الدينية؛ للماوردي؛ دار الكتب العلمية؛ بيروت.

4- أحكام القرآن؛ للجصاص؛ دار الكتاب العربي؛ بيروت.

5- أدب الدنيا والدين؛ للماوردي.

6- إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري؛ ابن حجر؛ دار الفكر.

7- أسباب النزول؛ لجلال الدين السيوطي؛ مطبوع في هامش تفسير الجلالين.

8- أسباب النزول؛ الواحدي النيسابوري؛ عالم الكتب.

9- الاستيعاب في معرفة الأصحاب؛ ابن عبد البر؛ مطبوع في هامش الإصابة؛ دار إحياء التراث العربي.

10- أسد الغابة في معرفة الصحابة؛ ابن الأثير الجزري؛ دار الفكر؛ بيروت.

11- أسنى المطالب في مناقب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب؛ محمد بن محمد الجزري الدمشقي.

12- أصول الدين؛ لعبد القاهر البغدادي؛ أوفست على طبعة مطبعة الدولة؛ استنبول.

13- الأصول العامة للفقه المقارن؛ السيد محمد تقي الحكيم؛ دار الأندلس؛ بيروت.

14- الاقتصاد في الاعتقاد؛ لأبي حامد الغزالي؛ مطبعة السعادة؛ القاهرة.

15- أمالي الشيخ المفيد؛ للشيخ محمد بن محمد بن النعمان؛ مؤسسة الأعلمي؛ بيروت.

16- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل؛ ناصر مكارم الشيرازي؛ مؤسسة البعثة ـ بيروت.

17- أنساب الأشراف؛ للبلاذري.

18- البداية والنهاية؛ ابن كثير الدمشقي؛دار الفكر؛ بيروت.

19- بشارة المصطفى لشيعة المرتضى؛ لمحمد بن أبي القاسم الطبري؛ المكتبة الحيدرية 1963؛ ط2 ـ النجف.

20- بصائر الدرجات؛ محمد بن الحسن الصفار.

21- التاج الجامع للأصول؛ ابن الأثير الجزري؛ دار الفكر ـ بيروت.

22- تاريخ بغداد؛ الخطيب البغدادي؛ دار الفكر؛ بيروت.

23-  تاريخ دمشق؛ القسم الخاص بترجمة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)؛ ابن عساكر الدمشقي، تحقيق الشيخ المحمودي.

24- تاريخ الطبري؛ محمد بن جرير الطبري؛ مؤسسة التراث؛ بيروت. وكذا طبعة مؤسسة الأعلمي؛ بيروت.

25- التبيان في تفسير القرآن؛ شيخ الطائفة الطوسي؛ دار إحياء التراث العربي؛ بيروت.

26- تذكرة الخواص سبط بن الجوزي؛ مؤسسة أهل البيت؛ بيروت.

27- التسهيل لعلوم التنزيل للكلبي.

28- تفسير البيضاوي المسمى بأنوار التنزيل وأسرار التأويل؛ لناصر الدين البيضاوي؛ مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

29- تفسير الخازن المسمى لباب التأويل في معاني التنزيل؛ لعلاء الدين الخازن؛ دار الفكر ؛ بيروت.

30- تفسير الطبري؛ لمحمد بن جرير الطبري؛ دار المعرفة؛ بيروت.

31- تفسير علي بن إبراهيم المعروف بتفسير القمي؛ علي بن إبراهيم بن هاشم القمي؛ مؤسسة الأعلمي؛ بيروت.

32- تفسير القرآن العظيم؛ لابن كثير الدمشقي؛ دار المعرفة؛ بيروت.

33- التفسير الكبير؛ للفخر الرازي؛ دار الفكر؛ بيروت.

34- تفسير المنار؛ لمحمد رشيد رضا؛ دار الفكر؛ بيروت.

35- تفسير المنير لمعالم التنزيل؛ للجاوي.

36- تفسير النسفي المسمى بمدارك التنزيل وحقائق التأويل؛ لأحمد بن محمود النسفي؛ دار الفكر.

37- التمهيد في الرد على الملحدة والمعطلة والرافضة والخوارج والمعتزلة؛ للقاضي أبي بكر الباقلاني؛ طبع القاهرة.

38- الجامع لأحكام القرآن؛ للقرطبي؛ دار إحياء التراث العربي؛ بيروت.

39- حاشية الباجوري على شرح الغزي على متن الشيخ أبي شجاع؛ دار الفكر؛ بيروت.

40- الحاوي للفتاوي؛ لجلال الدين السيوطي.

41- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء؛ لأبي نعيم الأصفهاني؛ دار الفكر؛ بيروت.

42- الخرائج والجرائح؛ لقطب الدين الراوندي؛ مدرسة الإمام المهدي (عج)؛ قم.

43- الدر المنثور في التفسير بالمأثور؛ لجلال الدين السيوطي؛ دار المعرفة؛ بيروت.

44- دلائل الصدق؛ الشيخ محمد حسن المظفر؛ دار إحياء التراث العربي؛ بيروت.

45- ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى؛ المحب الطبري؛ دار المعرفة.

46- روح المعاني؛ لمحمود الآلوسي؛ دار الفكر؛ بيروت.

47- الرياض النظرة؛ لمحب الدين الطبري.

48- زاد المسير في علم لتفسير؛ لابن الجوزي الحنبلي؛ دار الفكر؛ بيروت.

49- سر العالمين وكشف ما في الدارين؛ لأبي حامد الغزالي.

50- سنن ابن ماجة؛ ابن ماجة؛ دار الفكر.

51- سنن الترمذي، محمد بن عيسى الترمذي ؛ دار الفكر.

52- سنن النسائي؛ أحمد بن شعيب النسائي؛ دار الجيل ـ بيروت.

53- السنن الكبرى؛ أحمد بن الحسين البيهقي؛ دار المعرفة ـ بيروت.

54- السياسة الشرعية؛ ابن تيمية الحنبلي.

55- الشاف الكاف في تخريج أحاديث الكشاف؛ ابن حجر؛ مطبوع بهامش الكشاف.

56- شرح المقاصد؛ لسعد الدين التفتازاني؛ عالم الكتب؛ بيروت.

57- شرح المواقف في علم الكلام ؛ للقاضي عضد الدين الإيجي؛ القاهرة.

58- شرح نهج البلاغة؛ ابن أبي الحديد المعتزلي؛ الطبعة الحجرية، وتحقيق محمد  أبو الفضل إبراهيم؛ دار إحياء التراث العربي؛ بيروت.

59- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل؛ للحاكم أبي عبد الله الحسكاني؛ مؤسسة الأعلمي؛ بيروت.

60- صحيح البخاري؛ محمد بن إسماعيل البخاري؛ دار الكتب العلمية، بيروت.

61- صحيح مسلم بشرح النووي؛ مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري؛ دار إحياء التراث العربي؛ بيروت.

62- الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة ؛ لابن حجر الهيتمي المكي؛ مكتبة القاهرة.

63- الطبقات الكبرى؛ لمحمد بن سعد الزهري؛ دار الفكر؛ بيروت.

64- غرائب القرآن ورغائب الفرقان؛ لنظام الدين النيسابوري؛ مطبوع في هامش تفسير الطبري؛ دار المعرفة؛ بيروت.

65- فتح الباري شرح صحيح البخاري؛ ابن حجر العسقلاني؛ دار الفكر ـ بيروت.

66- فتح القدير الجامع بين فتي الرواية والدراية من علم التفسير؛ لمحمد بن علي الشوكاني؛ دار الفكر ؛ بيروت.

67- الفصل بين الملل والنحل؛ لابن حزم الظاهري؛ دار الكتب العلمية.

68- الفصول المهمة؛ ابن الصباغ المالكي؛ دار الأضواء ـ بيروت.

69- الفضائل؛ أحمد بن حنبل.

70- قواعد أصول الأحكام؛ السيد حسين يوسف مكي العاملي.

71- القائد.. القيادة والانقياد في سيرة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)؛ جلال الدين علي الصغير، دار الزهراء ؛ ط1.

72- الكافي؛ ثقة الإسلام الشيخ محمد بن يعقوب الكليني؛ دار صعب ودار التعارف؛ بيروت.

73-  الكامل في التأريخ؛ ابن الأثير الجزري؛ دار الفكر؛ بيروت.

74- الكشاف؛ لجار الله الزمخشري؛ دار الفكر ؛ بيروت.

75- كفاية الطالب؛ للحافظ الكنجي الشافعي.

76- كنز العمال؛ للمتقي الهندي؛ مؤسسة الرسالة؛ بيروت.

77- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد؛ ابن حجر الهيثمي؛ دار الفكر؛ بيروت.

78- المحاسن والمساوئ؛ احمد بن الحسين البيهقي؛ دار المعارف ـ القاهرة.

79- المحصل؛ للفخر الرازي.

80- مختصر بصائر الدرجات لسعد بن عبد الله الأشعري؛ للحسن بن سليمان الحلي؛ النجف ـ 1970.

81- مختصر كنز العمال؛ للمتقي الهندي للمتقي الهندي؛ مطبوع بهامش مسند أحمد؛ دار الفكر.

82- مروج الذهب؛ المسعودي؛ دار إحياء التراث العربي.

83- المسترشد؛ ابن جرير الطبري.

84- مسند أحمد بن حنبل؛ دار الفكر؛ بيروت.

85- مصنف ابن أبي شيبة؛ ابن أبي شيبة؛ دار الفكر ـ بيروت.

86- مطالب السؤول؛ لابن طلحة الشافعي.

87- معجم رجال الحديث؛ للسيد أبي القاسم الموسوي الخوئي.

88- المعجم الكبير؛ الطبراني.

89- معرفة علوم الحديث: للحاكم أبي عبد الله النيسابوري.

90- مقدمة تاريخ ابن خلدون؛ عبد الرحمن بن خلدون؛ دار الفكر؛ بيروت.

91- الملل والنحل؛ الشهرستاني؛ دار السرور؛ بيروت.

92- المناقب؛ موفق بن أحمد الخوارزمي؛ مؤسسة النشر الإسلامي التابعة للحوزة العلمية في قم.

93- مناقب الإمام علي بن أبي طالب؛ ابن المغازلي الشافعي؛ دار الأضواء؛ بيروت.

94- مناقب الإمام أمير المؤمنين؛ محمد بن سليمان الكوفي.

95- من عنده علم الكتاب؟؛ جلال الدين علي الصغير؛ دار الأعراف للدراسات.

96- من لا يحضره الفقيه؛ للشيخ الصدوق؛ جماعة المدرسين في الحوزة العلميةـ قم.

97- منهاج السنة؛ ابن تيمية الحنبلي؛ المكتب الإسلامي؛ بيروت.

98- ميزان الاعتدال؛ الحافظ الذهبي؛ دار المعرفة ـ بيروت.

99- الميزان في تفسير القرآن؛ العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي؛ مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

100- نور الأبصار؛ الحافظ الشبلنجي؛ الدار العالمية؛ بيروت.

101- الولاية التكوينية الحق الطبيعي للمعصوم (عليه السلام)؛ جلال الدين علي الصغير؛ الطبعة الثانية؛ دار الأعراف للدراسات ـ 1998.

102- ينابيع المودة؛ للحافظ القندوزي الحنفي؛ مؤسسة الأعلمي؛ بيروت.

هذا بالإضافة إلى العديد من الكتب التي ورد ذكرها في الهامش واعتمدنا عليها بالنقل من الآخرين.

كتب محمد حسين فضل الله

أولا: الكتب..

103- آراء ومواقف؛ دار الملاك ـ بيروت.

104- حوارات في الفكر والسياسة والمجتمع، إعداد نجيب نور الدين؛ ط1 دار الملاك.

105- حركة النبوة في مواجهة الانحراف، إعداد شفيق محمد الموسوي.

