باب في شأن انا أنزلناه في ليلة القدر وتفسيرها

1 - محمد بن ابي عبدالله ومحمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، ومحمد بن يحيى، عن احمد ابن محمد جميعا، عن الحسن العباس بن الحريش(2) عن أبي جعفر الثاني عليه السلام قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: بينا أبي عليه السلام يطوف بالكعبة إذا رجل معتجر(3) قد قيض له

___________________________________

(2) بالحاء المهملة المفتوحة والراء المهملة المكسورة والياء المثناة من تحت الساكنة والشين المعجمة وقيل هو مصغر على وزن زبير والرجل ضعيف جدا عنونه العلامة في القسم الثانى من الخلاصة والنجاشى ايضا وقال ابن الغضائرى هو ابومحمد ضعيف روى عن ابى جعفر الثانى عليه السلام فضل انا انزلناه كتابا مصنفا فاسد الالفاظ (اقول: وقد افرده الكلينى في هذا الباب) تشهد مخائله على انه موضوع وهذا الرجل لا يلتفت اليه ولا يكتب حديثه.

راجع جامع الرواة ج 1 ص 205

(3) الاعتجار التنقب ببعض العمامة ؛(آت).

وقوله: قيض له اى جئ به من حيث لا يحتسب (في) [*]

[243]

فقطع عليه اسبوعه(1) حتى ادخله إلى دار جنب الصفا، فأرسل الي فكنا ثلاثة فقا: مرحبا يا ابن رسول الله ثم وضع يده على رأسي وقال بارك الله فيك يا امين الله بعد أبائه يا أبا جعفر(2) ان شئت فأخبرني وأن شئت فأخبرتك وان شئت سلني وان شئت سألتك وان شئت فاصدقني وان شئت صدقتك؟ قال: كل ذلك أشاء، قال: فأياك ان ينطق لسانك عند مسألتي بأمر تضمر لي غيره(3) قال: انما يفعل ذلك من في قلبه علمان يخالف أحدهما صاحبه وان الله عزوجل أبى أن يكون له علم فيه اختلاف قال: هذه مسألتي وقد فسرت طرفا منها.

أخبرني عن هذا العلم الذي ليس فيه اختلاف، من يعلمه؟ قال: أما جملة العلم فعند الله جل ذكره، وأما ما لا بد للعباد فعند الاوصياء، قال: ففتح الرجل عجيرته(4) واستوى جالسا وتهلل وجهه، وقال: هذه أردت ولها أتيت زعمت أن علم ما لا اختلاف فيه من العلم عند الاوصياء، فكيف يعلمونه؟ قال: كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعلمه إلا أنهم لا يرون ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يرى، لانه كان نبيا وهم محدثون، وأنه كان يفد إلى الله عزوجل فيسمع الوحي وهم لا يسمعون، فقال: صدقت يا ابن رسول الله سآتيك(5) بمسألة صعبة.

أخبرني عن هذا العلم ماله لا يظهر؟ كما كان يظهر مع رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال فضحك أبي(6) عليه السلام وقال: أبى الله عزوجل أن يطلع على علمه إلا ممتحنا للايمان به كما قضى على رسول الله صلى الله عليه وآله أن يصبر على أذى قومه، ولا يجاهدهم، إلا بأمره، فكم من اكتتام قد اكتتم به حتى قيل له: اصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين(7)

___________________________________

(1) فقطع اسبوعه اى طوافه

(2) (يا ابا جعفر) تقدير الكلام ثم التفت إلى ابى فقال يا ابا جعفر.

(3) اى اخبرنى بعلم يقينى لا يكون عندك احتمال خلافه ؛(آت).

(4) اى اعتجاره او طرف العمامة الذى اعتجر به، والتهلل: الاضاء‌ة والتلالؤ بالسرور (آت)

(5) في بعض النسخ [سئلتك مسألة] والمعنى واحد.

(6) لعل ضحكه (ع) كان لهذا النوع من السؤال الذى ظاهره الامتحان تجاهلا مع علمه بأنه عارف بحاله او لعد المسألة صعبة وليست عنده (ع) كذلك ؛(آت).

