ومن يعتريه الشيطان فلا يصلح للامامة !!
وأبو بكر قال في حقّه عمر: إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة، ووقى الله المسلمين شرّها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه(195) ، فتبيّن أنّ بيعته كانت خطأ على غير الصواب، وأنّ مثلها مما يجب المقاتلة عليها.
وأبو بكر تخلّف عن جيش أُسامة وولاّ ه عليه، ولم يولّ النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ على علي أحداً(196) .
وأبو بكر لم يولّه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عملاً في زمانه قطّ إلاّ سورة براءة، وحين ما خرج أمر الله تعالى رسوله بعزله وأعطاها عليّا(197) .
وأبو بكر لم يكن عالما بالاحكام الشرعية، حتى قطع يسار سارق، وأحرق بالنار الفجأة السلمي التيمي(198) ، وقد قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ: «لا يعذّب بالنار إلاّ ربّ النار»(199) .
ولما سئل عن الكلالة لم يعرف ما يقول فيها فقال: أقول برأيي فإن كان صوابا فمن الله، وإن كان خطأ فمن الشيطان.
وسألته جدّة عن ميراثها، فقال: لا أجد لك في كتاب الله شيئا ولا في سنّة محمد، ارجعي حتى أسأل فأخبره المغيرة بن شعبة أنّ النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أعطاها السدس وكان يستفتي الصحابة في كثير من الاحكام.
وأبو بكر لم ينكر على خالد بن الوليد في قتل مالك بن نويرة، ولا في تزويج امرأته ليلة قتله من غير عدّة(200) .
وأبو بكر بعث إلى بيت أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ لمّا امتنع من البيعة فأضرم فيه النار(201) وفيه فاطمة ـ عليها السلام ـ وجماعة من بني هاشم وغيرهم فأنكروا عليه.
وأبو بكر لمّا صعد المنبر جاء الحسن والحسين وجماعة من بني هاشم وغيرهم وأنكروا عليه وقال له الحسن والحسين ـ عليهما السلام ـ: هذا مقام جدّنا ولست أهلاً له(202) .
وأبو بكر لمّا حضرته الوفاة، قال: يا ليتني تركت بيت فاطمة لم أكشفه، وليتني كنت سألت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ: هل للانصار في هذا الامر حقّ ؟
وقال: ليتني في ظلّة بني ساعدة ضربت على يد أحد الرجلين، وكان هو الامير وأنا الوزير(203) .
وأبو بكر عندكم أنّه خالف رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ في الاستخلاف، لانّه استخلف عمر بن الخطّاب ولم يكن النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ولاّه قطّ عملاً إلاّ غزوة خيبر فرجع منهزما، وولاّ ه الصدقات فشكا العبّاس فعزله النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ، وأنكر الصحابة على أبي بكر تولية عمر حتى قال طلحة: ولّيت عمر فظّا غليظا.
وأمّا عمر، فإنّه أُتي إليه بامرأة زنت وهي حامل فأمر برجمها، فقال علي ـ عليه السلام ـ: إن كان لك عليها سبيل فليس لك على حملها من سبيل، فأمسك وقال: لو لا علي لهلك عمر(204) .
وعمر شكّ في موت النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وقال: ما مات محمد ولا يموت حتى تلا عليه أبو بكر الاية: (إنّك ميّت وإنّهم ميّتون)(205) فقال: صدقت، وقال: كأنّي لم أسمعها(206) .
وجاءوا إلى عمر بامرأة مجنونة قد زنت فأمر برجمها، فقال له علي ـ عليه السلام ـ: القلم مرفوع عن المجنون حتى يفيق، فأمسك، فقال: لو لا علي لهلك عمر(207) .
وقال في خطبة له: من غالى في مهر امرأته جعلته في بيت مال المسلمين، فقالت له امرأة: تمنعنا ما أحلّ الله لنا حيث يقول: (وآتيتم إحداهنّ قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مُبيناً)(208) فقال: كلّ الناس أفقه من عمر حتى المخدّرات في البيوت(209) .
