باب مولد أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام

ولد أبوالحسن موسى عليه السلام بالابواء سنة ثمان وعشرين ومائة وقال بعضهم.

تسع وعشرين ومائة وقبض عليه السلام لست خلون من رجب من سنة ثلاث وثمانين ومائة وهو ابن أربع أو خمس وخمسين سنة وقبض عليه السلام ببغداد في حبس السندي بن شاهك وكان هارون حمله من المدينة لعشر ليال بقين من شوال سنة تسع وسبعين ومائة وقد قدم هارون المدينة منصرفه من عمرة شهر رمضان، ثم شخص هارون إلى الحج وحمله معه، ثم انصرف على طريق البصرة فحبسه عند عيسى بن جعفر، ثم أشخصه إلى بغداد، فحبسه عند السندي بن شاهك فتوفي عليه السلام في حبسه ودفن ببغداد في مقبرة قريش وامه ام ولد يقال لها: حميدة.

1 - الحسين بن محمد الاشعري، عن معلى بن محمد، عن علي بن السندي القمي قال: حدثنا عيسى بن عبدالرحمن، عن أبيه قال: دخل ابن عكاشة بن محصن الاسدي على أبي جعفر وكان أبوعبدالله عليه السلام قائما عنده فقدم إليه عنبا، فقال: حبة حبة يأكله الشيخ الكبير والصبي الصغير وثلاثة وأربعة ياكله من يظن أنه لا يشبع وكله حبتين حبتين، فإنه يستحب فقال لابي جعفر عليه السلام: لاي شئ لا تزوج أبا عبدالله فقد أدرك التزويج؟ قال وبين يديه صرة مختومة فقال: أما إنه سيجيئ نخاس من أهل بربر فينزل دار ميمون، فنشتري له بهذه الصرة جارية، قال: فأتى لذلك ما أتى، فدخلنا يوما على أبي جعفر عليه السلام فقال: ألا اخبركم عن النخاس الذي ذكرته لكم قد قدم، فاذهبوا فاشتروا بهذه الصرة منه جارية، قال: فأتينا النخاس فقال: قد بعت ما كان عندي إلا جاريتين مريضتين إحداهما أمثل من الاخرى، قلنا: فأخرجهما حتى ننظر إليهما فأخرجهما، فقلنا: بكم تبيعنا هذه المتماثلة قال: بسبعين دينارا

[477]

قلنا أحسن قال: لا أنقص من سبعين دينار، قلنا له نشتريها منك بهذه الصرة ما بلغت ولا ندري ما فيها وكان عنده رجل أبيض الرأس واللحية قال: فكوا وزنوا، فقال النخاس: لا تفكوا فانها إن نقصت حبة من سبعين دينارا لم ابايعكم فقال الشيخ: ادنوا، فدنونا وفككنا الخاتم ووزنا الدنانير فإذا هي سبعون دينارا لا تزيد ولا تنقص فأخذنا الجارية فأدخلناها على أبي جعفر عليه السلام وجعفر قائم عنده فأخبرنا أبا جعفر بما كان، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال لها: ما اسمك؟ قالت: حميدة، فقال حميدة في الدنيا، محمودة في الآخرة، أخبريني عنك أبكر أنت أم ثيب؟ قالت: بكر قال: وكيف ولا يقع في أيدي النخاسين شئ إلا أفسدوه، فقالت: قد كان يجيئني فيقعد مني مقعد الرجل من المرأة فيسلط الله عليه رجلا أبيض الرأس واللحية فلا يزال يلطمه حتى يقوم عني، ففعل بي مرارا وفعل الشيخ به مرارا فقال: يا جعفر خذها إليك فولدت خير أهل الارض موسى بن جعفر عليه السلام.

2 - محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن عبدالله بن أحمد، عن علي بن الحسين، عن ابن سنان، عن سابق بن الوليد، عن المعلى بن خنيس أن أبا عبدالله عليه السلام قال: حميدة مصفاة من الادناس كسبيكة الذهب، ما زالت الاملاك تحرسها حتى اديت إلي كرامة من الله لي والحجة من بعدي.

