الصفحة 243
الظالمون، إلى طامات صافقت على خطرها الكتاب ضرورة الدين.

فالاعتقاد بجهله بكل هذه الموارد وما شاكلها خير له من علمه بها ومروقه عنها وخروجه عن حكم الكتاب، ونبذه إياه وراء ظهره، كما ذهب إليه مولانا أمير المؤمنين و أمة صالحة من الصحابة، فالدعاء المزعوم له قد عدته الاجابة في كل ورد له وصدر.

وأما بعض الكتاب فما عسى أن يجديه نفعا إن كان يؤمن ببعض ويكفر ببعض؟

ولو كان يعرف من الكتاب قوله تعالى: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي.

وقوله تعالى: " الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار " وقوله تعالى:

إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم. وقوله تعالى: الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا. أو كان يعرف شيئا من أمثال هذه من كتاب الله لكان يعرف حده ولم يتعد طوره.

ومما لا نشك فيه أن ابن حجر الذي يقول: لا شك أن دعاءه صلى الله عليه وسلم مستجاب لا يأول الرواية بأنه أريد بها علم الكتاب لا العمل به، وإن أبى الزاعم إلا ذلك؟ فيا هبلته الهبول.

وإنا لا نعلم معنى " الحساب " وعلمه الذي جاء في هذه الرواية معطوفا على الكتاب ، فإما أن يراد به تطبيق أفعاله وتروكه على نواميس الشريعة المقررة، أو علمه بكل ما يحاسب عليه الله عباده، فيخرج من العهدة من غير تبعة، أو أنه يحاسب نفسه قبل أن يحاسب بكل قول وعمل، أو أنه يقسم بالسوية فيعطي كل ذي حق حقه، ولا يحيف في مال الله، ولا يميل في أعطيات الناس بمحاباة أحد وقطع آخر من غير تخط عن سنن الحق، أو أنه يعرف فروض المواريث الحسابية، أو أنه يعلم بقواعد الحساب العددية من الجمع والضرب والتقسيم والتفريق والجبر والمقابلة والخطأين إلى أمثالها من أصول علم الحساب.


الصفحة 244
أما ما قبل الآخرين فإن الرجل كان يأثم بغير حساب، ويقتل بغير حساب، ويكذب بغير حساب، ويحيف بغير حساب، ويجهل من معالم الدين بغير حساب، وإن أخطاءه في الاجتهاد " المزعوم " بغير حساب، ويعطي ويمنع من غير حجة بغير حساب، فياله من دعاء لم يقرن بالإجابة في مورد من الموارد؟.

وأما قواعد علم الحساب ويلحق بها فروض المواريث، فماذا الذي نجم منها بين معلومات معاوية وفتاواه؟ غير جهل شائن مستوعب لكل ما ناء به من كل فرض وندب، ولم تعهد له دراسة لهذه العلوم والقواعد حتى تتحقق بها إجابة الدعوة بتوفيق إلهي.

وأما جملة " وقه العذاب " فإن صحت الرواية فإنها تشبه أن تكون ترخيصا في المعصية لرجل مثل معاوية يلغ في المآثم، ويتورط بالموبقات، ويرتطم في المهالك، فليس فيما سبرناه وأحصيناه من أفعاله وتروكه إلا جنايات للعامة، وميول وشهوات في الخاصة، وحيف وميل في الحقوق، وبسط وقبض، وإقصاء وتقريب من غير حق، فلا يكاد يخلو ما ناء به من مآثم أوعد الله تعالى فاعله بالنار، أو محظور في الشريعة يمقت صاحبها، أو عمل بغيض يمجه الحق، ويزور عنه الصواب، أو بدع محدثة في منتأى عن رضا الرب وتشريع الرسول صلى الله عليه وآله فإن كان يوقى مثل هذا الانسان عن العذاب المجرئ له على الهلكات؟ فأين مصب التوعيدات المعدة لمن عصى الله ورسوله؟ إن الله لا يخلف الميعاد، أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون.

فالخضوع لمثل هذه الرواية على طرف النقيض من مسلمات الشريعة بتحريم ما كان يستبيحه معاوية، ولذلك كان يراه مولانا أمير المؤمنين ووجوه الصحابة الأولين من أهل النار (1) مع أن هذا الموضوع المفتعل كان بطبع الحال بمرأى منهم ومسمع، إلا أن يكون تاريخ إيلاده بعد صدور تلكم الكلم القيمة.

ولو كان مثل معاوية يدرء عنه العذاب، ويدعى له بالسلامة منه، وحاله ما علمت، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله أعلم بها منك ومن كل أحد، وعنده من حقوق الناس

____________

(1) راجع الكلمات التي أسلفناها في هذا الجزء.

