قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تكتب الجواز إلا لمن أحب أبا بكر.
58 - عن علي مرفوعا: نازلت ربي فيك ثلاثا فأبى إلا أبا بكر
59 - عن علي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهد إلينا عهدا نأخذ به في الإمارة، و لكنه شئ رأيناه من قبل أنفسنا، فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمن قبل أنفسنا. ثم استخلف أبو بكر فأقام واستقام، ثم استخلف عمر فأقام واستقام، حتى ضرب الدين بجرانه.
60 - قال أبو بكر لعلي بن أبي طالب: قد علمت أني كنت في هذا الأمر قبلك؟
قال: صدقت يا خليفة رسول الله! فمد يده فبايعه.
61 - قام أبو بكر بعد ما بويع له وبايع له علي وأصحابه فأقام ثلاثا يقول: أيها الناس قد أقتلكم بيعتكم، هل من كاره؟ قال: فيقوم علي في أوائل الناس يقول: لا والله لا نقيلك ولا نستقيلك قدمك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن ذا الذي يؤخرك؟.
وفي لفظ: ولولا إنا رأيناك أهلا ما بايعناك.
وفي لفظ سويد بن غفلة: لما بايع الناس أبا بكر قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس أذكر بالله أيما رجل ندم على بيعتي لما قام على رجليه، قال: فقام إليه علي بن أبي طالب ومعه السيف فدنا منه حتى وضع رجلا على عتبة المنبر والأخرى على الحصى وقال: والله لا نقيلك. الحديث
62 - عن علي مرفوعا: خير أمتي بعدي أبو بكر وعمر.
63 - عن علي إنه دخل على أبي بكر وهو مسجى فقال: ما أحد لقي الله بصحيفة أحب إلي من هذا المسجى.
64 - عن علي: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرفنا أن أفضلنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، وما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرفنا إن أفضلنا بعد أبي بكر عمر رضي الله تعالى عنهما.
65 - عن علي: مرفوعا: يا علي! هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين و الآخرين إلا النبيين والمرسلين، لا تخبرهما يا علي. قال: فما أخبرتهما حتى ماتا.
هذه غياهب الإفك والإحن، وأغشية التمويه والدجل، ظلمات بعضها فوق بعض ، أو قل: هي أساطير الأولين التي اكتتبوها، أحاديث الغلو وقصص الخرافة لفقتها يد الأمانة الخائنة على السنة النبوية تقولا على مولانا أمير المؤمنين، لقد فصلنا القول فيها في طيات أجزاء (1) كتابنا هذا، وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا.
- 67 -
ليلة الغار والخليفة فيها
أخرجها أبو نعيم الاصبهاني في حلية الأولياء 1: 22 عن عبد الله بن محمد بن جعفر عن محمد بن العباس بن أيوب عن أحمد بن محمد بن حبيب المؤدب عن أبي معاوية عن هلال بن عبد الرحمن عن عطاء بن أبي ميمونة أبي معاذ عن أنس بن مالك قال: لما كان ليلة الغار قال: أبو بكر يا رسول الله! دعني فلأدخل قبلك فإن كانت حية أو شئ كانت لي قبلك. قال: ادخل، فدخل أبو بكر فجعل يلتمس بيديه، فكلما رأى جحرا جاء بثوبه فشقه ثم ألقمه الجحر حتى فعل ذلك بثوبه أجمع، قال: فبقي جحر فوضع عقبه عليه، ثم أدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فلما أصبح قال له النبي صلى الله عليه وسلم: فأين ثوبك يا أبا بكر؟ فأخبره بالذي صنع، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يده فقال: أللهم اجعل أبا بكر معي في درجتي يوم القيامة. فأوحى الله تعالى إليه: إن الله قد استجاب لك.
وقال ابن هشام في السيرة 2: 98: حدثني بعض أهل العلم إن الحسن البصري قال: انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى الغار ليلا فدخل أبو بكر رضي الله عنه قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمس الغار لينظر أفيه سبع أو حية يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه.
وذكره ابن كثير في تاريخه 3: 179 فقال: فيه انقطاع من طرفيه.
وفي مرسل المحب الطبري في الرياض 1: 65: دخل أبو بكر الغار فلم ير فيه جحر إلا أدخل إصبعه فيه حتى أتى على جحر كبير فأدخل رجله فيه إلى فخذه ثم قال:
ادخل يا رسول الله! فقد مهدت لك الموضع تمهيدا.
وبات أبو بكر بليلة منكرة من الأفعى فلما أصبح قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما
____________
(1) تجد بسط المقال حول جلها في الجزء الخامس ص 297 375 ط 2.
وقال في مرسل آخر عن عمر في ص 68: كان في الغار خروق فيها حيات و أفاعي فخشي أبو بكر أن يخرج منها شئ يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقمه قدمه فجعلن يضربنه ويلسعنه الحيات والأفاعي، وجعلت دموعه تتحادر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: يا أبا بكر! لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته وهي الطمأنينة لأبي بكر.
والذي صححه الحاكم في المستدرك من طريق عمر من الحديث قوله: فلما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر: مكانك يا رسول الله! حتى استبرئ الحجرة فدخل واستبرأ ثم قال: أنزل يا رسول الله! فنزل فقال عمر: والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر.
فقال الحاكم: صحيح لولا إرسال فيه.
