الصفحة 43
رسول الله صلى الله عليه وسلم بفرس فركبه وقال: يركب هذا الفرس من يكون الخليفة من بعدي.

فركبه أبو بكر الصديق.

قال الأميني: كأن الخطيب أدهشه فرس الخلافة - ذاهلا عن أنه لم يخلق بعد - فسكت عما في سند الرواية من الغمز الفاحش الذي لا يخفى على مثل الخطيب فارس الجرح والتعديل، وإليك مجمل القول في رجاله:

1 - إبراهيم بن هاني، قال ابن عدي: مجهول يأتي بالبواطيل.

2 - هارون المستملي، قال له أبو نعيم: يا هارون أطلب لنفسك صناعة غير الحديث فكأنك بالحديث قد صار على مزبلة.

3 - يعلى بن الأشدق: أحد الكذابين كما مر في سلسلتهم.

4 - عبد الله بن جراد عم يعلى، قال الذهبي في ميزانه: مجهول لا يصح خبره لأنه من رواية يعلى بن أشدق الكذاب عنه، وقال أبو حاتم: لا يعرف ولا يصح خبره. وقال ابن حجر في " الإصابة " 2 ص 288: يعلى بن أشدق أحد الضعفاء، وعبد الله بن جراد واه ذاهب الحديث ولم يثبت حديثه.

وذكر السيوطي الرواية في الموضوعات - لي 1 ص 156 - وأردفه بقوله: موضوع، ابن جراد ليس بشئ. ثم نقل كلمات الحفاظ في تضعيف ابن جراد وتزييفه.

11 - عن جابر مرفوعا: أبو بكر وزيري والقائم في أمتي من بعدي. وعمر حبيبي ينطق على لساني. وعثمان مني. وعلي أخي وصاحب لوائي. وفي كنز العمال 6 ص 160 عن أنس: أبو بكر وزيري يقوم مقامي. وعمر ينطق بلساني. وأنا من عثمان وعثمان مني.

من موضوعات كادح بن رحمة الكذاب، أخرجه ابن السمان في " الموافقة " كما في " الرياض النضرة " ج 1 ص 28. وذكره الذهبي في ميزانه من طريق كادح وقال: قال ابن عدي عامة أحاديثه غير محفوظة ولا يتابع في أسانيده ولا في متونه. وقال الحاكم وأبو نعيم روى عن مسعر والثوري أحاديث موضوعة. [ لسان الميزان 4: 481 ].

12 - أخرج ابن عساكر عن عبد الرحمن بن أبي بكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إئتني بدواة وكنت أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا. ثم قال: يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر. كنز 6 ص 139.


الصفحة 44
13 - عن عائشة قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه: ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا فأني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى و يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر.

أخرجه مسلم وأحمد وغيره من طرق عنها وفي بعضها: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه: ادعي لي عبد الرحمن بن أبي بكر أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه أحد. ثم قال: دعيه معاذ الله أنه يختلف المؤمنون في أبي بكر.

وفي لفظ عن عبد الله بن أحمد: أبى الله والمؤمنون أن يختلف عليك يا أبا بكر. " الصواعق " لابن حجر ص 13. شرح " مشارق الأنوار " 2 ص 258.

14 - عن عائشة مرفوعا: لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه [ أراد به عبد الرحمن ] وأعهد [ أي أوصي أبا بكر بالخلافة بعدي ] أن يقول القائلون [ أي كراهة أن يقول قائل: أنا أحق منه بالخلافة ] أو يتمنى المتمنون [ أي أو يتمنى أحد أن يكون الخليفة غيره ] ثم قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون [ يعني تركت الايصاء اعتمادا على أن الله تعالى يأبى عن كون غيره خليفة وأن يدفع المؤمنون غيره ] أو: يدفع الله ويأبى المؤمنون.

أخرجه الصغاني في " مشارق الأنوار " عن البخاري. وفي هامشه: لم نجده في صحيح البخاري فليراجع. وشرحه ابن الملك بما جعلناه بين القوسين في شرحه 2 ص 90.

وذكره ابن حزم في الفصل 4 ص 108 فقال: فهذا نص جلي على استخلافه عليه الصلاة والسلام أبا بكر على ولاية الأمة بعده.