الصفحة 245
ما لا يحصى مما لا تدركه شفاعة أي معصوم من دم مسفوك، ومن مال منهوب، ومن عرض مهتوك، ومن حرمة مضاعة، فما حال من ساواه في الخلاعة، أو من هو دونه في النفاق والضلال؟ وأي قيمة تبقى سالمة لتوعيدات الشريعة عندئذ؟ لاها الله، هذه أمنية حالم قط لا تتحقق، إلا أن تكون تلك المحاباة تشريفا لابن أبي سفيان بخرق النواميس الإلهية، والخروج عن حكم الكتاب والسنة، تكريما لراية هند ومكانة حمامة، إذن فعلى الاسلام السلام.

أفمن الحق لمن له أقل إلمامة بالعلم والحديث أن يركن إلى أمثال هذه التافهاف، ولا يقتنع بذلك حتى يحتج بها لإمامة الرجل عن حق، وصدق خلافته؟ كما فعله ابن حجر في الصواعق، وفي هامشه تطهير الجنان ص 32، وكأنه غض الطرف عن كل ما جاء في حق الرجل من حديث وسيرة وتاريخ، وأغضى عن كل ما انتهى إليه من الأصول المسلمة في الاسلام، وحرمات الدين. نعم: الحب يعمي ويصم.

الرواية الثالثة:

إذا ملكت فأحسن

فهي وما في معناها من رواية: إن وليت فاتق الله واعدل (1) ورواية: أما إنك ستلي أمر أمتي بعدي فإذا كان ذلك فاقبل من محسنهم، واعف عن مسيئهم. تنتهي طرقها جميعا إلى نفس معاوية، ولم يشترك في روايتها أحد غيره من الصحابة، فالاستناد إليه في إثبات أي فضيلة له من قبيل استشهاد الثعلب بذنبه، على أن الرجل غير مقبول الرواية ولا مرضيها فإنه فاسق فاجر منافق كذاب مهتوك ستره بشهادة ممن عاشره وباشره، وسبر غوره ودرس كتاب نفسه، وفيهم مثل مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآخرون من الصحابة العدول، وقد تقدم نص كلماتهم في هذا الجزء ص 148 - 177 وتكفي في الجرح واحدة من تلكم الشهادات المحفوظة أهلها بالتورع عن كل سقطة في القول أو العمل، فكيف بها جمعاء؟

وتؤيد هاتيك الشهادات بما اقترفه الرجل من الذنوب، وكسبته يده الأثيمة من جرائر وجرائم، ولفقها في سبيل شهواته من شهادات مزورة، وكتب افتعلها على أناس من الصحابة، ونسب مكذوبة كان يريد بها تشويه سمعة الإمام صلوات الله عليه - وأنى له

____________

(1) مر الكلام حول هذه الرواية في ص 362 من هذا الجزء.

الصفحة 246
بذلك؟ - إلى آخر ما أوقفناك على تفاصيله.

وإن أخذناه بما حكاه ابن حجر في تهذيب التهذيب 1: 509 عن يحيى بن معين من قوله: كل من شتم عثمان أو طلحة أو أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دجال لا يكتب عنه، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. إلى كلمات أخرى مرت ص 267 من هذا الجزء، فمعاوية في الرعيل الأول من الدجالين الذين لا يكتب عنهم، وعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، إذ هو الذي فعل ذلك المحظور بمثل مولانا أمير المؤمنين وشبليه الإمامين، وحبر الأمة عبد الله بن العباس، وقيس بن سعد وهؤلاء كلهم أعيان - الصحابة ووجهائهم، لا يعدوهم أي فضل سبق لأحدهم، ولا ينتأون عن أي مكرمة لحقت بواحد منهم، وكان معاوية قد استباح شتمهم، والوقيعة فيهم وفي كل صحابي احتذى مثالهم في ولاية أمير المؤمنين عليه السلام، ولم يقنعه ذلك حتى قنت بلعنهم في صلواته، ورفع عقيرته به على صهوات المنابر، وأمر بذلك حتى عمت البلية البلاد والعباد، واتخذوها بدعة مخزية إلى أن لفظ نفسه الأخير، واحتقبها من بعده خزاية موبقة ما دامت لآل حرب دولة، واكتسحت معرتهم من أديم الأرض.

أفمثل هذا السباب الفاحش المتفحش تجوز الرواية عنه، ويخضع لما يرويه في دين أو دنيا؟!

على أن في إسناد رواية " إن ملكت فأحسن " عبد الملك بن عمر، وقد جاء عن أحمد: إنه مضطرب الحديث جدا مع قلة روايته ما أرى له خمسمائة حديث وقد غلط في كثير منها. وقال ابن منصور: ضعفه أحمد جدا. وعن ابن معين: مخلط. وقال العجلي: تغير حفظه قبل موته. وقال ابن حبان: مدلس (1)

وفيه: إسماعيل بن إبراهيم المهاجر، ضعفه ابن معين والنسائي وابن الجارود، وقال أبو داود: ضعيف ضعيف أنا لا اكتب حديثه. وقال أبو حاتم: ليس بقوي. وقال ابن حبان: كان فاحش الخطاء. وقال الساجي: فيه نظر (2)

فلمكان الرجلين نص الحافظ البيهقي على ضعفها، وأقره الخفاجي في شرح الشفا 3: 161، وعلي القاري في شرحه هامش شرح الخفاجي 3: 161.

