الصفحة 381

وأفتى في المواريث فتاوى تناقض بعضها بعضا.. (1)

وتجسس على الناس بمجرد الظن مخالفا القرآن.. (2)

وأوقف إقامة الحد على المغيرة بن شعبة.. (3)

ورفض أن يورث أحدا من الأعاجم.. (4)

ورجم الحبلى والمضطرة، وأقام الحد بغير وجه حق.. (5)

وأسهم في زرع الطبقية بين المسلمين وشاطر العمال أموالهم.. (6)

وغير ذلك من التجاوزات والمخالفات التي لا يتسع المجال لذكرها هنا والتي تؤكد عدم جدارة عمر لأمر الخلافة وأنه أقحم نفسه فيها..

ولقد كان للإمام علي دورا بارزا في التصدي لانحرافات عمر وتجاوزاته

____________

(1) أنظر البيهقي ج 6 / 245 حيث يروي عن عبيدة قوله:

إني لأحفظ عن عمر في الجد مائة قضية كلها ينقض بعضها بعضا.

(2) قصة تجسس عمر على البيوت مشهورة حين تسلق البيت على أصحاب. والله ينهى عن التجسس وانظر سيرة عمر في كتب التاريخ.

(3) شهد مجموعة من الصحابة على المغيرة بن شعبة إنه زنى بامرأة محصنة ذات بعل ولم يقم عمر الحد عليه بل أقامه على الشهود بتهمة القذف. أنظر ترجمة المغيرة في الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر وأسد الغابة لابن الأثير.

(4) أنظر موطأ مالك ج 2 / 12.

(5) حاول عمر أن يقيم الحد على امرأة اضطرت للزنا ولا إثم على المضطر كما حاول أن يقيم على امرأة حبلى من الزنا وامرأة مجنونة وامرأة حملت من ستة أشهر وقد تدخل الإمام علي ومنع إقامة هذه الحدود وأثبت جهل عمر. أنظر كتب السنن. وانظر قصة أخذ الدية بغير حق في الإستيعاب ترجمة أبي خراش الهزلي. وانظر جهله بأحكام الصلاة فتح الباري ج 3 / 69.

(6) قدم عمر البدريين على من سواهم والمهاجرين على الأنصار وأمهات المؤمنين على غيرهن. وكان يقتسم أموال العمال مثل أبو هريرة عامل البحرين. أنظر الأموال لأبي عبيدة وتاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي وكتب الفقه.

الصفحة 382
للنصوص وأحكامه الجائرة على الرعية وسياسة البطش والإرهاب التي ألقت الرعب في قلوب الناس حتى أن امرأة حاملا أسقطت جنينها خوفا منه حين بعث في طلبها وقد جمع كبار الصحابة ليشيروا عليه في حكم هذا الأمر.. (1)

وعندما منع زواج المتعة هدد الصحابة من المؤمنين بوجوبه والقائلين به وعلى رأسهم ابن عباس الذي لم يجهر برأيه في هذا الزواج إلا بعد وفاته.. (2)

إن التهديد والتخويف علامة بارزة في سياسة عمر وشخصيته من أيام الرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما كان يرفع شعار (دعني أضرب عنق هذا المنافق يا رسول الله) وعندما هدد القائلين بوفاة الرسول.

وعندما هدد الأنصار والرافضين لبيعة أبي بكر في السقيفة..

إذا كان عمر يمارس الإرهاب في حدود الأحكام الفقهية، وفي حدود الرعية أفلا يمارسها ضد آل البيت الذين يشكلون خطرا علي نفوذه وسلطانه.. (3)

* * *

____________

(1) أنظر تاريخ الخلفاء والبيهقي وكتب السنن وترجمة عمر في الإصابة وأسد الغابة والاستيعاب.

(2) قال عمر لا أوتي برجل تزوج متعة إلا غيبته تحت الحجارة. يعني الرجم.. تأمل. أنظر القرطبي تفسير سورة النساء قوله تعالى * (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) * وانظر تفسير الخازن وروح المعاني للآلوسي وتفسير ابن كثير وكتب الفقه.

(3) السيف والسياسة ص 74 - 77.

الصفحة 383
نقل عن النبي لابنته الزهراء وعنها:

الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك (1).

" فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ويريبني ما رابها " (2).

" فاطمة بضعة مني يغضبني ما أغضبها " وقال النبهاني: وفي رواية: " فمن أغضبها أغضبني ".

" فاطمة بضعة مني يقبضني ما يقبضها، ويبسطني ما يبسطها ".

