قال: وما رأيت؟ قال: رأيت الماء قد انشق وخرج منه يد وأخذ الصندوق وقد صرت متحيرا وما السر في ذلك؟ قال الشيخ: السر في ذلك إنه إذا قربت القيامة وخرج الدجال ونزل عيسى ببيت المقدس فيضع الانجيل بجنبه ويقول: أين الكتاب المحمدي؟
أو قد أمرني الله أن أحكم بينكم بكتابه ولا أحكم بالإنجيل فيطلبون الدنيا ويطوفون البلاد فلم يوجد كتاب من كتب الشرع المحمدي فيتحير عيسى ويقول: إلهي: بماذا أحكم بين عبادك ولم يوجد غير الانجيل فينزل جبريل ويقول: قد أمر الله أن تذهب إلى نهر جيحون وتصلي ركعتين بجنبه وتنادي: يا أمين صندوق أبي القاسم القشيري! سلم إلي الصندوق وأنا عيسى بن مريم وقد قتلت الدجال فيذهب عيسى إلى جيحون ويصلي ركعتين ويقول مثل ما أمره جبريل، فيشق الماء ويخرج الصندوق ويأخذه ويفتحه ويجد فيه ختمه وألف كتاب فيحيي الشرع بذلك الكتاب، ثم سأل عيسى جبريل:
بم نال أبو القاسم هذه المرتبة؟ فقال: برضاء والدته. نقل من كتاب أنيس الجلساء. (1)
وقد أطنب الشيخ علي القاري في رد هذه الأسطورة بعدة صحائف إلى أن قال في ص 230: ثم إن مثل هؤلاء لفرط تعصبهم وعنادهم ليس مطمح نظرهم إلا تفضيل أبي حنيفة ولو بما لا أصل له، ولو بما يؤدي إلى الكفر وليس عندهم علم بفضائله الجمة التي ألفت فيها الكتب (2) فيرضون بالأكاذيب والافترائات التي لا يرضاها الله ورسوله ولا أبو حنيفة نفسه، ولو سمعها أبو حنيفة رضي الله عنه لأفتى بكفر قائلها وفي فضائل أبي حنيفة المقررة المحررة كفاية لمحبيه ولا يحتاج في إثبات فضله إلى الأقوال الكاذبة المفتراة المؤدية إلى تنقيص الأنبياء، ومن العجائب إنه وقع للقهستاني مع فضله وجلالته شئ من ذلك فقال في شرح خطبة النقابة: إن عيسى إذا نزل عمل بمذهب أبي حنيفة كما ذكره في الفصول الستة. وليت شعري ما الفصول الستة؟ وما الدليل على هذا القول؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون. الخ.
____________
(1) الاشاعة في أشراط الساعة تأليف السيد محمد البرزنجي المدني 221 - 225.
(2) الكتب المؤلفة في فضائل أبي حنيفة حوت بين دفتيها لدة هذه الترهات والأكاذيب المزخرفة وما أكثرها؟ ولو لم يكن الباطل الذي لا أصل له مأخوذا به فيها إذا لم تلق منها باقية.
إقرأ وابك على أمة محمد المرحومة بأي أناس بليت، وبأي خلق منيت؟! ما حيلة الجاهل الغر وما ينجيه عن هذه السخائف والأساطير؟!
- 34 -
أبو زرعة يجعل الحصاة تبرا
روى الذهبي في تذكرة الحفاظ 1: 174 عن خالد بن الفزر قال: كان حياة بن شريح - أبو زرعة المصري شيخ الديار المصرية المتوفى 158 - من البكائين: وكان ضيق الحال جدا، فجلست وهو متخل يدعو فقلت: لو دعوت أن يوسع الله عليك فالتفت يمينا وشمالا فلم ير أحدا فأخذ حصاة فرمى إلي بها فإذا هي تبرة ما رأيت أحسن منها. وقال: ما خير في الدنيا إلا للآخرة، ثم قال: هو أعلم بما يصلح عباده فقلت: وما أصنع بهذا؟ قال: استنفقها. فهبته والله أن أرده.