3 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن أبي قتادة القمي، عن أبي خالد الزبالي قال: لما اقدم بأبي الحسن موسى عليه السلام على المهدي القدمة الاولى نزل زبالة فكنت احدثه، فرآني مغموما فقال لي: يا أبا خالد مالي أراك مغموما، فقلت: وكيف لا أغتم وأنت تحمل إلى هذه الطاغية ولا أدري ما يحدث فيك، فقال: ليس علي بأس إذا كان شهر كذا وكذا ويوم كذا فوافقني في أول الميل، فما كان لي هم إلا إحصاء الشهور والايام حتى كان ذلك اليوم فوافيت الميل فما زلت عنده حتى كادت الشمس أن تغيب ووسوس الشيطان في صدري وتخوفت أن أشك فيما قال، فبينا أنا كذلك إذا نظرت إلى سواد قد أقبل من ناحية العراق، فاستقبلتهم فإذا أبوالحسن عليه السلام أمام القطار على بغلة، فقال:

[478]

إيه(1) يا أبا خالد، قلت: لبيك يا ابن رسول الله، فقال لا تشكن، ود الشيطان أنك شككت، فقلت الحمد لله الذي خلصك منهم فقال: إن لي إليهم عودة لا أتخلص منهم.

4 - أحمد بن مهران وعلي بن إبراهيم جميعا، عن محمد بن علي، عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر بن إبراهيم قال: كنت عند أبي الحسن موسى عليه السلام إذ أتاه رجل نصراني ونحن معه بالعريض(2) فقال له النصراني: أتيتك من بلد بعيد وسفر شاق وسألت ربي منذ ثلاثين ستة أن يرشدني إلى خير الاديان وإلى خير العباد وأعلمهم و أتاني آت في النوم فوصف لي رجلا بعليا دمشق، فانطلقت حتى أتيته فكلمته، فقال: أنا أعلم أهل ديني وغيري أعلم مني، فقلت: أرشدني إلى من هو أعلم منك فإني لا أستعظم السفر ولا تبعد علي الشقة ولقد قرأت الانجيل كلها ومزامير داود وقرأت اربعة أسفار من التوراة وقرأت ظاهر القرآن حتى استوعبته كله، فقال لي العالم: إن كنت تريد علم النصرانية فأنا اعلم العرب والعجم بها وإن كنت تريد علم اليهود فباطي بن شرحبيل السامري أعلم الناس بها اليوم، وإن كنت تريد علم الاسلام و علم التوراة وعلم الانجيل وعلم الزبور وكتاب هود وكلما انزل على نبي من الانبياء في دهرك ودهر غيرك وما انزل من السماء من خبر فعلمه أحد أو لم يعلم به احد، فيه تبيان كل شئ وشفاء للعالمين وروح لمن استروح إليه وبصيرة لمن أراد الله به خيرا وانس إلى الحق فارشدك إليه، فأته ولو مشيا على رجليك، فإن لم تقدر فحبوا(3) على ركبتيك، فإن لم تقدر فزحفا على إستك، فإن لم تقدر فعلى وجهك، فقلت: لا بل أنا أقدر على المسير في البدن والمال، قال: فانطلق من فورك حتى تأتي يثرب، فقلت: لا أعرف يثرب، قال: فانطلق حتى تأتي مدينة النبي صلى الله عليه وآله الذي بعث في العرب وهو النبي العربي الهاشمي فإذا دخلتها فسل عن بني غنم بن مالك بن النجار وهو عند باب مسجدها وأظهر بزة(4) النصرانية وحليتها فإن واليها يتشدد عليهم والخليفة أشد، ثم تسأل عن بني عمرو بن مبذول وهو ببقيع الزبير، ثم تسأل عن موسى بن جعفر وأين منزله وأين هو؟ مسافر أم حاضر فإن كان مسافرا فالحقه فإن سفره أقرب مما ضربت إليه

___________________________________

(1) في اكثر النسخ [إبهمن].

(2) عريض كزبير واد بالمدينة (في).

(3) في بعض النسخ [ولو جثوا].

(4) البزة بالكسر: الهيئة.