____________

(1) تهذيب التهذيب 6: 412.

(2) تهذيب التهذيب 1: 279.

الصفحة 247
وأما مؤدى هذه الروايات الثلاث فكبقية أخبار الملاحم، لا يستنتج منها مدح لصاحبها أو قدح، إلا إذا قايسناها بأعمال معاوية المبائنة لها في الخارج، المضادة لما جاء فيها من العهد والوصية، فلم يكن ممن ملك فأحسن، ولا ممن ولي فاتقى وعدل، ولا ممن قبل من محسن، وعفى عن مسئ، فماذا عسى أن يجديه مثل هذه البشائر - وليست هي ببشائر بل إقامة حجة عليه وهو غير متصف بما أمر به فيها؟ وكل ما ناء به في منتئ عن الاحسان والعدل والتقوى، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يعلم أنه لا يعمل بشئ من ذلك لكنه أراد إتمام الحجة عليه على كونها تامة عليه بعمومات الشريعة وإطلاقاتها، فأين هي من - التبشير بأن ما يليه من الملك العضوض ملوكية صالحة، فضلا عن الخلافة عن الله ورسوله صلى الله عليه وآله؟ وقد جاء عنه صلى الله عليه وآله في ذلك الملك قوله: إن فيه هنات وهنات وهنات (1) وقوله صلى الله عليه وآله: يا معاوية! إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم (2) إلى كلمات أخرى فيه وفي ملكه.

ولو كان ابن حجر ممن يعرف لحن الكلام ومعاريض المحاورات، ولم يكن في أذنه وقر، وفي بصره عمى؟ لعلم أن الروايات المذكورة بأن تكون ذموما لمعاوية أولى من أن تكون مدائح له لما قلناه، وإلا لما أمر صلى الله عليه وآله بقتله إذا رأي على منبره، ولما أعلم الناس بأنه وطغمته هم الفئة الباغية المتولية قتل عمار، ولما رآه وحزبه من القاسطين الذين يجب قتالهم، ولما أمر خليفته حقا الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بقتاله، ولما حث صحابته العدول بمناضلته ومكاشفته، ولما ولما...

ولو كانت هذه الروايات صادقة، وكانت بشائر، وقد عرفتها صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله كذلك، فلما ذا كان ذلك اللوم والتأنيب له من وجوه الصحابة؟ لما منته هواجسه بتسنم عرش الخلافة، والاقعاء على صدر دستها، وليس ذلك إلا من ناحية إدعائه ما ليس له، وطمعه فيما لم يكن له بحق، ونزاعه في أمر ليس للطلقاء فيه نصيب.

هذه عمدة ما جاء به ابن حجر في الدفاع عن معاوية، وأما بقية كلامه المشوه بالسباب المقذع فنمر بها كراما، إقرأ واحكم.

____________

(1) الخصائص الكبرى 2: 116.

(2) سنن أبي داود 2: 299.

الصفحة 248

مواقف معاوية
مع أبي محمد الحسن السبط عليه السلام

إن لابن آكلة الأكباد مع السبط المجتبى مواقف تقشعر منها الجلود، وتقف منها الشعور، وتندى منها جبهة الانسانية، ويلفظها الدين الحفاظ، وينبذها العدل و الاحسان، وينكرها كرم الأرومة وطيب المحتد، ارتكبها معاوية مستسهلا كل ذلك، مستهينا بأمر الدين والمروءة.

من هو الحسن عليه السلام؟

لا أقل من أن يكون هو سلام الله عليه أوحديا من المسلمين، وأحد حملة القرآن، وممن أسلم وجهه لله وهو محسن، يحمل بين أضالعه علوم الشريعة، ومغازي الكتاب والسنة، والملكات الفاضلة جمعاء، وهو القدوة والأسوة في مكارم الأخلاق، ومعالم الاسلام المقدس، فمن المحظور في الدين الحنيف النيل منه، والوقيعة فيه، وإيذائه، ومحاربته، على ما جاء لهذا النوع من المسلمين من الحدود في شريعة الله، فله ما للمسلمين وعليه ما عليهم.

أضف إلى ذلك: إنه صحابي مبجل ليس في أعيان الصحابة بعد أبيه الطاهر من يماثله ويساجله، ودون مقامه الرفيع ما للصحابة عند القوم من العدالة والشأن الكبير، وأعظم فضائله: أنه ليس بين لابتي العالم من يستحق الإمامة والاقتداء به واحتذاء مثاله يومئذ غيره، لفضله وقرابته. فهو أولى صحابي ثبت له ما أثبتوه لهم من الأحكام، فلا يجوز

الصفحة 249
منافرته والصد عنه، والإعراض عن آرائه وأقواله، وارتكاب مخالفته، وما يجلب الأذى إليه من السب له، والهتك لمقامه، واستصغار أمره.