- 35 -
وضوء إبراهيم الخراساني
ذكر اليافعي في (رياض الرياحين) عن إبراهيم الخراساني المتوفى 163 قال:
قال: احتجت يوما إلى الوضوء فإذا أنا بكوز من جوهر، وسواك من فضة ألين من الخز فاستكت وتوضأت وتركتها وانصرفت، قال: وبقيت في بعض سياحاتي أياما لم أر فيها أحدا من الناس ولا طيرا ولا ذا روح، وإذا بشخص لا أدري من أين خرج فقال لي: قل لهذه الشجرة تحمل دنانير. فقلت: احملي دنانير. فلم تحمل، ثم قال لها: احملي وإذا بشماريخ الشجرة دنانير معلقة، فاشتغلت انظر إليها، ثم التفت فلم أر الشخص وذهبت الدنانير من الشجرة.
- 36 -
الماجشون يموت ويحيى
أخرج الحافظ يعقوب بن أبي شيبة في ترجمة أبي يوسف يعقوب بن أبي سلمة القرشي الشهير بالماجشون المتوفى 164 بالاسناد عن ابن الماجشون قال: قال عرج بروح الماجشون فوضعناه على سرير الغسل فدخل غاسل إليه يغسله فرأى عرقا يتحرك في أسفل قدمه، فأقبل علينا وقال: أرى عرقا يتحرك ولا أرى أن اعجل عليه فاعتللنا على الناس بالأمر الذي رأيناه، وفي الغد جاء الناس وغدا الغاسل عليه فرأى العرق على حاله فاعتذرنا إلى الناس، فمكث ثلاثا على حاله والناس يترددون إليه ليصلوا عليه ثم استوى جالسا وقال: ايتوني بسويق فأتي به فشربه فقلنا له: خبرنا ما رأيت؟ فقال: نعم عرج بروحي فصعد بي الملك حتى أتى سماء الدنيا فاستفتح ففتح له، ثم عرج هكذا في السموات حتى انتهى إلى السماء السابعة فقيل له: من معك؟ قال: الماجشون.
فقيل له: لم يأن له بعد بقي من عمره كذا وكذا سنة، وكذا وكذا شهرا، وكذا وكذا يوما، وكذا وكذا ساعة، ثم حبط بي فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر عن يمينه، وعمر عن يساره، وعمر بن عبد العزيز بين يديه، فقلت للملك الذي معي: من هذا؟ قال: عمر بن عبد العزيز. قلت: إنه لقريب من رسول الله فقال: إنه عمل بالحق في زمن الجور وأنهما عملا بالحق في زمن الحق.
وأخرجه ابن عساكر في تاريخ الشام، وذكره ابن خلكان في تاريخه 2: 461، واليافعي في مرآة الجنان 1: 351، وابن حجر في تهذيب التهذيب 11: 389، وأبو الفلاح الحنبلي في شذرات الذهب 1: 259.
قال الأميني: ما كنت أحسب أن يوجد في الأمة الإسلامية من يتهم الملك الموكل بقبض الأرواح بالجهل بآونة الوفيات، وقد وكل به من عند العزيز العليم فقال سبحانه:
قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم (1) أو من يقذفه بالاستبداد في نزع روح أحد قبل إرادة المولى سبحانه وتعالى وفي الكتاب المنزل قوله: الله يتوفى الأنفس حين
____________
(1) سورة السجدة: 11.
كما إني ما كنت أشعر إمكان حركة جارحة من جوارح الميت بعد نزع روحه، فلم أدر بأي صلة بالروح المقبوضة كان يتحرك العرق الماجشوني خلال ثلاثة أيام، والي أي مركز حساس كانت صلة ذلك العرق النابض.
وما كنت أدري إن السموات العلى لها أبواب مغلقة يقف عندها ملك الموت في كل عروجه بروح من الأرواح فيستفتح فتفتح له.
وليتني أدري هل هذا السير البطئ - ثلاثة أيام - لملك الموت في استصحابه روح الماجشون يخص بالماجشون فحسب أو هو الشأن المطرد في عامة الأرواح؟
نعم كل هذه تسوغها الدعاية إلى السلطات الأموية الغاشمة التي كانت تحكم
____________
(1) سورة الزمر: 42.
(2) سورة المؤمنون: 80.
