الصفحة 22

(709)
عمار الدهني وابن أبي ليلى

شهد عمار الدهني عند أبي ليلى عند أبي ليلى فقال: لا نقبلك لانك رافضي. فبكى.

وقال [: تبكى ]؟ نبرء من الرفض وأنت من اخواننا.

فقال: إنما أبكي لانك نسبتي الى رتبة شريفة لست من أهلها، وبكيت لعظم كذبك في تسميتي بغير اسمي.

وعيرتني بالشيب وهو وقار * وليتها عيرتني بما هو عار (2)

(710)
بعض المشايخ وسلطان البصرة

كان بعض مشايخنا رجلا مزاحا، وكان ذات يوم بمجلس سلطان البصرة، فسأله السلطان بمحضر جماعة من علماء المخالفين، وكان ذلك السلطان منهم أيضا، وقال: يا شيخ، أيهما أفضل فاطمة أم عائشة؟

فقال الشيخ: عائشة أفضل. قال: ولم؟

فقال: لقول الله تعالى: (فضل الله المجاهدين على القاعدين درجة) وعائشة خرجت من المدينة إلى البصرة، وجهزت العساكر، وجاهدت عليا وبني هاشم وأكابر الصحابة، حتى قتل بسببها خلق كثير، وأما فاطمة - عليها السلام - فقد لزمت بيتها، وما خرجت منه إلا المسجد لطلب فدك والعوالي من أبي بكر، ولما منعها منه استقرت في مكانها إلى يوم موتها!

فضحك السلطان والحاضرون، وقال السلطان: يا شيخ هذا تشنيع لطيف (2).

(2) الصراط المستقيم: ج 3 / 76.

(2) روضة المؤمنين: ص 140 عن الانوار النعمانية.

الصفحة 23

(711)
بعض القضاة ورجل

في الروايات: أن رجلا سأل بعض القضاة: أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لولده الحسن عليه السلام في حكاية الحكمين: ليتني مت قبل هذا بعشرين سنة، أترى أنه - عليه السلام - كان شاكا في خلافته؟

فقال القاضي: أجبني عن قول مريم عليها السلام: (يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا) أكانت شاكة في طهارة ذيلها وعفتها؟ فما اجبت به فهو الجواب عن سؤالك (1).

(712)
بهلول وعالم سني

في الاثر: أن رجلا من علماء المخالفين قال يوما لبهلول: إنه ورد في الحديث الصحيح أن يوم القيامة توضع أعمال أبي بكر وعمر في كفة من الميزان، وأعمال سائر الخلائق في كفة اخرى، فترجح أعمال الشيخين على أعمال الخلائق!

فقال البهلول: إن كان هذا الحديث صحيحا فالعيب في الميران (2).

(713)
رجل شيعي وجماعة من السنة

مرض شيعي مرضه الاخير، فعاده جماعة من أصدقائه، وكانوا من أصحاب المذاهب الاربعة، فأخذ يكلمهم في شئ من الكلام، ثم سألهم: هل تجدون في كلامي هذيانا وفي عقلي خللا؟ قالوا: كلا.

____________

(1) روضة المؤمنين: ص 142 عن زهر الربيع.

(2) روضة المؤمنين: 143 عن زهر الربيع: ص 250.

الصفحة 24
فقال: إني مفارقكم الساعة، وهذا ملك الموت حاضر عندي اكرر عليكم السؤال: هل تجدون في كلامي هذا هذيانا وفي عقلي خللا؟ قالوا: كلا، كلامك موزون وعقلك حصيف.

وبعد أن أخذ منهم الاعتراف بكمال شعوره واستقامة عقله، قال لهم: فإذا كان كلامي موزونا وعقلي سليما، وأنا في هذه الحالة والساعة مشرف على الموت، وأنا أحد افراد هذه الامة، فكيف يصح من الرسول صلى الله عليه وآله الهجر والهذيان وهو سيد البشر في آخر ساعة حياته؟! (1)

(714)
رجل من أصحاب هشام مع رجل من المعتزلة

سأل رجل من أصحاب هشام بن الحكم رجلا من المعتزلة فقال له: أخبرني عن العالم هل له نهاية وحد؟

فقال المعتزلي: النهاية عندي على ضربين: أحدهما نهاية الزمان من وقت كذا الى وقت كذا، والاخر نهاية الاطراف والجوانب وهو متناه بهاتين الصفتين، ثم قال له: فأخبرني عن الصانع عزوجل هل هو متناه؟ فقال: محال.

قال: فتزعم أنه يجوز أن يخلق المتناهي من ليس بمتناه. فقال: نعم.

قال: فلم لا يجوز أن يخلق الشئ من ليس بشئ كما جاز أن يخلق المتناهي من ليس بمتناه.

