الصفحة 79
بالدكتور شوقي فقال:

إني حضرت مناقشة رسالة الدكتور المقدمة من قبل " الأستاذ أحمد الربيعي " " وقد كان المشرف عليها الأستاذ الدكتور شوقي ضيف وكانت لجنة المناقشة مؤلفة منه ومن الدكتور حسين نصار، والدكتور جمعة وكان صاحب الرسالة قد تعرض إلى بعض نصوص من خطبة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) (1). الشهيرة ببلاغتها وفصاحتها. وإلى بعض ما جاء في نهج البلاغة في كلام الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) حول الخطبة الشقشقية والذي أخاله أن تعرض كذلك إلى بعض فقرات مما دار من الحوار في سقيفة بني ساعدة (2). ما بين بعض الأنصار، وأبي قحافة وصاحبه أبي

____________

(1) أخرجها أبو بكر بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة وفدك راجع شرح النهج لابن أبي الحديد، وأخرجها أبو الفضل أحمد بن طاهر البغدادي المتوفى عام 280 هـ في كتابه:

" بلاغات النساء ".

(2)

سقيفة بني ساعدة

اختلف المؤرخون في موقعها ويرى السمهودي - صاحب كتاب (وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى) يحتوي هذا الكتاب على تاريخ المدينة المنورة طبع بمصر أكثر من مرة ويقع في مجلدين - " المؤلف " - أنها بالقرب من بئر بضاعة وهي شبه البهو الواسع الطويل وكانت لبني ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاري من أيام الجاهلية، وقصة هذه السقيفة مشهورة في التاريخ الإسلامي...

ثم اجتمع فيها الأنصار من الأوس والخزرج ليبايعوا سعد بن عبادة رئيس الخزرج خليفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد وفاته ولكن الأمر تبدل لميل الأوس إلى المهاجرين وتمت حينذاك بيعة أبي بكر بالخلافة في السقيفة المذكورة وقتل سعد بن عبادة وزعموا أن الجن قتلوه!!

وكسبت السقيفة منذ ذلك اليوم شهرة لما جرى من اختلاف بسبب هذا الاجتماع، وبسبب الخلافة.

أنظر موسوعة العتبات المقدسة الخاص بالمدينة المنورة، و " السقيفة " للمرحوم سماحة العلامة المظفر مؤلف كتاب: " عقائد الإمامية " المطبوع بمصر.

نموذج من الخطبة الشقشقية

المؤلف: السبب في بعض جمهور السنيين إنكار هذه " الخطبة الشقشقية " للإمام أمير المؤمنين على عليه السلام لأن الإمام علي عليه السلام أظهر في هذه الخطبة مظلوميته، وأعلن للجمهور أنه اعتدى عليه وأشار فيها على من غصبه حقه حتى أنه صلوات الله عليه صعد المنبر متألما من كثرة ما ناله من الظلم والاضطهاد فقال:

أما والله لقد تقمصها فلان - إشارة إلى أبي بكر بن أبي قحافة - وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى، ينحدر عني السيل ولا يرقى إلى الطير، فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها كشحا وطفقت أن أرتئي بين أن أصول بيد جذاء، أو أصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه. فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجى، أرى تراثي نهبا... الخ.

راجع " نهج البلاغة 1 / الخطبة 3.

وقد انتصر ابن أبي الحديد لصحة الكتاب وقال هكذا:

" لا يخلو إما أن يكون كل نهج البلاغة مصنوعا منحولا، أو بعضه، والأول باطل بالضرورة لأنا نعلم بالتواتر صحة إسناد بعضه إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وقد نقل المحدثون كلهم أو جلهم، والمؤرخون كثيرا منه، وليس فيهم شيعة لينسبوا إلى غرض في ذلك.

والثاني - يدل على ما قلناه لأن من قد أنس بالكلام والخطابة، وشدا طرفا من علم البيان وصار له ذوق في هذا الباب، لا بد أن يفرق بين الكلام الركيك والفصيح، وبين الفصيح والأفصح، وبين الأصيل والمولد...

أنظر: مجلة كلية اللغة العربية والعلوم الاجتماعية العدد 5 / 310 - 311 التي تصدر في المملكة العربية السعودية.

الصفحة 80
عبيدة بن الجراح. وعمر بن الخطاب.

