الصفحة 62
فحضروه وهنوه على سلامة علي من الورطة التي رامها أعداؤه.

ثم قالوا له: يا رسول الله أخبرنا عن علي عليه السلام أهو أفضل أم ملائكة الله المقربون؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: وهل شرفت الملائكة إلا بحبها لمحمد وعلي وقبولها لولايتهما، وأنه لا أحد من محبي علي قد نظف قلبه من قذر الغش والدغل ونجاسات الذنوب إلا كان أطهر وأفضل من الملائكة، وهل أمر الله الملائكة بالسجود لآدم إلا لما كانوا قد وضعوه في نفوسهم أنه لا يصير في الدنيا خلق بعدهم إذا رفعوا عنها إلا - وهم يعنون أنفسهم - أفضل منه في الدين فضلا وأعلم بالله وبدينه علما، فأراد الله أن يعرفهم أنهم قد أخطأوا في ظنونهم واعتقاداتهم، فخلق آدم وعلمه الأسماء كلها ثم عرضها عليهم فعجزوا عن معرفتها، فأمر آدم عليه السلام أن ينبأهم بها وعرفهم فضله في العلم عليهم، ثم أخرج من صلب آدم ذريته منهم الأنبياء والرسل والخيار من عباد الله أفضلهم محمد ثم آل محمد والخيار الفاضلين منهم أصحاب محمد وخيار أمة محمد وعرف الملائكة بذلك أنهم أفضل من الملائكة إذا احتملوا ما حملوه من الأثقال وقاسوا ماهم فيه بعرض يعرض من أعوان الشياطين ومجاهدة النفوس واحتمال أذى ثقل العيال والاجتهاد في طلب الحلال ومعاناة مخاطرة الخوف من الأعداء من لصوص مخوفين ومن سلاطين جورة قاهرين وصعوبة في المسالك في المضائق والمخاوف والأجراع (1) والجبال والتلاع (2) لتحصيل أقوات الأنفس والعيال من الطيب الحلال، فعرفهم الله عز وجل أن خيار المؤمنين يحتملون هذه البلايا ويتخلصون منها ويحاربون الشياطين ويهزمونهم ويجاهدون أنفسهم بدفها عن شهواتها ويغلبونها مع ما ركب فيهم من شهوات الفحولة وحب اللباس والطعام والعز والرئاسة والفخر والخيلاء ومقاساة العناء والبلاء من إبليس وعفاريته وخواطرهم وإغوائهم واستهوائهم ودفع ما يكابدونه من أليم الصبر على سماعهم الطعن من أعداء الله وسماع الملاهي

____________

(1) الجرعة: رملة مستوية لا تنبت شيئا.

(2) التلاع: جمع التلعة، وهو ما علا من الأرض وما سفل، وفي بعض النسخ " الطلاع " وهو جمع الطلع بكسر الطاء: المكان المشرف الذي يطلع منه.

الصفحة 63
والشتم لأولياء الله، ومع ما يقاسونه في أسفارهم لطلب أقواتهم والهرب من أعداء دينهم، أو الطلب لمن يأملون معاملته من مخالفيهم في دينهم.

قال الله عز وجل: يا ملائكتي وأنتم من جميع ذلك بمعزل لا شهوات الفحولة تزعجكم ولا شهوة الطعام تحفزكم (2) ولا خوف من أعداء دينكم ودنياكم تنحب (2) في قلوبكم ولا لإبليس في ملكوت سماواتي وأرضي شغل على إغواء ملائكتي الذين قد عصمتهم منهم، يا ملائكتي فمن أطاعني منهم وسلم دينه من هذه الآفات والنكبات فقد احتمل في جنب محبتي ما لم تحتملوا واكتسب من القربات إلى ما لم تكتسبوا.

فلما عرف الله ملائكته فضل خيار أمة محمد وشيعة علي وخلفائه عليهم السلام واحتمالهم في جنب محبة ربهم ما لا تحتمله الملائكة أبان بني آدم الخيار المتقين بالفضل عليهم، ثم قال: فلذلك فاسجدوا لآدم لما كان مشتملا على أنوار هذه الخلائق الأفضلين، ولم يكن سجودهم لآدم إنما كان آدم قبلة لهم يسجدون نحوه لله عز وجل، وكان بذلك معظما له مبجلا، ولا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد من دون الله ويخضع له خضوعه لله ويعظم بالسجود له كتعظيمه لله، ولو أمرت أحدا أن يسجد هكذا لغير الله لأمرت ضعفاء شيعتنا وسائر المكلفين من شيعتنا أن يسجدوا لمن توسط في علوم علي وصي رسول الله ومحض وداد خير خلق الله علي بعد محمد رسول الله واحتمل المكاره والبلايا في التصريح بإظهار حقوق الله ولم ينكر على حقا أرقبه عليه (3) قد كان جهله أو غفله.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله عصى الله إبليس فهلك لما كان معصيته بالكبر على آدم، وعصى آدم الله بأكل الشجرة فسلم ولم يهلك لما لم يقارن بمعصيته التكبر

____________

(1) الحفز: الدفع من الخلف، والحفز بالرمح: الطعن به.

