المناظرة التاسعة عشرة

(مناظرة الحسن البصري(1) مع الحجاج)

قال عامر الشعبي: قَدِمنا على الحجاج البصرة، وقَدِم عليه قرّاء أهل المدينة، فدخلنا عليه في يوم صائف شديد الحر، فقال للحسن: مرحبا بأبي سعيد، إليّ ـ وذكر كلاما ـ ثم ذكر الحجّاج عليّا ـ عليه السلام ـ‍ فنال منه، وقلنا قولاً مقاربا له فرقاً من شره، والحسن ساكت عاض على إبهامه، فقال: يا أبا سعيد مالي أراك ساكتا ؟ فقال: ما عسيت أن أقول.

قال: أخبرني برأيك في أبي تراب ؟

قال: أفي علي ؟ سمعت الله يقول: (وما جَعلنا القِبلَة الّتي كَنتَ عليها إلاّ لنعلم مَنْ يتبع الرّسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الّذين هدى الله)(1) فعليّ ممن هدى الله، ومن أهل الايمان.

وأقول: إنه ابن عم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وخِتنه على ابنته، وأحب الناس إليه(3) ، وصاحب سوابق مباركات سبقت له من الله، لا تستطيع أنت ولا أحد من الناس أن يحصرها عنه، ولا يحول بينها وبينه.

ونقول: إنه إن كانت لعلي ذنوب فالله حسيبه والله ما أجد قولاً أعَدَل فيه من هذا القول.

قال الشعبي: فبسر الحجاج وجهه، وقام عن السرير مغضبا، وخرجنا(4) .

____________

(1) هو: الحسن بن أبي الحسن يسار، أبو سعيد، ولد قبل مقتل عمر بعامين في المدينة، كانت امه مولاة لام سلمة زوج رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ عاصر كبار الصحابة وروى عن عدد منهم، وكان من الرؤوس في التابعين، مات سنة 110 هـ.

راجع ترجمته في: التاريخ الكبير للبخاري ج 2 ص 289، حلية الاولياء ج 2 ص 131، طبقات ابن سعد ج 7 ص 156، سير اعلام النبلاء ج 4 ص 563، تهذيب الكمال ج 6 ص 95.

(2) سورة البقرة: الاية 143.

(3) جاء في كنز العمال ج 11 ص 334 ح 31670، والرياض النضرة ج 2 ص 211، والمناقب لابن المغازلي ص 219، عن النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال: علي أحب خلق الله إلى الله ورسوله.

(4) انساب الاشراف للبلاذري ج 2 ص 147 ح 148.