الصفحة 51

فقال: «هاتوا ما سمعتم». فذكروا الحديث ومن جملته: «من كنت مولاه فعلي مولاه، وفي رواية: فهذا مولاه».

وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه: وكنت ممن كتم، فذهب الله بصري، وكان علي ـ كرم الله وجهه ـ دعا على من كتم. انتهى.

وهناك جمع آخرون من متأخري المحدثين رووا هذه المناشدة نضرب عن ذكرهم صفحا، ونقتصر على ما ذكر. (1).

____________

(1) وقد روي حديث المناشدة عن جماعة آخرين، منهم:

1 ـ هبيرة بن مريم:

حديثه عند الطبري، وعند الطبراني في المعجم الكبير: ح 8058، والداقطني في العلل: 3 / 225، والذهبي في كتابه في الغدير: برقم 107 نقلا عن الطبري.

2 ـ أبو رملة عبد الله بن أبي أمامة الأنصاري البلوي:

أخرج الطبري في كتابه في الغدير (كتاب الموالاة) حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، حدثنا عبيد الله بن موسى، أخبرنا يوسف بن صهيب، عن حبيب بن يسار، عن أبي رملة:

أن ركبا أتوا عليا فقالوا: السلام عليك... فال علي: «أنشد الله رجلا سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم غدير خم...» فقام اثنا عشر رجلا فشهدوا بذلك...

3 ـ أبو مجلز لاحق بن حميد السدوسي البصري:

رواه الذهبي في كتابه في الغدير ـ وهو جزء في حديث: من كنت مولاه... برقم 11 ورقم 110.

4 ـ أبو وائل شقيق بن سلمة:

أخرجه البلاذري في أنساب الأشراف في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام: رقم 169 بإسناده عنه، قال: قال علي على المنبر: «نشدت الله رجلا سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم غدير خم: أللهم وال من والاه وعاد من عاداه إلا قام فشهد» ـ وتحت المنبر أنس بن مالك والبراء بن عازب وجرير بن عبد الله ـ فأعادها، فلم يجبه أحد !! فقال:

«أللهم من كتم هذه الشهادة وهو يعرفها فلا تخرجه من الدنيا حتى تجعل به آية يعرف بها».

قال: فبرص أنس، وعمي البراء، ورجع جرير أعرابيا بعد هجرته، فأتى الشراة فمات في بيت أمة فيها.

5 ـ الحارث الأعور:

حديثه عند الدارقطني في العلل: 3 / 226، وفي لسان الميزان: 2 / 379 ملخصا. (الطباطبائي).

الصفحة 52

أعلام الشهود لأمير المؤمنين عليه السلام
يوم الرحبة بحديث الغدير

1 ـ أبو زينب بن عوف الأنصاري.

2 ـ أبو عمرة بن عمرو بن محصن الأنصاري.

3 ـ أبو فضالة الأنصاري: استشهد بصفين مع أمير المؤمنين عليه السلام ـ بدري.

4 ـ أبو قدامة الأنصاري:الشهيد بصفين مع أمير المؤمنين عليه السلام.

5 ـ أبو ليلى الأنصاري: يقال: استشهد بصفين. (1)

6 ـ أبو هريرة الدوسي: المتوفى (57، 58، 59).

7 ـ أبو الهيثم بن التيهان: الشهيد بصفين ـ بدري.

8 ـ ثابت بن وديعة الأنصاري، الخزرجي، المدني.

9 ـ حبشي بن جنادة السلولي: شهد مع علي مشاهده.

10 ـ أبو أيوب خالد الأنصاري: المستشهد غازيا بالروم (50، 51، 52) ـ بدري.

11 ـ خزيمة بن ثابت الأنصاري، ذو الشهادتين: الشهيد يصفين ـ بدري.

12 ـ أبو شريح خويلد بن عمرو الخزاعي: المتوفى (68).

13 ـ زيد أو يزيد بن شراحيل الأنصاري.

14 ـ سهل بن حنيف الأنصاري، الأوسي: المتوفى (38) ـ بدري.

15 ـ أبو سعيد سعد بن مالك الخدري الأنصاري: المتوفى (63، 64، 65).

16 ـ أبو العباس سهل بن سعد الأنصاري المتوفى (91).

17 ـ عامر بن ليلى الغفاري.

18 ـ عبد الرحمن بن عبد رب الأنصاري.

19 ـ عبد الله بن ثابت الأنصاري: خادم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

20 ـ عبيد بن عازب الأنصاري: من العشرة الدعاة إلى الإسلام (12).

____________

1 ـ في بعض الألفاظ: أبو يعلى الأنصاري، وهو شداد بن أوس، المتوفى (58). (المؤلف).

2 ـ الذين وجههم عمر إلى الكوفة مع عمار بن ياسر. (المؤلف).

الصفحة 53

21 ـ أبو طريف عدي بن حاتم: المتوفى (68) عن (100) عام.

22 ـ عقبة بن عامر الجهني: المتوفى قرب الـ (60)، كان ممن يمت إلى معاوية.

23 ـ ناجية بن عمرو الخزاعي.

24 ـ نعمان بن عجلان الأنصاري: لسان الأنصار وشاعرهم.

هذا ما أوقفنا السير عليه من أعلام الشهود لأمير المؤمنين عليه السلام بحديث الغدير يوم مناشدة الرحبة حسب ما مر من الأحاديث المتقدمة.

وقد نص الإمام أحمد في حديث مر (ص 174) على أن عدة الشهود في ذلك اليوم كانت ثلاثين، وأخرجه الحافظ الهيثمي في مجمعه (1) ـ كما مر ـ وصححه، وتجده في تذكره سبط ابن الجوزي (2) (ص 17)، وتاريخ الخلفاء للسيوطي (3) (ص 65)، والسيرة الحلبية (4) (3 / 302)، وفي لفظ أبي نعيم ـ فضل بن دكين ـ: فقام ناس كثير فشهدوا، كما مر (ص 174).

