ـ س ـ
المراجعة 84
5 ربيع الأول سنة 1330
1 ـ الجمع بين ثبوت النص وحملهم على الصحة
2 ـ الوجه في قعود الامام عن حقه
1 ـ أفادتنا سيرة كثيرة من الصحابة أنهم إنما كانوا يتعبدون بالنصوص إذا كانت متمحضة للدين، مختصة بالشؤون الأخروية، كنصه صلى الله عليه وآله وسلم، على صوم شهر رمضان دون غيره، واستقبال القبلة في الصلاة دون غيرها، ونصه على عدد الفرائض في اليوم والليلة، وعدد ركعات كل منها وكيفياتها، ونصه على أن الطواف حول البيت اسبوع، ونحو ذلك من النصوص المتمحضة للنفع الأخروي.
أما ما كان منها متعلقاً بالسياسة كالولايات والامارات، وتدبير قواعد الدولة، وتقرير شؤون المملكة، وتسريب الجيش، فإنهم لم يكونوا يرون التعبد به والالتزام في جميع الأحوال بالعمل على مقتضاه، بل جعلوا لأفكارهم مسرحاً للبحث، ومجالاً للنظر والاجتهاد، فكانوا إذا رأوا في خلافه، رفعاً لكيانهم، أو نفعاً في سلطانهم، ولعلهم كانوا يحرزون رضا النبي بذلك، وكان قد غلب على ظنهم أن العرب لا تخضع لعلي ولا تتعبد بالنص عليه، إذ وترها في سبيل الله، وسفك دماءها بسيفه في إعلاء كلمة الله، وكشف القناع منابذاً لها في نصرة الحق، حتى ظهر أمر الله على رغم كل عات كفور فهم لا يطيعونه إلا عنوة، ولا يخضعون للنص عليه إلا بالقوة، وقد عصبوا به كل دم أراقه الاسلام أيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، جرياً على عادتهم في أمثال ذلك، اذ لم يكن بعد النبي في عشيرته صلى الله عليه وآله وسلم، أحد يستحق أن تعصب به تلك الدماء عند العرب غيره، لأنهم إنما كانوا يصبونها في أمثل العشيرة، وأفضل القبيلة، وقد كان هو أمثل الهاشميين؛ وأفضلهم بعد رسول الله، لا يدفاع ولا ينازع في ذلك، ولذا تربص
وكذلك فإن قريشاً خاصة والعرب عامة، كانت تنقم من علي شدة وطأته على أعداء الله، ونكال وقعته فيمن يتعدى حدود الله، أو يهتك حرماته عز وجل، وكانت ترهب من أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وتخشى عدله في الرعية، ومساواته بين الناس في كل قضية، ولم يكن لأحد فيه مطمع، ولا عنده لأحد هوادة، فالقوي العزيز عنده ضعيف ذليل حتى يأخذ منه الحق، والضعيف الذليل عنده قوي عزيز حتى يأخذ له بحقه، فمتى تخضع الأعراب طوعاً لمثله وهم (أشد كفراً ونفاقاً وأجدر أن لا يعلموا حدود ما انزل الله على رسوله)(1) (ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم)(2) وفيها بطانة لا يألونهم خبالاً.
وأيضاً فإن قريشاً وسائر العرب، كانوا يحسدونه على ما آتاه الله من فضله، حيث بلغ في علمه وعمله رتبة ـ عند الله ورسوله وأولي الألباب ـ تقاصر عنها الأقران، وتراجع عنها الأكفاء، ونال من الله ورسوله بسوابقه وخصائصه، منزلة، تشرئب إليها أعناق الأماني، وشأواً تنقطع دونه هوداي المطامع، وبذلك دبت عقارب الحسد له في قلوب المنافقين، واجتمعت على نقض عهده كلمة الفاسقين والناكثين والقاسطين والمارقين، فاتخذوا النص ظهرياً، وكان لديهم نسياً منسياً.
وأيضاً، فإن قريشاً وسائر العرب، كانوا قد تشوقوا الى تداول الخلافة في قبائلهم، وأشرئبت الى ذلك أطماعهم، فأمضوا نياتهم على نكث العهد، ووجهوا عزائمهم الى نقض العقد، فتصافقوا على تناسي النص، وتبايعوا على أن لا يذكر بالمرة، وأجمعوا على صرف الخلافة من أول أيامها عن وليها المنصوص عليه من
____________
(1) سورة التوبة آية: 97.
(2) سورة التوبة آية: 101.
وأيضاً، فإنّ من ألم بتاريخ قريش والعرب في صدر الاسلام، يعلم أنهم لم يخضعوا للنبوة الهاشمية، إلا بعد أن تهشموا، ولم يبق فيهم من قوة، فكيف يرضون باجتماع النبوة والخلافة في بني هاشم، وقد قال عمر بن الخطاب لابن عباس في كلام دار بينهما: «إن قريشاً كرهت أن تجتمع فيكم النبوة والخلافة، فتجحفون على الناس(1) »(2) .
2 ـ والسلف الصالح لم يتسن له أن يقهرهم يومئذ على التعبد بالنص فرقاً من انقلابهم إذا قاومهم، وخشية من سوء عواقب الاختلاف في تلك الحال، وقد ظهر النفاق بموت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقويت بفقده شوكة المنافقين، وعتت نفوس الكافرين، وتضعضعت أركان الدين، وانخلعت قلوب المسلمين، وأصبحوا بعده كالغنم المطيرة، في الليلة الشاتية، بين ذئاب عادية، ووحوش ضارية، وارتدت طوائف من العرب، وهمت بالردة أخرى، كما فصلناه في المراجعة 82، فأشفق علي في تلك الظروف أن يظهر إرادة القيام بأمر الناس مخافة البائقة،
____________
(1) نقله ابن أبي الحديد في 107 من المجلد الثالث من شرح النهج، في قضية يجدر بالباحثين أن يقفوا عليها، وقد أوردها ابن الأثير في أواخر أحوال عمر ص24 من الجزء الثالث من كامله، قبل ذكر قصة الشورى. (منه قدس).
(2) محاورة بين ابن عباس وعمر في أمر الخلافة.
راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/107 ط1 بمصر و: 12/52 ط مصر بتحقيق محمد أبو الفضل و: 3/876 ط مكتبة الحياة و: 3/141 ط دار الفكر، الكامل لابن الأثير ج3 ط دار صادر، تاريخ الطبري: 4/223 ط دار المعارف بمصر و: 2/289 ط آخر، عبدالله ابن سبأ للعسكري: 1/114.
غير أنه قعد في بيته ـ ولم يبايع حتى أخرجوه كرهاً ـ(2) احتفاظاً بحقه، واحتجاجاً على من عدل عنه، ولو أسرع الى البيعة ما تمت له حجة ولا سطع له برهان، لكنه جمع فيما فعل بين حفظ الدين، والأحتفاظ بحقه من إمرة المؤمنين، فدل هذا على أصالة رأيه، ورجاحة حلمه، وسعة صدره، وإيثاره المصلحة العامة، ومتى سخت نفس امرئ عن هذا الخطب الجليل، والأمر الجزيل، ينزل من الله تعالى بغاية منازل الدين، وإنما كانت غايته مما فعل أربح الحالين له، وأعود المقصودين عليه، بالقرب من الله عز وجل.
أما الخلفاء الثلاثة وأولياؤهم، فقد تأولوا النص عليه بالخلافة للأسباب التي قدمناها، ولا عجب منهم في ذلك بعد الذي نبهنا إليه من تأولهم واجتهادهم في كل ما كان من نصوصه صلى الله عليه وآله وسلم، متعلقاً بالسياسات والتأميرات، وتدبير قواعد الدولة، وتقرير شؤون المملكة، ولعلهم لم يعتبروها كأمور دينية،
____________
(1) راجع: تاريخ الطبري: 4/218 و219 و220 ط دار المعارف بمصر، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/6 و9 ط مصر بتحقيق محمد أبو الفضل و: 2/4 ط1 بمصر، تاريخ اليعقوبي: 2/102.
(2) اخراج الامام علي بن أبي طالب عليه السلام كرهاً لأجل البيعة.
راجع: العقد الفريد: 4/335 ط لجنة التأليف والنشر بمصر و: 2/285 ط آخر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/415 أفست بيروت.
ـ ش ـ
المراجعة 85
7 ربيع الأول سنة 1330
التماس الموارد التي لم يتعبدوا فيها بالنص
أخذت كتابك الأخير، فإذا هو معجز في تقريب ما استبعدناه، مدهش في تمثيله بأجلى مظاهر التصوير، فسبحان من ألان لك أعطاف البرهان، وألقى إليك مقاليد البيان، فبلغت ما لا تبلغ إليه الوسائل، وظفرت بما لا تظفر به الأماني. وكنا نظن أن الأسباب لا تتعلق بما استشهدت عليه بنصوص الأثبات، وأن لا سبيل إلى ما خرجت من عهدته بنواهض البينات. وليتك أشرت الى الموارد التي لم يتعبدوا فيها بالنصوص الصريحة، ليتبين وجه السداد، ويتضح سبيل الرشاد، فالتمس تفصيل ذلك، استظهاراً بذكر المأثور من سيرتهم، وسبر المسطور في كتب الأخبار من طريقتهم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـ س ـ
المراجعة 86
8 ربيع الأول سنة 1330
1 ـ رزية يوم الخميس
2 ـ السبب في عدول النبي عما أمرهم به يومئذ
1 ـ الموارد التي لم يتعبدوا فيها بالنص أكثر من أن تحصى، وحسبك منها رزية يوم الخميس فإنها من اشهر القضايا، وأكبر الرزايا، أخرجها أصحاب الصحاح، وسائر أهل السنن، ونقلها أهل السير والأخبار كافة، ويكفيك منها ما أخرجه البخاري(1) بسنده الى عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس، قال: لما حضر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلوا(2) بعده، فقال عمر: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول: قربوا يكتب لكم النبي كتاباً لا تضلوا بعده ومنهم من يقول ما قاله عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قوموا [ عنّي خ ل]، فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم. اهـ.(3) وهذا الحديث مما لا كلام في صحته ولا في صدوره؛ وقد أورده البخاري في عدة مواضع من صحيحه(4) ؛ وأخرجه مسلم في
____________
(1) في باب قول المريض قوموا عني من كتاب المرضى، ص5 من الجزء الرابع من صحيحه. (منه قدس).
(2) بحذف النون مجزوماً، لكونه جواباً ثانياً لقوله هلم (منه قدس).
(3)
رزية يوم الخميس وأذية الرسول
هذا اللفظ يوجد في: صحيح البخاري كتاب المرضى باب قول المريض قوموا عن: 7/9 أفست دار الفكر على ط استانبول و: 7/156 ط محمد علي صبيح وط مطابع الشعب و: 4/7 ط دار احياء الكتب و: 4/5 ط المعاهد و: 4/5 ط الميمنية بمصر و: 6/97 ط بمبي و: 4/6 ط المطبعة الخيرية بمصر، صحيح مسلم في آخر كتاب الوصية: 5/75 ط محمد علي صبيح و ط المكتبة التجارية و: 2/16 ط عيسى الحلبي و: 11/95 ط مصر بشرح النووي، مسند أحمد بن حنبل: 4/356 ح2992 بسند صحيح ط دار المعارف بمصر.
(4) أورده في كتاب العلم ص22 من جزئه الأول، وفي مواضع أخر يعرفها المتتبعون (منه قدس).
____________
(1) ص 14 من جزئه الثاني (منه قدس).
(2) راجع ص325 من جزئه الأول (منه قدس).
(3) كما في ص20 من المجلد الثاني من شرح النهج للعلامة المعتزلي (منه قدس).
(4) يوجد في: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/51 ط مصر بتحقيق محمد أبو الفضل و: 2/20 ط1 بمصر وأفست بيروت و: 2/294 ط دار مكتبة الحياة و: 2/30 ط دار الفكر في بيروت.
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضاً في آخر كتاب الوصية من صحيحه، وأحمد من حدث ابن عباس في مسنده(3) ، ورواه سائر المحدثين، وأخرج مسلم في كتاب الوصية من الصحيح عن سعيد بن جبير من طريق آخر عن ابن عباس، قال: يوم الخميس وما يوم الخميس، ثم جعل تسيل دموعه حتى رؤيت على خديه كأنها نظام اللؤلؤ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ائتوني بالكتف والدواة، أو اللوح والدواة، أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً، فقالوا: إن رسول الله يهجر(4) . اهـ(5) .