106- دراسات وبحوث قرآنية في فكر محمد حسين فضل الله، إعداد وتقديم حسين أحمد شحادة. (الكتاب السنوي لمجلة المعارج العدد 28 ـ 31).

107- دنيا الشباب، إعداد أحمد أحمد؛ مؤسسة العارف ـ بيروت.

108- فضل الله وتحدي الممنوع ؛ للصحفي علي حسن سرور؛ ط1؛ 1992.

109- فقه الحياة؛ حوار مع فضل الله أجراه أحمد أحمد وعادل القاضي؛ مؤسسة العارف للمطبوعات.

110- في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي ؛ دار الملاك 1994.

111- في رحاب أهل البيت؛ إعداد سليم الحسني؛ دار الملاك؛ بيروت.

112- في رحاب دعاء كميل؛ الطبعة الأولى؛ 1995؛ دار الملاك؛ بيروت.

113- للإنسان والحياة، إعداد شفيق محمد الموسوي؛ دار الملاك؛ بيروت 1996.

114- المسائل الفقهية ج1، ج2 دار الملاك.

115- من وحي القرآن بطبعتيه القديمة لدار الزهراء، والجديدة لدار الملاك.[290]

116- الندوة ج1، إعداد عادل القاضي دار الملاك ـ بيروت الطبعة الأولى ـ 1997.

ثانياً: المقالات والجرائد

117- الأصالة والتجديد.. مجلة المنهاج؛ العدد الثاني؛ بيروت.

118- الدولة المثالية بين النظرية والتطبيق.. مجلة الثقافة الإسلامية العدد: 59ـ 60 دمشق.

119- صورة النبي محمد في القرآن الكريم؛ مجلة الثقافة الإسلامية العدد: 65 دمشق.

120- مجلة المرشد؛ العدد 3ـ 4 دمشق.

121- جريدة فكر وثقافة أعداد مختلفة.

122- جريدة الشرق الأوسط.

123- مجلة المشاهد السياسي العدد: 168.


أبحاث المؤلف

أولاً: الدراسات والأبحاث المطبوعة

1- العالم طبيعته ومصدره (دار التعارف ـ بيروت 1980).

2- حيثيات وآفاق القرار السياسي للحرب المفروضة (طهران 1985).

3- نشوء القومية في العالم الإسلامي (المعهد الإسلامي ـ لندن 1985).

4- القائد القيادة والانقياد في سيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) (دار الزهراء ـ بيروت 1990).

5- التفسير الموضوعي والفلسفة الاجتماعية في المدرسة القرآنية (الدار العالمية ـ بيروت 1990). (ترجم إلى اللغة الفارسية وطبع من قبل مركز نشر رجا ـ طهران.

6- اتجاهات الدفاع الاجتماعي في الإسلام (دار البلاغة ـ بيروت 1993).

7- دور التقوى في الحركة الاجتماعية (دار الأعراف للدراسات والنشر ـ بيروت 1993) طبعتان.

8- الشهادة وحياة الأمة (دار الأعراف للدراسات والنشر ـ بيروت) . طبعة ثالثة؛ 1993.

9- الولاية التكوينية الحق الطبيعي للمعصوم (ع). (دار الأعراف للدراسات بيروت).(طبعة ثانية في بيروت) 1998.

10- من عنده علم الكتاب؟ دار الأعراف للدراسات 1998.

11- هذا الكتاب..

إضافة إلى العديد من المقالات والدراسات التي نشرت في العديد من المجلات الإسلامية.

 

ثانيا: الدراسات والأبحاث غير المطبوعة

1- الإمامة بحث في الضرورة والمهام. (دراسة تأصيل عقائدي ونقد لفكر الانحراف).

2- اتجاهات النفوذ البريطاني في العراق.

3- الصراع الاجتماعي في الإسلام.

4- بحوث في المذهب الاجتماعي في الإسلام.

5- تعليقة على كتاب اقتصادنا.

6- مفتاح الميزان.

7- تفسير سورة الفاتحة.

8- تحت أفياء دعاء كميل.

9- في ظلال الديار المقدسة.

10- الفقه الإباحي إباحة فقه أم استباحة دين (دراسة نقدية للمنهج الفقهي لتيار الانحراف).

11ـ فاطمة الزهراء (ع) فريدة الدهر.

12ـ حوار عقائدي حول مظلومية الزهراء (ع) وعصمتها.

13ـ لهذا كانت المواجهة ح1 (تحت الطبع).

سلسلة مفاهيم الإسلام

14- عصمة المعصوم (عليه السلام) وفق المعطيات القرآنية. (تحت الطبع)

15- مجتمع المتقين في القرآن.

16- المدلول الاجتماعي لحب الدنيا.

17- انتظار الفرج ودوره في حياة المسلم.

18- سلوكية الأزمة في العمل الإسلامي.

19- علم المعصوم (عليه السلام).

20- دور الوجدان في حركة الأمة (الشعار الحسيني نموذجا).

21 ـ الميثاق الإلهي في النص المعصوم.

 

سلسلة في مواجهة الانحراف

22- النبي إبراهيم (عليه السلام) نبي لا يعرف ربه!!

23- النبي  يوسف عليه وفرية الزنا. (تحت الطبع).

24- وعاد الثالوث إيماناً!!.

 

التحقيقات المطبوعة

1- الزهد للحسين بن سعيد الأهوازي؛ دار الأعراف للدراسات والنشر بيروت؛ 1993.

2- الدرة الباهرة من الأصداف الطاهرة؛ للشهيد الأول؛ دار الأعراف للدراسات والنشر بيروت 1993.

3- كامل الزيارات لابن قولويه (تحت الطبع) بيروت 1998.

4- النوادر فيما يتصل بأصول الدين؛ للفيض الكاشاني؛ تحت الطبع.

5- عدة مجلدات من كتاب بحار الأنوار للعلامة المجلسي. الطبعة الحديثة لدار التعارف للمطبوعات ـ بيروت..

6- تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي. (نحت الطبع)

 

التحقيقات غير المطبوعة

1- تفسير نور الثقلين للحويزي.

2- إثبات الهداة في النصوص والمعجزات للحر العاملي.

3- بشارة المصطفى لشيعة المرتضى للشيخ الطبري.

4- نوادر الراوندي للسيد الراوندي.


عنوان المؤلف

بود المؤلف أن يستمع لرأي الأخوة القراء واستفساراتهم وتعليقاتهم، سواء تلك المتعلقة بهذا الكتاب أو بأي كتاب آخر له أو أي أمر بخطر ببال القارئ الكريم أن له ثمة علاقة بالكاتب، وسيكون ممتنا لذلك، وهو مستعد للإجابة على هذه الأسئلة، والاستماع إلى تلكم التعليقات مهما كانت طبيعتها، ولهذا يضع المؤلف عنوانه الحالي تحت اختيار الاخوة الأعزاء:

الجمهورية العربية السورية ـ دمشق ـ منطقة السيدة زينب (عليها السلام) ص.ب 625.

al_sageer@hotmail.com.  E-mail:

 

 

 



[1] - هذا البحث في الاصل هو مجموعة من المحاضرات التي القيت على مجموعة من الطلبة الاعزاء ضمن مجموعة أبحاثنا العقائدية التي القيناها في مركز البحوث والدراسات الإسلامية في ضاحية السيدة زينب عليها السلام. ما عدا ما سنشير إليه في موضعه.

[2] - أنظر بعض النماذج عن ذلك في تصدير الطبعة الثانية من كتابنا الولاية التكوينية: 81 فما بعد.

[3] - وذلك كما طرحها محمد حسين فضل الله في مقالته (الأصالة والتجديد) المنشورة في العدد الثاني من السنة الأولى لمجلة المنهاج البيروتية: 62ـ65 وأعيد نشرها ببعض التحوير في مجلة المعارج، وكذا ما أوضحه فيما بعد في العدد الثالث من مجلة المنهاج وفي جريدته فكر وثقافة، وكذا كتاب الندوة وغيرها بالصورة التي سنعرض إليها في محله.

[4] - للتفصيل يرجع إلى كتابنا: الإمامة بحث في الضرورة والمهام.

[5] - من شريط مسجل بصوته.

[6] - انظر كتاب: حوارات في الفكر والسياسية والاجتماع: 480 محمد حسين فضل الله، إعداد نجيب نور الدين، دار الملاك ـ بيروت. 1997 ط1.

[7] - مقال الاصالة والتجديد: 65 . ومجلة المعارج: 307.

[8] - من الواضح أن اساءة الادب المفجعة التي لحقت بالساحة المقدسة للإمام أمير المؤمنين (صلوات الله عليه ) والتي وردت في بقع متعددة من كتاب في رحاب دعاء كميل: 58، 72، 82، 94، 159ـ160، 169، وغيرها من الطبعة الأولى لم يتعرض اليها أحد من النواصب المعاصرين.

[9] - قد يستغرب بعض القراء من هذا الاسلوب باعتبار أن حبل الكذب قصير وأن الأمر سرعان ما سيفتضح، وهذا الأمر لا يغفل عنه هذا التيار، ولكنه يحسب الأمر كما لو كان عملية تجارية، فمع حساب عدد الذين ستنطلي عليهم هذه الكذبة وتلك، وعدد الذين سيحسون بها.. سبيقى عدد من خدع أكبر بكثير من الفريق الثاني.!

[10] - جريدة فكر وثقافة العدد: 12.

[11] - كنا قد أضفنا هذا المقطع بعد إتمام الكتاب وذلك لعدم تفويت ما فيه من طرافة ودلالة على ما نقول.

[12] - مجلة المشاهد السياسي في عددها الصادر في 30/5/1999 المرقم: 168.

[13] - جريدة الشرق الأوسط بتأريخ: 31/7/1999.

[14] - من وحي القرآن 4: 153 ـ 154 نفس الطبعة

وإن كان الكلام عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذه الصورة فما بالك بالكلام عن الأئمة عليهم السلام!!.

[15] - النجم: 3ـ4.

[16] - في رحاب أهل البيت: 404.

[17] - الاعراف: 143.

[18] - من وحي القرآن 10: 238 (الطبعة الجديدة).

وينطوي هذا الكلام بغير القدح المريع بتوحيد موسى على قدح بكامل عقائد الانبياء وخاصة بعقيدة رسولنا الكريم فضلا عن أئمة الهدى، من خلال حديثه عن التكامل التدريجي للعقيدة في أنفسهم، وكأن النبوة والإمامة تمنح عيثاً واعتباطاً من دون تكامل الشخصية عقائديا وسلوكياً، وهذا ما يجر الكلام إلى حقيقة أن هذا القول يبتني على معتقد سيء بالعدل الالهي حينما يتم تصوير الاصطفاء الرباني بصورة تبتعد عن القاعدة العقلية: (تلازم الترجيح مع وجود المرجح).

[19] - انظر من وحي القرآن 9: 112 ـ123 وانظر ردنا عليه في كراسنا القادم: النبي ابراهيم (عليه السلام) لا يعرف ربه!!

[20] - من وحي القرآن 12: 186، ودنيا الشباب: 36، وحركة النبوة في مواجهة الانحراف: 291.

[21] - من وحي القرآن 17: 304 ـ307، و19: 289ـ 294. الطبعة القديمة). ولم نورد ما ورد في الطبعة الجديدة لأن الكتاب في لحظة إعداد ذلك لم يك موجوداً عندي.

[22] - الكافي 2: 375 ح4.

[23] - فكيف بك مع من لم يدع وسيلة من وسائل الاتصال الجمعي إلا واستخدمها للتبشير بأفكاره والدفاع عنها ابتداء من الوسائل المقروءة مروراً بالمرئية والمسموعة والالكترونية (الانترنيت) وانتهاء ببذل المال السخي لتجميع الانصار أو لترهيب الخصم؟ دون التورع من استخدام وسائل العنف تهديداً وتنفيذا أو تهديد الاعراض والمساس بها!!.