(2) النحب: السير السريع، وفي بعض النسخ " تنخب " ومعناه تجبن قلوبكم وتجعلكم بلا فؤاد، يقال " رجل نخب " أي الجبان الذي لا فؤاد له.

(3) أرقبه عليه: انتظره منه.

الصفحة 64
على محمد وآله الطيبين، وذلك إن الله تعالى قال له: يا آدم عصاني فيك إبليس وتكبر عليك فهلك ولو تواضع لك بأمري وعظم عز جلالي لأفلح كل الفلاح كما أفلحت، وأنت عصيتني بأكل الشجرة وعظمتني بالتواضع لمحمد وآل محمد فتفلح كل الفلاح وتزول عنك وصمة الزلة فادعني بمحمد وآله الطيبين لذلك، فدعا بهم فأفلح كل الفلاح لما تمسك بعروتنا أهل البيت.

ثم إن رسول صلى الله عليه وآله أمر بالرحيل في أول نصف الليل الأخير، وأمر مناديه فنادى: ألا لا يسبقن رسول الله صلى الله عليه وآله أحد إلى العقبة ولا يطأها حتى يجاوزها رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم أمر حذيفة أن يقعد في أصل العقبة فينظر من يمر بها ويخبر رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان رسول الله أمره أن يتشبه بحجر، فقال حذيفة يا رسول الله إني أتبين الشر في وجوه القوم من رؤساء عسكرك، وإني أخاف إن قعدت في أصل الجبل وجاء منهم من أخاف أن يتقدمك إلى هناك للتدبير عليك يحس بي ويكشف عني فيعرفني ويعرف موضعي من نصيحتك فيتهمني ويخافني فيقتلني.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنك إذا بلغت أصل العقبة فاقصد أكبر صخرة هناك إلى جانب أصل العقبة وقل لها: إن رسول الله يأمرك أن تنفرجي لي حتى أدخل جوفك ثم يأمرك أن تثقبي فيك ثقبة أبصر منها المارين وتدخل علي منها الروح لئلا أكون من الهالكين، فإنها تصير إلى ما تقول لها بإذن الله رب العالمين.

فأدى حذيفة الرسالة ودخل جوف الصخرة وجاء الأربعة والعشرون على جمالهم وبين أيديهم رجالتهم يقول بعضهم لبعض: من رأيتموه هنا كائنا من كان فاقتلوه لأن لا يخبروا محمدا أنهم قد رأونا هيهنا فينكص محمد ولا يصعد هذه العقبة إلا نهارا فيبطل تدبيرنا عليه، وسمعها حذيفة واستقصوا فلم يجدوا أحدا، وكان الله قد ستر حذيفة بالحجر عنهم، فتفرقوا فبعضهم صعد على الجبل وعدل عن الطريق المسلوك، وبعضهم وقف على سفح الجبل عن يمين وشمال وهم يقولون الآن ترون حين محمد كيف أغراه بأن يمنع الناس عن صعود العقبة حتى يقطعها هو لنخلوا به هيهنا فنمضي فيه تدبيرنا وأصحابه عنه بمعزل، وكل ذلك يوصله الله تعالى

الصفحة 65
من قريب أو بعيد إلى أذن حذيفة ويعيه حذيفة، فلما تمكن القوم على الجبل حيث أرادوا كلمت الصخرة حذيفة وقالت له: انطلق الآن إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبره بما رأيت وبما سمعت. قال حذيفة: كيف أخرج عنك وإن رآني القوم قتلوني مخافة على أنفسهم من نميمتي عليهم؟ قالت الصخرة: إن الذي مكنك من جوفي وأوصل إليك الروح من الثقبة التي أحدثها في هو الذي يوصلك إلى نبي الله وينقذك من أعداء الله.

فنهض حذيفة ليخرج فانفرجت الصخرة بقدرة الله تعالى، فحوله الله طائرا فطار في الهواء محلقا حتى انقض بين يدي رسول الله، ثم أعيد على صورته فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله بما رأى وسمع، فقال رسول الله: أو عرفتهم بوجوههم؟ فقال:

يا رسول الله كانوا متلثمين وكنت أعرف أكثرهم بجمالهم، فلما فتشوا المواضع فلم يجدوا أحدا أحدروا اللثام فرأيت وجوههم وعرفتهم بأعيانهم وأسمائهم فلان وفلان وفلان حتى عد أربعة وعشرين. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا حذيفة إذا كان الله يثبت محمدا لم يقدر هؤلاء ولا الخلق أجمعون أن يزيلوه، إن الله تعالى بالغ في محمد أمره ولو كره الكافرون.