____________
(1) ليس الثالثة الا الأمر الذي أراد النبي أن يكتبه حفظاً لهم من الضلال، لكن السايسة اضطرت المحدثين الى نسيانه، كما نبه اليه مفتي الحنفية في صور الحاج داود الددا (منه قدس).
(2) يوجد في: صحيح البخاري كتاب الجهاد والسير باب جوائز الوفد: 4/31 أفست دار الفكر على ط استانبول و: 4/85 ط مطابع الشعب و: 2/178 ط دار احياء الكتب و: 2/120 ط المعاهد و: 2/125 ط الشرفية و: 5/85 ط محمد علي صبيح و: 4/55 ط الفجالة و: 2/111 ط الميمنية بمصر و: 3/115 ط بمبي بالهند.
صحيح مسلم كتاب الوصية باب ترك الوصية لمن ليس عنده شيء: 2/16 ط عيسى الحلبي و: 5/75 ط محمد علي صبيح بمصر و: 5/75 ط المكتبة التجارية في بيروت و: 11/89 ـ 94 ط مصر بشرح النووي، مسند أحمد: 1/222 ط الميمنية بمصر و: 3/286 ح1935 بسند صحيح و: 5/45 ح3111 ط دار المعارف بمصر.
(3) ص 222 من جزئه الأول. (منه قدس).
(4) وأخرج هذا الحديث بهذه الألفاظ، أحمد في ص355 من الجزء الأول من مسنده، وغير واحد من أثبات السنن (منه قدس).
(5) يوجد ذلك في: صحيح مسلم كتاب الوصية باب ترك الوصية لمن ليس عنده شيء 2/16 ط عيسى الحلبي و: 5/75 ط محمد علي صبيح و: 5/75 ط المكتبة التجارية و: 11/94 ـ 95 ط مصر بشرح النووي، مسند أحمد بن حنبل: 1/355 ط الميمنية بمصر و: 5/116 ح3336 بسند صحيح ط دار المعارف بمصر، تاريخ الطبري: 3/193 بمصر، الكامل لابن الأثير: 2/320.
رزية يوم الخميس بلفظ ثالث للبخاري:
«عن ابن عباس قال: لما اشتد بالنبي صلى الله عليه (وآله) وسلم وجعه قال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده. قال عمر: ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا فاختلفوا وأكثروا اللفظ قال: قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع. فخرج ابن عباس يقول: ان الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين كتابه».
يوجد في: صحيح البخاري كتاب العلم: 1/37 أفست دار الفكر على ص استانبول و: 1/39 ط مطابع الشعب و: 1/14 ط بمبي بالهند و: 1/32 ط دار احياء الكتب و: 1/22 ط المعاهد و: 1/22 ط الشرفية و: 1/38 ط محمد علي صبيح و: 1/28 ط الفجالة و: 1/20 ـ 21 ط الميمنية بمصر.
رزية يوم الخميس بلفظ رابع للبخاري:
«قال ابن عباس: يوم الخميس وما يوم الخميس اشتد برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجعه فقال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبداً فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا: ما شأنه أهجر؟ استفهموه، فذهبوا يردون عليه فقال: دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني اليه، وأوصاهم بثلاث: قال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحوما كنت أجيزهم، وسكت عن الثالثة أو قال فنسيتها».
يوجد في: صحيح البخاري كتاب النبي الى كسرى وقيصر باب مرض النبي ووفاته: 5/137 أفست دار الفكر على ط استانبول و: 6/11 ط مطابع الشعب و: 5/40 ط بمبي بالهند و: 3/66 ط المطبعة الخيرية، تاريخ الطبري: 3/192 ـ 193.
رزية يوم الخيمس بلفظ خامس للبخاري:
«سعيد بن جبير سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول: يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى حتى بل دمعه الحصى قلت له يا بن عباس ما يوم الخميس؟ قال: اشتد برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجعه فقال ائتوني بكتف أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا: ما له أهجر استفهموه فقال: ذروني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني اليه فأمرهم بثلاث قال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم والثالثة أما أن سكت عنها واما أن قالها فنسيتها».
يوجد في: صحيح البخاري كتاب الجزية باب اخراج اليهود من جزيرة العرب: 4/65 ـ 66 أفست دار الفكر على ط استانبول و: 4/12 ط بمبي بالهند و: 2/132 ط آخر. وهذا قريب مما تقدم في اللفظ الأول تحت رقم (848) فراجع.
رزية يوم الخميس بلفظ سادس للبخاري:
«عن ابن عباس قال لما حضر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال: هلم أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده قال عمر: ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم غلبه الوجع وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله واختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول: ما قال عمر فلما أكثروا اللغط والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: قوموا عني».
قال عبيدالله فكان ابن عباس يقول: ان الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم».
يوجد في: صحيح البخاري كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب كراهية الخلاف: 8/161 أفست دار الفكر على ص استانبول و: 8/64 ط بمبي بالهند و: 4/194 ط المطبعة الخيرية.
وذكر هذه الرواية في كتاب النبي الى كسرى وقيصر باب مرض النبي ووفاته بعد الرواية المتقدمة في لفظه الرابع.
رزية يوم الخميس في مصادر اخرى:
راجع: عبدالله بن سبأ للعسكري: 1/79، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/133 أفست بيروت على ط1 بمصر، الملل والنحل للشهرستاني: 1/22 ط بيروت، الطبقات الكبرى لابن سعد: 2/242 ـ 244.
قول عمر بن الخطاب ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليهجر:
يوجد في: تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي الحنفي: 62 ط الحيدرية وص36 ط ايران، سر العالمين وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي: 21 ط مطبعة النعمان.