وفي حديث زيفه ابن كثير بالإرسال أيضا: قال أبو بكر: كما أنت حتى أدخل يدي فأحسه وأقصه فإن كانت فيه دابة أصابتني قبلك. قال نافع: فبلغني إنه كان في الغار جحر فألقم أبو بكر رجله ذلك الجحر تخوفا أن يخرج منه دابة أو شئ يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي لفظ: لما دخل الغار سدد تلك الأجحر كلها وبقي منها جحر واحد، فألقمه كعبه فجعلت الأفاعي تنهشه ودموعه تسيل " تاريخ ابن كثير 3: 180 " فقال: في هذا السياق غرابة ونكارة.
وزاد عليه الحلبي في السيرة: قد كان صلى الله عليه وسلم وضع رأسه في حجر أبي بكر رضي الله تعالى عنه ونام فسقطت دموع أبي بكر رضي الله تعالى عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
مالك يا أبا بكر؟ قال لدغت فداك أبي وأمي، فتفل رسول الله على محل اللدغة فذهب ما يجده.
وقال: زاد في رواية: وإنه رأى على أبي بكر أثر الورم فسأل عنه فقال: من لدغة الحية فقال: هلا أخبرتني؟ قال: كرهت أن أوقظك فمسحه النبي صلى الله عليه وسلم فذهب ما به من الورم والألم.
السيرة الحلبية 2: 39، 40، السيرة النبوية لزيني دحلان هامش الحلبية 1: 342.
قال الأميني: للباحث حق النظر في هذه الرواية من عدة نواحي، أولا من حيث رجال السند ولا إسناد لها منذ يوم وضعت، ولا تروى في كتب السلف والخلف إلا مرسلة إما من الطرفين كرواية ابن هشام، وإما من طرف واحد كإسناد الحاكم وأبي نعيم، ومن الغريب جدا أن القضية مشتركة بين اثنين ليس إلا، وهما: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وروايتها بطبع الحال تنحصر بهما غير أنها لم تنقل عنهما ولم يوجد لهما ذكر في أي سند، والدواعي في مثلها متوفرة لأن يذكر مع الأبد، وتتداولها الألسن، إذ فيها من أعلام النبوة، وكرامة مع ذلك لأبي بكر.
وإسناد أبي نعيم المذكور لا يعول عليه لمكان عبد الله بن محمد بن جعفر، قال ابن يونس: خلط في الآخر، ووضع أحاديث على متون معروفة، وزاد في نسخ مشهورة فافتضح وحرقت الكتب في وجهه.
وقال الحاكم عن الدار قطني: كذاب ألف كتاب سنن الشافعي وفيها نحو مائتي حديث لم يحدث بها الشافعي.
وقال الدارقطني: وضع في نسخة عمرو بن الحارث أكثر من مائة حديث.
وقال علي بن رزيق: كان إذا حدث يقول: لأبي جعفر ابن البرقي في حديث بعد حديث: كتبت هذا عن أحد. فكان يقول نعم عن فلان وفلان. فاتهمه الناس بأنه يفتعل الأحاديث، ويدعيها ابن البرقي كعادته في الكذب. قال: وكان يصحف أسماء الشيوخ (1).
على أن عبد الله بن محمد توفي سنة 315 كما في لسان الميزان فلا تتم رواية أبي نعيم عنه وهو من مواليد 336.
____________
(1) لسان الميزان 3: 345.
اختلط قبل موته بسنة كما في لسان الميزان 5: 216 ولما لم يعلم تاريخ صدور الرواية منه أهو قبل الاختلاط أم بعده؟ - إن لم تعد الرواية من بينات الاختلاط - سقطت عن الاعتبار كما هو الشأن في رواية كل من اختلط. عن:
أحمد بن محمد بن حبيب المؤدب، أحسبه السرخسي، أخرج الخطيب في تاريخه 5: 140 حديثا من طريقه فقال: رجاله كلهم ثقات معروفون بالثقة إلا المؤدب. عن:
أبي معاوية محمد بن خازم، مرجئ مدلس رئيس المرجئة بالكوفة كما في تهذيب التهذيب 9: 139. عن:
هلال بن عبد الرحمن قال العقيلي: منكر الحديث، وقال بعد ما ذكر له أحاديث:
كل هذه مناكير لا أصول لها ولا يتابع عليها. وقال الذهبي: الضعف على أحاديثه لائح فليترك. " لسان الميزان 6: 202 " عن:
عطاء بن أبي ميمون. ثقة صالح قدري لا يحتج بحديثه، راجع تهذيب التهذيب 7: 215.
ولما لم يصح شئ من أسانيد الرواية ومتونها لم يوعز إليها السيوطي في الخصايص الكبرى في باب ما وقع في الهجرة النبوية من الآيات والمعجزات، وقد ذكر فيه أحاديث ضعيفة مع النص على ضعفها، فكأنه عرف بأن ذكر هذه الرواية تمس كرامة المؤلف وتحط مكانة تأليفه عن الأنظار، وهكذا لم يذكرها أحد ممن ألف في أعلام النبوة ومعاجز النبي الأعظم.
ثانيا: إن الأصول القديمة في القرون الأولى لا يوجد فيها إلا أن أبا بكر دخل الغار قبل النبي صلى الله عليه وآله لينظر أفيه سبع أو حية كما في سيرة ابن هشام، ولم يصح عند الحاكم من القصة إلا هذا المقدار كما سمعت ولو صح شئ زايد على هذا لما فاتته روايته ولو مرسلة.
