المناظرة السابعة والثلاثون
(مناظرة علي بن ميثم مع بعضهم)
قيل لعلي بن ميثم: لِمَ قعد عليّ ـ عليه السلام ـ عن قتالهم ؟
قال: كما قعد هارون عن السامري وقد عبدوا العجل.
قيل: أفكان ضعيفاً ؟
قال: كان كهارون حيث يقول: (ابن أم إن القوم استضعفوني)(1) ، وكنوح إذ قال: (أني مغلوب فانتصر)(2) ، وكلوط إذ قال: (لو أن لي بكم قوّة أو آوى إلى ركن شديد)(3) ، وكموسى وهارون إذ قال موسى: (ربِّ إني لا أملك إلاّ نفسي وأخي)(4) .
وهذا المعنى قد أخذه من قول أمير المؤمنين لمّا اتصل به الخبر أنه لم ينازع الاولين.
فقال ـ عليه السلام ـ: لي بستة من الانبياء أسوة:
اولهم خليل الرحمن إذ قال: (وأعتزلكم وما تدّعون من دون الله)(5) .
فإن قلتم: إنه اعتزلهم من غير مكروه فقد كفرتم، وإن قلتم: إنه اعتزلهم لمّا رأى المكروه منهم، فالوصي أعذر.
وبلوط إذ قال: (لو أن لي بكم قوّة أو آوى إلى ركنٍ شديد)(6) .
فإن قلتم: إن لوطا كانت له بهم قوة، فقد كفرتم، وإن قلتم: لم يكن له بهم قوة، فالوصي أعذر.
وبيوسف إذ قال: (ربِّ السجن أحَبُ إليّ ممايدعونني إليه)(7) .
فإن قلتم: طالب بالسجن بغير مكروه يسخط الله فقد كفرتم، وإن قلتم: إنه دعي إلى ما يسخط الله، فالوصيّ أعذر.
وبموسى إذ قال: (فررت منكم لمّا خفتكم)(8) .
فإن قلتم: إنه فرّ من غير خوف فقد كفرتم، وإن قلتم: فر منهم لسوء أرادوه به، فالوصيّ أعذر.
وبهارون إذ قال لاخيه: (ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلوننى)(9) .
فإن قلتم: لم يستضعفوه ولم يشرفوا على قتله فقد كفرتم، وإن قلتم: استضعفوه وأشرفوا على قتله فلذلك سكت عنهم، فالوصي أعذر.
وبمحمد إذ هرب إلى الغار وخلّفني على فراشه ووهبت مهجتي لله.
فان قلتم: إنه هرب من غير خوف أخافوه فقد كفرتم، وإن قلتم: إنهم أخافوه فلم يسعه إلاّ الهرب إلى الغار، فالوصيّ أعذر.
فقال الناس: صدقت يا أمير المؤمنين(10) .
____________
(1) سورة الاعراف: الاية 150.
(2) سورة القمر: الاية 10.
(3) سورة هود: الاية 80.
(4) سورة المائدة: الاية 25.
(5) سورة مريم: الاية 48.
(6) سورة هود: الاية 80.
(7) سورة يوسف: الاية 33.
(8) سورة الشعراء: الاية 21.
(9) سورة الاعراف: الاية 150.
(10) المناقب لابن شهر اشوب ج1 ص270.