زد عليه: أنه سبط رسول الله وبضعته من كريمته سيدة نساء العالمين، لحمه من لحمه، ودمه من دمه. فيجب على معتنقي تلك النبوة الخاتمة حفظ صاحب الرسالة فيه، والحصول على مرضاته، وهو لا يرضى إلا بالحق الصراح والدين الخالص.

وهو عليه السلام قبل هذه كلها أحد أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

وهو أحد من أثنى عليهم الله بسورة هل أتى، الذين يطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا.

وهو من ذوي قربى رسول الله صلى الله عليه وآله الذين أوجب الله مودتهم وجعلها أجر الرسالة.

وهو أحد من باهل بهم رسول الله صلى الله عليه وآله نصارى نجران كما جاء في الذكر الحكيم.

وهو أحد الثقلين اللذين خلفهما النبي الأعظم صلى الله عليه وآله بين أمته ليقتدى بهم و قال: ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا.

وهو من أهل بيت مثلهم في الأمة مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق.

وهو من الذين أوجب الله الصلاة عليهم في الفرائض، ومن لم يصل عليهم لا صلاة له.

وهو أحد من خاطبهم النبي صلى الله عليه وآله بقوله: أنا حرب لمن حاربتم، وسلم لمن سالمتم.

وهو أحد أهل خيمة خيمها رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: معشر المسلمين! أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة، حرب لمن حاربهم، ولي لمن والاهم، لا يحبهم إلا سعيد الجد طيب المولد، ولا يبغضهم إلا شقي الجد ردئ الولادة.


الصفحة 250
وهو أحد ريحانتي رسول الله صلى الله عليه وآله كان يشمهما ويضمهما إليه.

وهو وأخوه الطاهر سيدا شباب أهل الجنة.

وهو حبيب رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأمر بحبه قائلا: اللهم إني أحبه فأحبه، وأحب من يحبه.

وهو أحد السبطين كان جدهما صلى الله عليه وآله يأخذهما على عاتقه ويقول: من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني.

وهو أحد اللذين أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيدهما فقال: من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة.

وهو أحد ابني رسول الله كان يقول صلى الله عليه وآله: الحسن والحسين ابناي من أحبهما أحبني، ومن أحبني أحبه الله، ومن أحبه الله أدخله الجنة، ومن أبغضهما أبغضني ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النار (1).

هذا هو الإمام الحسن المجتبى عليه السلام وأما معاوية ابن آكلة الأكباد فهو صاحب تلك الصحيفة السوداء التي مرت عليك في الجزء العاشر ص 178 وأما جنايات معاوية على ذلك الإمام المطهر فقد سارت بها الركبان، وحفظ التاريخ له منها صحائف مشوهة المجلى، مسودة الهندام. فهو الذي باينه وحاربه وانتزع حقه الثابت له بالنص والجدارة، وخان عهوده التي اعترف بها عندما تنازل الإمام عليه السلام له بالصلح حقنا لدماء شيعته، وحرسا على كرامة أهل بيته، وصونا لشرفه الذي هو شرف الدين ، وما كان يرمق إليه معاوية ويعلمه الإمام عليه السلام بعلمه الواسع من إن الطاغية ليس بالذي يقتله إن استحوذ عليه، لكنه يستبقيه ليمن بذلك عليه، ثم يطلق سراحه، و هو بين أنيابه ومخالبه، حق يقابل به ما سبق له ولأسلافه طواغيت قريش يوم الفتح ، فملكهم رسول الله صلى الله عليه وآله أرقاء له، ثم من عليهم وأطلقهم، فسموا الطلقاء وبقي ذلك سبة عليهم إلى آخر الدهر، فراق داهية الأمويين أن تكون تلك الشية ملصقة ببني هاشم سبة عليهم، لكنه أكدت آماله، وأخفقت ظنونه، وفشل ما ارتآه بهذا الصلح

____________

(1) هذه الأحاديث تأتي بأسانيدها ومصادرها في مسند المناقب ومرسلها إنشاء الله.

الصفحة 251
الذي كان من ولائده الإبقاء على شرف البيت الهاشمي، ودرأ العار عنهم، إلى نتايج مهمة، كل منها كان يلزم الإمام عليه السلام بالصلح على كل حال، وإن كان معاوية هو الخائن المائن في عهوده ومواثيقه، والكائد الغادر بإله وذمته، فعهد إليه أن لا يسب أباه على منابر المسلمين، وقد سبه وجعله سنة متبعة في الحواضر الإسلامية كلها.