ومن جراء ذكر هذه النصوص في الرسالة رأينا الدكتور شوقي ضيف يتصدى منفعلا وبثورة من الغضب قائلا:


الصفحة 81
لا وجود لشئ اسمه " السقيفة " وأن أحداثها من المختلقات، ثم قال في خطبة السيدة فاطمة: الزهراء (عليها السلام) مثل ذلك.

وأما نهج البلاغة في نظره كما جاء في قوله:

أنه للشريف وليس من كلام الإمام أمير المؤمنين علي.

بهذه السرعة والعجالة وبدون وعي وتفكر قد نفى الأستاذ الدكتور شوقي هذه الأحداث التاريخية المتسالم عليها قديما وحديثا منذ خمسة عشر قرنا.

وكانت أمانة العلم تلزمه بأن يتحرى تحريا علميا موضوعيا ثم بعد ذلك يحق له أن يصدر مثل هذه الأحكام التي إذا سرينا الشك إليها ولأمثالها لا تستطيع قضية من قضايانا التاريخية أن تستعصي عن الشك وعندها يؤول أمر التراث الإسلامي إلى الاندثار والزوال. إذ ترك المجال إلى مثل هذه الشكوك الصبيانية أن تجد لها مكانا في حرم الجامعات والأكاديميات وتنطلق فيه ألسنة أساتذتها وأصحاب الرأي فيها من أمثال الدكتور شوقي عافاه الله.

* * *


الصفحة 82

الصفحة 83

- 11 -
حرف العين




26- الأستاذ محمد محيي الدين عبد الحميد

27- الأستاذ عبد الفتاح عبد المقصود

28- الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف

29- الأستاذ الشيخ محمود فرج العقدة

30- الأستاذ عبد الله يحيى العلوي

31- الأستاذ علي عبد العظيم

32- الشيخ عبد الرحيم أحمد عرابي


الصفحة 84

الصفحة 85

- 26 -
الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد
عميد كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر


الصفحة 86

  • ولادته: ولد في كفر الحمام من أعمال مدينة الزقازيق عام 1900 م
  • درس في الأزهر الشريف وتخرج فيه عام 1926 م.

  • عين مدرسا بالمعاهد الأزهرية عام 1926 م.

  • عين أستاذا في كلية اللغة العربية عام 1934 م.

  • اختير وكيلا لكلية اللغة العربية عام 1940 م.

  • عين رئيسا للتفتيش في الأزهر الشريف عام 1950 م.

  • عين عميدا لكلية اللغة العربية عام 1954 م.

  • اختير عضوا في المجمع اللغوي عام 1960 م.

  • أهم آثاره: ترك عدة مؤلفات علمية في الشريعة واللغة والأدب منها:

    " دروس التعريف " " كتاب في الشريعة " يدرس في كلية الحقوق بجامعة الخرطوم والكتاب في " التراث " وكتب أخرى.

  • توفاه الله إلى رحمته في شهر ديسمبر عام 1972 م ودفن في القاهرة.

  • عميد كلية اللغة العربية بالأزهر الشريف وقد أظهر في مجاله أستاذية وقدرة على التوجيه
  • من كبار المربين والرواد في مجاله.

  • تعرفت إليه في القاهرة عام 1965 م.

  • حقق أمهات الكتب في الأدب، واللغة، والنحو، والطبقات، والتراجم مما يزيد على مائة كتاب من أضخم كتب التراث الإسلامي امتازت بالدقة وسعة الاطلاع وطول الباع.


    الصفحة 87

    بسم الله الرحمن الرحيم

    حينما كنت في القاهرة قصدت زيارة الأستاذ وكان معي الشيخ حسن زيدان وذلك في يوم الأربعاء المصادف 8 / 9 / 1965 وعرفته بأني من النجف الأشرف، وصاحب مكتبة النجاح هناك وعندي مجموعة من الكتب قمت بطبعها في القاهرة، وأهديت منها له كتاب: " عبد الله بن سبأ ".

    وحدثته بما جرى بيني وبين الشيخ عبد السلام سرحان المدرس بكلية اللغة العربية وقدمت لفضيلته صورة من الشكوى التي قدمتها إلى فضيلة الشيخ حسن مأمون شيخ الجامع الأزهر، وإلى فضيلة الشيخ أحمد حسن الباقوري مدير جامعة الأزهر وكان ذلك بحضور الشيخ حسن زيدان وصحبته معي لأنه كان المعرف للشيخ عبد السلام سرحان وبحضوره دفعت كتاب " أنوار الربيع " له مع الاكليشيهات التي عملتها لعناوين الكتاب بقلم الخطاط (حسني) وعقدت الاتفاق مع الشيخ سرحان على تحقيق الكتاب.