من ناحية أخرى: جاء في أمهات الكتب الإسلامية " أن فاطمة وجدت على أبي بكر فهجرته فلم تكلمه حتى ماتت ".

وجاء أيضا: " غضبت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت " (3) وأيضا: " غضبت فاطمة على أبي بكر فهجرته فلم تكلمه حتى ماتت " (4)...

يبقى السؤال: من كان الله ورسوله غاضبين عليه، ومن الذي مات ميتة جاهلية؟ (5).

* * *

____________

(1) أنظر: الإصابة: 4 / 366، كنز العمال: 12 / 11 و 13 / 646، المستدرك للحاكم: 3 / 154، أسد الغابة: 5 / 322.

(2) أنظر: البخاري: 7 / 47، مسلم: 4 / 1902، الترمذي: 5 / 698، الإصابة: 4 / 366، ابن ماجة 1 / 644، كنز العمال: 12 / 107 و 122.

(3) المستدرك للحاكم النيسابوري: 3 / 158، الجامع الصغير للمناوي: 2 / 122.

(4) المستدرك للحاكم النيسابوري: 3 / 158، الجامع الصغير للمناوي: 2 / 122، كنز العمال:

2 / 108 - 111.

(5) نبيل فياض: يوم انحدر الجمل من... السقيفة: ص 43 - 44.

الصفحة 384

1 - حديث إحراق الدار

1 - قال ابن عبد ربه الأندلسي: الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر:

علي، والعباس، والزبير، وسعد بن عبادة فأما علي والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة وقال له: إن أبوا فقاتلهم. فأقبل بقبس (1) من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة. فقالت يا ابن الخطاب: أجئت لتحرق دارنا.

قال: نعم. أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة (2).

2 - قال عمر رضا كحالة:

وتفقد أبو بكر قوما تخلفوا عن بيعته عند علي بن أبي طالب كالعباس والزبير وسعد بن عبادة فقعدوا في بيت فاطمة. فبعث أبو بكر عمر بن الخطاب فجاءهم عمر فناداهم وهم في دار فاطمة فأبوا أن يخرجوا. فدعا بالحطب وقال:

والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها. فقيل له: يا أبا حفص إن فيها فاطمة قال: وإن.. (3).

3 - قال أبو الفتح أحمد بن عبد الكريم الشهرستاني:

____________

(1) قال الجوهري: القبس: شعلة من نار. الصحاح: 3 / 960 وقال ابن الأثير: القبس: الشعلة من النار. النهاية في غريب الحديث: 4 / 4. وقال الأستاذ الشرتوني: القبس: محركة: مصدر. و - شعلة نار تؤخذ من معظم النار، وقبس منه النار، قبسا: أخذها شعلة فهو (قابس). و - النار:

أوقدها. وقرب الموارد: 2 / 958 - 959 وقال الشيخ أحمد رضا:

القبس: النار. الشعلة تؤخذ من معظم النار. واحدة: قبسة. معجم متن اللغة: 4 / 481.

(2) ابن عبد ربه: العقد الفريد: 2 / 205 ط المطبعة الأزهرية المصرية الكائنة بخان جعفر بجوار الساحة الحسينية عام 1321 هـ.

(3) عمر رضا كحالة: أعلام النساء: 4 / 114.

الصفحة 385
وقال النظام (1):

إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها (2). وكان يصيح:

احرقوا دارها بمن فيها. وما كان في الدار غير علي، وفاطمة، والحسن والحسين (3).

4 - أخرج البلاذري عن سليمان التيمي، وعن ابن عون:

إن أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة فلم يبايع. فجاء عمر، ومعه فتيلة فتلقته فاطمة على الباب فقالت فاطمة:

يا ابن الخطاب، أتراك محرقا علي بابي؟ قال: نعم. وذلك أقوى فيما جاء به أبوك (4).

5 - قال عبد الحميد بن أبي الحديد:

ولما رأت فاطمة ما صنع عمر، فصرخت، وولولت، واجتمع معها نساء كثير من الهاشميات، وغيرهن فخرجت إلى باب حجرتها وقالت:

يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله (5)، والله لا أكلم عمر حتى ألقي الله.

6 - قال الأستاذ الكبير عبد الفتاح عبد المقصود:

"... أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة، والزبير، ورجال من

____________

(1) توفي النظام سنة 231 هـ انظر: هامش الملل والنحل: 1 / 53.