(7) الحجر 4 9 واصدع اى تكلم به جهارا

[*]

[244]

وأيم الله أن لو صدع قبل ذلك لكان آمنا، ولكنه إنما نظر في الطاعة، وخاف الخلاف فلذلك كف، فوددت أن عينك تكون مع مهدي هذه الامة، والملائكة بسيوف آل داود بين السماء والارض تعذب أرواح الكفرة من الاموات، وتلحق بهم أرواح أشباههم من الاحياء(1). ثم أخرج سيفا ثم قال: ها إن هذا منها، قال: فقال: أبي إي والذي اصطفى محمدا على البشر، قال: فرد الرجل اعتجاره وقال: أنا إلياس، ما سألتك عن أمرك وبي منه جهالة غير أني أحببت أن يكون هذا الحديث قوة لاصحابك و ساخبرك بآية انت تعرفها إن خاصموا بها فلجوا(2).

___________________________________

(1) حاصل الجواب ان ظهور هذا العلم مع رسول الله صلى الله عليه وآله دائما في محل المنع فانه كان في سنين من اول بعثه مكتتما الا عن اهله لخوف عدم قبول الخلق منه حتى امر باعلانه وكذلك الائمة عليهم السلام يكتمون عمن لا يقبل منهم حتى يؤمروا باعلانه في زمن القائم عليه السلام (آت)

(2) اى ظفروا، وتقرير هذه الحجة على ما يطابق عبارة الحديث مع مقدماته المطوية ان يقال: قد ثبت ان الله سبحانه انزل القرآن في ليلة القدر على رسول الله صلى الله عليه وآله وانه كان تنزل الملائكة والروح فيها من كل امر ببيان وتأويل سنة فسنة كما يدل عليه فعل المستقبل الدال على التجدد في الاستقبال فنقول: هل كان لرسول صلى الله عليه وآله طريق إلى العلم الذى يحتاج اليه الامة سوى ما يأتيه من السماء من عند الله سبحانه اما في ليلة القدر او في غيرها أم لا؟ والاول باطل لما اجمع عليه الامة من ان علمه ليس الا من عند الله سبحانه كما قال تعالى: (ان هو الا وحى يوحى) فثبت الثانى ثم نقول فيه يجوز ان لا يظهر هذا العلم الذى يحتاج اليه الامة ام لا بد من ظهوره لهم؟ والاول باطل لانه انما يوحى اليه ليبلغ اليهم ويهديهم إلى الله عزوجل فثبت الثانى ثم نقول: فهل في ذلك العلم النازل من السماء من عند الله جل وعلا إلى الرسول اختلاف بأن يحكم في امر اللى في زمان بحكم ثم يحكم في ذلك الامر بعينه في ذلك الزمان بعينه بحكم آخر يخالفه ام لا؟ والاول باطل لان الحكم انما هو من عند الله عزوجل وهو متعال عن ذلك كما قال: (لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا)، ثم نقول: فمن حكم بحكم فيه اختلاف هل وافق رسول الله صلى الله عليه وآله في فعله ذلك وحكمه ام خالفه؟ والاول باطل لان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن في حكمه اختلاف فثبت الثانى ثم نقول: فمن لم يكن في حكمه اختلاف فهل له طريق إلى ذلك الحكم من غير جهة الله سبحانه اما بواسطة او بغير واسطة ومن دون ان يعلم تأويل المتشابه الذى بسببه يقع الاختلاف ام لا؟ واالاول باطل فثبت الثانى ثم نقول: فهل يعلم تأويل المتشابه الذى بسببه يقع الاختلاف الا الله والراسخون في العلم الذين ليس في علمهم اختلاف ام لا؟ والاول باطل لان هذا يقول: (وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم) ثم نقول: فرسول الله صلى الله عليه وآله الذى هو من الراسخين في العلم هل مات وذهب بعلمه ذلك ولم يبلغ طريق علمه بالمتشابه إلى خليفته من بعده ام بلغه؟ والاول باطل لانه لو فعل ذلك فقد ضيع من في اصلاب الرجال ممن يكون بعده فثبت الثانى ثم نقول: فهل له خليفة من بعده كسائر آحاد الناس يجوز عليه الخطاء والاختلاف في العلم هو مؤيد من عند الله يحكم (بحكم؟) رسول الله صلى الله عليه وآله بأن يأتيه الملك ويحدثه من غير وحى ورؤية او ما يجرى مجرى ذلك وهو مثله الا في النبوة والاول باطل لعدم إغنائه حينئذ لان من - يجوز عليه الخطاء لا يؤمن عليه الاختلاف في الحكم ويلزم التضييع من ذلك ايضا فثبت الثانى فلا بد من خليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله راسخ في العلم، عالم بتأويل المتشابه، مؤيدا من عند الله ا يجوز عليه الخطاء ولا الاختلاف في العلم يكون حجة على العباد وهو المطلوب (في - ملخصا).

