قال سليمان: يا سيدي ما تقول فيمن جعل الإرادة اسما وصفة، مثل حي وسميع وبصير وقدير؟
قال الرضا عليه السلام: إنما قلتم حدثت الأشياء واختلفت لأنه شاء وأراد، ولم تقولوا:
(حدثت واختلفت) لأنه سميع بصير، فهذا دليل على أنها ليست مثل سميع وبصير ولا قدير.
قال سليمان: فإنه لم يزل مريدا؟
قال: يا سليمان فإرادته غيره؟
قال: نعم.
قال: قد أثبت معه شيئا لم يزل!
قال سليمان: ما أثبت؟
قال الرضا عليه السلام: أهي محدثة؟
قال سليمان: لا، ما هي محدثة! فأعاد عليه المسألة فقال: هي محدثة يا سليمان؟ فإن الشئ إذا لم يكن أزليا كان محدثا، وإذا لم يكن محدثا كان أزليا.
قال سليمان: إرادته منه كما أن سمعه وبصره وعلمه منه.
قال الرضا عليه السلام: فإرادته نفسه؟
قال: لا.
قال: فليس المريد مثل السميع والبصير.
قال سليمان: إنما إرادته كما سمع نفسه، وأبصر نفسه وعلم نفسه.
قال الرضا عليه السلام: ما معنى أراد نفسه، أراد أن يكون شيئا، أو أراد أن يكون حيا، أو سميعا، أو بصيرا أو قديرا؟
قال: نعم.
قال الرضا عليه السلام: أفبإرادته كان ذلك؟
قال سليمان: نعم.
قال سليمان: بلى قد كان ذلك بإرادته، فضحك المأمون ومن حوله، وضحك الرضا عليه السلام، ثم قال لهم: ارفقوا بمتكلم خراسان!
فقال يا سليمان: فقد حال عندكم عن حالة وتغير عنها، وهذا مما لا يوصف الله عز وجل به، فانقطع.
ثم قال الرضا عليه السلام: يا سليمان أسألك عن مسألة؟.
قال: سل جعلت فداك!
قال: أخبرني عنك وعن أصحابك تكلمون الناس بما تفقهون وتعرفون، أو بما لا تفقهون وتعرفون؟
فقال: بل بما نفقهه ونعلم.
قال الرضا عليه السلام: فالذي يعلم الناس أن المريد غير الإرادة، وأن المريد قبل الإرادة، وأن الفاعل قبل المفعول، وهذا يبطل قولكم: أن الإرادة والمريد شئ واحد.
قال: جعلت فداك! ليس ذلك منه على ما يعرف الناس، ولا على ما يفقهون.
قال: فأراكم ادعيتم على ذلك بلا معرفة، وقلتم: الإرادة كالسمع والبصر إذا كان ذلك عندكم على ما لا يعرف ولا يعقل. فلم يحر جوابا.
ثم قال الرضا عليه السلام: هل يعلم الله تعالى جميع ما في الجنة والنار؟
قال سليمان: نعم.
قال: فيكون ما علم الله عز وجل أنه يكون من ذلك؟
قال: نعم.
قال: فإذا كان حتى لا يبقى منه شئ إلا كان أيزيدهم أو يطويه عنهم؟
قال سليمان: بل يزيدهم.
قال: فأراه في قولك قد زادهم ما لم يكن في علمه أنه يكون.
قال: فليس يحيط علمه عندكم بما يكون فيها إذا لم يعرف غاية ذلك، وإذا لم يحط علمه بما يكون فيهما لم يعلم ما يكون فيهما قبل أن يكون، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
قال سليمان: إنما قلت لا يعلمه لأنه لا غاية لهذا لأن الله عز وجل وصفهما بالخلود، وكرهنا أن نجعل لهما انقطاعا.
قال الرضا عليه السلام: ليس علمه بذلك بموجب لانقطاعه عنهم، لأنه قد يعلم ذلك ثم يزيدهم، ثم لا يقطعه عنهم، ولذلك قال عز وجل في كتابه: (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب) (1) وقال لأهل الجنة:
(عطاء غير مجذوذ) (2) وقال عز وجل: (وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة) (3) فهو عز وجل يعلم ذلك ولا يقطع عنهم الزيادة، أرأيت ما أكل أهل الجنة وما شربوا أليس يخلف مكانه؟
قال: بلى.