ثم قال: يا حذيفة فانهض بنا أنت وسلمان وعمار وتوكلوا على الله، فإذا جزنا الثنية الصعبة فأذنوا للناس أن يتبعونا، فصعد رسول الله صلى الله عليه وآله وهو على ناقته وحذيفة وسلمان أحدهما آخذ بخطام ناقته يقودها والآخر خلفها يسوقها، وعمار إلى جانبها، والقوم على جمالهم ورجالتهم منبثون حوالي الثنية على تلك العقبات، وقد جعل الذين فوق الطريق حجارة في دباب فدحرجوها من فوق لينفروا الناقة برسول الله صلى الله عليه وآله ويقع به في المهوى الذي يهول الناظر إليه من بعده، فلما قربت الدباب من ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله أذن الله لها فارتفعت ارتفاعا عظيما فجاوزت ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله ثم سقطت في جانب المهوى ولم يبق منها شئ إلا صار كذلك وناقة رسول الله كأنها لا تحس بشئ من تلك القعقعات التي كانت للدباب.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعمار: اصعد إلى الجبل فاضرب بعصاك هذه وجوه

الصفحة 66
رواحلهم فارم بها، ففعل ذلك عمار فنفرت بهم رواحلهم وسقط بعضهم فانكسر عضده ومنهم من انكسرت رجله ومنهم من انكسر جنبه واشتدت لذلك أوجاعهم، فلما انجبرت واندملت بقيت عليهم آثار الكسر إلى أن ماتوا، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله في حذيفة وأمير المؤمنين عليه السلام: " إنهما أعلم الناس بالمنافقين " لقعوده في أصل الجبل ومشاهدته من مر سابقا لرسول الله صلى الله عليه وآله.

وكفى الله رسوله أمر من قصد له، وعاد رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة سالما فكسى الله الذل والعار من كان قعد عنه، وألبس الخزي من كان دبر عليه وعلى علي ما دفع الله عنه عليه السلام.

احتجاج النبي (ص) يوم الغدير على الخلق كلهم وفي غيره من الأيام بولاية علي بن أبي طالب (ع) ومن بعده من ولده من الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.

حدثني السيد العالم العابد أبو جعفر مهدي ابن أبي حرب الحسيني المرعشي رضي الله عنه (1) قال أخبرنا الشيخ أبو علي الحسن بن الشيخ السعيد أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (2) رضي الله عنه، قال أخبرني الشيخ السعيد الوالد أبو جعفر (3) قدس الله روحه، قال أخبرني جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى

____________

(1) مضت ترجمته في هذا الكتاب ص 6.

(2) الشيخ أبو على الحسن بن محمد بن الحسن الطوسي، كان عالما فاضلا فقيها محدثا جليلا ثقة، له كتاب الأمالي وشرح النهاية، قرأ على والده جميع تصانيفه وإليه ينتهي أكثر الإجازات عن الشيخ الطوسي تنقيح المقال 1 - 36

(3) شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي ولد في شهر رمضان سنة 385 وقدم العراق سنة 408 وبقي في بغداد مدة ثم هاجر إلى النجف الأشرف وبقي فيها حتى وفاته سنة 406، كان جهبذة من جهابذة الإسلام وعظيما من عظماء أمة محمد " ص "، صنف في علوم عصره فكانت مصنفاته هي الأم والمراجع، ولم يجرؤ

=>


الصفحة 67
التلعكبري (1)، قال أخبرنا أبو علي محمد بن همام، (2) قال أخبرنا علي السوري (3)، قال أخبرنا أبو محمد العلوي (4) من ولد الأفطس - وكان من عباد الله الصالحين - قال حدثنا محمد بن موسى الهمداني (5)، قال حدثنا محمد بن خالد الطيالسي (6)، قال حدثنا سيف بن عميرة (7) وصالح بن عقبة (8) جميعا

____________

<=

على الافتاء بعده أحد من علماء الشيعة إلى سنين متمادية لقوته في الفقه واضطلاعه في العلوم الإسلامية والكنى والألباب 2 / 357 - 359.

(1) أبو محمد هارون بن موسى الشيباني ثقة جليل القدر عظيم المنزلة واسع الرواية عديم النظير وجه أصحابنا معتمد عليه لا يطعن عليه في شئ توفي سنة 385.

الكنى والألقاب 2 / 108

(2) أبو على محمد بن أبي بكر همام بن سهيل الكاتب الإسكافي شيخ أصحابنا ومتقدمهم، له منزلة عظيمة، كثير الحديث، ولد يوم الاثنين 6 ذي الحجة سنة 258 وتوفي يوم الخميس 19 جمادى الثانية سنة 336 رجال النجاشي ص 294.

(3) لم نقف على ترجمة له - فليراجع

(4) يحيى المكنى أبا محمد العلوي من بني زبارة علوي سيد متكلم فقيه من أهل نيشابور له كتب كثيرة، منها كتاب في المسح على الرجلين في إبطال القياس وكتاب في التوحيد. رجال النجاشي ص 345.

(5) محمد بن موسى بن عيسى أبو جعفر الهمداني السمان، ضعفه القميون بالغلو له كتاب ما روي في أيام الأسبوع وكتاب الرد على الغلاة. رجال النجاشي ص 260 وأقول: كيف يقال في محمد هذا إنه غال مع العلم أن من مؤلفاته كتاب الرد على الغلاة - فلاحظ

(6) أبو عبد الله محمد بن خالد الطيالسي التميمي كان يسكن بالكوفة في صحراء جرم، له كتاب نوادر، مات ليلة الأربعاء 27 جمادى الثانية سنة 259 وهو ابن 97 سنة. تنقيح المقال 3 / 114

(7) سيف بن عميرة النخعي عربي ثقة كوفي، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام له كتاب يرويه جماعات من أصحابنا. رجال النجاشي ص 143.