(2) إلى هنا ذكره الصفدي في الوافي بالوفيات: 6 / 17 وفيه: ألقت المحسن من بطنها.

(3) الشهرستاني: الملل والنحل: 1 / 57.

(4) البلاذري: أنساب الأشراف: 1 / 586.

(5) ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: 2 / 119.

الصفحة 386
المهاجرين، فقال: والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة.. " (1).

ثم قال الأستاذ:

ثم تطالعنا صحائف ما أورد المؤرخون بالكثير من أشباه هذه الأخبار المضطربة التي لا نعدم أن نجد من بينها من عنف عمر ما يصل به إلى الشروع في قتل علي، أو إحراق بيته على من فيه...

فلقد ذكر أن أبا بكر أرسل عمر بن الخطاب، ومعه جماعة بالنار، والحطب إلى دار علي وفاطمة، والحسن، والحسين ليحقوه بسبب الامتناع عن بيعته. فلما راجع عمر بعض الناس قائلين: " إن في البيت فاطمة.. " (2).

المؤلف يقول:

وقد نظم هذه الواقعة شاعر النيل حافظ إبراهيم فقال:

وقولة (لعلي) قالها عمر * أكرم بسامعها أعظم بملقيها

____________

(1) قال ابن أبي الحديد: جاء عمر إلى بيت فاطمة في رجال من الأنصار، ونفر قليل من المهاجرين فقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن إلى البيع أو لأحرقن عليكم. شرح النهج:

1 / 134 أنساب الأشراف للبلاذري: 1 / 278، تاريخ أبي الفداء: 1 / 156، شرح نهج البلاغة:

2 / 19، الإمامة والسياسة لابن قتيبة: 1 / 20، العقد الفريد: 2 / 176، شهيرات النساء: 3 / 33، الإمام علي للأستاذ عبد الفتاح عبد المقصود: 2 / 266.

ذكروا هؤلاء جميعا أن عمر أتى بالحطب ليحرق باب فاطمة بضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم على من فيه، وقيل لعمر: إن في البيت فاطمة. قال: وإن.

وأخرج المحب الطبري عن ثوبان قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر آخر عهده، إتيان فاطمة، وأول من يدخل عليه إذا قدم فاطمة عليها السلام، خرجه أحمد.

وعن ثعلبة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من غزو، أو سفر، بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم أتى فاطمة ثم أتى أزواجه. خرجه أبو عمر. أنظر: ذخائر العقبى: ص 37.

(2) عبد الفتاح عبد المقصود: السقيفة والخلافة: ص 14.

الصفحة 387

حرقت دارك لا أبقي عليك بها * إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها
ما كان غير أبي حفص يفوه بها * أمام فارس عدنان وحاميها (1)

وقال ابن قتيبة: ثم قام عمر فمشي ومعه جماعة حتى أتوا باب فاطمة، فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها:

يا أبت يا رسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب، وابن أبي قحافة (2).

وبعث أبو بكر عمر بن الخطاب إلى علي رضي الله عنه، حين قعد عن بيعته وقال:

إئتني به بأعنف العنف، فلما أتاه جرى بينهما كلام (3).

* * *

____________

(1) ديوان حافظ إبراهيم: 1 / 75 تحت عنوان: (عمر وعلي) طبع دار الكتب المصرية بالقاهرة.

(2) الإمامة والسياسة الطبعة الآخرة عام 1969 هجري.

(3) تاريخ الطبري: 4 / 250، ابن قتيبة في " الإمامة والسياسة " 1 / 300، المسعودي في " مروج الذهب 19 / 414.

الصفحة 388
دور فاطمة الزهراء:

ما كان ينتهي هجوم الحكم على بيت فاطمة بنت النبي ومحاولتهم إحراقه، حتى تفجرت أزمات جديدة، ساهمت في تعميق الهوة بين الزهراء والحكم. ولعب أبو بكر الدور الأبرز في خلق تلك الهوة، عن طريق خلق مصاعب أمام أطراف التحالف الهاشمي لدفعهم في النهاية إلى مبايعته.

فعلى سبيل المثال: اختار أبو بكر بعد وفاة النبي أن يسقط سهم الرسول وسهم بني هاشم من الخمس، وكان النبي يخص ذاته بسهم من الخمس، ويخص أقاربه من بني هاشم بسهم آخر منه، ولم يعهد بتغيير ذلك حتى توفي (1) اعتمادا على الآية الكريم: * (واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى) * (2) (3).