وزيدت في القرن الرابع قصة الثوب وبقاء جحر واتكاء أبي بكر عليه بعقبه ودعاء النبي صلى الله عليه وآله له لاتقائه عنه صلى الله عليه وآله بثوبه عن لدغ الحشرات المزعومة.
ثم جاء الحلبي فنوم رسول الله صلى الله عليه وآله ورأسه في حجر أبي بكر، وسقى وجه رسوله الكريم بدموع أبي بكر المتساقطة من الألم، كل هذه لم يبرد كبد الحلبي وما شافي غليله، فوجه قوارصه على الرافضة وألبس رؤوسهم لبادا مقصصا على صورة تلك الحية الموهومة التي لم يزعن رافضي قط بوجوده.
ثم لما أدخل أبو بكر رجله في الجحر ونزل النبي صلى الله عليه وآله ووجده قاعدا لا يتحرك، ورام أن ينام، ووضع رأسه الشريف في حجره، هلا سأل صلى الله عليه وآله صاحبه عن حالته العجيبة وجلوسه المستغرب الذي لا يقوم عنه؟ وهل يمكن له أن يستر على صاحبه كلما فعل وهو معه ينظر إليه من كثب؟.
وأي لديغ هذا؟ وأي تصبر وتجلد؟ وأي منظر مهول؟ رجل الرجل في الجحر إلى فخذه ولا ثوب عليه، ورأس النبي العظيم في حجره، والأفاعي والحيات تلدغه و تلسعه من هنا وهنا، لا اللديغ يتململ السليم، حتى يحرك رجله أو عقبه فتجد تلكم الحشرات مسرحا فتبعد عنه، ولا يأن ولا يحن ولا تسمع له زفرة وإن الدموع تتحادر حتى يستيقظ النبي الذي تنام عينه ولا ينام قلبه (1) فينجي صاحبه الذي اختاره لصحبته من لسعة الحيات والأفاعي.
وهل من العدل والعقل والمنطق أن يحفظ الله نبيه عن كل هاتيك النوازل؟ و يري له في الدرأ عنه آية بعد آية في سويعات؟ من ستره عن أعين مشركي قريش لما مر بهم من بين أيديهم، وإنباته شجرة في وجهه تستره بها، وإيقاعه حمامتين وحشيتين بفم الغار، ونسج العناكيب باب الغار بأمر منه تعالى شأنه (1)، ويدع صاحبه الذي اتخذه بأمره، وتفانى في حب النبي صلى الله عليه وآله، وعرض نفسه للمهالك دونه بدخوله الغار قبله، فلم يدفع عنه لدغ الحيات والأفاعي، ولا يرحمه في تلك الحالة التي تكسر
____________
(1) أخرج الشيخان في الصحيحين مرفوعا: إن عيني تنامان ولا ينام قلبي، وأخرجا أيضا مرفوعا: إن الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم.
(2) طبقات ابن سعد 1: 213، الخصايص الكبرى 1: 185: 186.
م - وهلا كان يعلم أبو بكر أن الله الذي أمر نبيه بالهجرة وأدخله الغار يكلاءه عن لدغ الحيات والأفاعي بقدرته كما أعمى عنه عيون البشر الضاري، وقصر عن النيل منه مخالب تلك الفئة الجاهلة؟.
وهلا كان يؤمن بأن صاحبه المفدى لو اطلع على حاله لينجيه بمسحة مسيحية أو بدعوة مستجابة؟ فكل ما حكي عنه لماذا؟ ]
نعم: أعمى الحب مختلق الرواية وأصمه فجاء بالتافهات غلوا في الفضائل.
- 68 -
الشيطان لا يتمثل بأبي بكر
أخرج الخطيب البغدادي في تاريخه 8: 334 عن محمد بن الحسين قطيط أبي الفتح شيباني الذي ترجمه في تاريخه ولم يذكره بثقة. عن
2 - خلف بن عامر الضرير، قال الذهبي في ميزانه 1: فيه جهالة، قال ابن الجوزي:
روى حديثا منكرا " يعني هذا الحديث " (1). عن
3 - محمد بن إسحاق بن مهران أبي بكر الشافعي قال الخطيب في تاريخه 1: 258:
حديثه كثير المناكير. وحسبك في عرفان حاله حديثه الذي أخرجه الخطيب في ترجمته مرفوعا: إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقبلوه فإنه أمين مأمون. فراو يكون هذا حديثه لا يرتاب من كذبه ووضعه. عن
4 - أحمد بن عبيد بن ناصح النحوي ذكره ياقوت في المعجم 3: 228 وقال: قالوا:
كان ضعيفا فيما يرويه. قال ابن عدي الحافظ: يحدث عن الأصمعي والقرقساني بمناكير وقال أبو أحمد الحافظ: لا يتابع على جل حديثه.
وحكى ابن حجر في تهذيب التهذيب 1: 60 كلمة ابن عدي وأبي أحمد وزاد عليها: قال الحاكم أبو عبد الله: سكت مشايخنا عن الرواية عنه، وقال ابن حبان: ربما خالف، قال الذهبي: ليس بعمدة.
____________
(1) لسان الميزان 2: 403.