[*]

[479]

ثم أعلمه أن مطران عليا الغوطة(1) - غوطة دمشق - هو الذي أرشدني إليك وهو يقرئك السلام كثيرا ويقول لك: إني لاكثر مناجات ربي أن يجعل إسلامي على يديك، فقص هذه القصة وهو قائم معتمد على عصاه، ثم قال: إن أذنت لي يا سيدي كفرت لك(2) وجلست فقال: آذن لك ان تجلس ولا آذن لك أن تكفر، فجلس ثم ألقى عنه برنسه ثم قال: جعلت فداك تأذن لي في الكلام؟ قال: نعم ما جئت إلا له، فقال له النصراني: اردد على صحابي السلام أو ما ترد السلام، فقال أبوالحسن عليه السلام: على صاحبك أن هداه الله فأما التسليم فذاك إذا صار في ديننا، فقال النصراني: إني أسألك - أصلحك الله - قال: سل، قال: أخبرني عن كتاب الله تعالى الذي انزل على محمد ونطق به، ثم وصفه بما وصفه به، فقال: " حم * والكتاب المبين * إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين * فيها يفرق كل أمر حكيم(3) " ما تفسيرها في الباطن؟ فقال: أما حم فهو محمد صلى الله عليه وآله وهو في كتاب هود الذي انزل عليه وهو منقوص الحروف وأما " الكتاب المبين " فهو أمير المؤمنين علي عليه السلام وأما الليلة ففاطمة وأما قوله: " فيها يفرق كل أمر حكيم " يقول: يخرج منها خير كثير فرجل حكيم ورجل حكيم فقال الرجل: صف لي الاول والآخر من هؤلاء الرجال، فقال: إن الصفات تشتبه ولكن الثالث من القوم أصف لك ما يخرج من نسله وإنه عندكم لفي الكتب التي نزلت عليكم، إن لم تغيروا وتحرفوا وتكفروا وقديما ما فعلتم، قال له النصراني: إني لا أستر عنك ما علمت ولا أكذبك وأنت تعلم ما أقول في صدق ما أقول وكذبه والله لقد أعطاك الله من فضله، وقسم عليك من نعمه ما لا يخطره الخاطرون ولا يستره الساترون ولا يكذب فيه من كذب، فقولي لك في ذلك الحق كما ذكرت، فهو كما ذكرت(4)، فقال له أبوإبراهيم عليه السلام: اعجلك أيضا خبرا لا يعرفه إلا قليل ممن قرأ الكتب، أخبرني ما اسم ام مريم وأي يوم نفخت فيه مريم ولكم من ساعة من النهار، وأي يوم وضعت مريم فيه عيسى عليه السلام ولكم من ساعة من النهار؟ ققال النصراني: لا أدري، فقال أبوإبراهيم عليه السلام: أما أم مريم فاسمها مرثا وهي وهيبة بالعربية وأما

___________________________________

(1) الغوطة بالضم موضع بالشام كثير الماء والشجر وهو غوطة دمشق.

(2) التكفير وضع اليدين على الصدر

(3) الدخان: 1 4.

(4) في بعض النسخ [كلما ذكرت].

[*]

[480]

اليوم الذي حملت فيه مريم فهو يوم الجمعة للزوال وهو اليوم الذي هبط فيه الروح الامين وليس للمسلمين عيد كان أولى منه، عظمه الله تبارك وتعالى وعظمه محمد صلى الله عليه وآله، فأمر أن يجعله عيدا فهو يوم الجمعة وأما اليوم الذي ولدت فيه مريم فهو يوم الثلثاء، لاربع ساعات ونصف من النهار والنهر الذي ولدت عليه مريم عيسى عليه السلام هل تعرفه؟ قال: لا، قال: هو الفرات وعليه شجر النخل والكرم وليس يساوي بالفرات شئ للكروم والنخيل، فأما اليوم الذي حجبت فيه لسانها ونادى قيدوس ولده وأشياعه فأعانوه و أخرجوا آل عمران لينظروا إلى مريم، فقالوا لها ما قص الله عليك في كتابه وعلينا في كتابه، فهل فهمته؟ قال: نعم وقرأته اليوم الاحدث، قال: إذن لا تقوم من مجلسك حتى يهديك الله، قال النصراني: ما كان اسم امي بالسريانية وبالعربية؟ فقال: كان اسم امك بالسريانية عنقالية وعنقورة كان اسم جدتك لابيك وأما اسم امك بالعربية فهو مية وأما اسم أبيك فعبد المسيح وهو عبدالله بالعربية وليس للمسيح عبد، قال: صدقت وبررت، فما كان اسم جدي؟ قال: كان اسم جدك جبرئيل وهو عبدالرحمن سميته في مجلسي هذا قال: أما إنه كان مسلما؟ قال أبوإبراهيم عليه السلام: نعم وقتل شهيدا، دخلت عليه أجناد فقتلوه في منزله غيلة والاجناد من أهل الشام، قال: فما كان اسمي قبل كنيتي؟ قال: كان اسمك عبد الصليب، قال: فما تسميني؟ قال اسميك عبدالله، قال: فإني آمنت بالله العظيم وشهدت أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فردا صمدا، ليس كما تصفه النصارى وليس كما تصفه اليهود ولا جنس من أجناس الشرك، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالحق فابان به لاهله وعمي المبطلون وأنه كان رسول الله إلى الناس كافة إلى الاحمر والاسود كل فيه مشترك فأبصر من أبصر واهتدى من اهتدى وعمي المبطلون وضل عنهم ما كانوا يدعون، وأشهد أن وليه نطق بحكمته وأن من كان قبله من الانبياء نطقوا بالحكمة البالغة وتوازوا على الطاعة لله وفارقوا الباطل وأهله والرجس وأهله وهجروا سبيل الضلالة ونصرهم الله بالطاعة له وعصمهم من المعصية، فهم لله أولياء وللدين أنصار، يحثون على الخير ويأمرون به، آمنت بالصغير منهم والكبير ومن ذكرت منهم ومن لم أذكر وآمنت بالله تبارك وتعالى رب العالمين، ثم قطع زناره

