الصفحة 54

الصفحة 55

الماكيافيليّة:

(الماكيافيلية، أو الوصولية، أو النفعويّة...) أسماء متعدّدة لمعنى واحد والماكيافيلية تُنسب إلى مؤسّسها الإيطالي الشهير "Machiavelli"الذي كتب كتابه المعروف " الأمير " "il principe" وهو مفكّر عاش في القرون الوسطى في عصر النهضة الإيطالية في إمارة فلورانسا قلب إيطاليا الثقافي والحضاري والفكري.

و(للماكيافيلية) مقولة شهيرة كانت الأساس الذي ضرب بالمثل العليا عرض الحائط وجعلت لكلّ مغامر الفرصة في إمكانية الوصول إلى ما يطمح ويريد، هذه المقولة هي: "الغاية تُبرّر الوسيلة".

ولا أدري، هل يصحّ أن ننسب هذه النظرية أو الفلسفة ـ التي استشرت في أوروبا ونالنا منها نحن المسلمون المآسي والويلات ـ إلى ماكيافيلّي أم إلى معاوية بن أبي سفيان؟!

إنّ معاوية بن أبي سفيان من دهاة العرب الأربعة(1) كما يوصف، وهو مثال حيّ وقوي على الرجل النفعي الماكيافيلّي، فهو كالحرباء المتغيّرة اللّون حسب الظروف، فمعاوية حسب نشأته ومكانة أبيه في قريش لا يمكن أن يكون مسلما، لأنّ قبوله بالدين الجديد معناه أن يفقد

____________

1 ـ هم: معاوية، عمرو بن العاص، المغيرة بن شعبة، زياد بن أبيه. أنظر كتاب أسد الغابة: ترجمة المغيرة بن شعبة.


الصفحة 56
جميع الإمتيازات التي كان يتمتّع بها وهو فتى من فتيان قريش المترفين ـ إنّه مثال للرّجعيّة الإجتماعية التي ترى في كلّ دعوة إصلاحية ـ وضعيةً كانت أو سماوية ـ ضربة قاصمة للإمتيازات الطبقية التي كان يرفل فيها(1) ـ وهكذا شبّ معاوية ونشأ.

زيادة على ذلك (الخوف من فقدان الإمتيازات) ما لاقاه المسلمون الأوائل من شدة وتعذيب ما كان ليشجع معاوية (اللاّمبدئي) بأن يدخل هذا الدّين الجديد، لكن لمّا اشتدّت شوكة المسلمين وعظمت قدرة المسلمين يسرع أبو سفيان إلى خارج مكّة ليبايع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لكنّه مازال يرى أنّ محمّدا ملكا حتى أن نهاه العبّاس (رضي الله عنه)، وما كان أيسرها من كلمة ـ الشهادتين ـ فيكفي أن يلفظها أبو سفيان وهند ومعاوية بالنتيجة، حتّى يعصموا دماءهم وأموالهم وكذا مراكزهم الماديّة.

وهكذا يطلع علينا معاوية مُسلماً، له ما للمسلمين وعليه ما عليهم، لكن الفارق بينه وبينهم أنّه لا سابقة له ولا جهاد، ولا حتّى رمية سهم أو رمح في سبيل هذه الدعوة الجديدة!

كذلك هناك مفارقة كبيرة جعلته يشعر بالخزي والمذلّة أينما اتّجه، ألا وهي كونه من الطّلقاء.

لا يبرز أيّ ذكر لمعاوية إلى وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحتّى إلى شوط كبير من حياة الخلفاء، إلى أن يُعَيَّنَ والياً على الشام ـ جزء منها ـ خلفاً لأخيه يزيد بن أبي سُفيان، ولا عجب إلاّ من عمر بن الخطاب الّذي ترك

____________

1 ـ (وإذا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا) [ سورة الإسراء: 16 ].


الصفحة 57
أجلاّء الصحابة جليسي بيوتهم ويولّي هذا الشّخص المغمور!! وهو القائل: "إنّ ولاية الأمر لا تكون لطليق ولا لمسلمة الفتح"(1)، فما عدا ممّا بدا؟!

وولاية الشام فتحت لمعاوية المغامر آفاقا وآفاقا، وهي التي مهّدت له خلافة المسلمين فيما بعد.

وجاءت الفتنة الكبرى، حيث أحاطت جموع الثائرين والجائعين الذين رأوا بني أمية يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع(2)، ورأوا الوليد بن عقبة(3) يصلّي بهم في الكوفة صلاة الصّبح أربعا وهو سكران، ورأوا ما كان عليه معاوية وبقية عمّال عثمان من بطر وجاهلية جديدة وطبقية بغيضة مغلّفة بغلاف الإسلام!