(3) سورة آل عمران: 145.
(4) سورة الدخان: 8.
(5) سورة الأنعام: 3.
(6) سورة الأعراف: 34.
(7) سورة النحل: 61.
(8) سورة فاطر: 45.
(9) سورة الزمر: 42.
(10) سورة نوح: 54.
(11) سورة فاطر: 45.
- 37 -
رقعة من الله إلى أحمد إمام الحنابلة
مرض بشر بن الحارث وعادته آمنة الرملية فبينما هي عنده إذ دخل الإمام أحمد ابن حنبل يعوده كذلك فنظر إلى آمنة فقال لبشر: فاسألها تدعو لنا فقال لها بشر: ادعي الله لنا، فقالت: أللهم إن بشر بن الحارث وأحمد بن حنبل يستجيران بك من النار فأجرهما يا أرحم الراحمين. قال الإمام أحمد رضي الله عنه: فلما كان من الليل طرحت إلى رقعة من الهواء مكتوب فيها: بسم الله الرحمن الرحيم قد فعلنا ذلك ولدينا مزيد.
أخرجه ابن عساكر في تاريخه 2: 48، وابن الجوزي في صفة الصفوة 4: 278.
- 38 -
رسول الياس وملك إلى أحمد
ذكر ابن الجوزي في مناقب أحمد ص 143 بالإسناد عن أبي حفص القاضي قال:
قدم على أبي عبد الله أحمد بن حنبل رجل من بحر الهند فقال: إني رجل من بحر الهند خرجت أريد الصين فأصيب مركن فأتاني راكبان على موجة من أمواج البحر فقال لي أحدهما: أتحب أن يخلصك الله على أن تقرئ أحمد بن حنبل منا السلام؟ قلت:
ومن أحمد؟ ومن أنتما يرحمكما الله؟ قال: أنا إلياس وهذا الملك الموكل بجزاير البحر، وأحمد بن حنبل بالعراق. قلت: نعم. فنفضني البحر نفضة فإذا أنا بساحل الأبلة فقد جئتك أبلغك منهما السلام.
- 39 -
النخلة تحمل بقلم أحمد
قال أبو طالب علي بن أحمد: دخلت يوما على أبي عبد الله وهو يملي وأنا أكتب فاندق قلمي فأخذ قلما فأعطانيه فجئت بالقلم إلى أبي علي الجعفري فقلت: هذا قلم أبي عبد الله أعطانيه فقال لغلامه: خذ القلم فضعه في النخلة عسى تحمل. فوضعه فيها فحملت.
مختصر طبقات الحنابلة ص 11.
- 40 -
تكة سراويل أحمد
قال ابن كثير في تاريخه 10: 335: يروى أنه لما أقيم - أحمد بن حنبل - ليضرب - لما ضربه المعتصم - إنقطعت تكة سراويله فخشي أن يسقط سراويله فتكشف عورته فحرك شفتيه فدعا الله فعاد سراويله كما كان، ويروى أنه قال: يا غياث المستغيثين، يا إله العالمين، إن كنت تعلم أني قائم لك بحق فلا تهتك لي عورة.
- 41 -
الحريق والغريق وكرامة أحمد
روى ابن الجوزي في مناقب أحمد ص 297 بإسناده عن فاطمة بنت أحمد قالت:
وقع الحريق في أخي صالح وكان قد تزوج إلى قوم مياسير فحملوا إليه جهازا شبيها بأربعة آلاف دينار فأكلته النار فجعل صالح يقول: ما غمني ما ذهب مني إلا ثوب لأبي كان يصلي فيه أتبرك به وأصلي فيه قالت: فطفى الحريق ودخلوا فوجدوا الثوب على سرير قد أكلت النار ما حواليه والثوب سليم.
قال ابن الجوزي: قلت: وهكذا بلغني عن قاضي القضاة علي بن الحسين الزينبي إنه وقع الحريق في دارهم فاحترق ما فيها إلا كتابا كان فيه شيئ بخط أحمد.
وقال: قلت: ولما وقع الغرق ببغداد في سنة أربع وخمسين وخمسمأة وغرقت كتبي سلم لي مجلد فيه ورقتان بخط الإمام أحمد.