لفت نظر:

وأنت جد عليم بأن تاريخ هذه المناشدة ـ وهو السنة الـ (35) الهجرية ـ كان بعد عن وقت صدور الحديث بما يربو على خمسة وعشرين عاما، وفي خلال هذه المدة كان كثير من الصحابة الحضور يوم الغدير قد قضوا تحبهم، وآخرون قتلوا في المغازي، وكثيرون منهم مبثوثين في البلاد، وكانت الكوفة بمنتأى عن مجتمع الصحابة ـ المدينة المنورة ـ ولم بك فيها إلا شراذم منهم تبعوا الحق، فهاجروا إليها في العهد العلوي.

وكانت هذه القصة من ولائد الاتفاق من غير إنه سابقة لها، حتى بقصدها القاصدون، فتكثر الشهود، وتتوفر الرواة.

____________

(1) مجمع الزوائد: 9 / 104.

(2) تذكرة الخواص: ص 29.

(3) تاريخ الخلفاء: ص 158.

(4) السيرة الحلبية: 3 / 274.

الصفحة 54

وكان في الحاضرين من يخفي شهادته حنقا أو سفها، كما مرت الإشارة إليه في غير واحد من الأحاديث وسيمر عليك التفصيل، وقد بلغ من رواه ـ والحال هذه ـ هذه العدد الجم، فكيف به لو تزاح عنه تلكم الحواجز ؟ ! فبذلك كله تعلم مقدار شهرة الحديث وتواتره في هاتيك العصور المتقادمة.

وأما اختلاف عدد الشهود في الأحاديث فيحمل على أن كلا من الرواة ذكر من عرفه أو التفت إليه، أو من كان إلى جنبه، أو أنه ذكر من كان في جانبي المنبر، أو في أحدهما ولم يلتفت إلى غيرهم، أو أنه ذكر من كان بدريا، أو أراد من كان من الأنصار، أو أنه لما علت عقيرة القوم بالشهادة، وشخصت الأبصار والأسماع للتلقي، ووقعت الجبة (1)، كما هو طبع الحال في أمثاله من المجتمعات، ذهل بعض عن بعض، وآخر عن آخرين، فنقل كل من يضبطه من الرجال. (2)

ـ 4 ـ
مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام
يوم الجمل سنة (36) على طلحة

أخرج الحافظ الكبير أبو عبد الله الحاكم في المستدرك (3) (3) (2 / 11) ولفظه: ثم نادى علي رضي الله عنه طلحة ـ حين رجع الزبير ـ: «يا أبا محمد ما الذي أخرجك ؟».

قال: الطلب بدم عثان !!

قال علي: «قتل الله أولانا بدم عثمان، أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ؟ وأنت أول من بايعني، ثم نكثت، وقد قال الله عز وجل: (فمن نكث فإنما ينكث علي نفسه) (4)».

فقال: أستغفر الله، ثم رجع.

ورواه الخطيب الخوارزمي الحنفي في المناقب (5) (ص 112) بإسناده من طريق الحافظ أبي عبد الله الحاكم، عن رفاعة، عن أبيه، عن جده قال:

____________

(1) كذا في النسخ، والصحيح ـ بمكان رفاعة ـ: حسين بن حسن الأشقر المترجم (ص 83)، [ وكما هو في إسناد ابن عساكر في ترجمة طلحة ]. (ا لمؤلف).

هو نذير ـ بالتصفير ـ الضبي الكوفي: من كبار التابعين، وحفيده رفاعة المذكور، ثقة، كما في التقريب [ 1 / 251 رقم 94 ]: توفي بعد (180) ـ (المؤلف).

(3) مروج الذهب: 3 / 382.

(4) الفتح: 10.

(5) المناقب: ص 182 ح 221.

الصفحة 56

كنا مع علي يوم الجمل، فبعث إلى طلحة بن عبيد الله التيمي، فأتاه، فقال:

«نشدتك الله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأخذل من خذله، وانصر من نصره ؟».

قال: نعم، قال: «فلم تقاتلني ؟» قال: نسيت ولم أذكر. قال: فانصرف طلحة ولم يرد جوابا.

ورواه (1) الحافظ الكبير ابن عساكر في تاريخ الشام (7 / 83)، وسبط ابن الجوزي في تذكرته (ص 42)، والحافظ أبو بكر الهيثمي في مجمع الزوائد (9 / 107) من طريق البزار، وابن حجر في تهذيبه (1 / 391) بإسناده من طريق النسائي، والسيوطي في جمع الجوامع كما في كنز العمال (6 / 83) قريبا من لفظ الخوارزمي من طريق اين عساكر، وأبو عبد الله محمد بن محمد بن يوسف السنوسي في شرح مسلم (6 / 236)، وأبو عبد الله محمد بن خليفة الوشتاني المالكي في شرح مسلم (6 / 236)، والشيخ إبراهيم الوصابي في الاكتفاء من طريق ابن عساكر. (2)

____________

(1) تاريخ مدينة دمشق: 8 / 568، وفي مختصر تاريخ دمشق: 11 / 204، تذكرة الخواص: ص 72، تهذيب التهذيب: 1 / 342، كنز العمال: 11 / 332 ح 31662.

(2) وأخرجه ابن أبي عاصم في السنة: 1358 موجزا، ولفظه: أن عليا عليه السلام قال لطلحة: «أنشدك بالله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه ؟» قال: نعم.

وأخرجه البزار في مسنده: رقم 958 وقال محققه: هو حديث صحيح، وأخرجه النسائي في مسند علي عليه السلام كما في تهذيب الكمال: 3 / 440 و 9 / 200، والبيهقي في الاعتقاد: ص 195، وابن عساكر في تاريخه في ترجمة طلحة: 8 / 568 وفي ترجمة أميرالمؤمنين عليه السلام: رقم 555.

وأخرجه المزي في تهذيب الكمال: 3 / 340 و 9 / 200 و 29 / 333، والذهبي في تلخيص المستدرك: 3 / 371 وفي كتابه الغدير ـ جزء في حديث من كنت مولاه ـ برقم 49.