قال: أفيكون يقطع ذلك عنهم وقد أخلف مكانه؟
قال سليمان: لا.
قال: فكذلك كلما يكون فيها إذا أخلف مكانه فليس بمقطوع عنهم.
قال سليمان: بلى. يقطعه عنهم ولا يزيدهم.
قال الرضا عليه السلام: إذا يبيد ما فيها، وهذا يا سليمان إبطال الخلود، وخلاف الكتاب، لأن الله عز وجل يقول: (لهم ما يشاؤن فيها ولدينا مزيد) (4) ويقول عز وجل: (عطاء غير مجذوذ) (5) ويقول عز وجل: (وما هم عنها بمخرجين) (6)
____________
(1) النساء - 55.
(2) هود - 109.
(3) الواقعة - 33
(4) ق - 35.
(5) هود - 109.
(6) الحجر - 48.
ألا تخبرني عن الإرادة فعل أم هي غير فعل؟
قال: بل هي فعل.
قال: فهي محدثة لأن الفعل كله محدث!
قال: ليست بفعل.
قال: فمعه غيره لم يزل؟
قال سليمان: إن الإرادة هي الأشياء.
قال: يا سليمان هذا الذي عبتموه على ضرار وأصحابه من قولهم: (أن كل ما خلق الله عز وجل في سماء أو أرض أو بحر أو بر من: كلب أو خنزير أو قرد أو إنسان أو دابة إرادة الله، وأن إرادة الله تحيى وتموت، وتذهب، وتأكل وتشرب، وتنكح، وتلد وتظلم، وتفعل الفواحش، وتكفر، وتشرك، فتبرأ منها وتعاديها وهذا حدها.
قال سليمان: إنها كالسمع والبصر والعلم قال الرضا عليه السلام: قد رجعت إلى هذا ثانية! فأخبرني عن السمع والعلم أمصنوع؟
قال سليمان. لا.
قال الرضا عليه السلام: فكيف نفيتموه؟ فمرة قلتم لم يرد، ومرة قلتم أراد، وليس بمفعول له.
قال سليمان: إنما ذلك كقولنا مرة علم ومرة لم يعلم.
قال الرضا عليه السلام: ليس ذلك سواء لأن نفي المعلوم ليس ينفي العلم، ونفي المراد نفي الإرادة أن تكون، لأن الشئ إذا لم يرد لم تكن إرادة، وقد يكون العلم ثابتا وإن لم يكن المعلوم، بمنزلة البصر فقد يكون الإنسان بصيرا وإن لم يكن المبصر، ويكون العلم ثابتا وإن لم يكن المعلوم.
فلا يزال سليمان يردد المسألة وينقطع فيها ويستأنف، وينكر ما كان أقر
____________
(1) البقرة - 162.
(2) الواقعة - 33.
إن الإرادة هي القدرة.
قال الرضا عليه السلام: وهو عز وجل يقدر على ما لا يريد أبد الأبدين من ذلك لأنه قال تبارك وتعالى: (ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك) (1) فلو كانت الإرادة هي القدرة كان قد أراد أن يذهب به لقدرته.
فانقطع سليمان وترك الكلام عند هذا الانقطاع، ثم تفرق القوم.
وعن صفوان بن يحيى (2) قال: سألني أبو قرة المحدث صاحب شبرمة أن أدخله
____________
(1)) الإسراء - 86.
(2) صفوان بن يحيى: أبو محمد البجلي مولى بني بجيلة بياع السابري كوفي قال الشيخ الطوسي (ره): أنه أوثق أهل زمانه عند أصحاب الحديث وغيرهم.