وقال الذهبي في ذيل العبر عند ذكر ما وقع سنة 725، واليافعي في المرآة: ومن الآيات أن مقبرة الإمام أحمد بن حنبل غرقت سوى البيت الذي فيه ضريحه فإن الماء دخل في الدهليز علو ذراع ووقف بإذن الله وبقيت البواري عليها غبار حول القبر، صح هذا عندنا، وجر السيل أخشابا كبارا وحيات غريبة الشكل.
مرآت الجنان 4: 273، شذرات الذهب 6: 66، صلح الإخوان للخالدي ص 98.
قال الأميني: وكفى شاهدا على صدق هذه الكرامة عدم وجود أي أثر من ذلك
- 42 -
الله يزور أحمد كل عام
روى ابن الجوزي في مناقب أحمد ص 454 قال: حدثني أبو بكر بن مكارم بن أبي يعلى الحربي وكان شيخا صالحا قال: كان قد جاء في بعض السنين مطر كثير جدا قبل دخول رمضان بأيام فنمت ليلة في رمضان فأريت في منامي كأني قد جئت على عادتي إلى قبر الإمام أحمد بن حنبل أزوره فرأيت قبره قد التصق بالأرض حتى بقي بينه وبين الأرض مقدار ساف (1) أو سافين فقلت: إنما تم هذا على قبر الإمام أحمد بن كثرة الغيث فسمعته من القبر وهو يقول: لا بل هذا من هيبة الحق عز وجل لأنه عز وجل قد زارني، فسألته عن سر زيارته إياي في كل عام فقال عز وجل: يا أحمد! لأنك نصرت كلامي فهو ينشر ويتلى في المحاريب. فأقبلت على لحده اقبله ثم قلت: يا سيدي ما السر في إنه لا يقبل قبر إلا قبرك؟ فقال لي: يا بني ليس هذا كرامة لي، ولكن هذا كرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن معي شعرات من شعره صلى الله عليه وسلم ألا ومن يحبني يزورني في شهر رمضان قال ذلك مرتين.
مرت في زيارة إمام الحنابلة أحمد في الجزء الخامس ص 175 - 178 لدة هذه من آيات الغلو. فراجع ويا حبذا لو صدقت الأحلام.
- 43 -
أحمد والملكان النكيران
ذكر ابن الجوزي في مناقب أحمد ص 454 عن عبد الله بن أحمد يقول: رأيت أبي في المنام فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي. قلت: جاءك منكر ونكير؟ قال: نعم، قالا لي: من ربك؟ قلت: سبحان الله أما تستحيان مني؟ فقالا لي: يا أبا عبد الله! أعذرنا بهذا أمرنا.
قال الأميني: ما أجرأ الإمام على الملكين الكريمين في ذلك المأزق الحرج؟
____________
(1) الساف والسافة: الصف من الطين أو اللين ج آسف وسافات.
وعلى الملكين أن يشكرا الله سبحانه على أن كف الإمام عن أن يصفعهما فيفقأ عينهما كما فعل موسى بملك الموت في مزعمة أبي هريرة (3) فرجع إلى ربه فقال:
أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، فرد الله إليه عينه. كما في سنن النسائي 4: 118.
وفي لفظ الطبري في تاريخه 1: 224: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ملك الموت كان يأتي الناس عيانا حتى أتى موسى فلطمه ففقأ عينه قال: فرجع فقال: يا رب! إن عبدك موسى فقأ عيني، ولولا كرامته عليك لشققت عليه. فقال: ائت عبدي موسى فقل له:
فليضع كفه على متن ثور فله بكل شعرة وارت يده سنة، وخيره بين ذلك وبين أن يموت الآن. قال: فأتاه فخيره فقال له موسى: فما بعد ذلك؟ قال: الموت. قال:
فالآن إذا. قال: فشمه شمة قبض روحه، قال: فجاء بعد ذلك إلى الناس خفيا.
وأخرج الحكيم الترمذي مرفوعا: إن ملك الموت كان يأتي الناس عيانا حتى جاء موسى فلطمه ففقأ عينه فصار يأتي الناس بعد ذلك خفية. ذكره الشعراني في مختصر تذكرة القرطبي ص 29.