وأورده منظور في مختصر تاريخ دمشق: 11 / 204، وابن حجر في مختصر زوائد مسند البزار: رقم 1905، والهيثمي في كشف الأستار: ح 2528، والسيوطي في جمع الجوامع: 1 / 831 و 2 / 95.

(الطباطبائي)


الصفحة 57

ـ 5 ـ
حديث الركبان
في الكوفة سنة (36 ـ 37 هـ)

أخرج إمام الحنابلة أحمد بن حنبل (1)، عن يحيى بن آدم، عن حنش بن الحارث ابن لقيط النخعي الأشجعي، عن رياح ـ بالمثناة ـ ابن الحارث (2)، قال: جاء رهط إلى علي بالرحبة، فقالوا: السلام عليك يا مولانا. قال: «وكيف أكون مولاكم وأنتم عرب ؟ قالوا: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه».

قال رباح: فلما مضوا تبعتهم فسألت من هؤلاء ؟ قالوا: نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري.

وبإسناده عن رياح قال: رأيت قوما من الأنصار قدموا على علي في الرحبة، فقال: «من القوم ؟» فقالوا: مواليك يا أمير المؤمنين... الحديث.

وعنه قال: بينما علي جالس إذ جاء رجل فدخل ـ عليه أثر السفر ـ فقال: السلام عليك يا مولاي. قال: «من هذا ؟» قال: أبو أيوب الأنصاري. فقال علي: «أفرجوا له»، ففرجوا.

فقال أبو أيوب: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «من كنت مولاه فعلي مولاه».

وقال إبراهيم بن الحسين (3) بن علي الكسائي ـ المعروف بابن ديزيل، المترجم (ص 97) ـ في كتاب صفين (4).

____________

(1) مسند أحمد: 6 / 583 ح 23051 و 23052.

(2) رجال الحديث من طريق أحمد وابن أبي شيبة والهيثمي، وابن ديزيل كلهم ثقات، كما مرت تراجمهم في التابعين وطبقات العلماء. (المؤلف).

(3) في النسخ: الحسن وهو تصحيف. (المؤلف).

(4) كما في شرح نهج البلاغة: 1 / 289 [ 3 / 208 خطبة 48 ]، قال ابن كثير في تاريخه: 11 / 71 [ 11 / 81 حوادث سنة 281 هـ ]، كتاب ابن ديزيل في وقعة صفين مجلد كبير. (المؤلف).

الصفحة 58

حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي قال: حدثنا ابن فضيل محمد الكوفي، قال: حدثنا الحسن بن الحكم النخعي، عن رياح بن الحارث النخعي قال:

كنت جالسا عند علي عليه السلام إذ قدم عليه قوم متلثمون فقالوا: السلام عليك يا مولانا. فقال لهم: «أولستم قوما عربا ؟ قالوا: بلى، ولكنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه، أللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، وأخذل من خذله. فقال: لقد رأيت عليا عليه السلام ضحك حتى بدت نواجذه، ثم قال: اشهدوا».

ثم إن القوم مضوا إلى رحالهم، فتبعتهم، فقلت: لرجل منهم: من القوم ؟ قالوا: نحن رهط من الأنصار، وذلك ـ يعنون رجلا منهم ـ أبو أيوب صاحب منزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال: فأتيته وصافحته.

وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه ـ كما في كشف الغمة (1) (ص 93) ـ عن رباح بن الحارث قال:

كنت في الرحبة مع أمير المؤمنين إذ أقبل ركب يسيرون، حتى أناخوا بالرحبة، ثم أقبلوا يمشون حتى أتوا عليا عليه السلام فقالوا: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. قال: «من القوم ؟ قالوا:مواليك يا أمير المؤمينن.

قال: فنظرت إليه وهو يضحك ويقول: من أين وأنتم قوم عرب ؟ قالوا: سمعنا رسول الله يقول يوم غدير خم وهو آخذ بعضدك: أيها الناس ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قلنا: بلى يا رسول الله.

فقال: إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وعلي مولى من كنت مولاه، أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.

____________

(1) كشف الغمة: 1 / 324.

الصفحة 59

فقال: أنتم تقولون ذلك ؟ قالوا: نعم. قال: وتشهدون عليه ؟ قالوا: نعم. قال: صدقتم».

فانطلق القوم وتبعتهم، فقلت لرجل منهم: من أنتم يا عبد الله ؟ قالوا: نحن رهط من الأنصار، وهذا أبو أيوب صاحب منزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأخذت بيده، فسلمت عليه، وصافحته.

وروى عن حبيب بن يسار، عن أبي رميلة: أن ركبا أربعة أتوا عليا عليه السلام حتى أناخوا بالرحبة، ثم أقبلوا إليه، فقالوا: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. قال: «وعليكم السلام، أنى أقبل الركب ؟ قالوا: أقبل مواليك من أرض كذا وكذا. قال: أنى أنتم موالي ؟

قالوا: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم غدير خم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، أللهم وال من والاه وعاد من عاداه».

وروى أبن الأثير في أسد الغابة (1) (1 / 368) عن كتاب الموالاة لابن عقدة بإسناده عن أبي مريم زر بن حبيش، قال:

خرج علي من القصر، فاستقبله ركبان متقلدو السيوف، فقالوا: السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام عليك يا مولانا ورحمة الله وبركاته.

فقال علي عليه السلام: «من ها هنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟».

فقام اثنا عشر، منهم: قيس بن ثابت بن شماس، وهاشم بن عتبة، وحبيب بن بديل بن ورقاء، فشهدوا أنهم سمعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «من كنت مولاه فعلي مولاه». وأخرجه أبو موسى المديني.

ورواه عن كتاب الموالاة لابن عقدة ابن حجر في الإصابة (1 / 304)، وأسقط صدره إلى قوله: فقال علي، ولم يذكر من الشهود هاشم بن عتبة، جريا على عادته

____________

(1) أسد الغابة: 1 / 441 رقم 1038.