[*]

[245]

قال: فقال له أبي: إن شئت أخبرتك بها؟ قال: قد شئت، قال: إن شيعتنا إن قالوا لاهل الخلاف لنا: إن الله عزوجل يقول لرسوله صلى الله عليه وآله: " إنا أنزلناه في ليلة القدر "(2) - إلى آخرها - فهل كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعلم من العلم - شيئا لا يعلمه - في تلك الليلة أو يأتيه به جبرئيل عليه السلام في غيرها؟ فإنهم سيقولون: لا، فقل لهم: فهل كان لما علم بد من أن يظهر؟ فيقولون: لا، فقل لهم: فهل كان فيما أظهر رسول الله صلى الله عليه وآله من علم الله عز ذكره اختلاف؟ فان قالوا: لا، فقل لهم: فمن حكم بحكم الله فيه اختلاف فهل خالف رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فيقولون: نعم - فإن قالوا: لا، فقد نقضوا أول كلامهم - فقل لهم: ما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم.

فإن قالوا: من الراسخون في العلم؟ فقل: من لا يختلف في علمه، فإن قالوا فمن هو ذاك؟ فقل: كان رسول الله صلى الله عليه وآله صاحب ذلك، فهل بلغ اولا؟ فإن قالوا: قد بلغ فقل: فهل مات صلى الله عليه وآله والخليفة من بعده يعلم علما ليس فيه اختلاف؟ فإن قالوا: لا، فقل: إن خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله مؤيد ولا يستخلف رسول الله صلى الله عليه وآله إلا من يحكم بحكمه وإلا من يكون مثله إلا النبوة، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يستخلف في علمه أحدا فقد ضيع من في أصلاب الرجال ممن يكون بعده.

فإن قالوا لك فإن علم رسول الله صلى الله عليه وآله كان من القرآن(1) فقل: " حم والكتاب المبين، إنا أنزلناه في ليلة مباركة [إنا كنا منذرين فيها] - إلى قوله -: إنا كنا مرسلين(2) " فإن قالوا لك: لا يرسل الله عزوجل إلا إلى نبي فقل: هذا الامر الحكيم الذي يفرق فيه هو من الملائكة والروح التي تنزل من سماء إلى سماء، أو من سماء إلى أرض؟ فإن قالوا: من سماء إلى سماء، فليس في السماء

___________________________________

(1) هذا ايراد سؤال على الحجة تقريره ان علم رسول الله صلى الله عليه وآله لعله كان من القرآن فحسب ليس مما يتجدد في ليلة القدر في شئ فاجاب بان الله سبحانه يقول: (فيها يفرق كل امر حكيم امرا من عندنا انا كنا مرسلين) فهذه الاية تدل على تجدد الفرق والارسال في تلك الليلة المباركة بانزال الملائكة والروح فيها من السماء إلى الارض دائما: فلا بد من وجود من يرسل اليه الامر دائما (في).

(2) الدخان: 2، 4 [*]

[246]

أحد يرجع من طاعة إلى معصية، فإن قالوا: من سماء إلى أرض - وأهل الارض أحوج الخلق إلى ذلك - فقل: فهل لهم بد من سيد يتحاكمون إليه؟ فإن قالوا: فإن الخليفة هو حكمهم فقل: " الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور - إلى قوله -: خالدون(1) " لعمري ما في الارض ولا في السماء ولي لله عز ذكره إلا و هو مؤيد، ومن ايد لم يخظ، وما في الارض عدو لله عز ذكره إلا وهو مخذول، ومن خذل لم يصب، كما أن الامر لا بد من تنزيله من السماء يحكم به أهل الارض، كذلك لابد من وال، فإن قالوا: لا نعرف هذا فقل: [لهم] قولوا ما أحببتم، أبى الله عزوجل بعد محمد صلى الله عليه وآله أن يترك العباد ولا حجة عليهم.