[24] -أمالي المفيد: 122 م14 ح6.

[25] - قد يعمد بعض المفكرين إلى استخدام مصطلح التحرك بدلاً من التحول في أدبياتهم ويريد بها نفس معنى التحول.

[26] - من يتأمل بدقة فسيجد بوضوح أن واقع هذه الفكرة ـ أي عدم وجود ثوابت معيارية وفكرية ـ بحد ذاتها تفند مزاعم هذا الاتجاه، فإن كانت هذه الفكرة راسخة بحيث أنهم يرفضون زعزعتها، فلقد حولوها إلى ثابت فناقضوا كلامهم عندئذ، وإن لم تكن ثابتة وكانت قابلة للتحول فيمكن عندئذ القول بوجود ضدها، فتتحول عندئذ إلى صف القائلين بوجود ثوابت في المعايير والمفاهيم.

[27] - وإن كان البعض منها قد يقف موقفا مخالفاً من فكرة ثبات المفاهيم ولكن التدقيق في المعطيات المترتبة على هذه المواقف تجعلنا نشك في دقة هذه المخالفة وموضوعيتها.

[28] - كنا قد فصلنا القول عن ذلك في بحثنا (غير مطبوع) الصراع الاجتماعي في الإسلام.

[29] - القيامة: 36.

[30] - الانسان: 2ـ5.

[31] - آل عمران: 108.

[32] - آل عمران: 195.

[33] - الانبياء: 107.

[34] - الأنعام: 149.

[35] - الاعراف: 172ـ173.

[36] - آل عمران: 7.

[37] - أنظر على سبيل المثال: مقالة (الدولة المثالية بين النظرية والتطبيق) المنشور في العدد: 59 ـ60 من مجلة الثقافة الإسلامية الصفحة: 168.

[38] - كتاب الندوة 1: 579، إعداد عادل القاضي، دار الملاك ـ بيروت الطبعة الأولى 1997.

[39] - التوبة: 34.

[40] - فاطر: 32.

[41] - فصلنا الحديث عن هذا الموضوع وغيره في كتبانا: (علم المعصوم (عليه السلام) الذي سيصدر في هذه السلسلة إن شاء الله تعالى.

[42] - الأعراف: 175.

[43] - خصوصا لدى هربرت سبنسر وكارل ماركس ومن بعده انجلز ولينين وبليخانوف من المفكرين الماركسيين، وكذا ما نرى في أفكار سيجموند فرويد وديفيد هيوم وجان بول سارتر ودوركهايم وجون ستيوارت مل وجميع فلاسفة البراجماتيزم وغيره ممن رأوا تحكم الواقع الاجتماعي في بناء القيم والأفكار.

[44] - أبدلت هذه الكلمة بكلمة الخاتمية حينما أعيد نشر هذا المقال في الكتاب السنوي لمجلة المعارج الذي صدر تحت عنوان: دراسات وبحوث قرآنية في فكر محمد حسين فضل الله: 304.

[45] - مقالة الاصالة والتجديد المنشور في مجلة المنهاج البيروتية العدد الثاني: 60، وكذا نفس المقال في دراسات وبحوث قرانية (م.س): 303ـ 304.

[46] - فكر وثقافة العدد: 16، والندوة 1: 334.

[47] - مجلة المنهاج العدد الثالث، وكذا دراسات وبحوث: 312.

[48] - حاول فضل الله تبرير ذلك بالقول إنه كتبها لواقع غير إمامي في أمريكا محاولا استمالتهم إلى ذلك(فكر وثقافة العدد 16 ومجلة المنهاج العدد الثالث)، وهي محاولة عجيبة مرة في العرض وأخرى في المفهوم، فلعمري أيجري الحديث مع غير الإمامية بقضايا من قبيل العصمة والولاية التكوينية أو علم الإمام أو عصر الغيبة ووجوب الخمس مما لا يمكن التحدث به مع العامة لوضوح عدم ايمانهم بما قبل ذلك، فكيف يمكن التحدث معهم بالصغريات وهم لا يؤمنون بكبرياتها؟!! علماً أن الرجل له مواقف تتراوح بين النفي المطلق لهذه الامور، وبين التشكيك بتفاصيلها، ففي العصمة ناهيك عن مخالفته لمقولاتت الإمامية في العصمة الاختيارية حيث ينفيها في بادئ التبليغ حيث يقول في الطبعة الجديدة لكتابه من وحي القرآن ما نصه: من الممكن من الناحية التجريدية أن يخطئ النبي في تبليغ آية أو ينساها، في وقت معين ليصحح ذلك ويصوّبه بعد ذلك لتأخذ الآية صيغتها الكاملة الصحيحة.. إن قضية الغرض الإلهي في وصول الوحي إلى الناس لا يستلزم إلا الوصول في نهاية المطاف من غير خطأ، ولكن لا مانع من حدوث بعض الحالات التي يقع فيها الخطأ!!!. (من وحي القرآن 4: 153ـ154) من الطبعة الثانية دار الملاك بيروت 1998).

أما في غير التبليغ فحدّث ولا حرج فعلاوة على مواقفه من عصمة الانبياء (عليهم السلام) والرسول (ص) والتي يعرض فيها كثيرا (انظر للتفصيل كتاب: لهذا كانت المواجهة!! وكذا كتاب خلفيات كتاب مأساة الزهراء (عليها السلام) وبزعمه فليس ثمة ضير على ثقة الناس بالنبي أو الإمام لمجرد خطأ هنا أو خطأ هناك. (في رحاب أهل البيت: 404).

أما الولاية التكوينية فهو ينفيها جملة وتفصيلاً كما عرفت ذلك في كتابنا الولاية التكوينية الحق الطبيعي للمعصوم (عليه السلام)، وأما علم النبي(ص) فضلاً عن الأئمة (عليهم السلام) فهو الآخر ينفيه حيث يقول ما نصه: فالظاهر من كل الايات نفي العلم الذاتي حتى على نحو التبعية بمعنى جعل النبي علاماً بالغيب بحيث يملك الغيب في ذاته بقدرة الله في عطاءه له كما اعطاه ملكاته الاخرى. (انظر: بشرية النبي في كتاب دراسات وبحوث قرآنية: 602، وما يقرب من ذلك في مقالة: صورة النبي محمد في القرآن الكريم المنشور في مجلة الثقافة الإسلامية العدد: 65 الصفحة: 64).

هذا مع العلم أن المقال لم ينتشر في وسط العامة، وإنما انتشر في مجلة شيعية تقرأ غالبيتها في اوساط شيعية، فلو كانت مبررات العرض مع العامة تقتضي ما ذكروه، فما بالهم ابقوا الأمر على ما كان عليه مع العام حينما نشروها وسط الخاصة، هذا من حيث العرض أما من حيث المفهوم، فلعمري متى كان النقاش، مع الخصم يستدعي التنازل عن اساسيات الخصام؟!! وما لهذا التنازل بقي يروّج له في كتبه ونشراته حتى حينما اقتصر ترويجها في الساحة الشيعية!!.

 

[49] - البقرة: 120.

[50] - أصل الموضوع كما يرويه أرباب الحديث عن ابن عباس أنه قال: لما حضر رسول الله (صلى الله عليه وآله) الموت وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال النبي (صلى الله عليه وآله): هلم اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده. فقال عمر: إن النبي قد غلب عليه الوجع (وفي بعض الروايات: إن النبي ليهجر)* وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله فاختلف أهل البيت فانقسموا، منهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم النبي كتابا لا تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما اكثروا اللغو والاختلاف عند النبي قال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): قوموا عني.**

 * كما ذكرها ابن الجوزي في تذكرة الخواص: 65، وكذا الغزالي في سر العالمين وكشف ما في الدارين: 21.

 ** انظر القصة في صحيح مسلم 11: 95، والبخاري 4: 7، وأحمد في المسند 4: 356 ح2992 وابن أبي الحديد في الشرح 1: 133، و6: 51 والطبري في التاريخ 2: 436، وابن الأثير في الكامل 2: 320، والشهرستاني في الملل والنحل 1: 22، وابن سعد في الطبقات 2: 242 ـ 244 وغيرها كثير..

[51] - المائدة: 3.

[52] - بجح: افتخر.

[53] - ابن الاثير في الكامل في التأريخ 3: 64 ـ 65 والطبري في تأريخه 3: 288 ـ 290، وابن أبي الحديد في شرح النهج 12: 53 ـ 54.

[54] - من شريط مسجل بصوته بتأريخ 14/10/1995 نحتفظ به.

[55] - من شريط مسجل بصوته نحتفظ به.

[56] - الندوة 1: 422.

[57] - الندوة 1: 422.

[58] - أنظر الاصالة والتجديد (م.س): 63.

[59] - وهي التي عناها في مقال المنهاج المتقدم بالثوابت!!..

[60] - حوارات في الفكر والسياسية والاجتماع: 480.

[61] - انظر نصوص هذه الاقوال المتوفرة في شريط بصوته نحتفظ به والردود عليها في الكتاب الموفق الذي خطته يراع الأخ الحجة المفضال سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي (حفظه الله تعالى) والموسوم بـ : (مأساة الزهراء (عليها السلام) شبهات وردود.

[62] - انظر للتفصيل والنقض كتاب قواعد استنباط الاحكام للمرحوم آية الله السيد حسين يوسف مكي العاملي ص171 فما بعد، وكذا كتاب آية الله العظمى السيد محمد تقي الحكيم: الاصول العامة للفقه المقارن: 617 فما بعد.

[63] - انظر تأريخ أبو الفدا 1: 158.

[64] - تاريخ الطبري 2: 503.

[65] - الاصالة والتجديد: 63.

[66] - انظر جواب المرجع الديني التبريزي على سؤالنا حول مقالة الاصالة والتجديد المنشور في آخر الكتاب.

[67] - من وحي القرآن 2: 69.

[68] - لا نعلم بوجود صفة طارئة بين الاديان غير تبدل الانبياء (عليهم السلام) وتفاصيل شرائعهم وكتبهم، فهل يا ترى ستسقط هذه الصفات الطارئة أمام القاعدة الصلبة كما يزعم!؟.

[69] - من وحي القرآن 2: 71ـ72.

[70] - المرشد العدد: 3ـ4 ص373.

[71] - المائدة: 37.

[72] - التوبة: 30.

[73] - من قول له نحتفظ بستجيله بصوته، يمكن مراجعة تفصيله في كتابنا الولاية التكوينية: 211ـ212.

[74] - في آفاق الحوار الاسلامي المسيحي: 294 ط1 دار الملاك 1994.

[75] - في آفاق الحوار الاسلامي المسيحي: 295.

[76] - من قول له نحتفظ به مسجلاً.

[77] - آراء ومواقف الحلقة الأولى: 103.

[78] - فضل الله وتحدي الممنوع: 155 لعلي حسن سرور، ط1، 1992.

[79] - المائدة: 17.

[80] - أي فكرته عن المقدس وغير المقدس في الاسلام.

[81] - انظر مجلة المرشد العدد 3ـ 4 ص86.

[82] - الندوة 1: 439.

[83] - من شريط مسجل بصوته.

 

[84] - البقرة: 124.

[85] - الانبياء: 73.

[86] - القصص: 5.

[87] - السجدة: 24.

[88] - فصلت: 42.

[89] - النساء: 82.

[90] - البقرة: 124.