وأنت ترى أنهم لم يتعبدوا هنا بنصه الذي لو تعبدوا به لأمنوا من الضلال، وليتهم اكتفوا بعدم الامتثال ولم يردوا قوله إذ قالوا: حسبنا كتاب الله، حتى كأنه لا يعلم بمكان كتاب الله منهم، أو أنهم أعلم منه بخواص الكتاب وفوائده، وليتهم اكتفوا بهذا كله ولم يفاجئوه، بكلمتهم تلك ـ هجر رسول الله ـ وهو مختصر بينهم، وأي كلمة كانت وداعاً منهم له صلى الله عليه وآله وسلم، وكأنهم ـ حيث لم يأخذوا بهذا النص اكتفاء منهم بكتاب الله على ما زعموا ـ لم يسمعوا هتاف الكتاب آناء الليل وأطراف النهار في أنديتهم (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)(3) وكأنهم حيث قالوا: هجر، لم يقرأوا قوله تعالى: (إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين، مطاع ثم أمين، وما صاحبكم بمجنون)(4) وقوله عز من قائل: (إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلاً ما
____________
(1) كما في ص138 من الجزء الثالث من كنز العمال (منه قدس).
(2) راجع: عبدالله بن سبأ للسيد العكسري: 1/79، الطبقات الكبرى لابن سعد: 2/423 ـ 244.
(3) سورة الحشر آية: 7.
(4) سورة التكوير آية: 19.
وأنت إذا تأملت في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ائتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلوا، بعده، وقوله في حديث الثقلين: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي(5) ، تعلم أن المرمى في الحديثين واحد، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم، اراد في مرضه أن يكتب لهم تفصيل ما أوجبه عليهم في حديث الثقلين.
2 ـ وإنما عدل عن ذلك، لأن كلمتهم تلك التي فاجأوه بها اضطرته إلى العدول، إذ لم يبق بعدها أثر لكتابة الكتاب سوى الفتنة والاختلاف من بعده في أنه هل هجر فيما كتبه ـ والعياذ بالله ـ أو لم يهجر، كما اختلفوا في ذلك وأكثروا اللغو واللغط نصب عينيه، فلم يتسن له يومئذٍ اكثر من قوله لهم: قوموا؛ كما سمعت، ولو أصرّ فكتب الكتاب
____________
(1) سورة الحاقة آية: 40 ـ 43.
(2) سورة النجم آية: 2 ـ 50.
(3) كما في السطر 27 من الصفحة 114 من المجلد الثالث من شرح النهج الحديدي (منه قدس).
(4) اعترف عمر بأنه انما صد عن كتابة الكتاب حتى لا يجعل الأمر لعلي:
راجع: شرح نهج البلاغة: 3/114 سطر 27 ط1 بمصر وأفست بيروت و: 12/79 سطر 3 ط مصر بتحقيق محمد أبو الفضل و: 3/803 ط دار مكتبة الحياة و: 3/167 ط دار الفكر.
(5) حديث الثقلين تقدم تحت رقم (28 و29 و30 و31 و32 و33) فراجع.
لهذا اقتضت حكمته البالغة أن يضرب صلى الله عليه وآله وسلم، عن ذلك الكتاب صفحاً لئلا يفتح هؤلاء المعارضون وأولياؤهم باباً الى الطعن في النبوة ـ نعوذ بالله وبه نستجير ـ. وقد رأى صلى الله عليه وآله وسلم ان علياً وأولياءه خاضعون لمضمون ذلك الكتاب سواء عليهم أكتب ام لم يكتب، وغيرهم لا يعمل به ولا يعتبره لو كتب، فالحكمة ـ والحال هذه توجب تركه، إذ لا أثر له بعد تلك المعارضة سوى الفتنة كما لا يخفى، والسلام.
ـ ش ـ
المراجعة 87
9 ربيع الأول سنة 1330
العذر في تلك الرزية مع المناقشة فيه
لعله عليه السلام حين أمرهم بإحضار الدواة والبياض، لم يكن قاصداً لكتابة شيء من الأشياء، وانما أراد بكلامه مجرد اختبارهم لا غير، فهدى الله عمر الفاروق لذلك دون غيره من الصحابة، فمنعهم من إحضارهما. فيجب ـ على هذا ـ عد تلك الممانعة من جملة موافقاته لربه تعالى، وتكون من كراماته رضي الله عنه، هكذا أجاب بعض الأعلام، لكن الانصاف أن قوله عليه السلام: «لا تضلوا بعده» يأبى ذلك، لأنه جواب ثان للأمر، ولا يخفى أن الاخبار بمثل هذا الخبر لمجرد الأختبار إنما هو من نوع الكذب الواضح، الذي يجب تنزيه كلام الأنبياء عنه، ولا سيما في موضع يكون ترك إحضار الدواة والبياض أولى من احضارهما، على أن في هذا الجواب نظراً من جهات أخر فلا بد هنا من اعتذار آخر، وحاصل ما يمكن أن يقال: إن الأمر لم يكن أمر عزيمة وايجاب، حتى لا تجوز مراجعته، ويصير المراجع عاصياً، بل كان أمر مشورة وكانوا يراجعونه عليه السلام في بعض تلك الأوامر ولا سيما عمر، فانه كان يعلم من نفسه أنه موفق للصواب في ادراك المصالح، وكان صاحب الهام من الله تعالى، وقد أراد التخفيف عن النبي اشفاقاً
هذا جوابهم وهو كما ترى، لأن قوله عليه السلام: لا تضلوا، يفيد أن الأمر أمر عزيمة وايجاب، لأن السعي فيما يوجب الامن من الضلال واجب مع القدرة عليه بلا ارتياب، واستياؤه منهم وقوله لهم قوموا، حين لم يمتثلوا أمره دليل آخر على أن الأمر انما كان للايجاب لا للمشورة.
فإن قلت لو كان واجباً ما تركه النبي عليه السلام، بمجرد مخالفتهم، كما أنه لم يترك التبليغ بسبب مخالفة الكافرين، قلنا: هذا الكلام لو تم، فإنما يفيد كون كتابة ذلك الكتاب لم تكن واجبة على النبي عليه السلام، وهذا لا ينافي وجوب الاتيان بالدواة والبياض عليهم حين أمرهم النبي به، وبين لهم أن فائدته الأمن من الضلال ودوام الهداية لهم، اذ الأصل في الأمر انما هو الوجوب على المأمور لا على الآمر، ولا سيما اذا كانت فائدته الى المأمور خاصة، والوجوب علهيم هو محل الكلام لا الوجوب عليه.
على أنه يمكن أن يكون واجباً عليه أيضاً، ثم سقط الوجوب عنه بعدم امتثالهم، وقولهم: هجر، حيث لم يبق لذلك الكتاب أثر سوى الفتنة كما أفدت.
