الصفحة 481

الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتدأها، وسبوغ آلاء أسداها، وإحسان منن والاها، جم عن الاحصاء عددها، ونأى عن المجازات أمدها، وتفاوت عن الإدراك آمالها، واستثنى (1) الشكر بفضائلها، واستحمد إلى الخلائق بأجزالها، وثنى بالندب إلى أمثالها، وأشهد أن لا إله إلا الله، كلمة جعل الإخلاص تأويلها، وضمن القلوب موصولها، وأنى في الفكرة معقولها، الممتنع عن الأبصار رؤيته، ومن الأوهام الإحاطة به، ابتدع الأشياء لا من شئ قبله، واحتذاها بلا مثال، لغير فائدة زادته، إلا إظهارا لقدرته، وتعبدا لبريته وإعزازا لدعوته، ثم جعل الثواب على طاعته والعقاب على معصيته زيادة لعباده عن نقمته، وجياشا لهم إلى جنته، وأشهد أن أبي محمدا عبده ورسوله، اختاره قبل أن يجتبله، واصطفاه قبل أن ابتعثه، وسماه قبل أن استنجبه، إذ الخلائق بالغيوب مكنونة، وبستر الأهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة، علما من الله عز وجل بمآيل الأمور، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بمواضع المقدور، ابتعثه الله عز وجل إتماما لأمره، وعزيمة على إمضاء حكمه، فرأى الأمم صلى الله عليه فرقا في أديانها، عكفا على نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها، فأنار الله عز وجل بمحمد صلى الله عليه [ وآله ] ظلمها، وفرج عن القلوب بهمها، وجلى عن الأبصار غممها، ثم قبض الله نبيه صلى الله عليه [ وآله ] قبض رأفة واختيار، رغبة بأبي صلى الله عليه [ وآله ] عن هذه الدار، موضوع عنه العبء والأوزار، محتف بالملائكة الأبرار، ومجاورة الملك الجبار ورضوان الرب الغفار، صلى الله على محمد نبي الرحمة، وأمينه على وحيه، وصفيه من الخلائق ورضيه، صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ورحمة الله وبركاته.

____________

(1) في المصدر: " واستثن ".

الصفحة 482
ثم أنتم عباد الله (تريد أهل المجلس) نصب أمر الله ونهيه، وحملة دينه ووحيه، وأمناء الله على أنفسكم وبلغاؤه إلى الأمم، زعمتم حقا لكم الله فيكم عهد قدمه إليكم، ونحن بقية استخلفنا عليكم، ومعنا كتاب الله بينة بصائره، وآي فينا منكشفة سرائره، وبرهان منجلية ظواهره، مديم البرية إسماعه، قائد إلى الرضوان أتباعه، مؤد إلى النجاة استماعه، فيه بيان حجج الله المنورة، وعزائمه المفسرة، ومحارمه المحذرة، وتبيانه الجالية، وجمله الكافية، وفضائله المندوبة، ورخصه الموهوبة، وشرائعه المكتوبة.

ففرض الله الإيمان تطهيرا لكم من الشرك، والصلاة تنزيها عن الكبر، والصيام تثبيتا للاخلاص، والزكاة تزييدا في الرزق، والحج تسلية للدين، والعدل تنسكا للقلوب، وطاعتنا نظاما، وإمامتنا أمنا من الفرقة، وحبنا عزا للإسلام، والصبر منجاة، والقصاص حقنا للدماء، والوفاء بالنذر تعرضا للمغفرة، وتوفية المكائيل والموازين تغييرا للبخسة، والنهي عن شرب الخمر تنزيها عن الرجس، وقذف المحصنات اجتنابا للعنة، وترك السرق إيجابا للعفة، وحرم الله عز وجل الشرك إخلاصا له بالربوبية، فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، وأطيعوه فيما أمركم به ونهاكم عنه، فإنه إنما يخشى الله من عباده العلماء.

ثم قالت:

أيها الناس! أنا فاطمة، وأبي محمد صلى الله عليه [ وآله ] أقولها عودا على بدء، لقد جاءكم رسول من أنفسكم - ثم ساق الكلام على ما رواه زيد بن علي عليه السلام في رواية أبيه - ثم قالت في متصل كلامها:

أفعلي عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهروكم؟ إذ يقول تبارك وتعالى: " وورث سليمان داود " وقال الله عز وجل فيما قص من خبر يحيى ابن زكريا: " رب هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب " وقال

الصفحة 483
عز ذكره: " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " وقال:

" يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين " وقال: " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين ".

