(614)
أم سلمة ومعاوية
كتب معاوية إلى عماله أن يلعنوه على المنابر - أي يلعنوا أمير المؤمنين عليا صلوات الله عليه - ففعلوا، فكتبت أم سلمة - زوج النبي صلى الله عليه وآله - إلى معاوية:
" إنكم تلعنون الله ورسوله على منابركم، وذلك أنكم تلعنون علي بن أبي طالب ومن أحبه، وأنا أشهد أن الله أحبه ورسوله " فلم يلتفت إلى كلامها (1).
(615)
الأشتر وعثمان
إن عثمان كتب إلى الأشتر وأصحابه مع عبد الرحمان بن أبي بكر والمسور بن مخرمة يدعوهم إلى الطاعة، ويعلمهم أنهم أول من سن الفرقة، ويأمرهم بتقوى الله ومراجعة الحق، والكتاب إليه بالذي يحبون.
فكتب إليه الأشتر: من مالك بن الحارث إلى الخليفة المبتلى الخاطئ الحائد عن سنة نبيه النابذ لحكم القرآن وراء ظهره.
أما بعد فقد قرأنا كتابك، فإنه نفسك وعمالك عن الظلم والعدوان وتسيير الصالحين نسمح لك بطاعتنا وزعمت أنا قد ظلمنا أنفسنا، وذلك ظنك الذي أرداك، فأراك الجور عدلا والباطل حقا، وأما محبتنا فإن تنزع وتتوب وتستغفر الله من تجنيك على خيارنا، وتسييرك صلحاءنا، وإخراجك إيانا من ديارنا،
____________
<=
ثمانين ألفا دين عثمان دينهم * كتائب فيها جبرئيل يقودها
فمن عاش عبدا عاش فينا ومن يمت * ففي النار يسقى، مهلها وصديدها
(1) العقد الفريد: ج 4 / 366، والغدير: ج 2 / 102 عنه
(616)
صعصعة وعثمان
قام صعصعة إلى عثمان بن عفان وهو على المنبر فقال: يا أمير المؤمنين ملت فمالت أمتك، اعتدل يا أمير المؤمنين تعتدل أمتك.
قال: وتكلم صعصعة يوما فأكثر، فقال عثمان: يا أيها الناس إن هذا البجباج النفاج ما يدري من الله، ولا أين الله. فقال: أما قولك: ما أدري من الله. فإن الله ربنا ورب آبائنا الأولين، وأما قولك: لا أدري أين الله. فإن الله لبالمرصاد، ثم قرأ: " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ".
فقال عثمان: ما نزلت هذه الآية إلا في وفي أصحابنا، أخرجنا من مكة بغير حق (2).
(617)
ابن أخت شرحبيل وشرحبيل
لما خدع معاوية شرحبيل وصمم رأيه وشحذ عزمه، بلغ ذلك قومه فبعث ابن أخت له من بارق - وكان يرى رأي علي بن أبي طالب، فبايعه بعد، وكان ممن لحق من أهل الشام وكان ناسكا - فقال:
____________
(1) الغدير: ج 9 / 142، عن أنساب الأشراف: ج 5 / 46.
(2) الغدير: ج 9 / 147، وقال: أوعز إليه في لسان العرب في (بجباج). وابن عساكر في تاريخه:
ج 6 / 424، والزمخشري في الفائق: ج 1 / 35
فلما بلغ شرحبيل هذا القول قال: هذا بعيث الشيطان، الآن امتحن الله قلبي.
والله لأسيرن صاحب هذا الشعر أو ليفوتنني. فهرب الفتى إلى الكوفة - وكان أصله منها - وكاد أهل الشام أن يرتابوا (1).
(618)
النجاشي بن الحارث وشرحبيل بن السمط
بعث النجاشي بن الحارث إلى شرحبيل وكان صديقا له:
____________
(1) وقعة صفين لنصر: ص 49 - 50، والغدير: ج 10 / 297، عنه، والاستيعاب: ترجمة شرحبيل، وأسد الغابة: ج 2 / 392، والجزري في الكامل: ج 3 / 119، وشرح ابن أبي الحديد ج 1 / 139 و 249 و 250
(619)
جمع من رسل علي عليه السلام عند معاوية
(بعد أن استرد أهل العراق الماء من أهل الشام) قال: ثم إن عليا دعا بشير بن عمرو بن محصن الأنصاري، وسعيد بن قيس الهمداني، وشبث بن ربعي التميمي، فقال: ائتوا هذا الرجل فادعوه إلى الله عز وجل وإلى الطاعة والجماعة، وإلى اتباع أمر الله تعالى.