[91] - لا بد من توقف هنا عند ما يعتقده فضل الله وتحدث عنه في مواضع متعددة من كتبه من أن كل نبي إماما* وعلى الرغم من وضوح المفارقة بين هذا المعتقد، وبين ما يعتقده أهل البيت (صلوات الله عليهم)، إلا أننا نماشي الرجل في تفكيره كي نلحظ معاً مستوى الاسفاف في فكره ومعتقده، فمن الواضح هنا أن الجعل الالهي المشار إليه في الآية الكريمة كان قد تحقق بعد أن وصل إبراهيم بنبوته الدرجات العليا الكاملة وهي التي تعبر عنها الآية الكريمة بقوله تعالى: (فأتمهن) فلقد جعلت الإمامة لإبراهيم بعد أن مر بمرحلة اتمام الكلمات الالهية التي ابتلاه بها ربه، وهذه المرحلة إنما كانت في أواخر عمره الشريف بدليل قوله: (ومن ذريتي) فطلبه الإمامة لذريته، إنما كان بعد أن رزق هذه الذرية، وواضح أن إبراهيم كان قد رزق الذرية في مشيخته بعد تحقق نبوته، وهذا ما يظهره بوضوح في الآية الكريمة: (وأمراته قائمة فضحكت فبشرناها باسحق ومن وراء اسحاق يعقوب . قالت يا بوليتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب)[هود: 71ـ72]، وهذا الامر قد تحقق إبان مجيئ ضيف إبراهيم من الملائكة حال مرورهم لتدمير قرى قوم لوط، ولا أحسب إن فضل الله سيقول أن النبي آنذاك لم يكن مبعوثاً، فهو يعتبر إبراهيم المسؤول التنظيمي (في حزب السماء!) للوط** وعندئذ فإن هذا الجعل إنما تم بعد النبوة، ولو كانت النبوة أي نبوة مدعاة للإمامة كما يرى فضل الله، فمن اللازم أن يكون إبراهيم هنا إماماً قبل ذلك وعندئذ فمن الحق التساؤل عن معنى الجعل إذن!! ولو عكسنا الأمر فالشأن سيّان، لأنه لو كانت الإمامة متساوية مع النبوة فيا ترى ماذا كان إبراهيم قبل أن يجعل إماما؟ ولو غدا إماما فمتى أصبح نبيا!!.

على أن من الواضح أن تاريخ الانبياء قد حفل بوجود أكثر من نبي في نفس الموضع والتأريخ والرسالة، وما نجد في وجود ابراهيم مع اسحاق، وإبراهيم مع اسماعيل،و إبراهيم مع لوط، واسحاق مع يعقوب، ويعقوب مع يوسف، وهارون مع موسى، وسليمان مع داود، وغيرهم الكثير[ على نبينا وآله وعليهم أفضل الصلاة والسلام]، فماذ سيكون حكم التعدد هنا؟ فإن قال: لم يكونوا أنبياء، فإنه يكذّب القرآن والسنة الصحيحة والصريحة، وهنا لن ينفع التشبيه بإمامة الحسن والحسين (صلوات الله عليهما) لأن ذلك يقتضي التعاقب الزمني أي إن إمامة احدهما تكون تابعة للآخر، ولا تتفعّل إلا بعد الرحيل الوجودي لا المكاني للأول منهما، في الوقت الذي نجد أن هذا الامر لا يصح مع وجود ابرهيم مع ثلاثة انبياء على الاقل هم اسحاق ولوط واسماعيل، ومع وجود هارون وموسى، خصوصاً وأن قصة هارون وموسى فيها من الدلالة على زيف هذه الفكرة وما يكفي لفضحها، ولذلك لأن هارون توفي في زمن موسى، والقصة بنفسها تفضح ما لو ادعى بأن اولئك الانبياء كانوا في أماكن متعددة، مما يقتضي تعدد الانبياء ـ الائمة، ورغم الوهن الواضح في ذلك، إلا أننا نجد أن هارون لم يفارق موسى في المكان (اللهم إلا إبان ذهابه إلى الطور) الامر الذي يجعلنا نتساءل عن المصداقية المتوخاة من امامة هارون طالما وأن امامته لن تفعّل مطلقا، ولم يجد لها هارون متنفسا يفعّلها على الصعيد الرسالي.

ولا قيمة لما حاول التخلص منه في طبعته الجديدة من تفسيره فقال إن الإمامة تعتبر الصفة المتحركة للنبي في حياته، فكانت النبوة والرسالة تنطلقان في اتجاه المهمة التي كلفه الله بها، بينما كانت الإمامة تتحرك في اتجاه إعتباره قدوة وقاعدة لمن أراد الاقتداء به والانطلاق من القاعدة الايمانية المتجسدة، وبذلك يظهر كيف تتأخر الإمامة عن النبوة.***

ولو أفرغنا ما في هذا الكلام من حشو كلامي فإنه في هذا الكلام يناقض نفسه من جهة، ويناقض الفكر الإسلامي من جهة ثانية، فالتأخر ـ أي تأخر ـ بين الإمامة والنبوة يلزم بوجود تفاوت بين الدورين، مما يوقعه في تناقض، بل وفي دور فلسفي، أما ما اعطاه الرجل من دور للإمام وهو بمعنى الاقتداء فهو نفسه الممنوح اسلاميا للنبي والرسول، فمن قال أن النبي ليس له دور القدوة والقرآن لا يتحدث بصراحة عن ذلك فحسب، بل إنه يعطي هذا الدور حتى للمؤمنين وذلك كما يظهر من قوله تعالى: (قد كانت لكم اسوة حسنة في إبراهيم والذين معه)[الممتحنة: 4] ولا يمكن بأي حال تصور إمكانية أن يقال ان النبوة لا تستدعي الاقتداء، فهذا ما يجرنا إلى القول بعدم عصمة الانبياء!! فما المائز إذن بين الدورين حتى يمكننا القول بإمكانية التأخر للإمامة عن النبوة؟.

* انظر كتاب حوارات في الفكر والسياسية والاجتماع: 502 ـ 503، وكتاب للإنسان والحياة: 312، ومجلة المعارج العدد 28ـ31 ص 680ـ681، وجريدة فكر وثقافة العدد: 66 ومن وحي القرآن 3: 16 من الطبعة الجديدة.

** من شريط مسجل بصوته.

*** من وحي القرآن 3: 19.

[92] - الاعراف : 134.

[93] - الزخرف: 49.

[94] - طه: 115.

[95] - الميزان في تفسير القرآن 1: 270.

[96] - فصلنا الكلام عن ذلك في كتابنا من عنده علم الكتاب، فراجع إن شئت المزيد.

[97] - لقمان: 20.

[98] - الجاثية: 13.

[99] - الأحزاب: 72.

[100] - بصائر الدرجات: 508 ج10 ب12 ح2.

[101] - انظر كتابنا الولاية التكوينية: 163 فما بعد.

[102] - الكهف: 103 ـ 104.

[103] - التوب: 9.

[104] - الانبياء: 73.

[105] - انظر مناقب الخوارزمي: 266 ـ267 ح 249 وذكره أبو نعيم في الحلية 1: 64، والطبراني في المعجم الكبير 11: 211، والهيتمي في مجمع الزوائد 9: 112، والمتقي الهندي في كنز العمال 13: 108، وفي المختصر للكنز المطبوع في هامش مسند أحمد 5: 38 وابن كثير الدمشقي في تفسيره 2: 4، وابن عساكر في تاريخ دمشق 42: 363، والزرندي في نظم درر السمطين: 89، والقندوزي الحنفي في ينابيع المودة 2: 406، والحاكم الحسكاني في روايات عدة في شواهد التنزيل 1: 48، 54 وغير ذلك كثير.

[106] - الاحزاب: 45.

[107] - النساء: 41.

[108] - لفهم الشهادة دورا وهدفا ومصداقا ننصح بالرجوع لكتابنا: من عنده علم الكتاب؟.

[109] - الرعد: 7.

[110] - وهذا يظهر مدى التهافت الذي وقع فيه فضل الله حينما حاول جعل الآية عامة لا تخص أهل البيت (عليهم السلام) وحدهم، كما أشار إلى ذلك في كتابه من وحي القرآن 1: 16، و13: 23.الطبعة الجديدة. فالهادي الرباني ضمن هذه المواصفات يحتاج إلى علم خاص من قبل الله بكل ما يتعلق بعملية الهداية، وحينما يكون له مثل هذا العلم، لا بد من أن يكون معصوما، لأن هذا العلم ليس كغيره من العلوم الكسبية التي يمكن أن تكون عالماً بها من دون أن تعمل بها (يا ايها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) [الصف: 2] وقوله تعالى: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً) [النمل: 14] بل هو العلم الذي لا ينفك عن الاثار المترتبة عليه، ولا يمكن في الضرورة العقلية ان ينصب الله هاديا من دون أن يكون معصوماً، وذلك لاستلزام طاعة الهادي، فإن كان مصيبا في عمله فقد أدركت الهدى من جهتيه، من جهة طاعة الهادي ومن جهة اصابة الحكم الواقعي، ولكن ماذا لو كان الهادي مخطئا أو عاصيا عندئذ إن أطعته خالفت الحكم الواقعي وأمر الله بعدم العصيان، وإن تخلفت عنه خالفت أمر الله بطاعة الهادي، وهذا ما لا يمكن لله أن يوقع عباده فيه، وهو الذي كتب على نفسه الرحمة.!!.

[111] - القدر: 4.

[112] - الدخان: 3ـ4.

[113] - من وحي القرآن 24: 350ـ351.

[114] - الكافي 1: 386 ح1.

[115] - النحل: 2.

[116] - ينبغي التنبيه الى حقيقة أن الوحي الالهي لا يختص بالانبياء والرسل فقط بل لدينا في قصص الخضر ولقمان وأم موسى ومريم (عليهم صلوات الله تعالى اجمعين) ما يؤكد أن الوحي الالهي له حضور أكبر من ساحة الانبياء والرسل.

[117] - من فرق الخوارج أتباع نجدة بن عامر الحروري.

[118] - انظر الفصل بين الملل والنحل 3 : 3ـ4 دار الكتب العلمية، بيروت.

[119] - أصول الدين: 271.

[120] - الاقتصاد في الاعتقاد: 148.

[121] - المحصل: 406.

[122] - شرح المقاصد 5: 237.

[123] - الأحكام السلطانية والولايات الدينية: 16ـ 18.

[124] - أدب الدنيا والدين: 111.

[125] - السياسة الشرعية: 165.

[126] - التمهيد في الرد على الملحدة والمعطلة والرافضة والخوارج والمعتزلة: 182ـ185.

[127] - انظر دلائل الصدق 2: 27

[128] - مقدمة ابن خلدون: 237.

[129] - شرح المواقف في علم الكلام 8: 3467.

[130] - العجيب والمضحك المبكي في آن واحد أنه في الوقت الذي رأى في ادخال الشهادة الثالثة ما يمكنه ان يؤدي إلى مفاسد كثيرة للإسلام، لم يمنع من ذكرهما في أذان مسجده وجمعته، كما يصرح هو في أجوبته المؤرخة في 16 جمادي الأول 1417 هـ. ومن الحق أن نتساءل بعدئذ عن طبيعة الشرع الذي يعمل به هذا الرجل؟ فإذا كان ثمة مفاسد كثيرة تحصل بسبب ذلك، فما باله وهو الذي تدعى له بطولة صدم الواقع، ويسمونه بمرجع التغيير أبقى هذه المفسدة على حالها، وليس هناك في البين إلا حالة أنه يتقي من الواقع الشعبي، ليس مراعاة له لأنه سبق له وأن أهان هذا الواقع باهانات تصدع القلوب كما في إهاناته المتكررة للمعصومين (صلوات الله عليهم) وفي نكرانه لفضائلهم ومقاماتهم ونكرانه لمظلومية الزهراء (عليها السلام)، وفي التوهين الضخم لغالبية متبنيات المعتقد الشريف، والا لما سمي بصادم الواقع! ولكن لربما لابقاء ما تبقى من هذا الواقع مستمراً في وقوعه تحت طائلة الخديعة الكبرى المبنية على اساس شيعية وإمامية فضل الله، فضلا عن مرجعيته وإمامته لهؤلاء!!.