قال: لان ما ليس بشئ هو عدم وإبطال. قال له: وما ليس بمتناه عدم وإبطال.

قال: لا شئ هو نفي. قال له: وما ليس بمتناه هو نفي.

قال: قد أجمع الناس على أنه شئ إلا جهما وأصحابه.

قال: قد أجمع الناس أنه متناه.

____________

(1) روضة المؤمنين: ص 143.

الصفحة 25
قال: وجدت كل شئ متناه محدثا مصنوعا عاجزا، قال: ووجدت كل شئ محدثا مصنوعا عاجزا، قال: لما أن وجدت هذه الاشياء مصنوعة علمت أن صانعها شئ.

قال: لما أن وجدت هذه الاشياء متناهية علمت أن صانعها متناه.

قال: لو كان متناهيا كان محدثا، إذ وجدت كل متناه محدثا.

قال: لو كان متناهيا كان محدثا، إذ وجدت كل متناه محدثا.

قال: ولو كان شيئا كان محدثا عاجزا، إذا وجدت كل شئ محدثا عاجزا وإلا فما الفرق؟! فأمسك (1).

(715)
الشهيد أو السيد مع بعض النواصب

بيتان لبعض النواصب أحل الله ديارهم العذاب الواصب، وهما:

قول الروافض نحن أطيب مولدا * قول جرئ بخلاف دين محمد
نكحوا النساء تمتعا فولدن من * ذاك النكاح فأين طيب المولد؟

فأجابه الشهيد - رحمه الله - وقيل: السيد المرتضى - رحمه الله - فقال:

إن التمتع سنة مفروضة * ورد الكتاب بها وسنة أحمد
وروى الروافض أن ذلك قد جرى * من غير شك في زمان محمد
ثم استمر الحال في تحليلها * قد صح ذاك من الحديث المسند
عن جابر وعن ابن مسعود وعن * نقل ابن عباس الكريم المولد
حتى نهى عمر بغير دلالة * عنها فكدر صفو ذاك المورد
لكن مواليد النواصب جددت * دين المجوس فأين دين محمد؟
.............................. * في الامهات دليل طيب المولد (2)

____________

(1) تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة: 63 - 64.

(2) روضة المؤمنين: ص 148 عن الانوار النعمانية.

الصفحة 26

(716)
الفندرسكي مع بعض العلماء

حكى لي بعض من أثق به: أن العالم الجليل الامير أبا القاسم الفندرسكي لما كان في بلاد الهند عند سلطانها، فاتفق أنه كان في السفر مع علماء العامة، فبال في البرية ولم يتفق له الماء، فجفف موضع البول بالتراب وقام، فقال له أعلم علمائهم: هذا الذي صنعت إنما يوافق مذهبنا لا مذهبكم.

فقال الامير أبو القاسم: نعم بلت اليوم على مذهبكم. وكان رحمه الله حاضر الجواب (1).

(717)
الشافعي والبحراني

بيتان للشافعي (إمام المذهب الشافعي):

لو شق قلبي لرأوا وسطه * خطين قد خطا بلا كاتب
الشرع والتوحيد في جانب * وحب أهل البيت في جانب

جوابهما للشيخ يوسف البحراني قد سره:

كذبت في دعواك يا شافعي * فلعنة الله على الكاذب
بل حب أشياخك في جانب * وبغض أهل البيت في جانب
عبدتم الجبت وطاغوته * دون الاله الواحد الواجب
فالشرع والتوحيد في معزل * عن معشر النصاب يا ناصبي
قدمتم العجل مع السامري * على الامير ابن أبي طالب
محضتهم بالود أعداءه * من جالب الحرب ومن غاصب

____________

(1) روضة المؤمنين: ص 125، عن زهر الربيع: ص 323.

الصفحة 27

وتدعون الحب ما هكذا * فعل اللبيب الحازم الصائب
قد قرروا في الحب شرطا له * أن تبغض المبغض للصاحب
وشاهدي القرآن في (لاتجد) * أكرم به من نير ثاقب
وكلمة التوحيد إن لم يكن * عن الطريق الحق بالناكب
وأنتم قررتم ضابطا * لتدفعوا العيب عن الغائب
بأننا نسكت عما جرى * من الخلاف السابق الذاهب
ونحمل الكل عن محمل * الخير لنحضى برضا الواهب
تبا لعقل عن طريق الهدى * أصبح في تيه الهوى عازب (1)

(718)
رجل مع معاوية

وفي العقد: قال معاوية يوما: أيها الناس إن الله فضل قريشا بثلاث: فقال لنبيه: (وأنذر عشيرتك الاقربين) فنحن عشيرته، وقال له: (وإنه لذكر لك ولقومك) فنحن قومه، وقال: (لايلاف قريش - إلى - وآمنهم من خوف) ونحن قريش.

