الصفحة 215

فكان عمران بعد ذلك يجتمع إليه المتكلمون من أصحاب المقالات فيبطل عليهم أمرهم حتى اجتنبوه. ووصله المأمون بعشرة آلاف درهم، وأعطاه الفضل مالا جزيلا، وولاه الرضا عليه السلام صدقات البلخ فأصاب الرغائب.

وروي عن علي بن الجهم أنه قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا عليه السلام فقال له المأمون:

يا بن رسول الله أليس من قولك: (أن الأنبياء معصومون)؟ (1).

قال: بلى.

قال: فما معنى قول الله عز وجل: (وعصى آدم ربه فغوى)؟ (2).

فقال: إن الله تبارك وتعالى قال لآدم عليه السلام: (أسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) (3) ولم يقل لهما لا تأكلا من هذه الشجرة، ولا مما كان من جنسها، فلم يقربا تلك الشجرة، وإنما أكلا من غيرها إذ وسوس الشيطان إليهما وقال: (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة) (4) وإنما نهاكما أن تقربا غيرها، ولم ينهكما عن الأكل منها: (إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) (5) (وقاسمهما أني لكما من الناصحين) (6) ولم يكن آدم وحوا شاهدا قبل ذلك من يحلف بالله كاذبا، (فدلاهما بغرور) (7)

____________

(1) عقيدتنا في النبي والإمام عليهما السلام، أن يكونا معصومين بمعنى: أننا ننزه النبي والإمام عليهما السلام عن كبائر الذنوب وصغائرها، وعن الخطأ والنسيان بل عما ينافي المروءة وعن كل عمل يستهجن عرفا.

ولو انتفت عنه العصمة: لاحتملنا الخطأ والنسيان والمعصية في كل عمل أو قول يصدر عنه وحينئذ لا تكون أقواله ولا أفعاله حجة علينا، ولا نكون ملزمين باتباعها.

وفي ذلك انتقاض الغرض. وقد أجمع الإمامية على القول بالعصمة. وما يتوهم خلاف ذلك من بعض الأخبار والأدعية فهي مؤولة.

(2) طه - 121.

(3) البقرة - 35.

(4 - 5) الأعراف - 20.

(6 - 7) الأعراف - 21، 22.

الصفحة 216
فأكلا منها ثقة بيمينه بالله، وكان ذلك من آدم قبل النبوة، ولم يكن ذلك بذنب كبير استحق دخول النار، وإنما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم، فلما اجتباه الله تعالى وجعله نبيا كان معصوما لا يذنب صغيرة ولا كبيرة. قال الله تعالى: (وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى) وقال عز وجل: (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) (1).

قال المصنف (ره): لعل الرضا صلوات الله عليه أراد (بالصغائر الموهوبة):

ترك المندوب وارتكاب المكروه من الفعل، دون الفعل القبيح الصغير بالإضافة إلى ما هو أعظم منه، لاقتضاء أدلة العقول والأثر المنقول لذلك، ورجعنا إلى سياق الحديث.

ثم قال المأمون: فما معنى قول الله عز وجل: (فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما) (2).

فقال الرضا عليه السلام: أن حوا ولدت خمسمائة بطن، في كل بطن ذكر وأنثى وأن آدم وحوا عاهدا الله ودعواه قالا: (لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين) (3) فلما آتاهما صالحين من النسل، خلقا سويا بريئا من الزمانة والعاهة، كان ما آتاهما صنفين: صنفا ذكرانا وصنفا إناثا، جعل الصنفان لله تعالى شركاء فيما آتاهما ولم يشكراه شكر أبويهما له عز وجل. قال الله تعالى: (فتعالى الله عما يشركون) (4).

فقال المأمون: أشهد أنك ابن رسول الله صلى الله عليه وآله حقا، فأخبرني عن قول الله عز وجل في إبراهيم: (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي؟) (5).

فقال الرضا عليه السلام: أن إبراهيم وقع على ثلاثة أصناف: صنف يعبد (الزهرة)، وصنف يعبد (القمر)، وصنف يعبد (الشمس) ذلك حين خرج من

____________

(1) آل عمران - 33.

(2 - 3) الأعراف - 189، 188.

(4) الأعراف - 189.

(5) الأنعام - 76.


الصفحة 217
من السرب الذي أخفى فيه.