الصفحة 60
بتنقيص فضائل آل الله.

وروى محب الدين الطبري في الرياض النضرة (1) (2 / 169) من طريق أحمد بلفظه الأول، وعن معجم الحافظ البغوي أبي القاسم بلفظ أحمد الثاني، وابن كثير في تاريخه (2) (5 / 212) عن أحمد بطريقيه ولفظيه الأولين، وفي (7 / 347) عن أحمد بلفظه الأول، وقال في (ص 348): قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا شريك، عن حنش،عن رياح بن الحارث، قال:

بينا نحن جلوس في الرحبة مع علي إذ جاء رجل عليه أثر السفر، فقال: السلام عليك يا مولاي. قالوا: من هذا ؟ فقال أبو أيوب: سمعت رسول الله يقول: «من كنت مولاه فعلي مولاه».

ورواه الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (9 / 104) بلفظ أحمد الأول، ثم قال: رواه أحمد والطبراني (3)، إلا أنه قال:

قالوا: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «من كنت مولاه فعلي مولاه، أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه». وهذا أبو أيوب بيننا، فحسر أبو أيوب العمامة عن وجهه، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «من كنت مولاه فعلي مولاه، أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه». ورجال أحمد ثقات. انتهى.

وقال جمال الدين عطاء الله بن فضل الله الشيرازي في كتابه الأربعين في مناقب أمير المؤمنين (4) ـ عند ذكر حديث الغدير ـ: ورواه زر بن حبيش فقال:

خرج على من القصر، فاستقبله ركبان متقلد والسيوف، عليهم العمائم، حديثو عهد بسفر، فقالوا: السلام عليك يا أميرالمؤمنين ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا

____________

(1) الرياض النضرة: 3 / 113.

(2) البداية والنهاية: 5 /231 حوادث سنة 10 هـ و 7 / 384 و 385 حوادث سنة 40 هـ.

(3) المعجم الكبير: 4 / 173 ح 4053.

(4) الأربعين في فضائل أمير المؤمنين: ص 2 ح 13.

الصفحة 61
مولانا. فقال علي ـ بعد ما رد السلام ـ: «من ها هنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟».

فقام اثنا عشر رجلا، منهم خالد بن زيد أبو أيوب الأنصاري، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وقيس بن ثابت بن شماس، وعمار بن ياسر، وأبو الهيثم بن التيهان، وهاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وحبيب بن بديل بن ورقاء، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله يوم غدير خم قول: «من كنت مولاه فعلي مولا ه...» الحديث.

فقال علي لأنس بن مالك والبراء بن عازب: «ما منعكما أن تقوما فتشهدا، فقد سمعنا كما سمع القوم ؟ (1) فقال: أللهم إن كانا كتماها معاندة فابلهما».

فأما البراء فعمي، فكان يسأل عن منزله، فيقول: كيف يرشد من أدركته الدعوة ؟! وأما نس فقد برصت قدماه.

وقيل: لما استشهد علي عليه السلام قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «من كنت مولاه فعلي مولاه»، اعتذر بالنسيان ! فقال: «أللهم إأن كان كاذبا فاضربه ببياض لا تواريه العمامة». فبرص وجهه، فسدل بعد ذلك برقعا على وجهه. ع(2) (1 / 211، 2 / 137).

وقال أبو عمرو الكشي في فهرسته (3) (ص 30): فيما روي من جهة العامة، روى عبد الله بن إبراهيم قال: أخبرنا أبو مريم الأنصاري، عن المنهال بن عمرو، عن زر بن حبش، قال:

خرج علي بن أبي طالب عليه السلام من القصر، فاستقبله ركبان متقلدون بالسيوف عليهم العمائم، فقالوا: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا مولانا. فقال علي: «من ها هنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟».

فقام خالد بن زيد أبو أيوب، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وقيس بن سعد ابن عبادة، وعبد الله بن بديل بن ورقاء، فشهدوا جميعا: أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

____________

(1) وهنا سقط ظاهر، وهو كلمة (نسينا) ونحوها. (الطباطبائي).

(2) عبقات الأنوار: 7 / 192 و 10 / 149، وفي نفحات الأزهار: 9 / 196 رقم 133.

(3) رجال الكشي: 1 / 245 ح 95.

الصفحة 62
يقوم يوم غدير خم: «من كنت مولاه فعلي مولاه».

فقال علي عليه السلام لأنس بن مالك والبراء بن عازب: «ما منعكما أن تقوما فتشهدا، فقد سمعنا كما سمع القوم ؟ ثم قال: أللهم إن كانا كتماها معاندة فابتلهما». فعمي البراء بن عازب، وبرص قدما أنس بن مالك، فحلف أنس بن مالك أن لا يكتم منقبة لعلي بن أبي طالب ولا فضلا أبدا.

أما البراء بن عازب فكان يسأل عن منزله فيقال: هو في موضع كذا وكذا. فيقول: كيف يرشد من أصابته الدعوة ؟ !

وهناك غير واحد من محدثي المتأخرين ذكروا هذه الأثارة لا نطيل بذكرهم المقال. (1)

____________

(1) وممن أخرجه من المحدثين القدامى ابن أبي شيبة في المصنف: ح 2122. وأحمد في المسند: 5 / 419 وفي كتاب مناقب علي: برقم 91 وفي فضائل الصحابة: 967، وقال محققه: إسناده صحيح ,

وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير: ح 4053، والخركوشي في شرف المصطفى: ق 196، وابن عساكر بالأرقام: 522، 530، 531، 532، 533، وابن المغازلي في كتاب المناقب، برقم 30، والديلمي في مسند الفردوس: ج 3 ق 96 وقال: رواه ابن منيع، والضياء المقدسي في المختارة، وعنه البوصيري في إتحاف السادة المهرة، وأورده ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: 3 / 208، والباعوني في جواهر المطالب في الباب 12 ق 16 / أ عن أحمد والبغوي في معجمه.