حُوصر عثمان في بيته أربعين يوماً، فهل أثارت حالة الخليفة هذه ابن عمّه معاوية بن أبي سفيان؟!

الجواب: لا.

هل كان معاوية عاجزا أن يرسل جيشا أو حتّى كتيبة تفكّ حالة

____________

1 ـ مسلمة الفتح: هم الذين أسلموا يوم فتح مكّة وربّما يقصدهم ومن أسلم بعد ذلك، راجع طبقات ابن سعد 3/342، حيث قال: "هذا الأمر في أهل بدر ما بقي منهم أحد، ثمّ في أهل أحد ما بقي منهم أحد، وفي كذا وكذا وليس فيها لطليق ولا لمسلمة الفتح شيء".

هذا مع أنّ عمر عندما كان يرى معاوية كان يقول عنه: هذا كسرى العرب [ تاريخ الإسلام للذهبي سنة 41 ـ 61 هـ ص 311 ].

2 ـ أنظر كلام الإمام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة: الخطبة 3 المعروفة بالشقشقيّة.

3 ـ هو الذي سمّاه القرآن فاسقا [سورة الحجرات: 6 ] أنظر: تفسير الدر المنثور 7/555، تفسير الطبري 26/78، تفسير القرطبي 16/311، تفسير ابن كثير 4/223.


الصفحة 58
الحصار عن ابن عمّه عثمان الأموي؟!

والجواب: لا.

إذن لماذا تقاعس معاوية عن نصرة عثمان؟!

والجواب: هو شخصيّة معاوية الماكيافيليّة التي لا يمكن أن ترتكب هذه المجازفة الخطيرة فتُوقد هَكذا خطوة نقمة المسلمين عليه كما أُوقِدت على عثمان، وزيادة على ذلك وهو الأهم، كان معاوية يرى أنّ هذه الفتنة قد تَرفَعه وتدفعه إلى مقام ما كان ليحلم به حتّى في المنام. ألا وهو مقام الخلافة وقيادة الأمّة!!

وهل كان لمعاوية مطمع فيها وكبار الصحابة كعليّ وعمّار والزّبير وسعد على قيد الحياة؟!

نقول: إنّ السرّ موجود في ماكيافيلية معاوية الّذي لولا بعدُ نظره وكثرة أحلامه لما استمرّ على ولاية الشام سنة واحدة، وهو الذي كان يعيش فيها عيش الأكاسرة والأباطرة.

لقد أراد معاوية كبش فداء لطموحه الكبير، فكان عثمان أو قميص عثمان، فما إن قُتل الخليفة حتّى أقام عليه معاوية المناحات وعلّق قميصه على منبر مسجد الشام، واستغلّ هذا القميص أحسن استغلال حتّى يبدو وكأنّه المدافع عن حرمة الخلافة ويكسب بذلك القلوب.

يُقتل الخليفة ولا ينصره بشيء، ويأخذ قميصه ويجعل منه قضية السّاعة(1)!

ليس المهم عند معاوية أن يُقتل عثمان ولا تهمّه كذلك الأسماء،

____________

1 ـ حتّى ضرب بذلك المثل فيقال لمن يستغل شيئاً بسيطاً ويكثر من استغلاله: قميص عثمان.


الصفحة 59
المهم لديه ماذا ستُضيف إليه هكذا أحداث، وأيّة موجه يركب حتّى تدفعه خطوة إلى الأمام.

وتبدأ فصول المسرحية، فعندما يبايع المهاجرون والأنصار أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) ويقوم بعزل جميع ولاة عثمان لما أحدثوا من عظائم الأمور، يرى معاوية أنّه وصل إلى نقطة الصّفر، حيث سيعود كما بدأ بل أرذل، لكن هل يخضع معاوية وأمثاله في كلّ عصر ومصر إلى هكذا نهاية بعد كلّ ذلك العناء؟!

الجواب: قطعا لا.

وهنا تبدأ الذهنية الشريرة التي تُحوّل المواقف الحرجة إلى مكاسب، جعل معاوية ينادي بالقصاص من قتلة عثمان شرطا لكي ينعزل ويتنحّى، وما أذكاه من شرط! حتّى يكسب شيئين: عدم التنحّي، وإظهار نفسه بمظهر الشرعية لاستمالة قلوب الناس.

وما أشبه اليوم بالبارحة! فما أكثر الحكّام اليوم الذين رفعوا قميص فلسطين لكنهم لم يرموا إسرائيل بأيّ رصاصة، ثم قس على ذلك بقية القمصان وما أكثرها في كلّ عصر وزمان وإن تغيّر المصداق.

ما أذكاه من شرط! وهل هناك قتلة معيّنون قتلوا عثمان؟!