(8) صالح بن عقبة بن قيس بن سمعان بن أبي ربيحة مولى رسول الله صلى الله عليه وآله، قيل إنه روى عن أبي عبد الله عليه السلام، له كتاب يرويه جماعة منتهى

=>


الصفحة 68
عن قيس بن سمعان (1) عن علقمة بن محمد الحضرمي (2) عن أبي جعفر محمد ابن علي عليه السلام أنه قال: حج رسول الله صلى الله عليه وآله من المدينة وقد بلغ جميع الشرايع قومه غير الحج والولاية، فأتاه جبرئيل عليه السلام فقال له: يا محمد إن الله جل اسمه يقرئك السلام ويقول لك: إني لم أقبض نبيا من أنبيائي ولا رسولا من رسلي إلا بعد إكمال ديني وتأكيد حجتي، وقد بقي عليك من ذاك فريضتان مما تحتاج أن تبلغهما قومك: فريضة الحج، وفريضة الولاية والخلافة من بعدك، فإني لم أخل أرضي من حجة ولن أخليها أبدا، فإن الله جل ثناؤه يأمرك أن تبلغ قومك الحج وتحج ويحج معك من استطاع إليه سبيلا من أهل الحضر والأطراف والأعراب وتعلمهم من معالم حجهم مثل ما علمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصيامهم وتوقفهم من ذلك علي مثال الذي أوقفتهم عليه من جميع ما بلغتهم من الشرائع.

فنادي منادي رسول الله صلى الله عليه وآله في الناس: ألا إن رسول الله يريد الحج وأن يعلمكم من ذلك مثل الذي علمكم من شرائع دينكم ويوقفكم من ذاك على ما أوقفكم عليه من غيره، فخرج صلى الله عليه وآله وخرج معه الناس واصغوا إليه لينظروا ما يصنع فيصنعوا مثله، فحج بهم وبلغ من حج مع رسول الله من أهل المدينة وأهل الأطراف والأعراب سبعين ألف إنسان أو يزيدون على نحو عدد أصحاب موسى السبعين ألف الذين أخذ عليهم بيعة هارون فنكثوا واتبعوا العجل والسامري، وكذلك أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله البيعة لعلي بالخلافة على عدد أصحاب موسى فنكثوا البيعة واتبعوا العجل والسامري سنة بسنة ومثلا بمثل، واتصلت التلبية ما بين مكة والمدينة (3)

____________

<=

المقال ص 163.

(1) لم تقف على ترجمته.

(2) علقمة بن محمد الحضرمي هو أخو عبد الله بن محمد الحضرمي. رجال الكشي ص 354.

(3) ذكر العلامة الحجة الثبت الأميني في كتابه القيم " الغدير " حديث الغدير بتفاصيله في الجزء الأول، وعد الراوين لحديث الغدير، فكانوا من الصحابة 110

=>


الصفحة 69
فلما وقف بالموقف أتاه جبرئيل عليه السلام عن الله عز وجل فقال: يا محمد إن الله عز وجل يقرئك السلام ويقول لك: إنه قد دنى أجلك ومدتك وأنا مستقدمك على ما لا بد منه ولا عنه محيص، فاعهد عهدك وقدم وصيتك واعمد إلى ما عندك من العلم وميراث علوم الأنبياء من قبلك والسلاح والتابوت وجميع ما عندك من آيات الأنبياء، فسلمه إلى وصيك وخليفتك من بعدك حجتي البالغة على خلقي علي بن أبي طالب عليه السلام، فأقمه للناس علما وجدد عهده وميثاقه وبيعته، وذكرهم ما أخذت عليهم من بيعتي وميثاقي الذي واثقتهم وعهدي الذي عهدت إليهم من ولاية وليي ومولاهم ومولى كل مؤمن ومؤمنة علي بن أبي طالب عليه السلام، فإني لم أقبض نبيا من الأنبياء إلا من بعد إكمال ديني وحجتي وإتمام نعمتي بولاية أوليائي ومعاداة أعدائي، وذلك كمال توحيدي وديني وإتمام نعمتي على خلقي باتباع وليي وطاعته، وذلك أني لا أترك أرضي بغير ولي ولا قيم ليكون حجة لي على خلقي، فاليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا بولاية وليي ومولى كل مؤمن ومؤمنة علي عبدي ووصي نبي والخليفة من بعده وحجتي البالغة على خلقي، مقرون طاعته بطاعة محمد نبيي ومقرون طاعته مع طاعة محمد بطاعتي، من أطاعه فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني، جعلته علما بيني وبين خلقي، من عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافرا ومن أشرك بيعته كان مشركا ومن لقيني بولايته دخل الجنة، ومن لقيني بعداوته دخل النار، فأقم يا محمد عليا علما وخذ عليهم البيعة وجدد عهدي وميثاقي لهم الذي واثقتهم عليه، فإني قابضك إلي ومستقدمك علي.

فخشى رسول الله صلى الله عليه وآله من قومه وأهل النفاق والشقاق أن يتفرقوا ويرجعوا إلى جاهلية لما عرف من عداوتهم ولما ينطوي عليه أنفسهم لعلي من العداوة والبغضاء

____________

<=

شخصا، ومن التابعين 84 شخصا، ومن الرواة من العلماء ابتداءا من القرن الثاني حتى القرن الرابع عشر 360 شخصا، وذكر من المؤلفين في حديث الغدير خصيصا 26 شخصا، انظر الجزء الأول من الكتاب ص 14 - 157.