والذهبي في كتابه في الغدير بالأرقام: 43، 44، 116، 117، 118، 123، وقال: أخرجه جماعة ثقات عن شريك.

وأورده ابن منظور في مختصر تاريخ دمشق: 17 / 354، والقرافي في نفحات العبير الساري في أحاديث أبي أيوب الأنصاري: ق 75 / ب، وبلفظ آخر في ق 76.

وأبو المواهب الرشدي المتوفى سنة 948 في قوت القلوب في أحاديث أبي أيوب: ق 62 / ب ح 64، والسخاوي في استجلاب ارتقاء الغرف: ق 22، والبوصيري في إتحاف السادة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: ج 3 ق 56 / أ، قال: رواه أبو بكر بن أبي شيبة وأحمد بن حنبل بن منيع البغوي واللفظ له... ورواته ثقات.

واسماعيل النقشبندي في مناقب العشرة: ق 334 وقال: أخرجه البغوي في معجمه، وأورده الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة: 4 / 340 عن أحمد والطبراني، وقال: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات. (الطباطبائي).

الصفحة 63

أعلام الشهود لأمير المؤمنين عليه السلام
بحديث الغدير يوم الركبان حسب ما مر من الأحاديث

1 ـ أبو الهيثم بن التيهان ـ بدري.

2 ـ أبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري.

3 ـ حبيب بن بديل بن ورقاء الخزاعي.

4 ـ خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين الشهيد بصفين ـ بدري.

5 ـ عبد الله بن بديل بن ورقاء الشهيد بصفين.

6 ـ عمار بن ياسر قتيل الفئة الباغية بصفين ـ بدري.

7 ـ قيس بن ثابت بن شماس الأنصاري.

8 ـ قيس بن سعد بن عبادة الخزرجي ـ بدري.

9 ـ هاشم المرقال ابن عتبة صاحب راية علي والشهيد بصفين.

من أصابته الدعوة بإخفاء حديث الغدير

قد مر الإيعاز في غير واحد من أحاديث المناشدة يومي الرحبة والركبان إلى أن قوما من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحضور في يوم غدير خم قد كتموا شهادتهم لأمير المؤمنين عليه السلام بالحديث، فدعا عليهم، فأخذتهم الدعوة، كما وقع النص بذلك في غير واحد من المعاجم، والقوم هم:

1 ـ أبو حمزة أنس بن مالك: المتوفى (90، 91، 93).

2 ـ البراء بن عازب الأنصاري: المتوفى (71 ـ 72).

3 ـ جرير بن عبد الله البجلي: المتوفى (51، 54).

4 ـ زيد بن أرقم الخزرجي: المتوفى (66، 68).

5 ـ عبد الرحمن بن مدلج (1).

6 ـ يزيد بن وديعة.

____________

(1) كذا في أسد الغابة: 3 / 492، وفي الإصابة: 2 / 421 رقم197: أنه كان ممن شهد يوم الرحبة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول «من كنت مولاه فعلي مولاه...».

الصفحة 64

نظرة في حديث إصابة الدعوة

ربما يقف في صدر القارئ الاختلاف بين الأحاديث الناصة بأن أنسا قد أصابته الدعوة بكتمان الشهادة، وما جاء موهما بشهادته، لكن: عرفت أن الفريق الأخير منهما محرف المتن فيه تصحيف، وعلى تقدير سلامته لا يقاوم الأول كثرة وصحة وصراحة، مع ما هناك من نصوص أخرى غير ما ذكر، منها:

قال أبو محمد بن قتيبة ـ المترجم (ص 96) ـ في المعارف (1) (ص 251).

أنس بن مالك كان بوجهه برص، وذكر قوم: أن عليا عليه السلام سأله عن قول رسول الله: «أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، فقال: كبرت سني ونسيت، فقال علي: إن كنت كاذبا فضربك الله ببيضاء لاتواريها العمامة».

قال الأميني: هذا نص ابن قتيبة في الكتاب، وهو الذي اعتمد عليه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (2) (4 / 388) حيث قال:

فقد ذكر ابن قتيبة حديث البرص والدعوة التي دعا بها أمير المؤمنين عليه السلام على أنس بن مالك في كتاب المعارف في باب البرص من أعيان الرجال، وابن قتيبة غير متهم في حق علي عليه السلام على المشهور من انحرافه عنه. انتهى.

وهو يكشف عن جزمه بصحة العبارة وتطابق النسخ على ذلك، كما يظهر من غيره ممن نقل هذه الكلمة عن كتاب المعارف.

لكن اليد الأمينة على ودائع العلماء في كتبهم في المطابع المصرية، دست في الكتاب ما ليس منه، فزادت بعد القصة ما لفظه: قال أبو محمد: ليس لهذا أصل. ذهولا عن أن سياق الكتاب يعرب عن هذه الجناية، ويأبى هذه الزيادة، إذ المؤلف

____________

(1) المعارف: ص 580.

(2) شرح نهج البلاغة: 19 / 218 الأصل 317.

الصفحة 65
يذكر فيه من مصاديق كل موضوع ما هو المسلم عنده، ولا يوجد من أول الكتاب إلى آخره حكم في موضوع بنفي شيء من مصاديقه بعد ذكره إلا هذه، فأول رجل يذكره في عد من كان عليه البرص هو أنس ثم بعد من دونه، فهل يمكن أن يذكر مؤلف في إثبات ما يرتئيه مصداقا، ثم ينكره بقوله: لا أصل له ؟ !

وليس هذا التحريف في كتاب المعارف بأول في بابه، فسيوافيك في المناشدة الرابعة عشرة حذفها منه، وقد وجدنا في ترجمة المهلب بن أبي صفرة من تاريخ ابن خلكان (1) (2 / 273) نقلا عن المعارف ما حذفته المطابع.

وقال أحمد بن جابر البلاذري المتوفى (279) في الجزء الأول من أنساب الأشراف (2):

قال علي على المنبر: «أنشد الله رجلا سمع رسول الله يقول يوم غدير خم: أللهم وال من والاه وعاد من عاداه، إلا قام وشهد».