    فقال فضيلة الشيخ محمد محيي الدين: اشتك عليه بالنيابة - أي بالمحكمة.

    فقلت: لا يا مولانا الشيخ لا يصح أن أشكتي عليه بالنيابة مع وجود حضرتكم ولأنكم الأب الروحي له وهو بلباس رجال الدين وهو تلميذك وبمنزلة أحد أولادك فأرجو أن تتصل سيادتك به هاتفيا، أو ترسل عليه من يجلبه إليك وتحضره عندك وتلزمه بإرجاع الكتاب و " الإكليشيهات " حيث أنه لم يقم بالاتفاق الذي جرى بيننا حول تحقيق هذا الكتاب.

    وعند ذلك أرسل فضيلة شيخ الكلية الشيخ محمد محي الدين عبد الحميد عليه

    الصفحة 88
    وأحضره في الوقت فتوجه الشيخ محمد محيي الدين نحوه وقال:

    يا شيخ سرحان: سلم الكتاب للسيد مرتضى مع " الإكليشيهات " أحسن لك اسمع يا عبد السلام.

    ثم مد فضيلة الشيخ محيي الدين يده إلى جيبه وأخرج مبلغا وقال للأستاذ سرحان خذ هذا المبلغ وادفع (أجرة التكسي) وأحضر الكتاب والإكليشيهات فورا " يله يله ".

    فخرج الشيخ سرحان وبقيت أنا والشيخ حسن زيدان نتحدث مع فضيلة شيخ الكلية وبعد مضي ساعة واحدة عاد الشيخ سرحان حاملا الكتاب والإكليشيهات ووضعها أمام شيخ الكلية وعند ذلك طالب شيخ الكلية الشيخ سرحان بالعقد الذي جرى بيني وبينه حول تحقيق الكتاب.

    فقال الشيخ سرحان: نسيت العقد في الدار.

    فتوجه الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد نحوي وقال:

    أكتب أنا المرتضى الرضوي صاحب مكتبة النجاح بالجمهورية العراقية أعترف بأن التعاقد الذي بيني وبين فضيلة الأستاذ الشيخ عبد السلام سرحان بشأن تحقيق كتاب: " أنوار الربيع " في أنواع البديع لابن معصوم قد أصبح لاغيا ولا أثر له أصلا في أمر مادي، أو أدبي وقد تسلمت الإكليشيهات المعمولة للكتاب والنسخة المطبوعة في إيران سنة 1304 هـ والتي كنت قدمتها له ليجعلها إحدى النسخ التي يرجع إليها في تحقيق الكتاب، ولم يسبق لي أن أعطيته نقودا.

    وبالجملة فقد أصبح كل طرف منا خالصا لا قبل للآخر عليه بشئ وقد تحرر هذا للعلم والعمل بموجبه؟

    تحرير في يوم الأربعاء: 8 / 6 / 1965


    الصفحة 89
    شهد بذلك:

    حسن زيدان طلبه                    أحمد غنيم                    مرتضي الرضوي

                                  وكيل كلية اللغة العربية            صاحب مكتبة النجاح

                                                                    في النجف الأشرف


    فأمر فضيلة الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد بطبع هذا التحرير بالآلة الطابعة وبعد ذلك أشار على وكيل الكلية وعلى الشيخ حسن زيدان، أن يشهدا فشهدا في ذيل هذه الورقة وبعده حملت الكتاب وحمل الشيخ حسن زيدان " الإكليشيهات " وودعنا شيخ الكلية واستأذناه وانصرفنا.

    * * *


    الصفحة 90

    الصفحة 91

    - 27 -
    الأستاذ عبد الفتاح عبد المقصود
    الكاتب المصري الشهير
    مؤلف الموسوعة العلوية (الإمام علي بن أبي طالب)


    الصفحة 92

  • ولادته: ولد في 10 / 12 / 1912 م بكفر عشري الواقعة قرب " راقوتة " التي بنى عليها الإسكندر الأكبر مدينة الإسكندرية.

  • دراسته: ليسانس الآداب " قسم التاريخ " بجامعة الإسكندرية.