____________
(1) قال السيد الجرداني في مصباح الظلام ج 2 ص 56: إن الله تعالى أعطى عليا علم البرزخ فلما مات عمر بن الخطاب رضي الله عنه جلس علي على قبره ليسمع قوله للملكين، فلما دخلا عليه ارتعد منهما ثم أجاب فقالا له: نم. فقال: كيف أنام وقد أصابني منكما هذه الرعدة؟ وقد صحبت النبي صلى الله عليه وسلم ولكن أشهد عليكما الله وملائكته أن لا تدخلا على مؤمن إلا في أحسن صورة ففعلا. فقال له علي بن أبي طالب: نم يا ابن الخطاب! فجزاك الله من المسلمين خيرا لقد نفعت الناس في حياتك ومماتك. اقرأ واضحك.
(2) طبقات ابن سعد 3: 206، تاريخ بغداد 14: 215، تاريخ عمر لابن الجوزي ص 99، كنز العمال 6: 331.
(3) راجع صحيح البخاري 1: 158 في أبواب الجنائز، و ج 2: 163 باب وفاة موسى، صحيح مسلم 2: 309 باب فضائل موسى، مسند أحمد 1: 315، العرائس للثعلبي ص 139.
وإن تعجب فعجب إن مرسل ملك الموت وهو الله سبحانه لم لم يعطه بأسا يفوق كل بأس وهو يعلم من خلق، وإن فيهم من يجرأ على رسوله فيصفعه فيفقأ عينه، وفيهم من يخافه الرسول فيخفي نفسه عنه؟ أكان ذلك غفلة؟ أم أن خزانة القدرة قد نفدت؟ أم لم يكن يعلم ما يقع - وهو علام الغيوب - حتى وقعت الواقعة؟ أم لم يكن في صفوف الموظفين بعالم الملكوت أي تدريب حتى يتمكنوا مقابلة الشدايد إلى عهد موسى، ثم اطرد التدريب بإخفاء الموظف نفسه عند تنفيذ وظيفته؟! تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
وهلم معي إلى النبي المعصوم موسى على نبينا وآله وعليه السلام ونراه كيف يتجرأ على ملك الموت، وهو يعلم إنه رسول من الله العظيم، وإنه إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، وإنه لا تجديه الصفعة والفقأة، وعلى فرض أن يهرب عنه هذا الرسول أو ينسحب عنه بانتظام فإنه يأتيه غيره أشد منه بأسا، لأن الله سبحانه مميته لا محالة، ولا مرد لمجري قضائه، وهب إنه تخلص من بأس هذا الملك فهل يتخلص من بأس مرسله المنتقم القهار، وقد أثار غضبه بمجابهة ممثله؟ أبعد الله الإفك والزور عليه سبحانه وعلى رسوله وملائكته، وانتقم من كل أفاك أثيم.
أضف إلى ذلك كله ما قاله سيدنا الحجة شرف الدين العاملي في كتاب أبي هريرة ص 86 مما لفظه:
ونحن لم برئنا من أصحاب الرس وفرعون موسى وأبي جهل وأمثالهم ولعناهم بكرة وأصيلا؟ أليس ذلك لأنهم آذوا رسل الله حين جاؤوهم بأوامره؟ فكيف نجوز مثل فعلهم على أنبياء الله وصفوته من عباده؟ حاشا لله إن هذا لبهتان عظيم.
ثم إن من المعلوم إن قوة البشر بأسرهم، بل قوة جميع الحيوانات منذ خلقها
ومتى كان للملك عين يجوز أن تفقأ؟!
ولا تنس تضييع حق الملك وذهاب عينه ولطمته هدرا إذ لم يؤمر الملك من الله بأن يقتص من موسى صاحب التوراة التي كتب الله فيها: إن النفس بالنفس، والعين بالعين، والأنف بالأنف، والأذن بالأذن، والسن بالسن والجروح قصاص (1) ولم يعاتب الله موسى على فعله هذا بل أكرمه إذ خيره بسببه بين الموت والحياة سنين كثيرة بقدر ما تواريه يده من شعر الثور.
وما أدري ما الحكمة في ذكر شعر الثور بالخصوص؟! الخ.