وزعمتم أن لا حق ولا إرث لي من أبي ولا رحم بيننا! أفخصكم الله بآية أخرج نبيه صلى الله عليه [ وآله ] منها؟ أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثان؟

أو لست أنا وأبي من أهل ملة واحدة؟! لعلكم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من النبي صلى الله عليه [ وآله ]؟ أفحكم الجاهلية تبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون؟ أأغلب على إرثي جورا وظلما؟ " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ".

وذكر أنها لما فرغت من كلام أبي بكر والمهاجرين عدلت إلى مجلس الأنصار، فقالت:

يا معشر البقية وأعضاد الملة وحصون الإسلام! ما هذه الغميزة في حقي والسنة عن ظلامتي؟ أما قال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ]: " المرء يحفظ في ولده "؟ سرعان ما أجدبتم فأكديتم! وعجلان ذا إهالة! أتقولون: مات رسول الله صلى الله عليه [ وآله ]؟ فخطب جليل استوسع وهيه، واستنهر فتقه وبعد وقته، وأظلمت الأرض لغيبته، واكتأبت خيرة الله لمصيبته، وخشعت الجبال، وأكدت الآمال، وأضيع الحريم، وأزيلت الحرمة عند مماته صلى الله عليه [ وآله ]، وتلك نازلة أعلن بها كتاب الله (1) في أفنيتكم في ممساكم ومصبحكم، يهتف بها في أسماعكم، وقبله حلت بأنبياء الله عز وجل ورسله " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ".

____________

(1) في المصدر: " وتلك نازل علينا بها كتاب الله ".

الصفحة 484
إيها بني قيلة! أأهضم تراث أبي (1) وأنتم بمرأى منه ومسمع، تلبسكم الدعوة، وتثملكم الحيرة، وفيكم العدد والعدة، ولكم الدار، وعندكم الجنن، وأنتم الألى نخبة الله التي انتخب لدينه، وأنصار رسول الله وأهل الإسلام، والخيرة التي اختار لنا أهل البيت، فباديتم العرب، وناهضتم الأمم، وكافحتم البهم، لا نبرح نأمركم وتأتمرون، حتى دارت لكم بنا رحى الإسلام، ودر حلب الأنام، وخضعت نعرة الشرك، وباخت نيران الحرب، وهدأت دعوة الهرج، واستوسق نظام الدين، فأنى حرتم بعد البيان؟ ونكصتم بعد الإقدام؟ وأسررتم بعد الإعلان؟ لقوم نكثوا أيمانهم " أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين ".

ألا! قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض، وركنتم إلى الدعة، فعجتم عن الدين، وبحجتم الذي وعيتم، ودسعتم الذي سوغتم " فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد ".

ألا! وقد قلت الذي قلته على معرفة مني بالخذلان الذي خامر صدوركم واستشعرته قلوبكم، ولكن قلته فيضة النفس ونفثة الغيظ وبثة الصدر ومعذرة الحجة، فدونكموها فاحتقبوها مدبرة الظهر، ناكبة الحق، باقية العار، موسومة بشنار الأبد، موصولة ب " نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة " فبعين الله ما تفعلون " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد فاعملوا إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون.

قال أبو الفضل: وقد ذكر قوم: أن أبا العيناء ادعى هذا الكلام، وقد رواه قوم وصححوه وكتبناه على ما فيه. وحدثني عبد الله بن أحمد العبدي، عن حسين بن علوان، عن عطية العوفي، أنه سمع أبا بكر - رحمه الله - يومئذ يقول

____________

(1) في المصدر: " أبيه ".