وتحت المنبر أنس بن مالك، والبراء بن عازب، وجرير بن عبد الله بالجلي، فأعادها فلم يجبه أحد، فقال:

«أللهم من كتم هذه الشهادة وهو يعرفها، فلا تخرجه من الدنيا حتى تجعل به آية يعرف بها».

قال [ أبو وائل ] (3): فبرص أنس، وعمي البراء، ورجع جرير أعرابيا بعد هجرته، فأتى الشراة (4)، فمات في بيت أمه (5).

____________

(1) وفيات الأعيان: 5 / 351 رقم 754.

(2) أنساب الأشراف: 2 / 156 ح 169.

(3) أثبتنا الزيادة من المصدر.

(4) الشراة: صقع بالشام بين دمشق ومدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. معجم البلدان: 3 / 332.

(5) ولعله: في بيت أمه.

الصفحة 66

وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (1) (4 / 488): المشهور أن عليا عليه السلام ناشد الناس في الرحبة بالكوفة، فقال: «أنشدكم الله رجلا سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لي وهو منصرف من حجة الوداع: من كنت مولاه فعلي مولاه، أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه».

فقام رجال، فشهدوا بذلك. فقال عليه السلام لأنس بن مالك: «ولقد حضرتها، فما لك ؟» فقال: يا أمير المؤمنين كبرت سني، وصار ما أنساه أكثر مما أذكره. فقال له: «إن كنت كاذبا فضربك الله بها بيضاء لا تواريها العمامة». فما مات حتى أصابه البرص.

وقال في (2) (1 / 361) وذكر جماعة من شيوخنا البغداديين: أن عدة من الصحابة والتابعين والمحدثين كانوا منحرفين عن علي عليه السلام قائلين فيه السوء، ومنهم من كتم مناقبه، وأعان أعداءه ميلا مع الدنيا وإيثارا للعاجلة، فمنهم: أنس بن مالك.

ناشد علي عليه السلام في رحبة القصر ـ أو قالوا: برحبة الجامع بالكوفة ـ: «أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه ؟».

فقام اثنا عشر رجلا، فشهدوا بها وأنس بن مالك في القوم لم يقم ! فقال له: «يا أنس ما يمنعك أن تقوم فتشهد، ولقد حضرتها ؟ فقال: يا أمير المؤمنين كبرت ونسيت ! فقال: أللهم إن كان كاذبا فازمه بيضاء لاتواريها العمامة».

قال طلحة بن عمير: فو الله لقد رأيت الوضح به بعد ذلك أبيض بين عينيه.

وروى عثمان بن مطرف: أن رجلا سأل أنس بن مالك في آخر عمره عن علي بن أبي طالب.

____________

(1) شرح نهج البلاغة: 19 / 217 الأصل 317.

(2) المصدر السابق: 4 / 74 خطبة 56.

الصفحة 67

فقال: إني آليت أن لا أكتم حديثا سئلت عنه في علي بعد يوم الرحبة: ذاك رأس المتقين يوم القيامة، سمعته ـ والله ـ من نبيكم.

وفي تاريخ ابن عساكر (1) (3 / 150) قال أحمد بن صالح العجلي: ثم يبتل أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا رجلين: معيقيب (2) كان به داء الجذام، وأنس بن مالك كان يه وضح، يعني البرص.

وقال أبو جعفر: رأيت أنسا يأكل، فرأيته يلقم لقما كبارا، ورأيت به وضحا، وكان يتخلق بالخلوق.

وقول العجلي المذكور حكاه أبو الحجاج المزي في تهذيبه (3)، كما في خلاصة الخزرجي (4) (ص 35). (5)

____________

(1) تاريخ مدينة دمشق: 3 / 174.

(2) معيقيب ـ مصغر ـ وهو ابن أبي فاطمة الدوسي الأزدي من أمناء عمر بن الخطاب على بيت المال. ترجمة ابن قتيبة في المعارف: ص 137 [ ص 316 ]. (المؤلف).

(3) تهذيب الكمال: 3 / 374 رقم 568.

(4) حديث الدعوة وإصابتها في مسند أحمد: 1 / 119 ـ في طبعة أحمد شاكر برقم 964 ـ وفيه: فقام إلا ثلاثة لم يقوموا ! فدعا عليهم، فأصابتهم دعوته.

وأخرجه الدارقطني ولفظه: فقام بضعة عشر رجلا فشهدوا، وكتم قوم ! فما فنوا من الدنيا حتى عموا وبرصوا... وأخرجه ابن عساكر: 510 من طريق الدارقطني.

وبهذا اللفظ أخرجه الخطيب البغدادي في الأفراد، وعنه السيوطي في جمع الجوامع، والمتقي في كنز العمال: ح 36417.

وأخرجه ابن عساكر: 509، والضياء المقدسي في المختارة: 654، وابن كثير في تاريخه: 5 / 211 من طريق عبد الله بن أحمد، باللفظ المتقدم عن المسند، وكرره ابن كثير في: 7 / 347 بالإسناد واللفظ، وحذف منه الكتمان والدعوة وإصابتها !

وتقدمت في ص 389 رواية البلاذري وفيها: فبر ص أنس، وعمي البراء، ورجع جرير أعرابيا...

الصفحة 68

____________

فأما أنس بن مالك:

فقد اشتهر بالبرص، وعده ابن حبيب في المحبر: ص 301 في البرص الأشرف، وعده الثعالبي في ثمار القلوب: ص 206 في أدواء الأشراف وعاهاتهم ـ كما قيل: لقوة معاوية... وبخر عبد الملك وبرص أنس بن مالك.

ويبدو أن البرص توارثه بعض ولده، فقد ذكره الجاحظ، وذكر ابنه وحفيده ثمامة في كتاب البرصان والعرجان: ص 79 وقال: قال أبو عبيدة: كان ثمامة بن عبد الله بن أنس أسلع ابن أسلع ابن أسلع (والأسلع هو الأبرص كما في كتاب البرصان: ص 63).