الصفحة 70
وسأل جبرئيل أن يسأل ربه العصمة من الناس وانتظر أن يأتيه جبرئيل بالعصمة من الناس عن الله جل اسمه، فأخر ذلك إلى أن بلغ مسجد الخيف (1)، فأتاه جبرئيل عليه السلام في مسجد الخيف فأمره بأن يعهد عهده ويقيم عليا علما للناس يهتدون به، ولم يأته بالعصمة من الله جل جلاله بالذي أراد حتى بلغ كراع الغميم (2) بين مكة والمدينة، فأتاه جبرئيل وأمره بالذي أتاه فيه من قبل الله ولم يأته بالعصمة، فقال: جبرئيل إني أخشى قومي أن يكذبوني ولا يقبلوا قولي في علي عليه السلام [ فسأل جبرئيل كما سأل بنزول آية العصمة فأخره ذلك ] فرحل فلما بلغ غدير خم (3) قبل الجحفة (4) بثلاثة أميال أتاه جبرئيل عليه السلام على خمس ساعات مضت من النهار بالزجر والانتهار والعصمة من الناس فقال: يا محمد إن الله عز وجل يقرئك السلام ويقول لك " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك " في علي " وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس " (5).

وكان أوائلهم قريب من الجحفة، فأمر بأن يرد من تقدم منهم ويحبس تأخر

____________

(1) الخيف هو المنحدر من غلظ الجبل قد ارتفع عن مسيل أتاه فليس شرفا ولا حضيضا، وخيف منى هو الموضع الذي ينسب إليه مسجد الخيف. مراصد الإطلاع 1 / 495.

(2) كراع الغميم: موضع بالحجاز بين مكة والمدينة أمام عسفان بثمانية أميال وهذا الكراع جبل أسود في طرف الجرة يمتد إليه. مراصد الإطلاع 3 - 1153.

(3) غدير: ما غودر من ماء المطر في مستنقع صغير أو كبير غير أنه لا يبقى في القيظ. وخم: قيل رجل، وقيل غيظة، وقيل موضع تصب فيه عين، وقيل بئر قريب من المبثب حفرها مرة بن كعب، نسب إلى ذلك غدير خم، وهو بين مكة والمدينة، قيل على ثلاثة أميال من الجحفة، وقيل على ميل، وهناك مسجد للنبي مراصد الإطلاع 1 - 482، 2 - 985.

(4) الجحفة: كانت قرية كبيرة ذات منبر على طريق مكة على أربع مراحل.

وكان اسمها مهيعة وسميت الجحفة لأن السيل جحفها، وبينها وبين البحر ستة أميال مراصد الإطلاع 1 - 315.

(5) المائدة: 67.

الصفحة 71
عنهم في ذلك المكان ليقيم عليا علماء للناس ويبلغهم ما أنزل الله تعالى في علي وأخبره بأن الله عز وجل قد عصمه من الناس، فأمر رسول الله عندما جاءته العصمة مناديا ينادي في الناس بالصلاة جامعة ويرد من تقدم منهم ويحبس من تأخر وتنحى عن يمين الطريق إلى جنب مسجد الغدير أمره بذلك جبرئيل عن الله عز وجل، وكان في الموضع سلمات (1) فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله أن يقم ما تحتهن (2) وينصب له حجارة كهيئة المنبر ليشرف على الناس، فتراجع الناس واحتبس أواخرهم في ذلك المكان لا يزالون، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله فوق تلك الأحجار ثم حمد الله تعالى وأثنى عليه فقال:

الحمد لله الذي علا في توحده، ودنا في تفرده، وجل في سلطانه، وعظم في أركانه، وأحاط بكل شئ علما وهو في مكانه، وقهر جميع الخلق بقدرته وبرهانه مجيدا لم يزل محمودا لا يزال، بارئ المسموكات (3) وداحي المدحوات وجبار الأرضين والسماوات، قدوس سبوح رب الملائكة والروح، متفضل على جميع من برأه متطول على جميع من أنشأه، يلحظ كل عين والعيون لا تراه، كريم حليم ذو أناة، قد وسع كل شئ رحمته ومن عليهم بنعمته، لا يعجل بانتقامه ولا يبادر إليهم بما استحقوا من عذابه، قد فهم السرائر وعلم الضمائر، ولم تخف عليه المكنونات، ولا اشتبهت عليه الخفيات، له الإحاطة بكل شئ والغلبة على كل شئ والقوة في كل شئ والقدرة على كل شئ وليس مثله شئ، وهو منشئ الشئ حين لا شئ، دائم قائم بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم، جل عن أن تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، لا يلحق أحد وصفه من معاينة، ولا يجد أحد كيف هو من سر وعلانية إلا بما دل عز وجل على نفسه.

وأشهد أنه الله الذي ملأ الدهر قدسه، والذي يغشى الأبد نوره، والذي ينفذ

____________

(1) سلمات: أشجار.

(2) أي يكنس ما تحتهن.

(3) السمك السقف، أو من أعلى البيت إلى أسفله، والغاية من كل شئ، والمقصود هنا السماوات وما فيها.