فلما جن عليه الليل رأى (الزهرة) قال: (هذا ربي؟!) على الانكار والاستخبار. (فلما أفل (الكوكب) قال لا أحب الآفلين) (1) لأن الأفول من صفات المحدث ولا من صفات القديم.

(فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي؟!) (2) على الانكار والاستخبار.

(فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين) (3) يقول: لو لم يهدني ربي لكنت من القوم الضالين.

(فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر) (4) من الزهر والقمر؟!

على الانكار والاستخبار، لا على سبيل الإخبار والإقرار.

(فلما أفلت قال - للأصناف الثلاثة من: عبدة الزهرة، والقمر، والشمس - يا قوم إني برئ مما تشركون * إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين) (5) فإنما أراد إبراهيم عليه السلام بما قال: أن يبين لهم بطلان دينهم، ويثبت عندهم: أن العبادة لا تحق لمن كان بصفة الزهرة والقمر والشمس، وإنما تحق العبادة لخالقها خالق السماوات والأرض. وكان مما احتج به على قومه مما ألهمه الله عز وجل وآتاه، كما قال الله عز وجل: (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه) (6).

فقال المأمون: لله درك يا بن رسول الله! فأخبرني عن قول إبراهيم: (رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) (7).

قال الرضا عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى كان أوحى إلى إبراهيم عليه السلام: (إني متخذ من عبادي خليلا إن سألني إحياء الموتى أحييت له) فوقع في نفس إبراهيم أنه ذلك الخليل فقال: (ربي أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن

____________

(1) الأنعام - 86.

(2 - 3) الأنعام - 77.

(4 - 5) الأنعام - 78 - 79.

(6) الأنعام - 83.

(7) البقرة - 260.

الصفحة 218
ليطمئن قلبي) على الخلة: (قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله على كل شئ قدير) (1) فأخذ إبراهيم نسرا وبطا وطاووسا وديكا، فقطعهن وخلطهن ثم جعل على كل جبل من الجبال التي حوله - وكانت عشرة - منهن جزءا، وجعل مناقيرهن بين أصابعه، ثم دعاهن بأسمائهن، ووضع عنده حبا وماء، فتطايرت تلك الأجزاء بعضها إلى بعض حتى استوت الأبدان، وجاء كل بدن حتى انضم إلى رقبته ورأسه فخلى إبراهيم عليه السلام عن مناقيرهن، فطرن ثم وقعن فشربن من ذلك الماء والتقطن من ذلك الحب؟

وقلن: يا نبي الله أحييتنا أحياك الله!

فقال إبراهيم: (بل الله يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير).

فقال المأمون: بارك الله فيك يا أبا الحسن! فأخبرني عن قول الله:

(فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان) (2).

قال الرضا عليه السلام: إن موسى دخل مدينة من مدائن فرعون على حين غفلة من أهلها - وذلك بين المغرب والعشاء - (فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى) فقضى موسى على العدو بحكم الله تعالى ذكره فمات. قال: (هذا من عمل الشيطان) (3) يعني الاقتتال الذي وقع بين الرجلين، لا ما فعله موسى من قتله إياه (أنه - يعني:

الشيطان - عدو مضل مبين) (4).

قال المأمون فما معنى قول موسى: (رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي) (5)؟

قال: يقول: إني وضعت نفسي غير موضعها، بدخولي هذه المدينة، فاغفر لي أي: استرني من أعدائك. لئلا يظفروا بي فيقتلوني (فغفر له) (6) أي:

ستره من عدوه، (إنه هو الغفور الرحيم) (7) قال: (ربي بما أنعمت علي) (8)

____________

(1) البقرة - 260.

(2 - 3 - 4) القصص - 15.

(5 - 6 - 7) القصص 16.

(8) القصص - 17.

الصفحة 219
من القوة حتى قتلت رجلا بوكزة، (فلن أكون ظهيرا للمجرمين) (1) بل أجاهد في سبيلك بهذه القوة حتى ترضى. (فأصبح موسى في المدينة خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوي مبين) (2) قاتلت رجلا بالأمس، وتقاتل هذا اليوم لأؤدبنك، فلما أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما ظن الذي هو من شيعته أنه يريده (قال: - يا موسى - أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين) (3).