الصفحة 485
لفاطمة عليها السلام:

يا ابنة رسول الله، لقد كان صلى الله عليه [ وآله ] وسلم بالمؤمنين رؤوفا رحيما وعلى الكافرين عذابا أليما، وإذا عزوناه كان أباك دون النساء وأخا ابن عمك دون الرجال، آثره على كل حميم وساعده على الأمر العظيم، لا يحبكم إلا العظيم السعادة ولا يبغضكم إلا الردي الولادة، وأنتم عترة الله الطيبون وخيرة الله المنتخبون، على الآخرة أدلتنا، وباب الجنة لسالكنا، وأما منعك ما سألت فلا ذلك لي، وأما فدك وما جعل لك أبوك فإن منعتك فأنا ظالم، وأما الميراث فقد تعلمين أنه صلى الله عليه [ وآله ] قال: لا نورث وما أبقيناه صدقة.

قالت: إن الله يقول عن نبي من أنبيائه: " يرثني ويرث من آل يعقوب " وقال: " وورث سليمان داود " فهذان نبيان، وقد علمت أن النبوة لا تورث وإنما يورث ما دونها، فما لي أمنع إرث أبي؟ أأنزل الله في الكتاب " إلا فاطمة بنت محمد "؟ فتدلني عليه فأقنع به.

فقال: يا بنت رسول الله أنت عين الحجة ومنطق الرسالة، لا يدلي بجوابك ولا أدفعك عن صوابك، ولكن هذا أبو الحسن بيني وبينك هو الذي أخبرني بما تفقدت، وأنبأني بما أخذت وتركت.

قالت: فإن يكن ذلك كذلك فصبرا لمر الحق، والحمد لله آله الخلق.

قال أبو الفضل: وما وجدت هذا الحديث على التمام إلا عند أبي حفان.

قال الأحمدي: الخطبة الشريفة رويت بأسانيد كثيرة كما عرفت، ولا يختص الراوي بأبي العيناء ولا بشرقي بن قطامة، بل ظاهر نقل الاحتجاج والمناقب أنها مما لا ريب في صدورها، لأنهما تعهدا في أول الكتابين بنقل ما هو مؤيد بالإجماع أو العقل، أو كان متواترا كما في الاحتجاج، أو ما كان صحيحا كما في المناقب.


الصفحة 486
نعم نقلها مفصلا يختص بالاحتجاج، وكشف الغمة، وبلاغات النساء، ودلائل الإمامة، على اختلاف في رواياتهم.

وأما احتجاجها على أبي بكر وجوابه: فقد نقل بأنحاء مختلفة، فإن شئت الوقوف عليها، فراجع البحار (1)، وابن أبي الحديد (2).

وأما كلامها مع علي عليه السلام: فقد نقله الاحتجاج كما مر والمناقب لابن شهر آشوب، والشيخ في الأمالي (3)، والبحار (4) عن الاحتجاج وكشف الغمة (5) والشيخ رحمه الله (6)، وأما خطبة أبي بكر في جوابها: فقد نقلها ابن أبي الحديد، وبهج الصباغة (7).

15 - قال سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص (8)، في بيان أحوالها عليها السلام: وقال الشعبي: لما منعت ميراثها لاثت خمارها على رأسها، وحمدت الله وأثنت عليه، ووصفت رسول الله بأوصاف، فكان مما قالت:

كان كلما فغرت فاغرة من المشركين فاها أو نجم قرن من الشياطين.. ثم ساق قليلا من الخطبة الشريفة.

16 - قال في مقاتل الطالبيين (9)، في ذكر تاريخ الحسين عليه السلام في مقتل عون بن عبد الله بن جعفر: أمه زينب بنت علي بن أبي طالب وأمها

____________

(1) البحار: ج 8 ط الكمباني.

(2) شرح النهج لابن أبي الحديد: ج 16.

(3) أمالي الشيخ: ص 69 ط الحجرية.

(4) البحار: ج 8 ط الكمباني.

(5) عن الاحتجاج وكشف الغمة في هامشه: وجد بخط السيد المرتضى رحمه الله.

(6) راجع ص 121 - 123. وراجع ج 43 الطبعة الحديثة ص 148 عن المناقب.

(7) بهج الصباغة: ج 5 ص 35، وفي الطرائف: ص 263 عن الفائق للشيخ أسعد.

(8) تذكرة الخواص: ص 317.

(9) مقاتل الطالبيين: ص 91.

الصفحة 487
فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله.... والعقيلة هي التي روى ابن عباس عنها كلام فاطمة في فدك، فقال: حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي.