[481]

وقطع صليبا كان في عنقه من ذهب، ثم قال: مرني حتى أضع صدقتي حيث تأمرني فقال: ههنا أخ لك كان على مثل دينك وهو رجل من قومك من قيس بن ثعلبة وهو في نعمة كنعمتك فتواسيا وتجاورا ولست أدع أن ارود عليكما حقكما في الاسلام فقال: والله - أصلحك الله - إني لغني ولقد تركت ثلاثمائة طروق بين فرس وفرسة و تركت ألف بعير، فحقك فيها أوفر من حقي، فقال له: أنت مولى الله ورسوله وأنت في حد نسبك على حالك، فحسن إسلامه وتزوج امرأة من بني فهر وأصدقها أبوإبراهيم عليه السلام خمسين دينارا من صدقة علي بن أبي طالب عليه السلام وأخدمه وبوأه وأقام حتى اخرج أبوإبراهيم عليه السلام(2)، فمات بعد مخرجه بثمان وعشرين ليلة.

5 - علي بن إبراهيم وأحمد بن مهران جميعا، عن محمد بن علي، عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر قال: كنت عند أبي إبراهيم عليه السلام وأتاه رجل من أهل نجران اليمن من الرهبان ومعه راهبة، فاستأذن لهما الفضل بن سوار، فقال له: إذا كان غدا فأت بهما عند بئر ام خير، قال: فوافينا من الغد فوجدنا القوم قد وافوا فأمر بخصفة بواري، ثم جلس وجلسوا فبدأت الراهبة بالمسائل فسألت عن مسائل كثيرة، كل ذلك يجيبها، وسألها أبوإبراهيم عليه السلام عن أشياء، لم يكن عندها فيه شئ، ثم أسلمت ثم أقبل الراهب يسأله فكان يجيبه في كل ما يسأله، فقال الراهب: قد كنت قويا على ديني وما خلفت أحدا من النصارى في الارض يبلغ مبلغي في العلم ولقد سمعت برجل في الهند، إذا شاء حج إلى بيت المقدس في يوم وليلة، ثم رجع إلى منزله بارض الهند فسألت عنه بأي أرض هو؟ فقيل لي: إنه بسبذان(3) وسألت الذي اخبرني فقال: هو علم الاسم الذي ظفر به آصف صاحب سليمان لما أتى بعرش سبأ وهو الذي ذكره الله لكم في كتابكم ولنا معشر الاديان في كتبنا، فقال له أبوإبراهيم عليه السلام: فكم لله من اسم لا يرد؟ فقال الراهب: الاسماء كثيرة فأما المحتوم منها الذي لا يرد سائله فسبعة، فقال له أبوالحسن عليه السلام: فأخبرني عما تحفظ منها، قال الراهب لا والله الذي أنزل التوراة على موسى وجعل عيسى عبرة للعالمين وفتنة لشكر اولي

___________________________________

(1) الطروق: الضراب

(2) يعنى إلى بغداد بامر الخليفة.