فأجابه رجل من الانصار فقال: على رسلك يا معاوية، فإن الله تعالى يقول: (وكذب به قومك) وأنتم قومه، وقال: (ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون) وأنتم قومه، وقال: (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا) وأنتم قومه، ثلاثة بثلاثة ولو زدتنا زدناك، فأفحمه (2).

(719)
ابن عباس وعمار مع معاوية

(في زمن عثمان بن عفان) قدم معاوية بن أبي سفيان على أثر ذلك من

____________

(1) روضة المؤمنين: ص 153 - 154.

(2) بهج الصباغة: ج 2 / 311.

الصفحة 28
الشام، فأتى مجلسا فيه علي بن أبي طالب وطلحة بن عبيدالله والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمان بن عوف وعمار بن ياسر، فقال لهم: يا معشر الصحابة، اوصيكم بشيخي هذا - يعني عثمان - خيرا، فوالله لئن قتل بين أظهركم لاملانها عليكم خيلا ورجالا، ثم أقبل على عمار بن ياسر فقال: يا عمار، إن بالشام مائة ألف فارس كل يأخذ العطاء مع مثلهم من أبنائهم وعبدانهم، لا يعرفون عليا ولا قرابته، ولا عمارا ولا سابقته، ولا الزبير ولا صحابته، ولاطلحة ولا هجرته، ولا يعابون ابن عوف ولا ماله، ولا يتقون سعدا ولا دعوته، فإياك يا عمار أن تقعد غدا في فتنة تنجلي، فيقال: هذا قاتل عثمان، وهذا قاتل علي.

ثم أقبل على ابن عباس فقال: يا ابن عباس إنا كنا وإياكم في زمان لا نرجو فيه ثوابا، ولا نخاف عقابا، وكنا اكثر منكم، فوالله ما ظلمنا كم ولا قهرناكم، ولا أخرناكم عن مقام تقدمناه، حتى بعث الله رسوله منكم، فسبق إليه صاحبكم، فوالله ما زال يكره شركنا ويتغافل به عنا، حتى ولي الامر علينا وعليكم، ثم صار الامر إلينا وإليكم، فأخذ صاحبنا على صاحبكم لسنه، ثم عير فنطق على لسانه، فقد أوقدتم نارا لا تطفأ بالماء.

فقال ابن عباس: كنا كما ذكرت حتى بعث [ الله ] رسوله منا ومنكم، ثم ولي الامر علينا وعليكم، ثم صار الامر إلينا وإليكم، فأخذ صاحبكم على صاحبنا لسنه، ولما هو أفضل من سنه، فو الله ما قلنا إلا ما قال غيرنا، ولا نطقنا إلا بما نطق به سوانا، فتركتم الناس جانبا، وصيرتمونا بين أن أقمنا متهمين أو نزعنا معتبين، وصاحبنا من قد علمتم، والله لايهجهج مهجهج إلا ركبه، ولا يرد حوضا إلى أفرطه، وقد أصبحت منك ما أحببت وأكره ما كرهت ولعلي لا ألقاك إلا في خير (1).

____________

(1) الامامه والسياسة: ج 1 / 33.

الصفحة 29

(720)
عمار والمغيرة

دخل المغيرة بن شعبة، فقال له علي: هل لك يا مغيرة في الله؟ قال: فأين هو يا أمير المؤمنين؟ قال: تأخذ سيفك فتدخل معنا في هذا الامر فتدرك من سبقك وتسبق من معك، فإني أرى امورا لابد للسيوف أن تشحذ لها وتقطف الرؤوس بها.

فقال المغيرة: أني والله يا أمير المؤمنين ما رأيت عثمان مصيبا ولا قتله صوابا، وإنها لظلمة تتلوها ظلمات، فاريد يا أمير المؤمنين إن أذنت لي أن أضع سيفي وأنام في بيتي حتى تنجلي الظلمة ويطلع قمرها، فنسري مبصرين تقفو آثار المهتدين، ونتقي سبيل الجائرين.

قال علي: قد أذنت لك، فكن من أمرك على ما بدا لك.

فقام عمار فقال: معاذ الله يا مغيرة تقعد أعمى بعد أن كنت بصيرا يغلبك من غلبته، ويسبقك من سبقته، انظر ما ترى وما تفعل، فأما أنا فلا أكون إلا في الرعيل الاول.

فقال له المغيرة: يا أبا اليقظان، إياك أن تكون كقاطع السلسلة فر من الضحل فوقع في الرمضاء.

فقال علي لعمار: دعه فإنه لن يأخذ من الاخرة إلا ما خالطته الدنيا، أما والله يا مغيرة إنها المثوبة المؤدية، تؤدي من قام فيها إلى الجنة، ولما اختار بعدها، فإذا غشيناك فنم في بيتك.