17 - وفي هامش إحقاق الحق (1) عن بلاغات النساء (2) عن ابن أبي الحديد (3)، وعن أعلام النساء وتظلم الزهراء.

18 - قاموس الرجال (4) عن بلاغات النساء والطرائف وغيرهما.

19 - تشييد المطاعن (5) عن كشف الغمة وكتاب السقيفة للجوهري (6)، وعن التذكرة للسبط ابن الجوزي وفائق الزمخشري في مادتي " لمة " و " هنبثة " ونهاية ابن الأثير في مادتي " لمة " و " هنبثة " وطرائف السيد ابن طاوس. ثم نقل (7) كلام بعض المنكرين، فراجع.

20 - كلام فاطمة في فدك لأبي الفرج علي بن الحسين الأصفهاني الزيدي صاحب الأغاني، كما ذكره العلامة المتضلع الشيخ آغا بزرك في الذريعة (8) وخطبة فاطمة الزهراء لابن عبدون (9) وقد ذكر هذا النحرير (10): أن جمعا كتبوا في فدك كتابا، كإبراهيم الثقفي المتوفى سنة 283 وجعفر بن بكير الخياط، وطاهر غلام أبي الجيش الذي قرأ عليه المفيد في

____________

(1) إحقاق الحق: ج 10 ص 296.

(2) إحقاق الحق: ص 303.

(3) إحقاق الحق: ص 305.

(4) قاموس الرجال: ج 11 ص 10.

(5) تشيد المطاعن: ج 2 ص 204 ط سنة 1399، وص 297 - 302 ج 1 ط 1383.

(6) عن الجوهري: ص 211 - 301.

(7) التذكرة: 301 - 302.

(8) الذريعة: ج 18 109.

(9) راجع الذريعة: ج 4 ص 348.

(10) أنظر: ج 16 ص 129.

الصفحة 488
أوائل أمره، و عبد الرحمان بن كثير الهاشمي، والأنباري، والنصير آبادي، وأبي الجيش المتوفى سنة 367 تلميذ النوبختي، ويحيى بن زكريا الترماشيري، والسيد محمد باقر الصدر الشهيد، والاطروش.

وذكر (1) كتبا في شرح هذه الخطبة، كاللمعة، والروضة، والدرة، وكشف المحجة، واللمة البيضاء. وذكر في طي الكتاب بعناوين وأسماء مختلفة كتبا كثيرة أيضا.

(286)
الزهراء مع نساء المهاجرين والأنصار

عن عبد الله بن الحسن، عن فاطمة بنت الحسين عليهما السلام قال: لما اشتدت علة فاطمة بنت رسول الله صلوات الله عليها اجتمع عندها نساء المهاجرين والأنصار، فقلن لها: يا بنت رسول الله كيف أصبحت من علتك؟

فقالت:

أصبحت والله عائفة لدنياكم، قالية لرجالكم، لفظتهم قبل أن عجمتهم، وشنئتهم بعد أن سبرتهم، فقبحا لفلول الحد وخور القناة وخطل الرأي! وبئس ما قدمت لهم أنفسهم! أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون، لا جرم لقد قلدتهم ربقتها وشننت عليهم عارها، فجدعا وعقرا وسحقا للقوم الظالمين!

ويحهم! أنى زحزحوها؟ عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة، ومهبط الوحي الأمين، والطبين بأمر الدنيا والدين؟ ألا ذلك هو الخسران المبين.

وما نقموا من أبي حسن؟ نقموا والله منه نكير سيفه، وشدة وطأته، ونكال وقعته، وتنمره في ذات الله عز وجل، والله لو تكافوا عن زمام نبذه رسول الله

____________

(1) أنظر الذريعة: ج 13 ص 215.

الصفحة 489
صلى الله عليه وآله لاعتقله، ولسار بهم سيرا سجحا لا يكلم خشاشة، ولا يتعتع راكبه، ولأوردهم منهلا نميرا فضفاضا تطفح ضفتاه، ولأصدرهم بطانا قد تخير لهم الري غير متحل منه بطائل إلا بغمر الماء، وردعه سورة الساغب، ولفتحت عليهم بركات السماء والأرض، وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون.

