15 - وما صح عن علي أمير المؤمنين من أنه خطب يوم الجمل فقال: أما بعد:
فإن هذه الأمارة لم يعهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها عهدا يتبع أثره، ولكن رأيناها تلقاء أنفسنا، استخلف أبو بكر فأقام واستقام، ثم استخلف عمر فأقام واستقام، ثم ضرب الدهر بجرانه، أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 ص 104، وابن كثير في تاريخه 5 ص 250، وابن حجر في " الصواعق " نقلا عن أحمد.
16 - وما صح عن أبي وائل قال: قيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا تستخلف علينا؟ قال: ما استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستخلف، ولكن إن يرد الله بالناس خيرا فسيجمعهم بعدي على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم.
أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 ص 79 وصححه هو والذهبي، وأخرجه البيهقي في سننه 8: 149، وابن كثير في تاريخه 5: 251 وقال: إسناد جيد، وذكره ابن حجر في " الصواعق " ص 27 عن البزار وقال: رجاله رجال الصحيح.
17 - وما أخرجه أحمد عن عبد الله بن سبع في حديث قالوا لعلي: إن كنت علمت ذلك - يعني القتل -؟ فاستخلف إذا. قال: لا، أكلكم إلى ما وكلكم رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)
وأخرجه البيهقي بلفظ: أترككم كما ترككم رسول الله. يه 6 ص 219. وبهذا اللفظ ذكره ابن حجر في " الصواعق " ص 27 وقال: أخرجه جمع كالبزار بسند حسن، والإمام أحمد وغيرهما بسند قوي كما قال؟ الذهبي.
18 - وما صح عن عائشة قالت: لو كان رسول الله مستخلفا لاستخلف أبا بكر وعمر. أخرجه مسلم في صحيحه كما في " الرياض " 1: 26، والحاكم في " المستدرك " 3: 78.
19 - وما ورد في احتجاج أم سلمة على عائشة من قولها: كنت أنا وأنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر له وكان علي يتعاهد نعلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخصفهما ويتعاهد أثوابه فيغسلها فنقبت له نعل فأخذها يومئذ يخصفها وقعد في ظل شجرة وجاء أبوك و معه عمر فاستأذنا عليه فقمنا إلى الحجاب ودخلا يحادثانه فيما أرادا ثم قالا: يا رسول الله إنا لا ندري قدر ما تصحبنا فلو أعلمتنا من يستخلف علينا ليكون لنا بعدك مفزعا؟ فقال لهما: أما إني قد أرى مكانه ولو فعلت لتفرقتم عنه كما تفرقت بنو إسرائيل عن هارون
____________
(1) الرياض النضرة 1 ص 159، و ج 2 ص 245.
أعلام النساء 2 ص 789.
20 - وما روي من خطبة لعايشة خطبتها بالبصرة: أيها الناس! والله ما بلغ ذنب عثمان أن يستحل دمه، ولقد قتل مظلوما، غضبنا لكم من السوط والعصا ولا نغضب لعثمان من القتل؟ وإن من الرأي أن تنظروا إلى قتلة عثمان فيقتلوا به، ثم يرد هذا الأمر شورى على ما جعله عمر بن الخطاب. فمن قائل يقول: صدقت. وآخر يقول: كذبت. فلم يبرح الناس يقولون ذلك حتى ضرب بعضهم وجوه بعض - قال الأميني: كضرب. هذه الأحاديث بعضها وجوه بعض - أعلام النساء 2 ص 796.
21 - وما عن حذيفة رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسول الله! لو استخلفت علينا؟ قال: إن أستخلف عليكم خليفة فتعصوه ينزل بكم العذاب. قالوا: لو استخلفت علينا أبا بكر؟ قال إن أستخلفه عليكم؟ جدوه قويا في أمر الله ضعيفا في جسده. قالوا: لو استخلفت علينا عمر؟ قال: إن أستخلفه عليكم تجدوه قويا أمينا لا تأخذه في الله لومة لائم. قالوا: لو استخلفت علينا عليا؟ قال: إنكم لا تفعلوا وإن تفعلوا تجدوه هاديا مهديا يسلك بكم الطريق المستقيم. أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 ص 70، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " 1 ص 64 وليس فيه استخلاف أبي بكر وعمر ومنه يظهر تحريف يد الأمانة الحديث.