إنّ كلّ الأمة قتلت عثمان، وفي مقدّمتهم عائشة وطلحة والزبير وحتّى... عمرو بن العاص الذي عزله عن مصر فكان يقول: "كنت ألقى الراعي فأحرّضه على عثمان"(1).

فهل اقتصّ معاوية منهم بعد ذلك حين صار خليفة المسلمين؟!

____________

1 ـ أنظر: الكامل في التاريخ لابن الأثير 3/163.


الصفحة 60
... يا له من موقف حرج آخر أشد من الأوّل!!

إنّ جنود الإمام عليّ(عليه السلام) يقتربون من خيمة معاوية، وسيف مالك الأشتر حامل لواء جيش أمير المؤمنين يلوح أحمر تحت لهيب الشمس في ذلك اليوم من أيام حرب صفّين.

هل ستكون الضّربة القاضية التي تأخرت عن معاوية كثيرا؟! هكذا كان معاوية يفكّر وهو يستعدّ ليحزم أمتعته ويفرّ من الميدان إلى... امبراطور بيزنطة ربّما.

لكن ما أحلى ذلك السّلاح الذي طالما جرّبه معاوية ولم يخب: "الغاية تبرّر الوسيلة" وجاءت فكرة عمرو بن العاص برفع المصاحف.

الآن، الآن تقيم للمصحف وزناً يا معاوية وقد خالفت كلّ أحكامه(1)؟!

ورحم الله أحمد شوقي بقوله:

خرج الثعلب يوماً في ثياب الناسكينا.

وما أكثر اليوم من يرفعون المصاحف لغاياتهم الخبيثة!

والحيلة آتت أكلها، حيث دبّ الخلاف وطلعت الفتنة بعد رفع معاوية للمصاحف، وانشقت الأمة إلى فرق وأحزاب، وما زالت إلى يومنا هذا.

ويظهر معاوية بن أبي سفيان "كرجل سلام" من الدرجة الأولى، حيث يعقد بعد استشهاد عليّ صلحا مع الحسن بن عليّ، فيبدو في عيون

____________

1 ـ مثل أنه صلّى صلاة الجمعة يوم الأربعاء عند مسيره لحرب صفّين، والخروج على الحاكم الشرعي، وقتاله بغيا لبقية المسلمين، أنظر: مروج الذهب للمسعودي 3/32.


الصفحة 61
المسلمين المُستَغْفَلين حريصا على الدّماء وصائناً لها، لكنّه سرعان ما يغدر بالإمام الحسن ويفتك به، عن طريق إرسال السمّ إليه بواسطة واليه على المدينة والذي بدوره يعطيه لزوجة الحسن حتّى لا يبقى في الأمة معارض له، ويُتوّج جهوده الإعلامية والرشويّة فيصبح أميراً للمؤمنين وخليفة للمسلمين فياله من خليفة ويا لهم من مسلمين!!

ويظهر معاوية حقيقته التي طالما سعى لإخفاءها خوفا من شوكة الصحابة الأجلاّء وخوفا من السقوط. أما وقد فتك بالصالحين منهم واشترى ذمم الباقين(1)، فلا بأس بالتعرّي وكشف السّوءة، فيقول مجاهرا غير مستح قولته الشهيرة: " إنّي ما قاتلتكم لتصلّوا ولا لتحجّوا ولا لتصوموا، لكنّي قاتلتكم حتّى أتأمّر عليكم!! "(2).

وما الصلاة وما الحجّ وما الإسلام أصلاً أمام المُلك الّذي لبسه غصبا وأورثه ملكا عضوضا إلى بني أمية من بعده حتّى كاد الإسلام يعود أثرا بعد عين، وحتّى وصل الأمر بأمراء بني أمية أن يضربوا الكعبة بالمنجنيق، ويستبيحوا المدينة المنوّرة، ويسخر الحجّاج بن يوسف من طواف المسلمين بقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنبره ويقول: إنّما يطوفون بأعواد ورمّة، وينصحهم بأن يطوفوا بقصر "أمير المؤمنين" عبدالملك بن مروان

____________

1 ـ كقتله للصحابي الجليل حجر بن عدي باعتراف أُمّ المؤمنين عائشة وباعترافه هو نفسه حيث كان يقول: الويل لي من حجر يكرّر ذلك ثلاثاً، أنظر: البداية والنهاية لابن كثير 8/49.

أمّا أكبر ذمّة لصحابي اشتراها معاوية فهي ذمة أبي هريرة.

2 ـ أنظر: البداية والنهاية لابن كثير 8/131.


الصفحة 62
بالشام(1).

نعم، ما كان أظلمها من صفحات في تاريخنا الإسلامي، فأبو ذر صاحب السّابقة يموت وحيدا شريدا في صحراء الرّبذة، ومعاوية لا يموت إلاّ وهو يلعب مع جواريه وخصيانه بالدّولة الإسلامية العريضة من المشرق إلى المغرب.