وربما اعتذر بعضهم بأن عمر رضي الله عنه، لم يفهم من الحديث أن ذلك الكتاب سيكون سبباً لحفظ كل فرد من افراد الأمة من الضلال، بحيث لا يضل بعده منهم أحد أصلاً، وانما فهم من قوله: لا تضلوا، أنكم لا تجتمعون على الضلال بقضكم وقضيضكم، ولا تتسرى الضلالة بعد كتابة الكتاب الى كل فرد من أفرادكم، وكان رضي الله عنه يعلم أن اجتماعهم على الضلال مما لا يكون
ـ س ـ
المراجعة 88
11 ربيع الأول سنة 1330
تزييف تلك الأعذار
إن من كان عنده فصل الخطاب، لحقيق بأن يصدع بالحق وينطق بالصواب، وقد بقي بعض الوجوه في رد تلك الأعذار، فأحببت عرضه عليكم، ليكون الحكم فيه موكولاً اليكم.
قالوا في الجواب الاول: لعله صلى الله عليه وآله وسلم، حين أمرهم بإحضار الدواة لم يكن قاصداً لكتابة شيء من الأشياء، وانما اراد مجرد اختبارهم لا غير، فنقول ـ مضافاً الى ما أفدتم ـ: ان هذه الواقعة انما كانت حال احتضاره ـ بأبي وأمي ـ كما هو صريح الحديث، فالوقت لم يكن وقت اختبار، وانما كان وقت اعذار وانذار، ووصية بكل مهمة، ونصح تام للأمة، والمحتضر بعيد عن الهزل والمفاكهة، مشغول بنفسه وبمهماته ومهمات ذويه، ولا سيما اذا كان نبياً.
وإذا كانت صحته مدة حياته كلها لم تسع اختبارهم، فكيف يسعها وقت احتضاره، على أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم ـ حين أكثروا اللغو واللغط والاختلاف عنده ـ: قوموا، ظاهر في استيائه منهم، ولو كان الممانعون مصيبين
قال المعتذرون: ان عمر كان موفقاً للصواب في ادراك المصالح، وكان صاحب الهام من الله تعالى، وهذا مما لا يصغى اليه في مقامنا هذا، لأنه يرمي الى أن الصواب في هذه الواقعة انما كان في جانبه لا في جانب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأن الهامه كان أصدق من الوحي الذي نطق عنه الصادق الأمين، صلى الله عليه وآله وسلم.
وقالوا: بأنه أراد التخفيف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اشفاقاً عليه من التعب الذي يلحقه بسبب املاء الكتاب في حال المرض؛ وأنت ـ نصر الله بك الحق ـ تعلم بأن في كتابة ذلك الكتاب راحة قلب النبي، وبرد فؤاده، وقرة عينه، وأمنه على أمته صلى الله عليه وآله وسلم، من الضلال. على أن الأمر المطاع، والارادة المقدسة، مع وجوده الشريف انما هما له، وقد أراد ـ بأبي وأمي ـ احضار الدواة والبياض، وأمر به، فليس لأحد أن يرده أمره أو يخالف ارادته (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً)(1) .
على أن مخالفتهم لأمره في تلك المهمة العظيمة، ولغوهم ولغطهم واختلافهم عنده، كان أثقل عليه وأشق من املاء ذلك الكتاب، الذي يحفظ أمته من الضلال، ومن يشفق عليه من التعب باملاء الكتاب كيف يعارضه ويفاجئه بقوله هجر؟!
وقالوا: ان عمر رأى أن ترك احضار الدواة والورق أولى، وهذا من أغرب الغرائب، وأعجب العجائب، وكيف يكون ترك احضارهما أولى مع أمر النبي
____________
(1) سورة الأحزاب آية: 36.
وأغرب من هذا قولهم: وربما خشي أن يكتب النبي أموراً يعجز عنها الناس فيستحقون العقوبة بتركها، وكيف يخشى من ذلك مع قول النبي: لا تضلوا بعده، أتراهم يرون عمر أعرف منه بالعواقب، وأحوط منه وأشفق على أمته؟ كلا.
وقالوا: لعل عمر خاف من المنافقين أن يقدحوا في صحة ذلك الكتاب، لكونه في حال المرض فيصير سبباً للفتنة، وأنت ـ نصر الله بك الحق ـ تعلم أن هذا محال مع وجود قوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تضلوا، لأنه نص بأن ذلك الكتاب سبب للأمن عليهم من الضلال، فيكف يمكن ان يكون سبباً للفتنة بقدح المنافقين؟ وإذا كان خائفاً من المنافقين أن يقدحوا في صحة ذلك الكتاب، فلماذا بذر لهم بذرة القدم القدح حيث عارض ومانع، وقال هجر.
وأما قولهم في تفسير قوله: حسبنا كتاب الله أنه تعالى قال: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) وقال عز من قائل: (اليوم أكملت لكم دينكم) فغير صحيح، لأن الآيتين لا تفيدان الأمن من الضلال، ولا تضمنان الهداية للناس، فكيف يجوز ترك السعي في ذلك الكتاب اعتماداً عليهما؟ ولو كان وجود القرآن العزيز موجباً للأمن من الضلال، لما وقع في هذه الأمة من الضلال والتفرق، ما لا يرجى زواله(1) .
____________
(1) وأنت ـ نصر الله بك الحق ـ تعلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل: ان مرادي أن أكتب الأحكام، حتى يقال في جوابه حسبنا في فهمها كتاب الله تعالى، ولو فرض أن مراده كان كتابة الأحكام، فلعل النص عليها منه كان سبباً للأمن من الضلال، فلا وجه لترك السعي في ذلك النص اكتفاء بالقرآن، بل لو لم يمكن لذلك الكتاب الا الأمن من الضلال بمجرده لما صح تركه والاعراض عنه، واعتمادا على أن كتاب الله جامع لكل شيء، وأنت تعلم اضطرار الأمة الى السنة المقدسة وعدم استغنائها عنها بكتاب الله تعالى وان كان جامعاً مانعاً، لأن الاستنباط منه غير مقدور لكل أحد، ولو كان الكتاب مغنياً عن بيان الرسول ما أمره الله تعالى ببيانه للناس اذ قال عز من قائل: (وأنزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم) (منه قدس).