قال أبوعبدالله عليه السلام: ثم وقف فقال: ههنا يا أبن رسول الله باب غامض أرأيت إن قالوا: حجة الله: القرآن؟ قال: إذن أقول لهم: إن القرآن ليس بناطق يأمر وينهى، ولكن للقرآن أهل يأمرون وينهون، وأقول: قد عرضت لبعض أهل الارض مصيبة(2) ما هي في السنة والحكم الذي ليس فيه اختلاف، وليست في القرآن، أبى الله لعلمه بتلك الفتنة أن تظهر في الارض(2)، وليس في حكمه راد لها ومفرج عن أهلها.

فقال: ههنا تفلجون يا أبن رسول الله، أشهد أن الله عز ذكره قد علم بما يصيب الخلق من مصيبة في الارض أو في أنفسهم من الدين أو غيره، فوضع القرآن دليلا قال: فقال الرجل: هل تدري يا ابن رسول الله دليل ما هو؟ قال ابوجعفر عليه السلام: نعم فيه جمل الحدود، وتفسيرها عند الحكم فقال أبى الله أن يصيب عبدا بمصيبة في دينه أو في نفسه أو [في] ماله ليس في أرضه من حكمه قاض بالصواب في تلك المصيبة.

قال: فقال الرجل: أما في هذا الباب فقد فلجتهم بحجة إلا أن يفتري خصمكم على الله فيقول: ليس لله جل ذكره حجة ولكن أخبرني عن تفسير " لكيلا تأسوا على ما فاتكم "؟ مما خص به علي عليه السلام " ولا تفرحوا بما آتاكم(3) " قال: في أبي فلان واصحابه واحدة مقدمة وواحدة مؤخرة " لا تأسوا على ما فاتكم " مما خص به علي عليه السلام " ولا تفرحوا بما آتاكم " من الفتنة التي عرضت لكم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال

___________________________________

(1) البقرة: 258.

(2) اى قضية مشكلة ومسألة معضلة.

(3) الحديد: 23.

[*]

[247]

الرجل: أشهد أنكم أصحاب الحكم الذي لا اختلاف فيه ثم قام الرجل وذهب فلم أره.

2 - عن أبي عبدالله عليه السلام(1) قال: بينا أبي جالس وعنده نفر إذا استضحك حتى اغرورقت عيناه دموعا ثم قال: هل تدرون ما أضحكني؟ قال: فقالوا: لا، قال زعم ابن عباس أنه من الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا(2).

فقلت له: هل رأيت الملائكة يا ابن عباس تخبرك بولايتها لك في الدنيا والآخرة، مع الامن من الخوف والحزن، قال فقال إن الله تبارك وتعالى يقول: " إنما المؤمنون إخوة(2) " وقد دخل في هذا جميع الامة، فاستضحكت.

ثم قلت: صدقت يا ابن عباس أنشدك الله هل في حكم الله جل ذكره اختلاف قال: فقال: لا، فقلت: ما ترى في رجل ضرب رجلا أصابعه بالسيف حتى سقطت ثم ذهب وأتى رجل آخر فأطار كفه فأتى به إليك وأنت قاض، كيف أنت صانع؟ قال: أقول لهذا القاطع: أعطه دية كفه وأقول لهذا المقطوع: صالحه على ما شئت وابعث به إلى ذوي عدل، قلت: جاء الاختلاف في حكم الله عز ذكره، ونقضت القول الاول، أبى الله عز ذكره أن يحدث في خلقة شيئا من الحدود [و] ليس تفسيره في الارض، اقطع قاطع الكف أصلا ثم أعطه دية الاصابع هكذا حكم الله ليلة تنزل فيها أمره، إن جحدتها بعدما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله فأدخلك الله النار كما أعمى بصرك يوم جحدتها علي بن ابي طالب قال: فلذلك عمي بصري، قال: وما علمك بذلك فوالله إن عمي بصري(3) إلا من صفقة جناح الملك.