وليس عسيراً بعد ذلك على معاوية بما يملك من مال وبطش أن يجعل من نفسه كاتب الوحي(2)، وخال المؤمنين(3)، بل حتّى هادياً مهديّا(4) وأن يضع الفضائل الزائفة فيمن أحبّه، وأن يلعن وينتقص من أبغضه(5).

وليس عجيبا بعد أن ترى في حكّام اليوم الذين يحكمون بلدانهم لفترات محدودة أن يحرّفوا التاريخ ويقرّبوا من شاؤوا ويبعدوا من شاؤوا حتّى يصبح أحدهم الربّ الأعلى على سيرة فرعون، وكلّهم كمعاوية مجتهدون مخطئون لهم أجر واحد، والبركة في المضيرة لمن يشتهيها

____________

1 ـ أنظر: الكامل للمبرد 1/222، العقد الفريد لابن عبد ربه 5/310.

2 ـ ولا ندري متى كتب الوحي وقد أسلم يوم الفتح في أواخر حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟

أنظر: صحيح مسلم: فضائل الصحابة فضائل أبي سفيان 4/1945، مسند أحمد 4/226 حديث رقم 2651.

3 ـ لأنّه أخو أم حبيبة زوجة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والتي أبغضت أباها كما أبغضت أخاها.

4 ـ في حديث مزعوم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " اللّهم اجعله هادياً مهديّا وأهد به! " أنظر صحيح الترميذي 6/157 حديث 3842.

5 ـ كأمره لوعّاظه في طول البلاد وعرضها بلعن علي بن أبي طالب على المنابر واستمرّ ذلك إلى 70 سنة. أنظر: تاريخ الطبري حوادث سنة 51.


الصفحة 63
والسّيف لمن يخافه!.

ومن يدري فلعلّ ماكيافيلّي اطلع على تاريخنا وبنى على سيرة معاوية مدرسته الفكريّة، من يدري؟!


الصفحة 64

شرعية الحكم في الإسلام... لمن:

كان الفصل شتاءاً، وكنت أستغلّ فترة مابعد الغروب لأقوم بجولة في أطراف المدينة، حيث أشعر بالأنس في تلك الأوقات حيث تأخذني قدماي في جولة هادئة، وتذهب بي مخيّلتي بعيدا محلّقة نحو أفق سحري، فأطير بعيدا عن رتابة الواقع وأمشي وأمشي حتّى أشعر أنّني قطعت شوطا كبيراً في جولتي، وأشعر بلفح نسمات باردة فأميل إلى إحدى المقاهي حيث غالباً ما ألتقي بأحد شباب حيّنا فنخوض في موضوع مَا، وكثيرا ما ينضمّ إلينا بعض الأصدقاء ليشاركوننا الجلسة، وكانت هكذا جلسات فرصة لي للخروج من رتابة الدروس ولإعادة البعض من الحيويّة الضرورية لمواجهة التحضير لامتحان آخر السّنة الذي كان آخر عقبة للدخول إلى الجامعة.

كنت في أكثر الأحيان ألتقي بصديق الدراسة القديم ـ المتشيّع ـ حيث كنت أشتاق إلى مجالسته لخفّة ظلّه والروح الساخرة التي كان يتميز بها، فضلا عن أنّه شدّني إليه لما يحمله من أفكار جديدة عليَّ لم أتعوّد على سماعها من قبل ولكلّ جديد لذّة كما يقولون.

في إحدى جلساتي معه وجدته أحضر كتاباً كبيراً ذو غلاف أحمر قاني وكان قد وضعه أمامه على الطاولة، نظرت إلى العنوان فإذا به "صحيح مسلم" وقد كتب بحروف مذهّبة، وكتبت عبارة "أصحّ الكتب بعد كتاب

الصفحة 65
الله" تحت العنوان.

مسكت هذا الكتاب ـ وكان مجلّدا واحدا لجزئين فقط ـ لأول مرة في حياتي، إذ نحن مع الأسف لا نقرأ كتبنا، ولماذا نقرأ؟! ألسنا على المحجّة البيضاء! يا له من غرور مغلّف بجهل مركّب! إنّ المستشرقين صاروا يعرفون عنّا أكثر ممّا نعرف عن أنفسنا نحن، وقد يأتي يوم ـ لا سمح الله ـ يَطبخون لنا فيه تاريخا حسب ذوقهم وأهدافهم ويقدمونه لنا بديلا عن تاريخنا(1).

