ثم عطفت على قبر النبي صلى الله عليه وآله وقالت:
ثم انكفأت عليها السلام، وأمير المؤمنين عليه السلام يتوقع رجوعها إليه، ويتطلع طلوعها عليه، فلما استقرت بها الدار، قالت: لأمير المؤمنين عليه السلام:
يا بن أبي طالب، اشتملت شملة الجنين، وقعدت حجرة الظنين، نقضت قادمة الأجدل (3) فخانك ريش الأعزل (4) هذا ابن أبي قحافة يبتزني نحلة أبي وبلغة (5) ابني! لقد أجهد (6) في خصامي، وألفيته ألد في كلامي (7) حتى حبستني قيلة نصرها والمهاجرة وصلها، وغضت الجماعة دوني طرفها، فلا دافع ولا مانع، خرجت كاظمة، وعدت راغمة، أضرعت خدك (8) يوم أضعت حدك
____________
(1) النجوى: السر.
(2) الكثب - بضمتين -: جمع الكثيب وهو: الرمل.
(3) قوادم الطير: مقادم ريشه وهي عشرة - والأجدل: الصقر.
(4) الأعزل من الطير: ما لا يقدر على الطيران.
(5) يبتزني: يسلبني والبلغة ما يتبلغ به من العيش.
(6) في بعض النسخ " أجهر "
(7) ألفيته: وجدته، والألد: شديد الخصومة.
(8) ضرع: خضع وذل.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: لا ويل لك بل الويل لشانئك (5) ثم نهنهي عن وجدك (6) يا ابنة الصفوة، وبقية النبوة، فما ونيت (7) عن ديني، ولا أخطأت مقدوري (8) فإن كنت تريدين البلغة، فرزقك مضمون، وكفيلك مأمون، وما أعد لك أضل مما قطع عنك، فاحتسبي الله.
فقالت: حسبي الله وأمسكت.
وقال سويد بن غفلة: (9) لما مرضت فاطمة سلام الله عليها، المرضة التي
____________
(1) أي ما فعلت شيئا نافعا، وفي بعض النسخ (ولا أغنيت باطلا): أي كففته
(2) العذير بمعنى العاذر أي: الله قابل عذري، وعاديا، متجاوزا.
(3) الوهن: الضعف في العمل أو الأمر أو البدن.
(4) العدوي: طلبك إلى وال لينتقم لك من عدوك.
(5) الشانئ: المبغض
(6) أي كفي: عن حزنك وخففي من غضبك.
(7) ما كللت ولا ضعفت ولا عييت
(8) ما تركت ما دخل تحت قدرتي أي لست قادرا على الانتصاف لك لما أوصاني به الرسول " ص ".
(9) قال العلامة في الخلاصة: سويد بن غفلة الجعفي قال البرقي: إنه من أولياء أمير المؤمنين عليه السلام. انتهى وفي أسد الغابة " أدرك الجاهلية كبيرا وأسلم في حياة رسول " ص " ولم يره، وأدى صدقته إلى مصدق النبي " ص " ثم قدم المدينة فوصل يوم دفن النبي " ص " وكان مولده عام الفيل وسكن الكوفة.. "
=>
أصبحت والله: عائفة لدنيا كن، قالية لرجالكن، لفظتهم بعد أن عجمتهم (2) وسئمتهم بعد أن سبرتهم (3) فقبحا لفلول الحد، واللعب بعد الجد، وقرع الصفات وصدع القناة، وختل الآراء (4) وزلل الأهواء، وبئس ما قدمت لهم أنفسهم:
أن سخط الله عليهم، وفي العذاب هم خالدون. لا جرم لقد قلدتهم ربقتها وحملتهم اوقتها (5) وشننت عليهم غاراتها (6) فجدعا، وعقرا وبعدا، للقوم الظالمين.
ويحهم أنى زعزعوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة والدلالة، ومهبط الروح الأمين، والطبين بأمور الدنيا (7) والدين؟! ألا ذلك هو الخسران المبين!