قال: فاستضحكت ثم تركته يومه ذلك لسخافة عقله، ثم لقيته فقلت: يا ابن عباس ما تكلمت بصدق مثل أمس، قال لك علي بن أبي طالب عليه السلام: إن ليلة القدر في كل سنة، وإنه ينزل في تلك الليلة أمر السنة وإن لذلك الامر ولاة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت: من هم؟ فقال: أنا وأحد عشر من صلبي أئمة محدثون، فقلت: لا أراها كانت إلا مع رسول الله فتبدا لك الملك الذي يحدثه فقال: كذبت يا عبدالله رأت عيناي

___________________________________

(1) اسناد الاحاديث فيما يلى إلى آخر الباب كما تقدم واغرورقت عيناه اى دمعتا كانهما غرقتا في دمعهما.

(2) فصلت: 30.

(3) الحجرات: 10.

(4) في بعض النسخ: [ان عمى بصره].

[*]

[248]

الذي حدثك به علي - ولم تره عيناه ولكن وعا قلبه ووقر في سمعه(1) - ثم صفقك بجناحه فعميت قال فقال ابن عباس ما اختلفنا في شئ فحكمه إلى الله(2)، فقلت له: فهل حكم الله في حكم من حكمه بأمرين؟ قال: لا، فقلت: ههنا هلكت وأهلكت(3).

3 - وبهذا الاسناد، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال الله عزوجل في ليلة القدر " فيها يفرق كل أمر حكيم " يقول: ينزل فيها كل أمر حكيم، والمحكم ليس بشيئين، إنما هو شئ واحد، فمن حكم بما ليس فيه اختلاف، فحكمه من حكم الله عزوجل، ومن حكم بأمر فيه أختلاف فرأي أنه مصيب فقد حكم بحكم الطاغوت إنه لينزل في ليلة القدر إلى ولي الامر تفسير الامور سنة سنة، يؤمر فيها في أمر نفسه بكذا وكذا، وفي أمر الناس بكذا وكذا، وإنه ليحدث لولي الامر سوى ذلك كل يوم علم الله عزوجل الخاص والمكنون العجيب المخزون، مثل ما ينزل في تلك الليلة من الامر، ثم قرأ: " ولو أن ما في الارض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم(4).

4 - وبهذا الاسناد، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: كان علي بن الحسين صلوات الله عليه يقول: " إنا انزلناه في ليلة القدر " صدق الله عزوجل أنزل الله القرآن في ليلة القدر " وما أدراك ما ليلة القدر " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا أدري، قال الله عزوجل " ليلة القدر خير من ألف شهر " ليس فيها ليلة القدر، قال لرسول الله صلى الله عليه وآله: وهل تدري لم هي خير من الف شهر؟ قال لا، قال: لانها تنزل فيها الملائكة والروح بإذن ربهم من كل أمر، وإذا أذن الله عزوجل بشئ فقد رضيه " سلام هي حتى مطلع الفجر " يقول: تسلم عليك يا محمد ملائكتي وروحي بسلامي من أول ما يهبطون إلى مطلع الفجر.

ثم قال: في بعض كتابه: " واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة(5) " في " إنا أنزلناه في ليلة القدر " وقال في بعض كتابه: " وما محمد إلا رسول قد خلت

___________________________________

(1) جملة معترضة من كلام ابى عبدالله عليه السلام استدراكا لقول ابيه (فتبدا لك الملك) حيث اوهم في قلوب السامعين لهذا الحديث ان الملك ظهر على ابن عباس عيانا.

(2) لقوله تعالى: (وما اختلفتم في شئ فحكمه إلى الله).

(3) قد فرض المناظرة بين ابى جعفر (ع) وابن عباس في صغره (ع) وحياة ابيه السجاد فقد ولد ابوجعفر سنة 57 ومات ابن عباس سنة 68، وتوفى على بن الحسين السجاد سنة 95.

(4) لقمان: 27.

(5) الانفال: 25.

[*]

[249]

من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين(1) " يقول في الآية الاولى: إن محمدا حين يموت، يقول أهل الخلاف لامر الله عزوجل: مضت ليلة القدر مع رسول الله صلى الله عليه وآله فهذه فتنة أصابتهم خاصة، وبها ارتدوا على أعقابهم، لانه إن قالوا: لم تذهب، فلابد أن يكون لله عزوجل فيها أمر، وإذا أقروا بالامر لم يكن له من صاحب بد.