فقال له شبث: ألا نطمعه في سلطان توليه إياه، ومنزلة تكون به له أثرة عندك إن هو بايعك؟
قال علي: ائتوه الآن فألقوه واحتجوا عليه وانظروا ما رأيه - وهذا في شهر ربيع الآخر - فأتوه فدخلوا عليه، فحمد أبو عمرة بن محصن الله وأثنى عليه وقال:
يا معاوية، إن الدنيا عنك زائلة، وإنك راجع إلى الآخرة، وإن الله عز وجل مجازيك بعملك، ومحاسبك بما قدمت يداك، وإني أنشدك بالله أن تفرق جماعة هذه الأمة، وأن تسفك دماءها.
فقطع معاوية عليه الكلام، فقال: هلا أوصيت صاحبك؟
فقال: سبحان الله، إن صاحبي ليس مثلك، إن صاحبي أحق البرية في هذا الأمر في الفضل والدين والسابقة والإسلام، والقرابة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال معاوية: فتقول ماذا؟ قال: أدعوك إلى تقوى ربك وإجابة ابن
____________
(1) وقعة صفين لنصر: ص 51، والغدير: ج 10 / 297 عنه، وعن الاستيعاب: ترجمة شرحبيل وأسد الغابة:
ج 2 / 392، والكامل لابن الأثير: ج 3 / 119، وشرح ابن أبي الحديد: ج 1 / 139 و 249 و 250 وفي طبع بيروت: ج 3 / 84
يا معاوية قد فهمت ما رددت على ابن محصن، إنه لا يخفي علينا ما تقرب وما تطلب، إنك لا تجد شيئا تستغوي به الناس وتستميل به أهواءهم وتستخلص به طاعتهم إلا أن قلت لهم: قتل إمامكم مظلوما فهلموا نطلب بدمه فاستجاب لك سفهاء طغام رذال، وقد علمنا أنك قد أبطأت عنه بالنصر، وأحببت له القتل بهذه المنزلة التي تطلب، ورب مبتغ أمرا وطالبه يحول الله دونه، وربما أوتي المتمني أمنيته، وربما لم يؤتها. ووالله ما لك في واحدة منها خير، والله لئن أخطأك ما ترجو إنك لشر العرب حالا، ولئن أصبت ما تتمناه لا تصيبه حتى تستحق صلي النار، فاتق الله يا معاوية، ودع ما أنت عليه، ولا تنازع الأمر أهله.
قال: فحمد الله معاوية وأثنى عليه ثم قال:
" أما بعد فإن أول ما عرفت به سفهك وخفة حلمك: قطعك على هذا الحبيب الشريف سيد قومه منطقه، ثم عتبت بعد فيما لا علم لك به. ولقد كذبت ولويت أيها الأعرابي الجلف الجافي في كل ما وصفت وذكرت.
انصرفوا من عندي فليس بيني وبينكم إلا السيف " قال: وغضب فخرج القوم وشبث يقول: أفعلينا تهول بالسيف أما والله لنعجلنه إليك، فأتوا عليا عليه السلام فأخبروه بالذي كان من قوله، وذلك في شهر ربيع الآخر (1).
____________
(1) وقعة صفين لنصر: ص 187، والغدير: ج 9 / 150 عنه وعن الطبري والجزري وابن أبي الحديد:
ج 10 / 307
(620)
رسل أمير المؤمنين عليه السلام ومعاوية
عن المحل بن الخليفة قال: (بعد أن اقتتل الناس ذا الحجة كله تداعوا أن يكفوا عن القتال إلى أن ينقضي المحرم لعل الله أن يجري صلحا) لما توادع علي عليه السلام ومعاوية بصفين اختلف الرسل فيما بينهما رجاء الصلح، فأرسل علي بن أبي طالب إلى معاوية عدي بن حاتم، وشبث بن ربعي، ويزيد بن قيس، وزياد بن خصفة، فدخلوا على معاوية، فحمد الله عدي بن حاتم وأثنى عليه ثم قال:
أما بعد فإنا أتيناك لندعوك إلى أمر يجمع الله به كلمتنا وأمتنا، ويحقن الله به دماء المسلمين، وندعوك إلى أفصلها سابقة وأحسنها في الإسلام آثارا، وقد اجتمع له الناس، وقد أرشدهم الله بالذي رأوا فأتوا، فلم يبق أحد غيرك وغير من معك، فانته يا معاوية من قبل أن يصيبك الله وأصحابك بمثل يوم الجمل.