وقال ابن رسته في الأعلاق النفسية: ص 221: أنس بن مالك، كان بوجهه برص، ويذكر قوم أن علي بن أبي طالب عليه السلام سأله عن شيء فقال: كبرت سني ونسيت ! فقال علي: إن كنت كاذبا فضربك الله ببيضاء لا تواريها العمامة.

وقال الثعالبي في لطائف المعارف: ص 105: وكان أنس بن مالك رضي الله عنه أبرص، وذكر قوم أن علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ سأله عن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه: «أللهم وال من والاه وعاد من عاداه» فقال: قد كبرت ونسيت ! فقال علي: «إن كنت كاذبا فضربك الله ببيضاء لا تواريها العمامة» فأصابه برص. وبرص أنس مشهور مذكور في ترجمته في الكتب الكبار كتهذيب الكمال: 3 / 375 وتاريخ الإسلام: 6 / 295 وسير أعلام النبلاء: 3 / 405.

وأخرج أبو نعيم في حلية الأولياء: 5 / 26 ـ 27 عن شيخه الحافظ الطبراني حديث المناشدة وفيه: فقاموا كلهم فقالوا: نعم، وقعد رجل: فقال: «ما منعك أن تقول ؟» فقال: يا أمير المؤمنين كبرت ونسيت ! فقال: «أللهم إن كان كاذبا فاضربه ببلاء حسن»: قال: فما مات حتى رأينا بين عينيه نكتة بيضاء لا تواريها العمامة.

وكرر هذا الحديث في أخبار أصبهان: 1 / 107 بالإسناد واللفظ إلى قوله: «وعاد من عاداه». فحذف منه كتمان أمس وابتلائه بالبرص ! وقد جمع أنس بين كتمان الشهادة وكذبتين: كبرت، ونسيت. فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما هاجر إلى المدينة كان أنس طفلا ابن عشر سنين أو ثمان سنين، أخذت أمه بيده وذهبت به إليه صلى الله عليه وآله وسلم وطلبت منه أن يقبله خادما، والمناشدات كانت بين سنتي 36 و 40، فأنس عند المناشدة كان في الأربعينات من عمره، له دون الخمسين سنة، فأين الكبر المورث للنسيان ؟ !

ولقد جربنا عليه الكذب في قصة الطير عندما دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يأتيه الله بأحب الخلق إليه يأكل معه من الطير، فبعث الله إليه عليا عليه السلام ثلاث مرات في كل ذلك يقول له أنس: إن النبي عنك مشغول ! وأما البراء بن عازب.

الصفحة 69

وقد نظم السيد الحميري (1) إصابة الدعوة عليه في لاميته الآتية بقوله:

في رده سيد كل الورى * مولاهم في المحكم المنزل
فصده ذو العرش عن رشده * وشانه بالبرص الأنكل

وقال الزاهي (2) في قصيدته التي تأتي:

ذاك الذي استوحش منه أنس * أن يشهد الحق فشاهد البرص
إذ قال من يشهد بالغدير لي ؟ * فبادر السامع وهو قد نكص
فقال أنسيت، فقال كاذب * سوف نرى ما لا تواريه القمص

وهناك حديث مجمل أحسبه إجمال هذا التفصيل:

أخرج الخوارزمي من طريق الحافظ ابن مردويه في مناقبه (3) عن زادان أبي عمرو: أن عليا سأل رجلا في الرحبة عن حديث فكذبه ! فقال علي: «إنك قد كذبتني.

فقال: ما كذبتك !! فقال: أدعو الله عليك إن كنت كذبتني أن يعمي بصرك». قال: ادع الله. فدعا عليه، فلم يخرج من الرحبة حتى قبض بصره.

____________

(1) فقد تقدم في رواية البلاذري: وعمي البراء. وعده الصفدي في العميان، فترجم له في نكت الهميان: ص 124 وأرخ وفاته بالكوفة سنة 71 بعدما أضر.

وهناك قول: إن البراء أيضا عوقب بالبرص، فكان يقال له ذو الغرة. قال ابن ماكولا في الإكمال: 7 / 14 باب الغرة والعزة: وقال بعض أهل العلم: إن البراء هو ذو الغرة، سمي بذلك لبياض كان في وجهه.

وفي تاج العروس ـ مادة غرر ـ: ذو الغرة بالضم: البراء بن عازب... قيل له ذلك لبياض كان في وجهه إلا أن يكون المقصود أنس بن مالك فوهموا فذكروا البراء مكانه ! (الطباطبائي).

(1) أحد شعراء الغدير في القرن الثاني، يأتي هناك شعره وترجمته. (المؤلف).

(2) أحد شعراء الغدير في القرن الرابع، يأتي هناك شعره وترجمته. (المؤلف).

(3) المناقب: ص 378 ح 396.

الصفحة 70

ورواه خواجه باسا في فصل الخطاب من طريق الإمام المستغفري (1)، وكذلك نور الدين عبد الرحمن الجامي عن المستغفري، وعده ابن حجر في الصواعق (2) (ص 77) من كرامات أمير المؤمنين عليه السلام، ورواه الوصابي في محكي الاكتفاء عن زاذان من طريق الحافظ عمر بن محمد الملا في سيرته، وجمع آخرون. (3)

ـ 6 ـ
مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام
يوم صفين سنة (37)

قال أبو صادق سليم بن قيس الهلالي (4) التابعي الكبير في كتابه (5).

____________

(1) جعفر بن محمد النسقي المستغفري ـ المولود (350) والمتوفى (432) ـ صاحب التأليف القيمة. ترجمة الذهبي في تذكرته: 3 / 300 [ 3 / 1102 رقم 996 ] ـ (المؤلف).

(2) الصواعق المحرقة: ص 129.