وقالوا في الجواب الأخير: ان عمر لم يفهم من الحديث أن ذلك الكتاب سيكون سبباً لحفظ كل فرد من أمته من الضلال، وانما فهم أنه سيكون سبباً لعدم اجتماعهم ـ بعد كتابته ـ على الضلال (قالوا): وقد علم رضي الله عنه أن اجتماعهم على الضلال مما لا يكون أبداً، كتب ذلك الكتاب أو لم يكتب، ولهذا عارض يومئذ تلك المعارضة.
وفيه مضافاً الى ما أشرتم اليه: ان عمر لم يكن بهذا المقدار من البعد عن الفهم، وما كان ليخفى عليه من هذا الحديث ما ظهر لجميع الناس، لأن القروي والبدوي إنما فهما منه أن ذلك الكتاب لو كتب لكان علة تامة في حفظ كل فرد من الظلال، وهذا المعنى هو المتبادر من الحديث الى افهام الناس وعمر كان يعلم يقيناً ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن خائفاً على أمته أن تجتمع على الضلال لأنه رضي الله عنه، كان يسمع قوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تجتمع أمتي على ضلال، ولا تجتمع على الخطأ، وقوله: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق… الحديث(1) وقوله تعالى (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً)(2) الى كثير من نصوص الكتاب والسنة الصريحين بأن الأمة لا تجتمع بأسرها على الضلال، فلا يعقل مع هذا أن يسنح في خواطر عمر أو غيره أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حين طلب الدواة والبياض، كان خائفاً من اجتماع امته على الضلال، والذي يليق بعمر أن يفهم من الحديث ما يتبادر الى الأذهان، لا ما تنفيه صحاح السنة ومحكمات القرآن. على ان استياء النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم، المستفاد من قوله: قوموا، دليل على أن الذي تركوه كان من الواجب عليهم، ولو كانت معارضة عمر عن اشتباه منه في فهم الحديث كما زعموا؛ لأزال النبي شبهته وأبان له مراده
____________
(1) راجع: كنز العمال: 1/160 ح910 وص 185 ح1030 و1031 ط2 بحيدر آباد، الدر المنثور للسيوطي: 2/222.
(2) سورة النور آية: 55.
والانصاف، أن هذه الرزية لما يضيق عنها نطاق العذر، ولو كانت ـ كما ذكرتم ـ قضية في واقعة، كفرطة سبقت، وفلتة ندرت، لهان الأمر، وان كانت بمجردها بائقة الدهر، وفاقرة الظهر، فانا لله وإنا اليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ـ ش ـ
المراجعة 89
14 ربيع الأول سنة 1330
1 ـ الاذعان بتزييف تلك الأعذار.
2 ـ التماسه بقية الموارد
1 ـ قطعت على المعتذرين وجهتهم، وملكت عليهم مذاهبهم، وحلت بينهم وبين ما يرومون، فلا موضع للشبهة فيما ذكرت، ولا مساغ للريب في شيء مما به صدعت.
2 ـ فامض على رسلك حتى تأتي على سائر الموارد التي تأولوا فيها النصوص، والسلام.
ـ س ـ
المراجعة 90
17 ربيع الأول سنة 1330
سرية أسامة
لئن صدعت بالحق، ولم تخش فيه لومة الخلق، فأنت العذق المرجب، والجذل المحكك، وإنك لأعلى ـ من أن تلبس الحق بالباطل ـ قدراً، وأرفع ـ من ان تكتم الحق ـ محلاً، وأجل من ذلك شأنا، وأبر وأطهر نفساً.
أمرتني ـ أعزك الله ـ أن أرفع اليك سائر الموارد التي آثروا فيها رأيهم على التعبد بالأوامر المقدسة، فحسبك منها سرية أسامة بن زيد بن حارثة الى غزو الروم، وهي
____________
(1) أجمع اهل السير والأخبار على أن أبا بكر وعمر (رض) كانا في الجيش وأرسلوا ذلك في كتبهم ارسال المسلمات وهذا مما لم يختلفوا فيه. فراجع ما شئت من الكتب المشتملة على هذه السرية، كطبقات ابن سعد، وتاريخي الطبري وابن الأثير، والسيرة الحلبية، والسيرة الدحلانية وغيرها، لتعلم ذلك، وقد أورد الحلبي حيث ذكر هذه السرية في الجزء الثالث من سيرته، حكاية ظريفة، نوردها بعين لفظه، قال: ان الخليفة المهدي لما دخل البصرة رأى أياس بن معاوية الذي يضرب به المثال في الذكاء، وهو صبي ووراءه أربعمئة من العلماء وأصحاب الطيالسة فقال المهدي: أف لهذه العثانين أي ـ اللحى ـ أما كان فيهم شيخ يتقدمهم غير هذا الحدث؟ ثم التفت اليه المهدي وقال: كم سنك يا فتى؟ فقال: سني أطال الله بقاء أمير المؤمنين سن أسامة بن زيد بن حارثة لما ولاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جيشاً فيه أبو بكر وعمر، فقال: تقدم بارك الله فيك (وقال الحلبي) وكان سنه سبع عشرة سنة. اهـ. (منه قدس).
(2)
أبو بكر وعمر في جيش أسامة
راجع في كون أبي بكر وعمر في جيش أسامة الذي بعثه النبي في مرضه: الطبقات الكبرى لابن سعد: 2/190، تاريخ اليعقوبي: 2/93 ط الغري و: 2/74 ط بيروت، الكامل لابن الأثير: 2/317، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/53 و: 2/21 أفست على ط1 بمصر و: 1/159 و: 6/52 ط مصر بتحقيق محمد أبو الفضل، سمط النجوم العوالي لعبدالملك العاصمي المكي: 2/224، السيرة الحلبية للحلبي الشافعي: 3/207، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش السيرة الحلبية: 2/339.
ونقله في عبدالله بن سبأ للعسكري: 1/71 عن: كنز العمال: 5/312، ومنتخب الكنز بهامش مسند أحمد: 4/180 وأنساب الأشراف: 1/474 وتهذيب ابن عساكر: 2/391 بترجمة أسامة.