قال المأمون: جزاك الله عن أنبيائه خيرا يا أبا الحسن! فما معنى قول موسى لفرعون: (فعلتها إذا وأنا من الضالين) (4)؟

قال الرضا عليه السلام: إن فرعون قال لموسى لما أتاه: (وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين) (5) (قال موسى فعلتها إذا وأنا من الضالين) عن الطريق بوقوعي إلى مدينة من مدائنك، (ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين) (6) وقد قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وآله: (ألم يجدك يتيما فآوى) (7) يقول: ألم يجدك وحيدا فآوى إليك الناس؟ (ووجدك ضالا) يعني:

عند قومك (فهدى) (8) أي: هداهم إلى معرفتك. (ووجدك عائلا فأغنى) (9) يقول: أغناك بأن جعل دعاءك مستجابا.

قال المأمون: بارك الله فيك يا بن رسول الله! فما معنى قول الله: (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني) الآية (10) كيف يكون كليم الله موسى بن عمران لا يعلم أن الله تعالى ذكره لا يجوز

____________

(1) القصص - 17.

(2) القصص - 18.

(3) القصص - 19.

(4) الشعراء - 20.

(5) الشعراء - 18.

(6) الشعراء - 21.

(7) الضحى - 6.

(8) الضحى - 8.

(9) الضحى - 8.

(10) الأعراف - 142.

الصفحة 220
عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال؟!

فقال الرضا عليه السلام: إن كليم الله موسى بن عمران علم أن الله جل عن أن يرى بالأبصار، ولكنه لما كلمه الله تعالى وقربه نجيا، رجع إلى قومه فأخبرهم:

أن الله عز وجل كلمه وقربه، فقالوا: لن نؤمن لك حتى نسمع كلامه كما سمعت، وكان القوم سبعمائة ألف رجل، فاختار منهم سبعين ألفا، ثم اختار منهم سبعة آلاف، ثم اختار منهم سبعمائة، ثم اختار منهم سبعين رجلا لميقات ربه، فخرج بهم إلى طور سيناء، فأقامهم في سفح الجبل وصعد موسى إلى الطور، وسأل الله عز وجل أن يكلمه ويسمعهم كلامه، فكلمه الله تعالى: وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال، ووراء وأمام، لأن الله عز وجل أحدثه في الشجرة، ثم جعله منبعثا منها حتى سمعوه من جميع الوجوه. فقالوا: لن نؤمن لك بأن هذا الذي سمعناه كلام الله حتى نرى الله جهرة، فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا، بعث الله عليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا.

فقال موسى: يا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا: إنك ذهبت بهم فقتلتهم لأنك لم تكن صادقا فيما ادعيت من مناجات الله إياك؟

فأحياهم الله وبعثهم معه، فقالوا: إنك لو سألت الله أن يريك تنظر إليه لأجابك، وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته.

فقال موسى: يا قوم! إن الله لا يرى بالأبصار ولا كيفية له، وإنما يعرف بآياته ويعلم بعلاماته.

فقالوا: لن نؤمن لك حتى تسأله.

فقال موسى: رب إنك قد سمعت مقالة بني إسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم، فأوحى الله جل جلاله إليه يا موسى سلني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم، فعند ذلك قال موسى: (رب أرني أنظر إليك) (قال لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه - وهو يهوى - فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل - بآية من

الصفحة 221
آياته - جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك) يقول:

رجعت إلى معرفتي بك؟ عن جهل قومي، (وأنا أول المؤمنين) منهم بأنك لا ترى.

فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن! فأخبرني عن قول الله عز وجل:

ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) (1)؟

فقال الرضا عليه السلام همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها كما همت به لكنه كان معصوما والمعصوم لا يهم بذنب ولا يأتيه، ولقد حدثني أبي عن أبيه الصادق أنه قال: همت بأن تفعل وهم بأن لا يفعل.

فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن! فأخبرني عن قول الله عز وجل:

(وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه. الآية) (2)؟

فقال الرضا عليه السلام: ذلك يونس بن متى، ذهب مغاضبا لقومه، فظن بمعنى:

استيقن أن لن نقدر عليه، أي: نضيق عليه رزقه، ومنه قوله عز وجل: (وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه) (3) أي: ضيق وقتر، (فنادى في الظلمات) ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، (أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) بتركي العبادة التي قد قرت عيني بها في بطن الحوت. فاستجاب الله له. وقال عز وجل: (فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون) (4).

فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن! أخبرني عن قول الله عز وجل:

(حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا)؟ (5).

قال الرضا عليه السلام: يقول الله: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا، جاء الرسل نصرنا.

فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن! فأخبرني عن قول الله: (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر)؟ (6).

____________

(1) يوسف - 24.

(2) الأنبياء - 87.

(3) الفجر - 16.

(4) الصافات - 144.

(5) يوسف - 110.

(6) الفتح - 1.

الصفحة 222
قال الرضا عليه السلام: لم يكن أحد عند مشركي أهل مكة أعظم ذنبا من رسول الله صلى الله عليه وآله، لأنهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وستين صنما، فلما جاءهم بالدعوة إلى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم وعظم، وقالوا: (أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشئ عجاب * فانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشئ يراد * ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق) (1) فلما فتح الله عز وجل على نبيه مكة قال له: يا محمد (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر) (2) عند مشركي أهل مكة بدعائك إياهم إلى توحيد الله فيما تقدم وما تأخر، لأن مشركي مكة أسلم بعضهم وخرج بعضهم عن مكة، ومن بقي منهم لا يقدر على إنكار التوحيد عليه إذا دعى الناس إليه، فصار ذنبه عندهم مغفورا بظهوره عليهم.

فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن! فأخبرني عن قول الله عز وجل:

(عفا الله عنك لم أذنت لهم) (3).

فقال الرضا عليه السلام: هذا مما نزل (بإياك أعني واسمعي يا جارة) خاطب الله بذلك نبيه صلى الله عليه وآله وأراد به أمته، وكذلك قوله تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) (4) وقوله عز وجل: (ولو لا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا) (5).

قال المأمون: صدقت يا بن رسول الله! فأخبرني عن قول الله عز وجل:

(وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) (6).

قال الرضا عليه السلام: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قصد دار زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي في أمر أراده، فرأى امرأته تغتسل فقال لها: (سبحان الذي خلقك) وإنما

____________

(1) ص - 5 و 6 و 7

(2) الفتح 1.

(3) التوبة - 44.

(4) الزمر - 65.

(5) الأسرى - 74.

(6) الأحزاب - 37

الصفحة 223
أراد بذلك تنزيه الله عن قول من زعم: أن الملائكة بنات الله، فقال الله عز وجل:

(أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما) (1) فقال النبي صلى الله عليه وآله لما رآها تغتسل: (سبحان الذي خلقك) أن يتخذ ولدا يحتاج إلى هذا التطهير والاغتسال، فلما عاد زيد إلى منزله أخبرته امرأته بمجئ رسول الله صلى الله عليه وآله، وقوله لها سبحان الذي خلقك، فلم يعلم زيد ما أراد بذلك وظن أنه قال ذلك لما أعجبه من حسنها، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله إن امرأتي في خلقها سوء، وإني أريد طلاقها.

فقال له النبي: (أمسك عليك زوجك واتق الله) وقد كان الله عرفه عدد أزواجه وأن تلك المرأة منهن، فأخفى ذلك في نفسه ولم يبده لزيد، وخشى الناس أن يقولوا: أن محمدا يقول لمولاه أن امرأتك ستكون لي زوجة، فيعيبوه بذلك، فأنزل الله عز وجل: (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه) يعني: بالإسلام (وأنعمت عليه) يعني: بالعتق (أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) (2) ثم إن زيد بن حارثة طلقها واعتدت منه فزوجها الله عز وجل من نبيه محمد صلى الله عليه وآله، وأنزل بذلك قرآنا فقال عز وجل:

(فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا) (3) ثم علم عز وجل أن المنافقين سيعيبوه بتزويجها فأنزل الله: (ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له) (4).

فقال المأمون: لقد شفيت صدري يا بن رسول الله، وأوضحت لي ما كان ملتبسا فجزاك الله عن أنبيائه وعن الإسلام خيرا.

قال علي بن الجهم: فقام المأمون إلى الصلاة، وأخذ بيد محمد بن جعفر

____________

(1) الأسرى - 40. (2 3) الأحزاب - 38.