وكان يصلي كل يوم خمسين ومائة ركعة، ويصوم في السنة ثلاثة أشهر، ويخرج زكاة ماله في السنة ثلاث مرات. وذلك أنه اشترك هو وعبد الله بن جندب وعلي بن النعمان في بيت الله الحرام وتعاقدوا جميعا: أن من مات منهم يصلي من بقى صلاته ويصوم عنه ويزكي عنه ما دام حيا. فمات صاحباه وبقي صفوان بعدهما، وكان يفي لهما بذلك فيصلي عنهما ويحج عنهما ويصوم عنهما ويزكي عنهما، وكل شئ من البر والإحسان يفعله لنفسه كذلك يفعله عن صاحبيه، وكان وكيل الرضا عليه السلام.
وقال أبو عمرو الكشي: أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عن صفوان بن يحيى بياع السابري والإقرار له بالفقه في آخرين يأتي ذكرهم في مواضعهم إن شاء الله تعالى.
وروي عن محمد بن قولويه عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن معمر بن خلاد قال: قال أبو الحسن عليه السلام: ما ذئبان ضاربان في غنم قد غاب عنها رعاؤها بأضر في دين المسلم من حب الرياسة، ثم قال عليه السلام ولكن صفوان لا يحب الرياسة.
وكان له عند لرضا عليه السلام منزلة شريفة، وتوكل للرضا عليه السلام وأبي جعفر عليه السلام، وسلم مذهبه من الوقف، وكانت له منزلة من الزهد والعبادة.
القسم الأول من خلاصة العلامة ص 88.
أخبرني جعلني الله فداك عن كلام الله لموسى؟
فقال: الله أعلم بأي لسان كلمه بالسريانية أم بالعبرانية.
فأخذ أبو قرة بلسانه فقال: إنما أسألك عن هذا اللسان!
فقال أبو الحسن: سبحان الله عما تقول، ومعاذ الله أن يشبه خلقه، أو يتكلم بمثل ما هم به متكلمون، ولكنه تبارك وتعالى ليس كمثله شئ، ولا كمثله قائل ولا فاعل.
قال: كيف ذلك؟
قال: كلام الخالق لمخلوق ليس ككلام المخلوق لمخلوق. ولا يلفظ بشق فم ولسان، ولكن يقول له: (كن) فكان بمشيته، ما خاطب به موسى عليه السلام من الأمر والنهي من غير تردد في نفس.
فقال أبو قرة: فما تقول في الكتب؟
فقال أبو الحسن عليه السلام: التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، وكل كتاب أنزل كان كلام الله، أنزله للعالمين نورا وهدى، وهي كلها محدثة، وهي غير الله، حيث يقول: (ويحدث لهم ذكرا) (1) وقال: (ما يأتيهم من ذكر من ربهم إلا استمعوه وهم يلعبون) (2) والله أحدث الكتب كلها الذي أنزلها.
فقال أبو قرة: فهل تفنى؟
فقال أبو الحسن: أجمع المسلمون على أن ما سوى الله فان، وما سوى الله فعل الله، والتوراة والإنجيل والزبور والفرقان فعل الله، ألم تسمع الناس يقولون:
(رب القرآن) وأن القرآن يقول يوم القيامة: (يا رب هذا فلان - وهو أعرف به منه - قد أظمأت نهاره، وأسهرت ليله، فشفعني فيه) وكذلك التوراة والإنجيل والزبور، وهي كلها محدثة، مربوبة، أحدثها من ليس كمثله شئ، هدى لقوم
____________
(1) طه - 113.
(2) البقرة - 21.
قال أبو قرة: وإنا روينا: أن الكتب كلها تجئ يوم القيامة والناس في صعيد واحد، صفوف قيام لرب العالمين ينظرون حتى ترجع فيه، لأنها منه وهي جزء منه، فإليه تصير.
قال أبو الحسن عليه السلام: فهكذا قالت النصارى في المسيح أنه روحه، جزء منه ويرجع فيه، وكذلك قالت المجوس: في النار والشمس أنهما جزء منه ترجع فيه، تعالى ربنا أن يكون متجزيا، أو مختلفا، وإنما يختلف ويأتلف المتجزي، لأن كل متجزي متوهم، والكثرة والقلة مخلوقة دالة على خالق خلقها.