هذه صورة ممسوخة من حديث الكتف والدواة المروي بأسانيد جمة في الصحاح والمسانيد وفي مقدمها الصحيحان حولوه إلى هذه الصورة لما رأوا الصورة الصحيحة من الحديث لا تتم بصالحهم، لكنها الرزية كل الرزية كما قاله ابن عباس في الصحيح، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله منع في وقته عن كتابه ما رامه من الايصاء بما لا تضل الأمة بعده وكثر هناك اللغط، ورمي صلى الله عليه وآله بما لا يرصف به، أو قال قائلهم: إن الرجل ليهجر. أو:

إن الرجل غلبه الوجع. وبعد وفاته صلى الله عليه وآله قلبوا ذلك التاريخ الصحيح إلى هذا المفتعل وراء أمر دبر بليل.

قال ابن أبي الحديد في شرح " نهج البلاغة " 3 ص 17: وضعوه في مقابلة الحديث

الصفحة 45
المروي عنه في مرضه: ائتوني بدواة وبياض أكتب لكم ما لا تضلون بعده أبدا فاختلفوا عنده وقال قوم منهم: لقد غلبه الوجع حسبنا كتاب الله.

قال الأميني: لا تخلو هذه الاستعاذة (1) إما أن تكون في حيز الأخبار عن عدم الاختلاف أو في مقام النهي عنه. وعلى الأول يلزم منه الكذب لوقوع الاختلاف - و أي اختلاف - بالضرورة من أمير المؤمنين وبني هاشم ومن التف بهم من صدور الصحابة ومن سيد الخزرج سعد بن عبادة وبقية الأنصار، وإن أخضعت الظروف والأحوال أولئك المتخلفين عن البيعة للخلافة المنتخبة بعد برهة، فقد كان في القلوب ما فيها إلى آخر أعمارهم، وفي قلوب شيعتهم وأتباعهم إلى يوم لقاء الله، وكان لأمير المؤمنين عليه السلام وآله و شيعته في كل فجوة من الوقت وفرصة من الزمن نبرات وتنهدات ينبأ فيها عن الحق المغتصب والخليفة المهتضم.

وعلى الثاني يلزم تفسيق أمة كبيرة من أعيان الصحابة لمخالفتهم نهي النبي صلى الله عليه وآله بما شجر بينهم وبين القوم من الخلاف المستعاذ منه بالله في أمر الخلافة، وهذا لا يلتأم مع حكمهم بعدالة الصحابة أجمعين إلا أن يخصوها بغير أمير المؤمنين ومن انضوى إليه، و كل هذه يأدي إلى بطلان الرواية.

وهلم معي إلى أم المؤمنين الراوية لها نساؤلها عن أنها لم لم تنبس يوم التنازع عما روته ببنت شفة، فتجابه من ينازع أباها بنص الرسول الأمين وأخرت البيان عن وقت الحاجة؟ ولعلها تجيب بأنها لم تسمع قط من بعلها الكريم شيئا مما الصق بها، لكن رواة السوء بعد وفاتها لم ترع لها كرامة فصعدت وصوبت، وشاهد هذا الجواب ما سيوافيك عنها بطريق صحيح ما ينافي الاستخلاف.

15 - عن عايشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أئمة الخلافة من بعدي أبو بكر وعمر. الحديث.

ذكره الذهبي في ميزانه 2 ص 227 وقال: خبر باطل، المتهم بوضعه علي - بن صلح الأنماطي - فإن الرواة ثقاة سواه.

قال الأميني: من المأسوف عليه أن الدهشة بالقلاقل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أنست

____________

(1) في قوله صلى الله عليه وآله: معاذ الله أن يختلف المؤمنون.

الصفحة 46
عايشة هذه الرواية يوم كان يستفيد بها أبوها ويسلم من مغبة الاختيار في أمر الخلافة بالإسناد إلى النص الصريح. أو خشيت حين ذلك إن فاهت أن يقال: حلبت حلبا لها شطرها، فأرجئتها إلى أن سبق السيف العذل، والصحيح: أنها أرجئت روايتها إلى أن لفظت نفسها الأخير، وسيوافيك عنها خلاف هذه الرواية من طريق صحيح.

16 - عن عبد الله بن عمر مرفوعا: يكون بعدي اثنا عشر خليفة أبو بكر الصديق لا يلبث بعدي إلا قليلا. وصاحب رحا دارة العرب يعيش حميدا ويقتل شهيدا عمر. و أنت يا عثمان سيسألك الناس أن تخلع قميصا كساك الله عز وجل إياه، والذي نفسي بيده لئن خلعته لا تدخل الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط.