م 22 - وما روي عن ابن عباس قال: قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! استخلف علينا بعدك رجلا نعرفه وننهى إليه أمرنا، فإنا لا ندري ما يكون بعدك. فقال: إن استعملت عليكم رجلا فأمركم بطاعة الله فعصيتموه كان معصيته معصيتي ومعصيتي معصية الله عز وجل، وإن أمركم بمعصية الله فأطعتموه كانت لكم الحجة علي يوم القيامة، ولكن أكلكم إلى الله عز وجل. أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه 13: 160 ].
23 - ثم إن صحت تلكم النصوص وكانت الخلافة عهدا من الله سبحانه وجاء به جبريل وارتجت دونه السماوات، وهتفت به الملائكة، وصدع به النبي الكريم، وأبى الله ورسوله والمؤمنون إلا أبا بكر فما المبرر له مما صح عنه في صحيح البخاري
وفي تاريخ الطبري 3 ص 209: قال أبو بكر: هذا عمر وهذا أبو عبيدة فأيهما شئتم فبايعوا.
وفي ص 201، ومسند أحمد 1 ص 56: إني قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فأيهما شئتم: عمر أو أبا عبيدة.
وفي الإمامة والسياسة 1 ص 7: إنما أدعوكم إلى أبي عبيدة أو عمر وكلاهما قد رضيت لكم ولهذا الأمر وكلاهما له أهل. وفي ص 10 قال: إني ناصح لكم في أحد الرجلين: أبي عبيدة بن الجراح أو عمر، فبايعوا من شئتم منهما.
قال الأميني: بخ بخ. حسب النبي الأعظم مجدا وشرفا، والاسلام عزا و منعة، والمسلمين فخرا وكرامة استخلاف مثل أبي عبيدة الجراح ولم يكن إلا حفارا مكيا يحفر القبور بالمدينة، وكان فيها حفاران (1) ليس إلا وهما: أبو عبيدة وأبو طلحة.
فما أسعد حظ هذه الأمة أن يكون في حفاري قبورها من يشغل منصة النبي صلى الله عليه وآله بعده، ويسد ذلك الفراغ، ويكون هو مرجع العالم في أمر الدين والدنيا، وأي وازع أبا عبيدة من أن يكون خليفة لائتمانه؟ بعدما كاد معاوية بن أبي سفيان أن يكون نبيا و يبعث لائتمانه وعلمه كما مر في ص 308.
غير أني لست أدري ما كانت الحالة يوم ذاك في السماوات عند إيهاب أبي بكر الخلافة الإسلامية لأبي عبيدة؟! وهي كانت ترتج والملائكة تهتف والله يأبى إلا أبا بكر مهما سئلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام وقد أنزله منزلة نفسه نصا من الله العزيز.
نعم: كان حقا على السماوات أن يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا.
24 - وما الذي جوز لأبي بكر قوله لعمر بعد قوله له: - أبسط يدك يا أبا بكر فلأبايعك -: بل أنت يا عمر فأنت أقوى لها مني؟ وكان كل واحد منهما يريد صاحبه
____________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد ص 815 - 819، سيرة ابن هشام 4: 343، تاريخ الطبري 3: 204. الامتاع للمقريزي ص 548، تاريخ ابن كثير 5: 266، 268، السيرة الحلبية 3: 393.
25 - وكيف كان يرى أبو بكر الأمر للمهاجرين ويجعل للأنصار الوزارة ويقول: منا الأمراء ومنكم الوزراء؟ تاريخ الطبري 3: 199، 208، الرياض: 1622، 163.
26 - وما الذي سوغ لأبي بكر قوله: إني وليت هذا الأمر وأنا له كاره، والله لوددت أن بعضكم كفانيه؟ صفة الصفوة 1: 99.
كيف كان يكره أمرا جعله الله له، وجاء به جبريل، وأخبر به النبي الطاهر؟
ثم كيف كان يود أن يكفيه غيره؟ وقد حيل بين النبي وبين أمله مهما سأله الله لعلي، ولم يجعل الله لمشيئة نبيه في الأمر قيمة، وأبى إلا أبا بكر.