فقال أبو قرة: فإنا روينا: أن الله قسم الرؤية والكلام بين نبيين، فقسم لموسى عليه السلام الكلام، ولمحمد صلى الله عليه وآله الرؤية.
فقال أبو الحسن عليه السلام: فمن المبلغ عن الله إلى الثقلين الجن والإنس: أنه لا تدركه الأبصار، ولا يحيطون به علما، وليس كمثله شئ. أليس محمد صلى الله عليه وآله؟
قال: بلى.
قال أبو الحسن: فكيف يجئ رجل إلى الخلق جميعا فيخبرهم: أنه جاء من عند الله، وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله، ويقول: أنه لا تدركه الأبصار، ولا يحيطون به علما، وليس كمثله شئ، ثم يقول: أنا رأيته بعيني، وأحطت به علما، وهو على صورة البشر، أما تستحيون؟! ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا: أن يكون أتى عن الله بأمر ثم يأتي بخلافه من وجه آخر.
فقال أبو قرة: إنه يقول: (ولقد رآه نزلة أخرى) (1).
فقال أبو الحسن عليه السلام: إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى حيث قال:
(ما كذب الفؤاد ما رأى) (2) يقول: ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه وآله ما رأت عيناه ثم أخبر بما رأت عيناه فقال: (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) (3) فآيات الله
____________
(1 - 2 - 3) النجم - 13، 11، 18.
فقال أبو قرة: فتكذب بالرواية؟
فقال أبو الحسن عليه السلام: إذا كانت الرواية مخالفة للقرآن كذبتها، وما أجمع المسلمون عليه أنه لا يحاط به علما، ولا تدركه الأبصار، وليس كمثله شئ.
وسأله عن قول الله: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) (2) فقال أبو الحسن عليه السلام: قد أخبر الله تعالى: أنه أسرى به، ثم أخبر: أنه لم أسري به، فقال: (لنريه من آياتنا) (3) فآيات الله غير الله، فقد أعذر، وبين لم فعل به ذلك، وما رآه وقال: (فبأي حديث بعد الله وآياته تؤمنون) (4) فأخبر أنه غير الله.
فقال أبو قرة: أين الله؟
فقال أبو الحسن عليه السلام: الأين مكان، وهذه مسألة شاهد عن غايب، فالله تعالى ليس بغائب، ولا يقدمه قادم، وهو بكل مكان، موجود، مدبر صانع، حافظ، ممسك السماوات والأرض.
فقال أبو قرة: أليس هو فوق السماء دون ما سواها؟
فقال أبو الحسن عليه السلام: هو الله في السماوات وفي الأرض، وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله، وهو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء، وهو معكم أينما كنتم، وهو الذي استوى إلى السماء وهي دخان، وهو الذي استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات، وهو الذي استوى على العرش، قد كان ولا خلق وهو كما كان إذ لا خلق، لم ينتقل مع المنتقلين.
فقال أبو قرة: فما بالكم إذ دعوتم رفعتم أيديكم إلى السماء؟
فقال أبو الحسن عليه السلام: إن الله استعبد خلقه بضروب من العبادة، ولله مفازع
____________
(1) طه - 11
(2) الإسراء - 1
(3) الإسراء - 1
(4) الجاثية - 5
قال أبو قرة: فمن أقرب إلى الله الملائكة أو أهل الأرض؟
قال أبو الحسن عليه السلام: إن كنت تقول بالشبر والذراع، فإن الأشياء كلها باب واحد هي فعله لا يشتغل ببعضها عن بعض، يدبر أعلى الخلق من حيث يدبر أسفله، ويدبر أوله من حيث يدبر آخره، من غير عناء، ولا كلفة، ولا مؤنة، ولا مشاورة، ولا نصب، وإن كنت تقول من أقرب إليه في الوسيلة، فأطوعهم له وأنتم تروون أن أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد، ورويتم أن أربعة أملاك التقوا أحدهم من أعلى الخلق، واحدهم من أسفل الخلق، واحدهم من شرق الخلق، وأحدهم من غرب الخلق فسأل بعضهم بعضا فكلهم قال: (من عند الله) أرسلني بكذا وكذا، ففي هذا دليل على أن ذلك في المنزلة دون التشبيه والتمثيل.