هذه جملة مما وجدنا من كرامات الإمام أحمد، وكم وكم لها من نظير؟ وأنت حدث العاقل بما لا تقبله عقله فإن صافقك عليه فهو معتوه، لكن القوم عقلاء وقبلوها، ونحن إذا عزونا ما هو أخف وأخف وطئة من هذه مما يساعده العقل والمنطق والاعتبار إلى أئمة أهل بيت الوحي عليهم السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فهنالك الجلبة واللغط، والتركاض والصخب، وهتاف من شتى الجوانب: هذا لا يكون، هذا غير معقول، حديث واه، هذا قول غلاة الشيعة، هذا قول الرافضة، هذا لا يصح وإن صح إسناده، إسناده صحيح غير إن في قلبي منه شيئا، هذا لا يصح وإن جاء بألف طريق. إلى أمثال هذه التهجمات الفارغة.
- 44 -
إمام المالكية يرى النبي صلى الله عليه وآله كل ليلة
ذكر الحريفيش في (الروض الفائق) ص 270 قال: قال المثنى بن سعيد القصير:
____________
(1) إشارة إلى الآية 45 من سورة المائدة وقد وجدنا في الفقرة ال 23 من الأصحاح 21 من اصحاحات الخروج من التوراة الموجودة في أيدي اليهود والنصارى في هذه الأيام ما هذا لفظه: إن حصلت أذية تعطى نفسا بنفس، وعينا بعين، وسنا بسن، ويدا بيد، ورجلا برجل، وكيا بكي، وجرحا بجرح، ورضا برض.
قال الأميني: هل يكذب الإمام في دعواه الذي لا يعلم إلا من قبله؟ أو يرمى ابن سعيد بالإفك وإن كان قصيرا؟ أو يعاتب الحريفيش في نقله وإن كان مصغرا؟
وللإمام مالك موقف خطر مع الملكين العظيمين: منكر ونكير، لا يقل عن موقف الإمام أحمد معهما ذكره الشعراني في الميزان 1: 46 قال: لما مات شيخنا شيخ الاسلام الشيخ ناصر الدين اللقاني رآه بعض الصالحين في المنام فقال له: ما فعل الله بك؟ فقال: لما أجلسني الملكان في القبر ليسألاني أتاهم الإمام مالك فقال: مثل هذا يحتاج إلى سؤال في إيمانه بالله ورسوله؟ تنحيا عنه، فتنحيا عني.
قال الأميني: ألا من معبر يعبر هذه الأحلام؟ ولعل كل فرد من المعبرين يقول: أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين. وإن اتخذها الحفاظ كأصل مسلم استندوا إليها عند المغالاة في الفضائل. كأن الملكين لم يكن عندهما عرفان بمن يحتاج إلى سؤال في إيمانه، ولم يكن هنالك ناموس مطرد من المولى سبحانه يتبعانه، أعوذ بالله من ضئولة العقل.
- 45 -
الملكان وأبو العلاء الهمداني
قال ابن الجوزي في المنتظم 10: 248: رأى شخص إن يدين خرجتا من محراب مسجد فقال: ما هذه اليدان؟ فقيل: هذه يد آدم بسطها ليعانق أبا العلاء الحافظ - الحسن بن أحمد المتوفى 569 - وإذا بأبي العلاء قد أقبل، قال: فسلمت عليه فرد علي السلام وقال: يا فلان! رأيت ابني أحمد حين قام على قبري يلقنني؟ أما سمعت صوتي حين صبحت؟ على الملكين؟ فما قدرا أن يقولا شيئا فرجعا.
نظرا إلى هذه المزعمة يجب أن يكون أبو العلاء أشجع من عمر الذي خاف النكيرين وارتعد منهما، ثم لما قالا له: نم. قال: كيف أنام وقد أصابني منكما هذه الرعدة وقد صحبت النبي صلى الله عليه وآله (1) ولعلهما قبلا وصية عمر لما أنشدهما أن لا يأتيا مؤمنا إلا بصورة جميلة ففعلا، فلم يهبهما أبو العلاء فصاح عليهما، وخاشنهما الإمام
____________
(1) مر تمام القصة في ص 140 من هذا الجزء.