أخرجه البيهقي كما في تاريخ ابن كثير 6 ص 206 بإسناده وفيه عبد الله بن صالح الكذاب، وربيعة بن سيف قال البخاري: عنده مناكير. وذكره الذهبي في " ميزان الاعتدال " 2 ص 48 من طريق يحيى بن معين وقال: أنا أتعجب من يحيى مع جلالته ونقده كيف يروي مثل هذا الباطل ويسكت عنه؟ وربيعة صاحب مناكير وعجائب.

17 - عن ابن عباس في قوله تعالى: وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا.

قال: أسر إلى حفصة: أن أبا بكر ولي الأمر من بعده، وإن عمر واليه من بعد أبي بكر، فأخبرت بذلك عائشة. رواه البلاذري في تاريخه.

وفي " نزهة المجالس " 2 ص 192: قال ابن عباس رضي الله عنهما، والله إن إمارة أبي بكر وعمر لفي كتاب الله وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا قال لحفصة: أبوك وأبو عائشة أولياء الناس بعدي فإياك أن تخبري به أحدا.

وأخرج الذهبي عن عايشة: وإذا أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا. قالت: أسر إليها: أن أبا بكر خليفتي من بعدي. عده الذهبي في " ميزان الاعتدال " 1 ص 294 من أباطيل خالد بن إسماعيل المخزومي الكذاب.

18 - عن ابن عباس قال: لما نزلت إذا جاء نصر الله والفتح جاء العباس إلى علي فقال: قم بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصارا إلى رسول الله فسألاه عن ذلك فقال: يا عباس! يا عم رسول الله! إن الله جعل أبا بكر خليفتي على دين الله ووحيه فاسمعوا له تفلحوا وأطيعوا ترشدوا، قال العباس: فأطاعوه والله فرشدوا.


الصفحة 47
وفي لفظ آخر: يا عم! إن الله جعل أبا بكر خليفتي على دين الله ووحيه فأطيعوه بعدي تهتدوا واقتدوا به ترشدوا. قال ابن عباس: ففعلوا فرشدوا.

أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه 11 ص 294 - من دون أي غمز في سنده و متنه - من طريق عمر بن إبراهيم بن خالد الكذاب، غير أن السيوطي حكى عنه " في " اللئالي " 1 ص 152 إردافه بقوله: عمر كذاب. وهذا لا يوجد في المطبوع من تاريخ بغداد فكأن يد الطبع الأمينة حرفته خدمة للمبده، وعمر هو ابن إبراهيم القرشي الكردي الكذاب الوضاع. وقال الذهبي في ميزانه 2 ص 249: هذا الحديث ليس بصحيح.

قال الأميني: أسفي إن كان العباس قد سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا النص الصريح، وكان ابنه يجد خلافة الشيخين في الكتاب العزيز، ويخبر به الناس مشفعا بالحلف بالله، و أمر بالطاعة والاقتداء بهما فلماذا خالف ذلك كله؟ ولماذا تخلف عن بيعة أبي بكر؟ (1)

وما الذي حداه إلى أن يأتي أمير المؤمنين عليه السلام يوم توفي النبي صلى الله عليه وآله في ضحاة فيقول له: إذهب إلى رسول الله فسله فيمن يكون هذا الأمر؟ فإن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا أمر به فأوصى بنا. ويقول علي عليه السلام: والله لئن سألناها رسول الله فمنعناها لا يعطيناها الناس أبدا، والله لا أسألها رسول الله أبدا. فتوفي رسول الله حين اشتد الضحى من ذلك اليوم (2).

وفي لفظ آخر: فانطلق بنا إليه فنسأله من يستخلف؟ فإن استخلف منا فذاك وإلا فأوصى بنا فحفظنا من بعده. الحديث.

وما دعاه إلى أن يقول لعلي لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله: أبسط يدك أبايعك فيقال عم رسول الله بايع ابن عم رسول الله ويبايعك أهل بيتك، فإن هذا الأمر إذا كان لم يقل (3) فيقول علي كرم الله وجهه: ومن يطلب هذا الأمر غيرنا؟ (4).

____________

(1) العقد الفريد 2 ص 250. الرياض النضرة 1 ص 167، السيرة الحلبية 3 ص 385.