فقال أبو قرة: أتقر أن الله محمول؟
فقال أبو الحسن: كل محمول مفعول، ومضاف إلى غيره محتاج، فالمحمول اسم نقص في اللفظ، والحامل فاعل وهو فاعل وهو في اللفظ ممدوح، وكذلك قول القائل:
فوق، وتحت، وأعلى، وأسفل، وقد قال الله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) (1) ولم يقل في شئ من كتبه أنه محمول، بل هو الحامل في البر والبحر، والممسك للسماوات والأرض، والمحمول ما سوى الله، ولم نسمع أحدا آمن بالله وعظمه قط قال في دعائه: (يا محمول).
قال أبو قرة: أفتكذب بالرواية: أن الله إذا غضب يعرف غضبه الملائكة الذين يحملون العرش، يجدون ثقله في كواهلهم فيخرون سجدا، فإذا ذهب الغضب خف فرجعوا إلى مواقفهم؟
____________
(1) الأعراف - 179
فقال: نعم. هو غضبان عليه.
قال: فمتى رضي فخف وهو في صفتك لم يزل غضبانا عليه وعلى أتباعه؟
ثم قال: ويحك كيف تجترئ أن تصف ربك بالتغير من حال إلى حال، وأنه يجري عليه ما يجري على المخلوقين؟! سبحانه لم يزل مع الزائلين ولم يتغير مع المتغيرين.
قال صفوان: فتحير أبو قرة ولم يحر جوابا حتى قام وخرج.
عن عبد السلام بن صالح الهروي (1) قال: قلت لعلي بن موسى الرضا عليه السلام:
يا بن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه أهل الحديث: أن المؤمنين يزورون ربهم من منازلهم في الجنة؟
____________
(1) قال الشيخ الطوسي في أصحاب الرضا عليه السلام من رجاله ص 380:
عبد السلام بن صالح الهروي أبو الصلت عامي وص 396 منه أبو الصلت الخراساني الهروي عامي روى عنه بكر بن صالح. وقال العلامة في القسم الأول من الخلاصة ص 117: عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي روى عن الرضا عليه السلام ثقة صحيح الحديث. وقال الشيخ عباس القمي في ج 1 من الكنى والألقاب ص 96:
(عبد السلام بن صالح الهروي روى عن الرضا عليه السلام ثقة صحيح الحديث قاله جش والعلامة، له كتاب: (وفاة الرضا (ع)) وكان (ره) كما يشعر به بعض الكلمات مخابطا للعامة وراويا لأخبارهم فلذلك التبس أمره على بعض المشايخ فذكر أنه عامي.
قال الأستاذ الأكبر في التعليقة بعد نقل كلام الشهيد الثاني في تشيعه لا يخفى أن الأمر كذلك فإن الأخبار الصادرة عنه في العيون والأمالي وغيرهما الناصة على تشيعه بل وكونه من خواص الشيعة أكثر من أن تحصى وعلماء العامة ذكروا أنه شيعي قال الذهبي في ميزان الاعتدال: عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي رجل صالح إلا أنه شيعي ونقل عن الجعفي أنه رافضي خبيث وقال الدارقطني أنه رافضي متهم وقال ابن الجوزي أنه خادم الرضا شيعي مع صلاحه وعن الأنساب للسمعاني قال أبو حاتم: هو رأس مذهب
=>
قال: قلت: يا بن رسول الله فما معنى الخبر الذي رووه: أن ثواب لا إله إلا الله النظر إلى وجه الله؟
فقال عليه السلام: يا أبا الصلت فمن وصف الله بوجه كالوجوه فقد كفر، ولكن وجه الله أنبياءه ورسله وحججه عليهم صلوات الله، هم الذين بهم يتوجه إلى الله عز وجل وإلى دينه ومعرفته، فقال الله عز وجل: (كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام) (3) وقال الله عز وجل: (كل شئ هالك إلا وجهه) (4) فالنظر إلى أنبياء الله ورسله وحججه عليهم السلام في درجاتهم ثواب عظيم للمؤمنين، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله: (من أبغض أهل بيتي وعترتي لم يرني ولم أره يوم القيامة) (5) وقال صلى الله عليه وآله: (أن فيكم من لا يراني بعد أن يفارقني) (6) يا أبا الصلت إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بمكان، ولا يدرك بالأبصار والأوهام.
