المناظرة الثامنة

(مناظرة ابن عباس مع عمر)

قال ابن عباس:

كنت عند عمر، فتنفّس نفسا ظننتُ أنّ أضلاعه قد انفرجت.

فقلت: ما أخرج هذا النّفسَ منك يا أميرَ المؤمنين إلاّ همُّ شديد !

قال: إي والله يا بن عباس ! إني فكّرتُ فلم أدْرِ فيَمنْ أجعلُ هذا الامر بعدي، ثم قال: لعلّك ترى صاحبك لها أهلا !

قلت: وما يمنعه من ذلك مع جهاده وسابقته وقرابته وعلمه !

قال: صدقت، ولكنه امرؤ فيه دُعابة.

قلت: فأين أنت عن طلحة !

قال: ذو الَبأو(1) وبإصبعه المقطوعة !

قلت: فعبد الرحمن ؟

قال: رجل ضعيف لو صار الامر إليه لوضع خاتمه في يد امرأته.

قلت: فالزّبير ؟

قال: شكسٌ لقس(2) يُلاطم في النقيع في صاعٍ من بُرّ !

قلت: فسعد بن أبي وقاصِ ؟

قال: صاحب سلاح ومِقْنب(3) .

قلت: فعثمان ؟

قال: أوَّه ! ثلاثا، والله لَئِن وليَها ليحملَنَّ بني أبي مُعَيط على رقاب الناس، ثم لتنهض العرب إليه.

ثم قال: يا بن عباس، إنه لا يصلُح لهذا الأمر إلاّ خَصِف العقدة، قليل الغّرة، لا تأخذه في اللّه لومة لائم، ثم يكون شديدا من غير عنف، ليّنا من غير ضعف، سخيّا من غير سرف، ممسكا من غير وكَف(4) .

قال: ثمّ أقبل عليَّ بعد أن سكت هُنَيئة، وقال: أجرؤهم والله إن وَليها أنٌ يحملهم على كتاب ربّهم وسنة نبيّهم لصاحِبُك ! أما إن وليَ أمرهم حملهم على المحجة البيضاء والصراط المستقيم(5) .

____________

(1) البأو: العُجب والتفاخر.

(2) الشكسُ اللقس: سيُ الخلق.

(3) المقِنبْ: جماعةُ الخيل.

(4) الوكف: العيب.

(5) شرح النهج لابن أبي الحديد ج 12 ص 51 ـ 52.