    دراسات في الرأي العام، دراسات في فن الإدارة العليا.

  • عين: أخصائيا للإعلام والنشر في المؤسسة الاقتصادية بالقاهرة.

  • عين مديرا لمكتب السيد / نائب رئيس الجمهورية لشئون الاتحاد.

  • عين مديرا لمكتب رئيس الوزراء للتحرير والنشر.

  • أهم آثاره: " الإمام علي بن أبي طالب " 9 - أجزاء " أبناؤنا مع الرسول " " الزهراء أم أبيها " " يوم كيون عثمان " " السقيفة والخلافة "
  • اشترك: في تحرير مجلة " الحديث " بالإسكندرية.

  • من مشاهير الأساتذة والكتاب البارزين بمصر.

  • ينظم الشعر باللغتين الفصحى والعامية.

  • كتب موسوعة تحليلية في شخصية الإمام علي عليه السلام في " 2500 " صفحة.

  • يتميز بحرية الرأي والأصالة الفكرية.

  • له كلمة ذهبية حول " الغدير " يقول فيها:

    إن فضل الإمام معلوم مشهور وسبقه على الأقران غير منكور.


    الصفحة 93

    بسم الله الرحمن الرحيم

    تعرفت على فضيلة الأستاذ وأنا في العراق من طريق كتابه الخالد في حياة الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام الذي هو في الواقع تصوير لسيرة الإمام الخالد خلال سياسته وأعماله، وفلسفته.

    وكان هذا الكتاب قد صدر منه خمسة أجزاء وأنا في العراق.

    وفي إحدى رحلاتي إلى القاهرة اتصلت بسيادة الأستاذ المؤلف في المؤسسة الاقتصادية بالقاهرة وكان حينذاك أخصائيا للإعلام والنشر بالمؤسسة المذكورة.

    وفي إحدى زيارتي له في المؤسسة قلت:

    إن الأساتذة والأفاضل، والعلماء عندنا في النجف الأشرف - العراق يسألونني دوما عن بقية أجزاء الكتاب. وهل تتم الموسوعة بالجزء السادس.

    فأجاب: الخطوط العامة للجزء السادس جاهزة غير أن الوقت لا يسعني في أكثر من ستة أجزاء.

    وحينما كنت في القاهرة كنت دائما ألتقي بالأستاذ في المؤسسة الاقتصادية وكثيرا ما كنا نجتمع بالأستاذ عند الأستاذ عبد الحميد جودة السحار (1) عضو مجلس الإدارة

    ____________

    (1) مؤلف السيرة النبوية في عشرين جزءا مطبوعة " أهل البيت " رواية " أبو ذر الغفاري "، " بلال مؤذن الرسول " " المسيح عيسى بن مريم " " حياة الحسين " " الرسول " " حياة محمد " وله مجموعات في القصص القصيرة منها: " في الوظيفة " همزات الشياطين " " صدى السنين " ومنها: الروايات الطويلة: " في قافلة الزمان " " الشارع الجديد " " السهول البيض " وغيرها.

    توفي إلى رحمة الله في القاهرة ودفن فيها.

    الصفحة 94
    في المؤسسة الاقتصادية آنذاك.

    وفي رحلتي إلى القاهرة عام 1974 م سافرت إلى الإسكندرية لمواجهة الأستاذ عبد الفتاح فيها وأتيت داره العامرة فجاءت السيدة حرمه وفتحت الباب فأدخلتني الغرفة المعدة للضيوف، ورحبت بي ترحيبا منقطع النظير فسألتها عن الأستاذ أجابت:

    سافر أمس إلى القاهرة وسيتصل بنا تليفونيا في صباح غد، ويمكنك أن تترك عندنا نمرة تليفونك في القاهرة، وعندما يتصل بنا نخبره ليتصل بك من هناك.

    فتر كت عندها رقم تليفون مطعم المنظر الجميل وعدت إلى القاهرة.

    وفي اليوم الثاني اتصل بي الأستاذ عبد الفتاح وحددت معه وقتا للمقابلة في المطعم المذكور فجاء إلى المطعم وجلست معه جلسة امتدت إلى ساعات سألته خلالها عن انطباعاته عن الإمام علي والخلافة فأجاب:

    إنني عرفت أحقية الإمام بالخلافة بعد الرسول من خطبة أبي بكر (1) فإن خطبته التي خطبها في المسجد تنطبق على الإمام علي أكثر مما تنطبق على أي إنسان سواه.