عندما نظرت إلى العبارة كان في نفسي منها شيء! ما معنى أصحّ كتاب بعد كتاب الله تعالى؟! يعني أنّه في المرتبة الثانية. يا له من قياس عجيب!! ما أسهل أن نصدر أحكاما جزافا لتمرير كثير من الأشياء، دائما نذهب ونقيس أنفسنا بالله وكتبنا بكتابه العزيز!

كان صديقي قد وعدني مرّة بأن يحضر لي صحيح مسلم لأنّه أكّد لي أنّ حديث: " تركت فيكم الثقلين، ما إن تمسّكتم بهما، لن تضلّوا بعدي أبدا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما "(2) هو الحديث المتواتر عند المسلمين.

لكنّي أصررت على أنّ المشهور هو حديث: "كتاب الله وسنّتي"(3).

____________

1 ـ وقد بدأوا فعلا وما فعله جرجي زيدان في قصصه وتأليفاته كان ضربة البداية.

2 ـ أنظر: مستدرك الحاكم 2/148، مسند أحمد 3/17.

وقد ورد في مسلم شبيها وقريباً في ألفاظه من هذا، أنظر: مسلم كتاب الفضائل باب من فضائل علي بن أبي طالب.

3 ـ أنظر: موطّأ مالك: 602 حديث رقم 1662.


الصفحة 66
فتحت الكتاب حيث المكان الذي عيّنه لي صديقي بورقة صغيرة، قرأت الحديث كما أخبرني صديقي، تعجّبتُ!! اللّهم زدْنا علماً، وقفزت في ذهني أفكار وأفكار كمن كان يريد مخرجا سريعاً لما هو فيه، لكني عجزت فاشتعل قلبي غيضا على هؤلاء الّذين أوقعونا في ورطة لا مخرج منها، ويا ليتها كانت الورطة الوحيدة فما أكثر ما تورّطوا فيه وورّطونا فيه معهم.

قال صديقي: وليس فقط مسلم هو الذي أورد هذا الحديث، بل أورده كثير من المفسرين والمحدثين من أمثال أحمد بن حنبل في مسنده، والترمذي والحاكم والطبري وابن حجر في صواعقه، والسيوطي الشافعي في الدر المنثور، وابن الأثير في النهاية وغيرهم ممّا لا يحصيه عاد.

قلت: لكن المشهور عندنا هو حديث: "كتاب الله وسنّتي"، حتّى حفظناه عن ظهر قلب وردّدناه في كلّ مجمع وعلى كلّ منبر، حتّى سارت به الركبان.

قال: ربّ مشهور لا أصل له، وعلى افتراض وجود وصحة الحديث فهو يفسّر الحديث الصحيح الأوّل حيث إنّ سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)هي سنّة أهل البيت والعكس صحيح وإذا لم يكن الأمر كذلك لصار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) متناقضا في قوله وأحاديثه.

ثمّ أدار صديقي صفحات أخرى من صحيح مسلم، وقال: اقرأ!

قرأت عن أبي هريرة قال: "لا تمتلىء (النار) حتّى يضع الربّ رجله فتقول: قط قط ويزوي بعضها إلى بعض"(1).

____________

1 ـ أنظر: صحيح مسلم 2/482، مسند أحمد 3/134، العقيدة الواسطية لابن تيميّة: 76.


الصفحة 67
تملكني العجب من هذا الحديث وتذكرت حديث صديقي عن أبي هريرة وقيمة أحاديثه، لكني أسررتها في نفسي ولم أُبدِ ذلك له، وتركت صديقي يعلّق بنفسه على الحديث حتّى أرى ما يقول فيه، وبالتّالي ما يقول الشيعة حوله.

قال صديقي: لو أعملت عقلك وفكرك لعلمت تهاوي هذا الحديث الذي يرويه أبو هريرة الدوسي:

فأوّلا: هذا القول يعني أنّ الله أخطأ في تقديره لعرض وسعة جهنّم فيضطرّ لأن يضع فيها رجله حتّى تمتلأ.

وثانياً: الله يضرب بقوله في القرآن عرض الحائط. أليس هو القائل: (فالحَقُّ والحَقَّ أَقُولُ * لأَملاََنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ)(1) الآية. فكيف يقول الله لأملأنّ جهنّم ثم يضطر بعد ذلك لوضع رجله فيها حتّى يملأ فراغاتها؟!!

ثمّ لا نتحدث بعد عن رجل الله التي يريدنا أبو هريرة أن نتصوّرها كرجله المتشقّقة الحافية التي لم تحضن نعلاً إلاّ في أخريات عمره. ولعلّ أبا هريرة نسي أن يحدثنا عن رجل الله الأخرى، هل تبقى معلّقة في الهواء أم يضعها الله تعالى في الجنّة لأنها كذلك عريضة واسعة رحبة.