وما الذي نقموا من أبي الحسن عليه السلام؟! نقموا والله منه نكير سيفه، وقلة مبالاته
____________
<=
وفي تهذيب " أدرك الجاهلية وقد قيل إنه صلى مع النبي " ص " ولا يصح
وقدم المدينة حين نفضت الأيدي من دفن رسول الله " ص " وهذا أصح.. إلى أن
قال: قال ابن معين والعجلي: ثقة.. وقال أبو نعيم مات سنة ثمانين وقال أبو عبيد
القاسم بن سلام وغير واحد مات سنة إحدى وثمانين وقال عمرو بن علي وغيره مات سنة 88
(1) قال ابن أبي الحديد في المجلد الرابع من شرحه على النهج " قال أبو بكر
وحدثنا محمد بن زكريا قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن المهلبي عن عبد الله بن حماد بن سليمان
عن أبيه عن عبد الله بن حسن بن حسن عن أمه فاطمة بنت الحسين " ع " قالت لما اشتد
بفاطمة بنت رسول الله " ص " الوجع وثقلت في علتها دخلت عليها.. الخ
(2) لفظتهم: رميت بهم وطرحتهم بعد أن عجمتهم: أي بعد أن اختبرتهم وامتحنتهم
(3) سئمتهم: مللتهم، وسبرتهم: جربتهم واختبرتهم واحدا واحدا.
(4) ختل الآراء: زيفها وخداعها
(5) اوقتها: ثقلها
(6) شننت الغارة عليهم: وجهتها عليهم من كل جهة
(7) الطبين: الفطن الحاذق العالم بكل شئ.
وإلى أي عماد اعتمدوا؟! وبأية عروة تمسكوا؟! وعلى أية ذرية أقدموا واحتنكوا (6) لبئس المولى ولبئس العشير، وبئس للظالمين بدلا، استبدلوا والله الذنابى بالقوادم (7) والعجز بالكاهل (8) فرغما لمعاطس (9) قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون. ويحهم أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون؟! أما لعمري لقد لقحت، فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوا ملاء القعب دما عبيطا (10) وزعافا مبيدا، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف البطالون غب (11) ما أسس الأولون، ثم طيبوا عن دنياكم
____________
(1) النكال: ما نكلت به غيرك كائنا ما كان
(2) تنمر: عبس وغضب
(3) سجحا: سهلا
(4) كلمه: جرحه
(5) يكل: يتعب
(6) احتنكه: استولى عليه
(7) الذنابى: ذنب الطائر، وقوادمه: مقادم ريشه
(8) العجز: مؤخر الشئ، والكاهل: مقدم أعلى الظهر مما يلي العنق
(9) المعطس: الأنف
(10) القعب: القدح، والدم العبيط: الخالص الطري
(11) الغب: المعاقبة؟؟
قال سويد بن غفلة فأعادت النساء: قولها عليها السلام على رجالهن فجاء إليها: قوم من المهاجرين والأنصار متعذرين، وقالوا: يا سيدة النساء، لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا لأمر قبل أن يبرم العهد، ويحكم العقد، لما عدلنا عنه إلى غيره، فقالت عليها السلام: إليكم عني فلا عذر بعد تعذير كم، ولا أمر بعد تقصيركم
احتجاج سلمان الفارسي رضي الله عنه (1) في خطبة خطبها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله على القوم لما تركوا أمير المؤمنين (ع) واختاروا غيره ونبذوا العهد المأخوذ عليهم وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون.
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: خطب الناس سلمان الفارسي
____________
(1) أبو عبد الله سلمان الفارسي أو المحمدي ويلقب أيضا بسلمان الخير أصله من رامهرمز وقيل من أصفهان من بلدة يقال لها: جى.
كان من أوصياء عيسى عليه السلام، وهذا هو السبب الذي جعل أمير المؤمنين عليه السلام يحضر عنده بالمدائن حين حضرته الوفاة، ويتولى تغسيله بيده الشريفة، إذ أن الوصي لا يغسله إلا وصي مثله.