    وإني حينما أستعرض هذه الأمور أعتمد على المعقول قبل المنقول، وإني لا أنظر

    ____________

    (1) أنظر كتاب " حياة محمد " للأستاذ محمد حسين هيكل باشا الطبعة السادسة ص 509 عند ذكره لأبي بكر للأنصار: أيها الناس نحن المهاجرين: أول الناس إسلاما، وأكرمهم أحسابا، وأوسطهم دارا، وأحسنهم وجوها، وأكثر هم ولادة في العرب، وأمسهم رحما برسول الله الخ وخطبة أبي بكر هذه ذكرها ابن قتيبة في " عيون الأخبار " 2 / 232 طبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة.

    الصفحة 95
    إلى صغر سن الإمام لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جعل أسامة أميرا على أبي بكر وعمر (1). فقلت

    ____________

    (1) ذكر كاتب الواقدي تحت عنوان: " ذكر ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في مرضه لأسامة بن زيد رحمه الله ". عن ابن عمر أن النبي (صلى الله عليه وسلم) بعث سرية فيهم أبو بكر وعمر واستعمل عليهم أسامة بن زيد فكان الناس طعنوا فيه - أي في صغره - فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فصعد المنبر فحمد الله وأثني عليه وقال: إن الناس قد طعنوا في إمارة أسامة وقد كانوا قد طعنوا في إمارة أبيه من قبله وإنهما لخليقان لها وإنه لمن أحب الناس إلي ألا فأوصيكم بأسامة خيرا؟؟ ".

    طبقات ابن سعد: 2 / ق 42.

    وقال علي بن برهان الحلبي مؤلف السيرة النبوية تحت عنوان:

    سرية أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهم. إلى أبنى بضم الهمزة ثم موحدة ثم نون مفتوحة مقصورة اسم موضع بين عسقلان، والرملة وفي كلام السهيلي يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشر من الهجرة أمر (صلى الله عليه وسلم) بالتهيؤ لغزو الروم فلما كان من الغد دعا (صلى الله عليه وسلم) أسامة بن زيد فقال: سر إلى موضع قتل أبيك فأوطئهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش فاغز صباحا على أهل أبني وحرق عليهم، وأسرع السير لتسبق الأخبار فإن ظفرك الله عليهم، فأقل اللبث فيهم، وخذ معك الأدلاء وقدم العيون والطوالع معك.

    فلما كان يوم الأربعاء بدأ به (صلى الله عليه وسلم) وجعه فحم، وصدع.

    فلما أصبح يوم الخميس عقد (صلى الله عليه وسلم) لأسامة لواء بيده ثم قال: أغز باسم الله، وقاتل من كفر بالله فخرج (رضي الله عنه) بلوائه معقودا فدفعه إلى بريدة، وعسكر بالجرف فلم يبق من الأنصار إلا اشتد لذلك منهم: أبو بكر، وعمر، وعبيدة بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) فتكلم قوم وقالوا : يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين والأنصار أي لأن سن أسامة (رضي الله عنه) كان ثمان عشرة سنة، وقيل: تسع عشرة سنة ويؤيد ذلك:

    أن الخليفة المهدي لما دخل البصرة رأى أياس بن معاوية الذي يضرب به المثل في الذكاء وهو صبي، وخلفه أربعمائة من العلماء، وأصحاب الطيالسة، فقال المهدي:

    أف لهذه العثانين، أما كان فيهم شيخ يتقدمهم غير هذا الحدث، ثم التفت إليه المهدي وقال: كم سنك يا فتى فقال: سني أطال الله بقاء أمير المؤمنين سن أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهم لما ولاه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) جيشا فيه: أبو بكر وعمر (رضي الله عنه) فقال:

    تقدم بارك الله فيك وكان سنه سبع عشرة سنة.

    السيرة الحلبية: 3 / 207 طبعة مصر، تاريخ الطبري: 3 / 188 الطبعة الأولى بمصر، تاريخ الخميس 2 / 154 ط مصر.