5 - وعن أبي عبدالله عليه السلام قال، كان علي عليه السلام كثيرا ما يقول -: [ما] اجتمع التيمي والعدوي عند رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقرأ: " إنا انزلناه " بتخشع وبكاء فيقولان: ما أشد رقتك لهذه السورة؟ فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله: لما رأت عيني ووعا قلبي، ولما يرى قلب هذا من بعدي فيقولان: وما الذي رأيت وما الذي يرى قال: فيكتب لهما في التراب " تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر " قال: ثم يقول: هل بقي شئ بعد قوله عزوجل: " كل أمر " فيقولان: لا، فيقول: هل تعلمان من المنزل إليه بذلك؟ فيقولان: أنت يا رسول الله، فيقول: نعم، فيقول: هل تكون ليلة القدر من بعدى؟ فيقولان: نعم، قال: فيقول: فهل ينزل ذلك الامر فيها؟ فيقولان: نعم، قال: فيقول: إلى من؟ فيقولان: لا ندري، فيأخذ برأسي ويقول: إن لم تدريا فادريا، هو هذا من بعدي قال: فإن كانا ليعرفان(2) تلك الليلة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله من شدة ما يداخلهما من الرعب.

6 - وعن أبي جعفر عليه السلام قال: يا معشر الشيعة خاصموا بسورة إنا أنزلناه (تفلحوا؟)، فوالله إنها لحجة الله تبارك وتعالى على الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وإنها لسيدة دينكم، وإنها لغاية علمنا، يا معشر الشيعة خاصموا ب‍ " حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين " فإنها لولاة الامر خاصة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، يا معشر الشيعة يقول الله تبارك وتعالى: " وإن من امة إلا خلا فيها نذير(3) " قيل: يا أبا جعفر نذيرها محمد صلى الله عليه وآله قال: صدقت، فهل كان نذير وهو حي من البعثة في أقطار الارض، فقال السائل: لا، قال أبوجعفر عليه السلام:

___________________________________

(1) آل عمران: 138

(2) (وان) مخففة من المثقلة.

(3) الفاطر: 22.

[*]

[250]

أرأيت بعيثه أليس نذيره، كما أن رسول الله صلى الله عليه وآله في بعثته من الله عزوجل نذير، فقال: بلى، قال: فكذلك لم يمت محمد إلا وله بعيث نذير قال: فإن قلت لا فقد ضيع رسول الله صلى الله عليه وآله من في أصلاب الرجال من امته، قال: وما يكفيهم القرآن؟ قال: بلي إن وجدوا فله مفسرا قال: وما فسره رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال: بلى قد فسره لرجل واحد، وفسر للامة شأن ذلك الرجل وهو علي بن أبي طالب عليه السلام.

قال السائل: يا أبا جعفر كان هذا أمر خاص لا يحتمله العامة؟ قال: أبى الله أن يعبد إلا سرا حتى يأتي إبان أجله الذي يظهر فيه دينه، كما أنه كان رسول الله مع خديجة مستترا حتى امر بالاعلان، قال السائل: ينبغي لصاحب هذا الدين أن يكتم؟ قال: أو ما كتم علي بن أبي طالب عليه السلام يوم أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وآله حتى ظهر أمره؟ قال: بلى، قال: فكذلك أمرنا حتى يبلغ الكتاب أجله.

7 - وعن أبي جعفر عليه السلام قال: لقد خلق الله جل ذكره ليلة القدر أول ما خلق الدنيا ولقد خلق فيها أول نبي يكون، وأول وصي يكون، ولقد قضى أن يكون في كل سنة ليلة يهبط فيها بتفسير الامور إلى مثلها من السنة المقبلة، من جحد ذلك فقد رد على الله عزوجل علمه، لانه لا يقوم الانبياء والرسل والمحدثون إلا أن تكون عليهم حجة بما يأتيهم في تلك الليلة، مع الحجة التي يأتيهم بها جبرئيل عليه السلام، قلت: والمحدثون أيضا يأتيهم جبرئيل أو غيره من الملائكة عليهم السلام؟ قال: أما الانبياء والرسل صلى الله عليهم فلا شك، ولا بد لمن سواهم من أول يوم خلقت فيه الارض إلى آخر فناء الدنيا أن تكون على أهل الارض حجة ينزل ذلك في تلك الليلة إلى من أحب من عباده.