قال الأميني: لم يدع القوم خاصة للأنبياء أماثل البشر إلا وقد أشركوا بهم فيها أناسا ليسوا أمثالهم في العصمة والقداسة والنفسيات الكريمة والملكات الفاضلة، أخرج الشيخان حديث من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي. ورواه الحفاظ من طرق صحيحة لا مغمز لها، ونص السيوطي كما في شرح المناوي على تواتره، ورآه أئمة الفن من خاصة رسول الله صلى الله عليه وآله ومن فضائله التي تخص به، وفصلوا القول في بيان أسراره، وعده السيوطي من خصائصه صلى الله عليه وآله في الخصايص الكبرى 2: 258 تحت عنوان " باب ومن خصائصه إن رويته في المنام حق " ولم أجد أحدا من شراح الحديث سلفا وخلفا يوعز إلى هذه الموضوعة التي جاء بها الخطيب في القرن الخامس، فكأن الكل ضربوا عنها صفحا وعرفوا إنها مكذبة مختلقة، غيران الخطيب راقه أن يرويها ويسكت عما في إسنادها من العلل شأنه في فضائل غير العترة الطاهرة، وأعجب منه إن ابن حجر ذكرها في لسان الميزان 2: 403 في ترجمة خلف بن عامر فقال: روى عن محمد بن إسحاق بن مهران بسند صحيح. وهو الذي ترجم ثلاثة من رجال السند بما سمعت، هكذا تخط يد الغلو في الفضائل الجانبية على ودايع العلم والدين، فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون (1).
- 69 -
أبو بكر لم يسؤ النبي قط
أخرج الخلعي وابن مندة وغيرهما من طريق سهل بن مالك قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع صعد المنبر فقال: أيها الناس إن أبا بكر لم يسؤني قط فاعرفوا له ذلك (2).
____________
(1) سورة البقرة: 79.
(2) الرياض النضرة 1: 127، الإصابة 2: 90.
وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب 3: 109 في ترجمة خالد بن عمرو: قال أحمد منكر الحديث، ليس بثقة يروي أحاديث بواطيل، وعن يحيى بن معين قال: ليس حديثه بشئ، كان كذابا يكذب، حدث عن شعبة أحاديث موضوعة، وقال البخاري والساجي وأبو زرعة: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: متروك الحديث ضعيف. و قال أبو داود: ليس بشئ وقال النسائي: ليس بثقة. وقال صالح بن محمد البغدادي: كان يضع الحديث. وقال ابن حبان: كان يتفرد عن الثقات بالموضوعات لا يحل الاحتجاج بخبره. وقال ابن عدي: روى عن الليث وغيره أحاديث مناكير وأورد له أحاديث من روايته عن الليث عن يزيد ثم قال: وهذه الأحاديث كلها باطلة، وعندي إنه وضعها على الليث ونسخة الليث عن يزيد عندنا ليس فيها من هذا شئ وله غير ما ذكرت و عامتها أو كلها موضوعة، وهو بين الأمر من الضعفاء، وعن أحمد بن حنبل أنه قال: أحاديثه موضوعة. الخ.
قال الأميني: إقرأ ثم انظر إلى أمانة الحافظ المحب الطبري يروي هذه الأكذوبة محذوف الاسناد مرسلا إياها إرسال المسلم ويعد ها من فضائل أبي بكر، وتبعه في جنايته هذه غير واحد من المؤلفين، وهم يحسبون إنهم يحسنون صنعا، ويحسبون إنهم على شئ ألا إنهم هم الكاذبون.
- 70 -
الآيات النازلة في أبي بكر
قال العبيدي المالكي في عمدة التحقيق ص 134: عن الشيخ زين العابدين البكري إنه لما قرأت عليه قصيدة جده محمد البكري ومنها:
____________
(1) يعني حديث سهل.
(2) الإصابة 2: 90.
قال المراد: بأول الكتاب: ألم ذلك الكتاب. فالألف أبو بكر، واللام لله، والميم محمد.
وذكر البغوي: إن المراد من قوله تعالى: واتبع سبيل من أناب إلي (1) هو أبو بكر
ذكر أهل التفسير في قوله تعالى: ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة: إنه الصديق. قال الشيخ محمد زين العابدين: كان للصديق ثلثمائة كرسي وستون كرسيا على كل كرسي حلة بألف دينار.
قال الأميني: هاهنا ننهي البحث عن فضائل أبي بكر، ولا يسعنا الولوج في الكلام حول الآيات التي تقول القوم نزولها فيه، وقد حرفوا آيا كثيرة، وقالوا في كتاب الله ما سولت لهم الميول والشهوات، وراقهم الغلو في الفضائل لدة ما سمعت من المخازي، كما لا نفيض القول في الغلو الفاحش فيه بالقريض مثل قول الشاعر العلامة الملا حسن أفندي البزاز الموصلي في ديوانه ص 42:
وقوله في مدحه أيضا:
نعم لنا حق النظر في ثروة أبي بكر التي منحوه بها، فكانت من جرائها له المنن على رسول الله وعلى الدين والمسلمين، تلك الثروة الطائلة التي هيئت له ألف ألف أوقية - كما جاء فيما أخرجه النسائي (2) عن عائشة قالت: فخرت بمال أبي في الجاهلية وكان ألف ألف
____________
(1) سورة لقمان: 15.
(2) ميزان الاعتدال 2: 341، تهذيب التهذيب 8: 325.