(2) الطبقات الكبرى لابن سعد ص 766، تاريخ الطبري 3 ص 194، سيرة ابن هشام 4 ص 333، الإمامة والسياسة 1 ص 5، سنن البيهقي 8 ص 149 نقلا عن صحيح البخاري، تاريخ ابن كثير 5 ص 251.

(3) من الاقالة لا من القول.

(4) الإمامة والسياسة 1 ص 5.

الصفحة 48
وفي لفظ ابن سعد في طبقاته: قال علي: يا عم! وهل هذا الأمر إلا إليك؟ وهل من أحد ينازعكم في هذا الأمر؟

وما باله يلاقي أبا بكر فيسأله هل أوصاك رسول الله بشئ؟ فيقول: لا. أو يلاقي عمر ويسأل مثل ذلك فيسمع: لا. ثم بعد أخذ الاعتراف من الرجلين على عدم الاستخلاف يقول لعلي: أبسط يدك أبايعك ويبايعك أهل بيتك (1).

أو يقول: يا علي! قم حتى أبايعك ومن حضر فإن هذا الأمر إذا كان لم يرد مثله والأمر في أيدينا، فقال علي: وأحد يطمع فيه غيرنا؟ قال العباس: أظن والله سيكون (2)

وما حداه إلى كلامه لعلي يوم استخلف عثمان؟: إني ما قدمتك قط إلا تأخرت، قلت لك: هذا الموت بين في وجه رسول الله فتعال نسأله عن هذا الأمر فقلت: أتخوف أن لا يكون فينا فلا نستخلف أبدا. ثم مات وأنت المنظور إليه فقلت: تعال أبايعك فلا يختلف عليك فأبيت. ثم مات عمر فقلت لك: قد أطلق الله يديك فليس لأحد عليك تبعة فلا تدخل في الشورى عسى ذلك أن يكون خيرا (3).

صورة أخرى

قال العباس: لم أدفعك في شئ إلا رجعت إلي متأخرا بما أكره، أشرت عليك عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر فأبيت، وأشرت عليك بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعاجل الأمر فأبيت، وأشرت عليك حين سماك عمر في الشورى أن لا تدخل معهم فأبيت، فاحفظ عني واحدة كلما عرض عليك القوم فأمسك إلى أن يولوك واحذر هذا الرهط فإنهم لا يبرحون يدفعوننا عن هذا الأمر حتى يقوم لنا فيه غيرنا. العقد الفريد 2 ص 257.

19 - عن أبي هريرة قال: بينما جبريل مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ مر أبو بكر فقال: هذا أبو بكر. قال: أتعرفه يا جبريل؟ قال: نعم إنه لفي السماء أشهر منه في الأرض، فإن الملائكة لتسميه حليم قريش، وإنه وزيرك في حياتك وخليفتك بعد موتك.

أخرجه ابن حبان من طريق إسماعيل بن محمد بن يوسف وقال: إسماعيل يسرق الحديث لا يجوز الاحتجاج به. وقال ابن طاهر: كذاب. ورواه أبو العباس اليشكري

____________

(1) الإمامة والسياسة 1 ص 6.

(2) الطبقات الكبرى لابن سعد ص 667.

(3) أنساب الأشراف للبلاذري ج 5 ص 23.

الصفحة 49
في فوائده اليشكريات كما في " اللئالي " 1 ص 152 من طريق أحمد بن الحسن بن أبان المصري وهو ذلك الكذاب الدجال الوضاع.

20 - أخرج ابن عساكر عن أبي بكرة قال: أتيت عمر رضي الله عنه وبين يديه قوم يأكلون فرمى ببصره في مؤخر القوم إلى رجل فقال: ما تجد فيما تقرأ قبلك من الكتب قال: خليفة النبي صلى الله عليه وسلم صديقه. ذكره السيوطي في " الخصايص الكبرى " 1 ص 30 عند إثبات ذكر أبي بكر في كتب الأمم السابقة.