هرب سلمان عليه السلام من فارس لأن أهلها كانوا يعبدون النار وصادف ذلك سفر قافلة إلى الشام فذهب معها، ونزل بحمص وكان يجتمع بالقسس والرهبان ويجادلهم في الدين برهة من الزمن.
ثم صحب جماعة من التجار وسار معهم قاصدا مكة المكرمة ليحظى بالتشرف بحضرة النبي الأمي وصحبته، وكان سلمان عليه السلام يعلم أنه سيبعث من هناك لأنه كما مر كان
=>
____________
<=
من أوصياء عيسى " ع ".
واعتدى عليه هؤلاء الذين سار بصحبتهم وأساءوا الصحبة فانتهبوا ما كان عنده
وأسروه ثم باعوه من يهودي في المدينة على أنه رق.
وبقي عند ذلك اليهودي إلى أن هاجر النبي " ص " إلى المدينة وكان سلمان " ع "
كاتب ذلك اليهودي على أن يدفع له مبلغا من المال ليحرره من الرق، فأعانه رسول
الله " ص " على ذلك فتحرر.
ولما زحف الجيش بقيادة أبي سفيان - لقتل النبي " ص " وأصحابه وهدم المدينة
على أهلها، في غزوة الأحزاب - أشار سلمان بحفر الخندق، فقال أبو سفيان لما رآه
هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها.
وكان إذا قيل له ابن من أنت؟ يقول أنا سلمان بن الإسلام، أنا من بني آدم.
وقد روى عن رسول الله " ص " من وجوه أنه قال: لو كان الدين في الثريا
لناله سلمان، وفي رواية أخرى لناله رجل من فارس
وروى عنه " ص " أنه قال: " إن الله يحب من أصحابي أربعة - فذكره منهم "
وقال " ص ": " ثلاثة تشتاق إليهم الحور العين: على، وسلمان، وعمار "
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله " ص ": " أنا سابق ولد آدم، وسلمان
سابق أهل فارس ".
وعنه أيضا: سمعت رسول الله " ص " يقول: " إن الجنة تشتاق إلى أربعة: على
وسلمان، وعمار، والمقداد ".
ودخل ذات يوم مجلس رسول الله " ص " فوجد وجهاء قريش فتخطاهم وجلس في
صدر المجلس، فغلى الدم في عروقهم، وقال له بعضهم: " من أنت حتى تتخطانا؟ " وقال
له آخر: " ما حسبك ونسبك؟! ".
قال سلمان أنا ابن الإسلام، كنت عبدا فاعتقني الله بمحمد " ص " ووضيعا
فرفعني بمحمد " ص " وفقيرا فأغناني بمحمد " ص " فهذا حسبي ونسبي.
فقال رسول الله " ص ": صدق سلمان، صدق سلمان، من أراد أن ينظر إلى رجل
نور الله قلبه بالإيمان، فلينظر إلى سلمان.
=>
____________
<=
وتنافس المهاجرون والأنصار كل يقول: " سلمان منا " فقال رسول الله " ص "
" بل سلمان منا أهل البيت ".
وروى عن أبي الأسود الدؤلي قال: كنا عند على ذات يوم فقالوا: يا أمير
المؤمنين " ع " حدثنا عن سلمان ".
قال " ع ": من لكم بمثل لقمان الحكيم، ذلك امرؤ منا أهل البيت أدرك العلم الأول
والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول والكتاب الآخر، بحر لا ينزف.
ولي المدائن في عهد عمر بن الخطاب، وكان يسف الخوص وهو أمير عليها ويبيعه
ويأكل منه، ويقول: لا أحب أن آكل إلا من عمل يدي.
وتوفي في المدائن سنة 36، وقيل 37، وقيل بل 33.
ولما حضرته الوفاة بكى فقيل ما يبكيك؟ قال: عهد عهده إلينا رسول الله " ص "
قال: " ليكن بلاغ أحدكم كزاد الراكب " فلما مات نظروا في بيته فلم يجدوا إلا اكافا؟؟؟
ووطاء ومتاعا، قوم نحوا من عشرين درهما.