فقال له معاوية: كأنك جئت متهددا ولم تأت مصلحا. هيهات يا عدي، كلا والله، إني لابن حرب ما يقعقع لي بالشنآن. أما والله إنك لمن المجلبين على ابن عفان، وأنت لمن قتلته، وإني لأرجو أن تكون ممن يقتله الله. هيهات يا عدي، قد حلبت بالساعد الأشد.
وقال له شبث بن ربعي وزياد بن خصفة - وتنازعا كلاما واحدا -: أتيناك فيما يصلحنا وإياك، فأقبلت تضرب الأمثال لنا. دع ما لا ينفع من القول والفعل، وأجبنا فيما يعمنا وإياك نفعه.
وتكلم يزيد بن قيس الأرحبي فقال:
إنا لم نأتك إلا لنبلغك ما بعثنا به إليك، ولنؤدي عنك ما سمعنا منك، لن ندع أن ننصح لك، وأن نذكر ما ظننا أن لنا به عليك حجة، أو أنه راجع بك إلى الألفة والجماعة، إن صاحبنا لمن قد عرفت وعرف المسلمون فضله، ولا
فحمد الله معاوية وأثنى عليه وقال:
أما بعد فإنكم دعوتم إلى الطاعة والجماعة، فأما الجماعة التي دعوتم إليها فنعما هي، وأما الطاعة لصاحبكم فإنا لا نراها. إن صاحبكم قتل خليفتنا، وفرق جماعتنا، وآوى ثأرنا وقتلتنا، وصاحبكم يزعم أنه لم يقتله، فنحن لا نرد ذلك عليه، أرأيتم قتلة صاحبنا؟ ألستم تعلمون أنهم أصحاب صاحبكم؟!
فليدفعهم إلينا فلنقتلهم به ونحن نجيبكم إلى الطاعة والجماعة.
فقال له شبث بن ربعي: أيسرك يا معاوية أن أمكنت من عمار بن ياسر فقتلته؟ قال: وما يمنعني من ذلك؟ والله لو أمكنني صاحبكم من ابن سمية (1) ما قتلته بعثمان، ولكن كنت أقتله بنائل مولى عثمان بن عفان، فقال له شبث وإله السماء ما عدلت معدلا، لا والله الذي لا إله إلا هو لا تصل إلى قتل ابن ياسر حتى تندر الهام عن كواهل الرجال، وتضيق الأرض الفضاء عليك برجها فقال له معاوية: إنه لو كان ذلك كانت عليك أضيق.
ورجع القوم عن معاوية، فلما رجعوا من عنده بعث إلى زياد بن خصفة التيمي فدخل عليه، فحمد الله معاوية وأثنى عليه ثم قال:
أما بعد يا أخا ربيعة فإن عليا قطع أرحامنا، وقتل إمامنا، وآوى قتلة صاحبنا، وإني أسألك النصرة عليه بأسرتك وعشيرتك ولك علي عهد الله وميثاقه إذا ظهرت أن أوليك أي المصرين أحببت.
____________
(1) سمية: هي أم عمار بن ياسر، وهي أول شهيدة استشهدت في الإسلام، وجأها أبو جهل بحربة فماتت
" أما بعد فإني لعلى بينة من ربي، وبما أنعم علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين ".
قال: ثم قمت، فقال معاوية لعمرو بن العاص - وكان إلى جانبه جالسا -:
ليس يكلم رجل منا رجلا منهم بكلمة فيجيب بخير، ما لهم عضبهم الله، ما قلوبهم إلا قلب رجل واحد (1).
(621)
عمار وعبيد الله بن عمر وعمرو بن العاص
قال: ثم مضى - يعني عمار بن ياسر - ومضى معه أصحابه، فلما دنا من عمرو بن العاص قال: يا عمرو بعت دينك بمصر! تبا لك، وطالما بغيت الإسلام عوجا! ثم حمل عمار، وهو يقول:
ثم نادى عمار عبيد الله بن عمر، وذلك قبل مقتله، فقال: يا ابن عمر صرعك الله! بعت دينك بالدنيا من عدو الله وعدو الإسلام. قال: كلا، ولكن أطلب بدم عثمان الشهيد المظلوم. قال: كلا أشهد على علمي فيك أنك
____________
(1) وقعة صفين لنصر: ص 197 - 200، والغدير: ج 10 / 308 - 309، عن الطبري: 6 / 3 والجزري:
3 / 124، وابن كثير: 7 / 258، وفي بعضها: " حنظلة "
ثم قال عمار: اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلت. اللهم إنك تعلم إني لو أعلم أن رضاك أن أضع ظبة سيفي في بطني ثم أنحني عليها حتى يخرج من ظهري لفعلت. اللهم وإني أعلم مما أعلمتني أني لا أعمل اليوم عملا هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين ولو أعلم اليوم عملا أرضى لك منه لفعلته (1).