فقال المغيرة: أنت والله يا أمير المؤمنين أعلم مني، ولئن لم اقاتل معك لا اعين عليك، فإن يكن ما فعلت صوابا فإياه أردت، وإن يكن خطأ فمنه نجوت ولي ذنوب كثيرة لاقبل لي بها إلا الاستغفار منها (1).

____________

(1) الامامة والسياسة: ج 1 / 49 - 50.

الصفحة 30

(721)
عمار مع محمد بن مسلمة وابن عمر

قال: وذكروا أن عمار بن ياسر قام إلى علي فقال: يا أمير المؤمنين ائذن لي آتي عبد الله بن عمر فاكلمه لعله يخف معنا في هذا الامر، فقال علي: نعم، فأتاه فقال له: يا أبا عبد الرحمان إنه قد بايع عليا المهاجرون والانصار، ومن إن فضلناه عليك لم يسخطك، وإن فضلناك عليه لم يرضك، وقد أنكرت السيف في أهل الصلاة، وقد علمت أن على القاتل القتل، وعلى المحصن الرجم، وهذا يقتل بالسيف، وهذا يقتل بالحجارة، وأن عليا لم يقتل أحدا من أهل الصلاة فيلزمه حكم القاتل.

فقال ابن عمر: يا أبا اليقظان، إن أبي جمع أهل الشورى الذين قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عنهم راض فكان أحقهم بها علي، غير أنه جاء أمر فيه السيف ولا أعرفه، ولكن والله ما احب أن لي الدنيا وما عليها، وأني أظهرت أو أضمرت عداوة علي.

قال: فانصرف عنه فأخبر عليا بقوله، فقال علي: لو أتيت محمد بن مسلمة الانصاري، فأتاه عمار فقال له محمد: مرحبا بك يا أبا اليقظان على فرقة ما بيني وبينك، والله لولا ما في يدي من رسول الله صلى الله عليه وآله لبايعت عليا، ولو أن الناس كلهم عليه لكنت معه، ولكنه يا عمار، كان من النبي أمر ذهب فيه الرأي. فقال عمار: كيف؟

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا رأيت المسلمين يقتتلون أو إذا رأيت أهل الصلاة...

فقال عمار (مقاطعا): كان قال لك: إذا رأيت المسلمين فو الله لا ترى مسلمين يقتتلان بسيفيهما أبدا، وإن كان قال لك: أهل الصلاة، فمن سمع هذا معك، إنما أنت أحد الشاهدين، فتريد من رسول الله صلى الله عليه وآله قولا بعد قوله

الصفحة 31
يوم حجة الوداع: دماؤكم وأموالكم عليكم حرام إلا بحدث، فتقول: يا محمد لا نقاتل المحدثين.

قال: حسبك يا أبا اليقظان (1).

(722)
رجل من أشراف البصرة وطلحة

أتاهم - يعني طلحة والزبير وعائشة - رجل من أشراف البصرة بكتاب كان كتبه طلحة في التأليب على قتل عثمان، فقال لطلحة: هل تعرف هذا الكتاب؟ قال: نعم، قال: فما ردك على ما كنت عليه وكنت أمس تكتب إليا تؤلبنا على قتل عثمان، وأنت اليوم تدعونا إلى الطلب بدمه؟ وقد زعمتما أن عليا دعا كما إلى أن تكون البيعة لكما قبله إذ كنتما أسن منه، فأبيتما إلا أن تقدماه لقرابته وسابقته، فبايعتماه، فكيف تنكثان بيعتكما بعد الذي عرض عليكما؟

قال طلحة: دعانا إلى البيعة بعد أن اغتصبها، وبايعه الناس فعلمنا حين عرض علينا أنه غير فاعل، ولو فعل ابى ذلك المهاجرون والانصار، وخفنا ان نرد بيعته فنقتل فبايعناه كارهين.

قال: فما بدا لكما في عثمان؟ قالا: ذكرنا ما كان من طعننا عليه، وخذلاننا إياه، فلم نجد من ذلك مخرجا إلا الطلب بدمه.

قال: فما تأمرانني به؟ قالا: بايعنا على قتال علي ونقض بيعته.

قال: أرأيتما إن أتانا بعد كما من يدعونا إلى ما تدعوان إليه ما نصنع؟ قالا:

لا تبايعه.

قال: ما أنصفتما، أتأمرانني أن اقاتل عليا وأنقض بيعته وهي في أعناقكما،

____________

(1) الامامة والسياسة: ج 1 / 52.

الصفحة 32
وتنهياني عن بيعة من لابيعة له عليكما، أما إننا قد بايعنا عليا، فإن شئتما بايعنا كما بيسار أيدينا.

قال: ثم تفرق الناس (1).