(4) الأحزاب - 38.

الصفحة 224
ابن محمد - وكان حاضر المجلس - وتبعتهما فقال له المأمون: كيف رأيت ابن أخيك؟

فقال: عالم. ولم نره يختلف إلى أحد من أهل العلم.

فقال المأمون: إن ابن أخيك من أهل بيت النبوة الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وآله:

(ألا إن أبرار عترتي، وأطايب أرومتي، أحلم الناس صغارا، وأعلم الناس كبارا فلا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، لا يخرجونكم من باب هدى ولا يدخلونكم في باب ضلالة).

وانصرف الرضا عليه السلام إلى منزله، فلما كان من الغد غدوت إليه، وأعلمته ما كان من قول المأمون وجواب عمه محمد بن جعفر له، فضحك الرضا عليه السلام ثم قال:

يا بن الجهم لا يغرنك ما سمعته منه، فإنه سيغتالني والله ينتقم لي منه.

إحتجاجه صلوات الله عليه فيما يتعلق بالإمامة وصفات من خصه الله تعالى بها وبيان الطريق إلى من كان عليها وذم من يجوز اختيار الإمام ولؤم من غلا فيه وأمر الشيعة بالتورية والتقية عند الحاجة إليهما وحسن التأدب.

أبو يعقوب البغدادي (1) قال: إن ابن السكيت (2) قال - لأبي الحسن الرضا عليه السلام -:

____________

(1) قال المامقاني في رجاله ج 3 ص 29: أبو يعقوب البغدادي روى في كتاب العقل والجهل من الكافي عن أحمد بن محمد السياري عنه ولم أقف على اسمه وحاله.

(2) قال الشيخ عباس القمي في ج 7 من الكنى والألقاب ص 303: ابن السكيت - بكسر - السين وتشديد الكاف - أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الدورقي. الأهوازي الإمامي النحوي اللغوي الأديب: ذكره كثير من المؤرخين وأثنوا عليه، وكان ثقة جليلا من عظماء الشيعة. وبعد من خواص الإمامين التقيين (ع) وكان حامل لواء علم العربية والأدب والشعر واللغة والنحو، وله تصانيف كثيرة مفيدة منها: (تهذيب الألفاظ) وكتاب: (إصلاح المنطق) قال ابن خلكان: قال بعض العلماء: ما عبر على جسر بغداد كتاب من اللغة مثل إصلاح المنطق ولا شك أنه من الكتب النافعة

=>


الصفحة 225
لماذا بعث الله موسى بن عمران بيده البيضاء، وبآية السحر، وبعث عيسى بآية الطلب، وبعث محمدا صلى الله عليه وآله بالكلام والخطب؟

فقال له أبو الحسن عليه السلام: أن الله لما بعث موسى عليه السلام كان الغالب على أهل عصره السحر فأتاهم من عند الله بما لم يكن في وسع القوم مثله، وبما أبطل به سحرهم، وأثبت به الحجة عليهم.

وأن الله بعث عيسى عليه السلام في وقت قد ظهرت فيه الزمانات، واحتاج الناس إلى الطلب، فأتاهم من عند الله بما لم يكن عندهم مثله، وبما أحيا لهم الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله، وأثبت به الحجة عليهم.

وأن الله بعث محمدا صلى الله عليه وآله في وقت كان الأغلب على أهل عصره الخطب والكلام - وأظنه قال والشعر - فأتاهم من عند الله من مواعظه وأحكامه ما أبطل به قولهم وأثبت به الحجة عليهم.

قال: فما زال ابن السكيت يقول له: والله ما رأيت مثلك قط! فما الحجة على الخلق اليوم؟

فقال عليه السلام العقل يعرف به الصادق على الله فيصدقه، والكاذب على الله فيكذبه.

فقال ابن السكيت: هذا والله هو الجواب، قد ضمن الرضا عليه السلام في كلامه هذا أن العالم لا يخلو في زمان التكليف من صادق من قبل يلتجئ المكلف إليه فيما اشتبه عليه من أمر الشريعة، صاحب دلالة تدل على صدقه عليه تعالى، يتوصل المكلف إلى معرفته بالعقل، ولولاه لما عرف الصادق من الكاذب، فهو حجة الله تعالى

____________

<=

الممتعة الجامعة لكثير من اللغة ولا نعرف في حجمه مثله في بابه، وقد عنى به جماعة واختصره الوزير المغربي وهذبه الخطيب التبريزي.. قتله المتوكل في خامس رجب سنة 244 وسببه أن المتوكل قال له يوما: أيما أحب إليك ابناي هذان أي: (المعتز والمؤيد) أم (الحسن والحسين) فقال ابن السكيت والله أن قنبرا خادم علي بن أبي طالب (ع) خير منك ومن ابنيك فقال المتوكل للأتراك سلوا لسانه من قفاه ففعلوا فمات.