    الكامل في التاريخ لابن الأثير: 2 / 317 ط بيروت، كتاب المغازي للواقدي: 3 / 1118 وقال ابن سيد الناس:

    قالوا: لما كان يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة مهاجرة، أمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الناس بالتهيؤ لغزو الروم، فلما كان من الغد دعا أسامة بن زيد فقال: سر إلى موضع مقتل أبيك، فأوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش فاغز صباحا على أهل أبني، وحرق عليهم، وأسرع السير تسبق الأخبار، فإن ظفرك الله فأقل اللبث فيهم، وخذ معك الأدلاء، وقدم العيون والطلائع معك، فلما كان يوم الأربعاء بدئ برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وجعه فحم، وصدع، فلما أصبح يوم الخميس، عقد لأسامة لواء بيده ثم قال:

    اغز بسم الله، وفي سبيل الله، فقاتل من كفر بالله. فخرج بلوائه معقودا فدفعه إلى بريدة بن الحصيب الأسلمي، وعسكر بالجرف، فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين والأنصار إلا انتدب في تلك الغزوة منهم:

    أبو بكر، وعمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وقتادة بن النعمان، وسلمة بن أسلم بن جريس. فتكلم قوم وقالوا:

    يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين.

    عيون الأثر: 2 / 355، 356 طبعة دار الآفاق الجديدة بيروت.

    أقول: وقد ثبت تاريخيا تخلفهما عن جيش أسامة ولعن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على من تخلف عنه.

    أنظر: الملل والنحل: 1 / 23 طبعة الحلبي تحقيق محمد سيد كيلاني.

    وأخرج الحاكم في المستدرك عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه أنه قال:

    بعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل وفيهم أبو بكر وعمر (رض) إلى مكان الحرب أمرهم عمرو، أن لا ينوروا نارا فغضب عمر، وهم أن ينال منه فنهاه أبو بكر (رض) وأخبره أنه لم يستعمله رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عليك إلا لعلمه بالحرب فهدأ عنه عمر (رض) ثم قال الحاكم بعد أن أورد هذا الحديث:

    هذا حديث صحيح ولم يخرجاه.

    المستدرك 1: 3 / 42 - 43.

    أقول: وأورد هذا الحديث الشيخ جلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء ص 106 بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد.

    الصفحة 96
    للأستاذ عند ذلك:


    الصفحة 97
    إن عمر قد طعن في شخصية الرسول وقال:

    إن الرجل ليهجر (1).

    فأجاب الأستاذ: إن لكلمة يهجر معنى آخر.

    قلت: إن الله تعالى قد نزه نبيه صلوات الله عليه وآله بقوله تعالى: (ما ضل صاحبكم وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى).

    قال: بالنسبة إلى الأحكام (2).

    ثم قلت: قوله صلوات الله عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) إئتوني بدواة وبيضاء لأكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي أبدا.

    والظاهر من هذا أنه صلوات الله عليه وآله أراد أن يؤكد على تعيين الخليفة من بعده ولذلك عرف عمر من حديثه (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا وفاه بقوله: إن الرجل ليهجر.

    ثم قلت: إني أعتقد أن أبا بكر وعمر كان قد أسلف منهما تدبير اتفاق يرجع إلى انتزاع الخلافة من صاحبها الشرعي لعدم تنفيذهما جيش أسامة.

    أجاب الأستاذ: المعلوم أن أسامة وجيشه وكافة المسلمين كانوا في قلق على رسول الله، حتى لقد عاد أسامة إلى المدينة تاركا الجيش " بالجرف " وذلك ليطمئن على الرسول الكريم.

    ومعلوم أيضا أنه صلوات الله وسلامه عليه خرج يوم وفاته وقد بدأ في خير حال حتى لقد تفأل الناس خيرا وقالوا: أصبح رسول الله بحمد الله بارئا،..

    وتقدم أبو بكر يستأذن عليه الصلاة والسلام في الذهاب إلى زوجه بنت

    ____________

    (1) وقال أيضا هجر رسول الله كما سيأتي.          - المؤلف -

    (2) هذا رأي عامة علماء السنة.


    الصفحة 98
    خارجة في السنح على مبعدة نحو ثلاثة، أو أربعة أميال من المدينة. ولا يبعد التوفيق بين رحيل أبي بكر للسنح وبين قول رسول الله: " أنفذوا بعث أسامة... الخ ".

    فربما يكون هذا الرحيل من استعداد أبي بكر للسفر، وحدثت الوفاة، وأبو بكر غائب بتلك العالية.