هذه الرواية لم نقف لها على إسناد وحسبها من الوهن إرسالها فيما نجد، ولم نعرف الكتابي الذي كان في مؤخر القوم حتى ينظر في مبلغه من الدين والثقة، وبعد فرض ثبوتها فهي إنما تدل على ما يحاوله عمر بعد أن يخصم المجادل في ثبوت هذا الاستخلاف وهذا اللقب من النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر، وعدم مشاركة غيره له فيهما، والأول محل نظر عند من لا يرى أبا بكر أول الخلفاء، وتلقيب الناس له بهما لا ينهض لإثبات تطبيق ما في الكتب السالفة عليه فإنه يدور مدار الواقع لا تلقيب الناس. وأما الثاني: فقد ثبت م - في الصحيح المتواتر قوله صلى الله عليه وآله: إني مخلف فيكم خليفتين. وليس أبو بكر أحدهما، وصح قوله لعلي عليه السلام: أنت أخي ووصي وخليفتي من بعدي (1) فعلي عليه السلام خليفة أخيه النبي الأقدس من يومه الأول وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ]

كما مر أن مولانا أمير المؤمنين لقبه رسول الله صلى الله عليه وآله بالصديق. وهو صديق هذه الأمة. وهو أحد الصديقين الثلاثة. وهو الصديق الأكبر. راجع الجزء الثاني من هذا الكتاب 312 - 314 وتجد هنالك بسند صحيح رجاله ثقات عند الحفاظ تكذيب أمير المؤمنين كل من يدعي هذا اللقب غيره، إذن فلا شاهد في الرواية على أن المراد بالصديق والخليفة من حاولوه.

21 - قال محمد بن الزبير أرسلني عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري أسأله عن أشياء فجئته فقلت له: اشفني فيما اختلف فيه الناس هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر؟ فاستوى الحسن قاعدا فقال: أو في شك هو؟ لا أبا لك، أي والله الذي لا إله إلا هو لقد استخلفه، ولهو كان أعلم بالله وأتقى له وأشد له مخافة من أن يموت عليها

____________

(1) راجع الجزء الثاني من كتابنا هذا 278 - 286.

الصفحة 50
لو لم يؤمره.

أخرجه ابن قتيبة في " الإمامة والسياسة " ص 4 وفي آخره: وهو كان أعلم بالله تعالى وأتقى لله تعالى من أن يتوثب عليهم لو لم يأمره. وذكره ابن حجر في الصواعق ص 15.

انظر إلى هذا المتقشف المتزهد الجامد كيف يحلف كذبا بالله تعالى على ما لا تعترف به الأمة جمعاء حتى نفس أبي بكر وعمر وسيوافيك الصحاح الناصة من طريق القوم على عدم الاستخلاف من النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أمير المؤمنين علي وأبي بكر وعمر وعايشة، م - وسيوافيك في هذا الجزء والجزء السابع ما جاء في الصحيح الثابت من قول أبي بكر في مرضه الذي توفي فيه: وددت أني كنت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن هذا الأمر؟ فلا ينازعه أحد، ووددت أني كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر نصيب؟ ] فقول الرجل داء فيما اختلف فيه الناس لا شفاء كما حسبه السائل.

22 - أخرج ابن حبان عن سفينة لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد (1) وضع في البناء حجرا وقال لأبي بكر: ضع حجرك إلى جنب حجري. ثم قال لعمر: ضع حجرك إلى جنب حجر أبي بكر. ثم قال لعثمان: ضع حجرك إلى جنب حجر عمر. ثم قال: هؤلاء الخلفاء بعدي.

ذكره ابن حجر في " الصواعق " ص 14 وقال: قال أبو زرعة: إسناده لا بأس به، و قد أخرجه الحاكم في المستدرك " (2) وصححه البيهقي في الدلائل، وذكره ابن كثير في " البداية والنهاية " 6: 204.

ليت ابن حجر ذكر سند الرواية ولم يرسله حتى تأتى للقارئ وقوفه على بطلانه وبطلان الحكم بصحته، وقد أخرجوه من طريق نعيم من حماد المذكور في سلسلة الكذابين وحسبه منقصة ومغمزة. ثم ليت مصحح هذه الرواية كان يعرف أن صحة هذا النص على الخلافة تضعضع حجر مبدءه الأساسي، وتبطل ما ذهب إليه هو وقومه من الخلافة الانتخابية، وتضاد ما صححوه عن أبي بكر وعمر وعلي وعائشة و و و - كما يأتي - من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مات ولم يستخلف. وقد أبطله الذهبي بما ذكر عند ما أخرجه الحاكم من

____________

(1) في تاريخ ابن كثير 6: 204: مسجد المدينة.

(2) أخرجه في الجزء الثالث ص 13 ولفظ ذيله: هؤلاء ولاة الأمر بعدي.

الصفحة 51
طريق عائشة كما مر في ص 335.

23 - عن عبد الله بن عمر مرفوعا: إقتدوا باللذين من بعدي: أبو بكر وعمر.

