الصفحة 207

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله " ولايتك كولايتي عهد عهده إلي ربي وأمرني أن أبلغكموه " غيري؟ قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله " اللهم اجعله لي عونا وعضدا وناصرا " غيري؟ قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله " المال يعسوب الظلمة وأنت يعسوب المؤمنين " (1) غيري؟ قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله " لأبعثن إليكم رجلا امتحن الله قلبه للإيمان " غيري؟ قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد أطعمه رسول الله صلى الله عليه وآله رمانة وقال " هذه من رمان الجنة لا ينبغي أن يأكل منه إلا نبي أو وصي نبي " غيري؟ قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله " ما سألت ربي شيئا إلا أعطانيه ولم أسأل ربي شيئا إلا سألت لك مثله " (2) غيري قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله " أنت أقومهم بأمر الله وأوفاهم بعهد الله وأعلمهم بالقضية وأقسمهم بالسوية وأعظمهم عند الله مزية " غيري، قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله " فضلك على هذه الأمة كفضل الشمس على القمر وكفضل القمر على النجوم " غيري؟ قالوا: لا.

____________

<=

فوالله ما تمنيت الإمارة إلا يومئذ، وجعلت انصب صدري له رجاء أن يقول: هو هذا قال: فالتفت إلى علي رضي الله عنه، فأخذ بيده، ثم قال: هو هذا.

(1) كنز العمال ج 2 ص 153 الحديث 2536:

على يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين.

(2) كنز العمال ج 6 ص 159 الحديث 2667 قم يا علي فقد برئت. ما سألت الله شيئا إلا سألت لك مثله، إلا أنه قيل لي:

لا نبوة بعدك.

الصفحة 208
قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله " يدخل الله وليك الجنة وعدوك النار " غيري؟ قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله " الناس من أشجار شتى وأنا وأنت من شجرة واحدة " (1) غيري؟ قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله " أنا سيد ولد آدم وأنت سيد العرب والعجم ولا فخر " (1) غيري؟ قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد رضي الله عنه في الآيتين من القرآن غيري قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله " موعدك موعدي وموعد شيعتك عند الحوض إذا خافت الأمم ووضعت الموازين " غيري؟

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله " اللهم إني أحبه فأحبه اللهم إني استودعكه " غيري؟ قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله " أنت تحاج الناس فتحججهم بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأقام الحدود، والقسم بالسوية " غيري؟ قالوا: لا.

____________

(1) كنز العمال ج 6 ص 154 الحديث 2561 عن جابر:

أنا وعلي من شجرة واحدة والناس من أشجار شتى. والحديث 2562 عنه: يا علي الناس من شجر شتى وأنا وأنت من شجرة واحدة.

(2) الصواعق المحرقة ص 120:

روى البيهقي: أنه ظهر علي من البعد فقال صلى الله عليه وآله: هذا سيد العرب. فقالت عائشة: ألست سيد العرب؟ فقال: أنا سيد العالمين، وهو سيد العرب. - ورواه الحاكم في صحيحه عن ابن عباس بلفظ أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب وقال: إنه صحيح ولم يخرجاه.

الصفحة 209
قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيده يوم بدر، فرفعها حتى نظر الناس إلى بياض إبطيه وهو يقول: " ألا إن هذا ابن عمي ووزيري فوازروه وناصحوه فإنه وليكم " غيري؟ قالوا لا.

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون " (1) غيري؟ قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله فهل فيكم أحد كان جبرئيل أحد ضيفانه غيري؟ قالوا: لا قال: فهل فيكم أحد أعطاه رسول الله صلى الله عليه وآله حنوطا من حنوط الجنة ثم أقسمه أثلاثا ثلثا لي تحنطني به، وثلثا لابنتي. وثلثا لك، غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد كان إذا دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله حياه وأدناه ورحب به وتهلل له وجهه غيري؟ قالوا: لا قال فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله " أنا أفتخر بك يوم القيامة إذا افتخرت الأنبياء بأوصيائها " غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد سرحه رسول الله صلى الله عليه وآله بسورة براءة إلى المشركين من أهل مكة غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله " إني لأرحمك من ضغائن في صدور أقوام عليك لا يظهرونها حتى يفقدوني فإذا فقدوني خالفوا فيها " غيري؟

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: " أدى الله عن أمانتك أدى الله عن ذمتك " غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: " أنت قسيم النار تخرج منها من زكى وتذر فيها كل كافر " (2) غيري؟ قالوا: لا.