وعهد إليه أن لا يتعرض بشيعة أبيه الطاهر بسوء، وقد قتلهم تقتيلا، واستقرأهم في البلاد تحت كل حجر ومدر، فطنب عليهم الخوف في كل النواحي بحيث لو كان يقذف الشيعي باليهودية لكان أسلم له من انتسابه إلى أبي تراب سلام الله عليه.

وعهد إليه أن لا يعهد إلى أحد بعده وكتب إليه سلام الله عليه: إن أنت أعرضت عما أنت فيه وبايعتني وفيت لك بما وعدت، وأجريت لك ما شرطت، وأكون في ذلك كما قال أعشى بني قيس:

وإن أحد أسدى إليك أمانة * فأوف بها تدعى إذا مت وافيا
ولا تحسد المولى إذا كان ذا غنى * ولا تجفه إن كان في المال فانيا

ثم الخلافة لك من بعدي، فأنت أولى الناس بها (1) ومع هذا عهد إلى جروه ذلك المستهتر الماجن بعد ما قتل الإمام السبط ليصفو له الجو.

ولما تصالحا كتب به الحسن كتابا لمعاوية صورته:

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما صالح عليه الحسن بن علي رضي الله عنهما معاوية بن أبي سفيان، صالحه على أن يسلم إليه ولاية المسلمين، على أن يعمل فيها بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرة الخلفاء الراشدين المهديين، وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهدا، بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين، وعلى أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله تعالى في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم، وعلى أن أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم حيث كانوا، وعلى معاوية بن

____________

(1) شرح ابن أبي الحديد 4: 13.

الصفحة 252
أبي سفيان بذلك عهد الله وميثاقه، وأن لا يبتغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم غائلة سرا وجهرا، ولا يخيف أحدا منهم في افق من الآفاق، أشهد عليه فلان ابن فلان وكفى بالله شهيدا (1) فلما استقر له الأمر ودخل الكوفة وخطب أهلها فقال: يا أهل الكوفة! أتراني قاتلتكم على الصلاة والزكاة و الحج؟ وقد علمت إنكم تصلون وتزكون وتحجون، ولكنني قاتلتكم لأتأمر عليكم وعلى رقابكم (إلى أن قال): وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين (2).

وقال أبو إسحاق السبيعي: إن معاوية قال في خطبته بالنخيلة: ألا إن كل شئ أعطيته الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا أفي به (3) قال أبو إسحاق: وكان والله غدارا (4).

وكان الرجل ألد خصماء ذلك السبط المفدى، وقد خفر ذمته، واستهان بأمره واستصغره، وهو الإمام العظيم، وقطع رحمه، وما راعى فيه جده النبي العظيم، ولا أباه الوصي المقدم، ولا أمه الصديقة الطاهرة، ولا نفسه الكريمة التي اكتنفتها الفضائل والفواضل من شتى نواحيها، ولم ينظر فيه ذمة الاسلام، ولا حرمة الصحابة ، ولا مقتضى القرابة، ولا نصوص رسول الله صلى الله عليه وآله فيه، ولعمر الحق لو كان مأمورا بقطعه وبغضه ومباينته لما وسعه أن يأتي بأكثر مما جاء به، وناء بعبأه، وباء بإثمه، فقد قنت بلعنه في صلواته التي تلعن صاحبها قال أبو الفرج: حدثني أبو عبيد محمد ابن أحمد قال: حدثني الفضل بن الحسن المصري قال: حدثني يحيى بن معين قال: حدثني أبو حفص اللبان عن عبد الرحمن بن شريك عن إسماعيل بن أبي خالد عن حبيب بن أبي ثابت قال: خطب معاوية بالكوفة حين دخلها والحسن والحسين جالسان تحت المنبر فذكر عليا فنال منه، ثم نال من الحسن، فقام الحسين ليرد عليه فأخذه الحسن بيده فأجلسه ثم قام فقال: أيها الذاكر عليا! أنا الحسن وأبي علي، وأنت معاوية و

____________

(1) الصواعق لابن حجر ص 81.

(2) راجع ما مر في الجزء العاشر ص 329.

(3) شرح ابن أبي الحديد 4: 16.

(4) راجع ما أسلفناه في الجزء العاشر ص 262.

الصفحة 253
أبوك صخر، وأمي فاطمة وأمك هند، وجدي رسول الله وجدك عتبة بن ربيعة، و جدتي خديجة قتيلة، فلعن الله أخملنا ذكرا، وألأمنا حسبا، وشرنا قديما وحديثا، وأقدمنا كفرا ونفاقا. فقال طوائف من أهل المسجد: آمين. قال الفضل: قال يحيى بن معين: وأنا أقول: آمين. قال أبو الفرج: قال أبو عبيد قال الفضل: وأنا أقول:

آمين، ويقول علي بن الحسين الاصفهاني: آمين. قلت: ويقول عبد الحميد بن أبي الحديد مصنف هذا الكتاب: آمين (1) قال الأميني: وأنا أقول: آمين.