وقال الكاتب المصري صالح الورداني:

ومما يشير إلى موقف عمر العدائي تجاه آل البيت التزامه بسياسة الحصار الاقتصادي التي وضعها مع أبي بكر تجاه فاطمة وعلي وأبنائهما.. (4).

____________

(1) أنظر: شرح صحيح مسلم للنووي: 12 / 82، الأحكام السلطانية لأبي يعلى: 181 - 185، الأحكام السلطانية للماوردي: 171 - 186، أحكام القرآن للجصاص: 3 / 60، الأموال لأبي عبيد: ص 325، تفسير النيسابوري بهامش تفسير الطبري: ج 10، تاريخ الطبري: 3 / 19، سنن النسائي ك الفئ 7 / 120 - 122، الكشاف للزمخشري: 2 / 158، تفسير القرطبي: 8 / 10، فتح القدير للشوكاني: 2 / 295، تفسير الطبري: 10 / 4 و: 5 / 7، الدر المنثور للسيوطي: 3 / 185، تفسير المنار 10 / 15 - 16.

(2) الأنفال: 41.

(3) نبيل فياض: يوم انحدر الجمل من... السقيفة: ص 37.

(4) صالح الورداني: السيف والسياسة: ص 77.

الصفحة 389
1 - منع عمر قربى رسول الله من السهم الذي فرضه الله لهم:

أخرج أبو داود عن يزيد بن هرمز أن نجدة الحروري حين حج في فتنة ابن الزبير أرسل إلى ابن عباس يسأله عن سهم ذوي القربى ويقول لمن تراه.

قال ابن عباس:

لقربى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمه لهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقد كان عمر عرض علينا من ذلك فرأيناه دون حقنا، فرددناه عليه وأبينا أن نقبله (1).

وأخرج أحمد عن يزيد بن هرمز أنه قال:

كتب نجدة بن عامر إلى ابن عباس يسأله عن أشياء فشهدت ابن عباس حين قرأ كتابه، وحين كتب جوابه. فقال ابن عباس:

والله لولا أرده عن شر يقع فيه ما كتبت إليه، ولا نعمة عين قال:

فكتب إليه إنك تسألني عن سهم ذوي القربى الذي ذكره الله عز وجل من هم؟

وإنا كنا نرى قرابة رسول الله هم فأبى ذلك علينا قومنا.. (2).

2 - منعه من الخمس الذي فرضه الله لهم:

أخرج أبو نعيم، عن يزيد بن هرمز أن جدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن خمس خصال فقال ابن عباس:

____________

(1) أبو داود: السنن: 2 / 26 بيان موضع قسم الخمس، مسند أحمد 1 / 320 ط مصر، السنن الكبرى للبيهقي: 6 / 344 - 345.

(2) أحمد بن حنبل: المسند 1 / 488 وتجده بلفظ آخر: 1 / 292 - 294 - 308.

الصفحة 390
لولا أن أكتم علما لما كتبت إليه. فكتب إليه نجدة:

أما بعد: فأخبرني: هل كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يغزو بالنساء؟ وهل كان يضرب لهن بسهم؟ وهل كان يقتل الصبيان؟ ومتى ينقضي يتم اليتيم، وعن الخمس لمن هو؟

فكتب إليه ابن عباس:

كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يغزو بالنساء فيداوين الجرحى فيستجدين (1) من الغنيمة، فأما السهم فلم يضرب لهن، وأن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لم يقتل الصبيان.

وكتبت تسألني متى ينقضي يتم اليتيم. ولعمري إن الرجل ليشيب (2) وإنه لضعيف الأخذ لنفسه، ضعيف الإعطاء منها، فإذا أخذ لنفسه من أصلح ما يأخذ الناس فقد ذهب عنه اليتم.

وكتبت تسألني عن الخمس، وإنا نقول: هو لنا، وأبى علينا قومنا ذلك قال أبو نعيم: هذا حديث صحيح رواه مسلم عن القعني. ورواه حاتم بن إسماعيل عن جعفر نحوه (3).

3 - منعه قربى الرسول مما أفاء الله على رسوله من بني النضير:

أخرج البخاري، عن مالك بن أوس بن الحدثان النصري:

أن عمر بن الخطاب (رض) دعاه إذ جاءه حاجبه يرفأ فقال:

هل لك في عثمان، وعبد الرحمن، والزبير، وسعد يستأذنون فقال: نعم. فأدخلهم.

____________

(1) كذا في الأصل.

(2) لتشيب لحيته. كذا في الهامش من الحلية.

(3) أبو نعيم الأصبهاني: حلية الأولياء: 3 / 205.