    قلت: ومن تتبع الحوادث التاريخية بعمق ونظر إلى تلك الظروف والملابسات وكان بعيدا عن الانحياز والتعصب لجهة ما، يقف على نتيجة:

    من أن اتفاقا سابقا ومبيتا كان قد حصل بين أبي بكر وعمر قبل وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حول تولي الخلافة بعده.

    مصادر قول عمر إن الرجل ليهجر

    1 - أخرج ابن سعد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان يقول: يوم الخميس، وما يوم الخميس قال: وكأني أنظر إلى دموع ابن عباس على خده كأنها اللؤلؤ قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

    إئتوني بالكتف والدواة، أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا. قال فقالوا: إنما يهجر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (1).

    2 - قال الإمام الغزالي في باب ترتيب الخلافة:

    ولما مات رسول الله " قال قبل وفاته:

    " إئتوني بدواة وبياضا لأزيل لكم إشكال الأمر، وأذكر لكم من المستحق لها

    ____________

    (1) ابن سعد: الطبقات 2 ق 2 / 37 ط ليدن.

    الصفحة 99
    من بعدي " قال عمر (رضي الله عنه) دعوا الرجل فإنه ليهجر... الخ (1).

    3 - وأورد هذا الحديث سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص ص 65 ط بيروت.

    4 - وأخرج ابن سعد هذا الحديث عن ابن عباس (إلى أن قال) فقال من كان عنده، إن نبي الله ليهجر.

    وأخرج أحمد عن جابر أن النبي " دعا عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتابا لا يضلون بعده فخالف عليها عمر بن الخطاب حتى رفضها. (2) 5 - وأخرج البخاري عن ابن عباس (رضي الله عنه) - إلى أن قال - فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا: هجر رسول الله (3) " الحديث " (4).

    وجاء في صحيح مسلم: إن رسول الله يهجر (5).

    أدلة عصمة الأنبياء (عليهم السلام)

    لنا أدلة من الكتاب والسنة، والعقل، تثبت أن هذه الآية: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) مطلقة والتقييد يحتاج إلى دليل.

    أما الكتاب: فقد قال الله تعالى: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه

    ____________

    (1) سر العالمين وكشف ما في الدارين مخطوط الورقة السادسة فهرست دار الكتب المصرية 1 / 316.

    (2) مسند أحمد: 3 / 346 ط مصر.

    (3) قال الفيومي: هجر المريض في كلامه هجرا خلط وهذى. والهجر بالضم: الفحش. مصباح المنير ص 634 وقال ابن الأثير: الهجر بالضم. هو الخنا والقبيح من القول.. ومنه حديث مرض النبي (ص) ما شأنه أهجر؟... والقائل كان عمر.

    أنظر: النهاية في غريب الحديث: 5 / 246.

    (4) صحيح البخاري: 2 / 178 بحاشية السندي.

    (5) صحيح مسلم: 3 / 1259 تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، مسند أحمد: 1 / 355 ط مصر.

    الصفحة 100
    فانتهوا).

    وقال تعالى: (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة).

    وقوله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة).

    وقال الله تعالى: (وما كان لمؤمن أو مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة في أمرهم).

    وقال تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله).

    وقال تعالى: (من يطع الرسول فقد أطاع الله). وأمثال هذه الآيات كثيرة ومع ذلك فإننا نستشهد بما يلي من الروايات الواردة عن طرق أهل السنة فنقول:

    وأما السنة: فإن الأحاديث الواردة في كتب أهل السنة صريحة في أن جميع ما تحدث به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وما خرج من فمه الشريف إن هو إلا وحي يوحى سواء كان في الصحة أو في المرض، في الرضا أو في الغضب كما سيأتي:

    أخرج ابن الأثير في ترجمة عبد الله بن عمرو بن العاص قال:

    وكان - أي عبد الله بن عمرو بن العاص - فاضلا عالما قرأ القرآن والكتب المتقدمة واستأذن النبي في أن يكتب عنه فأذن له، فقال يا رسول الله أكتب ما أسمع في الرضا والغضب: قال: " نعم فإني لا أقول إلا حقا ".

    وأخرج الدارمي بإسناده عن عبد الله بن عمرو قال:

    كنت أكتب كل شئ أسمعه من رسول الله أريد حفظه فنهتني قريش وقالوا:

    تكتب كل شئ سمعته من رسول الله ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا، فأمسكت عن الكتاب فذكرت ذلك لرسول الله " فأومأ بإصبعه إلى فيه وقال:


    الصفحة 101
    " اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق " (1).