27 - وما المسوغ لأبي بكر في استقالته الخلافة من الناس وقوله مرة بعد أخرى:
أقيلوني أقيلوني لست بخيركم (2)؟ وقوله: لا حاجة لي في بيعتكم أقيلوني بيعتي (3) فكيف كان يرى للناس في إقالته اختيارا، ولرده ما شاء الله وعهده لنبيه مساغا؟.
28 - وما كان وجه احتجابه عن الناس ثلاثا يشرف عليهم كل يوم يقول: أقلتكم بيعتي فبايعوا من شئتم؟ (4) أو يخير الناس سبعة أيام؟ كيف كان يرى لنفسه خيارا في حل عقد بيعته عن رقاب الناس وإقالتهم وقد أبى الله والمؤمنون إلا إياه؟ ثم كيف يكل أمر الأمة إلى مشيئتها وقد ردت مشيئة النبي صلى الله عليه وآله في ذلك؟ ووقع في السماوات ما وقع يوم أعرب صلى الله عليه وآله عن أمنيته.
29 - وما كان عذره في قوله من خطبة له: أيها الناس؟ هذا علي بن أبي طالب لا بيعة لي في عنقه وهو بالخيار من أمره، ألا وأنتم بالخيار جميعا في بيعتكم، فإن رأيتم لها غيري فأنا أول من يبايعكم؟ السيرة الحلبية 3: 389.
لعل الحرية في الرأي حول البيعة حدثت بعد ما وقع دونها ما وقع في السماوات والأرض. م - بعد ما هرول عمر بين يدي أبي بكر ونبر حتى أزبد شدقاه. بعد ما قيل لحباب بن المنذر البدوي مخالف تلك البيعة: إذن يقتلك الله. بعد ما حطم أنف الحباب وضرب
____________
(1) تاريخ الطبري 3: 199، السيرة الحلبية 3: 386، الصواعق ص 7.
(2) الصواعق المحرقة ص 30.
(3) الإمامة والسياسة 1 ص 14.
(4) الإمامة والسياسة 1 ص 16، الرياض النضرة 1 ص 175.
ولعل تلك الشدة في إباءة الله وملائكته والمؤمنين خلافة أي أحد إلا أبا بكر كانت مكذوبة على الله وعلى رسوله والمؤمنين، أو كانت صحيحة غير أنها مقيدة بإرادة أبي بكر نفسه ومشيئته. لاها الله كانت مكذوبة ليس إلا.
30 - وما المجوز لعمر قوله لأبي عبيدة الجراح لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله: أبسط يدك فلأبايعك فأنت أمين هذه الأمة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبو عبيدة لعمر: ما رأيت لك فهة (2) مثلها منذ أسلمت، أتبايعني وفيكم الصديق وثاني اثنين؟
مسند أحمد 1 ص 35، طبقات ابن سعد 3 ص 128، نهاية ابن الأثير 3 ص 247، صفة الصفوة 1: 97، السيرة الحلبية 3: 386، الصواعق 7.
فما الذي دعاه إلى ذلك الخلاف الفاحش على تلكم النصوص؟ وما كان ذلك الاستبداد بالرأي تجاه النص المؤكد من الله العزيز؟ نعم: وكم له من نظير.
31 - وكيف كان عمر يرى الأمر شورى بين المسلمين ويقول: من بايع أميرا من غير مشورة المسلمين فلا بيعة له ولا بيعة للذي بايعه تغرة أن يقتلا؟
____________
(1) تأتي مصادر هذه الجمل كلها في الجزء السابع.
(2) الفهة: العى، الغفلة، والسقطة.
م 32 - وأخرج مسلم في صحيحه في كتاب الفرايض 2 ص 3، وأحمد في مسنده ج 1 ص 48 عن عمر أنه قام خطيبا فقال: إني رأيت رؤيا كأن ديكا نقرني نقرتين، ولا أرى ذلك إلا لحضور أجلي وإن ناسا يأمرونني أن أستخلف وإن الله عز وجل لم يكن ليضيع خلافته ودينه ولا الذي بعث به نبيه صلى الله عليه وسلم فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى في هؤلاء الرهط الستة. الحديث.