(622)
أهل العراق مع خطيب أهل الشام
قال: (بعد قصة التحكيم وخلاف الخوارج وبراءتهم من علي عليه السلام) وقام خطيب أهل الشام حمل بن مالك بين الصفين فقال:
أنشدكم الله يا أهل العراق إلا أخبرتمونا لم فارقتمونا؟
قالوا: فارقناكم لأن الله عز وجل أحل البراءة ممن حكم بغير ما أنزل الله، فتوليتم الحاكم بغير ما أنزل الله، وقد أحل عداوته وأحل دمه إن لم يرجع إلى التوبة ويبوء بالدين. وزعمتم أنتم خلاف حكم الله فتوليتم الحاكم بغير ما أنزل الله وقد أمر الله بعداوته، وحرمتم دمه وقد أمر الله بسفكه، فعاديناكم لأنكم حرمتم ما أحل الله، وحللتم ما حرم الله، وعطلتم أحكام الله، واتبعتم هواكم بغير هدى من الله.
قال الشامي حمل بن مالك: قتلتم أخانا وخليفتنا ونحن غيب عنه، بعد أن استتبتموه فتاب، فعجلتم عليه فقتلتموه، فنذكركم الله لما أنصفتم الغائب المتهم لكم، فإن قتله لو كان عن ملأ من الناس ومشورة كما كانت إمرته، لم يحل لنا
____________
(1) وقعة صفين لنصر: ص 320
قالوا: نعم قد بعثنا منا رجلا ومنكم رجلا يقرآن القرآن كله ويتدارسان ما فيه، وينزلان عند حكمه علينا وعليكم. وإنا قد بعثنا منا من هو عندنا مثل أنفسنا، وجعلنا لهما أن ينتهيا إليه، وأن يكون أمرهما على تؤدة، ونسأل عما يجتمعان عليه وما يتفرقان عنه، فإنما فارقناكم في تفسيره ولم نفارقكم في تنزيله. ونحن وأنتم نشهد أنه من عند الله، فإنما نريد أن نسأل عنه مما تفسرون، مما جهلنا نحن تفسيره، فنسأل عنه أهل العلم منا ومنكم، فأعطيناكم على هذا الأمر ما سألتم من شأن الحكمين. وإنما بعثا ليحكما بكتاب الله، يحييان ما أحيا الكتاب ويميتان ما أمات الكتاب، فأما ما لم يجدا في الكتاب فالسنة العادلة الجامعة غير المفرقة. ولم يبعثا ليحكما بغير الكتاب. ولو أرادا اللبس على أمة محمد لبرئت منهما الذمة، وليس لهما على أمة محمد حكم.
فلما سمع المسلمون قولهم علموا أن على كل مخاصم إنصاف خصيمه وقبول الحق منه وإن كان قد منعه فقاتل عليه، لأنهم إلى الحق دعوا أول يوم، وبه عملوا يقينا غير شك، ومن الباطل استعتبوا، وعلى عماية قتلوا من قتلوا.