الصفحة 391
فلبث قليلا ثم جاء فقال:

هل لك في عباس وعلي يستأذنان قال: نعم. فلما دخلا قال: عباس.

يا أمير المؤمنين اقضي بيني، وبين هذا، وهما يختصمان في الذي أفاء الله على رسوله (صلى الله عليه وسلم) من بني النضير... فقال جل ذكره:

  • (وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب - إلى قوله -:

    قدير) * (1). فكانت هذه خالصة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ثم والله ما اختارها دونكم، ولا استأثرها عليكم.

    لقد أعطاكموها، وقسمها فيكم حتى بقي هذا المال منها. فكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال. ثم يا هذا ما بقي فيجعله مجعل مال الله فعمل ذلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حياته، ثم توفي النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال أبو بكر:

    فأنا ولي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقبضه أبو بكر فعمل فيه، بما عمل به رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وأنتم حينئذ.

    فأقبل على علي، وعباس وقال:

    تذكران، أن أبا بكر فيه كما تقولان (2):

    والله يعلم إن فيه لصادق، بار، راشد، تابع للحق. ثم توفي الله أبا بكر فقلت: أنا ولي رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وأبي بكر فقبضته سنتين من إمارتي، أعمل فيه بما عمل رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وأبو بكر والله يعلم إني فيه: صادق، بار، راشد، تابع للحق ثم جئتماني كلاكما، وكلمتكما واحدة، وأمركما جميع فجئتني يعني عباسا فقلت لكما:

    ____________

    (1) الحشر: 6.

    (2) وفي بعض نسخ البخاري المطبوعة قديما جاء فيها: إنه غير صادق، وغير بار، وغادر، وهذه العبارة أسقطت من طبعات البخاري المطبوع في مصر - المؤلف -.

    الصفحة 392
    إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: لا نورث ما تركنا صدقة فلما بدا لي أن أدفعه إليكما قلت:

    إن شئتما دفعته إليكما. على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيه بما عمل فيه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأبو بكر، وما عملت فيه منذ وليت، وإلا فلا تكلماني، فقلتما ادفعه إلينا بذلك فدفعته إليكما، أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك، فوا، الذي بإذنه تقوم السماء والأرض. لا أقضي فيه بقضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما عنه فادفعا إلي فأنا أكفيكماه قال:

    فحدثت هذا الحديث عروة بن الزبير فقال:

    صدق مالك بن أوس.

    أما سمعت عائشة (رض) زوج النبي (صلى الله عليه وسلم) تقول:

    أرسل أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) عثمان إلى أبي بكر يسألنه ثمنهن مما أفاء الله على رسوله (صلى الله عليه وسلم) فكنت أنا أردهن فقلت لهن:

    ألا تتقين الله، ألم تعلمن أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يقول:

    " لا نورث ما تركنا صدقة " يريد بذلك نفسه، إنما يأكل آل محمد (صلى الله عليه وسلم) في هذا المال فانتهن أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى ما أخبرتهن.

    قال: فكانت هذه الصدقة بيد علي، منعها علي عباسا فغلبه عليها، ثم كان بيد حسن بن علي، ثم بيد حسين بن علي، ثم بيد علي بن حسن، وحسن بن حسن كلاهما كان يتداولانها. ثم بيد زيد بن حسن، وهي صدقة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حقا (1).

    ____________

    (1) محمد بن إسماعيل: صحيح البخاري 5 / 113 - 115 طبعة كتاب الشعب، صحيح البخاري:

    5 / 88 صحيح البخاري: 9 / 122.

    الصفحة 393
    ندم أبي بكر (رض) عند موته على إرساله عمر بن الخطاب لإحراق دار الزهراء (ع) عن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه أن أبي بكر في مرضه الذي توفي فيه فأصابه مهتما - إلى أن قال أبو بكر:

    " لا آسى على شئ إلا على ثلاثة فعلتهن وددت أني تركتهن، وثلاث تركتهن وددت أني فعلتهن، وثلاث وددت أني سألت رسول الله عنهن.

    فأما الثلاث اللاتي وودت أني تركتهن:

    فوددت أني لم أكشف بين فاطمة عن شئ... الحديث ".

    وبعد هذا كله قلت:

    هذه الأحاديث كلها وردت في كتب أهل السنة، فهل يا ترى بعد هذا التأكيد من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في وجوب الأخذ من أهل بيته وأتباعهم في القول والعمل؟

    وهل من الصواب أن نرجع في أمور ديننا ودنيانا إلى غيرهم ممن أمروا باتباعهم ونعرض عنهم؟

    فأجاب الدكتور: لا.