ألا! هلم فاسمع وما عشت أراك الدهر العجب، وإن تعجب وقد أعجبك الحادث، إلى أي سناد استندوا؟ وبأية عروة تمسكوا؟ استبدلوا الذنابي والله بالقوادم، والعجز بالكاهل، فرغما لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا " إلا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون " " أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون ".

أما لعمر إلهك لقد لقحت! فنظرة ريثما ننتجوا (1)، ثم احتلبوا اطلاع القعب دما عبيطا وزعافا ممقرا، هناك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غب ما أسس الأولون، ثم طيبوا عن أنفسكم [ أ ] نفسا، واطمأنوا للفتنة جأشا، وأبشروا بسيف صارم، وهرج شامل، واستبداد من الظالمين يدع فيئكم زهيدا وزرعكم حصيدا، فيا حسرتي لكم! وأنى بكم؟ وقد عميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون.

أقول: رواها الصدوق - رحمه الله - في معاني الأخبار (2) قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد الحسيني، قال: حدثنا أبو الطيب محمد بن الحسين بن حميد اللخمي، قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن زكريا، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن المهلبي، قال: حدثنا عبد الله بن

____________

(1) كذا في معاني الأخبار، والصحيح " تنتج " كما في سائر المصادر.

(2) معاني الأخبار: ص 354 ط تحقيق الغفاري.

الصفحة 490
محمد بن سليمان، عن أبيه، عن عبد الله بن الحسن، عن أمه فاطمة بنت الحسين عليهما السلام.

وقال بعد نقلها: وحدثنا بهذا الحديث أبو الحسن علي بن محمد بن الحسن - المعروف بابن مقبرة القزويني - قال: أخبرني أبو عبد الله جعفر بن محمد بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام قال: حدثني محمد بن علي الهاشمي، قال: حدثنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: لما حضرت فاطمة الوفاة، الحديث.

ورواها الشيخ - رحمه الله - في أماليه (1) بإسناده عن ابن مسعود، عن ابن عباس، قال: دخلن نسوة من المهاجرين والأنصار، الحديث.

ورواها الطبرسي - رحمه الله - في الاحتجاج (2) ونقلها الإربلي في كشف الغمة عن كتاب السقيفة للجوهري، ونقل شطرا منها الكراجكي في كتاب التعجب (3).

وأوردها ابن أبي الحديد (4) عن محمد بن زكريا، عن محمد بن عبد الرحمن المهلبي، عن عبد الله بن حماد بن سليمان، عن أبيه، عن عبد الله بن الحسن ابن الحسن، عن أمه فاطمة بنت الحسين عليه السلام وقال بعد نقله الخطبة:

قلت: هذا الكلام وإن لم يكن فيه ذكر فدك والميراث، إلا أنه تتمة ذلك، وفيه إيضاح لما كان عندها، وبيان لشدة غيضها وغضبها، فإنه سيأتي فيما بعد

____________

(1) الشيخ في أماليه: ص 238 ط الحجرية و 384 ط النجف.

(2) الاحتجاج: ص 147 ج 1 دار النعمان النجف.

(3) الكراجكي في كتاب التعجب: ص 12.

(4) شرح النهج لابن أبي الحديد: ج 16 ص 233.

الصفحة 491
ذكر ما يناقض به قاضي القضاة والمرتضى في أنها هل كانت غضبى أم لا؟

ونحن لا ننصر مذهبا بعينه وإنما نذكر ما قيل، وإذا جرى بحث نظري قلنا ما يقوى في أنفسنا منه. واعلم أنا إنما نذكر في هذا الفصل ما رواه رجال الحديث وثقاتهم، وما أودعه أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتابه، وهو من الثقات الأمناء عند أصحاب الحديث.....

وأخرجها الطبري في دلائل الإمامة بإسناده نحوا مما مر.

ونقلها في البحار عن معاني الأخبار (1) عن كشف الغمة.

ونقلها في هامش إحقاق الحق (2) عن بلاغات النساء وأعلام النساء (3) وابن أبي الحديد، و (4) عن نفحات اللاهوت.

ونقلها في قاموس الرجال (5)، وكذا عن معاني الأخبار وابن أبي الحديد والمرتضى وابن طاووس في الطرائف.