أنا لا أدري أي باحة كانت تقل ذلك كله؟ ولم يفز بمثلها يومئذ أحد من ملوك الدنيا، وهل كانت الكراسي المذكورة منضدة في غرفة واحدة؟ فما أكبرها من غرفة؟
تضاهي ميادين القتال، ومفازات البراري، وما أكبر الدار التي هي إحدى غرفها؟ و أي يوم كان يوم قبول أبي بكر؟ تزدلف إليه فيه الرجال فتجلس على تلكم الكراسي ، ولم لا نسمع من السير والتواريخ عن ذلك اليوم ركزا؟ أكان في أفواه الجالسين عليها أوكية عن نقل شئ من حديثه؟ وطبع الحال يقضي أن يكون في ذلك المحتشد العظيم المتكرر في كل أسبوع، وعلى الأقل في كل شهر. وأقل منه في كل سنة، ولا أقل من انعقاده في العمر مرة، من الأنباء ما لا يلهو التاريخ عن ذكره، ولا يستسهل المؤرخ تركه، لكنك بالرغم من ذلك كله لا تجد عنه إلا همسا يتخافت به العبيدي بعد لأي من عمر الدهر.
ومن أي حرفة أو مهنة أو صنعة أو ضياع حصل على الرجل مليون أوقية من النقود؟
وكان يومئذ يوم فاقة لقريش، وكانوا كما وصفتهم الصديقة الطاهرة في خطبتها مخاطبة أبا بكر والقوم معه: كنتم تشربون الطرق (2) وتقتالون الورق، أذلة خاشعين تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم فأنقذكم الله برسوله (3).
ولعل في ذلك اليوم كان ما رواه الماوردي في أعلام النبوة ص 146 من طريق مالك بن أنس إنه بلغه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فوجد أبا بكر وعمر رضي الله
____________
(1) الأوقية: أربعون درهما.
(2) الطرق بفتح المهملة: الماء المجتمع الذي خيض فيه وبيل وبعر فكدر. لسان العرب.
(3) بلاغات النساء ص 13، أعلام النساء 3: 1208.
الحديث.
ثم متى أدركت عائشة العهد الجاهلي؟ وقد ولدت بعد المبعث بأربع أو خمس سنين (1) وهل كانت تفخر في دور الاسلام بثروة بائدة في الجاهلية وصاحبها جائع في الحال الحاضر؟.
ولست أدري ما الذي قضى على تلكم الآلاف المؤلفة؟ وما الذي أفناها وأبادها وأفقر صاحبها؟ حتى أصبح ولا يملك شيئا، أو كان لا يملك يوم هجرته إلا أربعة أو خمسة أو ستة آلاف من الدراهم - إن كان ملكها - ولو كان أنفق أي أحد عشر معشار ذلك المال لدوخ العالم صيته، وكان يومئذ يعد في الرعيل الأول من أجواد الدنيا ولم يوجد في صحيفة التاريخ ذكر من تلكم الآلاف والكراسي والحلل، هب أن الذهبي قال في حديث عائشة: ألف الثانية باطلة قطعا فإن ذلك لا يهيأ لسلطان العصر. وأقر ابن حجر تعقيبه في تهذيب التهذيب (2) فأين قصة ألف أوقية الصحيحة في صحائف التاريخ؟.
وإن صحت الأحلام، وصدقت هذه القصص الوهمية، وكان لأبي بكر ذلك المال الطائل الخيالي لما افتقر أبو قحافة والده لأن يكون أجير عبد الله بن جذعان للنداء على طعامه، ولم يكن يقتني بتلك الخسة لماظة من العيش كما قاله الكلبي في المثالب وأشار إليه أمية بن الصلت في قصيدة يمدح بها ابن جذعان بقوله:
قال الكلبي: المشمعل هو: سفيان بن عبد الأسد. وآخر: أبو قحافة، وفي تعليق مسامرة الأوائل ص 88: يقال: إن الداعي هو أبو قحافة والد الصديق.
____________
(1) الإصابة 4: 359، ويستفاد ذلك من صحيح البخاري في باب زواج عائشة، وتاريخ ابن عساكر 1: 304، والاستيعاب.
(2) ميزان الاعتدال للذهبي 2: 341، تهذيب التهذيب 8: 325.
(3) مثالب الكلبي، الأغاني لأبي الفرج الاصبهاني 8: 4، مسامرة الأوائل ص 88.
وإن كان لأبي بكر عندئذ ما حسبوه من الثروة أو شطر منها لما احتاج إلى أن يبتاع للهجرة مع صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم راحلتين بثمانمائة درهم (1) ثم قدم إحديهما لرسول الله صلى الله عليه وآله فلم يقبلها إلا بالثمن، وقال صلى الله عليه وآله: إني لا أركب بعيرا ليس لي، قال أبو بكر: فهو لك يا رسول الله! بأبي أنت وأمي قال: لا، ولكن ما الثمن الذي إبتعتها به؟
قال: كذا وكذا قال: قد أخذتها بذلك (2).
ولم يكن رد رسول الله صلى الله عليه وآله إياها إلا لضعف حال أبي بكر من ناحية المال، أو إنه لم يرقه أن يكون لأحد عليه منة حتى لا يفتعل عليه بعد ملاوة من الدهر بقول من افتعل عليه: إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر. كما مر في ص 33 من هذا الجزء.