الصفحة 72
أمره بلا مشاورة مشير ولا معه شريك في تقدير ولا تفاوت في تدبير، صور ما أبدع على غير مثال وخلق ما خلق بلا معونة من أحد ولا تكلف ولا احتيال، أنشأها فكانت وبرأها فبانت، فهو الله الذي لا إله إلا هو المتقن الصنعة الحسن الصنيعة العدل الذي لا يجور والإكرم الذي ترجع إليه الأمور.

وأشهد أنه الذي تواضع كل شئ لقدرته وخضع كل شئ لهيبته ملك الأملاك ومفلك الأفلاك ومسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى، يكور الليل على النهار (1) ويكور النهار على الليل يطلبه حثيثا، قاسم كل جبار عنيد ومهلك كل شيطان مريد، لم يكن معه ضد ولا ند، أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، إله واحد ورب ماجد يشاء فيمضي ويريد فيقضي ويعلم فيحصي ويميت ويحيي ويفقر ويغني ويضحك ويبكي ويمنع ويعطي، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شئ قدير، يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل لا إله إلا هو العزيز الغفار، مجيب الدعاء ومجزل العطاء، محصي الأنفاس ورب الجنة والناس، لا يشكل عليه شئ ولا يضجره صراخ المستصرخين ولا يبرمه إلحاح الملحين، العاصم للصالحين والموفق للمفلحين ومولى العالمين، الذي استحق من كل من خلق أن يشكره ويحمده. أحمده على السراء والضراء والشدة والرخاء، وأؤمن به وبملائكته وكتبه ورسله، أسمع أمره وأطيع وأبادر إلى كل ما يرضاه واستسلم لقضائه رغبة في طاعته وخوفا من عقوبته، لأنه الله الذي لا يؤمن مكره ولا يخاف جوره، وأقر له على نفسي بالعبودية وأشهد له بالربوبية وأؤدي ما أوحي إلى حذرا من أن لا أفعل فتحل بي منه قارعة (2) لا يدفعها عني أحد وإن عظمت حيلته لا إله إلا هو، لأنه قد أعلمني أني إن لم أبلغ ما أنزل إلي فما بلغت رسالته

____________

(1) كور الشئ: أدارته. ضم بعضه إلى بعض ككور العمامة، ويكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل: إشارة إلى جريان الشمس في مطالعها وانتقاص الليل والنهار وازدياد هما.

(2) القارعة: الداهية والنكبة المهلكة.

الصفحة 73
وقد ضمن لي تبارك وتعالى العصمة، وهو الله الكافي الكريم، فأوحي إلي: بسم الله الرحمن الرحيم " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك " في علي [ يعني في الخلافة لعلي بن أبي طالب عليه السلام ] " وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ".

(معاشر الناس) ما قصرت في تبليغ ما أنزل الله تعالى إلى، وأنا مبين لكم سبب نزول هذه الآية: إن جبرئيل عليه السلام هبط إلي مرارا ثلاثا يأمرني عن السلام ربي وهو السلام أن أقوم في هذا المشهد فأعلم كل أبيض وأسود أن علي بن أبي طالب عليه السلام أخي ووصيي وخليفتي والإمام من بعدي، الذي محله مني محل هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وهو وليكم من بعد الله ورسوله، وقد أنزل الله تبارك وتعالى على بذلك آية من كتابه " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " (1) وعلي بن أبي طالب عليه السلام أقام الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع يريد الله عز وجل في كل حال.

وسألت جبرئيل أن يستعفي لي عن تبليغ ذلك إليكم أيها الناس لعلمي بقلة المتقين وكثرة المنافقين وإدغال (2) الآثمين وختل (3) المستهزئين بالإسلام الذين وصفهم الله في كتابه بأنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ويحسبونه هينا وهو عند الله عظيم، وكثرة إذا هم لي في غير مرة حتى سموني إذنا (4).

وزعموا أني كذلك لكثرة ملازمته إياي وإقبالي عليه، حتى أنزل الله عز وجل في ذلك قرآنا " ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن " على الذين يزعمون أنه أذن " خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين " الآية (5).

ولو شئت أن أسمي بأسمائهم لسميت وأن أومى إليهم بأعيانهم لأومأت وأن

____________

(1) المائدة: 55.

(2) الأدغال: الخالفة والخيانة، وأدغل في الأمر: أدخل فيه ما يفسده.

(3) الختل: الخديعة.

(4) الأذن بضمتين: الرجل المستمع لما يقال له.

(5) التوبة: 61.

الصفحة 74
أدل عليهم لدللت، ولكني والله في أمورهم قد تكرمت، وكل ذلك لا يرضى الله مني إلا أن أبلغ ما أنزل إلي، ثم تلى صلى الله عليه وآله " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك " في على " وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ".

فاعلموا معاشر الناس أن الله قد نصبه لكم وليا وإماما مفترضا طاعته على المهاجرين والأنصار وعلى التابعين لهم بإحسان، وعلى البادي والحاضر وعلى الأعجمي والعربي والحر والمملوك والصغير والكبير وعلى الأبيض والأسود وعلى كل موحد ماض حكمه جائز قوله نافذ أمره، ملعون من خالفه مرحوم من تبعه مؤمن من صدقه، فقد غفر الله له ولمن سمع منه وأطاع له.