وأيم الله لقد نزل الروح والملائكة بالامر في ليلة القدر على آدم، وأيم الله ما مات آدم إلا وله وصي، وكل من بعد آدم من الانبياء قد أتاه الامر فيها، ووضع لوصيه من بعده، وأيم الله إن كان النبي ليؤمر فيما يأتيه، من الامر في تلك الليلة من آدم إلى محمد صلى الله عليه وآله أن أوصى إلى فلان، ولقد قال الله عزوجل في كتابه لولاة الامر من بعد محمد صلى الله عليه وآله خاصة: وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض

[251]

كما استخلف الذين من قبلهم - إلى قوله - فاولئك هم الفاسقون(1) " يقول: أستخلفكم لعلمي وديني وعبادتي بعد نبيكم كما استخلف وصاة آدم من بعده حتى يبعث النبي الذي يليه " يعبدونني لا يشركون بي شيئا " يقول: يعبدونني بإيمان لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وآله فمن قال غير ذلك " فاولئك هم الفاسقون " فقد مكن ولاة الامر بعد محمد بالعلم و نحن هم، فاسألونا فإن صدقناكم فأقروا وما أنتم بفاعلين أما علمنا فظاهر، وأما إبان أجلنا الذي يظهر فيه الدين منا حتى لا يكون بين الناس اختلاف، فإن له أجلا من ممر الليالي والايام، إذا أتى ظهر، وكان الامر واحدا.

وأيم الله لقد قضي الامر أن لا يكون بين المؤمنين اختلاف، ولذلك جعلهم شهداء على الناس ليشهد محمد صلى الله عليه وآله علينا، ولنشهد على شيعتنا، ولتشهد شيعتنا على الناس، أبى الله عزوجل أن يكون في حكمه اختلاف، أو بين أهل علمه تناقض.

ثم قال أبوجعفر عليه السلام فضل إيمان المؤمن بحمله " إنا أنزلنا " وبتفسيرها على من ليس مثله في الايمان بها، كفضل الانسان على البهائم، وإن الله عزوجل ليدفع بالمؤمنين بها عن الجاحدين لها في الدنيا - لكمال عذاب الآخرة لمن علم أنه لا يتوب منهم - ما يدفع بالمجاهدين عن القاعدين ولا أعلم أن في هذا الزمان جهادا إلا الحج والعمرة والجوار.

8 - قال: وقال رجل لابي جعفر عليه السلام: يا ابن رسول الله لا تغضب علي قال: لماذا؟ قال: لما اريد أن أسألك عنه، قال: قل، قال: ولا تغضب؟ قال: ولا أغضب قال: أرأيت قولك في ليلة القدر، وتنزل الملائكة والروح فيها إلى الاوصياء، يأتونهم بأمر لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله قد علمه؟ أو ياتونهم بامر كان رسول الله صلى الله عليه وآله علمه؟ وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله مات وليس من علمه شئ إلا وعلي عليه السلام له واع، قال أبوجعفر عليه السلام: مالي ولك أيها الرجل ومن أدخلك علي؟ قال: أدخلني عليك القضاء لطلب الدين، قال: فافهم ما أقول لك.

إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما اسري به لم يهبط حتى أعلمه الله جل ذكره علم ما

___________________________________

(1) النور: 5 5.

[*]

[252]

قد كان وما سيكون، وكان كثير من علمه ذلك جملا يأتي تفسيرها في ليلة القدر، وكذلك كان علي بن أبي طالب عليه السلام قد علم جمل العلم ويأتي تفسيره في ليالي القدر، كما كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله، قال السائل: أوما كان في الجمل تفسير؟ قال: بلى ولكنه إنما يأتي بالامر من الله تعالى في ليالي القدر إلى النبي وإلى الاوصياء: افعل كذا وكذا، لامر قد كانوا علموه، امروا كيف يعملون فيه؟ قلت: فسر لي هذا قال لم يمت رسول الله صلى الله عليه وآله إلا حافظا لجملة وتفسيره، قلت فالذي كان يأتيه في ليالي القدر علم ما هو؟ قال: الامر واليسر فيما كان قد علم، قال السائل: فما يحدث لهم في ليالي القدر علم سوى ما علموا؟ قال: هذا مما امروا بكتمانه، ولا يعلم تفسير ما سألت عنه إلا الله عزوجل.