    وأما العقل: فقد عالج هذا الموضوع: سماحة السيد مرتضى الحكمي في دراسته عن كتاب " دلائل الصدق " من الناحية التحليلية والكلامية فقال:

    "... والأنبياء هم الذين آتاهم الله العصمة، وأودعها في واقع نبوتهم فلا يتأتى لغيرهم أن يجزئ هذه العصمة، أو يحددها في شطر من هذه النبوة هو تبليغ الأحكام وأداؤها إلا أن يجزئ هذه النبوة ذاتها، فإذا كان لا يمكن تحديد هذه النبوة فإنه لا يمكن تحديد صيانتها في خصوص هذا الجانب منها فإن شمول هذه النبوة على كل ما يتصرفه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في قول، أو فعل، أو تقرير أمر يستوجب شمول العصمة له، ولكل ما يشمله من أبعاد هذه النبوة وأعماقها، بل إن سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وسنته هي من أهم ما أرسل به في الهداية والإيمان، ولذلك فإن شمول العصمة لهما مما لا يمكن تحديده، أو فصله عنها، وإلا لمحقت السنة، وبطلت السيرة من أساسها، وذهبت حجيتها، ولزوم الأخذ بها أدراج الرياح.

    ومن المحتم: أن يستلزم انتفاء العصمة انتفاء النبوة في كل مورد يتحقق العصيان أو الخطأ أو مخالفة الواقع سواء بسواء ". (2)

  • وقال الدكتور أحمد عز الدين المعاصر:

    لم يؤثر عن الصحابة الكلام في عصمة الأنبياء، بل لا نجد لهذا المعنى ذكرا في حياة الرسول نفسه، والشيعة أول من تكلم فيه ثم جاء علماء السنة فيما بعد فاضطروا للبحث فيه لرد مقولات الشيعة.

    ____________

    (1) سنن الدارمي 1 / 103 الحديث برقم 490 باب من رخص في كتابة العلم، سنن أبي داود 3 / 318 الحديث برقم 3646 باب كتاب العلم.

    (2) " دراسة علمية عن الدلائل ".

    الصفحة 102
    فأما عصمة الأنبياء فالخلاف بين الطرفين ليس بواسع لأن السنة يسلمون بها للأنبياء على خلاف بينهم في أنها مطلقة أم في حدود الرسالة فقط وليس في هذا الكتاب مجال مناقشة اختلافات أهل السنة في حدود عصمة الأنبياء. إنما الخلاف الأساسي في كون غير الأنبياء معصومين أم لا.

    فأهل السنة لا يرون غير الأنبياء معصومين.

    أما الشيعة فيؤمنون بعصمة اثني عشر إماما فقط من بين جميع البشر يتصل تاريخهم ووجودهم الزمني منذ وفاة النبي عليه وآله السلام حتى سنة 255 هـ.

    لكن عصمة غير الأنبياء عند الشيعة ليست كعصمة الأنبياء. إذ ليس ثمة وحي، ولا نبوة، إنما العصمة في هذه الحالة موهبة يمنحها الله، ولطف منه يجعله في فطرة بعض النفوس، والأرواح المختارة نظرا لاستعدادها الذاتي فتمتنع عن مقارفة الذنوب كبيرها وصغيرها.. لشدة تمسكها بالشرع، واتباعها الدقيق للأحكام.

    هي إذن حالة ذهنية، ونفسية خاصة تنتج عن الالتزام الدقيق بالأوامر، والنواهي التزاما قائما على العلم اليقين.

    هذا الالتزام يقع في أنفس وهبها الخالق استعدادا فطريا مطابقا، ومن ثم ينعدم احتمال صدور الخطأ عن هذه الأنفس.

    هذا ما فهمته من مطالعة تعريفات مختلفة ذكرها علماؤهم (1).

  • ثم قال الدكتور أحمد عز الدين:

    نحن نعتقد أن الإسلام بأحكامه وعقائده، وأن كتاب الله يقين لا ريب فيه، وهذا ما أعلنه منزل الكتاب في بدايته:

    ____________

    (1) مشكلة القيادة في الحركة الإسلامية ص 47 - 48 (مخطوط).