- 46 -
غمامة تظل على جنازة
قال الحافظ الجزري في طبقات القراء 2: 271: توفي ابن الأخرم محمد بن النضر الدمشقي سنة 241 / 2 بدمشق قال عبد الباقي: وصليت عليه في المصلى بعد صلاة الظهر وكان يوما صائفا وصعدت غمامة على جنازة من المصلى إلى قبره فكانت شبه الآية.
قال الأميني:
- 47 -
شاب ينظر الإذن من ربه
ذكر الحريفيش في الروض الفائق ص 126 عن ذي النون المصري أنه قال:
رأيت شابا عند الكعبة يكثر الركوع والسجود فدنوت منه وقلت له: إنك لتكثر الصلاة، فقال: أنتظر الإذن من ربي في الانصراف، قال: فرأيت رقعة سقطت فيها مكتوب:
من العزيز الغفور إلى عبدي الصادق: إنصرف مغفورا لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر.
قال الأميني: لقد جنى من نزلت إليهم هذه الرقاع (1) حيث لم يوصوا بالتحفظ عليها لتستفيد بها الأمة وتتبرك بها في أجيالها المتأخرة وتتخذها معتبرا عوضا عن أن تكون خبرا، وتزدان بها متاحف الآثار، لكن لهم عذرا وهو إنهم لم يشاهدوها فلم يوصوا بها، وإنما هي شباك طنبت لاقتناص الأغرار من أمة محمد صلى الله عليه وآله.
____________
(1) وما أكثرها وألطفها؟ راجع ما مر في هذا الجزء ص 121، 125، 137، وما يأتي.
- 48 -
شجرة أم غيلان تثمر رطبا
قال بكر بن عبد الرحمن رحمه الله: كنا مع ذي النون المصري - المتوفى 245 - في البادية فنزلنا تحت شجرة أم غيلان فقلنا: ما أطيب هذا الموضع لو كان فيه رطب؟ فتبسم ذو النون وقال: تشتهون رطبا؟ وحرك الشجرة وقال: أقسمت عليك بالذي أنبتك وخلقك شجرة إلا ما نثرت علينا رطبا جنيا، ثم حركها فنثرت رطبا فأكلنا وشبعنا، ثم نمنا وانتبهنا وحركنا الشجرة فنثرت علينا شوكا.
الروض الفائق ص 126، مرآت الجنان لليافعي 2: 151 وقال: ذكره خلائق من الصالحين، ورواه عنهم كثير من العلماء العاملين.
قال الأميني: إلى المولى سبحانه نبتهل في أن يهب لأولئك الصالحين والعلماء العاملين عقلا وافيا يزعهم عن الخضوع للخرافات.
- 49 -
ابن أبي الجواري في التنور
روى ابنا عساكر وكثير: إن أحمد بن أبي الحواري (1) كان قد عاهد أبا سليمان الداراني ألا يغضبه ولا يخالفه فجاءه يوما وهو يحدث الناس فقال: يا سيدي! هذا قد سجروا التنور، فماذا تأمر؟ فلم يرد عليه أبو سليمان لشغله بالناس، ثم أعادها أحمد ثانية وقال له في الثالثة: إذهب فاقعد فيه. ثم اشتغل أبو سليمان في حديث الناس، ثم استفاق فقال لمن حضره: إني قلت لأحمد: إذهب فاقعد في التنور وإني أحسب أن يكون قد فعل ذلك، فقوموا بنا إليه فذهبوا فوجدوه جالسا في التنور ولم يحترق منه شئ ولا شعرة واحدة. تاريخ ابن كثير 10: 348.
ألا تعجب من ابن كثير يسجل أمثال هذه الأسطورة كحقايق ثابتة ثم لما يبلغ به السير والبحث إلى فضيلة معقولة من فضائل أهل بيت الوحي عليهم السلام أربد وجهه، وأزبد فمه، وعاد صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء، وأطلق لسانه البذي على من جاء بذلك الذكر الشذي؟ كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون
____________
(1) أحد الأعلام يروي عنه أبو داود وابن ماجة وأبو حاتم توفي 246.