(3) في بعض النسخ [بسندان] وكذا فيما يأتى.

[*]

[482]

الالباب وجعل محمدا بركة ورحمة وجعل عليا عليه السلام عبرة وبصيرة وجعل الاوصياء من نسله ونسل محمد ما أدري، ولو دريت ما احتجت فيه إلى كلامك ولا جئتك ولا سألتك، فقال له أبوإبراهيم عليه السلام: عد إلى حديث الهندي، فقال له الراهب: سمعت بهذه الاسماء ولا أدري ما بطانتها ولا شرايحها ولا أدري ما هي ولا كيف هي ولا بدعائها، فانطلقت حتى قدمت سبذان الهند، فسألت عن الرجل، فقيل لي: إنه بنى ديرا في جبل فصار لا يخرج ولا يرى إلا في كل سنة مرتين وزعمت الهند أن الله فجر له عينا في ديره وزعمت الهند انه يزرع له من غير زرع يلقيه ويحرث له من غير حرث يعمله، فانتهيت إلى بابه فأقمت ثلاثا، لا أدق الباب ولا اعالج الباب، فلما كان اليوم الرابع فتح الله الباب وجاء‌ت بقرة عليها حطب تجر ضرعها، يكاد يخرج ما في ضرعها من اللبن فدفعت الباب فانفتخ فتبعتها ودخلت، فوجدت الرجل قائما ينظر إلى السماء فيبكي وينظر إلى الارض فيبكي وينظر إلى الجبال فيبكي، فقلت: سبحان الله ما أقل ضربك في دهرنا هذا، فقال لي: والله ما أنا إلا حسنة من حسنات رجل خلفته وراء ظهرك، فقلت له: اخبرت أن عندك اسما من أسماء الله تبلغ به في كل يوم وليلة بيت المقدس وترجع إلى بيتك، فقال لي: وهل تعرف بيت المقدس؟ قلت: لا أعرف إلا بيت المقدس الذي بالشام؟ قال: ليس بيت المقدس ولكنه البيت المقدس وهو بيت آل محمد صلى الله عليه وآله، فقلت له: أما ما سمعت به إلى يومي هذا فهو بيت المقدس، فقال لي: تلك محاريب الانبياء، وإنما كان يقال لها: حظيرة المحاريب، حتى جاء‌ت الفترة التي كانت بين محمد وعيسى صلى الله عليهما وقرب البلاء من أهل الشرك وحلت النقمات في دور الشياطين فحولوا وبدلوا ونقلوا تلك الاسماء وهو قول الله تبارك وتعالى - البطن لآل محمد والظهر مثل -: " إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان " فقلت له: إني قد ضربت إليك من بلد بعيد، تعرضت إليك بحارا وغموما وهموما وخوفا وأصبحت وأمسيت مؤيسا إلا أكون ظفرت بحاجتي، فقال لي: ما أرى امك حملت بك إلا وقد حضرها ملك كريم ولا أعلم أن أباك حين أراد الوقوع بامك إلا وقد اغتسل وجاء ها على طهر ولا أزعم إلا أنه قد كان درس السفر الرابع من سحره ذلك، فختم له بخير، ارجع من حيث جئت، فانطلق حتى تنزل

[483]

