باب العرش والكرسي

1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي رفعه، قال: سأل الجاثليق(1) أمير المؤمنين عليه السلام فقال: أخبرني عن الله عزوجل يحمل العرش أو العرش يحمله؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: الله عزوجل حامل العرش والسماوات والارض وما فيهما وما بينهما وذلك قول الله عزوجل: " إن الله يمسك السماوات والارض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا(2) "، قال: فأخبرني عن قوله: " ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية(3) " فكيف قال ذلك؟ وقلت: إنه يحمل العرش والسماوات والارض؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إن العرش خلقه الله تعالى من أنوار أربعة: نور أحمر، منه احمرت الحمرة ونور أخضر منه اخضرت الخضرة ونور أصفر منه اصفرت الصفرة ونور أبيض منه [ابيض] البياض وهو العلم الذي حمله الله الحملة وذلك نور من عظمته، فبعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين، وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون(4)، وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات والارض من جميع خلائقه إليه الوسيلة، بالاعمال المختلفة والاديان المشتبهة، فكل محمول يحمله الله بنوره وعظمته وقدرته لا يستطيع لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا

___________________________________

(1) كان اسما لعالم النصارى.

(2) فاطر: 41. وقوله تعالى: (أن تزولا) أى يمسكهما كراهة ان تزولا بالعدم والبطلان أو يمنعهما ويحفظهما أن تزولا، فان الامساك متضمن للمنع والحفظ وفيه دلالة على ان الباقى في البقاء محتاج إلى المؤثر، ان أمسكهما أى ما أمسكهما، من بعده اى من بعد الله او من الزوال او (من) الاولى زايدة للمبالغة في الاستغراق والثانية للابتداء (آت)

(3) الحاقة: 17.

(4) لان النور مساوق الظلمة التى هى ضد النور والمعاداة انما تكون بين الضدين كذا قيل والاظهر عندى ان المراد أن ظهوره صار سببا لخفائه، كما قيل: يا خفيا من فرط الظهور. (آت)

[*]

[130]

حياة ولا نشورا، فكل شئ محمول والله تبارك وتعالى الممسك لهما أن تزولا والمحيط بهما من شئ(1) وحياة كل شئ ونور كل شئ، سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا.

قال له: فأخبرني عن الله عزوجل أين هو؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: هو ههنا وههنا وفوق وتحت ومحيط بنا ومعنا وهو قوله: " ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا " فالكرسي محيط بالسماوات والارض وما بينهما وما تحت الثرى وإن تجهر بالقول، فإنه يعلم السر وأخفى وذلك قوله تعالى: " وسع كرسيه السماوات والارض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم " فالذين يحملون العرش هم العلماء الذين حملهم الله علمه وليس يخرج عن هذه الاربعة شئ خلق الله في ملكوته الذي أراه الله أصفياء وأراه خليله عليه السلام فقال: " وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والارض وليكون من الموقنين(2) " وكيف يحمل حملة العرش الله وبحياته حييت قلوبهم وبنوره اهتدوا إلى معرفته؟ !.

2 - أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبدالجبار، عن صفوان بن يحيى قال: سألني أبوقرة المحدث أن ادخله على أبي الحسن الرضا عليه السلام فأستأذنته فأذن لي، فدخل فسأله عن الحلال والحرام ثم قال له: أفتقر أن الله محمول؟ فقال أبوالحسن عليه السلام: كل محمول للمفعول به مضاف إلى غيره محتاج، والمحمول اسم نقص في اللفظ والحامل فاعل وهو في اللفظ مدحة وكذلك قول القائل: فوق وتحت وأعلا وأسفل وقد قال الله: " وله الاسماء الحسنى فادعوه بها " ولم يقل في كتبه، إنه المحمول بل قال: إنه الحامل في البر وبالبحر والممسك السماوات والارض أن تزولا والمحمول ما سوى الله ولم يسمع أحد آمن بالله وعظمته قط قال في دعائه: يا محمول، قال أبوقرة، فإنه قال: " ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية " وقال: " الذين يحملون العرش "

___________________________________

(1) ضمير التثنية راجع إلى السماوات والارض.