راجع صفة الصفوة ج 1 ص 210 تهذيب التهذيب ج 4 ص 137 أسد الغابة ج 2
ص 328 تنقيح المقال ج 2 ص 45 وكتاب نفس الرحمان في أخبار سلمان والمجلد الرابع
من ابن أبي الحديد وكتاب مع علماء النجف الأشرف.
عليكم بآل محمد عليهم السلام، فإنهم القادة إلى الجنة، والدعاة إليها يوم القيامة.
عليكم بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فوالله لقد سلمنا عليه بالولاية وإمرة المؤمنين، مرارا جمة (3) مع نبينا، كل ذلك يأمرنا به، ويؤكده علينا فما بال القوم؟ عرفوا فضله فحسدوه، وقد حسد هابيل قابيل فقتله، وكفارا قد ارتدت أمة موسى بن عمران، فأمر هذه الأمة كأمر بني إسرائيل، فأين يذهب بكم أيها الناس ويحكم ما لنا وأبو فلان وفلان؟! أجهلتم أم تجاهلتم؟ أم حسدتم أم تحاسدتم؟ والله لترتدن كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف، يشهد الشاهد على الناجي بالهلكة، ويشهد الشاهد على الكافر بالنجاة، ألا وإني أظهرت أمري، وسلمت لنبيي، واتبعت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة عليا أمير المؤمنين عليه السلام وسيد الوصيين، وقائد الغر المحجلين، وإمام الصديقين، والشهداء والصالحين.
____________
(1) عال: افتقر.
(2) طاش إليهم: مال عن الهدف.
(3) جمة: كثيرة
احتجاج لأبي بن كعب (1) على القوم مثل ما احتج به سلمان رضي الله عنه.
عن محمد ويحيى (2 - 3) ابني عبد الله بن الحسن عن أبيهما عن جدهما عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال، لما خطب أبو بكر قام إليه أبي بن كعب وكان يوم الجمعة أول يوم من شهر رمضان وقال:
____________
(1) أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار.
عده الشيخ رحمه الله في رجاله بهذا العنوان من أصحاب رسول الله " ص " وقال يكنى أبا المنذر شهد العقبة مع السبعين وكان يكتب الوحي آخى رسول الله " ص " بينه وبين سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. شهد بدرا والعقبة وبايع لرسول الله " ص ".
ومثله بحذف اسم آبائه إلى كنيته ما في الخلاصة في قسم المعتمدين وكذا في رجال ابن داود، وعن المجالس ما يظهر منه جلالته وإخلاصه لأهل البيت..
وقال العلامة الطباطبائي: إنه من الاثني عشر الذين أنكروا على أبي بكر تقدمه وجلوسه في مجلس رسول الله " ص " قال له، يا أبا بكر لا تجحد حقا جعله الله لغيرك، ولا تكن أول من عصى رسول الله " ص " في وصيته، وأول من صدف عن أمره، ورد الحق إلى أهله تسلم، ولا تتمادى في غيك تستندم، وبادر بالإنابة يخف وزنك، ولا تخصص بهذا الأمر الذي لم يجعله الله لك نفسك فتلقى وبال عملك، فعن قليل تفارق ما أنت فيه، وتصير إلى ربك فيسألك عما جئت وما ربك بظلام للعبيد، وعن تقريب بن حجر متصلا بنسبه المذكور ما لفظه: الأنصاري الخزرجي، أبو المنذر سيد القراء، يكنى أبا الطفيل، أيضا من فضلاء الصحابة، مات في زمن عمر فقال عمر: مات اليوم سيد المسلمين، شهد العقبة مع السبعين. ج 1 ص 44 من رجال المامقاني.
(2 - 3) محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ذو النفس الزكية، ويكنى أبا عبد الله، وقيل أبا القاسم.
ولد سنة (100) وقتل سنة (145).