وأخرجه البيهقي في سننه 8 ص 150 فقال: أخرجه مسلم في الصحيح من حديث ابن أبي عروبة وغيره. وحكاه عن مسلم الحافظ ابن الديبع في تيسير الوصول 2: 49 ]
33 - وما الذي أباح لعمر أو لغيره من الصحابة قولهم في خلافة أبي بكر:
إنها كانت فلتة وقى الله شرها (1). أو: فلتة كفلتات الجاهلية (2) فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه؟ (3).
كيف تسمى تلك الخلافة فلتة بعد؟ لكم البشارات والانباءات المتواصلة طيلة حياة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، وبعد إعلامه أصحابه بها مرة بعد أخرى إلى أن لفظ نفسه الأخير؟ و كان صلى الله عليه وآله وسلم - بنص من تلكم الروايات - لم ير فيها حاجة إلى وصية بكتاب، ولم يترقب فيها خلاف أي أحد على أبي بكر، وكيف يرى فيها الشر والحالة هذه؟ والصحابة كلهم عدول، وأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر، وأبى الله أن يختلف عليه كما مر حديثه.
م 34 - وما الذي سوغ لعمر عرضه على عبد الرحمن بن عوف أن يستخلفه و يجعله ولي عهده، فقال عبد الرحمن: أتشير علي بذلك إذا استشرتك؟ فقال: لا والله.
فقال عبد الرحمن: إذا لا أرضى أن أكون خليفة بعدك. الفتوحات الإسلامية 2 ص 427 ].
35 - وما بال الأنصار بأسرها قد تخلفت عن البيعة (4) واجتمعت على خلاف ما في
____________
(1) صحيح البخاري في باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت في الجزء الأخير، ج 10 ص 44، مسند أحمد 1 ص 55، تاريخ الطبري 3: 200، أنساب البلاذري 5 ص 15، سيرة ابن هشام 4 ص 338، تيسير الوصول 2 ص 42، 44، كامل ابن الأثير 2: 135، نهاية ابن الأثير 3: 238 الرياض النضرة 1: 161، تاريخ ابن كثير 5: 246، السيرة الحلبية 3: 388، 392، الصواعق المحرقة 5 و 8 وقال: سند صحيح، تمام المتون للصفدي ص 137، تاج العروس 1 ص 568.
(2) تاريخ الطبري 3: 210.
(3) الصواعق المحرقة ص 21.
(4) مسند أحمد 1 ص 55.
36 - وقبل هذه كلها إباية علي أمير المؤمنين تلك البيعة الانتخابية وحجاجه المفحم على أهلها، قال ابن قتيبة: ثم إن عليا كرم الله وجهه أتي به إلى أبي بكر وهو يقول: أنا عبد الله، أخو رسول الله. فقيل له: بايع أبا بكر. فقال: أنا أحق بهذا الأمر منكم لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي صلى الله عليه وسلم وتأخذوه منا أهل البيت غصبا، ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لما كان محمد منكم! فأعطوكم المقادة وسلموا إليكم الإمارة، فإذا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار، نحن أولى برسول الله حيا وميتا فأنصفونا إن كنتم تؤمنون، وإلا فبووا بالظلم وأنتم تعلمون. فقال له عمر: إنك لست متروكا حتى تبايع، فقال له علي:
إحلب حلبا لك شطره، وشد له اليوم يمدده عليك غدا. ثم قال: والله يا عمر! لا أقبل قولك ولا أبايعه. فقال أبو بكر: فإن لم تبايع فلا أكرهك - فقال أبو عبيدة بن الجراح كرم الله وجهه: يا ابن عم! إنك حديث السن وهؤلاء مشيخة قومك، ليس لك مثل تجربتهم و معرفتهم بالأمور، ولا أرى أبا بكر إلا أقوى على هذا الأمر منك، وأشد احتمالا واستطلالا، فسلم لأبي بكر هذا الأمر، فإنك إن تعش ويطل بك بقاء فأنت لهذا الأمر خليق و حقيق في فضلك ودينك وعلمك وفهمك وسابقتك ونسبك وصهرك.
____________
(1) مسند أحمد 1 ص 405، طبقات ابن سعد 2 ص 128.
(2) الرياض النضرة 1 ص 167.
قال بشير بن سعد الأنصاري: لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا علي قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلفت عليك.
