القياس في الشريعة الاسلامية
(مناظرة الامام الصادق عليه السلام مع أبي حنيفة في حكم القياس)
قال العلامة المجلسي رحمه الله: وجدت بخطّ بعض الاَفاضل نقلاً من خطّ الشهيد رفع الله درجته قال: قال أبو حنيفة النعمان بن ثابت جئت إلى حجّام بمنى ليحلق رأسي، فقال: ادن ميامنك، واستقبل القبلة، وسمِّ الله؛ فتعلّمت منه ثلاث خصال لم تكن عندي، فقلت له: مملوك أنت أم حرّ ؟
فقال: مملوك.
قلت: لمن ؟
قال: لجعفر بن محمد العلوي عليه السلام.
قلت: أشاهد هو أم غائب ؟
قال: شاهد.
فصرت إلى بابه واستأذنت عليه فحجبني، وجاء قومٌ من أهل الكوفة فاستأذنوا فأذن لهم، فدخلت معهم، فلمّا صرت عنده قلت له: يا بن رسول الله لو أرسلت إلى أهل الكوفة فنهيتهم أن يشتموا أصحاب محمد صلى الله عليه وآله، فإنّي تركت بها أكثر من عشرة آلاف يشتمونهم.
فقال عليه السلام: لا يقبلون منّي.
فقلت: ومن لا يقبل منك وأنت ابن رسول الله صلى الله عليه وآله ؟
فقال عليه السلام: أنت ممّن لم تقبل منّي، دخلت داري بغير إذني، وجلست بغير أمري، وتكلمت بغير رأيي، وقد بلغني أنّك تقول بالقياس.
قلت: نعم به أقول.
قال عليه السلام: ويحك يا نعمان أوّل من قاس الله تعالى إبليس حين أمره بالسجود لآدم عليه السلام وقال: (خَلقتَني من نار وخَلَقتهُ من طين)(1) ، أيّما أكبر يا نعمان القتل أو الزنا ؟
قلت: القتل.
قال عليه السلام: فلِمَ جعل الله في القتل شاهدين، وفي الزنا أربعة ؟ أينقاس لك هذا ؟
قلت: لا.
قال عليه السلام: فأيّما أكبر البول أو المني ؟
قلت: البول.
قال عليه السلام: فلِمَ أمر الله في البول بالوضوء، وفي المني بالغسل ؟ أينقاس لكهذا ؟
قلت: لا.
قال عليه السلام: فأيّما أكبر الصلاة أو الصيام ؟
قلت: الصلاة.
قال عليه السلام: فلِمَ وجب على الحائض أن تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة ؟ أينقاس لك هذا ؟
قلت: لا.
قال عليه السلام: فأيّما أضعف المرأة أم الرجل ؟
قلت: المرأة.
قال عليه السلام: فلِمَ جعل الله تعالى في الميراث للرجل سهمين، وللمرأة سهماً، أينقاس لك هذا ؟
قلت: لا.
قال عليه السلام: فلِمَ حكم الله تعالى فيمن سرق عشرة دراهم بالقطع، وإذا قطع رجلٌ يد رجل فعليه ديتها خمسة آلاف درهم ؟ أينقاس لك هذا ؟
قلت: لا.
قال عليه السلام: وقد بلغني أنّك تفسر آية في كتاب الله، وهي: (ثمّ لتسئلنّ يومئذ عن النعيم)(2) ، أنّه الطعام الطيّب، والماء البارد في اليوم الصائف(3) .
قلت: نعم.
قال عليه السلام له: دعاك رجل وأطعمك طعاماً طيّباً، وأسقاك ماءً بارداً، ثم امتنّ عليك به ما كنت تنسبه إليه ؟
قلت: إلى البخل.
قال عليه السلام: أفيبخل الله تعالى ؟
قلت: فما هو ؟
قال عليه السلام: حبّنا أهل البيت(4) .
____________
(1) سورة الاَعراف: الآية 12.
(2) سورة التكاثر: الآية 8.
(3) جاء في شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: ج 2 ص 476 ح 1150 (ما نزل في سورة التكاثر)، بسنده عن أبي حفص الصائغ عن جعفر بن محمد في قوله تعالى: (لتسألنّ يومئذٍ عن النعيم) قال: نحن النعيم، وروى أيضاً في ص 477 (ح 1152) عن أبي حفص الصائغ قال: قال عبدالله بن الحسن في قوله تعالى: (ثم لتسألنَّ يومئذٍ عن النعيم) ، قال: يعني عن ولايتنا والله يا أبا حفص.
وجاء في كتاب تأويل الآيات الطاهرة للاسترابادي ص 816، عن الاَصبغ بن نباته عن أمير المؤمنين عليه السلام إنه قال: (ثمّ لتسألنّ يومئذٍ عن النعيم) ، نحن النعيم، وأيضاً مُسنداً عن أبي خالد الكابلي قال: دخلت على محمد بن علي عليه السلام فقدم لي طعاماً لم أكل أطيب منه، فقال لي: يا أبا خالد كيف رأيت طعامنا ؟ فقلت: جُعلت فداك ما أطيبه غير أني ذكرت آية في كتاب الله فنغَّصَتنيه قال: وما هي ؟ قلت: (ثمّ لتسألنّ يومئذٍ عن النعيم) ، فقال: والله لا تسأل عن هذا الطَّعام أبداً، ثم ضحك حتى افترَّ ضاحكتاه وبدت أضراسه وقال: أتدري ما النَّعيم ؟ قلت: لا ؟ قال: نحن النعيم الذي تسئلون عنه.
وفي تفسير القمي لاَبي الحسن علي بن إبراهيم: ج 2 ص 440 ـ في قوله تعالى: (ثمّ لتسألنّ يومئذٍ عن النعيم) أي عن الولاية، والدليل على ذلك قوله: (وقفوهم إنَّهم مسؤلون) قال: عن الولاية. أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن سلمة بن عطا عن جميل عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت قول الله: (ثمّ لتسألنّ يومئذٍ عن النعيم) قال: قال: تسئل هذه الاَمة عما أنعم الله عليهم برسوله الله صلى الله عليه وآله ثم بأهل بيته المعصومين عليه السلام. وإن اردت المزيد من الاَخبار في ذلك فراجع: البرهان في تفسير القرآن للبحراني: ج 5 ص 746 ـ 750.
(4) بحار الاَنوار للمجلسي: ج 10 ص 220 ـ 221، الاحتجاج للطبرسي: ج 2 ص360 ـ 361، حلية الاَولياء لاَبي نعيم: ج 3 ص 196 ـ 197،بتفاوت.