____________

(1) هل أتى.

(2) ينابيع المودة ص 84 قال:

=>


الصفحة 210
قال: فهل فيكم أحد فتح حصن خيبر وسبا بنت مرحب فأداها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: " ترد علي الحوض أنت وشيعتك رواء مرويين مبيضة وجوههم، ويرد علي عدوك ظماء مظمئين مقتحمين (1) مسودة وجوههم " غيري؟ قالوا: لا.

قال: لهم أمير المؤمنين عليه السلام أما إذا أقررتم على أنفسكم، واستبان لكم ذلك من قول نبيكم، فعليكم بتقوى الله وحده لا شريك له، وأنهاكم عن سخطه ولا تعصوا أمره، وردوا الحق إلى أهله، واتبعوا سنة نبيكم، فإنكم إن خالفتم خالفتم الله فادفعوها إلى من هو أهله وهي له.

قال: فتغامزوا فيها بينهم وتشاوروا وقالوا: " قد عرفنا فضله، وعلمنا أنه أحق الناس بها، ولكنه رجل لا يفضل أحدا على أحد، فإن وليتموها إياه جعلكم وجميع الناس فيها شرعا سواء، ولكن ولوها عثمان فإنه يهوى الذي تهوون " فدفعوها إليه.

* * *

احتجاجه (ع) على جماعة كثيرة من المهاجرين والأنصار لما تذاكروا فضلهم بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله من النص عليه وغيره من القول الجميل (2).

روي عن سليم بن قيس الهلالي أنه قال: " رأيت عليا عليه السلام في مسجد

____________

<=

أخرج ابن المغازلي الشافعي بسنده عن ابن مسعود قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي إنك قسيم الجنة والنار، أنت تقرع باب الجنة وتدخلها أحبائك بغير حساب.

(1) راجع هامش ص 199 في تفسير قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية). وفي بعض النسخ " ظماء مفحمين "

(2) قال الأميني - في ج 1 ص 163 من الغدير -:

=>


الصفحة 211
رسول الله صلى الله عليه وآله، في خلافة عثمان وجماعة يتحدثون ويتذاكرون العلم، فذكروا قريشا وفضلها وسوابقها وهجرتها، وما قال فيها رسول الله صلى الله عليه وآله من الفضل، مثل قوله: " الأئمة من قريش " وقوله: " الناس تبع لقريش وقريش أئمة العرب " وقوله: " لا تسبقوا (1) قريشا " وقوله: " إن للقريشي مثل قوة رجلين من غيرهم " وقوله: " من أبغض قريشا أبغضه الله " وقوله: " من أراد هوان قريش أهانه الله "، وذكروا الأنصار وفضلها وسوابقها ونصرتها، وما أثنى الله عليهم في كتابه، وما قال فيهم رسول الله من الفضل مثل قوله: " الأنصار كرشي وعيبتي " ومثل قوله: " من أحب الأنصار أحبه الله، ومن أبغض الأنصار أبغضه الله " ومثل قوله صلى الله عليه وآله: " لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله وبرسوله " وقوله: " لو سلك الناس شعبا لسلكت شعب الأنصار " وذكروا ما قال: في سعد بن معاذ في جنازته وأن العرش اهتز لموته، وقوله صلى الله عليه وآله: لما جيئ إليه بمناديل من اليمن فأعجب الناس بها، فقال: " لمناديل سعد في الجنة أحسن منها " والذي غسلته الملائكة، والذي حمته الدبر، فلم يدعوا شيئا من فضلهم، حتى قال كل حي منها: " منا فلان وفلان " وقالت قريش: " منا رسول الله، ومنا حمزة، ومنا جعفر، ومنا عبيدة ابن الحارث، وزيد بن حارثة، ومنا أبو بكر، وعمر، وسعد وأبو عبيدة، وسالم وابن عوف، فلم يدعوا من الحيين أحدا من أهل السابقة إلا سموه، وفي الحلقة أكثر من مائتي رجل، فيهم علي بن أبي طالب عليه السلام، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة، والزبير، وعمار، والمقداد، وأبو ذر، وهاشم بن عتبة، وابن عمر، والحسن، والحسين عليهما السلام، وابن عباس، ومحمد بن أبي بكر، وعبد الله

____________

<=

روى شيخ الإسلام أبو إسحاق إبراهيم بن سعد الدين ابن حمويه بأسناده في فرائد السمطين في السمط الأول في الباب الثامن والخمسين، عن التابعي الكبير سليم بن قيس الهلالي قال: رأيت عليا وساق الرواية.. ثم قال: هذا لفظ الحمويني وفي كتاب سليم بن قيس نفسه اختلاف يسير وزيادات.