ونظر القوم في أمرهم، وشاوروا قائدهم، وقالوا: قد قبلنا من عثمان بن عفان حين دعي إلى الله والتوبة من بغيه وظلمه، وقد كان منا عنه كف حين أعطانا أنه تائب حتى جرى علينا حكمه بعد تعريفه ذنوبه، فلما لم يتم التوبة وخالف
وهم خلطاء في الدين، ومقرون بالكتاب والنبي صلى الله عليه وآله وسلم ليسوا بمنزلة أحد ممن حارب المسلمين، أهل بغي ممن أمر الله أن يقاتلوا حتى يفيئوا من بغيهم إلى أمر الله، وبرئوا، ببغيهم من الإيمان، قال الله عز وجل على لسان نبيه داود: " وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم ". هؤلاء منافقون، لأمرهم بالمنكر ونهيهم عن المعروف وقتالهم عليه، ولاتباعهم ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم، بذلك تفنى حسناتهم، وذلك أنه كانت لهم حسنات لم تنفعهم حين عاداهم، فقبل أمير المؤمنين مناصفتهم في المنازعة عند الحكمين بالدين بأن يحكم بكتاب الله، ويرد المحق والمبطل إلى أمره و [ ما ] يرضى به، وفيما نزل بهم أمر ليس فيه قرآن يعرفونه فالسنة الجامعة العادلة غير المفرقة، فلم يكن يسع أحدا من الفريقين ترك كتاب الله والسنة بعد قول الله عز وجل في صفة عدوه ومن يرغب عن كتابه وهو مقر بتنزيله، حامل لميثاقه: " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون " وقال الله تعالى يعيرهم بذلك: " أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون " وما أولئك بالمؤمنين، إنهم
(623)
شريح بن هاني مع عمرو بن العاص
عن النضر بن صالح قال: كنت مع شريح بن هاني في غزوة سجستان، فحدثني: أن عليا أوصاه بكلمات إلى عمرو بن العاص، قال له: قل لعمرو إن لقيته: إن عليا يقول لك: إن أفضل الخلق عند الله من كان العمل بالحق أحب إليه وإن نقصه، وإن أبعد الخلق من الله من كان العمل بالباطل أحب إليه وإن زاده. والله يا عمرو إنك لتعلم أين موضع الحق فلم تتجاهل؟ أبأن أوتيت طمعا يسيرا فكنت لله ولأوليائه عدوا، فكأن والله ما أوتيت قد زال عنك، فلا تكن للخائنين خصيما، ولا للظالمين ظهيرا. أما إني أعلم أن يومك الذي أنت فيه نادم هو يوم وفاتك، وسوف تتمنى أنك لم تظهر لمسلم عداوة، ولم تأخذ على حكم رشوة.
قال شريح: فأبلغته ذلك فتمعر وجه عمرو وقال: متى كنت أقبل مشورة
____________
(1) كذا وردت هذه العبارة.
(2) وقعة صفين لنصر: ص 514 - 517
(624)
شاعر العراق وشاعر الشام
بعد خدع عمرو بن العاص أبا موسى الأشعري، قال كعب بن جعيل شاعر معاوية:
فرد عليه رجل من أصحاب علي فقال:
____________
(1) الوشيظ: الخسيس، والتابع، والحليف، والدخيل في القوم ليس من صميمهم.
(2) وقعة صفين لنصر: ص 542 وقد مر ص 310 فراجع.
(3) كذا في الأصل والصحيح عمروا
(625)
عمرو بن العاص وابن عباس
قال عمرو بن العاص حين خدع أبا موسى:
فرد عليه ابن عباس فقال:
____________
(1) كذا في الأصل والصحيح " بإبن ".
(2) وقعة صفين لنصر: ص 549.
(3) الشيظم: الطويل الجسيم الفتى من الناس والخيل والإبل. والسقب: ولد الناقة.
(4) التلاتل: الشدائد. والدحض: الزلق والزلل.
(5) الأمض: الباطل والشك.
(6) وقعة صفين لنصر: ص 550
(626)
ابن أبي الحديد مع متكلم إمامي
قال ابن أبي الحديد: وقلت لمتكلم من متكلمي الإمامية يعرف بعلي بن تقي من بلدة النيل (1): وهل كانت فدك إلا نخلا يسيرا وعقارا ليس بذلك الخطير؟!
فقال لي: ليس الأمر كذلك. بل كانت جليلة جدا، وكان فيها من النخل نحو ما بالكوفة الآن من النخل، وما قصد أبو بكر وعمر بمنع فاطمة عنها إلا ألا يتقوى علي بحاصلها وغلتها على المنازعة في الخلافة، ولهذا اتبعا ذلك بمنع فاطمة وعلي وسائر بني هاشم وبني المطلب حقهم في الخمس، فإن الفقير الذي لا مال تضعف همته ويتصاغر عند نفسه، ويكون مشغولا بالاحتراف والاكتساب عن طلب الملك والرياسة (2).
(627)
علوي مع ابن أبي الحديد
قال: قال لي علوي من الحلة يعرف بعلي بن مهنأ، ذكي ذو فضائل: ما تظن قصد أبي بكر وعمر بمنع فاطمة فدكا؟ قلت: ما قصدا؟ قال: أرادا ألا يظهرا لعلي - وقد اغتصباه الخلافة - رقة ولينا وخذلانا، ولا يرى عندهما خورا فاتبعا القرح بالقرح (3).