قال: وخرج علي كرم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم على دابة ليلا في مجالس الأنصار تسألهم النصرة. فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به، فيقول علي كرم الله وجهه: أفكنت أدع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته لم أدفنه وأخرج أنازع الناس سلطانه؟ فقالت فاطمة: ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم.
وقال: إن أبا بكر رضي الله عنه تفقد قوما تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار علي فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب و قال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها. فقيل له: يا أبا حفص! إن فيها فاطمة. قال: وإن. فخرجوا فبايعوا إلا عليا فإنه زعم أنه قال: حلفت أن لا أخرج ولا ثوبي أضع على عاتقي حتى أجمع القرآن، فوقفت فاطمة رضي الله عنها على بابها فقالت: لا عهد لي بقوم حضروا أسوء محضرا منكم، تركتم رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ولم تردوا لنا حقا. فأتى عمر أبا بكر فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة؟ فقال أبو بكر لقنفذ وهو مولى له: إذهب فادع لي عليا. فذهب إلى علي فقال: ما حاجتك؟ فقال: يدعوك خليفة رسول الله. فقال علي: لسريع ما كذبتم على رسول الله. فرجع فأبلغ الرسالة قال: فبكى أبو بكر طويلا فقال عمر الثانية: أن لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة فقال أبو بكر رضي الله عنه
37 - وما الذي سوغ لأبي بكر وعمر وأبي عبيدة أن يجعلوا للعباس عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإيعاز من مغيرة بن شعبة نصيبا في الأمر يكون له ولعقبه من بعده؟ قال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة " ج 1: 15: فأتى المغيرة بن شعبة فقال: أترى يا أبا بكر أن تلقوا العباس فتجعلوا له في هذا الأمر نصيبا يكون له ولعقبه وتكون لكما الحجة على علي وبني هاشم إذا كان العباس معكم؟ قال: فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة حتى دخلوا على العباس رضي الله عنه، فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه ثم قال: إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم نبيا وللمؤمنين وليا فمن الله تعالى بمقامه بين أظهرنا حتى اختار له الله ما عنده فخلي على الناس أمرهم ليختاروا لأنفسهم في مصلحتهم متفقين لا مختلفين فاختاروني عليهم واليا ولأمورهم راعيا، وما أخاف بحمد الله وهنا ولا حيرة ولا جبنا، وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم، عليه توكلت وإليه أنيب، وما زال يبلغني عن طاعن يطعن بخلاف
____________
(1) أسلفنا في الجزء الثالث ص 112 - 125 خمسين حديثا في المواخاة بين رسول الله و أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما ومنها ما هو المتواتر الصحيح الثابت، أخرجه الحفاظ عن جمع من الصحابة ومنهم عمر بن الخطاب، وحديث المواخاة من المتسالم عليه عند الأمة الإسلامية، وعمر أحد رواته كما جاء بطريق صحيح، غير أن السياسة الوقتية سوغت لعمر إنكارها يوم ذاك.
ثم قال عمر: أي والله وأخرى: إنا لم نأتكم حاجة منا إليكم، ولكنا كرهنا أن يكون الطعن منكم فيما اجتمع عليه العامة، فتفاقم الخطب بكم وبهم، فانظروا.
فتكلم العباس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله بعث محمدا كما زعمت نبيا و للمؤمنين وليا فمن الله بمقامه بين أظهرنا حتى اختار له ما عنده فخلى الناس أمرهم ليختاروا لأنفسهم مصيبين للحق لا مائلين عنه بزيغ الهوى، فإن كنت برسول الله طلبت؟ فحقنا أخذت، وإن كنت بالمؤمنين طلبت؟ فنحن منهم متقدمون فيهم، وإن كان هذا الأمر إنما يجب لك بالمؤمنين؟ فما وجب إذ كنا كارهين، فأما ما بذلت لنا فإن يكن حقا لك؟ فلا حاجة لنا فيه، وإن يكن حقا للمؤمنين؟ فليس لك أن تحكم عليهم، وإن كان حقنا؟ لم نرض عنك فيه ببعض دون بعض.
وأما قولك: إن رسول الله منا ومنكم فإنه قد كان من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها.