(2) الانعام: 75.

(3) ليس المراد ان كل ما ورد على صيغة المفعول اسم نقص والا لانتقص بالموجود والمعبود و المحمود بل ما دل على وقوع تأثير من غيره كالمحفوظ والمربوب والمحمول وامثالها. (آت) [*]

[131]

فقال أبوالحسن عليه السلام: العرشى ليس هو الله والعرش اسم علم وقدرة، وعرش فيه كل شئ ثم أضاف الحمل إلى غيره: خلق من خلقه(1)، لانه استعبد خلقه بحمل عرشه وهم حملة علمه وخلقا يسبحون حول عرشه وهم يعملون بعلمه وملائكة يكتبون أعمال عباده؟ واستعبد أهل الارض بالطواف حول بيته والله على العرش استوى كما قال(1) والعرش ومن يحمله ومن حول العرش والله الحامل لهم، الحافظ لهم، الممسك القائم على كل نفس وفوق كل شئ وعلى كل شئ ولا يقال: محمول ولا أسفل، قولا مفردا لا يوصل بشئ(3) فيفسد اللفظ والمعنى، قال أبوقرة: فتكذب بالرواية التي جاء‌ت أن الله إذا غضب إنما يعرف غضبه أن الملائكة الذين يحملون العرش يجدون ثقله على كواهلهم، فيخرون سجدا، فإذا ذهب الغضب خف ورجعوا إلى مواقفهم؟ فقال أبوالحسن عليه السلام: أخبرني عن الله تبارك وتعالى منذ لعن إبليس إلى يومك هذا هو غضبان عليه، فمتى رضي؟ وهو في صفتك(4) لم يزل غضبان عليه وعلى أوليائه وعلى أتباعه كيف تجترئ أن تصف ربك بالتغيير من حال إلى حال وأنه يجري عليه ما يجري

___________________________________

(1) قوله: (خلق) بالجر من غيره واشار بذلك إلى ان الحامل لما كان من خلقه فيرجع الحمل اليه تعالى (وهم حملة عرشه) اى وقد يطلق حملة العرش على حملة العلم ايضا او حملة العرش في القيامة هم حملة العلم في الدنيا. (آت).

(2) أى استواؤه سبحانه على العرش على النحو الذى قال واراد من استواء النسبة او الاستيلاء كما مر تزعمه المشبهة. (آت).

(3) اى لا يوصل بقرينة صارفة عن ظاهره او ينسب إلى شئ آخر على طريقة الوصف بحال المتعلق بأن يقال: عرشه محمول أو أرضه تحت كذا وجحيمه أسفل ونحو ذلك والا فيفسد اللفظ لعدم الاذن الشرعى، واسماؤه توقيفية وايضا هذا اسم نقص كما مر والمعنى لانه يوجب نقصه وعجزه تعالى عن ذلك علوا كبيرا. (آت).

(4) أى وصفك إياه انه لم يزل غضبان على الشيطان وعلى أوليائه، والحاصل انه لما فهم من كلامه ان الملائكة الحاملين للعرش قد يكونون قائمين وقد يكونون ساجدين بطريان الغضب وضده وحمل الحديث على ظاهره نبه عليه السلام على خطائه إلزاما عليه بقدر فهمه بأنه لا يصح ما ذكرت إذ من غضبه تعالى ما علم انه لم يزل كغضبه على ابليس فيلزم أن يكون حملة العرش منذ غضب على ابليس إلى الان سجدا غير واقفين إلى مواقفهم فعلم ان ما ذكرته وفهمته خطاء والحديث على تقدير صحته محمول على ان المراد بغضبه سبحانه إنزال العذاب ويوجدان الحملة ثقل العرش اطلاعهم عليه بظهور مقدماته وأسبابه وبسجودهم خضوعهم وخشوعهم له سبحانه خشية وخوفا من عذابه فاذا انتهى نزول العذاب وظهرت مقدمات رحمته اطمأنوا ورغبوا في طلب رحمته ثم بعد الزامه عليه السلام بذلك شرع في الاستدلال على تنزيهه سبحانه مما فهمه فقال: كيف تجتزئ أن تصف ربك بالتغيير من حال إلى حال وهو من صفات المخلوقات والممكنات. (آت) [*]