(معاشر الناس) إنه آخر مقام أقومه في هذا المشهد فاسمعوا وأطيعوا وانقادوا لأمر ربكم، فإن الله عز وجل هو مولاكم وإلهكم ثم من دونه محمد صلى الله عليه وآله وليكم القائم المخاطب لكم، ثم من بعدي علي وليكم وإمامكم بأمر ربكم، ثم الإمامة في ذريتي من ولده إلى يوم تلقون الله ورسوله، لا حلال إلا ما أحله الله ولا حرام إلا ما حرمه الله، عرفني الحلال والحرام وأنا أفضيت بما علمني ربي من كتابه وحلاله وحرامه إليه.

(معاشر الناس) ما من علم إلا وقد أحصاه الله في، وكل علم علمت فقد أحصيته في إمام المتقين، وما من علم إلا علمته عليا، وهو الإمام المبين.

(معاشر الناس) لا تضلوا عنه ولا تنفروا منه ولا تستكبروا [ ولا تستنكفوا خ ل ] من ولايته، فهو الذي يهدي إلى الحق ويعمل به ويزهق الباطل وينهى عنه ولا تأخذه في الله لومة لائم. ثم إنه أول من آمن بالله ورسوله، وهو الذي فدى رسوله بنفسه وهو الذي كان مع رسول الله ولا أحد يعبد الله مع رسوله من الرجال غيره.

(معاشر الناس) فضلوه فقد فضله الله، واقبلوه فقد نصبه الله.

(معاشر الناس) إنه إمام من الله ولن يتوب الله على أحد أنكر ولايته، ولن يغفر الله له، حتما على الله أن يفعل ذلك بمن خالف أمره فيه وأن يعذبه عذابا

الصفحة 75
شديدا نكرا أبد الآباد ودهر الدهور، فاحذروا أن تخالفوه فتصلوا نارا وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين.

(أيها الناس) بي والله بشر الأولون من النبيين والمرسلين، وأنا خاتم الأنبياء والمرسلين والحجة على جميع المخلوقين من أهل السماوات والأرضين، فمن شك في ذلك فهو كافر كفر الجاهلية الأولى، ومن شك في شئ من قولي هذا فقد شك في الكل منه، والشاك في ذلك فله النار.

(معاشر الناس) حباني الله بهذه الفضيلة منا منه علي وإحسانا منه إلي، ولا إله إلا هو، له الحمد مني أبد الآبدين ودهر الداهرين على كل حال.

(معاشر الناس) فضلوا عليا فإنه أفضل الناس بعدي من ذكر وأنثى، بنا أنزل الله الرزق وبقي الخلق، ملعون ملعون مغضوب مغضوب من رد على قولي هذا ولم يوافقه، ألا إن جبرئيل خبرني عن الله تعالى بذلك ويقول: " من عادى عليا ولم يتوله فعليه لعنتي وغضبي " فلتنظر نفس ما قدمت لغد، واتقوا الله أن تخالفوه فتزل قدم بعد ثبوتها إن الله خبير بما تعملون.

(معاشر الناس) إنه جنب الله الذي ذكر في كتابه فقال تعالى: " إن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله " (1).

(معاشر الناس) تدبروا القرآن وافهموا آياته وانظروا إلى محكماته ولا تتبعوا متشابهه، فوالله لن يبين لكم زواجره ولا يوضح لكم تفسيره إلا الذي أنا آخذ بيده ومصعده إلى - وشائل بعضده - ومعلمكم إن من كنت مولاه فهذا علي مولاه، وهو علي بن أبي طالب عليه السلام أخي ووصيي، وموالاته من الله عز وجل أنزلها على.

(معاشر الناس) إن عليا والطيبين من ولدي هم الثقل الأصغر، والقرآن الثقل الأكبر، فكل واحد منبئ عن صاحبه وموافق له لن يفترقا حتى يردا على الحوض، هم أمناء الله في خلقه وحكماؤه في أرضه، ألا وقد أديت، ألا وقد بلغت

____________

(1) الزمر: 56.

الصفحة 76
ألا وقد أسمعت، ألا وقد أوضحت، ألا وإن الله عز وجل قال وأنا قلت عن الله عز وجل، ألا إنه ليس أمير المؤمنين غير أخي هذا ولا تحل إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره.

ثم ضرب بيده إلى عضده فرفعه، وكان منذ أول ما صعد رسول الله صلى الله عليه وآله شال عليا حتى صارت رجله مع ركبة رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم قال:

(معاشر الناس) هذا علي أخي ووصيي وواعي علمي وخليفتي على أمتي وعلى تفسير كتاب الله عز وجل والداعي إليه والعامل بما يرضاه والمحارب لأعدائه والموالي على طاعته والناهي عن معصيته خليفة رسول الله وأمير المؤمنين والإمام الهادي وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بأمر الله، أقول ما يبدل القول لدي بأمر ربي، أقول: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه والعن من أنكره واغضب على من جحد حقه، اللهم إنك أنزلت علي أن الإمامة بعدي لعلي وليك عند تبياني ذلك ونصبي أيام بما أكملت لعبادك من دينهم وأتممت عليهم بنعمتك ورضيت لهم الإسلام دينا، فقلت: " ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين " (1) اللهم إني أشهدك وكفى بك شهيدا أني قد بلغت.