وكان يعطي حفصة وعائشة كلّ واحدة منهما مائتي ألف درهم، وأخذ مائتي ألف درهم من بيت المال فأنكر عليه المسلمون فقال: أخذته على وجه القرض(210) .
ومنع الحسن والحسين ـ عليهما السلام ـ إرثهما من رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ومنعهما الخمس(211) .
وعمر قضى في الحدّ بسبعين قضية وفضَّل في العطاء والقسمة، ومنع المتعتين وقال: متعتان كانتا على عهد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ حلالتان وأنا محرّمهما، ومعاقب من فعلهما(212) .
وخالف النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وأبا بكر في النصّ وعدمه، وجعل الخلافة في ستّة نفر، ثمّ ناقض نفسه وجعلها في أربعة نفر، ثمّ في الثلاثة، ثمّ في واحد، فجعل إلى عبد الرحمن بن عوف الاختيار بعد أن وصفه بالضعف والقصور، ثمّ قال: إن اجتمع علي وعثمان فالقول ما قالا، وإن صاروا ثلاثة ثلاثة فالقول للذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، لعلمه أنّ عليا وعثمان لا يجتمعان على أمر، وأنّ عبد الرحمن بن عوف لا يعدل بالامر عن ابن أُخته وهو عثمان، ثمّ أمر بضرب عنق من تأخّر عن البيعة ثلاثة أيّام(213) .
وعمر أيضا مزّق الكتاب كتاب فاطمة ـ عليها السلام ـ، وهو أنّه لما طالت المنازعة بين فاطمة وأبي بكر، ردّ عليها فدك والعوالي، وكتب لها كتابا فخرجت والكتاب في يدها فلقيها عمر فسألها عن شأنها، فقصّت قصّتها، فأخذ منها الكتاب وخرَّقه(214) ، ودعت عليه فاطمة، فدخل على أبي بكر ولامه على ذلك، وانّفقا على منعها.
وأمّا عثمان بن عفّان فجعل الولايات بين أقاربه، فاستعمل الوليد أخاه لاُمّه على الكوفة، فشرب الخمر، وصلّى بالناس وهو سكران(215) ، فطرده أهل الكوفة، فظهر منه ما ظهر.
وأعطى الاموال العظيمة أزواج بناته الاربع، فأعطى كلّ واحد من أزواجهنّ مائة ألف مثقال من الذهب من بيت مال المسلمين، وأعطى مروان ألف ألف درهم من خمس افريقية(216) .
وعثمان حمى لنفسه عن المسلمين ومنعهم عنه(217) ، ووقع منه أشياء منكرة في حقّ الصحابة.
وضرب ابن مسعود(218) حتى مات وأحرق مصحفه، وكان ابن مسعود يطعن في عثمان ويكفّره.
وضرب عمّار بن ياسر صاحب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ حتى صار به فتق(219) .
واستحضر أبا ذرّ من الشام لهوى معاوية وضربه ونفاه إلى الربذة(220) ، مع أنّ النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ كان يقرّب هولا الثلاثة.
وعثمان أسقط القود ـ عن ابن عمر ـ لمَّا قتل النوار بعد الاسلام.
وأراد أن يسقط حدّ الشراب عن الوليد بن عتبة الفاسق، فاستوفى منه علي ـ عليه السلام ـ، وخذلته الصحابة حتى قتل ولم يدفن إلاّ بعد ثلاثة أيّام ودفنوه في حشّ كوكب.
وغاب عن المسلمين يوم بدر، ويوم أُحد، وعن بيعة الرضوان.