(3) منهم عبد الله بن أحمد بن حنبل في زياداته في فضائل الصحابة لأبيه: 900. وفي كتاب الزهد له ص 132، وفي كتاب مناقب عليه عليه السلام له: برقم 23.

وأخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب مجابي الدعوة، والحافظ أبو نعيم في أخبار أصبهان: 1 / 210.

وأخرجه ابن عساكر في تاريخه: 1272 و 1273، والمحب الطبري في ذخائر العقبى: ص 96.

الطباطبائي

(4) كتاب سليم بن قيس: 2 / 757 ح 25.

(5) كتاب سليم من الأصول المشهورة المتداولة في العصور القديمة المعتمد عليها عند محدثي الفريقين وحملة التاريخ.

قال ابن النديم في الفهرست: ص 307 [ ص 275 ] إن سليما لما حضرته الوفاة قال لأبان: إن لك علي حقا، وقد حضرتني الوفاة، يا ابن أخي إنه كان من أمر رسول الله كيت وكيت، وأعطاه كتابا، وهو كتاب سليم بن قيس الهلالي المشهور... ـ إلى أن قال ـ: وأول كتاب ظهر للشيعة كتاب سليم.

وفي التنبيه والأشراف للسمعودي، ص 198 ما نصه: والقطيعة بالإمامة الاثنا عشرية منهم الذين أصابهم في حصر العدد ما ذكره سليم بن قيس الهلالي في كتابه.

وقال السبكي في محاسن الرسائل في معرفة الأوائل: إن أول كتاب صنف للشيعة هو كتاب سليم.

واللام في كلام ابن النديم والسبكي للمنفعة، فمفادها أنهم كانوا يحتجون به، فيخصمون المجادل لاقتناعه بما فيه ثقة بأمانة سليم في النقل، لا محض أن الشيعة تقتنع بما فيه، وهو الذي يعطيه كلام المسعودي حيث أسند احتجاج الإمامية الاثني عشرية في حصرالعدد بما فيه، فإن الاقتناع بمجرده غير مجد في عصور قام الحجاج فيها على أشده، ولذلك أسند إليه وروى عنه غير واحد من أعلام العامة: منهم الحاكم الحسكاني ـ المترجم (ص 112) ـ في شواهد التنزيل لقواعد التفضيل [ 1 / 47 ح 41 ]، والإمام الحموئي ـ المترجم (ص 123) ـ في فرائد السمطين [ 1 / 312 ح 250 ]، والسيد ابن شهاب الهمداني (المذكور ص 127) في مودة القربى [ المودة العاشرة ]، والقندوزي الحنفي ـ المترجم (ص 147) ـ في ينابيع المودة [ 1 / 27 ـ 32، 114 باب 38 ]، وغيرهم، وحول الكتاب كلمات درية أفردناها في رسالة، وإنما ذكرنا هذا الإجمال لنعلم أن التعويل على الكتاب مما تسالم عليه الفريقان، وهو الذي حدانا إلى النقل عنه في كتابنا هذا. (المؤلف).

الصفحة 71

صعد علي عليه السلام المنبر ـ في صفين ـ في عسكره، وجمع الناس ومن بحضرته من النواحي والمهاجرين والأنصار، ثم حمد الله وأثنى عليه، ثم قال:

«معاشر الناس، إن مناقبي أكثر من أن تحصى، وبعدما أنزل الله في كتابه من ذلك، وما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أكتفي بها عن جميع مناقبي وفضلي:

أتعلمون أن الله فضل في كتابه السابق على المسبوق، وأنه لم يسبقني إلى الله ورسوله أحد من الأمة ؟ قالوا: نعم.

قال: أنشدكم الله: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قوله: (السابقون السابقون * أولئك المقربون) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنزلها الله في الأنبياء وأوصيائهم، وأنا أفضل أنبياء الله، ورسله، ووصيي علي بن أبي طالب أفضل الأوصياء ؟».

فقام نحو من سبعين بدريا جلهم من الأنصار وبقيتهم من المهاجرين، منهم: أبو الهيثم بن التيهان، وخالد بن زيد أبو أيوب الأنصاري، وفي المهاجرين عمار بن ياسر، فقالوا: نشهد أنا قد سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ذلك.

قال: «فأنشدكم بالله في قول الله: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله واطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) وقوله: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا...) الآية، ثم

الصفحة 72
قال: (ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة). فقال الناس: يارسول الله، أخاص لبعض المؤمنين، أم عام لجميعهم ؟

فأمر الله عز وجل رسوله أن يعلمهم، وأن يفسر لهم من الولاية ما فسر لهم من صلاتهم وصيامهم وزكاتهم وحجهم، فنصبني بغدير خم، وقال:

إن الله أرسلني برسالة ضاق بها صدري وظننت أن الناس مكذبي، فأوعدني: لأبلغها أو يعذبني، قم يا علي، ثم نادى بالصلاة جامعة فصلى بهم النظر، ثم قال:

أيها الناس إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأولى بهم من أنفسهم، من كنت مولاه فعلي مولاه، أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، فقام إليه سلمان الفارسي، فقال: يارسول الله ولاء كماذا ؟ فقال: ولاء كولاي، من كنت أولى به من نفسه، فعلي أولى به من نفسه، وأنزل الله (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)...» إلى أن قال:

فقام اثنا عشر رجلا من البدريين، فقالوا: نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله كما قلت... الحديث، وهو طويل، وفيه فوائد جمة.

ـ 7 ـ
احتجاج الصديقة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

قال شمس الدين أبو الخير الجزري الدمشقي المقري الشافعي ـ المترجم (ص 129) ـ في كتابه أسنى المطالب (1) في مناقب علي بن أبي طالب (2):

وألطف طريق وقع لهذا الحديث ـ يعني حديث الغدير ـ وأغربه ما حدثنا به

____________

(1) أسنى المطالب: ص 49.

(2) ذكره له السخاوي في الضوء اللامع: 9 / 256 [ رقم 806 ]، والشوكاني في البدر الطالع: 2 / 297 [ رقم 513 ]. (المؤلف).