____________
<=
الرافضة. إلى أن قال: أقول: الروايات الدالة على تشيعه كثيرة وقد أشرت إلى نبذ منها في كساب سفينة البحار وروى الشيخ الطوسي (ره) عنه في الشكر ما ينبغي. أن
يكتب بالتبر) توفي سنة 236 هـ
(1) النساء - 79
(2) الفتح - 10
(3) الرحمن - 27
(4) القصص - 88
(5) راجع ذخائر العقبى ص 2 وينابيع المودة ج 1 ص 305
(6) راجع نفس المصدر السابق.
قال: نعم. وأن رسول الله صلى الله عليه وآله قد دخل الجنة ورأى النار لما عرج به إلى السماء.
قال: فقلت له: إن قوما يقولون: أنهما اليوم مقدرتان غير مخلوقتين؟
فقال: ما أولئك منا ولا نحن منهم، من أنكر خلق الجنة والنار فقد كذب النبي صلى الله عليه وآله وكذبنا، وليس من ولايتنا على شئ، ويخلد في نار جهنم. قال الله عز وجل: (هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون يطوفون بينها وبين حميم آن) (1) وقال النبي صلى الله عليه وآله: (لما عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل (ع) فأدخلني الجنة فناولني من رطبها فأكلته، فتحول ذلك نطفة في صلبي، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة عليها السلام، ففاطمة حوراء إنسية، فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة) (2).
وقال الرضا عليه السلام: في قول الله عز وجل: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) (3) قال: يعني - مشرقة - تنظر ثواب ربها.
وقال عليه السلام: أن النبي صلى الله عليه وآله قال: (قال الله جل جلاله: ما آمن بي من
____________
(1) الرحمن - 43
(2) في ينابيع المودة ص 197 عن عايشة قالت: قلت: يا رسول الله ما لك إذا جعلت لسانك في فيها كأنك تريد أن تلعقها عسلا؟ قال: لما أسري بي إلى السماء أدخلني جبرائيل الجنة فناولني تفاحة فأكلتها، فصارت نطفة في ظهري، فلما نزلت من السماء واقعت خديجة ففاطمة من تلك النطفة فكلما اشتقت إلى تلك التفاحة قبلتها ثم قال: أخرجه أبو سعد في شرف النبوة وفيه أيضا عن ابن عباس كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكثر القبلة لفاطمة، فقالت له: إنك تكثر تقبيل فاطمة؟: فقال:
إن جبرائيل أدخلني الجنة ليلة أسري بي إلى السماء فأطعمني من جميع ثمارها، فصارت ماء في صلبي، فحملت خديجة بفاطمة، فإذا اشتقت إلى تلك الثمار، قبلت فاطمة فأصبت من تقبيلها رائحة جميع تلك الثمار التي أكلتها ثم قال: أخرجه أبو الفضل بن خيرون.
(2) القيامة - 23
وقال: من شبه الله بخلقه فهو مشرك، ومن نسب إليه ما نهى عنه فهو كافر.
وعن الحسين بن خالد (1) قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: لم يزل الله عز وجل عليما، قادرا، حيا، قديما، سميعا، بصيرا.
فقلت: يا بن رسول الله إن قوما يقولون: لم يزل عالما بعلم، وقادرا بقدرة وحيا بحياة، وقديما بقدم، وسميعا بسمع، وبصيرا ببصر.
فقال عليه السلام: من قال ذلك ودان به فقد اتخذ مع الله آلهة أخرى، وليس من ولايتنا على شئ ثم قال عليه السلام: لم يزل الله عز وجل عليما، قادرا، حيا، قديما سميعا، بصيرا - لذاته - تعالى عما يقول المشركون والمشبهون علوا كبيرا.