على إن للنظر في رواية الراحلتين مجالا واسعا بما رواه ابن الصباغ في الفصول المهمة والحلبي في السيرة 2: 44 من أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر أسماء بنت أبي بكر أن تأتي عليا وتخبر بموضعهما وتقول له: يستأجر لهما دليلا ويأتي معه بثلاث من الإبل بعد مضي ساعة من الليلة الآتية وهي الليلة الرابعة، فجاءت أسماء إلى علي كرم الله وجهه فأخبرته بذلك، فاستأجر لهما رجلا يقال له: الأريقط بن عبد الله الليثي، وأرسل معه بثلاث من الإبل، فجاء بهن إلى أسفل الجبل ليلا فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم رغاء الإبل نزل من الغار هو وأبو بكر فعرفاه.
وفيه صراحة بأنه لم تكن هناك راحلتين لأبي بكر معبأتين بركوبهما، وإنما جئ بالرواحل مستأجرة، وقد جمع الحلبي بين هذا وبين حديث الراحلتين بأن المراد باستيجار علي رضي الله عنه إعطاؤه الأجرة. وهذا الجمع يأباه لفظ الحديثين كما ترى.
____________
(1) طبقات ابن سعد 1: 212 تاريخ ابن كثير 3: 177، 178.
(2) صحيح البخاري 6: 47 تاريخ الطبري 2: 245، سيرة ابن هشام 3: 98، 100، طبقات ابن سعد 1: 213، تاريخ ابن كثير 3: 184 188.
وأي نسبة بينها وبين أيامه وأيام أبيه بمكة وبين ما كان يحترف به في المدينة من بيع الابراد والأقمشة على عنقه وعلى صاعده وحرفة ضئيلة يدور بها في الأزقة و الأسواق من دون أن يستقر في متجر أو حانوت.
أخرج ابن سعد من طريق عطاء قال: لما استخلف أبو بكر أصبح غاديا إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتجر بها فلقيه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة الجراح فقالا له: أين تريد يا خليفة رسول الله؟ قال: السوق. قالا: تصنع ماذا؟ وقد وليت أمر المسلمين.
قال: فمن أين أطعم عيالي؟ قالا له: انطلق حتى نفرض لك شيئا. فانطلق معهما ففرضوا له كل يوم شطر شاة وما كسوه في الرأس والبطن.
وروى من طريق عمير بن إسحاق: إن رجلا رأى على عنق أبي بكر الصديق عباءة فقال: ما هذا؟ هاتها أكفيكها. فقال: إليك عني لا تغرني أنت وابن الخطاب من عيالي.
وفي لفظ آخر لابن سعد أيضا: إن أبا بكر لما استخلف راح إلى السوق يحمل أبرادا له وقال: لا تغروني من عيالي.
وفي لفظ الحلبي. لما بويع أبو بكر بالخلافة أصبح رضي الله عنه على ساعده قماش وهو ذاهب إلى السوق فقال له عمر: أين تريد؟. الخ (1).
ثم متى كان إنفاقه لثروته الطائلة على النبي صلى الله عليه وآله وفي مناجحه ومصالحه، حتى كان به أمن الناس عليه بماله؟ وكيف أنفق ولم يره أحد ولا رواه أي ابن أنثى؟
ولم لم يذكر التاريخ موردا من موارد نفقاته؟ وقد حفظ له تقديم راحلة واحدة للنبي صلى الله عليه وآله مع رده إياها وأخذه ثمنها، كما حفظ لكل من أنفق شيئا في مهمات الرسول
____________
(1) راجع طبقات ابن سعد ط ليدن 3: 130: 131، صفة الصفوة لابن الجوزي 1: 97، السيرة الحلبية 2: 388.
ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحتاجه في شخصياته وما يتعلق بها بمكة قبل الهجرة فإن عمه أبا طالب سلام الله عليه كان متكفلا لذلك كله قبل زواجه بخديجة، وبعده كان مال خديجة تحت يده وهي في طوعه، وإنما وقعت الحاجة بعد الهجرة لتوسع نطاق الاسلام، وتمطط أمره فكان يحتاج إلى تجهيز الجيوش وقيادة العساكر، وهؤلاء رجال بني سالم بن عوف، ورجال بني بياضة، ورجال بني ساعدة وفي مقدمهم سعيد بن عبادة، ورجال بني الحرث بن الخزرج، ورجال بني عدي أخوال رسول الله الأكرمين كل منهم رفع عقيرته يوم دخوله صلى الله عليه وآله المدينة بقوله هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة (1).
ولم يكن عند أبي بكر يومئذ من المال غير ما جاء به من مكة أربعة أو خمسة أو ستة آلاف درهما - إن كان جاء به وأنى لك بإثباته؟ - وما عساها أن تجدي نفعا وماهي وما قيمتها تجاه ذلك السلطان العظيم؟ لكنا مع غض النظر عن ذلك نسائل أيضا مدعي الانفاق إنه متى أنفقها؟ وفي أي مصرف أدرها؟ وفي أي أمر بذلها؟ ولأي حاجة سمح بها؟ ولم خفي ذلك على خلق الله من أولئك الصحابة؟ ولماذا عزب عن المؤرخين؟ فلم يسطروها في صحائف التاريخ ولا ذكروها في فضائل الخليفة، وهل قام عمود الاسلام وتم أمره بهذه الدريهمات المجهول مصرفها؟ وعاد أبو بكر أمن الناس على رسول الله بماله؟.