وآخر ما نفض به كنانة غدر الرجل أن دس إليه عليه السلام السم النقيع، فلقي ربه شهيدا مكمودا، وقد قطع السم أحشاؤه.

قال ابن سعد في الطبقات: سمه معاوية مرارا، لأنه كان يقدم عليه الشام هو وأخوه الحسين.

وقال الواقدي: إنه سقي سما ثم أفلت، ثم سقي فأفلت، ثم كانت الآخرة توفي فيها، فلما حضرته الوفاة قال الطبيب وهو يختلف إليه: هذا رجل قطع السم أمعائه، فقال الحسين: يا أبا محمد! أخبرني من سقاك؟! قال. ولم يا أخي؟ قال: أقتله والله قبل أن أدفنك، وإن لا أقدر عليه أو يكون بأرض أتكلف الشخوص إليه. فقال:

يا أخي! إنما هذه الدنيا ليال فانية، دعه حتى التقي أنا وهو عند الله، وأبى أن يسميه.

وقد سمعت بعض من يقول: كان معاوية قد تلطف لبعض خدمه أن يسقيه سما (2).

وقال المسعودي: لما سقي السم فقام لحاجة الانسان ثم رجع فقال: لقد سقيت السم عدة مرار فما سقيت مثل هذه، لقد لفظت طائفة من كبدي فرأيتني اقلبه بعود في يدي، فقال له الحسين: يا أخي! من سقاك؟ قال: وما تريد بذلك؟ فإن كان الذي أظنه فالله حسيبه، وإن كان غيره فما أحب أن يؤخذ بي برئ، فلم يلبث بعد ذلك إلا ثلاثا حتى توفي رضي الله عنه. وذكر: أن امرأته جعدة بنت أشعث بن قيس الكندي سقته السم، وقد كان معاوية دس إليها إنك إن احتلت في قتل الحسن وجهت إليك

____________

(1) شرح ابن أبي الحديد 4: 16.

(2) تاريخ ابن كثير 8: 43.

الصفحة 254
بمائة ألف درهم، وزوجتك يزيد فكان ذلك الذي بعثها على سمه، فلما مات الحسن وفى لها معاوية بالمال وأرسل إليها: إنا نحب حياة يزيد ولولا ذلك لوفينا لك بتزويجه.

وذكر: إن الحسن قال عند موته: لقد حاقت شربته، وبلغ أمنيته، والله ما وفى بما وعد، ولا صدق فيما قال. وفي فعل جعدة يقول النجاشي الشاعر وكان من شيعة علي في شعر طويل:

جعدة بكيه ولا تسأمي * بعد بكاء المعول الثاكل (1)
لم يسبل الستر على مثله * في الأرض من حاف ومن ناعل
كان إذا شبت له ناره * يرفعها بالسند الغاتل (2)
كيما يراها بائس مرمل * وفرد قوم ليس بالآهل
يغلي بنئ اللحم حتى إذا * أنضج لم يغل على آكل
أعني الذي أسلمنا هلكه * للزمن المستخرج الماحل (3)

قال أبو الفرج الاصبهاني: كان الحسن شرط على معاوية في شروط الصلح: أن لا يعهد إلى أحد بالخلافة بعده، وأن تكون الخلافة له من بعده، وأراد معاوية البيعة لابنه يزيد، فلم يكن شيئ أثقل عليه من أمر الحسن بن علي وسعد بن أبي وقاص فدس إليهما سما فماتا منه، أرسل إلى ابنة الأشعث إني مزوجك بيزيد ابني على أن تسم الحسن. وبعث إليها بمائة ألف درهم، فسوغها المال ولم يزوجها منه. مقاتل الطالبيين ص 29. وحكاه عنه ابن أبي الحديد في شرح النهج 4: 11، 17 من طرق مغيرة و أبي بكر بن حفص.

وقال أبو الحسن المدائني: كانت وفاته في سنة 49 وكان مريضا أربعين يوما وكان سنه سبعا وأربعين سنة، دس إليه معاوية سما على يد جعدة بنت الأشعث زوجة

____________

(1) في تاريخ ابن كثير: بكاء حق ليس بالباطل.

(2) في تاريخ ابن كثير: يرفعها بالنسب الماثل.

(3) مروج الذهب 2: 50.

الصفحة 255
الحسن، وقال لها: إن قتلتيه بالسم فلك مائة ألف، وأزوجك يزيد إبني. فلما مات وفى لها بالمال ولم يزوجها من يزيد، وقال: أخشى أن تصنعي بابني ما صنعت بابن رسول الله صلى الله عليه وآله [شرح ابن أبي الحديد 4: 4].

وقال: كان الحصين بن المنذر الرقاشي يقول: والله ما وفى معاوية للحسن بشئ مما أعطاه، قتل حجرا وأصحاب حجر، وبايع لابنه يزيد، وسم الحسن. شرح ابن أبي الحديد 4: 7.