(معاشر الناس) إنما أكمل الله عز وجل دينكم بإمامته، فمن لم يأتم به وبمن يقوم مقامه من ولدي من صلبه إلى يوم القيامة والعرض على الله عز وجل فأولئك الذين حبطت أعمالهم وفي النار فيها خالدون، لا يخفف عنهم العذاب ولاهم ينظرون.

(معاشر الناس) هذا علي أنصركم لي وأحقكم بي وأقربكم إلي وأعزكم علي، والله عز وجل وأنا عنه راضيان، وما نزلت آية رضى إلا فيه، وما خاطب الله الذين آمنوا إلا بدأ به، ولا نزلت آية مدح في القرآن إلا فيه، ولا شهد بالجنة في هل أتى على الإنسان إلا له، ولا أنزلها في سواه، ولا مدح بها غيره.

(معاشر الناس) هو ناصر دين الله والمجادل عن رسول الله، وهو التقي

____________

(1) آل عمران 85.

الصفحة 77
النقي الهادي المهدي، نبيكم خير نبي ووصيكم خير وصي وبنوه خير الأوصياء.

(معاشر الناس) ذرية كل نبي من صلبه وذريتي من صلب علي.

(معاشر الناس) إن إبليس أخرج آدم من الجنة بالحسد، فلا تحسدوه فتحبط أعمالكم وتزل أقدامكم، فإن آدم أهبط إلى الأرض بخطيئة واحدة وهو صفوة الله عز وجل وكيف بكم وأنتم أنتم ومنكم أعداء الله، ألا إنه لا يبغض عليا إلا شقي ولا يتوالى عليا إلا تقي ولا يؤمن به إلا مؤمن مخلص، وفي علي والله نزلت سورة العصر " بسم الله الرحمن الرحيم. والعصر إن الإنسان لفي خسر " إلى آخرها.

(معاشر الناس) قد استشهدت الله وبلغتكم رسالتي، وما على الرسول إلا البلاغ المبين.

(معاشر الناس) اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

(معاشر الناس) آمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزل معه من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها.

(معاشر الناس) النور من الله عز وجل في مسلوك ثم في على ثم في النسل منه إلى القائم المهدي الذي يأخذ بحق الله وبكل حق هو لنا، لأن الله عز وجل قد جعلنا حجة على المقصرين والمعاندين والمخالفين والخائنين والآثمين والظالمين من جميع العالمين.

(معاشر الناس) أنذركم أني رسول الله قد خلت من قبلي الرسل أفإن مت أو قتلت انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين، ألا وإن عليا هو الموصوف بالصبر والشكر ثم من بعده ولدي من صلبه.

(معاشر الناس) لا تمنوا على الله إسلامكم فيسخط عليكم ويصيبكم بعذاب من عنده إنه لبالمرصاد.


الصفحة 78
(معاشر الناس) إنه سيكون من بعدي أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون.

(معاشر الناس) إن الله وأنا بريئان منهم.

(معاشر الناس) إنهم وأنصارهم وأتباعهم وأشياعهم في الدرك الأسفل من النار ولبئس مثوى المتكبرين، ألا إنهم أصحاب الصحيفة فلينظر أحدكم في صحيفته.

قال: فذهب على الناس إلا شرذمة منهم أمر الصحيفة.

(معاشر الناس) إني أدعها إمامة ووراثة في عقبى إلى يوم القيامة، وقد بلغت ما أمرت بتبليغه حجة على كل حاضر وغائب وعلى كل أحد ممن شهد أو لم يشهد ولد أو لم يولد، فليبلغ الحاضر الغائب والوالد الولد إلى يوم القيامة، وسيجعلونها ملكا واغتصابا، ألا لعن الله الغاصبين والمغتصبين، وعندها سنفرغ لكم أيها الثقلان فيرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران.

(معاشر الناس) إن الله عز وجل لم يكن يذركم على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب، وما كان الله ليطلعكم على الغيب.

(معاشر الناس) إنه ما من قرية إلا والله مهلكها بتكذيبها، وكذلك يهلك القرى وهي ظالمة كما ذكر الله تعالى، وهذا علي إمامكم ووليكم وهو مواعيد الله والله يصدق ما وعده.

(معاشر الناس) قد ضل قبلكم أكثر الأولين، والله لقد أهلك الأولين وهو مهلك الآخرين، قال الله تعالى: " ألم نهلك الأولين. ثم نتبعهم الآخرين.

كذلك نفعل بالمجرمين. ويل يومئذ للمكذبين " (1).

(معاشر الناس) إن الله قد أمرني ونهاني، وقد أمرت عليا ونهيته، فعلم الأمر والنهي من ربه عز وجل، فاسمعوا لأمره تسلموا، وأطيعوه تهتدوا، وانتهوا لنهيه ترشدوا، وصيروا إلى مراده ولا تتفرق بكم السبل عن سبيله.

(معاشر الناس) أنا صراط الله المستقيم الذي أمركم باتباعه ثم علي من

____________

(1) المرسلات: 16 - 19.