أخرجه العقيلي من طريق مالك وقال: هذا حديث منكر لا أصل له. وأخرجه الدارقطني من رواية أحمد الخليلي الضميري بسنده ثم قال: لا يثبت والعمري - يعني محمد بن عبد الله حفيد عمر بن الخطاب راوي الحديث - ضعيف. وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به، وقال الدارقطني: العمري يحدث عن مالك بأباطيل. لم 5 ص 237.

24 - روى الحسن بن صالح القيسراني عن إسحاق بن محمد الأنصاري أنه قال: سألت يموت بن المزرع بن يموت فقلت: يا أستاذ! كيف لم يستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا واستخلف أبا بكر؟ فقال: سألت الجاحظ عن هذا فقال: سألت إبراهيم النظام عن هذا فقال: قال الله عز وجل وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم. الآية. وكان جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم يحدثه بعد الوحي كما يحدث الرجل الرجل فقال: يا جبريل من هؤلاء الذين يستخلفهم الله في الأرض؟ فقال جبريل: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، ولم يكن بقي من عمر أبي بكر إلا سنتين فلو استخلف عليا لم يلحق أبو بكر وعمر وعثمان من الخلاف شيئا ولكن الله رتبهم لعلمه بما بقي من أعمارهم حتى تم ما وعدوهم الله تبارك وتعالى به.

أخرجه ابن عساكر في تاريخه 4 ص 186. وليت شعر شاعر أنه إن كان جبرئيل فسر الآية الكريمة بما فسر، ووعاه النبي الأعظم، وبلغ الأمة به لتوفر الدواعي للبيان ليعرف كل أحد رشده وهداه، وكانت الحاجة ماسة بالمبادرة إلى ذلك، فكيف خفي ذلك على الأمة جمعاء؟ لا سيما على أمير المؤمنين وأبي بكر وعمر وابن عباس حبر الأمة وعايشة، فلا احتج به أحد ولا أسند إليه عند الحوار في أمر الخلافة، وما مقيل هذه الجلبة والضوضاء في تعيين الخليفة؟ هل المعين له النص أو إجماع الأمة؟ ولم يقل بالأول إلا الشيعة، وأما الذين خلقت هذه الرواية لهم فلا يقيمون للنص وزنا ولا يدعون وجوده في كتاب أو سنة ويقول عمر: إن لم استخلف فلم يستخلف من هو خير مني.

وإن كان الأمر كما يرتأيه - النظام - فما حال المتخلفين عن البيعة عندئذ؟ هل هم

الصفحة 52
محكومون بالعدالة كما يعتقدها أهل السنة في الصحابة أجمع؟ أو إنه يستثني منهم قتلة عثمان كما عند ابن حزم؟ فهل يستصحب فيهم هذا الحكم؟ أو......... وفيهم من نزل بعصمتهم الكتاب الكريم؟ وفيهم وجوه الصحابة وأعيانها. أو إنهم متأولون مجتهدون قبال هذا النص الصريح؟ وكم له من نظير في الصحابة.

هذا مع غض الطرف عما جاء في بعض رجال هذا السند من القذائف والطامات وفي مقدمهم النظام قال ابن قتيبة: كان شاطرا من الشطار مشهورا بالفسق. وقال الذهبي: متهم بالزندقة - لم 1 ص 67 - وبعده تلميذه الجاحظ مر في سلسلة الكذابين ص 248، وبعده هلم جرّا؟.

25 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - حفيد عمرو بن العاص - قال: لما اشتبكت الحرب يوم خيبر قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: هذه الحرب قد اشتبكت فأخبرنا بأكرم أصحابك عليك؟ فإن يكن أمر عرفناه وإن تكن الأخرى أتيناه فقال: أبو بكر وزيري يقوم في الناس مقامي من بعدي. وعمر ينطق بالحق على لساني، وأنا من عثمان وعثمان مني. وعلي أخي وصاحبي يوم القيامة.

ذكره الذهبي من طريق العقيلي وقال: المتهم بوضع هذا الشيخ الجاهل - يعني سليمان بن شعيب بن الليث المصري -.