الصفحة 226
على الخلق أولا.

وعن القسم بن مسلم (1) عن أخيه عبد العزيز بن مسلم (2) قال:

كنا في أيام علي بن موسى الرضا عليه السلام بمرو، فاجتمعنا في جامعها في يوم جمعة في بدو قدومنا، فأدار الناس أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها فدخلت على سيدي ومولاي الرضا عليه السلام فأعلمته ما خاض الناس فيه، فتبسم ثم قال:

يا عبد العزيز جهل القوم وخدعوا عن أديانهم، إن الله تبارك وتعالى لم يقبض نبيه صلى الله عليه وآله حتى أكمل له الدين، وأنزل عليه القرآن فيه تفصيل كل شئ، بين فيه الحلال والحرام، والحدود والأحكام، وجميع ما يحتاج إليه كملا.

فقال عز وجل: (ما فرطنا في الكتاب من شئ) (3) وأنزل في حجة الوداع وهو آخر عمره: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) (4) فأمر الإمامة من تمام الدين، ولم يمض صلى الله عليه وآله حتى بين لأمته معالم دينه وأوضح لهم سبيله، وتركهم على قصد الحق، وأقام لهم عليا عليه السلام علما وإماما وما ترك شيئا يحتاج إليه الأمة إلا بينه، فمن زعم أن الله عز وجل لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله عز وجل، ومن رد كتاب الله فهو كافر. هل تعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم. إن الإمامة أجل قدرا وأعظم شأنا وأعلى مكانا وأمنع جانبا وأبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالونها بآرائهم، فيقيموها باختيارهم. إن الإمامة خص الله عز وجل بها إبراهيم الخليل بعد النبوة والخلة، مرتبة ثالثة وفضيلة شرفه الله بها، فأشاد بها ذكره فقال عز وجل:

(إني جاعلك للناس إماما)) (5) فقال الخليل - سرورا بها -: (ومن ذريتي) (6) قال الله عز وجل: (لا ينال عهدي الظالمين) (7) فأبطلت هذه الآية إمامة كل

____________

(1) القسم بن مسلم: مجهول.

(2) عبد العزيز بن مسلم: ذكره الشيخ في أصحابه الرضا عليه السلام ص 383 من رجاله.

(3) الأنعام - 38

(4) المائدة - 4.

(5 - 6 - 7) البقرة 124.

الصفحة 227
ظالم إلى يوم القيامة، وصارت في الصفوة، ثم أكرمه الله عز وجل بأن جعل في ذريته أهل الصفوة والطهارة، فقال تعالى: (ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين * وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين) (1) فلم: تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا، حتى ورثها النبي صلى الله عليه وآله فقال الله عز وجل: (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) (2) فكانت له خاصة، فقلدها النبي صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام بأمر الله على رسم ما فرض الله، فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والإيمان بقوله عز وجل: (وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث) (3) فهي في ولد علي عليه السلام خاصة إلى يوم القيامة إذ لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وآله، فمن أين يختار هؤلاء الجهال؟

إن الإمامة منزلة الأنبياء وإرث الأوصياء.

إن الإمامة خلافة الله عز وجل، وخلافة الرسول، ومقام أمير المؤمنين، وميراث الحسن والحسين.

إن الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا وعز المؤمنين.

إن الإمامة رأس الإسلام النامي، وفرعه السامي.

بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام، والحج والجهاد، وتوفير الفئ والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام، ومنع الثغور والأطراف.

الإمام يحل حلال الله، ويحرم حرام الله، ويقيم حدود الله، ويذب عن دين الله، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة البالغة.

الإمام كالشمس الطالعة للعالم وهي في الأفق، بحيث لا تناله الأيدي والأبصار.