[131] - المسائل الفقهية 2: 123 ط 1417 ـ1996.

[132] - التكتف وضع اليدين على البطن أثناء القراءة في الصلاة.

[133] - يلحظ هنا أن هذا العذر هو نفس عذر عمر حينما أمر بإدخالها في الصلاة.

[134] - هل إن هذه الصحة متأتية من كون عمر هو صاحب هذه البدعة! فنحن نعلم أن فقه أهل البيت (عليهم السلام) برئ كل البراءة من مجرد احتمال أن تدخل هذه ضمن الصلاة، فمن أين جاء هذا الوجه؟ ففي وقت ترى فيه ان الشهادة الثالثة جملة في خارج الصلاة، ورغم أن القائلين بها يقولون بها على نحو الاستحباب، ولكونها شعارا من شعارات المذهب، ورغم أنها تدعم بما تواتر ذكره عن الرسول (صلى الله عليه وآله) بعدم ذكره بمعزل عن ذكر علي (عليه السلام) اعتبر أنها تنطوي على مفاسد كثيرة للاسلام بظن أن الاقامة جزء من الصلاة، وهو ظن لا يقوى لدرجة الفتيا، نراه يدخل بدعة صريحة ضمن أركان الصلاة التي إن اختلت بشيء فلبربما تبطل جميع الصلاة.

[135] - المسائل الفقهية: 1: 92. ط6.

[136] - شريط مسجل بصوته.

[137] - الفاتحة: 6ـ7.

[138] -  هذا البحث هو مختصر الابحاث التي عالجناها في كتابنا: الامامة. بحث في الضرورة والمهام.

[139] - آل عمران: 7.

[140] - التوبة: 34.

[141] - الرعد: 31.

[142] - الحشر: 21.

[143] - النحل: 89.

[144] - الأنعام: 149.

[145] - بصائر الدرجات: 134 ج3 ب1 ح2.

[146] - عمدة القاري 4: 129.

[147] - الطبقات الكبرى لابن سعد 2: 244، دار الفكر ـ بيروت.

[148] - آل عمران: 144.

[149] - الزمر: 30.

[150] - الانبياء: 107.

[151] - لا أعني هنا الحالة الذهنية والتفكيرية فحسب، بل جميع ما تنطبق عليه مسميات العقل في الفكر الاسلامي بما فيها مصاديق العقل العملي.

[152] - الحجر: 99.

[153] - النحل: 43، والانبياء: 7.

ومعلوم أن نص أهل البيت (عليهم السلام) يجمع على اختصاصهم بهذه الاية، والروايات في هذا المجال كثيرة انقل منها الصحيحة التي رواها أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن المعلى بن أبي عثمان، عن المعلى بن خنيس، عن ابي عبد الله (عليهم السلام) في قول الله تعالى: (فاسئلوا اهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) قال: هم آل محمد، فذكرنا له حديث الكلبي أنه قال: هم في أهل الكتاب. قال: فلعنه وكذبه. (بصائر الدرجات: 61 ج1 ب 19 ح15).

[154] - يذهب فضل الله الى القول بأن متعلق الآية هم علماء أهل الكتاب. (جريدة فكر وثقافة، العدد: 42).

[155] - النساء: 82.

[156] - الرعد: 43.

[157] - انظر للتفصيل كتابنا: من عنده علم الكتاب؟.

[158] - الكافي 1: 229 ح6. وبسنده رواها الصفار عن محمد بن الحسين؛ ويعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير. (بصائر الدرجات: 234 ـ 235 ج5 ب1 ح12). ويمكن مراجعة عدد كبير من الروايات في هذا المجال في كتابنا من عنده علم الكتاب؟ ص114 ـ142.

[159] - انظر من وحي القرآن 13: 71، وجريدة فكر وثقافة العدد: 22، و41.

[160] - الندوة 2: 316، وجريدة فكر وثقافة: 22، و41، ومن وحي القرآن 13: 82 (ط.ق9 و 13: 71).

[161] - الانبياء: 7.

[162] - جريدة فكر وثقافة العدد: 42، ومن وحي القرآن 13: 232، و15: 193 في طبعته الجديدة، وفي نفس الكتاب في طبعته القديمة 13: 284، و15: 205.

[163] - بصائر الدرجات: 61 ج1 ب19 ح17.

أقول: في صحيحة المعلى بن خنيس، التي مرت سابقاً عن ابي عبد الله الصادق (عليه السلام) في قول الله تعالى: (فاسئلوا اهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) قال: هم آل محمد، فذكرنا له حديث الكلبي أنه قال: هم في أهل الكتاب. قال: فلعنه وكذبه. (بصائر الدرجات: 61 ج1 ب 19 ح15). فهنيئاً لعاقبة من شمله تكذيب الإمام الصادق (ع) ولعنه!!

 

[164] - التوبة: 73.

[165] - التوبة: 12.

[166] - التوبة: 29.

[167] - النساء: 75.

[168] - الحج: 39ـ 41.

[169] - النساء: 83.

[170] - آل عمران: 144.

[171]  ـ تسمى السورة بالفاضحة لكونها فضحت مجتمع المدينة المحيط بالرسول (ص).

[172] ـ التوبة: 49.

[173] - التوبة: 58.

[174] - التوبة: 61.

[175] - التوبة: 75 ـ 76.

[176] - التوبة: 81.

[177] - يمكن القول بأن غالبية المشاكل السياسية التي عانى منها المجتمع الاسلامي بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ترتبط ارتباطا لصياقا بهذه المشكلة، وقد حاولت النظم السياسية المتعاقبة أن ترسي دعائم مشخصة لهذه الشرعية، غير أنها لم تزد في النار الا اضطراما، حيث حاولت هذه النظم  ايجاد تغطية فكرية لما حصل بعد السقيفة، وقد أطلقت هذه المحاولة مع ما أفرزه صراعها مع قوى المعارضة السياسية العديد من الانماط الطائفية التي تحزبت لهذا الغطاء أو لذاك، ولهذا تجد الفكر الذي لم يتخذ من مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) منهجا يتعدد في نظرته تجاه الشرعية المزعومة، حيث نجد أن قسما من هؤلاء اتجه باتجاه القول بأن الشرعية تتولد نتيجة لراي أهل الحل والعقد، وهؤلاء كانوا قد ان تقسموا إلى قسمين قسم قال برأي مشابه لما حصل في سقيفة بني ساعدة، وقسم آخر كان أوعى من سلفه في تشخيص أن اهل الحل والعقد يحتاجون في انتخابهم الى مرجعية محددة فقال بشورى كشورى عمر فتخبط بما حاول أن يتملص منه، فمن أين اتى عمر بالشرعية، ولهذا اضطر قسم من هؤلاء للهروب من هذا المأزق الى القول بإمكان العهد من الخليفة السابق كما حصل بين الأول والثاني ولكن هذا القول في الواقع ليس بأحسن من صاحبه في عدم تخلصه من المشكلة الأصل، إذ يبقى التساؤل عن شرعية الأول مطروحا دون جواب حقيقي، وهذه الصور أفرزت بدورها اتجاها جديا لعله اقترب من حل المأزق حينما قال بضرورة النص الشرعي على ذلك وهو اتجاه ابن حزم وابن حجر وأضرابهما، ولكنه كان أسيرا لافرازات السقيفة، فوقع في فخ الموضوعات الروائية التي كذبت على رسول الله (ص) في ما قوّلوه (بأبي وأمي): فاقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر، أو ما قوّلوه لامرأة: إذا جئت فلم تجديني فأت أبا بكر الخليفة من بعدي [الصواعق المحرقة: 20] من دون أن يعوا أن نصوصا كهذه لو كان لها وجود لما راينا كل هذا الصخب الذي ملأ أرجاء السقيفة، ولما رأينا الاول يحاول الاستقالة مرة بعد أخرى، علاوة على كون هذه الروايات مما اتفق الجانبان على تضعيفه، وفي قبال هذه الاتجاهات نجد أن قوى المعارضة السياسية من غير العلويين حاولت التنظير لذلك بعيدا من هذا الافق لتقول على لسان التفتازاني: وتنعقد الإمامة بالقهر والاستيلاء، فإذا مات الامام وتصدى للإمامة من يستجمع شرائطها من غير بيعة أو استخلاف، وقهر الناس بشوكته انعقدت الخلافة له. [شرح المقاصد 5: 272] وقد تمادى الباجوري فقال بانعقادها باستيلاء: شخص مسلم ذي شوكة، متغلب على الامامة، ولو غير أهلها كصبي وامرأة وفاسق وجاهل. [حاشية الباجوري على شرح الغزي 2: 259].

ويلحظ على جميع هذه الاتجاهات أنها قائمة على صورة من صور العقد الاجتماعي سواء أكان هذه العقد قائما بصورة من صور الرغبة الاجتماعية كما في صورة أهل الحل والعقد أو العهد ممن سبق، أو قائما بالاكراه كما في الحالة الاخيرة، والعجيب أنها مع قبولها بنظرية القبول الاجتماعي النسبي كما في السقيفة أو في شورى عمر، فإنها لم تنظر للاجماع الاجتماعي في بيعة امير المؤمنين (عليه السلام) ولم تنظّر له لتفضح معه صورة الوجه السياسي الذي يحرك مثل هؤلاء.

وفي مقابل ذلك جميعا نجد ان الشرعية في كل الاوصاف التي اطلقها القرآن لا نجد أي دخالة للمجتمع في تضخيها وتشخيص أصولها، فلو قلنا أنها مأخوذة من ولاية الله فسنجد أن المصداق الاجتماعي لهذه الولاية ينبغي أن يشخّصه صاحب الولاية نفسه، وحينما رأيناه شخّص ذلك لم يجعل للمجتمع أي نصيب من ذلك كما في قوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)[المائدة: 55] وحتى لو قلنا بخلاف قول أهل البيت (عليهم السلام) باختصاص الآية بأمير المؤمنين (عليه السلام) فلا نجد في تعبير الذين آمنوا إلا التخصيص الرباني لهذا التعبير وليس الصورة الاجتماعية لهم، خصوصا إذا ما لاحظنا أن تعابير الاوصاف الواردة خلفه تتعلق كلها بالله سبحانه مما يعني انه هو وحده الذي يعرف حقيقة هذه الاوصاف، ولا يمكن القول بأن المقصود هو صورة المتدين لأن ذلك يبقينا في نفس المشكل الأول، فماذا لو كان هنا ك ألف شخص من هؤلاء؟ فهل نعطيهم هذه الولاية؟ مما يبقينا في دائرة ضرورة النص. فلا تغفل!!.

ونفس هذا الامر سنلحظ بقاءه لو أخذنا تعلّق الشرعية بمفهوم الطاعة، حيث ترينا أن الله لم يطل الطاعة في الهواء أو في الفراغ وإنما قيدها  بدقة ضمن ذات الدوائر التي وجدناها في الآية السالفة كما في قوله: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم) [النساء: 59].

ولو راجعنا الشعية لمفهوم الحاكمية (إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين) [الانعام: 57] أو قوله تعالى: (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون) [المائدة: 50] فسترجعنا مرجعية الحكم الالهي الى نفس المصداق الاجتماعي الذي شخّصته السماء من قبل كما في قوله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجددوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) حيث قرن الحاكمية بالايمان مما يبقي مسألة المرجعية للشرعية مرتبطة كليا بالبعد الديني وحينما يكون الامر بهذا المستوى فمن الخطل البحث عن هذه الشرعية بعيداً عن رؤى السماء!.

[178] - النساء: 59.

[179] - التفسير الكبير ومفاتيح الغيب المعروف بتفسير الرازي 10: 144.