قال اليعقوبي: دخلت نساء النبي ونساء قريش على فاطمة عليها السلام في مرضها، فقلن: كيف أنت؟ قالت: أجدني كارهة لدنياكن، مسرورة لفراقكن، ألقى الله ورسوله بحسرات منكن، فما حفظ لي الحق، ولا رعيت مني الذمة، ولا قبلت الوصية، ولا عرفت الحرمة (6).

____________

(1) البحار: ج 43 ص 158 عن معاني الأخبار وص 161 عن الأمالي وص 162 عن الأمالي أيضا وص 162 عن كشف الغمة.

(2) إحقاق الحق: ج 10 ص 306 عن بلاغات النساء.

(3) أعلام النساء: ج 3 ص 1219، وابن أبي الحديد: ج 4 ص 87 ط قاهرة.

(4) إحقاق الحق: ج 10 ص 308 عن نفحات اللاهوت.

(5) قاموس الرجال: ج 11 ص 15. وكذا عن معاني الأخبار وابن أبي الحديد والمرتضى وابن طاووس في الطرائف.

(6) راجع بهج الصباغة: ج 5 ص 17.

الصفحة 492

(287)
هشام بن الحكم وضرار

قال ضرار لهشام بن الحكم: ألا دعا علي الناس عند وفاة النبي صلى الله عليه وآله إلى الإئتمام به إن كان وصيا؟ قال: لم يكن واجبا عليه، لأنه قد دعاهم إلى موالاته والائتمام به النبي صلى الله عليه وآله يوم الغدير ويوم تبوك وغيرهما فلم يقبلوا منه، ولو كان ذلك جائزا لجاز على آدم عليه السلام أن يدعو إبليس إلى السجود له بعد أن دعاه ربه إلى ذلك، ثم إنه صبر كما صبر أولوا العزم من الرسل (1).

(288)
عمرو بن قيس مع صدقة

سأل صدقة بن مسلم عمرو بن قيس الماصر عن جلوس علي في الدار.

فقال: إن عليا في هذه الأمة كان فريضة من فرائض الله أداها نبي الله إلى قومه، مثل الصلاة والزكاة والصوم والحج، وليس على الفرائض أن تدعوهم إلى شئ، إنما عليهم أن يجيبوا الفرائض، وكان علي أعذر من هارون لما ذهب موسى إلى الميقات، فقال لهارون: " اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين " فجعله رقيبا عليهم. وإن نبي الله نصب عليا لهذه الأمة علما ودعاهم إليه، فعلي في عذر لما جلس في بيته، وهم في حرج حتى يخرجوه فيضعوه في الموضع الذي وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه وآله. فاستحسن منه جعفر الصادق عليه السلام (2).

____________

(1) البحار: ج 8 ص 144 ط الكمباني عن المناقب، وبهج الصباغة: ج 4 ص 340.

(2) البحار: ج 8 ص 145. الكمباني

الصفحة 493

(289)
متكلم ورجل

سئل متكلم: لم لم يقاتل الأولين حقه وقاتل الأخرى؟ فقال: لم لم يقاتل رسول الله صلى الله عليه وآله على إبلاغ الرسالة في حال الغار ومدة الشعب وقاتل بعدهما؟ (1).

(290)
مؤمن الطاق مع بعض النواصب

قال بعض النواصب لشيطان الطاق: كان علي عليه السلام يسلم على الشيخين بإمرة المؤمنين، أفصدق أم كذب؟ قال: أخبرني أنت عن الملكين اللذين دخلا على داود، فقال أحدهما: " إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة " كذب أم صدق؟ فانقطع الناصبي (2).

(291)
هشام وسليمان

سأل سليمان بن حريز هشام بن الحكم: أخبرني عن قول علي لأبي بكر: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله، أكان صادقا أم كاذبا؟ فقال هشام: وما الدليل على أنه قال؟ ثم قال: وإن كان قاله فهو كقول إبراهيم:

" إني سقيم "، وكقوله: " بل فعله كبيرهم "، وكقول يوسف: " أيتها العير إنكم لسارقون " (3).

____________

(1) البحار: ج 8 ص 145 ط الكمباني.

(2) المصدر السابق.

(3) المصدر نفسه.