(723)
عقيل ومعاوية

قال: وذكروا: أن عقيل بن أبي طالب قدم على أخيه على بالكوفة، فقال له علي مرحبا بك وأهلا ما أقدمك يا أخي؟ قال: تأخر العطاء عنا، وغلاء السعر ببلدنا وركبني دين عظيم، فجئت لتصلني، فقال علي: والله ما لي مما ترى شيئا إلا عطائي، فإذا خرج فهو لك، فقال عقيل: وإنما شخوصي من الحجاز إليك من أجل عطائك، وماذا يبلغ مني عطاؤك؟ وما يدفع من حاجتي؟ فقال علي: فمه، هل تعلم لي مالا غيره، أم تريد أن يحرقني الله في نار جهنم في صلتك بأموال المسلمين؟ فقال عقيل: والله لاخرجن إلى رجل هو أوصل لي منك - يريد معاوية - فقال له علي: راشدا مهديا.

فخرج عقيل حتى أتى معاوية، فلما قدم عقيل قال له معاوية: مرحبا وأهلا بك يا ابن أبي طالب، ما أقدمك علي؟ فقال: قدمت عليك لدين عظيم ركبني، فخرجت إلى أخي ليصلني، فزعم أنه ليس له مما يلي إلا عطاؤه، فلم يقع ذلك مني موقعا، ولم يسد مني مسدا، فأخبرته أني سأخرج إلى رجل هو أوصل منه لي فجئتك، فازداد معاوية رغبة، وقال: يا أهل الشام هذا سيد قريش وابن سيدها، عرف الذي فيه أخوه من الغواية والضلالة، فأثاب إلى أهل الدعاء إلى الحق، ولكني أزعم أن جميع ما تحت يدي لي، فما أعطيت فقربة إلى الله وما أمسكت فلا جناح علي فيه!

____________

(1) الامامة والسياسة: ج 1 / 65.

الصفحة 33
فأغضب كلامه عقيلا لما سمعه ينتقص أخاه، فقال: صدقت خرجت من عند أخي على هذا القول، وقد عرفت من في عسكره، لم أفقد والله رجلا من المهاجرين والانصار، ولا والله ما رأيت في عسكر معاوية رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله، فقال معاوية عند ذلك: يا أهل الشام أعظم الناس من قريش عليكم حقا ابن عم النبي صلى الله عليه وآله وسيد قريش وها هو ذا برئ إلى الله مما عمل به أخوه... (1)

(724)
الحجاج بن عدي وأهل الشام

قال: فلما قدم على معاوية كتاب علي مع الحجاج بن عدي الانصاري ألفاه وهو يخطب الناس بدمشق، فلما قرأه إغتم بذلك وأسره عن أهل الشام، ثم قام الحجاج بن عدي خطيبا:

فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أهل الشام، إن أمر عثمان أشكل على من حضره المخبر عنه كالاعمى، والسميع كالاصم، عابه قوم فقتلوه، وعذره قوم فلم ينصروه، فكذبوا الغائب، واتهموا الشاهد، وقد بايع الناس عليا على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله بيعة عامة، من رغب عنها رد إليها صاغرا داحرا، فانظروا في ثلاث وثلاث، ثم اقضوا على أنفسكم: أين الشام من الحجاز؟ وأين معاوية من علي؟ وأين أنتم من المهاجرين والانصار والتابعين لهم بإحسان؟

قال: فغضب معاوية لقوله وقال: يا حجاج، أنت صاحب زيد بن ثابت يوم الدار؟ قال: نعم، فإن كان بلغك والا احدثك، قال: هات. قال: أشرف علينا زيد بن ثابت، وكان مع عثمان في الدار، وقال: يا معشر الانصار،

____________

(1) الامامة والسياسة: ج 1 / 75، وقد مر بروايات مختلفة.

الصفحة 34
انصروا لله - مرتين - فقلت: يا زيد إنا نكره أن نلقي الله فنقول كما قال القوم:

(ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا) فقال معاوية: انصرف إلى علي، واعلمه أن رسولي على اثرك (1).

(725)
أهل العراق ومصقلة

ذكروا أنه قام إلى علي بعد انصرافه من البصرة إلى الكوفة، وجوه بكر بن وائل، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن نعيما أخا مصقلة يستحيي منك، لما صنع مصقلة، وقد أتانا اليقين أنه لايمنع مصقلة من الرجوع إليك إلا الحياء، ولم يبسط منذ فارقنا لسانه ولا يده، فلو كتبنا إليه كتابا وبعثنا من قبلنا، رسولا فإنا نستحيي أن يكون فارقنا مثل مصقلة من أهل العراق إلى معاوية.