مدينة محمد صلى الله عليه وآله التي يقال لها: طيبة وقد كان اسمها في الجاهلية يثرب، ثم اعمد إلى موضع منها يقال له: البقيع، ثم سل عن دار يقال لها: دار مروان، فانزلها وأقم ثلاثا ثم سل [عن] الشيخ الاسود الذي يكون على بابها يعمل البواري وهي في بلادهم، اسمها الخصف، فالطف بالشيخ وقل له: بعثني إليك نزيلك الذي كان ينزل في الزاوية في البيت الذي فيه الخشيبات الاربع، ثم سله عن فلان بن فلان الفلاني وسله أين ناديه وسله أي ساعة يمر فيها فليريكاه(1) أو يصفه لك، فتعرفه بالصفة وسأصفه لك، قلت: فإذا لقيته فاصنع ماذا؟ قال: سله عما كان وعما هو كائن وسله عن معالم دين من مضى ومن بقي، فقال له أبوإبراهيم عليه السلام: قد نصحك صاحبك الذي لقيت، فقال الراهب ما اسمه جعلت فداك؟ قال: هو متمم بن فيروز وهو من أبناء الفرس وهو ممن آمن بالله وحده لا شريك له وعبده بالاخلاص والايقان وفر من قومه لما خافهم، فوهب له ربه حكما وهداه لسبيل الرشاد وجعله من المتقين وعرف بينه وبين عباده المخلصين وما من سنة إلا وهو يزور فيها مكة حاجا ويعتمر في رأس كل شهر مرة ويجيئ من موضعه من الهند إلى مكة، فضلا من الله وعونا وكذلك يجزي الله الشاكرين، ثم سأله الراهب عن مسائل كثيرة، كل ذلك يجيبه فيها وسأل الراهب عن أشياء، لم يكن عند الراهب فيها شئ، فأخبره بها، ثم إن الراهب قال: أخبرني عن ثمانية أحرف نزلت فتبين في الارض منها أربعة وبقي في الهواء منها أربعة، على من نزلت تلك الاربعة التي في الهواء ومن يفسرها؟ قال: ذاك(2) قائمنا، ينزله الله عليه فيفسره وينزل عليه ما لم ينزل على الصديقين والرسل والمهتدين، ثم قال الراهب، فأخبرني عن الاثنين من تلك الاربعة الاحرف التي في الارض ما هي؟ قال: اخبرك بالاربعة كلها، أما أولهن فلا إله إلا الله وحده لا شريك له باقيا، والثانية محمد رسول الله صلى الله عليه وآله مخلصا، والثالثة نحن أهل البيت، والرابعة شيعتنا منا ونحن من رسول الله صلى الله عليه وآله ورسول الله من الله بسبب، فقال له الراهب، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن ما جاء به من عند الله حق وأنكم صفوة الله من خلقه وأن شيعتكم المطهرون المستبدلون(3)

___________________________________

(1) الالف من اشباع الفتحة وفى بعض النسخ [فليريكه].

(2) في بعض النسخ [ذلك].

(3) في بعض النسخ [المستدلون].

[*]

[484]

ولهم عاقبة الله رب العالمين، فدعا أبوإبراهيم عليه السلام بجبة خز وقميص قوهي(1) وطيلسان وخف وقلنسوة، فأعطاه إياها وصلى الظهر وقال له: اختتن، فقال: قد اختتنت في سابعي(2).

6 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن عبدالله بن المغيرة قال: مر العبد الصالح بامرأة بمنى وهي تبكي وصبيانها حولها يبكون، وقد ماتت لها بقرة، فدنا منها ثم قال لها: ما يبكيك يا أمة الله؟ قالت: يا عبدالله إن لنا صبيانا يتامى وكانت لي بقرة معيشتي ومعيشة صبياني كان منها وقد ماتت و بقيت منقطعا بي وبولدي لا حيلة لنا فقال: يا أمة الله هل لك أن أحييها لك، فالهمت أن قالت نعم يا عبدالله، فتنحى وصلى ركعتين، ثم رفع يده هنيئة وحرك شفتيه، ثم قام فصوت بالبقرة فنخسها نخسة(3) أو ضربها برجله، فاستوت على الارض قائمة، فلما نظرت المرأة إلى البقرة صاحت(4) وقالت: عيسى ابن مريم ورب الكعبة، فخالط الناس وصار بينهم ومضى عليه السلام.

7 - أحمد بن مهران - رحمه الله - عن محمد بن علي، عن سيف بن عميرة، عن إسحاق ابن عمار قال: سمعت العبد الصالح ينعى إلى رجل نفسه، فقلت في نفسي: وإنه ليعلم متى يموت الرجل من شيعته !؟ فالتفت إلي شبه المغضب، فقال: يا إسحاق قد كان رشيد الهجري يعلم علم المنايا والبلايا والامام أولى بعلم ذلك، ثم قال: يا إسحاق اصنع ما أنت صانع، فان عمرك قد فني وإنك تموت إلى سنتين وإخوتك و أهل بيتك لا يلبثون بعدك إلا يسيرا حتى تتفرق كلمتهم ويخون بعضهم بعضا حتى يشمت بهم عدوهم، فكان هذا في نفسك فقلت: فإني أستغفر الله بما عرض في صدري، فلم يلبث إسحاق بعد هذا المجلس إلا يسيرا حتى مات، فما أتى عليهم إلا قليل حتى قام بنو عمار بأموال الناس فأفلسوا.