(1) وفي نسخة (لا تسبوا).

الصفحة 212
ابن جعفر، ومن الأنصار أبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو أيوب الأنصاري وأبو هيثم بن التيهان، ومحمد بن سلمة، وقيس بن سعد بن عبادة، وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك، وزيد بن أرقم، وعبد الله بن أبي أوفى، وأبو ليلى ومعه ابنه، وعبد الرحمن قاعد بجنبه غلام أمرد الوجه مديد القامة، فجاء أبو الحسن البصري ومعه ابنه الحسن غلام أمرد صبيح الوجه معتدل القامة، قال: فجعلت أنظر إليه وإلى عبد الرحمن بن أبي ليلى فلا أدري أيهما أجمل، غير أن الحسن أعظمها وأطولهما وأكثر القوم في الحديث، وذلك من بكرة إلى حين الزوال، وعثمان في داره لا يعلم بشئ مما هم فيه.

وعلي بن أبي طالب لا ينطق هو ولا أحد من أهل بيته.

فأقبل القوم عليه فقالوا: يا أبا الحسن ما يمنعك أن تتكلم؟

فقال عليه السلام لهم، ما من الحيين أحد إلا وقد ذكر فضلا، وقال حقا، فأنا أسألكم يا معشر قريش والأنصار، بمن أعطاكم الله هذا الفضل؟ أبأنفسكم وعشائركم وأهل بيوتاتكم أم بغيركم؟

قالوا: بل أعطانا الله ومن به علينا بمحمد وعشيرته، لا بأنفسنا وعشائرنا ولا بأهل بيوتنا.

قال: صدقتم، يا معشر قريش والأنصار أتعلمون الذي نلتم به من خير الدنيا والآخرة منا أهل البيت خاصة دون غيرهم؟ فإن ابن عمي رسول الله قال: " إني وأهل بيتي كنا نورا بين يدي الله تبارك وتعالى قبل أن يخلق الله آدم بأربعة عشر ألف سنة، فلما خلق الله آدم وضع ذلك النور في صلبه وأهبطه إلى الأرض، ثم حمله في السفينة في صلب نوح عليه السلام، ثم قذف به في النار في صلب إبراهيم عليه السلام، ثم لم يزل الله عز وجل ينقلنا من الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة، ومن الأرحام الطاهرة إلى الأصلاب الكريمة، من الآباء والأمهات، لم يلتق واحد منهم على سفاح قط ".

فقال أهل السابقة، وأهل بدر، وأهل أحد: نعم قد سمعنا ذلك من رسول الله

الصفحة 213
ثم قال: أنشدكم بالله أتعلمون أني أول الأمة إيمانا بالله وبرسوله؟ قالوا:

اللهم نعم.

قال: فأنشدكم بالله أتعلمون أن الله عز وجل فضل في كتابه السابق على المسبوق في غير آية. وأني لم يسبقني إلى الله عز وجل وإلى رسوله صلى الله عليه وآله أحد من هذه الأمة؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: فأنشدكم بالله أتعلمون حيث نزلت " والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار (1) " " والسابقون السابقون أولئك المقربون (2) " وسأل عنها رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: " أنزله الله عز وجل في الأنبياء وأوصيائهم فأنا أفضل أنبياء الله ورسله وعلي بن أبي طالب عليه السلام وصيي أفضل الأوصياء " قالوا: اللهم نعم.

قال: فأنشدكم بالله أتعلمون حيث نزلت " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم (3) " وحيث نزلت: " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون (4) " وحيث نزلت: " ولم يتخد من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة (5) " قال الناس:

" يا رسول الله أخاصة في بعض المؤمنين أم عامة لجميعهم؟ " فأمر الله عز وجل نبيه أن يعلمهم ولاة أمرهم، وأن يفسر لهم من الولاية ما فسر لهم من صلاتهم، وزكاتهم وصومهم، وحجهم، فنصبني للناس علما بغدير خم.