وكالعادة فقد جانب فضل الله حظه فقال بعدم حصر الآية بالمعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين) بل طالب بالالتزام بسعة المفهوم ليشمل غيرهم، ضمن حجة هي أوهن من بيت العنكبوت. (من وحي القرآن 7: 325 ـ 326).

وقد تعرضنا لمناقشتها تفصيلا في كتابنا: الإمامة بحث في الضرورة والمهام.

[180] - المائدة: 56.

[181] - ذكر ذلك من المفسرين كل من الطبري في تفسيره 6: 186، والواحدي في اسباب النزول: 148، والرازي في تفسيره 12: 128، والخازن في تفسيره 1: 496، والنيسابوري في تفسيره 6: 168، وأبو البركات في تفسيره 1: 496، وابن كثير في تفسيره 2: 73ـ 74، والزمخشري في الكشاف 1: 649 وابن حجر في كتابه الشاف في تخريج أحاديث الكشاف 1: 649، والسيوطي في الدر المنثور 2: 293، وفي أسباب النزول المطبوع بهامش تفسير الجلالين: 299ـ300، والحسكاني في شواهد التنزيل 1: 161 في عدة روايات، والشوكاني في فتح القدير 2: 53، والكلبي في التسهيل لعلوم التنزيل 1: 181، والجوزي الحنبلي في زاد المسير في علم التفسير 2: 292، والقرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن 6: 219 ـ 220، والجاوي في تفسير المنير لمعالم التنزيل 1: 210، والجصاص في أحكام القرآن 4: 102، والنسفي في التفسير 1: 289، والالوسي في روح المعاني 6: 167، ورشيد رضا في تفسير المنار 6: 442.

وقد رواه من الرواة والمحدثين جمع غفير أذكر منهم: ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة: 123، والخوارزمي في مناقبه: 196، ابن كثير في البداية والنهاية 7: 357، والسيوطي في الحاوي للفتاوي 1: 139 ـ 140، والمتقي الهندي في كنز العمال 6: 391، و405، وفي منتخب الكنز 5: 38، وابن الاثير في جامع الاصول 9: 478، والحاكم في معرفة علوم الحديث: 127، وابن المغازلي في المناقب: 176ـ 182، وابن عساكر في ترجمة الامام في تاريخ دمشق 2: 409، والقندوزي في ينابيع المودة: 115، وابن حجر في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 7: 17، والزرندي في نظم درر السمطين: 86ـ88، وابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج: 13: 277، والبلاذري في أنساب الاشراف 1: 163، و325، والشبلنجي في نور الابصار: 27، وابن حجر في الصواعق المحرقة: 121، والقاضي الايجي في المواقف 3: 276، ومحب الدين الطبري في الرياض النضرة 2: 227، والكنجي الشافعي في الكافية: 106، وابن الجوزي في تذكرة الخواص: 32، وابن طلحة في مطالب السؤول: 31.

وقد ذكرت كل ذلك على سبيل المثال لا الحصر.

[182] - من المضحك المبكي أن من يسمونه بشيخ الاسلام ابن تيمية يقول بعد كل ما نقلناه ـ ولم ننقل إلا للمثال ـ من اختصاص الرواة والمحدثين والمفسرين هذه الآية بأمير المؤمنين (صلوات الله عليه) بما حرفه: قد وضع بعض الكذابين حديثا مفترى أن هذه الآية: (إنما وليكم الله ولرسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) نزلت في علي لما تصدق بخاتمه في الصلاة، وهذا كذب بإجماع أهل العلم بالنقل. (انظر منهاج السنة 1: 156).

[183] - كما فعل صاحب تفسير المنار حينما اعترض على أن تكون الآية قد نزلت بحق أمير المؤمنين (عليه السلام) رغم اقراره أن ذلك جاء من طرق متعددة فقال: ولكن التعبير عن المفرد بالذين آمنوا، وعن إعطاء الخاتم  بيؤتون الزكاة مما لا يقع في كلام الفصحاء من الناس فهل يقع في المعجز من كلام الله؟. (تفسير المنار 6: 442).

ولقد كنت قلت في موضع آخر: لعمري أيتناسى صاحب المنار أن البلاغة العربية تدعو من يريد أن يجلل امرا ويعظمه أن يستعمل صيغة الجمع بدل المفرد ؟ أيتناسى أنه يردد في كل يوم خمس مرات على الاقل مثل هذا الاسلوب في الصلاة التي أمر الرسول القائد (ص) بأداءها على هذا الشكل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين؟ فلماذا لم يقول: السلام عليّ وعلى عباد الله الصالحين؟. (القائد.. القيادة والانقياد في سيرة الامام امير المؤمنين (عليه السلام): 126).

ولنعم ما رد الزمخشري وهو خريت البلاغة العربية العربية على ذلك بالقول: فإن قلت كيف صح أن يكون لعلي (رضي الله عنه) واللفظ جماعة قلت: جئ به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلا واحداً، ليرغب الناس في مثل فعله فينالوا ثوابه. (الكشاف 1: 669).

[184] - الأحزاب: 45.

[185] - الفتح: 8.

[186] - الأعراف: 172.

[187] - النساء: 41.

[188] - النحل: 89.

[189] - نظرية النص الالهي: هي المقولة التي تقول بأن الرسول (ص) لم يترك أمته هملاً دون راع، وإنما نص على إمامة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بتكليف من قبل الله جل وعلا، وذلك ضمن تفصيل استعرضنا بعض جوانبه في كتابنا: (القائد.. القيادة.والانقياد في سيرة الإمام أمير المؤمنين(ع).

[190] - من عنده علم الكتاب؟: 46ـ 48.

[191] - هود: 17.

[192] - الحج: 77ـ 78.

[193] - النبأ: 38.

[194] - الحج: 1ـ2.

[195] - نقول: على الاقل؛ لأننا نلاحظ أن الله لم يستدع الانبياء كشهداء منفردين وجميعهم من أهل العصمة، وإنما استدعى الرسول (ص) ليكون شاهدا على هؤلاء، مما يشير الى إن المطلوب من الشاهد كلما تقدمت منزلته ومرتبته أمر أكثر من العصمة، ولكن ما تحدثنا عنه هو في الحدود الدنيا لهذا الأمر.

[196] - يشير العلامة الطباطبائي (رضوان الله تعالى عليه) الى اتساع دائرة الشهادة بحيث إنها تشمل كل ما له تعلق ما بالعمل فيدخل علاوة على ما أشرنا اليه عالم الزمان والمكان والدين والكتاب. انظر الميزان في تفسير القرآن 1: 319؛ مؤسسة الاعلمي ـ بيروت ؛ طبعة 1991.

والحق ما قاله العلامة، فطبيعة الحجية الالهية الكاملة تتطلب من جميع الشهود الادلاء بشهاداتهم، وواضح أن الزمان والمكان من الشهود الاساسيين على كل حدث، الامر الذي يدخلهم في دائرة المعنيين بالشهادة، ومن هنا كان الشاهد، شاهداً على الزمان والمكان.

[197] - الرعد: 43.

[198] - النمل: 40.

[199] - انظر التفاصيل في كتابنا: من عنده علم الكتاب؟.

[200] - النحل: 89.

[201] - الخرائج والجرائح: 798 ـ 799 ب16 ح8.

[202] - تفسير القمي 1: 368.

[203] - الأعراف: 11: 13.

[204] - ص: 73ـ 76.

[205] - المائدة: 27ـ30.

[206] - الاعراف: 175ـ 176.

[207] - المائدة: 54.

[208] - آل عمران: 32.

[209] - المائدة: 35.

[210] - الانبياء: 107.

[211] - الانفال: 33.

[212] - المجادلة: 22.

[213] - المائدة: 55ـ 56.

[214] - الفرقان: 57.

[215] - الشورى: 23.

[216] - آل عمران: 61.

[217] - تراجع في بذلك كتب المناقب المختصة سيما كتب العامة لملاحظة حجم الآيات التي نزلت بحق القربى.

[218] - الأحزاب: 21.

[219] - ولربما هذا السبب هو الذي يجعلنا نرى تيار الانحراف المعاصر يجهد نفس لصد النفس عن النظر الى المناقب والفضائل من خلال جعلها غير ذات موضوع، ولا تتداخل مع الرسالة فمع ثبوتها تبقى خاصة بصاحبها ولا انعكاس لها على الواقع الايماني، وهي على أي حال من جملة ما دأب هؤلاء يطلقون عليه: العلم الذي لا ينفع من علمه ولا يضر من جهله. حيث يقول محمد حسين فضل الله في هذا الصدد: لا بد لنا من أن نلتفت الى الجهود الكلامية المضنية التي يبذلها علماء الكلام وغيرهم في اقامة البراهين على إن هذا النبي ـ لا سيما نبينا محمد (ص) ـ أفضل من هذا النبي أو ذاك أو من كل الانبياء، كما لو كانت القضية من القضايا الاساسية التي تتعلق بالجانب الحيوي للعقيدة، وقد يتصاعد الخلاف ويتجه اتجاهات غير دقيقة، ثم يتحول  الى أن يكون صفة لازمة للشخصية بحيث يفرض على الفكر أن يلاحق كل الشخصيات الدينية أو السياسية أو الاجتماعية في نطاق عمليات التفضيل الذي يراد به ارضاء الزهو الذاتي الذي يرتاح اليه الانسان تحت تأثير الشعور بأفضلية الشخص الذي ينتمي اليه، وقد يتطور الامر فينتقل الى البحث عن النقائص والعيوب المتمثلة في شخصية الشخص الآخر، وقبول ما ينقل اليه منها وان لم يكن ثابتاً بطريقة شرعية، وقد لا يكون لهذا كله أي أثر عملي في جانب العقيدة وفي جانب العمل كما هي القضية في فكرة تفضيل نبي على آخر، أو تفضيل إمام على نبي كما قد يثار ذلك لدى بعض الفرقاء أو في ما يثار من تفضيل فاطمة الزهراء (ع) على مريم أو العكس فإن هذا حديث لا يجني منه الخائض فيه أية فائدة على مستوى الدين أو الدنيا، سوى إتعاب الفكر أو إرضا الزهو الذاتي. . فإن الانبياء السابقين قد مضوا الى ربهم بعد أن أدوا رسالتهم كاملة غير منقوصة؛ ونحن نؤمن بهم، كما أمرنا الله بذلك من دون أن يكون لنا أي تكليف خاص متعلق بشريعتهم، كما أننا ملزمون بالسير على شريعة الاسلام التي جاء بها نبينا محمد (ص) من دون أن يكون لمنزلته بالنسبة الى بقية الانبياء أي دخل في ذلك وإن كنا نؤمن بالمنزلة العظمى التي جعلها الله له من خلال ملكاته وجهاده وامتداد رسالته. [من وحي القرآن(ط.ج) 5: 21ـ22 و(ط.ق) 5: 14ـ5].

ويقول في موضع آخر عن التفضيل: كما قلنا هذه من الامور التي لا تمثل أي نوع من أنواع مسؤوليتنا.. الى أن يقول: فهذه  من الامور التي هي ليست جزءا من العقيدة، وليست جزءاً من الخط. [مجلة الموسم العدد: 22ـ23 س1103 ص303].

[220] - ذكره أبو نعيم في حلية الاولياء 1: 64، والمتقي الهندي في كنز العمال 6: 391، وفي منتخب الكنز المطبوع في هامش مسند أحمد 5: 38، والخوارزمي في المناقب: 266 ح 249، وابن حجر في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 9: 112، وفي الصواعق المحرقة: 76، والطبراني في المعجم الكبير 11: 210ـ211 ح 11687، والقندوزي الحنفي في ينابيع المودة 1: 376ـ377، والشبلنجي في نور الابصار: 81، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب: 139، والحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل 1: 49ـ53، والطبري في ذخائر العقبى: 89.