وهو كان السبب في أن معاوية حارب عليّا ـ عليه السلام ـ على الخلافة، ثمّ آل الامر إلى أن سبّ بنو أُميّة عليّا ـ عليه السلام ـ على المنبر، وسمّوا الحسن، وقتلوا الحسين، وشهّروا أولاد النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وذرّيته في البلاد يطاف بهم على المطايا(221) ، فآل الامر إلى الحجّاج حتى إنّه قتل من آل محمد اثني عشر ألفا وبنى كثيرا منهم في الحيطان وهم أحياء، وكلّ السبب في هذا أنّهم جعلوا الامامة بالاختيار والارادة، ولو أنّهم اتّبعوا النصّ في ذلك ولم يخالف عمر بن الخطّاب النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ في قوله: «آتوني بدواة وبيضاء لاكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعدي أبدا»(222) ، لما حصل الخلاف وهذا الضلال.
قال يوحنّا: يا علماء الدين هؤلاء الفرقة الذين يسمّون الرافضة هذا اعتقادهم الذي ذكرنا، وأنتم هذا اعتقادكم الذي قرّرناه، ودلائلهم هذه التي سمعتموها، ودلائلكم هذه التي نقلتموها.
فبالله عليكم أيّ الفريقين أحقّ بالامر إن كنتم تعلمون ؟
فقالوا بلسان واحد: والله إنّ الرافضة على الحقّ، وإنّهم المصدّقون على أقوالهم، لكن الامر جرى على ما جرى فإنّه لم يزل أصحاب الحقّ مقهورين، واشهد علينا يا يوحنا إنّا على موالاة آل محمد، ونتبرّأ من أعدائهم، إلاّ أنّا نستدعي منك أن تكتم علينا أمرنا لانّ الناس على دين ملوكهم.
قال يوحنّا: فقمت عنهم وأنا عارف بدليلي، واثق باعتقادي بيقين فللّه الحمد والمنّة، ومن يهد الله فهو المهتد.
فسطّرت هذه الرسالة لتكون هداية لمن طلب سبيل النجاة، فمن نظر فيها بعين الانصاف أرشد إلى الصواب، وكان بذلك مأجورا، ومن ختم على قلبه ولسانه فلا سبيل إلى هدايته كما قال الله تعالى: (إنّك لا تَهْدي مَنْ أحببتَ ولكنّ اللهَ يهدي مَنْ يشاء)(223) فإنّ أكثر المتعصّبين ( سواءٌ عليهم أأنذرتَهم أم لم تُنذرْهم لا يؤمنون، خَتَم اللهُ على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غِشَاوةٌ ولهم عذابٌ عظيمٌ)(224) .
اللهمّ إنّا نحمدك على نعمك الجسام، ونصلّي على محمد وآله المطهّرين من الاثام، مدى الايّام، على الدوام، إلى يوم القيامة.
إلى هنا ما وقفنا عليه من الكتاب المذكور، وللّه سبحانه الحمد والمنّة(225) .
____________
(194) نفس المصدر السابق.
(195) تقدمت تخريجاته.
(196) انظر: الملل والنحل للشهرستاني ج1 ص144، شرح نهج البلاغة لابنابيالحديد ج4 ص96.
(197) تقدّمت تخريجاته.
(198) راجع: الامامة والسياسة ج1 ص14.
(199) شرح السنّة للبغوي ج12 ص198، مجمع الزوائد ج6 ص251، كشف الاستار ج2 ص211 ح1538.
(200) تقدمت تخريجاته.
(201) الامامة والسياسة ج1 ص191، نهج الحقّ ص27، وفي شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج2 ص56: فأتاهم عمر ليحرق عليهم البيت، فخرج اليه الزبير بالسيف، وخرجت فاطمة ـ عليها السلام ـ تبكي وتصيح، فنهنهتْ من الناس إلخ وروى ذلك عن ابي بكر الجوهري.
(202) نهج الحق: ص272، اُسد الغابة، ج2 ص14، الصواعق المحرقة ص175، ط المحمدية وص105 ط الميمنية بمصر.