فقال علي: اكتبوا، فكتبوا:

أما بعد، فقد علمنا أنك لم تلحق بمعاوية رضى بدينه، ولا رغبة في دنياه، ولم يعطفك عن علي طعن فيه، ولارغبة عنه، ولكن توسطت أمرا فقويت فيه الظن، وأضعفت فيه الرجاء، فكان أولادهما عندك أن قلت: أفوز بالمال، وألحق بمعاوية. ولعمرنا ما استبدلت الشام بالعراق والا السكاسك بربيعة، ومعاوية بعلي، ولا أصبت دنيا تهنأبها ولا حظا تحسد عليه، وإن أقرب ما تكون مع الله أبعد ما تكون مع معاوية، فارجع إلى مصرك فقد اغتفر أمير المؤمنين الذنب، واحتمل الثقل، واعلم أن رجعتك اليوم خير منها غدا وكانت أمس خيرا منها اليوم، وإن كان عليك حياء من أبي الحسن فما أنت فهى أعظم، فقبح الله أمرا ليس فيه دنيا ولا آخرة.

فلما انتهى كتابهم إلى مصقلة، وكان لرسولهم عقل ولسان، فقال الرسول:

____________

(1) الامامة والسياسة: ج 1 / 76 - 77.

الصفحة 35
يا مصقلة انظر فيما خرجت منه، وفيما صرت إليه، وانظر من أخذت، ومن تركت، وانظر من جاورت، ومن زايلت، ثم اقض بعقلك دون هواك.

قال: وإن مصقلة مضى إلى معاوية بالكتاب فأقرأه إياه، فقال معاوية: يا مصقلة إنك عندي غير ظنين، فإذا أتاك شئ فاستره عني، فانصرف مصقلة إلى منزله، فدعا الرسول فقال: يا أخا بكر، إنما هربت بنفسي من علي، ولا والله ما يطول لساني بغيبته، ولا قلت فيه قط حرفا بسوء، اذهب بكتابي هذا إلى قومي.

قال: وذكروا أن مصقلة كتب إلى قومه: أما بعد: فقد جاءني كتابكم، وإني اخبركم أنه من لم ينفعه القليل لم ينفعه الكثير، وقد علمتم الامر الذي قطعني من علي، وأضافني إلى معاوية، وقد علمت أني لو رجعت إلى علي وإليكم لكان ذنبي مغفورا، ولكني أذنبت إلى علي وصحبت معاوية، فلو رجعت إلى علي أحدثت عيبا، وأحييت عارا، وكنت بين لائمين، أولهما خيانة، وآخرهما غدر، ولكني اقيم بالشام، فإن غلب معاوية فداري العراق، وإن غلب علي فداري أرض الروم. فأما الهوى فإليكم طائر، وكانت فرقتي عليا على بعض العذر أحب إلي من فرقتي معاوية ولا عذر لي ثم قال: للرسول: يا ابن أخي، استعرض الناس عن قولي في علي. فقال:

قد سألت، فقالوا: خيرا. قال: فإني والله عليه حتى أموت.

فرجع الرسول بالكتاب، فأقرأه عليا، فقال: كفوا عن صاحبكم، فليس براجع حتى يموت. فقال حصين: أما والله ما به إلا الحياء (1).

(726)
الاشعث ومعاوية

قال:... فقال علي للاشعث: إذهب إلى معاوية، فقل له: إن الذي

____________

(1) الامامة والسياسة: ج 1 / 80 - 81.

الصفحة 36
جئنا له غير الماء، ولو سبقناك إليه لم نحل بينك وبينه، فإن شئت خليت عن الماء، وإن شئت تناجزنا عليه وتركنا ما جئنا له.

فانطلق الاشعث إلى معاوية، فقال له: إنك تمنعنا الماء وأيم الله لنشربنه، فمرهم يكفوا عنه قبل أن نغلب عليه، والله لا نموت عطشا وسيوفنا على رقابنا.

فقال معاوية لاصحابه: ما ترون؟ فقال رجل منهم: نرى أن نقتلهم عطشا، كما قتلوا عثمان ظلما، فقال عمرو بن العاص: لا تظن يا معاوية، أن عليا يظمأ وأعنة الخيل بيده، وهو ينظر إلى الفرات، حتى يشرب أو يموت دونه، خل عن القوم يشربوا.

فقال معاوية: هذا والله أول الظفر، لاسقاني الله من حوض الرسول إن شربوا منه، حيت يغلبوني عليه. فقال عمرو: وهذا أول الجور، أما تعلم أن فيهم العبد والاجير والضعيف ومن لاذنب له؟ لقد شجعت الجبان، وحملت من لا يريد قتالك على قتالك (1).