وأخرجه الخطيب في تاريخه 13 ص 161 بلفظ: لما اشتبكت الحرب يوم حنين دخل جندب بن عبد الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن هذه الحرب قد اشتبكت ولسنا ندري ما يكون، أفلا تخبرنا بأخير أصحابك وأحبهم إليك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

هي ياهيه لله أبوك أنت القائد لها بأزمتها، هذا أبو بكر الصديق يقوم في الناس من بعدي. وهذا عمر بن الخطاب حبيبي ينطق بالحق على لساني. وهذا عثمان بن عفان هو مني وأنا منه. وهذا علي بن أبي طالب أخي وصاحبي حتى تقوم القيامة. رجال سنده:

1 - علي بن حماد بن السكن. قال الدار قطني: متروك الحديث.

2 - مجاعة بن ثابت. كذاب. راجع سلسلة الكذابين.

3 - ابن لهيعة. قال يحيى: ليس بالقوي. وقال مسلم: تركه وكيع ويحيى القطان وابن مهدي.


الصفحة 53
4 - عمرو بن شعيب. قال أبو داود: عمرو عن أبيه عن جده ليس بحجة.

ولعل الخطيب سكت عن إبطال مثل هذه الرواية ثقة بأن بطلانها سندا ومتنا لا يخفى على أي أحد.

26 - عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عثمان إنك ستلي الخلافة من بعدي، وسيريدك المنافقون على خلعها فلا تخلعها، وصم ذلك اليوم تفطر عندي.

ذكره الذهبي في ميزانه 1 ص 300 من طريق خالد بن محمد أبي الرحال البصري الأنصاري وقال: عنده عجائب، وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به. وفي لم 6: 794 قال أبو حاتم: ليس بالقوي.

27 - عن أبي هريرة في حديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا حفصة ألا أبشرك؟ قالت: بلى. قال: يلي الأمر من بعدي أبو بكر ثم أبوك اكتمي علي. فخرجت حتى دخلت على عائشة فقالت لها: ألا أبشرك يا ابنة أبي بكر؟ قالت: بماذا؟ فذكرت لها وقالت: قد استكتمني فاكتميه فأنزل الله تعالى: يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك. الآيات. أخرجه الماوردي في " أعلام النبوة " ص 81 مرسلا.

وأخرجه العقيلي من طريق موسى بن جعفر الأنصاري فقال: مجهول بالنقل لا يتابع على حديثه ولا يصح. وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال في ترجمة موسى وقال: لا يعرف وخبره ساقط. ثم قال بعد ذكر الحديث: قلت هذا باطل. " لم 6 ص 113 ".

ومتن الحديث أفسد من سنده لأن الولاية المذكورة إن كانت شرعية فإن من واجبه صلى الله عليه وآله وسلم إفشاءها ليعرف الناس طريق الحق وصاحب الولاية المفترض طاعته فيسعدوا بذلك لاكتمانها فيبقوا حيارى لا يدرون عمن يأخذون معالم دينهم فيتشبثون في تشخيصه بالطحلب من خيرة مبتورة، وإجماع مخدج.

وإن كانت غير مشروعة فكان من واجبه صلى الله عليه وآله نهيهما عن ارتكابها، أو أمر حفصة بأن تنهي إليهما أمره صلى الله عليه وآله إياهما بالتجنب عن ورطة الهلكة - لا الستر والأمر بالكتمان - حتى لا يقعا فيها من حيث لا يشعران، بل كان من حق المقام أن يعرف الملأ الديني بذلك ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة.


الصفحة 54
وعليه فإن صح الحديث فليس هو إلا إخبارا منه صلى الله عليه وآله بقضية خارجية، و إن كان وقوعها قهرا، ولا ينافيه لفظ البشرى لكونه إخبارا بما تهش إليه نفس حفصة من تقلد أبيها زعامة الأمة، فجرى الكلام مجرى رغباتها ولذلك لم تبد به حفصة عند مسيس حاجة الأمة إلى نص مثله - إن كان الحديث نصا - عند محتدم الحوار بينها، وإنما أمرها بالكتمان كان لمصالح لا تخفى على الباحث.

28 - عن جعفر بن محمد [ الإمام الصادق ] عن أبيه عن جده قال: توفيت فاطمة ليلا فجاء أبو بكر وعمر وجماعة كثيرة فقال أبو بكر لعلي: تقدم فصل. قال: لا والله لا تقدمت وأنت خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدم أبو بكر فصلى أربعا.