___________________________________

(1) معرب (كوهى) ضرب من الثياب.

(2) اى اليوم السابع من ولادتى.

(3) نخس الدابة غرز جنبها او مؤخرها بعود ونحوه فهاجت.

(4) في بعض النسخ [صرخت].

[*]

[485]

8 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن موسى بن القاسم البجلي، عن علي بن جعفر قال: جاء ني محمد بن إسماعيل(1) وقد اعتمرنا عمرة رجب ونحن يومئذ بمكة، فقال: يا عم إني أريد بغداد وقد أحببت أن اودع عمي أبا الحسن - يعني موسى بن جعفر عليه السلام - وأحببت أن تذهب معي إليه، فخرجت معه نحو أخي وهو في داره التي بالحوبة وذلك بعد المغرب بقليل، فضربت الباب فأجابني أخي فقال: من هذا فقلت: علي، فقال: هوذا أخرج - وكان بطئ الوضوء - فقلت: العجل قال: وأعجل، فخرج وعليه إزار ممشق(2) قد عقده في عنقه حتى قعد تحت عتبة الباب، فقال علي بن جعفر: فانكببت عليه فقبلت رأسه وقلت: قد جئتك في أمر إن تره صوابا فالله وفق له، وإن يكن غير ذلك فما أكثر ما نخطي قال: وما هو؟ قلت: هذا ابن أخيك يريد أن يودعك ويخرج إلى بغداد، فقال لي: ادعه فدعوته وكان متنحيا، فدنا منه فقبل رأسه وقال: جعلت فداك أوصني فقال: اوصيك أن تتقي الله في دمي فقال مجيبا له: من أرادك بسوء فعل الله به وجعل يدعو على من يريده بسوء، ثم عاد فقبل رأسه، فقال: يا عم أوصني فقال: اوصيك أن تتقي الله في دمي فقال: من أرادك بسوء فعل الله به وفعل، ثم عاد فقبل رأسه، ثم قال: يا عم أوصني، فقال: اوصيك أن تتقي الله في دمي فدعا على من أراده بسوء، ثم تنحى عنه ومضيت معه فقال لي أخي: يا علي مكانك فقمت مكاني فدخل منزله، ثم دعاني فدخلت إليه فتناول صرة فيها مائة دينار فأعطانيها وقال: قل لابن أخيك يستعين بها على سره قال علي: فأخذتها فأدرجتها في حاشية ردائي ثم ناولني مائة اخرى وقال: أعطه أيضا، ثم ناولني صرة اخرى وقال: أعطه أيضا فقلت: جعلت فداك إذا كنت تخاف منه مثل الذي ذكرت، فلم تعينه على نفسك؟ فقال: إذا وصلته وقطعني قطع الله أجله، ثم تناول مخدة أدم، فيها ثلاثة آلاف درهم وضح(3) وقال: أعطه هذه أيضا قال: فخرجت إليه فأعطيته المائة الاولى ففرح بها فرحا شديدا ودعا لعمه، ثم أعطيته الثانية والثالثة ففرح بها حتى ظننت أنه سيرجع ولا يخرج، ثم أعطيته الثلاثة آلاف درهم فمضى على وجهه حتى دخل على هارون

___________________________________

(1) هو ابن اسماعيل بن ابى عبدالله عليه السلام.

(2) ممشق مصبوغ بالمشق وهو الطين الاحمر.

(3) الوضح: الدرهم الصحيح.

[*]

[486]

فسلم عليه بالخلافة وقال: ما ظننت أن في الارض خليفتين حتى رأيت عمي موسى بن جعفر يسلم عليه فالخلافة، فأرسل هارون إليه بمائة ألف درهم فرماه الله بالذبحة(1) فما نظر منها إلى درهم ولا مسه.

9 - سعد بن عبدالله وعبدالله بن جعفر جميعا، عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه علي بن مهزيار، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير قال: قبض موسى بن جعفر عليهما السلام وهو ابن أربع وخمسين سنة في عام ثلاث وثمانين ومائة.

وعاش بعد جعفر عليه السلام خمسا وثلاثين سنة.

___________________________________

(1) الذبحة كهمزة وعنبة وجع في الحلق او دم يخنق فيقتل.