باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالى

1 - علي بن إبراهيم، عن العباس بن معروف، عن ابن أبي نجران، عن حماد ابن عثمان، عن عبدالرحيم بن عتيك القصير قال: كتبت على يدي عبدالملك بن أعين إلى أبي عبدالله عليه السلام: أن قوما بالعراق يصفون الله بالصورة وبالتخطيط فإن رأيت - جعلني الله فداك - أن تكتب إلي بالمذهب الصحيح من التوحيد؟ فكتب إلي: سألت رحمك الله عن التوحيد وما ذهب إليه من قبلك فتعالى الله الذي ليس كمثله شئ وهو السميع البصير، تعالى عما يصفه الواصفون المشبهون الله بخلقه المفترون على الله، فاعلم رحمك الله أن المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله عزوجل فانف عن الله تعالى البطلان والتشبيه فلا نفي ولا تشبيه(1) هو الله الثابت الموجود تعالى الله عما يصفه الواصفون ولا تعدوا القرآن فتضلوا بعد البيان.

2 - محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن ابي عمير، عن إبراهيم ابن عبدالحميد، عن ابي حمزة قال: قال لي علي بن الحسين عليهما السلام: يا أبا حمزة إن الله لا يوصف بمحدودية، عظم ربنا عن الصفة فكيف يوصف بمحدودية من لا يحد ولا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير؟

3 - محمد بن أبي عبدالله، عن محمد بن إسماعيل، عن الحسين بن الحسن، عن بكر بن صالح، عن الحسن بن سعيد، عن إبراهيم بن محمد الخزاز ومحمد بن الحسين قالا: دخلنا على أبي الحسن الرضا عليه السلام فحكينا له أن محمد صلى الله عليه وآله رأى ربه في صورة

___________________________________

(1) أمر (ع) بنفي البطلان والتشبيه لان جماعة أرادوا تنزيه الله سبحانه عن مشابهة المخلوقات فوقعوا في البطلان والتعطيل وأخرى أرادوا أن يصفوه بصفات ليعرفوه فأثبتوا له صفات غير لائقة بذاته فشبهوه بخلقه فهم بين معطل ومشبه فالواجب على المسلم أن لا يقول بنفي الصفات رأسا ولا باثباتها على وجه التشبيه، قوله: " هو الله الثابت الموجود " إشارة إلى نفي البطلان وقوله: " تعالى الله عما يصفه الواصفون " إشارة إلى نفي التشبيه " ولا تعدوا القرآن " أي لا تجاوزوا ما فيه. (في)

[*]

الشاب الموفق(1) في سن أبناء ثلاثين سنة وقلنا: إن هشام بن سالم(2) وصاحب الطاق والميثمي يقولون: إنه أجوف إلى السرة والبقية صمد(2)؟ فخر ساجدا لله(4) ثم قال: سبحانك ما عرفوك ولا وحدوك فمن أجل ذلك وصفوك، سبحانك لو عرفوك لوصفوك بما وصفت به نفسك، سبحانك كيف طاوعتهم أنفسهم أن يشبهوك بغيرك، اللهم لا أصفك إلا بما وصفت به نفسك ولا اشبهك بخلقك، أنت أهل لكل خير، فلا تجعلني من القوم الظالمين، ثم التفت إلينا فقال: ما توهمتم من شئ فتوهموا الله غيره ثم قال: نحن آل محمد النمط(5) الاوسط الذي لا يدركنا الغالي ولا يسبقنا التالي، يا محمد إن رسول الله صلى الله عليه وآله حين نظر إلى عظمة ربه كان في هيئة الشاب الموفق

___________________________________

(1) الموفق الذي وصل في الشباب إلى الكمال وجمع بين تمام الخلقة وكمال المعنى في الجمال أو الذي هيأت له أسباب الطاعة والعبادة (في) وقيل وهو المستوي، وفي بعض النسخ [مرهق] و الصمد يقابل الاجوف يعنى به المصمت. (في)

(2) هو من أصحاب أبي عبدالله وأبي الحسن موسي (ع). وصاحب الطاق هو أبوجعفر محمد ابن النعمان الاحول المعروف بمؤمن الطاق والميثمي هو أحمد بن الحسن بن اسماعيل بن شعيب بن ميثم بن عبدالله التمار. ونسبة هذا القول: (انه اجوف. الخ) إلى هؤلاء الثلاثة عند أكابر الشيعة غير صحيح وسيأتي الكلام فيه في باب النهي عن الجسم والصورة عند ذكر الحديث الخامس ص 105.