وعن الحسين بن خالد قال: قلت للرضا عليه السلام: يا بن رسول الله إن قوما يقولون: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (إن الله خلق آدم على صورته).
فقال: قاتلهم الله! لقد حذفوا أول الحديث، إن رسول الله مر برجلين يتسابان، فسمع أحدهما يقول لصاحبه: (قبح الله وجهك ووجه من يشبهك) فقال له صلى الله عليه وآله: (يا عبد الله لا تقل هذا لأخيك! فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته).
وعن إبراهيم بن أبي محمود (2) قال: قلت للرضا عليه السلام: يا بن رسول الله
____________
(1) من أصحاب الكاظم والرضا عليهما السلام ذكره الشيخ في رجاله صفحة 347 و 373.
(2) إبراهيم بن أبي محمود: ذكره الشيخ في أصحاب الكاظم عليه السلام ص 343 وقال: له مسائل وفي أصحاب الرضا عليه السلام ص 367 فقال: خراساني ثقة مولى. وقال العلامة في الخلاصة ص 3: روى عن الرضا (ع) ثقة أعتمد على روايته.
فقال عليه السلام: لعن الله المحرفين الكلم عن مواضعه، والله ما قال صلى الله عليه وآله كذلك إنما قال صلى الله عليه وآله: (أن الله تبارك وتعالى ينزل ملكا إلى السماء كل ليلة في الثلث الأخير، وليلة الجمعة في أول الليل. فيأمره فينادي أهل من سائل فاعطيه؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فاغفر له؟ يا طالب الخير فأقبل، يا طالب الشر أقصر، فلا يزال ينادي بهذا حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر عاد إلى محله من ملكوت السماء) حدثني بذلك أبي عن جدي عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله.
وعن محمد بن سنان قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام: هل كان الله عارفا بنفسه قبل أن يخلق الخلق؟
قال: نعم.
قلت: يراها ويسمعها؟
قال: ما كان محتاجا إلى ذلك لأنه لم يكن يسألها ولا يطلب منها شيئا، هو نفسه، ونفسه هو، قدرته نافذة، فليس بمحتاج إلى أن يسمي نفسه، ولكنه اختار أسماء لغيره يدعوه بها، لأنه إذا لم يدع باسمه لم يعرف، فأول ما اختار نفسه (العلي العظيم) أعلا الأشياء كلها، فمعناه: (الله) واسمه: (العلي العظيم) هو أول أسمائه لأنه علا كل شئ.
وقال عليه السلام في قوله: (يوم يكشف عن ساق) (1) فساق حجاب من نور يكشف فيقع المؤمنون سجدا، وتدمج أصلاب المنافقين، فلا يستطيعون السجود.
وسئل عن قوله عز وجل: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) (2) فقال: إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بمكان يحل فيه فيحجب عن عباده، ولكنه يعني: عن ثواب ربهم محجوبون.
وسئل عن قوله عز وجل: (وجاء ربك والملك صفا صفا) (3) فقال: إن
____________
(1) القلم - 42.
(2) المطففين - 15.
(3) الفجر - 22.
وسئل عن قوله: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ضلل من الغمام والملائكة) (1) قال: معناه: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله بالملائكة في ظلل من الغمام وهكذا نزلت.
وسئل عن قوله عز وجل: (سخر الله منهم) (2) وعن قوله: (الله يستهزئ بهم) (3) وعن قوله: (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين) (4) وعن قوله:
(يخادعون الله وخادعهم) (5).
فقال: إن الله لا يسخر، ولا يستهزئ، ولا يمكر، ولا يخادع، ولكنه عز وجل يجازيهم جزاء السخرية، وجزاء الاستهزاء، وجزاء المكر، وجزاء الخديعة تعالى الله عما يقولون الظالمون علوا كبيرا.