[132]

على المخلوقين؟ ! سبحانه وتعالى، لم يزل مع الزائلين(1) ولم يتغير مع المتغيرين ولم يتبدل مع المتبدلين، ومن دونه يده وتدبيره، وكلهم إليه محتاج وهو غني عمن سواه.

3 - محمد بن اسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حماد بن عيسى، عن ربعي ابن عبدالله، عن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عزوجل: " وسع كرسيه السماوات والارض " فقال: يا فضيل كل شئ في الكرسي، السماوات والارض وكل شئ في الكرسي(2).

4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن عيسى، عن الحجال، عن ثعلبة [بن ميمون] عن زرارة بن أعين قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عزوجل: " وسع كرسيه السماوات والارض " السماوات والارض وسعن الكرسي أم الكرسى وسع السماوات والارض؟ فقال: بل الكرسي وسع السماوات والارض والعرش، وكل شئ وسع الكرسي.(3)

5 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن عبدالله بن بكير، عن زرارة بن أعين قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عزوجل: " وسع كرسيه السماوات والارض " السماوات والارض وسعن الكرسي أو الكرسي وسع السماوات والارض؟ فقال: إن كل شئ في الكرسي.

6 - محمد [بن يحيى]، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: حملة العرش - والعرش: العلم ثمانية: أربعة منا وأربعة ممن شاء الله.(4)

7 - محمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن عبدالرحمن بن كثير عن داود الرقي قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عزوجل: " وكان عرشه على

___________________________________

(1) لم يزل بضم الزاء من زال يزول ووليس من الافعال الناقصة. (آت)

(2) في توحيد الصدوق كذا: (يا فضيل السماوات والارض وكل شئ في الكرسى).

(3) لعله سأل عن قراء‌ة اهل البيت عليهم السلام.

(4) عن الكاظم (ع) قال: إذا كان يوم القيامة كان حملة العرش: ثمانية اربعة من الاولين نوح وابراهيم وموسى وعيسى واربعة من الاخرين: محمد وعلى والحسن والحسين. (في) [*]

[133]

الماء(1) " فقال ما يقولون؟ قلت: يقولون: إن العرش كان على الماء والرب فوقه، فقال: كذبوا، من زعم هذا فقد صير الله محمولا ووصفه بصفة المخلوق ولزمه أن الشئ الذي يحمله أقوى منه، قلت: بين لي جعلت فداك؟ فقال: إن الله حمل دينه وعلمه الماء قبل أن يكون أرض أو سماء أو جن أو إنس أو شمس أو قمر، فلما أراد الله أن يخلق الخلق نثرهم بين يديه فقال لهم: من ربكم؟ فأول من نطق: رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام والائمة صلوات الله عليهم فقالوا: أنت ربنا، فحملهم العلم والدين، ثم قال للملائكة: هؤلاء حملة ديني وعلمي وامنائي في خلقي وهم المسؤولون، ثم قال لبني آدم: أقروا لله بالربوبية ولهؤلاء النفر بالولاية والطاعة، فقالوا: نعم ربنا أقررنا، فقال الله للملائكة: أشهدوا.

فقالت الملائكة شهدنا على ان لا يقولوا غدا: " إنا كنا عن هذا غافلين أو يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون " يا داود ولايتنا مؤكدة عليهم في الميثاق.

_____________________________

(1) هود: 8