ثم خطب فقال: " أيها الناس إن الله أرسلني برسالة ضاق بها صدري فظننت أن الناس مكذبي فأوعدني لأبلغنها أو ليعذبني ".

ثم أمر فنودي بالصلاة جامعة، ثم خطب فقال:

" أيها الناس أتعلمون أن الله عز وجل مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم " بلى يا رسول الله. قال: قم يا علي، فقمت فقال: " من كنت

____________

(1) التوبة: 100

(2) الواقعة: 10

(3) النساء: 59

(4) راجع هامش ص 161

(5) التوبة: 16

الصفحة 214
مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ". - فقام سلمان فقال: " يا رسول الله والاه كماذا؟ " فقال: " والاه كولائي، فمن كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه " فأنزل الله عز وجل: " اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا (1) " فكبر رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: " الله أكبر على تمام نبوتي، وتمام دين الله، ولاية علي بعدي ". - فقام أبو بكر وعمر فقالا: " يا رسول الله هؤلاء الآيات خاصة في علي؟ " قال صلى الله عليه وآله: " بلى فيه، وفي أوصيائي إلى يوم القيامة ".

قالا: " يا رسول الله بينهم لنا ".

قال: أخي، ووزيري، ووارثي، ووصيي، وخليفتي، في أمتي، وولي كل مؤمن بعدي، ثم ابني الحسن والحسين، ثم تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد القرآن معهم وهم مع القرآن، لا يفارقونه ولا يفارقهم، حتى يردوا علي الحوض فقالوا كلهم: " اللهم نعم، قد سمعنا ذلك وشهدنا كما قلت سواء " وقال بعضهم: " قد حفظنا جل ما قلت ولم نحفظ كله وهؤلاء الذين حفظوا أخيارنا وأفاضلنا ".

فقال علي عليه السلام: " صدقتم ليس كل الناس يستوي في الحفظ ".

أنشدكم بالله من حفظ ذلك من رسول الله لما قام وأخبر به.

فقام زيد بن أرقم، والبراء بن عازب، وأبو ذر، والمقداد، وعمار، فقالوا " نشهد لقد حفظنا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وهو قائم على المنبر وأنت إلى جنبه وهو يقول: أيها الناس أمرني الله أن انصب لكم إمامكم والقائم فيكم بعدي ووصيي وخليفتي، والذي فرض على المؤمنين في كتابه طاعته، وقرنه بطاعته وطاعتي، وأمركم بولايته، وأني راجعت ربي خشية طعن أهل النفاق وتكذيبهم، فأوعدني

____________

(1) المائدة: 3

الصفحة 215
لأبلغنها أو ليعذبني، أيها الناس إن الله أمركم في كتابه بالصلاة. فقد بينتها لكم والزكاة، والصوم، والحج. فقد بينتها لكم وفسرتها، وأمركم بالولاية وإني أشهدكم أنها لهذا خاصة، ووضع يده على يد علي بن أبي طالب، ثم لأبنيه من بعده، ثم للأوصياء من بعدهم، ومن ولدهم عليه السلام، لا يفارقون القرآن، ولا يفارقهم القرآن، حتى يردوا علي الحوض، أيها الناس قد بينت لكم مفزعكم (1) بعدي، وإمامكم، ودليلكم، وهاديكم، وهو: أخي علي بن أبي طالب، وهو فيكم بمنزلتي فيكم، فقلدوه دينكم، وأطيعوه في جميع أموركم، فإن عنده جميع ما علمني الله عز وجل من علمه وحكمته، فاسألوه وتعلموا منه ومن أوصيائه بعده، ولا تعلموهم، ولا تتقدموهم، ولا تخلفوا عنهم، فإنهم مع الحق والحق معهم لا يزايلهم (2) " ثم جلسوا.

قال سليم: ثم قال علي عليه السلام:

أيها الناس أتعلمون أن الله عز وجل أنزل في كتابه: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " فجمعني وفاطمة وابنيه حسنا وحسينا ثم ألقى علينا كساء فدكيا وقال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي ولحمي، يؤلمني ما يؤلمهم، ويجرحني ما يجرحهم، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " فقالت أم سلمة: وأنا يا رسول الله فقال: " أنت إلى خير، إنما نزلت في، وفي أخي علي، وفي ابنتي فاطمة، وفي ابني، وفي تسعة من ولد الحسين خاصة، وليس معنا أحد غيرنا ".