(628)
عبد الرحمان بن غنم مع أبي هريرة وأبي الدرداء
قال أبو عمر في الاستيعاب ج 2 / 424 هامش الإصابة: كان عبد الرحمان
____________
(1) النيل هنا: بليدة في سواد الكوفة.
(2) شرح ابن أبي الحديد: ج 16 / 236.
(3) المصدر نفسه
فندما على مسيرهما وتابا منه بين يديه (1).
(629)
عبد الرحمان مع شرحبيل
قال: فلما قدم كتاب معاوية على شرحبيل وهو بحمص استشار أهل اليمن فاختلفوا عليه، فقام إليه عبد الرحمن بن غنم الأزدي وهو صاحب معاذ بن جبل وختنه، وكان أفقه أهل الشام، فقال:
يا شرحبيل بن السمط، إن الله لم يزل يزيدك خيرا مذ هاجرت إلى اليوم، وإنه لا ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من الناس، ولا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. إنه قد ألقى إلينا قتل عثمان، وأن عليا قتل عثمان (وأنه ألقى إلى معاوية أن عليا قتل عثمان ولهذا يريدك). فإن يك قتله فقد بايعه المهاجرون والأنصار، وهم الحكام على الناس، وإن لم يكن قتله فعلام تصدق معاوية عليه؟ لا تهلك نفسك وقومك. فإن كرهت أن يذهب بخطها جرير فسر إلى علي فبايعه على شامك وقومك.
فأبى شرحبيل إلا أن يسير إلى معاوية، فبعث إليه عياض الثمالي وكان
____________
(1) أسد الغابة: ج 10 / 318 في ترجمته، وراجع الغدير: ج 10 / 331، وقاموس الرجال: ج 5 / 308 عنه
(630)
عبد الله بن عباس ومعاوية
قال معروف بن خربوذ المكي: بينا عبد الله بن عباس جالس في المسجد ونحن بين يديه إذ أقبل معاوية فجلس إليه، فأعرض عنه ابن عباس، فقال له
____________
(1) شرح: مرخم شرحبيل، وهذا بضم الشين وفتح الراء وسكون الحاء، ولكنه سكن الراء للشعر.
(2) وقعة صفين لنصر: ص 45 و 46، والغدير: ج 10 / 395 عنه وعن مصادر أخرى تقدمت عنه وابن أبي الحديد: ج 2 / 72
قال: لم؟ لأنه كان مسلما وكنت كافرا؟ قال: لا، ولكني ابن عم عثمان.
قال: فابن عمي خير من ابن عمك. قال: إن عثمان قتل مظلوما، قال:
وعندهما ابن عمر، فقال ابن عباس: فإن هذا والله أحق بالأمر منك. فقال معاوية: إن عمر قتله كافر وعثمان قتله مسلم، فقال ابن عباس: ذاك والله أدحض لحجتك (1).
(631)
أبو أيوب ومعاوية
وفي رواية: إن أبا أيوب أتى معاوية فشكا إليه أن عليه دينا فلم ير منه ما يحب، فرأى أمرا كرهه، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:
إنكم سترون بعدي أثرة قال: فأي شئ قال لكم؟ قال: أمرنا بالصبر، قال:
فاصبروا، قال: فوالله لا أسألك شيئا أبدا (2).
(632)
أبو قتادة ومعاوية
قال عبد الله بن محمد بن عقيل: قدم معاوية المدينة فلقاه أبو قتادة الأنصاري - الحارث بن ربعي - فقال معاوية: تلقاني الناس كلهم غيركم يا معشر الأنصار، قال: لم يكن لنا دواب. قال: فأين النواضح؟ قال: عقرناها في طلبك وطلب أبيك يوم بدر.
ثم قال أبو قتادة: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لنا: إنكم سترون بعدي أثرة. قال معاوية: فما أمركم؟ قال: أمرنا أن نصر. قال: فاصبروا، فبلغ
____________
(1) الغدير: ج 10 / 326، عن المستدرك للحاكم: ج 3 / 467، وتأريخ الخلفاء للسيوطي: ص 201.
(2) الغدير: ج 10 / 283، عن ابن عساكر: ج 5 / 41 - 42، والخصائص الكبرى: ج 2 / 150 بألفاظ
مختلفة، فراجع