وأبي عبيدة وسعد وأمثالهم، الا وقد عبأه بالجيش(1)(2) وكان ذلك لأربع ليالٍ بقين من صفر سنة إحدى عشرة للهجرة، فلما كان من الغد دعا أسامة، فقال له: سر الى موضع قتل ابيك فأوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش، فاغز صباحاً على اهل أبنى(3) ، وحرق عليهم، وأسرع السير لتسبق الأخبار، فإن أظفرك الله عليهم فأقل اللبث فيهم، وخذ معك الأدلاء، وقدم العيون والطلائع معك. فلما كان اليوم الثامن والعشرون من صفر، بدأ به صلى الله عليه وآله وسلم، مرض الموت فحم ـ بأبي وأمي ـ وصدع، فلما اصبح يوم التاسع والعشرين ووجدهم مثاقلين، خرج اليهم فحضهم على السير، وعقد صلى الله عليه وآله وسلم، اللواء لأسامة بيده الشريفة تحريكاً لحميتهم، وارهافاً لعزيمتهم، ثم قال: اغز بسم الله وفي سبيل الله، وقاتل من كفر بالله. فخرج بلوائه معقوداً، فدفعه الى بريدة، وعسكر بالجرف، ثم تثاقلوا هناك فلم يبرحوا، مع ما وعوه من النصوص الصريحة في وجوب اسراعهم لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «اغز صباحاً على أهل أبني»(4) وقوله: «وأسرع السير لتسبق الأخبار»(5) الى كثير من
____________
(1) كان عمر يقول لأسامة: مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنت علي أمير نقل عنه جماعة من الأعلام كالحلبي في سرية أسامة من سيرته الحلبية، وغير واحد من المحدثين والمؤرخين (منه قدس).
(2) عمر يقول لأسامة: مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنت علي أمير.
راجع: السيرة الحلبية: 3/209، كنز العمال للمتقي الهندي: 15/241 ح710 ط2، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش السيرة الحلبية: 2/341.
(3) أبنى ـ بضم الهمزة وسكون الباء ثم نون مفتوحة بعدها ألف مقصورة ـ: ناحية بالبلقاء من أرض سوريا بين عسقلان والرملة، وهي قرب مؤتة التي استشهد عندها زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين في الجنة عليه السلام (منه قدس).
(5) راجع: المغازلي للواقدي: 3/1117 و1123، السيرة الحلبية: 3/207، السيرة النبوية بهامش السيرة الحلبية: 2/339، الطبقات الكبرى لابن سعد: 2/190.
____________
(1) راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/53 أفست على ط1 بمصر و: 1/159 ط مصر بتحقيق محمد أبو الفضل، المغازي للواقدي: 3/1117، السيرة الحلبية: 3/207، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش السيرة الحلبية: 2/339، الطبقات الكبرى لابن سعد: 2/190.
(2) كل من ذكر هذه السرية من المحدثين وأهل السير والأخبار، نقل طعنهم في تأمير أسامة وأنه صلى الله عليه وآله وسلم، غضب غضباً شديداً، فخرج على الكيفية التي ذكرناها، فخطب الخطبة التي أوردناها، فراجع سرية أسامة من طبقات ابن سعد، وسيرتي الحلبي والدحلاني، وغيرها من المؤلفات في هذا الموضوع (منه قدس).
(3) راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/53 أفست على ط1 بمصر و: 1/159 ط مصر بتحقيق محمد أبو الفضل، عبدالله بن سبأ للعسكري: 1/70، المغازي للواقدي: 3/1119، السيرة الحلبية: 3/207، السيرة النبوية بهامش الحلبية: 2/339، الطبقات الكبرى لابن سعد: 2/190.
فرجع الجيش باللواء الى المدينة الطيبة، ثم عزموا على الغاء البعث بالمرة، وكلموا أبا بكر في ذلك، واصروا عليه غاية الاصرار، مع ما رأوه بعيونهم من اهتمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في إنفاذه، وعنايته التامة في تعجيل إرساله، ونصوصه المتوالية في الاسراع به على وجه يسبق الأخبار، وبذله الوسع في ذلك منذ عبأه بنفسه وعهد الى أسامة في أمره، وعقد لواءه بيده الى أن احتضر ـ بأبي وأمي ـ فقال: اغد على بركة الله تعالى، كما سمعت، ولولا الخليفة لأجمعوا يومئذ على رد البعث، وحل اللواء، لكنه أبى عليهم ذلك، فلما رأوا منه العزم على ارسال البعث، جاءه عمر بن الخطاب حينئذ يلتمس منه بلسان الأنصار أن يعزل أسامة، يولي غيره.
هذا ولم يطل العهد منهم بغضب النبي وانزعاجة، من طعنهم في تأمير أسامة. ولا بخروجه من بيته بسبب ذلك محموماً معصباً مدثراً، يرسف في مشيته، ورجله لا تكاد تقله، مما كان به من لغوب، فصعد المنبر وهو يتنفس الصعداء ويعالج البرحاء، فقال: «ايها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة، ولئن طعنتم في تأميري أسامة لقد طعنتم في تأميري أباه من قبله، وأيم الله إنه كان لخليقاً بالامارة، وان ابنه من بعده لخليق بها»
____________
(1) راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/53 أفست على ط1 بمصر و: 1/160 ط مصر بتحقيق محمد أبو الفضل، المغازي للواقدي: 3/1120، السيرة الحلبية: 3/208، السيرة النبوية بهامش الحلبية: 2/340، الطبقات الكبرى لابن سعد: 2/191.
وقد تعلم، أنهم إنما تثاقلوا عن السير أولاً، وتخلفوا عن الجيش أخيراً، ليحكموا قواعد سياستهم، ويقيموا عمدها، ترجيحاً منهم لذلك على التعبد بالنص، حيث رأوه أولى بالمحافظة، وأحق بالرعاية، إذ لا يفوت البعث بتثاقلهم
____________
(1) نقله الحلبي والدحلاني في سيرتيهما، وابن جرير الطبري في أحداث سنة 11 من تاريخه، وغير واحد من أصحاب الأخبار (منه قدس).
(2) راجع: تاريخ الطبري: 3/226، الكامل: 2/335، السيرة الحبية: 3/209، السيرة النبوية بهامش الحلبية: 2/340.