فقالوا كلهم: " نشهد أن أم سلمة حدثتنا بذلك، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وآله فحدثنا كما حدثتنا به أم سلمة ".

قال علي عليه السلام: أنشدكم بالله أتعلمون أن الله أنزل " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين (3) " فقال سلمان: " يا رسول الله عامة هذه الآية

____________

(1) المفزع: الملجأ.

(2) زايله: فارقه.

(3) التوبة: 119.

الصفحة 216
أم خاصة؟ " فقال: " أما المأمورون فعامة المؤمنين أمروا بذلك، وأما الصادقون خاصة لأخي علي وأوصيائي بعده إلى يوم القيامة ". فقالوا: اللهم نعم.

قال: أنشدكم بالله أتعلمون أني قلت لرسول الله صلى الله عليه وآله في غزاة تبوك: لم تخلفني فقال: " إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " قالوا: اللهم نعم.

قال: أنشدكم بالله أتعلمون أن الله عز وجل أنزل في سورة الحج: " يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير. لعلكم تفلحون (1) " إلى آخر السورة، فقام سلمان فقال: " يا رسول الله من هؤلاء الذين أنت عليهم شهيد، وهم شهداء على الناس، الذين اجتباهم، ولم يجعل عليهم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم " قال: عني بذلك ثلاثة عشر رجلا خاصة دون هذه الأمة " فقال سلمان: " بينهم لنا يا رسول الله " فقال: " أنا، وأخي علي، وأحد عشر من ولدي " قالوا: اللهم نعم.

قال: أنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قام خطيبا ولم يخطب بعد ذلك. فقال: " يا أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين (2) كتاب الله، وعترتي أهل

____________

(1) الحج 77.

(2) قال السيد شرف الدين: - في المراجعات - ص 51 في المراجعة " 8 "!

والصحاح الحاكمة بوجوب التمسك بالثقلين متواترة، وطرقها عن بضع وعشرين صحابيا متضافرة وقد صدع بها رسول الله " ص " في مواقف له شتى: تارة يوم غدير خم كما سمعت، وتارة يوم عرفة في حجة الوداع، وتارة بعد انصرافه من الطائف، ومرة على منبره في المدينة، وأخرى في حجرته المباركة في مرضه، والحجرة غاصة بأصحابه إذ قال: " أيها الناس يوشك أن أقبض قبضا سريعا فينطلق بي، وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم ألا إني مخلف فيكم كتاب الله عز وجل، وعترتي أهل بيتي، ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال: هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا علي الحوض " الحديث وقد اعترف بذلك جماعة من أعلام الجمهور، حتى قال ابن حجر - إذ أورد

=>


الصفحة 217
بيتي، فتمسكوا بهما، لا تضلوا، فإن اللطيف الخبير أخبرني وعهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " فقام عمر بن الخطاب - وهو شبه المغضب - فقال:

يا رسول الله أكل أهل بيتك؟ " قال: لا ولكن أوصيائي منهم، أولهم أخي، ووزيري، وخليفتي في أمتي، وولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي، هو أولهم، ثم ابني الحسن، ثم ابني الحسين، ثم تسعة من ولد الحسين، واحد بعد واحد حتى يردوا علي الحوض، شهداء لله في أرضه، وحججه على خلقه، وخزان علمه، ومعادن حكمته، من أطاعهم فقد أطاع الله، ومن عصاهم فقد عصى الله ".

فقالوا كلهم: " نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ذلك ".

ثم تمادى بعلي عليه السلام السؤال والمناشدة، فما ترك شيئا إلا ناشدهم الله فيه وسألهم عنه، حتى أتى علي على أكثر مناقبه، وما قال له رسول الله صلى الله عليه وآله كل ذلك يصدقونه ويشهدون أنه حق.

ثم قال حين فرغ: " اللهم اشهد عليهم " وقالوا: " اللهم اشهد إنا لم نقل إلا ما سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وآله، وما حدثنا من نثق به من هؤلاء وغيرهم أنهم سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وآله ".