بايعه المنصور مع جماعة من بني هاشم، فلما بويع لبني العباس اختفى محمد وإبراهيم
=>
____________
<=
مدة خلافة العباس، فلما ملك المنصور وعلم أنهما على عزم الخروج عليه جد في طلبهما وقبض
على أبيهما كما مر ذلك في هامش ص 131.
وأتيا أباهما وهو في السجن فقالا له يقتل رجلان من آل محمد خير من أن يقتل
ثمانية، فقال لهما: إن منعكما أبو جعفر أن تعيشا كريمين فلا يمنعكما أن تموتا كريمين
ولما عزم محمد على الخروج، وأعد أخاه إبراهيم على الظهور في يوم واحد، وذهب محمد
إلى المدينة، وإبراهيم إلى البصرة، فاتفق أن إبراهيم مرض، فخرج أخوه بالمدينة وهو
مريض بالبصرة، ولما خلص من مرضه وظهر أتاه خبر أخيه أنه قتل وهو على المنبر فقال
ولست كمن يبكي أخاه بعبرة * يعصرها من ماء مقلته عصرا
ولكن أروي النفس مني بغارة * تلهب في قطري كتابتها جمرا
وإنا أناس لا تفيض دموعنا * على هالك منا وإن قصم الظهرا
ولما بلغ المنصور خروج محمد بن عبد الله خلا ببعض أصحابه فقال له، ويحك!
قد ظهر محمد فماذا ترى؟ فقال: وأين ظهر؟ قال، بالمدينة، فقال: غلبت عليه ورب الكعبة، وقال: وكيف؟! قال لأنه خرج بحيث لا مال ولا رجال، فعالجه بالحرب فأرسل إليه عيسى بن موسى بن علي بن عبد الله بن العباس في جيش كثيف، فحاربهم محمد خارج المدينة وتفرق أصحابه عنه حتى بقي وحده فلما أحس بالخذلان دخل داره وأمر بالتنور فسجر، ثم عمد إلى الدفتر الذي أثبت فيه أسماء الذين بايعوه فألقاه في التنور فاحترق ثم خرج فقاتل حتى قتل بأحجار الزيت ومن هنا لقب بذي النفس الزكية لأنه صدق عليه ما روي عن النبي " ص " أنه قال: " تقتل بأحجار الزيت من ولدي نفس زكية ". راجع عمدة الطالب ص 89، ومقاتل الطالبيين ص 232.
ويحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب " ع ".
" صاحب الديلم " الشهيد، ويكنى أبا الحسن، وأمه قريبة بنت عبد الله.
كان مقدما في أهل بيته، بعيدا مما يعاب على مثله.
وقد روى الحديث وأكثر الرواية عن جعفر بن محمد (ع) وروى عن أبيه وعن أخيه محمد راجع رجال ابن داود ص 139 مقاتل الطالبيين ص 337.
ألستم تعلمون أنه قال: " إذا غبت فخلفت عليكم عليا فقد خلفت فيكم رجلا كنفسي "؟ ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قبل موته قد جمعنا في بيت ابنته فاطمة عليها السلام فقال لنا: إن الله أوحى إلى موسى بن عمران أن اتخذ أخا من أهلك فأجعله نبيا، واجعل أهله لك ولدا، أطهرهم من الآفات، وأخلصهم من الريب فاتخذ موسى هارون أخا، وولده أئمة لبني إسرائيل من بعده، الذين يحل لهم في مساجدهم ما يحل لموسى، وأن الله تعالى أوحي إلي أن أتخذ عليا أخا، كما أن موسى اتخذ هارون أخا، واتخذ ولده ولدا، فقد طهرتهم كما طهرت ولد هارون، إلا أني قد ختمت بك النبيين فلا نبي بعدك " فهم الأئمة الهادية، أفما تبصرون أفما تفهمون أفما تسمعون؟! ضربت عليكم الشبهات، فكان مثلكم كمثل رجل في سفر فأصابه عطش شديد، حتى خشي أن يهلك، فلقي رجلا هاديا في الطريق، فسأله عن الماء، فقال له: أمامك عينان: إحديهما مالحة، والأخرى
فقام إليه عبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل فقالوا يا أبي أصابك خبل؟ أم بك جنة؟ فقال: بل الخبل فيكم، والله كنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله يوما فألفيته يكلم رجلا أسمع كلامه ولا أرى شخصه، فقال فيما
____________
(1) جده: عظمته.