قاطعت صديقي قائلا: لكن قد يكون القصد من رجل الله شيء مجازيّ كما ورد في القرآن عن يد الله وأعينه وغيرها؟! وقد تكون الرجل هنا هو غضب الله حيث يرفس أهل النّار فيها رفْساً.

ضحك صديقي ضحكة عريضة، وقال: إنّ الحديث من أساسه

____________

1 ـ سورة ص: 84 ـ 85.


الصفحة 68
باطل، لأنّه لا يَسنده شيء من العقل ولا من القرآن الكريم فكيف نلجأ إلى التأويل؟!

وعلى ذكر التأويل، إنّ المجسّمة والمشبهة وأبرزهم في وقتنا الحاضر الوهّابية لا يجوّزون التأويل، لأنّه عندهم تعطيل ولذا يسمّوننا معطّلة بزعمهم، وقد أحسنتَ إذ ذكّرتني بهذا الموضوع المهمّ، فإنّه أساس لفهم القرآن ولفهم أصل التوحيد الذي يدّعي حمل لواءه كثير من الأعراب البوّالين على أعقابهم.

ولهذا كان مرجعنا في فهم القرآن هو خلفاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الأئمة المعصومين الّذين قرنهم (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرآن في قوله: " تركت فيكم الثّقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي "(1).

وليس لنا الأخذ بالظّاهر في كثير من الآيات، لأنّ ذلك يؤدّي بالباحث إلى القول بتناقض كتاب الله المجيد.

فمرّة يقول الله تعالى: (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)(2)، وأخرى يقول: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بأَيْيد)(3)، ومرّة يقول لموسى: (لِتُصْنَعَ على عَيْنِي)(4)، وأخرى يقول: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فإِنَّكَ بأَعْيُنِنَا)(5)، فتُذكر اليد بلفظ المفرد وأخرى بلفظ الجمع،

____________

1 ـ المستدرك للحاكم 3/148 كتاب معرفة الصحابة.

2 ـ سورة الفتح: 10.

3 ـ سورة الذاريات: 47. ويقول ابن تيميّة باثبات اليدين لله تعالى، أنظر: العقيدة الواسطية: 66.

4 ـ سورة طه: 39.

5 ـ سورة الطور: 48.


الصفحة 69
وكذا العين.

ومرّة أخرى نقف على آية أخرى أعجب وهي قوله تعالى: (كُلُّ شَيء هَالِكٌ إلاّ وَجهَه)(1)، أو قوله: (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلاَلِ والإِكْرَامِ)(2) فإذا سلّمنا بأنّ لله يداً أو عيناً أو جارحة (كما يليق بجلاله تعالى) ـ على رأى الوهّابيين ـ لكانت كلّها فانية، زائلة حسب الآية التي تذكر هلاك كلّ ذلك ما عدى الوجه.

قلت متعجّبا: وهل هناك من المسلمين من يعتقد بأنّ الهلاك يوم القيامة يطال حتّى الله تعالى؟!

قال صديقي: على افتراض أنّنا سلّمنا بأنّ الله تعالى مركّب من أجزاء ـ سبحانه وتعالى ـ فلماذا يَطَاله هلاك وصاعقة القيامة بعضا من الله؟! ومعنى هذا إنّ الله إمّا أنّه يفجّر صاعقة لا يستطيع السيطرة عليها حتّى تطاله كما طالت مخلوقاته، أو أنّ القيامة حدث خارج عن قدرة الله بحيث تأتي على " الربّ والمربوب "؟!

قلتُ مغضباً: والله لا أعتقد أنّ جدّتي رحمها الله على بساطة فكرها تؤمن بهكذا عقيدة فيمن خضع له كلُّ شيء، سُبحانه وتعالى عمّا يقول السّفهاء.

عقب صديقي وقد علت نبرة صوته وظهرت علامات الحزم على جبينه قائلا: يا ليت; ثمّ يا ليت; وقف الأمر عند هذا الحدّ! لقلنا: اشتبه على إخواننا الأمر والتزموا بظاهر الكتاب، لكنّهم في كثير من الأمور ضربوا بصريح الآيات عرض الجدار.

____________

1 ـ سورة القصص: 88.

2 ـ سورة الرحمن: 27.


الصفحة 70
قلت له: هات لي مثالا على ما قالوا.

قال: إنّهم يَزعمون أنّ الله فوق سماواته على عرشه، عليٌّ على خلقه(1)، بل وزادوا على ذلك وقالوا: إذا جلس سبحانه على كرسيّه سُمع له (أي الكرسي) أطيط (صوت) كأطيط الرحل الجديد، من ثقل الله تعالى(2).

قلت: أليس الله على العرش؟!

قال: يظهر من رواة الحديث أنّهم رأوا معاوية بن أبي سفيان أو ملوك بني أمية وملوك بني العبّاس، وما كانوا فيه من جبروت وما كان لديهم من عروش مذهّبة وغيرها حتّى نسبوا ذلك إلى الله تعالى!