قال: أتقرون بأن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: " من زعم أنه يحبني ويبغض عليا فقد كذب وليس يحبني " ووضع يده على رأسي فقال له قائل: " كيف ذلك

____________

<=

حديث الثقلين -: " ثم اعلم أن لحديث التمسك بهما طرقا كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابيا " " قال " ومر له طرق مبسوطة في حادي عشر الشبه، وفي بعض تلك الطرق أنه قال ذلك: بحجة الوداع بعرفه، وفي أخرى أنه قاله بالمدينة في مرضه، وقد امتلأت الحجرة بأصحابه، وفي أخرى أنه قال ذلك بغدير خم، وفي أخرى أنه قال ذلك لما قام خطيبا بعد انصرافه من الطائف كما مر " " قال " " ولا تنافي إذ لا مانع من أنه كرر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها اهتماما بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة " إلى آخر كلامه انتهى ما أردنا نقله من كتاب المراجعات. وتجد ما نقله السيد " قدس سره " من كلام ابن حجر في ص 75 و 89 من صواعقه.

الصفحة 218
يا رسول الله؟ " قال: " لأنه مني وأنا منه، ومن أحبه فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله " قال نحو عشرين رجلا من أفاضل الحيين: اللهم نعم. وسكت بقيتهم.

فقال: للسكوت ما لكم سكتم؟ قالوا: " هؤلاء الذين شهدوا عندنا ثقاة في قولهم، وفضلهم، وسابقتهم " فقال: اللهم اشهد عليهم.

فقال طلحة بن عبد الله: وكان يقال له: " داهية قريش " فكيف نصنع بما ادعى أبو بكر وأصحابه الذين صدقوه، وشهدوا على مقالته يوم أتوه بك بعتل (1) وفي عنقك حبل، فقالوا لك: " بايع " فاحتججت بما احتججت به، فصدقوك جميعا ثم ادعى أنه سمع رسول الله يقول: أبى الله أن يجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة فصدقه بذلك عمر، وأبو عبيدة، وسالم، ومعاذ. ثم قال طلحة: كل الذي قلت وادعيت واحتججت به من السابقة والفضل حق نقر به ونعرفه، وأما الخلافة فقد شهد أولئك الأربعة بما سمعت.

فقام علي عليه السلام عند ذلك، وغضب من مقالته، فأخرج شيئا قد كان يكتمه وفسر شيئا قال له عمر يوم مات لم يدر ما عنى به، فأقبل على طلحة - والناس يسمعون - فقال:

أما والله يا طلحة ما صحيفة ألقى الله بها يوم القيامة أحب إلي من صحيفة الأربعة الذين تعاهدوا على الوفاء بها في الكعبة إن قتل الله محمدا أو توفاه أن يتوازروا دون علي ويتظاهروا فلا تصل إلي الخلافة ".

والدليل والله على باطل ما شهدوا، وما قلت يا طلحة: قول نبي الله يوم غدير خم: " من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه ".

فكيف أكون أولى بهم من أنفسهم وهم أمراء علي وحكام؟

وقول رسول الله صلى الله عليه وآله: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة " فلو كان مع النبوة غيرها لاستثناه رسول الله صلى الله عليه وآله.

____________

(1) العتل: الجذب العنيف تقول عتلت الرجل إذ أجذبته جذبا عنيفا.

الصفحة 219
وقوله: " إني تركت فيكم أمرين كتاب الله وعترتي لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما لا تقدموهم، ولا تخلفوا عنهم، ولا تعلموهم، فإنهم أعلم منكم أفينبغي أن لا يكون الخليفة على الأمة إلا أعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه؟! وقد قال الله عز وجل: " أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدي فما لكم كيف تحكمون (1) "؟! وقال تعالى: " إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم (2) " وقال: " ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم (3) " وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " ما ولت أمة قط أمرها رجلا وفيهم من هو أعلم منه، إلا لم يزل يذهب أمرهم سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا " فما الولاية غير الإمارة؟

والدليل على كذبهم وباطلهم وفجورهم، أنهم سلموا علي بأمرة المؤمنين بأمر رسول الله.