(3) فشن الغارة على أهل أبنى، فحرق منازلهم، وقطع نخلهم، وأجال الخيل في عرصاتهم، وقتل من قتل منهم، واسر من أسر، وقتل يومئذ قاتل أبيه، ولم يقتل، والحمد لله رب العالمين من المسلمين أحد، وكان أسامة يومئذٍ على فرس أبيه وشعارهم يا منصور أمت ـ وهو شعار النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر ـ واسهم للفارس سهمين، وللراجل سهماً وأخذ لنفسه مثل ذلك. (منه قدس).
(4) يوجد في: الملل والنحل للشهرستاني الشافعي: 1/23 أفست دار المعرفة في بيروت على ط مصر تحقيق محمد كيلاني و: 1/20 بهامش الفصل لابن حزم أفست دار المعرفة أيضاً.
ـ ش ـ
المراجعة 91
19 ربيع الأول سنة 1330
1 ـ العذر فيما كان منهم في سرية أسامة
2 ـ لم يرد حديث في لعن المتخلف عن تلك السرية
1 ـ نعم كان رسول الله عليه السلام قد حضهم على تعجيل السير في غزوة أسامة، وأمرهم بالاسراع كما ذكرت، وضيق عليهم في ذلك حتى قال لأسامة حين عهد اليه: اغز صباحاً على أهل أبنى، فلم يمهله الى المساء، وقال له: أسرع السير فلم يرض منه إلاّ بالاسراع، لكنه عليه السلام تمرض بعد ذلك بلا فصل، فثقل
____________
(1) على الأظهر، وقيل كان ابن ثمان عشرة سنة، وقيل ابن تسع عشرة سنة وقيل ابن عشرين سنة، ولا قائل بأن عمره كان أكثر من ذلك (منه قدس).
وأما طعنهم قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تأمير أسامة مع ما وعوه ورأوه من النصوص قولاً وفعلاً على تأميره، فلم يكن منهم إلا لحداثته مع كونهم بين شيوخ وكهول، ونفوس الكهول والشيوخ تأبى ـ بجبلتها ـ أن تنقاد الى الأحداث، وتنفر بطبعها من النزول على حكم الشبان، فكراهتهم لتأميره ليست بدعاً منهم، وإنما كانت على مقتضى الطبع البشري، والجبلة الآدمية، فتأمل.
وما طلبهم عزل أسامة بعد وفاة الرسول، فقد اعتذر عنه بعض العلماء بأنهم ربما جوزوا أن يوافقهم الصديق على رجحان عزله لاقتضاء المصلحة ـ بحسب نظرهم ـ هكذا قالوا، والانصاف أني لا أعرب وجهاً يقبله العقل في طلبهم عزله بعد غضب النبي من طعنهم في تأميره، وخروجه بسبب ذلك محموماً معصباً مدثراً، وتنديده بهم في خطبته تلك على المنبر التي كانت من الوقائع التاريخية الشائعة بينهم، وقد سارت كل مسير، فوجه معذرتهم بعدها لا يعلمه الا الله تعالى.
وأما عزمهم على إلغاء البعث، وإصرارهم على الصديق في ذلك، مع ما رأوه من اهتمام النبي في إنفاذه، وعنايته التامة في تعجيل إرساله، ونصوصه المتوالية في ذلك، فإنما كان منهم احتياطاً على عاصمة الاسلام أن يتخطفها المشركون من حولهم، إذا خلت من القوة، وبعد عنها الجيش، وقد ظهر النفاق بموت النبي عليه السلام، وقويت نفوس اليهود والنصارى، وارتدت طوائف من العرب، ومنعت الزكاة طوائف أخرى، فكلم الصحابة سيدنا الصديق في منع أسامة من السفر فأبى، وقال: والله لئن تخطفني الطير أحبّ إليَّ من ان أبدأ بشيء قبل أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
هذا ما نقله أصحابنا عن الصديق، وأما غيره فمعذور من رد البعث، إذ لم يكن
وأما تخلف أبي بكر وعمر وغيرهما عن الجيش حين سار به أسامة، فإنما كان لتوطيد الملك الاسلامي، وتأييد الدولة المحمدية، وحفظ الخلافة التي لا يحفظ الدين وأهله يومئذ إلاّ بها.
2 ـ وأما ما نقلتموه عن الشهرستاني في الملل والنحل، فقد وجدناه مرسلاً غير مسند، والحلبي والسيد الدحلاني في سيرتيهما قالا: لم يرد فيه حديث أصلاً. فإن كنت سلمك الله ترى من طريق أهل السنة حديثاً في ذلك، فدلني عليه والسلام.
ـ س ـ
المراجعة 92
22 ربيع الأول سنة 1330
1 ـ عذرهم لا ينافي ما قلناه
2 ـ الذي نقلناه عن الشهرستاني جاء في حديث مسند
1 ـ سلمتم ـ سلمكم الله تعالى ـ بتأخرهم في سرية أسامة عن السير، وتثاقلهم في الجرف تلك المدة، مع ما قد أمروا به من الاسراع والتعجيل.
وسلمتم بطعنهم في تأمير أسامة مع ما وعوه ورأوه من النصوص قولاً وفعلاً على تأميره.
وسملتم بطلبهم من أبي بكر عزله بعد غضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طعنهم في إمارته، وخروجه بسبب ذلك محموماً معصباً مدثراً، وتنديده بهم في خطبته تلك على المنبر، التي قلتم: إنها كانت من الوقائع التاريخية، وقد أعلن فيها كون أسامة أهلاً لتلك الامارة.
وسلمتم بطلبهم من الخليفة إلغاء البعث الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحل اللواء الذي عقده بيده الشريفة، مع ما رأوه من اهتمامه في إنفاذه، وعنايته التامة في تعجيل ارساله، ونصوصه المتوالية في وجوب ذلك.
وسلمتم بتخلف بعض من عبأهم صلى الله عليه وآله وسلم، في ذلك
على أن ما ذكرتموه من أن نفوس الشيوخ والكهول تنفر بطبعها من الأنقياد للحدث ممنوع، إن كان مرادكم الاطلاق في هذا الحكم، لأن نفوس المؤمنين من الشيوخ الكاملين في إيمانهم لا تنفر من طاعة الله ورسوله في الانقياد للأحداث، ولا في غيره من سائر الأشياء (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً)(1) (وما آتاكم الرسول
____________