(3) هذا هو قول الذين زعموا أن العالم كله شخص واحد وذات واحدة له جسم وروح فجسمه جسم الكل اعنى الفلك الاقصى بما فيه وروحه روح الكل والمجموع صورة الحق الا له، فقسمة الاسفل الجسمانى أجوف لما فيه من معنى القوة الامكانية والظلمة الهيولوية الشبيهة بالخلاء و (الجسم؟) وقسمة الاعلى الروحاني صمد لان الروح العقلي موجود فيه بالفعل بلا جهة امكان استعدادي ومادة ظلمانية تعالى الله عن التشبيه والتمثيل.

(4) لما سمع (ع) مقالتهم الناشئة عن عدم العرفان وجرأتهم في حق الله الصادرة عن الجهل و العصيان سقط ساجدا لله تعظيما له واستبعادا عما وقع منهم من الاجتراء والافتراء في حقه تعالى و تحاشيا عن ذلك ثم سبحه تعالى تنزيها له وتقديسا ثم تعجب من انسلاخ نفوسهم عما فطرهم الله عليه من التوحيد ثم خاطب الله وناداه ببراء‌ة نفسه القدسية عن مثل ما يصفه المشبهون ثم مهد قاعدة كلية بقوله (ع): " ما توهمتم من شئ فتوهموا الله غيره " وهو ما مر مرارا في كلامهم (ع). (في)

(5) النمط بالتحريك الطريقة والنوع من الشئ والجماعة من الناس أمرهم واحد [وفي النهاية: في حديث على (ع). " خير هذه الامة النمط الاوسط "] أراد (ع) نحن على الطريقة الوسطى من امر الدين وعلى النوع الوسط منه والجماعة الاوسط فيه القائمون بالقسط والعدل لا نفرط ولا نفرط ولا نغلوا ولا نقصر أما الغالى فقد جاوزنا بغيا وعدوا ولا يدركنا الا أن يرجع الينا وأما التالى فلم يصل بعد الينا وليس له أن يسبقنا، قال الله تعالى: " وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس " (في) [*]

[102]

وسن أبناء ثلاثين سنة يا محمد عظم ربي عزوجل أن يكون في صفة المخلوقين، قال قلت: جعلت فداك من كانت رجلاه في خضرة؟ قال: ذاك محمد كان إذا نظر إلى ربه بقلبه جعله في نور مثل نور الحجب حتى يستبين له ما في الحجب، إن نور الله منه أخضر ومنه أحمر ومنه أبيض ومنه غير ذلك يا محمد ما شهد له الكتاب والسنة فنحن القائلون به.

4 - علي بن محمد ومحمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن بشر البرقي قال: حدثني عباس بن عامر القصابي، قال: أخبرني هارون بن الجهم، عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: قال: لو اجتمع أهل السماء والارض أن يصفوا الله بعظمته لم يقدروا(1).

5 - سهل، عن إبراهيم بن محمد الهمداني قال: كتبت إلى الرجل عليه السلام(2): أن من قبلنا من مواليك قد اختلفوا في التوحيد، فمنهم من يقول: جسم، ومنهم من يقول: صورة، فكتب عليه السلام بخطه: سبحان من لا يحد ولا يوصف، ليس كمثله شئ وهو السميع العليم - أو قال -: البصير.

6 - سهل، عن محمد بن عيسى، عن إبراهيم، عن محمد بن حكيم قال: كتب أبوالحسن موسى بن جعفر عليهما السلام إلى أبي: أن الله أعلا وأجل وأعظم من أن يبلغ كنه صفته، فصفوه بما وصف به نفسه، وكفوا عما سوى ذلك.

7 - سهل، عن السندي بن الربيع، عن ابن أبي عمير، عن حفص اخي مرازم، عن المفضل قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن شئ من الصفة فقال: لا تجاوز ما في القرآن.

8 - سهل، عن محمد بن علي القاساني(3) قال: كتبت إليه عليه السلام أن من قبلنا قد اختلفوا في التوحيد قال: فكتب عليه السلام: سبحان من لا يحد ولا يوصف، ليس كمثله شئ وهو السميع البصير.

9 - سهل، عن بشر بن بشار النيسابوري قال: كتبت إلى الرجل عليه السلام: إن من قبلنا قد اختلفوا في التوحيد، فمنهم من يقول: [هو] جسم ومنهم من يقول:

___________________________________

(1) يعني أن يصفوه على ما هو عليه من العظمة (في).

(2) المراد بالرجل هنا وفي الحديث التاسع من الباب أبوالحسن الثالث عليه السلام.

(3) لعله علي بن محمد فصحف، وعلي من أصحاب الهادي عليه السلام.(آت) [*]

[103]

[هو] صورة، فكتب إلي: سبحان من لا يحد ولا يوصف ولا يشبهه شئ وليس كمثله شئ وهو السميع البصير.