ومن الحجة عليهم وعليك خاصة، وعلى هذا معك، يعني: الزبير، وعلى الأمة، وعلى سعد ابن أبي وقاص، وابن عوف، وخليفتكم هذا القائم، يعني عثمان فإنا معشر الشورى أحياء كلنا، أن جعلني عمر بن الخطاب في الشورى إن كان قد صدق هو وأصحابه على رسول الله صلى الله عليه وآله، أجعلنا في الشورى في الخلافة أم في غيرها؟ فإن زعمتم أنه جعلها شورى في غير الإمارة، فليس لعثمان إمارة وإنما أمرنا أن نتشاور في غيرها، وإن كانت الشورى فيها، فلم أدخلني فيكم، فهلا أخرجني؟ وقد قال: أن رسول الله صلى الله عليه وآله أخرج أهل بيته من الخلافة وأخبر أنه ليس لهم فيها نصيب، ولم قال عمر حين دعانا رجلا رجلا. - فقال علي عليه السلام: لعبد الله ابنه، وها هو ذا، أنشدك بالله عبد الله بن عمر ما قال لك حين خرجت؟

____________

(1) يونس: 35

(2) البقرة 247

(3) الأحقاف: 4

الصفحة 220
قال: أما إذ ناشدتني بالله فإنه قال: إن يتبعوا أصلع قريش يحملهم على المحجة البيضاء، وأقامهم على كتاب ربهم وسنة نبيهم.

قال: يا بن عمر فما قلت له عند ذلك؟

قال: قلت له: فما يمنعك أن تستخلفه؟

قال: وما رد عليك؟

قال: رد علي شيئا أكتمه.

قال علي: فإن رسول الله صلى الله عليه وآله خبرني به في حياته، ثم أخبرني به ليلة مات أبوك في منامي، ومن رأى رسول الله صلى الله عليه وآله مناما فقد رآه. قال: فما أخبرك به؟

قال عليه السلام: فأنشدك بالله يا بن عمر لئن أخبرتك به لتصدقن؟ قال: إذن سكت. قال: فإنه قال لك حين قلت له: فما يمنعك أن تستخلفه؟ قال: الصحيفة التي كتبناها بيننا، والعهد في الكعبة، فسكت ابن عمر.

فقال أسألك بحق رسولك لم سكت عني؟

قال سليم فرأيت ابن عمر في ذلك المجلس خنقته العبرة وعيناه تسيلان.

وأقبل أمير المؤمنين عليه السلام على طلحة، والزبير، وابن عوف، وسعد، فقال:

لئن كان أولئك الخمسة أو الأربعة كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وآله ما يحل لكم ولايتهم وإن كانوا صدقوا ماحل لكم أيها الخمسة أو الأربعة أن تدخلوني معكم في الشورى لأن إدخالكم إياي فيها خلاف على رسول الله صلى الله عليه وآله ورد عليه.

ثم أقبل على الناس فقال: أخبروني عن منزلتي فيكم وما تعرفوني به أصادق أنا فيكم أم كاذب؟ قالوا: صدوق لا والله ما علمناك كذبت قط في الجاهلية ولا الإسلام قال: فوالله الذي أكرمنا أهل البيت بالنبوة، وجعل منا محمدا وأكرمنا بعده بأن جعلنا أئمة للمؤمنين، لا يبلغ عنه غيرنا، ولا تصلح الإمامة والخلافة إلا فينا، ولم يجعل لأحد من الناس فيها معنا أهل البيت نصيبا ولا حقا، أما رسول الله صلى الله عليه وآله خاتم النبيين ليس بعده نبي ولا رسول، ختم برسول الله الأنبياء إلى يوم القيامة، وجعلنا من بعد محمد خلفاء في أرضه وشهداء على خلقه فرض طاعتنا في كتابه

الصفحة 221
وقرننا بنفسه ونبيه، في غير آية من القرآن، فالله عز وجل جعل محمدا نبيا، وجعلنا خلفاء من بعده في كتابه المنزل، ثم أن الله عز وجل أمر نبيه أن يبلغ ذلك أمته فبلغهم كما أمره الله، فأيكما أحق بمجلس رسول الله صلى الله عليه وآله ومكانه؟ وقد سمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله حين بعثني ببراءة فقال: " لا يبلغ عني إلا رجل مني ".

أنشدتكم بالله أسمعتم ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قالوا: " اللهم نعم، نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله حين بعثك ببرائة ".