عده الذهبي من مصائب أتى بها عبد الله بن محمد القدامي المصيصي عن مالك. و قال ابن عدي: عامة حديثه غير محفوظة. وقال ابن حبان: يقلب الأخبار لعله قلب على مالك أكثر من مائة وخمسين حديثا. وقال الحاكم والنقاش: روي عن مالك أحاديث موضوعة. وقال السمعاني في " الأنساب ": كان يقلب الأخبار لا يحتج به " م 2 ص 70، لم 3 ص 334 ".

هذه الأكذوبة على الإمام الطاهر الصادق تخالف ما في التاريخ الصحيح عن عائشة قالت: دفنت فاطمة بنت رسول الله ليلا دفنها علي ولم يشعر بها أبو بكر رضي الله عنه حتى دفنت وصلى عليها علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ك 3 ص 163، صححه الحاكم وأقره الذهبي. وقال الحلبي في السيرة النبوية 3 ص 360: قال الواقدي: ثبت عندنا أن عليا كرم الله وجهه دفنها ليلا وصلى عليها ومعه العباس والفضل ولم يعلموا بها أحدا.

29 - عن أنس بن مالك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما قدمت أبا بكر وعمر ولكن الله قدمهما ومن بهما علي فأطيعوهما واقتدوا بذكرهما، ومن أرادهما بسوء فإنما يريدني والاسلام. أخرجه ابن النجار كما في " كنز العمال " 6 ص 144.

كيف خفي على معظم الأصحاب ورجالات بيت الوحي وفي مقدمهم سيدهم أمير المؤمنين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم الشيخين على علي عليه السلام وغيره في الخلافة مهما قدمهما الله تعالى؟ فتخلفوا عن بيعة من قدمه الله ورسوله وما أطاعوه وما قدموه.

ولماذا حيل بينه صلى الله عليه وآله وبين ما رام أن يكتبه يوم الخميس قبل وفاته بخمسة أيام

الصفحة 55
في متولي الخلافة بعد ما كان نص عليه قبل ذلك اليوم؟ وما كان يكتب إلا من قدمه الله تعالى ونص عليه صلى الله عليه وآله قبل.

ولماذا لم يكن يوم السقيفة ذكر عند أي أحد من ذلك التقديم المفتعل على الله و على رسوله؟ وما بال أبي بكر كان يقدم أبا عبيدة الجراح يوم ذلك وكان يحث الناس على بيعته وبيعة عمر كما ورد في الصحيح؟! فكأن في أذن الأمة وقرا من سماع ذلك التقديم حتى أن أذن أنس لم تسمع به قط.

30 - عن ابن عمر وأبي هريرة قالا: ابتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعرابي قلائص إلى أجل فقال: أرأيت إن أتى عليك أمر الله؟ قال: أبو بكر يقضي ديني وينجز موعدي. قال:

فإن قبض؟ قال عمر يحذوه ويقوم مقامه لا تأخذه في الله لومة لائم. قال: فإن أتى على عمر أجله؟ قال: فإن استطعت أن تموت فمت.

من موضوعات خالد بن عمرو القرشي على الليث ذكره الذهبي في ميزانه 1 ص 298 وحكى عن ابن عدي أنه قال بعد ذكر هذا الحديث وأحاديث أخرى: عندي أنه - خالد بن عمرو - وضع هذه الأحاديث، فإن نسخة الليث عن يزيد بن أبي حبيب عندي ما فيها من هذا شئ.

وذكره ابن درويش الحوت البيروتي في " أسنى المطالب " ص 249 بلفظ: قدم رجل من أهل البادية بإبل فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لقي الرجل عليا فقال: ما أقدمك؟ فأخبره أنه قدم بإبل وباعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علي: هل نقدك؟ فقال: لا، لكن بعتها بتأخير. قال: ارجع إليه فقل له: إن حدث بك حادث فمن يقضي عنك؟(1) فقال: أبو بكر. قال: فإن حدث بأبي بكر؟ فقال: عمر. فقال: فإن مات عمر فمن يقضي؟ فقال: ويحك إن مات عمر فإن استطعت أن تموت فمت.

قال ابن درويش: فيه الفضل بن المختار ضعيف جدا وإنه واه لا يعول عليه، وفي م ج 4 ص 449 قال أبو حاتم: أحاديثه منكرة يحدث بالأباطيل. وقال الأزدي: منكر الحديث جدا. وقال ابن عدي: عامة أحاديثه منكرة، عامتها لا يتابع عليها.

31 - عن أنس مرفوعا: أبو بكر وزيري وخليفتي.

____________

(1) هنا سقط معلوم لا يخفى.