والعجب كل العجب إن أمير المؤمنين عليا عليه السلام كانت له أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلا، وبدرهم نهارا، وبدرهم سرا، وبدرهم جهرا، فأنزل الله فيه القرآن فقال:
الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون (2) سورة البقرة 274.
____________
(1) أسلفنا حديثه في الجزء السابع ص 269.
(2) أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن عساكر وابن جرير. راجع تفسير القرطبي 3: 347، تفسير البيضاوي 1: 185، تفسير الزمخشري 1: 286، تفسير الرازي 2: 369، تفسير ابن كثير 1: 326، تفسير الدر المنثور 1: 363، تفسير الخازن 1: 208، تفسير الشوكاني 1: 265، تفسير الآلوسي 3: 48.
إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون (1) سورة المائدة: 55.
وأطعم هو وأهله مسكينا ويتيما وأسيرا فأنزل الله فيهم قوله: ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا " سورة هل أتى " وقد أسلفنا تفصيل أمرهم هذا في الجزء الثالث ص 106 - 111 ط 2.
وأما أبو بكر فينفق جميع ماله في سبيل الله ويراه النبي الأعظم أمن الناس عليه في صحبته وماله، ولم يوجد له مع ذلك كله ذكر في الكتاب العزيز، هذا لماذا؟
أنت تدري.
والأعجب: أن أبا بكر غدا أمن الناس على رسول الله صلى الله عليه وآله بإنفاق أربعة أو خمسة أو ستة آلاف درهما - إن كانت له - ولم يكن عثمان كذلك وقد أنفق أضعاف ما أنفقه أبو بكر، وبعث إلى رسول الله في غزوة بعشرة آلاف دينار كما جاء في مكذوبة أبي يعلى (2) فوضعها بين يديه فجعل صلى الله عليه وآله وسلم يقلبها ويدعو له بقوله: غفر الله لك يا عثمان!
ما أسررت وما أعلنت وما أخفيت وما هو كائن إلى يوم القيامة (3)، ما يبالي عثمان ما فعل بعدها.
وإني أرى الأنجح للمدعي أن يسحب كلامه ويقول: لا أعلم بشئ من ذلك، ولا أثبت شيئا منه، وإنما اختلقه الغلو في الفضائل.
ولعل الباحث يقف على ما أخرجه الحافظان: الحاكم وأبو نعيم أو على ما جاء به البيضاوي والزمخشري، فيقع ذلك منه موقعا حسنا ويطالبني المخرج منه، فإليك البيان:
أما الأخيران فقد ذكر البيضاوي في تفسيره 1: 185، والزمخشري في الكشاف 1: 286: إن قوله تعالى: الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم
____________
(1) راجع ما مر في الجزء الثاني ص 47 و ج 3: 155 - 163 ط 2.
(2) أخرجه بإسناد واه وذكره ابن كثير في تاريخه 7: 612.
(3) هذه الجملة توهن متن الرواية، وتعرب عن إنها مكذوبة على رسول الله:
هذه المرسلة التي لم أعرف قائلها ومن الصحابة والتابعين ولم أقف على عزوها إلى أحد من السلف في كتب القوم إلا سعيد بن مسيب المعروف بانحرافه عن أمير المؤمنين علي عليه السلام، اختلقتها يد الوضع تجاه ما أخرجه الحافظ من نزولها في علي أمير المؤمنين ومنحت فيها لأبي بكر أربعين ألف دينار لتقريب نزول الآية فيمن أنفق كمية كبيرة كهذه إلى فهم بسطاء الأمة دون منفق أربعة دراهم، ذاهلا عما هو المتسالم عليه عند القوم من أخذ أبي بكر يوم هجرته إلى المدينة أربعة أو خمسة أو ستة آلاف درهم، و هي جميع ما كان بمكة. والآية المذكورة في سورة البقرة، وقد أصفقت أئمة الحديث والتفسير على نزولها بالمدينة في أوليات الهجرة (1). قال ابن كثير في تفسيره: هكذا قال غير واحد من الأئمة والعلماء والمفسرين، ولا خلاف فيه. فأنى لأبي بكر عند نزول الآية الأربعون ألف دينارا؟ تصدق بها أم لم يتصدق، ولم يكن يملك إلا دريهمات إن صح حديثها أيضا، وستعرف إنه لا يصح
تعقب السيوطي هذ، المرسلة بقوله: خبر إن الآية نزلت فيه لم أقف عليه، و كأن من ادعى ذلك فهمه مما أخرجه ابن المنذر عن ابن إسحاق قال: لما قبض أبو بكر رضي الله تعالى عنه واستخلف عمر خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أيها الناس إن بعض الطمع فقر، وإن بعض اليأس غنى، وإنكم تجمعون ما لا تأكلون، وتؤملون ما لا تدركون، واعلموا أن بعضا من الشح شعبة من النفاق، فأنفقوا خيرا لأنفسكم، فأين أصحاب هذه الآية؟ وقرأ الآية الكريمة، وأنت تعلم إنها لا دلالة فيها على المدعى. ا ه (2)
وجاء مختلق آخر (3) فروى عن سعيد بن المسيب مرسلا من الطرفين: إن الآية
____________
(1) تفسير القرطبي 1، 132، تفسير ابن كثير 1: 35، تفسير الخازن 1: 91، تفسير الشوكاني 1: 61.