الإمام: البدر المنير، والسراج الزاهر، والنور الساطع، والنجم الهادي في غياهب الدجى والبيداء القفار ولجج البحار.

____________

(1) الأنبياء - 72 و 73

(2) آل عمران - 68.

(3) الروم - 56.

الصفحة 228
الإمام: الماء العذب على الظلماء، والدال على الهدى، والمنجي من الردى.

الإمام: النار على البقاع الحارة لمن اصطلى، والدليل على المسالك، من فارقه فهالك.

الإمام: السحاب الماطر، والغيث الهاطل، والشمس المضيئة، والأرض البسيطة والعين الغزيرة، والغدير والروضة.

الإمام: الأمين الرفيق، والوالد الشفيق، والأخ الشقيق، ومفزع العباد في الداهية.

الإمام: أمين الله في أرضه، وحجته على عباده، وخليفته في بلاده، الداعي إلى الله، والذاب عن حريم الله.

الإمام: المطهر من الذنوب، المبرأ من العيوب، مخصوص بالعلم، موسوم.

بالحلم، نظام الدين، وعز المسلمين، وغيظ المارقين، وبوار الكافرين.

الإمام: واحد دهره، لا يدانيه أحد، ولا يعادله عدل، ولا يوجد له بديل ولا له مثيل ولا نظير، مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه ولا اكتساب، بل اختصاص من المتفضل الوهاب فمن ذا يبلغ معرفة الإمام ويمكنه اختياره؟ هيهات هيهات!

ضلت العقول، وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وحسرت العيون، وتصاغرت العظماء وتحيرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء، وحصرت الخطباء، وجهلت الألباب وكلت الشعراء، وعجزت الأدباء، وعيت البلغاء، عن وصف شأن من شأنه، أو فضيلة من فضائله فأقرت بالعجز والتقصير، وكيف يوصف أو ينعت بكنهه، أو يفهم شئ من أمره، أو يوجد من يقوم مقامه، ويغني غناه، لا وكيف وأنى وهو بحيث النجم من أيدي المتناولين، ووصف الواصفين! فأين الاختيار من هذا، وأين العقول عن هذا، وأين يوجد مثل هذا، ظنوا أن دخل يوجد في غير آل رسول الله صلى الله عليه وآله؟

كذبتهم والله أنفسهم ومنتهم الباطل، فارتقوا مرتقا صعبا دحضا تزل عنه إلى الحضيض أقدامهم، راموا إقامة الإمام بعقول حائرة بائرة ناقصة، وآراء مضلة، فلم يزدادوا منه إلا بعدا.


الصفحة 229
قاتلهم الله أنى يؤفكون! لقد راموا صعبا، وقالوا إفكا، وضلوا ضلالا بعيدا ووقعوا في الحيرة، إذ تركوا الإمام من غير بصيرة، وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل، وكانوا مستبصرين، رغبوا عن اختيار الله واختيار رسوله، إلى اختيارهم والقرآن يناديهم: (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون) (1) وقال عز وجل: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) (2) وقال عز وجل:

(وما لكم كيف تحكمون * أم لكم كتاب فيه تدرسون * أن لكم فيه لما تخيرون * أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة أن لكم لما تحكمون * سلهم أيهم بذلك زعيم * أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين) (3) وقال عز وجل:

(أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) (4) (أم طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون (5) (قالوا سمعنا وهم لا يسمعون * إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون) (6) (وقالوا سمعنا وعصينا بل هو فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) (7).

فكيف لهم باختيار الإمام؟! والإمام عالم لا يجهل، راع لا ينكل، معدن القدس والطهارة، والنسك والزهادة، والعلم والعبادة، ومخصوص بدعوة الرسول وهم نسل مطهرة البتول، لا مغمز فيه في نسب، ولا يدانيه ذو حسب، في البيت من قريش، والذروة من هاشم، والعترة من آل الرسول، والرضا من الله، شرف الأشراف، والفرع من عبد مناف، نامي العلم، كامل الحلم، مضطلع بالإمامة عالم بالسياسة، مفروض الطاعة، قائم بأمر الله، ناصح لعباد الله، حافظ لدين الله.

إن الأنبياء والأئمة يوفقهم الله، ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ما

____________

(1) القصص - 68.

(2) الأحزاب - 36.

(3) القلم - 36 إلى 41.