38 - وما عذر من استشكل على أبي بكر في استخلافه عمرا على الصحابة؟ قالت عايشة رضي الله عنها لما ثقل أبي دخل عليه فلان وفلان فقالوا: يا خليفة رسول الله! ماذا تقول لربك غدا إذا قدمت عليه وقد استخلفت علينا ابن الخطاب؟ قالت: فأجلسناه فقال: أبالله ترهبوني؟ أقول: استخلفت عليهم خيرهم. سنن البيهقي 8 ص 149 ].
39 - وما الذي أقعد عليا أمير المؤمنين عن بيعة عثمان يوم الشورى بعد ما بايعه عبد الرحمن بن عوف وزملائه وكان علي قائما فقعد، فقال له عبد الرحمن: بايع و إلا ضربت عنقك، ولم يكن مع أحد يومئذ سيف غيره، فيقال: إن عليا خرج مغضبا فلحقه أصحاب الشورى وقالوا: بايع وإلا جاهدناك. فأقبل معهم حتى بايع عثمان.
الأنساب للبلاذري 5: 22.
وفي الإمامة والسياسة 1 ص 25 قال عبد الرحمن: لا تجعل يا علي سبيلا إلى نفسك فإنه السيف لا غيره. وفي صحيح البخاري 1: 208: لا يجعلن على نفسك سبيلا.
قال الأميني: كان قتل المتخلف عن البيعة في ذلك الموقف وصية من عمر بن الخطاب كما أخرجه الطبري في تاريخه 5 ص 35 قال وقال - عمر - لصهيب: صل بالناس ثلاثة أيام وأدخل عليا وعثمان والزبير وسعدا وعبد الرحمن بن عوف وطلحة - إن قدم - (1) وأحضر عبد الله بن عمر ولا شئ له من الأمر وقم على رؤسهم فإن اجتمع خمسة ورضوا رجلا وأبى واحد فاشدخ رأسه. أو: اضرب رأسه بالسيف. وإن اتفق أربعة فرضوا رجلا منهم وأبى اثنان فاضرب رؤسهما، فإن رضي ثلاثة رجلا منهم وثلاثة رجلا منهم فحكموا عبد الله بن عمر فأي الفريقين حكم له فليختاروا رجلا منهم، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف واقتلوا الباقين إن رغبوا عما اجتمع عليه الناس. وذكره البلاذري في " الأنساب " 5 ص 16، 18، وابن قتيبة في " الإمامة والسياسة " 1 ص 23. وابن عبد ربه في " العقد الفريد " 2: 257.
أفمن هذا الحديث تعجبون، وتضحكون ولا تبكون.
[ النجم 59 ]
____________
(1) كان غائبا في ماله بالسراة.
ما هذه الدمدمة والهمهمة؟
ليست هذه الروايات إلا جلبة وصخبا تجاه الحقيقة الراهنة، ووجاه الخلافة الحقة الثابتة بالنصوص الصريحة الصحيحة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قد صدع بها النبي الأمين وحيا من الله العزيز من يوم بدء الدعوة إلى آخر نفس لفظه.
إن هي إلا اللغط والشغب دون أمر ليس لخلق الله فيه أي خيرة، وقد نص النبي الأعظم في بدء دعوته على أن الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء وذلك يوم عرض نفسه صلى الله عليه وآله على بني عامر بن صعصعة ودعاهم إلى الله فقال له قائلهم: أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال: إن الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء (1)
إن هي إلا سلسة بلاء وحلقة شقاء تجر الأمة إلى الضلال، وتسف بها إلى حضيض التعاسة، وتديمها في الجهل المبير، ومهاوي الدمار.
إن هي إلا ولائد النزعات الباطلة، والأهواء المضلة، لا مقيل لها في مستوى الحق والصدق، ولا قيمة لها في سوق الاعتبار.
إن هي إلا نسيجة يد الإفك والزور، حبكها التزحزح عن قانون العدل، والتنحي عن شرعة الحق، والبعد عن حكم الأمانة.
إن هي إلا صبغة الهث والدجل شوهت بها صفحات التاريخ، لا يرتضيها أي ديني من رجالات المذاهب، ولا يعول عليها المثقف النابه، ولا يتخذها السالك إلى الله سبيلا، ولا يجد الباحث عن الحق فيها أمنيته.