قال السائل: فهل يعلم الاوصياء ما لا يعلم الانبياء؟ قال: لا وكيف يعلم وصي غير علم ما اوصي إليه، قال السائل: فهل يسعنا أن نقول: إن أحدا من الوصاة يعلم ما لا يعلم الآخر؟ قال: لا لم يمت نبي إلا وعلمه في جوف وصيه وإنما تنزل الملائكة والروح في ليلة القدر بالحكم الذي يحكم به بين العباد، قال السائل، و ما كانوا علموا ذلك الحكم؟ قال: بلى قد علموه ولكنهم لا يستطيعون إمضاء شئ منه حتى يؤمروا في ليالي القدر كيف يصنعون إلى السنة المقبلة، قال السائل: يا أبا جعفر لا أستطيع إنكار هذا؟ قال أبوجعفر عليه السلام: من أنكره فليس منا.

قال السائل: يا أبا جعفر أرأيت النبي صلى الله عليه وآله هل كان يأتيه في ليالي القدر شئ لم يكن علمه؟ قال: لا يحل لك أن تسأل عن هذا، أما علم ما كان وما سيكون فليس يموت نبي ولا وصي إلا والوصي الذي بعده يعلمه، أما هذا العلم الذي تسأل عنه فإن الله عزوجل أبى أن يطلع الاوصياء عليه إلا أنفسهم، قال السائل: يا ابن رسول الله كيف أعرف أن ليلة القدر تكون في كل سنة؟ قال: إذا أتى شهر رمضان فاقرأ سورة الدخان في كل ليلة مائة مرة فاذا أتت ليلة ثلاث وعشرين فإنك ناظر إلى تصديق الذي سالت عنه.

9 - وقال: قال أبوجعفر عليه السلام: لما ترون(1) من بعثه الله عزوجل للشقاء

___________________________________

(1) اللام موطئة للقسم وجوابه (اكثر ما ترون) و (ترون) بمعنى (تزور) او هو مصحف.

[*]

[253]

على أهل الضلالة من أجناد الشياطين وأزواجهم(1) أكثر مما ترون خليفة الله الذي بعثه للعدل والصواب من الملائكة، قيل: يا أبا جعفر وكيف يكون شئ أكثر من الملائكة؟ قال: كما شاء الله عزوجل: قال السائل: يا أبا جعفر إني لو حدثت بعض الشيعة بهذا الحديث لانكروه قال: كيف ينكرونه؟ قال، يقولون: إن الملائكة عليهم السلام أكثر من الشياطين قال: صدقت افهم عني ما أقول: إنه ليس من يوم ولا ليلة إلا وجميع الجن والشياطين، تزور أئمة الضلالة ويزور إمام الهدى عددهم من الملائكة حتى إذا أتت ليلة القدر، فيهبط فيها من الملائكة إلى ولي الامر، خلق الله - او قال قيض الله - عزوجل من الشياطين بعددهم ثم زاروا ولي الضلالة فأتوه بالافك والكذب حتى لعله يصبح فيقول: رأيت كذا وكذا، فلو سأل ولي الامر عن ذلك لقال رأيت شيطانا أخبرك بكذا وكذا حتى يفسر له تفسيرا ويعلمه الضلالة التي هو عليها.

وأيم الله إن من صدق بليلة القدر، ليعلم أنها لنا خاصة لقول رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام حين دنا موته: هذا وليكم من بعدي، فان أطعتموه رشدتم، ولكن من لا يؤمن بما في ليلة القدر منكر، ومن آمن بليلة القدر ممن على غير رأينا فانه لا يسعه في الصدق إلا أن يقول، إنها لنا ومن لم يقل فانه كاذب، إن الله عزوجل أعظم من أن ينزل الامر مع الروح والملائكة إلى كافر فاسق، فان قال: إنه ينزل إلى الخليفة الذي هو عليها فليس قولهم ذلك بشئ، وإن قالوا: إنه ليس ينزل إلى أحد فلا يكون أن ينزل شئ إلى غير شئ وإن قالوا - وسيقولون -: ليس هذا بشئ فقد ضلوا ضلالا بعيدا.

___________________________________

(1) في بعض النسخ [أرواحهم].