- 50 -
كتاب من الله إلى ابن الموفق
عن أبي الحسن علي بن الموفق المتوفى 265 قال: خرجت يوما لاؤذن فأصبت قرطاسا فأخذته ووضعته في كمي فأذنت وأقمت وصليت فلما صليت قرأته فإذا فيه مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن الموفق! تخاف الفقر وأنا ربك؟.
تاريخ الخطيب البغدادي 12: 112، صفة الصفوة لابن الجوزي 2: 218.
كان حقا على الحافظين الخطيب وابن الجوزي أن يذكرا شطرا من حياة هذا الرجل بعد الكتاب المذكور المغمورة باليسار والنعمة لتكون تصديقا للخبر وشاهدا على صحة المزعمة، لكنهما أغفلا عن ذلك فلم يقم لنا شاهد ولا حجة.
- 51 -
الحوراء تكلم أبا يحيى
قال أبو يحيى زكريا بن يحيى الناقد (1): إشتريت من الله حوراء بأربعة آلاف ختمة، فلما كان آخر ختمة سمعت الخطاب من الحوراء وهي تقول: وفيت بعهدك فها أنا التي قد اشتريتني.
تاريخ بغداد للخطيب 8: 462، المنتظم لابن الجوزي 6: 8، مناقب أحمد لابن الجوزي ص 510.
ليس لك أن تناقش في المدة التي ختم أبو يحيى فيها الأربعة آلاف ختمة، فإن من الممكن عند القوم أن يختمها في بضع دقايق فإن أبا مدين المغربي كان يختم في اليوم والليلة سبعين ألف ختمة. راجع الجزء الخامس ص 35.
- 52 -
دعاوى سهل بن عبد الله التستري
ذكر الشعراني في طبقات الأخيار 1: 158 نقلا عن كتاب (الجواهر) لسهل بن عبد الله التستري المتوفى 283 أنه قال: أشهدني الله تعالى ما في العلى وأنا ابن ست سنين، ونظرت في اللوح المحفوظ وأنا ابن ثمان سنين، وفككت طلسم السماء وأنا
____________
(1) أحد الأعلام المجتهدين وأئمة الحديث من تلمذة أحمد بن حنبل إمام الحنابلة توفي سنة 285.
قال الأميني: ليت شعري متى ما أشهد الله ما في العلى نبيه الأعظم صاحب الرسالة الخاتمة؟ ومتى ما نظر صلى الله عليه وآله في اللوح المحفوظ وفك طلسم السماء؟ وهل رأى ذلك الحرف المعجم الذي حار فيه الجن والإنس وفهمه، وهل حرك وسكن بإذن الله؟
أيم الله إن هذه الأساطير المشمرجة لا يبوح بها إلا من يتخبطه الشيطان من المس وإن هي إلا سم ناقع على روح الاسلام، تمس كرامة الأولياء، وتشوه سمعة الأمة المسلمة، وتسود صحيفة تاريخها عند الأمم، وتضحك الملأ على عقلية أولئك المؤلفين الذين جمعت بيراعهم أشتات التاريخ الاسلامي.
- 53 -
سهل وجبل قاف
عن سهل بن عبد الله قال: صعدت جبل قاف فرأيت سفينة نوح مطروحة فوقه. و قيل لأبي يزيد رضي الله عنه: هل بلغت جبل قاف؟ فقال: جبل قاف أمره قريب بل جبل كاف وجبل صاد وجبل عين وهي محيطة بالأرض حول كل أرض جبل بمنزلة حائطها، وجبل قاف بهذه الأرض وهي أصغر الأرضين، وهو أيضا أصغر الجبال، وهو جبل من زمردة خضراء وقيل: إن خضرة السماء من خضرته. وروي: إن الدنيا كلها خطوة للولي. وحكي: إن وليا من أولياء الله تعالى احتاج إلى النار فرفع يده إلى القمر فاقتبس منه جذوة في خرقة كانت معه. (1)
قال الأميني: حقا قيل: الجنون فنون: وأيم الله يميت القلب ويجلب الهم ضياع التاريخ الاسلامي بيد هؤلاء المعشوذين الذين شوهوا صحائفه بأمثال هذه الترهات التي لم يخلق مثلها في أساطير الأولين.
____________