إن هي إلا نبرات فيها نترات لفقتها المطامع في لماظة العيش، ونجفة الحياة، وزخارف الدنيا القاضية على سعادة البشر.
إن هي إلا قبسات الفتن المضلة، وجذوات مقابس العاطفة والهوى، تفتن الجاهل المسكين، وتحيده عن رشده، وتجعله في بهيتة من أمر دينه، فتحترق بها أصول سعادته في الحياة الدنيا.
____________
(1) سيرة ابن هشام 2: 33، الروض الأنف 1: 264، السيرة الحلبية 2: 3، السيرة النبوية لزيني دحلان 1: 302،
هل يجد الباحث سبيلا لنجاته عن هذه الورطات المدلهمة؟ وهل يرجى له الفوز من تلكم السلاسل وقد صفدته من حيث لا يشعر؟ أي مصدر وثيق يحق أن يثق به الرجل؟ وعلى أي كتاب أو على أي سنة حري بأن يحيل أمره؟ أليست الكتب مشحونة بتلكم الأكاذيب المفتعلة المنصوصة على وضعها؟ أليست تلكم المئات من ألوف الأحاديث المكذوبة مبثوثة في طيات التآليف والصحف؟ ما حيلة الرجل وهو يرى المؤلفين بين من يذكرها مرسلا إياها إرسال المسلم، وبين من يخرجها بالإسناد ويردفها بما يموه على الحق مما يعرب عن قوتها؟ أو يرويها غير مشفع بما فيها من الغميزة متنا أو إسنادا؟ كل ذلك في مقام سرد الفضائل، أو إثبات الدعاوي الفارغة في المذاهب. ثم ما حيلته؟ وهو يشاهد وراء أولئك الأوضاح من المؤلفين أفاك القرن الرابع عشر - القصيمي - رافعا عقيرته بقوله: ليس في رجال الحديث من أهل السنة من هو متهم بالوضع والكذابة. راجع ص 208.
فما ذنب الجاهل المسكين والحالة هذه في عدم عرفان الحق؟ وما الذي يعرفه صحيح السنة من سقيمها؟ وأي يد تنجيه من عادية التقول والتزوير؟ وهل من مصلح يحمل بين جنبيه عاطفة دينية صادقة ينقذه عن ورطات القالة وغمرات الدجل؟.
نعم: كتبنا له في الألواح من كل شئ موعظة، وفصلنا لكل شئ، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة، ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون، وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم، بغيا بينهم، إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون، ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون، فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها و اتبع هواه فتردى، والسلام على من اتبع الهدى.
م حكم الوضاعين
قال الحافظ جلال الدين السيوطي في " تحذير الخواص " ص 21: فائدة لا أعلم
حكم الحفاظ
لتلكم الموضوعات المبهرجة
يتبين حكم مخرجي تلكم الروايات المكذوبة على نبي العظمة في الكتب و المعاجم من أئمة الحديث وحفاظه، ومن رجال السير والتاريخ خلفا وسلفا مما أخرجه الخطيب وصححه ابن الجوزي من قول رسول الله صلى الله عليه وآله: من روى مني حديثا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين. (3) والله يقول: ولو تقول علينا بعض الأقاويل، لأخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين، فما منكم من أحد عنه حاجزين، وإنه لتذكرة للمتقين، وإنا لنعلم أن منكم مكذبين (4)
أفترى أولئك الحفاظ والمؤرخين عالمين بحقيقة تلكم الأكاذيب المفتعلة؟ قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل، ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا، أولئك يعرضون على ربهم ويقول الاشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم، ألا لعنة الله على الظالمين (5) أم تراهم جاهلين بها؟ وما لهم بذلك من علم فكذبوا صما و عميانا، ويحسبون أنهم على شئ، ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون، فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم، إن الله لا يهدي القوم الظالمين، فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون.
____________
(1) إمام الشافعية عبد الله بن يوسف المتوفى 438 كان إماما في الفقه والأصول والأدب والعربية. وجوين قرية من نواحي نيسابور.
(2) أبو المعالي عبد الملك بن الشيخ أبي محمد المتوفى 478.
(3) تاريخ بغداد 4 ص 161، المنتظم 8 ص 268.
(4) سورة الحاقة: 44، 45، 46، 47، 48، 49.
(5) سورة هود: 18.