صحيح إنّنا نجد في القرآن كلمة العرش والكرسي لكن لا يعني أنّها تشبه عروش الجبابرة والطواغيت، أليس الله تعالى يقول في أشهر آية نقرأها ليلا ونهارا وهي آية الكرسي حيث يقول: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاواتِ والأرْضَ)(3)، فهل يعني هذا أنّنا جالسون في العرش مع الله إذ وسع العرش حتّى الأرض، فهل العرش داخل فيها أم أنّها هي في العرش؟!

قلت: عفواً ـ قليلا قليلا حتّى أفهم جيّداً ما تقول، فهل تقصد أنّ عرش الله ليس في السماء دون الأرض، وليس في مكان دون آخر؟!

____________

1 ـ أنظر: سنن ابن ماجة 1/69 باب فيما أنكرت الجهمية، و1/29 نفس الباب، وكذلك العقيدة الواسطيّة لابن تيميّة.

2 ـ انظر: سنن أبي داود 4/243.

3 ـ سورة البقرة: 255.


الصفحة 71
ردّ صديقي: المسألة مجازيّة وكنائيّة.

ثمّ استرسل قائلاً: " مشكلة البعض هو أنّهم كالحمار يحمل أسفارا، نعم هم يعرفون العربية لكن لا يفقهون من فنّها وبديعها قليلا ولا كثيرا، ولو تنظر في تاريخ العرب والألفاظ العربية لوجدت أنها تستعمل المجاز والكناية دائما أبدا، أليس يقال مثلا: إنّ فلاناً ـ الملك أو الأمير أو الخليفة ـ بسط يده على البلاد؟! فهل كانت يده طويلة جداً حتّى بسطها في طول البلاد وعرضها؟!

أو قد يقال في بعض البلاد: جلس الأمير أو الملك على العرش يوم كذا أو سنة كذا، لكن لا يُقصد بذلك أنّه جلس على كرسيّه الخشبيّ، فقد يكون في ذلك اليوم الذي تولّى فيه الحكم واقفا طول اليوم يتقبّل التّهاني والتّبريكات، أو قد يكون راكبا متوجّها لتسلّم مقاليد الأمور، القصد طبعا هو أنّ فلاناً الحاكم تسلّط على المقاليد يوم كذا من سنة كذا وليس هو الجلوس البسيط السّاذج.

إذا فهمت هذه الأمور فارجع إلى قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)(1)، والاستواء يعني قدرته تعالى، أي أنّه ممسك بزمام السماوات والأرض يقهرها بقدرته ويصرّفها بحكمته، ولهذا قال مالك بن أنس لمّا سُئل عن هذه الآية: "الإستواء معلوم والكيفُ مجهول والسّؤال بدعة".

ثمّ لا تنظر بعد في زعمهم أنّ الله في السماء بمعنى الفوقية والعلوّ

____________

1 ـ في الحديث "الكرسي موضع قدمي الله والعرش لا يقدّر قدره؟!". أنظر: مستدرك الحاكم 2/282، كتاب التفسير تفسير آية الكرسي.


الصفحة 72
المادي لأنّه مردود بصريح القرآن، حيث يقول تعالى: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إلهٌ وَفِي الأَرْضِ إله)(1) ويقول: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله)(2)، أو قوله تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ)(3)، أما بقية الآيات فتؤول إلى معان أخرى وإلاّ صار القرآن متناقضا.

وختام القول: قوله تعالى عن نفسه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ)شَيء)(4) و(لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُؤَاً أَحَدْ)(5)، نعم، إذا كان الجماعة قد أخذوا دينهم عن اليهود والنصارى، فحقّ لهم القول إنّ الله تعالى في السماء، وأنّه يشبه مخلوقاته وغيرها فهذا في التّوراة والإنجيل كثير.

نظرتُ إلى ساعتي فوجدتُ أنّ الوقت قد أخذنا أكثر من اللازم، فقمت بعد أن تواعدت مع صديقي على لقاء آخر.

كانت خطواتي تتجه إلى البيت متسارعة، وشعرتُ بأنّ ذهني أصبح فسيحا جدّا عمّا كان عليه من قبل، فسيح بالدرجة التي شعرت معها وأنا أتطلّع في صفو السّماء وزينتها أنّ هذا الكون على رحابته وسعته لا يعدو أن يكون جوزة في كفّي أو خاتما في خنصري، وشعرت للمرّة الأولى بمعنى أن يكون الإنسان مكرّما على جميع ما خلق الله تعالى، والسرّ هو

____________

1 ـ سورة الزخرف: 84.