10 - سهل، قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السلام سنة خمس وخمسين ومأتين: قد اختلف يا سيدي أصحابنا في التوحيد، منهم من يقول: هو جسم ومنهم من يقول: هو صورة فإن رأيت يا سيدي أن تعلمني من ذلك ما أقف عليه ولا أجوزه فعلت متطولا على عبدك، فوقع بخطه عليه السلام: سألت عن التوحيد وهذا عنكم معزول(1)، الله واحد، أحد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، خالق وليس بمخلوق يخلق تبارك وتعالى ما يشاء من الاجسام وغير ذلك وليس بجسم ويصور ما يشاء وليس بصورة جل ثناؤه وتقدست أسماؤه أن يكون له شبه، هو لا غيره، ليس كمثله شئ وهو السميع البصير.

11 - محمد بن اسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حماد بن عيسى، عن ربعي ابن عبدالله، عن الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: إن الله لا يوصف، وكيف يوصف؟ وقد قال في كتابه: " وما قدورا الله حق قدره(2) " فلا يوصف بقدر إلا كان أعظم من ذلك.

12 - علي بن محمد، عن سهل بن زياد، وعن غيره، عن محمد بن سليمان، عن علي ابن إبراهيم، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال: إن الله عظيم رفيع لا يقدر العباد على صفته ولا يبلغون كنه عظمته، لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير ولا يوصف بكيف ولا أين وحيث، وكيف أصفه بالكيف؟ ! وهو الذي كيف الكيف(3) حتى صار كيفا فعرفت الكيف بما كيف لنا من الكيف

___________________________________

(1) أي لستم مكلفين بأن تخوضوا فيه بعقولكم بل اعتقدوا ما نزل الله تعالى إليكم من صفاته، أو ليس لكم السؤال بل بين الله تعالى لكم (آت).

(2) أي ما عظموا الله حق تعظيمه فلا يوصف بقدر ولا يعظم تعظيما الا كان أعظم من ذلك (آت)

(3) أي هو موجد الكيف ومحقق حقيقته في موضعه حتى صار كيفا له فعرفت الكيف بما أوجده فينا وجعله حالا لنا من الكيف فالمعلوم لنا من الكيف ما نجده فينا منه وأمثالها ولا نعرف كيفا سوى أنواع هذه المقولة التي نجدها من حقائق صفاتنا وطبايعنا والله تعالى أجل من أن يوصف بها بالاتحاد أو القيام أو الحلول وكذا الكلام في الاين والمراد به كون الشئ في المكان والهيئة الحاصلة للمتمكن باعتبار كونه في المكان وهو أيضا مما اوجده سبحانه وحقق حقيقته في موضعه حتى صار أينا له فعرفت الاين بما أوجده فينا وجعله حالا لنا من الاين فالمعلوم لنا من الاين - ما نجده فينا وما هو من هذه المقولة من جنس حقائق صفاتنا وطبائعنا والله سبحانه أجل من أن يوصف بها. وكذا الكلام في حيث وهو اسم لمكان الشئ والله سبحانه موجده ومحقق حقيقته وجاعله مكانا للمتمكن فيه فعرفت الحيث بما أوجده مكانا لنا فالمعلوم لنا من حيث، ما نجده مكانا لنا وهو من جنس حقيقة وطبيعة والله سبحانه أجل من أن يوصف به وبسائر ما لا يفارق الامكان فالله تعالى داخل في كل مكان أي حاضر بالحضور العقلي غير غائب فلا يعزب عنه المكان ولا المتمكن فيه ولا يخلو عنه مكان بأن لا يحضره بالحضور العقلي والشهود العلمي وأما داخل كالمتمكن في المكان و الجزء العقلي والخارجي في الكل فهو سبحانه منزه عنه وخارج من كل شئ، وقوله: " لا تدركه الابصار " دليل على نفي التمكن في المكان فان كل متمكن في المكان مما يصح عليه الادراك بالاوهام، وقوله: " وهو يدرك الابصار " على حضوره عقلا وشهوده علما وقوله: " لا إله الا هو العلي العظيم " على عدم كونه داخلا في شئ دخول الجزء العقلي فيه والخارجي فيه وقوله: " وهو اللطيف الخبير " يدل على جميع ذلك. (رف)

[*]

[104]

أم كيف أصفه بأين؟ ! وهو الذي أين الاين حتى صار أينا فعرفت الاين بما أين لنا من الاين، أم كيف أصفه بحيث؟ ! وهو الذي حيث الحيث حتى صار حيثا فعرفت الحيث بما حيث لنا من الحيث، فالله تبارك وتعالى داخل في كل مكان وخارج من كل شئ، لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار؟ لا إله إلا هو العلي العظيم و هو اللطيف الخبير.