(2) آل عمران 105.
(3) هود 118.
(4) أي برجوعكم القهقري.
(5) أكتعين: كلكم.
احتجاج أمير المؤمنين (ع) على أبي بكر لما كان يعتذر إليه من بيعة الناس له ويظهر الانبساط له.
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهم السلام، قال: لما كان من أمر أبي بكر وبيعة الناس له وفعلهم بعلي، لم يزل أبو بكر يظهر له الانبساط ويرى منه الانقباض فكبر ذلك على أبي بكر، وأحب لقائه واستخراج ما عنده والمعذرة إليه مما اجتمع الناس عليه وتقليدهم إياه أمر الأمة وقلة رغبته في ذلك وزهده فيه.
أتاه في وقت غفلة وطلب منه الخلوة، فقال: يا أبا الحسن والله ما كان هذا
قال: فقال أمير المؤمنين عليه السلام: فما حملك عليه إذ لم ترغب فيه ولا حرصت عليه ولا أثقت بنفسك في القيام به؟!
قال: فقال أبو بكر: حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله: " إن الله لا يجمع أمتي على ضلال " ولما رأيت إجماعهم اتبعت قول النبي صلى الله عليه وآله، وأحلت أن يكون إجماعهم على خلاف الهدى من ضلال، فأعطيتهم قود الإجابة، ولو علمت أن أحدا يتخلف لامتنعت.
فقال علي عليه السلام: أما ما ذكرت من قول النبي صلى الله عليه وآله " إن الله لا يجمع أمتي على ضلال " فكنت من الأمة أم لم أكن؟ قال: بلى. قال: وكذلك العصابة الممتنعة عنك: من سلمان، وعمار، وأبي ذر، والمقداد، وابن عبادة، ومن معه من الأنصار. قال: كل من الأمة قال علي عليه السلام: فكيف تحتج بحديث النبي وأمثال هؤلاء قد تخلفوا عنك؟! وليس للأمة فيهم طعن ولا في صحبة الرسول لصحبته منهم تقصير، قال: ما علمت بتخلفهم إلا بعد إبرام الأمر، وخفت إن قعدت عن الأمر أن يرجع الناس مرتدين عن الدين، وكان ممارستهم إلي إن أجبتهم أهون مؤنة على الدين وإبقاء له من ضرب الناس بعضهم ببعض فيرجعون كفارا، وعلمت أنك لست بدوني في الإبقاء عليهم وعلى أديانهم.
فقال علي عليه السلام: أجل ولكن أخبرني عن الذي يستحق هذا الأمر بما يستحقه؟
فقال أبو بكر: بالنصيحة، والوفاء، ودفع المداهنة، وحسن السيرة، وإظهار العدل، والعلم بالكتاب والسنة، وفصل الخطاب، مع الزهد في الدنيا، وقلة الرغبة فيها، وانتصاف المظلوم من الظالم للقريب والبعيد، ثم سكت.
فقال علي عليه السلام: والسابقة، والقرابة.
فقال علي عليه السلام: أنشدك بالله يا أبا بكر أفي نفسك تجد هذه الخصال أو في فقال أبو بكر: بل فيك يا أبا الحسن.
قال: فأنشدك بالله أنا المجيب لرسول الله صلى الله عليه وآله قبل ذكران المسلمين (1) أم أنت؟ قال: بل أنت.
قال عليه السلام: فأنشدك بالله، أنا صاحب الأذان لأهل الموسم والجمع الأعظم للأمة بسورة براءة (2) أم أنت؟ قال: بل أنت.
____________
(1) في " ذخائر العقبى ": عن زيد بن أرقم قال:
" كان أول من أسلم علي بن أبي طالب ". وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
" على أول من أسلم بعد خديجة ".
