المناظرة الخمسون
(مناظرة المفيد (ره) مع شيخ من المعتزلة)
وذكرت بحضرة الشيخ أبي عبدالله ـ أدام الله عزه ـ ما ذكره أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي ـ رحمه الله ـ في كتاب (الانصاف) حيث ذكر أن شيخا من المعتزلة أنكر أن تكون العرب تعرف المولى سيدا وإماما، قال: فأنشدته قول الاخطل(1) :
فما وجدت فيها قريش لامرهــا | أعف وأولى مـن أبيـك وأمجـدا |
وأورى بزنديه ولو كان غيــره | بغداة اختلاف الناس أكدى وأصلدا |
فأصبحت مولاها من الناس كلهم | وأحرى قريش أن تهاب وتحمـدا |
فقال لي الشيخ أبو عبد الله ـ أدام الله عزه ـ: قد قال لي أيضا شيخ من المعتزلة: إن الذي تدعونه من النص الجلي على أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ شيء حادث، ولم يك معروفا عند متقدمي الشيعة ولا اعتمده أحد منهم وإنما بدأ به وادعاه ابن الراوندي في كتابه في الامامة، وناضل عليه ولم يسبقه إليه أحد، ولو كان معروفا فيما سلف لما أخلّ السيد إسماعيل بن محمد(2) ـ رحمه الله ـ به في شعره ولا ترك ذكره في نظمه مع إغراقه في ذكر فضائل أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ ومناقبه حتى تعلق بشاذ الحديث وأورد من الفضائل ما لا نسمع به إلا منه، فما باله إن كنتم صادقين لم يذكر النص الجلي ولا اعتمده في شيء من مقاله وهو الاصل المعول عليه لو ثبت.
فقلت له: قد ذهب عنك أيها الشيخ مواضع مقاله في ذلك لعدولك عن العناية برواية شعر هذا الرجل، ولو كنت ممن صرف همته إلى تصفح قصائده لعرفت ما ذهب عليك من ذلك، وأسكنتك المعرفة به عن الاعتماد على ما اعتمدته من خلو شعره على ما وصفت في استدلالك بذلك، وقد قال السيد إسماعيل بن محمد ـ رحمه الله ـ في قصيدته الرائية التي يقول في أولها:
ألا الحمد للّه حمدا كثير | اوليّ المحامد ربا غفورا |
وفيهــم علـي وصي النبــي | بمحضرهم قـد دعـاه أميــرا |
وكان الخصيص به في الحيــاة | وصاهره واجتبـاه عشيـرا(3) |
____________
(1) هو أبو مالك غياث بن غوث التغلبي، من شعراء الدولة الاموية البارزين مات سنة 92 هـ.
(2) هو السيد الحميري، الشاعر الطائر الصيت المولود سنة 105 والمتوفى سنة 173 أو سنة 179. صاحب القصيدة المشهورة:
لام عمرو باللوى مربع | طامسة اعلامهـا بلقـع |
انظر ترجمته في تنقيح المقال للمامقاني ج1 ص142ـ144،سفينة البحارج1 ص335ـ337.
(3) ديوان السيد الحميري ص224، رقم القصيدة: 78 باختلاف في البيت الثاني والمذكور هكذا.
علي إمام وصيّ النبي بمحضره قد دعاه أميرا والبيت الاول قد ذكر في ص210 قصيدة رقم: 75، راجع: مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص56، أعيان الشيعة ج3 ص423.
(4) الفصول المختارة ص4 ـ 5.