(2) راجع تفسير الآلوسي 3: 48.
(3) راجع تفسير الشوكاني 1: 265، تفسير الآلوسي 3: 48.
وذكر الرازي في تفسيره 2: 347 فقال: إن اللتي نزلت في عثمان لإنفاقه جيش العسرة هي قوله تعالى: الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى. الآية.
وقد أعمى الحب بصائر القوم، فحرفوا الكلم عن مواضعه، وقالوا في كتاب الله ما زين لهم الشيطان، خفي على المغفلين إن الآيتين من سورة البقرة آية 262 و 274 وهي أول سورة نزلت بالمدينة المشرفة كما قاله المفسرون (1) وقد نزلت قبل غزوة تبوك و جيشها - جيش العسرة الواقعة في شهر رجب سنة تسع - بعدة سنين، فلا يصح نزول أي من الآيتين في عثمان.
* وأما ما أخرجه الحافظان *
1 - فأخرج أبو نعيم في الحلية 1: 33 عن محمد بن أحمد بن محمد الوراق عن إبراهيم بن عبد الله بن أيوب المخرمي عن سلمة بن حفص السعدي عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحق عن هشام بن عروة عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر قالت: كانت يد النبي صلى الله عليه وسلم في مال أبي بكر ويد أبي بكر واحدة حين حجا.
* رجال السند *
1 - محمد بن أحمد الوراق. كذبه أبو بكر بن إسحاق قاله الحاكم. لسان الميزان 5: 51.
2 - إبراهيم بن عبد الله المخرمي قال الدار قطني: ليس بثقة حدث عن الثقات بأحاديث باطلة. لسان الميزان 1: 72.
3 - سلمة بن حفص السعدي، شيخ كوفي قال ابن حبا ن: كان يضع الحديث فذكر له حديثا منكرا. وقال: لا يحل الاحتجاج به ولا الرواية عنه. وروى عنه حديثا فقال: لا أصل له. لسان الميزان 3: 67.
____________
(1) راجع تفسير القرطبي 1: 132، تفسير الخازن 1: 19، تفسير الشوكاني 1: 16.
إن هذا والله قد فجعكم بماله مع نفسه، فقلت: كلا يا أبت! قد ترك لنا خيرا كثيرا، فعمدت إلى أحجار فجعلتهن في كوة البيت، وكان أبو بكر يجعل أمواله فيها وغطيت على الأحجار بثوب ثم جئت فأخذت بيده فوضعتها على الثوب فقال: أما إذا ترك هذا فنعم قالت: ووالله ما ترك قليلا ولا كثيرا.
* رجال السند *
1 - أحمد بن عبد الجبار أبو عمر الكوفي. قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه و أمسكت عن الرواية عنه لكثرة كلام الناس فيه، وقال مطين: كان يكذب. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم تركه ابن عقدة. وقال ابن عدي: رأيت أهل العراق مجمعين على ضعفه، وكان ابن عقدة لا يحدث عنه. وكان أحمد يلعب بالحمام الهدى (2)
2 - محمد بن إسحاق. أسلفنا في الجزء السابع صفحة 319 ط 2 كلمات الحفاظ فيه وإنه كذاب دجال مدلس لا يحتج به.
3 - أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء 1: 32: من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أرقم عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق ووافق ذلك مال عندي فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما قال: فجئت بنصف مالي قال: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: ما أبقيت لأهلك؟ قال: فقلت: مثله و أتى أبو بكر بكل ما عنده. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ قال أبقيت لهم الله ورسوله. قلت: لا أسابقك إلى شئ أبدا.
ورواه من طريق عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر عن عمر.
كفى الاسناد ضعفا هشام بن سعد أبو عباد المدني. كان يحيى بن سعد لا يروي عنه
____________
(1) كذا في الموضعين والصحيح: آلاف. كما في جميع المصادر.
(2) تاريخ الخطيب 4: 263، تهذيب التهذيب 1: 51.
ضعيف، ليس بذلك القوي. ليس بشئ حديثه مختلط، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال النسائي: ضعيف. وقال مرة: ليس بالقوي. وقال ابن سعد: كثير الحديث يستضعف وكان متشيعا. وقال ابن المديني: صالح وليس بالقوي. وقال الخليلي: أنكر الحفاظ حديثه في المواقع. وذكره ابن سفيان في الضعفاء (1)
وأما عبد الله بن عمر العمري فقال أبو زرعة الدمشقي عن أحمد: كان يزيد في الأسانيد ويخالف وكان رجلا صالحا. وقال ابن المديني: ضعيف. وعن يحيى بن سعيد:
لا يحدث عنه. وقال صالح جزرة: لين مختلط الحديث. وقال النسائي: ضعيف الحديث.
وقال ابن سعد. كثير الحديث يستضعف. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به.
وقال ابن حبان: كان ممن غلب عليه الصلاح حتى غفل عن الضبط فاستحق الترك. وقال البخاري: كان يحيى بن سعيد يضعفه. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم. وقال ابن شيبة: يزيد في الأسانيد كثيرا (2)
وأما زيد بن أرقم فالصحيح: زيد بن أسلم مولى عمر ففي النسخة تصحيف.
____________
(1) تهذيب التهذيب 11: 40.
(2) تهذيب التهذيب 5: 327.