وذكر الحجة الأميني في ج 3 من كتاب الغدير ص 219 مائة حديث من طرق مختلفة، رواها أئمة الحديث وحفاظه، في أن عليا أول من أسلم.
وروى محب الدين الطبري في " ذخائر العقبى " عن عمر بن الخطاب قال: " كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة، إذ ضرب رسول الله صلى الله عليه وآله منكب علي بن أبي طالب فقال: " يا علي أنت أول المؤمنين إيمانا، وأنت أول المسلمين إسلاما، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى " وبعد أن نقل عدة روايات في الموضوع أعقبها بقوله:
وقد وردت أحاديث في أن أبا بكر أول من أسلم وهي محمولة على أنه أول من أظهر إسلامه، وعلي (ع) أول من بدر إلى الإسلام. ذخائر العقبى ص 58
(2) عن أبي سعيد وأبي هريرة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله أبا بكر على الحج فلما بلغ ضجنان، سمع بغام ناقة علي، فعرفه فأتاه، فقال: ما شأنك؟ فقال:
خيرا، إن رسول الله صلى الله عليه وآله بعثني ببرائة.
فلما رجعا، انطلق أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله ما لي؟ قال:
خيرا أنت صاحبي في الغار، غير أنه لا يبلغ عني غيري أو رجل مني يعني عليا: أخرجه أبو حاتم.
=>
قال: بل أنت.
قال فأنشدك بالله أنا المولى لك ولكل مسلم بحديث النبي صلى الله عليه وآله يوم الغدير (2) أم أنت؟ قال: بل أنت
____________
<=
وفي رواية عنده من حديث جابر: إن أبا بكر قال له: أمير أم رسول؟ فقال:
بل رسول، أرسلني رسول الله صلى الله عليه وآله ببرائة أقرؤها على الناس في مواقف الحج.
وفي رواية من حديث أحمد عن علي أن النبي صلى الله عليه وآله لما راجعه أبو بكر قال له:
" جبريل جائني فقال: لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك "
عن ذخائر العقبى ص 96
وذكر الشيخ الأميني في ج 6 من الغدير ص 338 (73) مصدرا قدم لها بقوله:
" هذه الإثارة أخرجها كثير من أئمة الحديث وحفاظه بعدة طرق صحيحة يتأتى
التواتر بأقل منها، عند جمع من القوم، وإليك أمة ممن أخرجها،.. الخ
(1) وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما أراد الهجرة خلف علي بن أبي طالب (ع)
بمكة لقضاء ديونه ورد الودايع التي كانت عنده، وأمره ليلة خرج إلى الغار - وقد أحاط
المشركون بالدار - أن ينام على فراشه، وقال له: " اتشح ببردى الحضرمي الأخضر،
فإنه لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء الله تعالى، ففعل ذلك فأوحى الله إلى جبرئيل
وميكائيل (ع): إني آخيت بينكما، وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر، فأيكما
يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختارا كلاهما الحياة، فأوحى الله عز وجل إليهما: أفلا كنتما
مثل علي بن أبي طالب، آخيت بينه وبين نبيي محمد صلى الله عليه وآله فبات على فراشه، يفديه بنفسه
ويؤثره بالحياة، اهبطا إلى الأرض، فاحفظاه من عدوه، فنزلا فكان جبرئيل عند رأس
علي وميكائيل عند رجليه، وجبريل ينادي: بخ بخ من مثلك يا بن أبي طالب يباهي
الله عز وجل به الملائكة؟! فأنزل الله عز وجل إلى رسوله وهو متوجه إلى المدينة في
شأن علي (ومن الناس من يشر نفسه ابتغاء مرضات الله) أسد الغابة ج 4 ص 95
(2) مر في ص 66 من هذا الكتاب حديث الغدير كما أشير في الهامش إلى ما ذكره
الحجة الأميني في الجزء الأول من (كتاب الغدير) من عدد رواته من الصحابة والتابعين
ومن أئمة الحديث وحفاظه والأساتذة وما استعرضه من أسماء من ألفوا فيه من الفريقين
=>