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يصلح لصاحبكم أن يبلغ عنه صحيفة (1) أربع أصابع، ولن يصلح أن يكون المبلغ عنه غيري، فأيهما أحق بمجلسه ومكانه الذي سمي بخاصه، إنه من رسول الله صلى الله عليه وآله ومن حضر مجلسه من الأمة؟

فقال طلحة: قد سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله، ففسر لنا كيف لا يصلح لأحد أن يبلغ عن رسول الله غيرك؟ وقد قال - لنا ولسائر الناس -: " ليبلغ الشاهد الغائب " فقال - بعرفة في حجة الوداع -: " نصر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها ثم بلغها غيره، فرب حامل فقه لا فقه له، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يحل عليهن قلب امرء مسلم أخلص العمل لله عز وجل: السمع، والطاعة والمناصحة لولاة الأمر ولزوم جماعتهم، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم ". وقال:

في غير موطن - " ليبلغ الشاهد الغائب ".

فقال علي عليه السلام: إن الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله يوم غدير خم، ويوم عرفة في حجة الوداع، في آخر خطبة خطبها حين قال: " إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما، كتاب الله، وأهل بيتي، فإن اللطيف الخبير قد عهد إلي أنهما لا يفترقان حتى يردا علي الحوض، كهاتين ولا أقول كهاتين - فأشار إلى سبابته وإبهامه، لأن أحدهما قدام الآخر - فتمسكوا بهما لن تضلوا ولا تزالوا، ولا تقدموهم، ولا تخلفوا عنهم، ولا تعلموهم، فإنهم أعلم منكم " إنما أمر الله العامة جميعا أن يبلغوا من لقوا من العامة إيجاب طاعة الأئمة من آل محمد عليهم السلام وإيجاب

____________

(1) يريد الصحيفة التي كتبت بها سورة براءة.

الصفحة 222
حقهم، ولم يقل ذلك في شئ من الأشياء غير ذلك، وإنما أمر العامة أن يبلغوا العامة حجة من لا يبلغ عن رسول الله جميع ما بعثه الله به غيرهم، ألا ترى يا طلحة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لي - وأنتم تسمعون -: " يا أخي إنه لا يقضي عني ديني ولا يبرئ ذمتي غيرك، تبرئ ذمتي، وتؤدي ديني وغراماتي، وتقاتل على سنتي " فلما ولي أبو بكر قضى عن رسول الله صلى الله عليه وآله عداته ودينه، فاتبعتموه جميعا، فقضيت دينه وعداته، وقد أخبرهم أنه لا يقضي عنه دينه وعداته غيري، ولم يكن ما أعطاهم أبو بكر قضاء لدينه وعداته، وإنما كان الذي قضى من الدين والعدة هو الذي أبرءه منه، وإنما بلغ عن رسول الله صلى الله عليه وآله جميع ما جاء به من عند الله من بعد الأئمة الذين فرض الله في الكتاب طاعتهم، وأمر بولايتهم، الذين من أطاعهم فقد أطاع الله، ومن عصاهم فقد عصى الله.

فقال طلحة: " فرجت عني، ما كنت أدري ما عنى بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله حتى فسرته لي، فجزاك الله يا أبا الحسن عن جميع أمة محمد الجنة، يا أبا الحسن شيئا أريد أن أسألك عنه، رأيتك خرجت بثوب مختوم، فقلت: أيها الناس إني لم أزل مشتغلا برسول الله بغسله، وكفنه، ودفنه، ثم اشتغلت بكتاب الله حتى جمعته، فهذا كتاب الله عندي مجموعا لم يسقط حتى حرف واحد، ولم أر ذلك الذي كتبت وألفت، وقد رأيت عمر بعث إليك أن ابعث به إلي فأبيت أن تفعل فدعا عمر الناس فإذا شهد رجلان على آية كتبها، وإن لم يشهد عليها غير رجل واحد أرجأها (1) فلم يكتب، فقال عمر: وأنا أسمع إنه قد قتل يوم اليمامة قوم كانوا يقرؤون قرآنا لا يقرأه غيرهم، فقد ذهب وقد جاءت شاة إلى صحيفة وكتاب يكتبون فأكلتها وذهب ما فيها والكاتب يومئذ عثمان، وسمعت عمر وأصحابه الذين ألفوا ما كتبوا على عهد عمر وعلى عهد عثمان يقولون: إن الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة، وإن النور ستون ومائة آية، والحجر تسعون ومائة آية، فما هذا؟

وما يمنعك يرحمك الله أن تخرج كتاب الله إلى الناس، وقد عهد عثمان حين أخذ

____________

(1) أرجأها: أخرها.