    فقلت: ونحن الشيعة نأخذ أكثر فقهنا عن الإمام جعفر الصادق بن محمد الباقر ابن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد ابن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام).


    الصفحة 394
    ولله در الإمام الشافعي حيث يقول:

    ولما رأيت الناس قد ذهبت بهم * مذاهبهم في أبحر الغي والجهل
    ركبت على اسم الله في سفن النجا * وهم أهل بيت المصطفى خاتم الرسل
    وأمسكت حبل الله وهو ولاؤهم * كما قد أمرنا بالتمسك بالحبل
    إذا افترقت في الدين سبعون فرقة * ونيف كما قد جاء في محكم النقل
    ولم يك ناج منهم غير فرقة * فقل لي بها يا ذا الرجاحة والعقل
    أفي الفرق الهلاك آل محمد * أم الفرقة اللاتي نجت منهم قل لي
    فإن قلت في الناجين فالقول واحد * وإن قلت في الهلاك حدت عن العدل
    إذا كان مولى القوم منهم فإنني * رضيت بهم لا زال في ظلهم ظلي
    فخل عليا لي إماما ونسله * وأنت من الباقين في أوسع الحل (1)

    * * *

    وبعد هذا كله قلت للدكتور حامد: أما أنا فأبرأ إلى الله تعالى ممن خالف الكتاب والسنة.

    ثم إني قرأت للأستاذ أبياتا لا أعرف قائلها وكان قد شطرها العلامة الجليل الورع التقي صاحب السماحة آية الله المغفور له:

    الحاج سيد محمد الرضوي (2) قدس الله روحه ونور ضريحه وهي هذه وأذكر

    ____________

    (1) السيد محمد بن عقيل في " النصائح الكافية " طبعة بغداد.

    (2) هو والد مؤلف هذا الكتاب ولد في مدينة النجف الأشرف - العراق عام 1313 هـ وقد انتقل إلى رحمة ربه في اليوم الثالث من شهر ذي الحجة الحرام عام 1392 هـجرية بمدينة كراجي - باكستان وكان عالما عابدا ورعا زاهدا تقيا نقيا وكان قدس الله روحه ونور ضريحه. قد ذهب إليها لمراجعة أطبائها للمرض الذي ألم به منذ سنين عديدة وقد توفاه الله فيها وكان قد أوصى بنقل جثمانه إلى وطنه النجف الأشرف - العراق ونقل جثمانه الطاهر بالطائرة من باكستان إلى العراق حسب وصيته، ودفن في الصحن العلوي 1393 هـ تغمده الله برحمته الواسعة وحشره الله تعالى مع آبائه الطاهرين أئمة أهل بيت النبي الأطهار (عليهم السلام) وذكر بعض آثاره العلامة البحاثة الشيخ أغا بزرگ الطهراني في كتابه: " الذريعة إلى معرفة تصانيف الشيعة.

    الصفحة 395
    الأصل والتشطير:

    " إذا شئت أن ترضى لنفسك مذهبا " * يقيك من الخسران والخزي والعار
    ودينا قويما مستقيما ومنهجا * " ينجيك يوم الحشر من لهب النار "
    " فدع عنك قول الشافعي ومالك " * فلا ذاك مرضيا ولا ذا بمختار
    ولا تأخذون قولا عزى لابن حنبل * " ونعمان والمروى عن كعب الأحبار "
    " وخذ بؤناس قولهم وحديثهم " * من المجتبى وحى على لسنهم جاري
    فما أخبروا عنه وما حدثوا به * " روى جدنا عن جبرئيل عن الباري "

    * * *

    ولما فرغت من قراءة هذه الأبيات طلب مني الدكتور حامد أن أكتبها فسطرتها له في ورقة ودفعتها إليه،

    وقد أهديت الأستاذ الدكتور حامد حفني داود مجموعة الكتب التي نشرتها بالقاهرة مع كتب كنت قد صحبتها معي من العراق منها: كتاب " الإمام الصادق والمذاهب الأربعة " للأستاذ العلامة المحقق الشيخ أسد حيدر رحمه الله، وأحاديث أم المؤمنين عائشة لمؤلف عبد الله ابن سبأ و " مصادر نهج البلاغة وأسانيده " لصديقنا العلامة المحقق السيد عبد الزهراء الخطيب.

    وقد أهداني الأستاذ الدكتور حامد حنفي داود مؤلفاته.