(727)
سعد بن قيس وعبد الله بن عمرو

قال: وذكروا أن معاوية دعا عبد الله بن عمرو بن العاص، فأمره أن يكلم أهل العراق، فأقبل عبد الله بن عمرو حتى إذا كان بين الصفين نادى: يا أهل العراق أنا عبد الله بن عمرو بن العاص، إنه عبد الله بن عمرو بن العاص، إنه قد كانت بيننا وبينكم امور للدين والدنيا، فإن تك للدين فقد والله أسرفنا وأسرفتم، وإن تك للدنيا فقد والله اعذرنا واعذرتم، وقد دعوناكم لامر لو دعوتمونا إليه أجبناكم، فإن يجمعنا وإياكم الرضا فذلك من الله، وإلا فاغتنموا هذه الفرجة لعل الله أن ينعش بها الحي، وينسي بها القتيل، فإن بقاء المقلد بعد الهالك قليل.

____________

(1) الامامة والسياسة: ج 1 / 94.

الصفحة 37
فقال علي لسعد بن قيس: أجب الرجل - وقد كان عبد الله بن عمرو قاتل يوم صفين بسيفين، وكان من حجته أن قال: أمرني رسول الله أن أطيع أبي - فتقدم سعد بن قيس حتى إذا كان بين الصفين نادى:

يا أهل الشام، إنه كانت بيننا وبينكم امور حامينا فيها على الدين والدنيا، وقد دعوتمونا إلى ما قاتلناكم عليه أمس، ولم يكن ليرجع أهل العراق إلى عراقهم، ولا أهل الشام إلى شامهم بأمر أجمل منه، فإن يحكم فيه بما أنزل الله فالامر في أيدينا وإلا فنحن نحن وأنتم أنتم (1).

(728)
موسى وسليمان بن عبد الملك

قال ابن قتيبة في الخلفاء: ج 2 / 75: لما استخلف سليمان بعد أخيه الوليد، فكان أحنق الناس على الحجاج وموسى بن نصير، وكان يحلف لئن ظفر بهما ليصلبنهما، وكان حنقه عليهما لامر يطول ذكره.

قال: فأرسل سليمان إلى عمر بن عبد العزيز فأتاه، فقال: إني صالب غدا موسى بن نصير، فبعث عمر إلى موسى فأتاه فقال له: يا ابن نصير إني احبك لاربع، الواحدة: بعد أثرك في سبيل الله وجهادك لعدو الله، والثانية: حبك لال محمد صلى الله عليه وآله، والثالثة: حبك عياض بن عقبة، لما تعلم من حسن رأيي فيه، وكان عياض من عباد الله الصالحين، والرابعة: أن لابي عندك يدا وصنيعة، وأنا احب أن تتم يده وصنيعته حيث كانت، وقد سمعت أمير المؤمنين يذكر أنه صالبك غدا، فأحدث عهدك، وانظر فيما أنت ناظر فيه من أمرك - إلى أن ذكر إحضار سليمان لموسى وغضبه له، وتهديده بالقتل، وأمره بإخراج الاموال منه، وقتل سليمان عبد العزيز بن موسى، وذلك سنة

____________

(1) الامامة والسياسة: ج 1 / 102.

الصفحة 38
98 وإتيان رأسه إلى سليمان بن عبد الملك فقال:

وأقبل هؤلاء حتى قدموا على سليمان، وموسى بن نصير لايشعر بقتل عبد العزيز ابنه، فلما دخلوا على سليمان، ووضع الرأس بين يديه، فبعث إلى موسى فأتاه، فلما جلس وراء القوم، قال له سليمان: أتعرف هذا الرأس يا موسى؟ فقال: نعم هذا رأس عبد العزيز موسى، فقام الوفد فتكلموا بما تكلموا به.

ثم إن موسى قام فحمد الله، ثم قال: وهذا رأس عبد العزيز بين يدك يا أمير المؤمنين، فرحمة الله تعالى عليه، فلعمر الله ما علمته نهاره إلا صواما وليله إلا قواما، شديد الحب لله ولرسوله، بعيد الاثر في سبيله، حسن الطاعة لامير المؤمنين، شديد الحب الرأفة بمن وليه من المسلمين، فإن يك عبد العزيز قضى نحبه فغفر الله له ذنبه، فو الله ما كان بالحياة شحيحا، ولا من الموت هائبا، وليعز على عبد الملك وعبد العزيز والوليد أن يصرعوه هذا المصرع، ويفعلوا به ما أراك تفعل، ولهو كان أعظم رغبة فيه، وأعلم بنصيحة أبيه، أن يسمعوا فيه كاذبات الاقاويل، ويفعلوا به هذه الافاعيل.

فرد سليمان عليه قال: بل ابنك المارق من الدين، والشاق عصى المسلمين، المنابذ لأمير المؤمنين، فمهلا أيها الشيخ الخرف.

فقال موسى: والله، ما بي من خرف، ولا أنا من الحق بذي جنف، ولن ترد محاورة الكلام مواضع الحمام، وأنا أقول كما قال العبد الصالح: (فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون).