[221] - فصلت: 42.

[222] - التوبةِ: 40.

[223] - الاحزاب: 33.

[224] - هود: 11.

[225] - لقمان: 20.

[226] - الجاثية: 13.

[227] - الاحزاب: 72.

[228] - الذاريات: 56.

[229] - الدخان: 38.

[230] - المؤمنون: 115.

[231] - الحجر: 99.

[232] - ابراهيم: 32ـ34.

[233] - البقرة: 30.

[234] - هود: 11.

[235] - وهذا ما يتفق مع منظومة الاحاديث المتواترة المتعلقة بالخلق النوري لرسول الله (ص) وعترته الاطهار (عليهم السلام) قبل أن تخلق السموات والارض. وسيأتي حديث مفصّل عن ذلك إن شاء الله تعالى في كتابينا القادمين: فاطمة الزهراء (ع) فريدة الدهر، وكتاب الميثاق الإلهي دراسة في النص المعصوم.

[236] - وهو نفس السر الذي جعل الملائكة بعد حالة الاعتراض الاولى التي نلمسها في قوله تعالى على لسانهما: (قالوا أتجعل فيها من يفسر فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) أن يستسلموا مباشرة بعد أن عرفوا أن ثمة وجود غير الوجود التكوني المتمثلة في صورة آدم (عليه السلام)، وهو المتمثل بما بعد إخبار آدم الأسماء، فإذ قال لهم الله: (إني أعلم ما لا تعلمون) شرع في إزاحة المجهول الذي لم تعلمه حتى الملائكة (وعلم آدم الاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبؤوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ) وبمجرد رؤيتهم لما عرض عليهم من اسماء استسلموا فورا وعبروا عن هذا الاستسلام بقولهم: (قالوا سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم).

ولهذا حينما تحملوا رؤية ما عرض عليهم كشف لهم ما خفي عليهم ( قال يا آدم انبئهم باسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال الم أقل لكم إني اعلم غيب السموات والارض واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون). [البقرة: 30 ـ33].

وهذا ما يقودنا ضمن هذه العجالة الى استخلاص جملة من الحقائق:

الأول: تفاهة وجهل من قال أن هذه الاسماء هي بعض ما خلق الله في هذا العالم كالجبال والانهار أو انها كانت اسماء النباتات وبعض المأكولات، أو غير ذلك، فما كان لعلم الملائكة أن يغيب عن ذلك فهم الواسطة في ادارة الخلق لهذه الامور، بينما نلحظ أن هذه الاسماء كانت مخلوقة قبل خلق نفس الملائكة، مما يعني أنها مخلوقة قبل خلق الخلق أجمعين.

الثاني:  إن هذه الاسماء أسمى من الملائكة منزلة روفعة، ويؤكدها الحديث المتواتر لدى الطرفين من قول جبرئيل (عليه السلام) في حديث المعراج: تقدم يا محمد فلو دنوت انملة لاحترقت.

الثالث: يؤكد حقيقة الخلق النوري قبل خلق السموات والارض لما ورد لدى الطرفين وأجمع عليه حديث اهل البيت (عليهم السلام) بأنهم المعصومين الاربع عشر (صلوات الله عليهم اجمعين). ومن جملته ما رواه علي بن ابراهيم باسناده الى شهاب بن عبد ربه قال سمعت الصادق (عليه السلام) يقول: يا شهاب نحن شجرة النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ونحن عهد الله وذمته ونحن ودائع الله  وحجته، كنا أنوارا صفوفا حول العرش، نسبح فيسبح أهل الارض بتسبيحنا، وانا لنحن الصافون، وانا لنحن المسبحون. (تفسير القمي 2: 201).

وكما في موثقة أبي حمزة الثمالي حيث  قال: سمعت علي بن الحسين (عليه السلام) يقول: إن الله تبارك وتعالىخلق محمدا وعليا والائمة الأحد عشر من نور عظمته أرواحا في ضياء نوره يعبدونه قبل خلق الخق، يسبحون الله عز وجل ويقدسونه، وهم الائمة الهادية من آل محمد (عليهم السلام). (كمال الدين وتمام النعمة: 318 ـ 319 ب31 ح1).

وللتفصيل انظر على سبيل المثال : الزيارة الجامعة الكبيرة، مصباح المتهجد وسلاح المتعبد: 753، وتأويل الايات الظاهرة: 280، 485، 487، 597، إعلام الورى بأعلام الهدى: 408، واقبال الاعمال: 462، وعلل الشرائع: 461 ب 130 ح1، وكذا في 174 ب139 ح1 والعدد القوية : 71 وغيرها كثير.

وبطبيعة الحال فحيث ما تفتقد تيار الضلال فمن المعتاد أن تجده عند مواضع انكار مقامات أهل البيت (عليهم السلام) فقد قام هذا التيار بانكار ان تكون القضية متعلقة بهم (صلوات الله عليهم) حيث قال رأسهم: فليس من الضروري أن تكون المسميات موجودات أحياء عقلاء محجوبين تحت حجاب الغيب. (من وحي القرآن 1: 221 ط.ج).

[237] - آل عمران: 61.

[238] - المائدة: 55.

[239] - الاحزاب: 33.

[240] - آل عمران: 7.

[241] - الرعد: 43.

[242] - النساء: 59.

[243] - الانفال: 33.

[244] - الأعراف: 44.

[245] - وهو رأي الغالبية من العامة.

[246] - النبأ: 38.

[247] - التوبة: 3.

[248][248] - تحاشى فضل الله الحديث عنه وتشخيص هويته على طريقته المعهودة بدعوى عدم وجود أثر كبير لهذا التشخيص. (من وحي القرآن 10: 131.

[249] - شرح نهج البلاغة  18: 71.

[250] - المستدرك على الصحيحين 3: 51، وارشاد الساري 7: 141، والدر المنثور في التفسير بالماثور 3: 209ـ210 وقد ورد هذا المعنى بصور متعددة تؤدي جميعها نفس المضمون. انظر على سبيل المثال لا الحصر: مسند أحمد 3: 212 و4: 164ـ165، وفتح الباري شرح صحيح البخاري 8: 83، 320ـ321، وسنن ابن ماجة في الحديث رقم 143، والترمذي في السنن 5: 300 ح3803، والتاج الجامع للاصول لابن الاثير8: 660 ح6508، وابن حجر في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 7: 29، وتأريخ اصبهان لابي نعيم 1: 203، والمتقي الهندي في كنز العمال 15: 95، ومصنف ابن ابي شيبة 12: 85، والسنة لابن أبي عاصم 2: 598، 609، والمعجم الكبير للطبراني 11: 400، و12: 98، والبداية والنهاية لابن كثير 5: 37ـ38، وتهذيب كتاب خصائص علي للنسائي: 37ـ38، وتفسير ابن كثير 2: 346ـ347، والخازن في التفسير 2: 201، والنسفي في التفسير المطبوع بهامش الخازن 2: 199، والرازي في التفسير 15: 226ـ 227، والطبري في التفسير 10: 47، والنيسابوري في التفسير المطبوع في هامش الطبري 10: 36، وزاد المسير في علم التفسير للجوزي 3: 266، والبيضاوي في التفسير 2: 167، والآلوسي في روح المعاني 10: 44ـ45.

ملاحظة: قمنا بتخريج الخبر بأكثر من ذلك بكثير في كتابنا: عصمة المعصوم وفق المعطيات القرآنية، فليراجعه من أراد المزيد.

[251] - من العجيب أن الآلوسي في روح المعاني 10: 45 يطرح ذلك على سبيل الشك والترديد حينما يعتبر أن الامر مردد بين أن يكون من طلب الوحي أو من الرسول (ص)!!. وكأنه ينسى أن الرسول (ص) هو الذي لا ينطق عن الهوى إن هو الا وحي يوحى.

[252] - الكافي 1: 426 ح70.

وقد روى الحاكم الحسكاني الحنفي من علماء العامة نفس المضمون عن أمير المؤمنين والباقر (ع) وابن عباس (شواهد التنزيل 1: 202_203) وذكر القندوزي الحنفي عدة روايات في نفس المضمون. ينابيع المودة 1: 301ـ302.

[253] - تفسير القمي 1: 235.

[254] - الاعراف: 46ـ50.

[255] - استقرب فضل الله رأي العامة في أن أهل الأعراف هم من الذين استوت حسناتهم من سيئاتهم!!. (من وحي القرآن 10: 133).

[256] - الاسراء: 79.

[257] - الحج: 1ـ 2.

[258] - انظر التفصيل: زاد المسير في علم التفسير 3: 139.

[259] - زاد المسير في علم التفسير 3: 140.

[260] - المضحك على طريقة شر البلية ما يضحك.. أن فضل الله ارجع الضمير هنا إلى أهل الأعراف فقال: أما طمعهم في دخول الجنة لانهم ليسوا بمستوى السوء الذي يمنعهم من دخولها، لأنهم ممن استوت حسناتهم وسيئاتهم. (من وحي القرآن 10: 133).

[261] - المزمل: 17.

[262] - طه: 109.

[263] - النبأ: 38.

[264] - هو إبراهيم بن عيسى الخزاز.

[265] - بصائر الدرجات: 516 ج10 ب16 ح5.

[266] - هو علي بن اسماعيل بن عيسى الثقة، وقد ظاهر خاتمة المحققين الإمام الخوئي (قدس الله سره) ان اسم علي بن اسماعيل اذا جاء في السند فانه ينصرف لابن عيسى فقط.(معجم رجال الحديث 11: 276 رقم 7932).

[267] - بصائر الدرجات: 520 ج10 ب16 ح17.

[268] - ما بين المعقوفتين منا.

[269] - مختصر بصائر الدرجات لسعد بن عبد الله الاشعري: 51ـ52 المطبعة الحيدرية ت النجف؛ 1370 هـ . ومثله في بصائر الدرجات بفارق في السند: 515 ـ516 ج10 ب16 ح1.

[270] - نفس المصدر: 55، وبصائر الدرجات عن بعض أصحابنا عن محمد بن الحسين مثله.. 520 ج10 ب16 ح19.

[271] - الخرائج والجرائح: 177 ح10.

وقد تركنا ذكر الكثير من الروايات التي تتتحدث عن نفس المضمون.

يبقى علينا أن نشير إلى ورود روايتين تتحدثان عن صورة أخرى للأعراف أوقعت بعضهم كصاحب تفسير الامثل في تفسير كتاب الله المنزل (5: 57ـ58) في وهم عجيب منه نتيجة لعدم التدقيق في متون الروايات ومطابقة بعضها مع البعض. ومن هاتين الروايتين ما رواه الكليني (أعلى الله مقامه) في الكافي الشريف عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن ابن بكير؛ وعلي بن ابراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن رجل جميعاً عن زرارة قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): ما تقول في أصحاب الأعراف؟ فقلت: ما هم الا مؤمنون أو كافرون إن دخلوا الجنة فهم مؤمنون, وإن دخلوا النار فهم كافرون، فقال: والله ما هم بمؤمنين ولا كافرين، ولو كانوا مؤمنين دخلوا الجنة كما دخلها المؤمنون، ولو كانوا كافرين لدخلوا النار كما دخلها الكافرون. ولكنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فقصرت بهم الأعمال.. إلى أن يقول معنفا بزرارة: يا زرارة إنني أقول: ما شاء الله وأنت لا تقول ما شاء الله. أما إنك ان كبرت رجعت وتحللت عنك عقدك. (الكافي 2: 408 ح1).