(4) محمد - 24.

(5) التوبة - 87.

(6) الأنفال - 21 و 22 و 23.

(7) البقرة - 93.

الصفحة 230
لا يؤتيه غيرهم، فيكون علمهم فوق علم أهل زمانهم في قوله عز وجل: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) (1) وقوله عز وجل: (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) (2) وقوله عز وجل - في طالوت -: (إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم) (3) وقال عز وجل لنبيه: (وكان فضل الله عليك عظيما) (4) وقال عز وجل - في الأئمة من أهل بيته وعترته -: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا) (5).

وأن العبد إذا اختاره الله لأمور عباده شرح صدره لذلك، وأودع قلبه ينابيع الحكمة، وألهمه العلم إلهاما، فلم يعي بعده الجواب، ولا يحير فيه عن الصواب وهو معصوم مؤيد، موفق مسدد، قد أمن الخطايا والزلل والعثار، فخصه الله بذلك ليكون حجته على عباده، وشاهده على خلقه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، فهل يقدرون على مثل هذا، فيختاروه أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدموه، تعدوا وبيت الله الحق، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، وفي كتاب الله: (فنبذوه وراء ظهورهم واتبعوا أهواءهم) (6) فذمهم الله ومقتهم أنفسهم فقال عز وجل: (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين) (7) وقال عز وجل: (فتعسا لهم وأضل أعمالهم) (8) وقال عز وجل: (كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار) (9).

وروي عن الحسن بن علي بن فضال عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام:

____________

(1) يونس - 35.

(2) البقرة - 269.

(3) البقرة - 247.

(4) النساء - 102.

(5) النساء - 54.

(6) آل عمران - 187.

(7) القصص - 50.

(8) محمد - 8.

(9) المؤمن - 35.

الصفحة 231
أنه قال: للإمام علامات: يكون أعلم الناس، وأحكم الناس، وأتقى الناس، وأشجع الناس، وأسخى الناس، وأعبد الناس، ويولد مختونا، ويكون مطهرا ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه، ولا يكون له ظل، وإذا وقع إلى الأرض من بطن أمه وقع على راحتيه رافعا صوته بالشهادتين، ولا يحتلم، ولا ينام عينه ولا ينام قلبه، ويكون محدثا ويستوي عليه درع رسول الله صلى الله عليه وآله، ولا يرى له بول ولا غائط، لأن الله قد وكل الأرض بابتلاع ما يخرج منه، وتكون رائحته أطيب من رائحة المسك، ويكون أولى الناس منهم بأنفسهم، وأشفق عليهم من آبائهم وأمهاتهم، ويكون أشد الناس تواضعا لله عز وجل، ويكون آخذ الناس بما يأمر به وأكف الناس عما ينهى عنه، ويكون دعاؤه مستجابا، حتى أنه لو دعى على صخرة لانشقت بنصفين، أو يكون عنده سلاح رسول الله وسيفه ذو الفقار، وتكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعته إلى يوم القيامة، وصحيفة فيها أسماء أعدائه إلى يوم القيامة ويكون عنده الجامعة، وهي صحيفة فيها سبعون ذراعا، فيها جميع ما يحتاج إليه ولد آدم، ويكون عنده الجفر الأكبر والأصغر، وهو إهاب كبش فيها جميع العلوم حتى أرش الخدش، حتى الجلدة ونصف الجلدة وثلث الجلدة، ويكون عنده مصحف فاطمة عليها السلام.

وروى خالد بن الهيثم الفارسي (1) قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: إن الناس يزعمون: أن في الأرض أبدالا فمن هؤلاء الأبدال؟

قال: صدقوا، الأبدال هم: الأوصياء، جعلهم الله في الأرض بدل الأنبياء إذا رفع الأنبياء وختم بمحمد صلى الله عليه وآله.

وقد روي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام: من ذم الغلاة والمفوضة وتكفيرهم وتضليلهم والبراءة منهم وممن والاهم، وذكر علة ما دعاهم إلى ذلك الإعتقاد الفاسد الباطل، ما قد تقدم ذكر طرف منه في هذا الكتاب.

وكذلك روي عن آبائه وأبنائه عليهم السلام، في حقهم والأمر بلعنهم، والبراءة منهم، وإشاعة

____________

(1) مجهول.