لكن ابن تيميّة ومن والاه يصرّون أن الله في السماء، أنظر: العقيدة الواسطية: 77.

2 ـ سورة البقرة: 115.

3 ـ سورة الحديد: 4.

4 ـ سورة الشورى: 11.

5 ـ سورة الإخلاص: 4.


الصفحة 73
في ما وهب الله تعالى لنا من عقول قد تتّسع لتبتلع السماوات والأرض وتقول هل من مزيد. كانت فرحتي عظيمة وكأنّ كلّ الأشياء التي كانت تتراءى أمامي من شجر وتراب ونجوم، استحالت جديدة، وكأنها خُلقت لِتوّها، وحمدت الله تعالى على أنّ دين الإسلام لا يُعارض العقل والفطرة السّليمة، فكم تجرّعنا من الغُصص ونحن نواجه في نقاشاتنا إشكالات الملاحدة والعلمانيّين وما كان لنا من جواب لهم إلاّ صُفرة الوجه، وقولنا الذي نُقنع به أنفسنا بأنهم أصحاب النار ولا فائدة من النقاش معهم، وإننا سنضحك منهم غدا كما يضحكون هم منّا اليوم.

في تلك اللّيلة نمت ملىء جفوني وكأن الله ألبسني جسدا لطيفا مثاليّا وبالكاد كنتُ أحسّ بوجوده معي...


الصفحة 74

التشكيك.. أو الفتنة:

كنتُ واقفاً بجانب دكّان والدي عشيّة أحد الأيّام، وفجأة وفي بداية الشارع الطويل لحيّنا لاحَ لي أحد معارفي القدماء، لقد ميّزته ببدنه الممتلىء وقدّه القصير نسبيّاً، بدأ يقترب شيئاً فشيئاً ثم مال إلى حافة الطريق حيث كنتُ واقفاً، حيّاني بابتسامته البريئة ثمّ مدّ يده مصافحاً لي...:

أين أنت يا ولد...؟ قالها مستفسراً عن قلّة ظهوري وطول غيابي عنه.

قلت له: مشغول يا أخي، زد على ذلك أنّ فصل الشتاء مُفرّق للجماعات حيث نهاره قصير لا يسمح للإنسان بأنْ يكون له برنامج عريض للزيارات واللقاءات.

ثمّ سألته عن أحواله؟

فأجاب بأنّه يستعدّ لأن يسافر إلى فرنسا ليُكمل دراسته العلميّة هناك؟

ثم بلا مقدمات أدار وجهة الكلام إلى مسألة التاريخ الإسلامي، وقال لي: إنّ التاريخ الإسلامي يحتاج إلى إعادة دراسة وتحقيق، فقد عشنا طول أعمارنا نردّد ما كُتب لنا وما خطّه الأولون دون دراية أو تحقيق حتّى صارت أشياء كثيرة عندنا من المسلّمات.


الصفحة 75
وأردف قائلا: لا تنس أن التاريخ مفتاح مهمّ لفهم كثير من الحقائق التي تمسّ عقيدتنا نحن المسلمين.

أجبته معلّقاً ولا زلت بَعدُ لم أُدرك مغزى كلامه: يا أخي إنّ الدعوات لإعادة قراءة أو كتابة التاريخ كثيرة وليست جديدة، ولكن من هو القادر على القيام بهذا العمل، وقد نتجاوز على تاريخنا العظيم بهذه الأبحاث ونفض الغبار هذا فتبقى الأجيال القادمة محرومة من تاريخنا الزاهر الباهر الذي لم يبق لدينا اليوم كمسلمين شيء نفاخر به غير هذا التاريخ الذهبي.

ابتسم الأخ وقال: لم أقصد هذا! نُعيد قراءة التاريخ دون التجاوز عليه، بل نطابق ما كتبه المؤرخون ونربط الخيوط ببعضها البعض حتّى نحصّل نتيجة وفهما جيّدا لتاريخنا.

اعتذرت من هذا الأخ للحظات لأنظر في حاجة أحد المشترين الذي وقف أمام دكّان الوالد بدرّاجته الناريّة...

نعم ـ عدت إليه مواصلا حديثي: إنّ المسألة ليست بالسهولة التي نتصوّر، وإن كنتُ في الأصل موافقا لك حول ضرورة النظر بعين علمية محايدة بعيدا عن الأهواء والمثاليّات، خاصّة وأنّ المؤرخين كانوا يكتبون ما يمليه عليهم ملوك عصرهم.

لم يطل كلامي معه بقدر ما تواعدنا على مواصلة الحديث في فرصة لاحقة إذا ماواتتنا الظروف، فالموضوع شيّق وشائك في نفس الوقت.

ابتعد الأخ بضعة أمتار وإذا بأحد معارفي الّذي لاحظت منذ بداية