وسئل عن قوله عز وجل: (نسوا الله فنسيهم) (6) فقال: إن الله تبارك وتعالى لا يسهو، ولا ينسى، إنما يسهو وينسى المخلوق المحدث، ألا تسمعه عز وجل يقول: (وما كان ربك نسيا) (7) وإنما يجازي من نسيه، ونسي لقاء يومه، بأن ينسيهم أنفسهم، كما قال: (نسوا الله فأنساهم أنفسهم) (8) وقال: (فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا) (9) أي نتركهم كما تركوا الاستعداد للقاء يومهم هذا، أي نجازيهم على ذلك.
وسئل عن قول الله عز وجل: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء) (10) قال: ومن يرد الله أن يهديه بإيمانه في الدنيا إلى جنة ودار كرامة في الآخرة،
____________
(1) البقرة - 210.
(2) التوبة - 8
(3) البقرة - 15.
(4) آل عمران - 54.
(5) النساء - 141.
(6) التوبة - 68.
(7) مريم - 64.
(8) الحشر - 19.
(9) الأعراف - 50.
(10) الأنعام - 125.
أبو الصلت الهروي قال: سأل المأمون الرضا عليه السلام عن قول الله عز وجل:
(وهو الذي خلق السماوات والأرض في سنة أيام، وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا)؟ (1).
فقال: إن الله تبارك وتعالى خلق العرش والماء ليظهر بذلك قدرته للملائكة فتعلم أنه على كل شئ قدير ثم رفع العرش بقدرته، ونقله فجعله فوق السماوات السبع، ثم خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وهو مستول على عرشه، وكان قادرا على أن يخلقها في طرفة عين، ولكنه عز وجل خلقها في ستة أيام ليظهر للملائكة ما يخلفه منها شيئا بعد شئ، فنستدل (بحدوث ما يحدث) على الله تعالى مرة بعد مرة، ولم يخلق العرش لحاجة به إليه، لأنه غني عن العرش، وعن جميع ما خلق، لا يوصف بالكون على العرش، لأنه ليس بجسم تعالى الله عن صفة خلقه علوا كبيرا.
وأما قوله: (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) فإنه عز وجل خلق خلقه ليبلوهم بتكليف طاعته وعبادته، لا على سبيل الامتحان والتجربة، لأنه لم يزل عليما بكل شئ.
فقال المأمون: فرجت عني يا أبا الحسن فرج الله عنك.
ثم قال له: يا بن رسول الله فما معنى قول الله عز وجل: (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) (2) وما (ما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله) (3).
____________
(1) هود - 7
(2) يونس - 99.
(3) يونس - 100.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (ما كنت لألقى الله عز وجل ببدعة لم يحدث إلي فيها شيئا وما أنا من المتكلفين) فأنزل الله تعالى عليه: يا محمد ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا، على سبيل الالجاء والاضطرار في الدنيا، كما يؤمن عند المعاينة ورؤية البأس في الآخرة، ولو فعلت ذلك بهم لم يستحقوا مني ثوابا ولا مدحا، ولكني أريد منهم أن يؤمنوا مختارين غير مضطرين، ليستحقوا مني الزلفى والكرامة، ودوام الخلود في جنة الخلد، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين.
وأما قوله عز وجل: (وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله) (1) فليس ذلك على سبيل تحريم الإيمان عليها، ولكن على معنى أنها ما كانت لتؤمن إلا بإذن الله، وإذنه أمره لها بالإيمان بما كانت مكلفة متعبدة بها، وإلجاؤه إياها إلى الإيمان عند زوال التكلف والتعبد عنها.
فقال المأمون: فرجت عني فرج الله عنك فأخبرني عن قول الله عز وجل:
(الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا) (2).
فقال: إن غطاء العين لا يمنع من الذكر، والذكر لا يرى بالعين، ولكن الله عز وجل شبه الكافرين بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام بالعميان، لأنهم كانوا يستثقلون قول النبي صلى الله عليه وآله فيه، ولا يستطيعون له سمعا.
فقال المأمون: فرجت عني فرج الله عنك.
وعن عبد العظيم بن عبد الله الحسني رضي الله عنه (3) عن إبراهيم بن
____________
(1) آل عمران - 145.
(2) الكهف - 102.
(3) أبو القاسم عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) زاهد عابد ذو ورع ودين، معروف بالأمانة وصدق اللهجة
=>