(203) الامامة والسياسة: ج1 ص14، مروج الذهب ج2 ص301 ـ 302، نهج الحق ص265، فقد ذكر المؤرخون ان ابا بكر ندم على اشياء فعلها وتمنى فعل اشياء تركها وممن ذكر ذلك، ابن قتيبة في الامامة والسياسة ص24: وذكر ذلك في مرضه عند دخول جماعة عليه منهم عبد الرحمن وقال له: ولا اراك تأسى على شيء من الدنيا فاتك، قال أجل: والله ما آسى إلا على ثلاث فعلتهن ليتني تركتهن، وثلاث تركتهن ليتني فعلتهن، وثلاث ليتني سألت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ عنهن. فأما اللاتي فعلتهن وليتني لم أفعلَّهن، فليتني تركت بيت عليِّ وإن كان أعلن عليَّ الحرب، وليتني يوم سقيفة بني ساعدة كنت ضربت على يد أحد الرجلين: أبي عبيدة أو عمر، فكان هو الامير، وكنت أنا الوزير، وليتني حين أُتيت بالفجاءة السلمي أسيراً أني قتلته ذبيحاً أو أطلقته نجيحاً، ولم أكن أحرقته بالنار، وأما اللاتي تركتهن وليتني كنت فعلتهن، ليتني حين آتيت بالاشعث بن قيس أسيراً أني قتلته ولم أستحيه، فاني سمعت منه وأراه لا يرى غياً ولا شراً الا اعان عليه ، وليتني حين بعثت خالد بن الوليد الى الشام، اني كنت بعثت عمر بن الخطاب الى العراق ...الخ.
(204) تقدمت تخريجاته.
(205) سورة الزمر: الاية 3.
(206) تاريخ الخميس ج2 ص167، صحيح البخاري ج6 ص17، وقد تقدّم الحديث مع تخريجاته.
(207) تقدّمت تخريجاته.
(208) سورة النساء: الاية 20.
(209) الدرّ المنثور ج2 ص466، نهج الحق ص278، شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج1 ص182 وج12 ص17.
(210) نهج الحقّ ص279، وفيه عشرة آلاف.
(211) أحكام القرآن للجصّاص ج3 ص61.
(212) نهج الحقّ: ص281، الدرّ المنثور ج2 ص487، وقد تقدمت تخريجاته.
(213) الامامة والسياسة ج1 ص28 ـ 29، نهج الحقّ ص285، تقدم الحديث مع تخريجاته.
(214) شرج نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص274.
(215) شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج3 ص18، تاريخ الخميس ج2 ص255 و 259، الكامل في التاريخ ج3 ص52،الامامة والسياسة ج1 ص32، اُسد الغابة ج5 ص90، نهج الحق ص290.
(216) تاريخ الخميس ج1 ص26، تاريخ الطبري ج5 ص49، تاريخ اليعقوبي ج2 ص155، المعارف لابن قتيبة ص84، نهج الحق ص293، شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج1 ص198.
(217) نهج الحق ص294، تاريخ الخميس ج2 ص262، شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج1 ص199، تاريخ الخلفاء ص164.
(218) نهج الحق ص295، اسد الغابة ج3 ص259، تاريخ ابن كثير ج7 ص163، تاريخ الخميس ج2 ص268، شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج1 ص198، وج3 ص40.
(219) تاريخ الخميس ج2 ص271، الامامة والسياسة ج1 ص32، شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج1 ص238، نهج الحق ص296.
(220) تاريخ اليعقوبي ج2 ص162، الكامل في التاريخ ج3 ص56، نهج الحق ص298، انساب الاشراف ج5 ص52، مروج الذهب ج2 ص339.
(221) انظر: ينابيع المودة ب 61 ص350، مقتل الحسين ـ عليه السلام ـ للمقرم.
(222) تقدّمت تخريجاته.
(223) سورة القصص: الاية 56.
(224) سورة البقرة: الاية 6 ـ 7.
(225) الكشكول للبحراني: ج2 ص28.