والخبر في سنده الأول موثق لموضع ابن فضال وابن بكير، وفي الثاني ضعيف بالجهالة، ومتنه يتعارض مع ما ورد في عدد غير قليل من صحاح الروايات مرة بشأن أصحاب الأعراف كما عرفت مما نقلنا أعلاه، وأخرى في طبيعة نظرة الإمام (عليهم السلام) لزرارة التي تنم عن علو شأنه وسمو مقامه عندهم (صلوات الله عليهم أجمعين)، ولا مناص عندئذ من تأويله، وهو حسب الظاهر إلى حمله علىالتقية أنسب مع فرض صحة الصدور، فمن جهة تحدث الإمام بحديث أهل العامة عن أصحاب الأعراف، إما لوجود من يخشى منه في المجلس، أو لوجود من لا يحتمل هذه الأسرار، فتعود وبالا على دينه، أو يخشى منه الاذاعة..

ومن جهة أخرى نجد الحديث عن زرارة بالذم متشابه مع أحاديث الأئمة عن خلص أصحابهم كجابر بن يزيد الجعفي ومؤمن الطاق وبريد بن معاوية وأبي بصير وحمران بن أعين وهشام بن الحكم وهشام بن سالم وأبان بن عثمان والمفضل بن عمر ومحمد بن سنان وغيرهم وما كان ذلك إلا من أجل حفظهم من مطاردة السلطة لأن أي مدح أو ثناء من الإمام على أحد سيؤدي به بالنتيجة إلى العنت الشديد، وهذا ما كان الإمام يبغي دفعه عنهم. ولا سبيل آخر لفهم الرواية غير ذلك فلا تغفل.

والرواية الثانية فهي ما رواها الصفار، عن محمد بن الحسين، عن ابن سنان، عن عمار بن مروان، عن المنخل، عن جابر، عن  أبي جعفر (عليهم السلام) قال: سألته عن الأعراف ما هم؟ قال: هم أكرم الخلق على الله. (بصائر الدرجات: 520 ج10 ب16 ح16). والرواية وإن كانت ضعيفة بمنخل بن جميل، غير انها متطابقة مع ما ذكرناه أعلاه، غاية ما في الامر إن الإمام (عليه السلام) تحدث عن الصفة وترك الحديث عن الموصوف.

[272] - الصواعق المحرقة: 126، وروي ما في معناه الأولى من أئمة القوم كل من الديلمي في الفردوس بمأثور الخطاب 3: 64، محمد بن جرير الطبري في المسترشد: 46، والخوارزمي في المناقب: 294 ح281، والخطيب البغدادي في تأريخ بغداد 3: 161، والكنجي الشافعي في الكفاية: 22، وابن كثير الدمشقي في البداية والنهاية 7: 392، وابن المغازلي الشافعي في المناقب: 67 ح97، وابن حجر في لسان الميزان 3: 247، و6:113، والحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال 2: 377، و4: 208، وقال القاضي ابن أبي يعلى الحنفي: سمعت محمد بن منصور يقول: كنا عند أحمد بن حنبل فقال له رجل: يا ابا عبد الله ما تقول في هذا الحديث الذي يروي عن علي: أنا قسيم النار؟ فقال: وما تنكرون من ذا؟ أليس روينا أن النبي (ص) قال لعلي: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك الا منافق؟ قلنا: بلى. قال: فأين المؤمن؟ قلنا: في الجنة. قال: وأبن المنافق؟ قلنا: في النار. قال: فعلي قسيم النار. (طبقات الحنابلة 1: 320) وذكر  الحديث ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج 1: 200، وشارح كتاب الشفا للقاضي عياض 3: 163، والمتقي الهندي في كنز العمال 13: 152 ح36475، ومحمد بن سليمان الكوفي في المناقب 2: 527 ـ 530، والمناوي في كنوز الحقائق: 92، وقد نقل الشيخ الطوسي (أعلى مقامه) عن عمر بن شيبة روايته لذلك انظر التبيان في تفسير القرآن 4: 411.

[273] - ذكر ذلك نصاً أو بما يشبهه أو بما يؤدي معناه كلاً من الترمذي في سننه 5: 306 ح3819، و5: 298 ح3800، والمباركفوري في تحفة الأحوذي 13: 177، والنسائي في سننه في كتاب الإيمان 8: 117 ب19، وفي خصائصه: 144، وفي الفضائل: 83، ومسلم في صحيحه 1: 61، وابن ماجة في سننه 1: 42 ح114، وأحمد في مسنده 1: 84، 95، 128، وفي الفضائل 2: 570، 579، 639، 619، 671، 680، 661، والحميدي في جامعه 1: 31 ح58، وابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري 7: 72، وفي الإصابة 2: 509، وفي الدرر الكامنة 4: 208، وابن حجر الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 9: 132 ـ 133، وابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة: 122 ح8، وابن أبي شيبة في مصنفه 12: 57، والبيهقي في السنن الكبرى 2: 271، وفي المحاسن والمساؤىء: 38، وأبي نعيم في الحلية 4: 185، وفي صفة النفاق ب7 الورقة 30 ب، وابن الأثير في جامع الأصول 8: 656 ح6498 ـ 6500، وفي تيسير الوصول 3: 272، والبزار ح2527، وابن عبد البر في الاستيعاب في معرفة الأصحاب 3: 37، وابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج 1: 364، 2: 284، والطبراين في المعجم الكبير ح11092، وابن كثير الدمشقي 7: 391، والبغوي في مصابيح السنة 2: 199، وأخطب خوارزم في المناقب وفيه: مؤمن تقي وبدل كلمة منافق؛ فاجر ردي: 326 ح236، والخطيب والبغدادي  في تأريخ بغداد 14: 426، وابن عساكر في ترجمة الإمام في تأريخ دمشق 2: 190 ـ 211، والمتقي الهندي في كنز العمال 11: 598 ح 32878، و11: 622 ح33026 ـ 33029، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص: 35، وابن المغازلي في المناقب: 190 ـ 195 ح225 ـ 232، والجزري في أسنى المطالب في مناقب الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام): 50 ـ 55 ح8 ـ 12، والمحب الطبري في ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: 91، وفي الرياض النظرة 2: 214، ومحمد بن سليمان الكوفي في المناقب 2: 469 ح963، و2: 479 ح978، و2: 481 ح980، و2: 482 ح982، والسيوطي في جمع الجوامع 6: 394، والمالكي في الفصول المهمة: 119، وإنتقاء الفوائد الحسان لأبي الفوارس 9: 169(مخطوط)، والعجلي في كشف الخفاء 2: 382، وفي كشف الأستار: 199 ح2559، والحمويني في فرائد السمطين الباب22، ومطالب السؤول: 17، ومن أراد المزيد فليرجع إلى ما حققناه في كتابنا: القائد.. القيادة والانقياد في سيرة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): 195 ـ 196.

[274] - انظر كنز العمال 11: 620 ح33013، وابن المغازلي في المناقب: 45 ح67، و197 ح233، والخطيب في التأريخ 2: 88، والمحب الطبري في الرياض النضرة 2: 193، وفي ذخائر العقبى: 77، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي 2: 249، والمناوي في كنز الحقائق: 38، وابن عساكر في ترجمة الإمام (عليه السلام) في تأريخ دمشق 2: 24، والذهبي في ميزان الاعتدال 4: 128، والسيوطي في اللآليء  المصنوعة 1: 189.

[275] - تركنا الحديث عنها لأنها خارج منهجنا في البحث، وتستدعي الكثير من الحيز الذي لا يتوافر لدينا في هذا الكتاب، ومن أراد المزيد عليه بمراجعة الكتب الجوامعية المختصة بذلك كموسوعة الغدير للعلامة المبرور الشيخ الأميني وكتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة للعلامة الفيروزآبادي  (رضوان الله تعالى عليهما).

[276] - ينكر فضل الله في ردوده على أجوبة المرجع الديني الكبير الشيخ التبريزي أن يكون قد قال بالشفاعة الصورية!! ولكن النص المدرج والعديد من النصوص الأخرى المتناثرة في طيات كتبه لا سيما من وحي القرآن قد تحدّث فيها عن ذلك بطرقه المعهودة التي تتراوح بين إلتوائية عجيبة في التعبير، وبين صراحة كما هو حال النص أعلاه.

[277] - النص باللهجة العامية العراقية واللبنانية وما سنضعه بين قوسين هو منّا للتوضيح.

[278] - يا سبحان الله هل تغافل هذا الرجل عن منطوق العديد من الآيات القرآنية التي تحدثت عن التفاضل عند الله بين الخلق كما في قوله تعالى: {قل لا يستوى الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث} [المائدة: 100] وقوله تعالى: {وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء  وهو كلّ على مولاه أينما يوجّههّ لا يأت بخير هل يستوى هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم} [النحل: 76]، وقوله تعالى: {قل هل يستوى الّذين يعلمون والذين لا يعلمون إنّما يتذكر أولوا الألباب} [الزمر: 9]، وقوله تعالى: {وما يستوى الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسىء قليلاً ما تتذكرون} (غافر: 58]، وقوله تعالى:{لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجةً من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى والله بما تعلمون خبير} [الحديد 10]؟.

[279] - هل ياترى إن الله يختار الشفيع بلا مرجح؟ فإن قال بضرورة وجود المرجح فقد نقض كلامه أعلاه، وإن قال بعدم وجود المرجح فقد خرج من نظرية العدل الإمامية حيث ترى أن العدل الإلهي لا يتناسب مع التفاضل بلا مرجح، وهذا ما يتناقض أيضاً مع مفهوم ( الحجة البالغة لله).

[280] - لكننا  نعلم إن الله حينما فرض علينا المودة لقربى الرسول (ص) اقتضى ذلك منا ان نقدم بين يدي المودة لقربى( صلوات الله عليهم) ما نشعر أن بتقديمه إنما نؤدي الواجب الملقى على عاتقنا في هذا المجال، والعبرة في ذلك طبيعة النوايا والدوافع ذلك، لأن أساليب التعبير عن العاطفة تختلف من شخص لآخر.

[281] - من شريط مسجل بصوته.

والعجيب بعد ذلك أنه قال مجيباً لسماحة المرجع الديني الكبير الشيخ جواد التبريزي (دام ظله الشريف) حينما أشار في جوابه على استفئائنا حول هذا الموضوع إلى أن ذلك خلاف عقيدة الشيعة بالقول: ذكروا لكم أني أقول إن الشفاعة صورية، وهذا غير صحيح. (أنظر رده على الجواب العاشر للشيخ التبريزي ص9).

[282] - من لا يحضره الفقيه 2: 192 والآية في التوبة: 91.

[283] - الأنبياء: 28.

[284] - هكذا في المصدر ولو صحّ فهو من الديباج أي متشحة به، ولربما كان الصحيح هو: مدبجة الجبين.

[285] - بشارة المصطفى لشيعة المرتضى: 19 ج1.

[286] - يوسف: 108.

[287]  ـ في الكتاب الأصلي كان المؤلف قد أدرج هنا مقال: المفهوم القرآني بين الأصالة والتجديد وفي هذه الصفحة تم عزله مستقلاً. لتيسير الفائدة.

[288] - الكافي 1: 58 ح9.

[289] - استشهاد سماحة الشيخ باحكام القمار والجهاد الابتدائي وحلق اللحية نظرا لأن فضل الله استشهد بهم في مقالته.

وبطبيعة الحال فإن هذا الاستفتاء صدر قبل حكم العلمين العظيمين الشيخ التبريزي والشيخ الوحيد الخراساني (حفظهما الله تعالى) مع بقية من المراجع العظام على فضل الله بالضلال والاضلال وكونه خارجا من المذهب.

[290] - استدركنا اضافة بعض النصوص وكذا توثيق بعض المصادر اثناء إعادة صف الكتاب الكترونيا، حيث كنا قد ابتلينا بفيروس (تشرنوبيل) في جهاز الكومبيوتر الشخصي أتى على هذا الكتاب وعدد من كتبنا الأخرى، والحمد لله على كل حال.