وقال أبو عمر في الاستيعاب 1: 141: قال قتادة وأبو بكر بن حفص: سم الحسن بن علي، سمته امرئته بنت الأشعث بن قيس الكندي. وقالت طائفة: كان ذلك منها بتدسيس معاوية إليها وما بذل لها في ذلك وكان لها ضرائر فالله أعلم. ثم ذكر صدر ما رواه المسعودي.

وقال سبط ابن الجوزي في التذكرة ص 121: قال علماء السير منهم: ابن عبد البر سمته زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي. وقال السدي: دس إليها يزيد بن معاوية أن سمي الحسن وأتزوجك. فسمته فلما مات أرسلت إلى يزيد تسئله الوفاء بالوعد فقال: أنا والله ما أرضاك للحسن، أفنرضاك لأنفسنا؟ وقال الشعبي: إنما دس إليها معاوية فقال: سمي الحسن وأزوجك يزيد وأعطيك مائة ألف درهم، فلما مات الحسن بعثت إلى معاوية تطلب إنجاز الوعد، فبعث إليها بالمال وقال: إني أحب يزيد، وأرجو حياته، ولولا ذلك لزوجتك إياه.

وقال الشعبي: ومصداق هذا القول: إن الحسن كان يقول عند موته وقد بلغه ما صنع معاوية: لقد عملت شربته وبلغت أمنيته، والله لا يفي بما وعد، ولا يصدق فيما يقول. ثم حكى عن طبقات ابن سعد: إن معاوية سمه مرارا كما مر.

وقال ابن عساكر في تاريخه 4: 229 يقال:: إنه سقي السم مرارا كثيرا فأفلت منه ثم سقي المرة الأخيرة فلم يفلت منها. ويقال: إن معاوية قد تلطف لبعض خدمه أن يسقيه سما فسقاه فأثر فيه حتى كان يوضع تحته طست ويرفع نحوا من أربعين مرة.

وروى محمد بن المرزبان: إن جعدة بنت الأشعث بن القيس كانت متزوجة بالحسن فدس

الصفحة 256
إليها يزيد أن سمي الحسن وأنا أتزوجك ففعلت، فلما مات الحسن بعثت إلى يزيد تسأله الوفاء بالوعد فقال لها: إنا والله لم نرضك للحسن فكيف نرضاك لأنفسنا؟ فقال كثير، ويروى إنه للنجاشي:

يا جعدة! ابكي ولا تسأمي * بكاء حق ليس بالباطل
لن تستري البيت على مثله * في الناس من حاف ولا ناعل
أعني الذي أسلمه أهله * للزمن المستخرج الماحل
كان إذا شبت له ناره * يرفعها بالنسب الماثل
كيما يراها بائس مرمل * أو وفد قوم ليس بالآهل
يغلي بنئ اللحم حتى إذا * أنضج لم يغل على آكل

وروى المزي في تهذيب الكمال في أسماء الرجال عن أم بكر بنت المسور قالت:

سقي الحسن مرارا وفي الآخرة مات فإنه كان يختلف كبده، فلما مات أقام نساء بني هاشم عليه النوح شهرا. وفيه عن عبد الله بن الحسن: قد سمعت من يقول: كان معاوية قد تلطف لبعض خدمه أن يسقيه سما. وقال أبو عوانة عن مغيرة عن أم موسى: إن جعدة بنت الأشعث سقت الحسن السم فاشتكى منه أربعين يوما.

وفي (مرئاة العجائب وأحاسن الأخبار الغرائب) (1) قيل: كان سبب موت الحسن ابن علي من سم سم به يقال: إن زوجته جعدة بنت الأسود بن قيس الكندي سقته إياه ، ويذكر والله أعلم بحقيقة أمورهم: إن معاوية دس إليها بذلك على أن يوجه لها مائة ألف درهم ويزوجها من ابنه يزيد، فلما مات الحسن وفى لها معاوية بالمال وقال:

إني أحب حياة يزيد. وذكروا: إن الحسن قال عند موته: لقد حاقت شربته والله لا وفاء لها بما وعد ولا صدق فيما قال. وفي سمه يقول رجل من الشيعة:

تعرفكم لك من سلوة * تفرج عنك قليل الحزن
بموت النبي وقتل الوصي * وقتل الحسين وسم الحسن

وقال الزمخشري في (ربيع الأبرار) في الباب الحادي والثمانين: جعل معاوية

____________

(1) تأليف الشيخ أبي عبد الله محمد بن عمر زين الدين.

الصفحة 257
لجعدة بنت الأشعث امرأة الحسن مائة ألف درهم حتى سمته، ومكث شهرين وإنه يرفع من تحته طستا من دم وكان يقول: سقيت السم مرارا ما أصابني فيها ما أصابني في هذه المرة، لقد لفظت كبدي.

وفي (حسن السريرة) (1): لما كان سنة سبع وأربعين من الهجرة دس معاوية إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي زوجة الحسن بن علي أن تسقي الحسن السم ويوجه لها مائة ألف ويزوجها من ابنه يزيد. ففعلت ذلك.