قال: ثم قال موسى: أفتأذن في رأسه يا أمير المؤمنين، واغرو رقت عيناه.

فقال له سليمان: نعم فخذه... (1).

____________

(1) الامامة والسياسة: ج 2 / 81 - 80.

الصفحة 39

(729)
موسى بن نصير وسليمان بن عبد الملك

قال: وذكروا أن سليمان قال لموسى: ما الذي كنت تفزع إليه في مكان حربك من امور عدوك؟ قال: التوكل والدعاء إلى الله يا أمير المؤمنين. قال له سليمان: هل كنت تمتنع في الحصون والخنادق، أو كنت تخندق حولك؟

قال: كل هذا لم أفعله، قال: فما كنت تفعل؟ قال: كنت أنزل السهل، واستشعر الخوف والصبر، وأتحصن بالسيف والمغفر، وأستعين بالله، وأرغب إليه في النصر، قال له سليمان: فمن كان من العرب فرسانك؟ قال: حمير، قال:

فأي الخيل رأيت في تلك البلاد أصبر؟ قال: شقرها، قال: فأي الامم كانوا أشد قتالا؟ قال: إنهم يا أمير المؤمنين أكثر مما أصفهم، قال له: أخبرني عن الروم. قال: اسود في حصونهم، عقبان على خيولهم، نساء في مواكبهم، إن رأوا فرصة افترصوها، وإن خافوا غلبة فأوعال ترقل في أجبال، لا يرون عارا في هزيمة تكون لهم منجاة. قال: فأخبرني عن البربر، قال: هم يا أمير المؤمنين أشبه العجم بالعرب لقاء ونجدة، وصبرا وفروسية، وسماحة وبادية، غير أنهم يا أمير المؤمنين غدر. قال: فأخبرني عن الاشبان، قال: ملوك مترفون، وفرسان لايجبنون. قال: فأخبرني عن الافرنج، قال: هناك يا أمير المؤمنين العدد والعدة، والجلد والشدة، وبين ذلك امم كثيرة، ومنهم العزيز، ومنهم الذليل، وكلا قد لقيت بشكله، فمنهم الصالح، ومنهم المحارب المقهور، والعزيز البذوخ.

قال: بأخبرني كيف كانت الحرب بينك وبينهم أكانت عقبا؟ قال: لا يا أمير المؤمنين، ما هزمت لي راية قط، ولا فض لي جمع، ولانكب المسلمون معي نكبة، منذ اقتحمت الاربعين إلى أن شارفت الثمانين. قال: فضحك سليمان، وقال: فأين الراية التي حملتها يوم مرج راهط مع الضحاك؟ قال:

تلك يا أمير المؤمنين زبيرية، وإنما عنيت المروانية، فقال: صدقت، وأعجبه

الصفحة 40
قوله (1).

(730)
أبو حازم وسليمان بن عبد الملك

قالوا: لما حج سليمان، ودخل المدينة زائرا لقبر رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه ابن شهاب الزهري، ورجاء بن حياة، فأقام بها ثلاثة أيام، فقال:

ماهاهنا رجل ممن أدرك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقيل له:

بلى هاهنا رجل يقال له: أبو حازم الاعرج سلمة بن دينار، فبعث إليه، فجاءه، وهو أقور أعرج، فدخل عليه، فوقف منتظرا للاذن، فلما طال عليه الاذن، وضع عصيته ثم جلس. فلما نظر إليه سليمان، ازدرته عينه، فقال له: يا أبا حازم، ما هذا الجفاء الذي ظهر منك وأنت توصف برؤية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله مع فضل ودين تذكر به؟ فقال أبو حازم: وأي جفاء رأيت مني يا أمير المؤمنين؟ فقال سليمان: إنه أتاني وجوه أهل المدينة وعلماؤها وخيارها، وأنت معدود فيهم ولم تأتني، فقال أبو حازم: اعيذك بالله أن تقول ما لم يكن، ما جرى بيني وبينك معرفة آتيك عليها. قال سليمان: صدق الشيخ.

فقال: يا أبا حازم مالنا نكره الموت؟ فقال أبو حازم: لانكم أخربتم آخرتكم، وعمرتم دنياكم، وأنتم تكرهون النقلة من العمران إلى الخراب. قال سليمان: صدقت يا أبا حازم، فكيف القدوم على الاخرة؟ قال: نعم أما المحسن فإنه يقدم على الاخرة كالغائب يقدم على أهله من سفر بعيد. وأما قدوم المسئ فكالعبد الابق، يؤخذ فيشتد كتافه، فيؤتى به إلى سيد فظ غليظ فإن شاء عفا، وإن شاء عذب.

فبكى سليمان بكاء شديدا، وبكى من حوله، ثم قال:

____________

(1) الامامة والسياسة: ج 2 / 83.