كان معاوية يرى أمر الإمام السبط عليه السلام حجر عثرة في سبيل أمنيته الخبيثة بيعة يزيد، ويجد نفسه في خطر من ناحيتين: عهده إليه عليه السلام في الصلح معه بأن لا يعهد إلى أحد من جانب، وجدارة أبي محمد الزكي ونداء الناس به من ناحية أخرى، فنجى نفسه عن هذه الورطة بسم الإمام عليه السلام، ولما بلغه نعيه غدا مستبشرا، وأظهر الفرح والسرور وسجد وسجد من كان معه.

قال ابن قتيبة: لما مرض الحسن بن علي مرضه الذي مات فيه، كتب عامل المدينة إلى معاوية يخبره بشكاية الحسن، فكتب إليه معاوية: إن استطعت أن لا يمضي يوم بي يمر إلا يأتيني فيه خبره فأفعل. فلم يزل يكتب إليه بحاله حتى توفي فكتب إليه بذلك، فلما أتاه الخبر أظهر فرحا وسرورا حتى سجد وسجد من كان معه، فبلغ ذلك عبد الله ابن عباس وكان بالشام يومئذ فدخل على معاوية فلما جلس قال معاوية: يا ابن عباس هلك الحسن بن علي؟ فقال ابن عباس: نعم هلك، إنا لله وإنا إليه راجعون. ترجيعا مكررا، وقد بلغني الذي أظهرت من الفرح والسرور لوفاته، أما والله ما سد جسده حفرتك، ولا زاد نقصان أجله في عمرك، ولقد مات وهو خير منك، ولئن أصبنا به لقد أصبنا بمن كان خيرا منه جده رسول الله صلى الله عليه وسلم فجبر الله مصيبته، وخلف علينا من بعده أحسن الخلافة. ثم شهق ابن عباس وبكى. الحديث (2).

____________

(1) ألفه الشيخ عبد القادر بن محمد بن الطبري ابن بنت محب الدين الطبري مؤلف الرياض النضرة.

(2) الإمامة والسياسة 1: 144.

الصفحة 258
وفي العقد الفريد 2: 298: لما بلغ معاوية موت الحسن بن علي خر ساجدا لله، ثم أرسل إلى ابن عباس وكان معه في الشام فعزاه، وهو مستبشر. وقال له: ابن كم سنة مات أبو محمد؟ فقال له: سنه كان يسمع في قريش فالعجب من أن يجهله مثلك قال: بلغني إنه ترك أطفالا صغارا، قال: كل ما كان صغيرا يكبر، وإن طفلنا لكهل وإن صغيرنا لكبير، ثم قال: مالي أراك يا معاوية! مستبشرا بموت الحسن بن علي؟

فوالله لا ينسأ في أجلك، ولا يسد حفرتك، وما أقل بقائك وبقائنا بعده؟ وذكره الراغب في المحاضرات 2: 224.

وفي حياة الحيوان 1: 58، وتاريخ الخميس 2: 294، وفي ط: 328: قال ابن خلكان: لما مرض الحسن كتب مروان بن الحكم إلى معاوية بذلك وكتب إليه معاوية: أن أقبل المطي إلي بخبر الحسن، فلما بلغ معاوية موته سمع تكبيرة من الخضراء فكبر أهل الشام لذلك التكبير فقالت فاختة بنت قريظة لمعاوية: أقر الله عينك، ما الذي كبرت لأجله؟ فقال: مات الحسن. فقالت: أعلى موت ابن فاطمة تكبر؟

فقال: ما كبرت شماتة بموته، ولكن استراح قلبي (1). ودخل عليه ابن عباس فقال:

يا ابن عباس! هل تدري ما حدث في أهل بيتك؟ قال: لا أدري ما حدث إلا أني أراك مستبشرا وقد بلغني تكبيرك، فقال: مات الحسن. فقال ابن عباس: رحم الله أبا محمد.

ثلاثا، والله يا معاوية! لا تسد حفرته حفرتك، ولا يزيد عمره في عمرك، ولئن كنا أصبنا بالحسن فلقد أصبنا بإمام المتقين وخاتم النبيين، فجبر الله تلك الصدعة وسكن تلك العبرة، وكان الخلف علينا من بعده. ا هـ.

وكان ابن هند جذلانا مستبشرا بموت الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قبل ولده الطاهر السبط، فبلغ الحسن عليه السلام وكتب إليه فيما كتب: قد بلغني أنك شمت بما لا يشمت به ذوو الحجى، وإنما مثلك في ذلك كما قال الأول:

وقل للذي يبقى خلاف الذي مضى *: تجهز لأخرى مثلها فكأن قد

____________

(1) إلى هاهنا ذكره الزمخشري أيضا في (ربيع الأبرار) في الباب الحادي والثمانين، و البدخشي في (نزل الأبرار).