وذكره الشوكاني في نيل الأوطار 7: 153 فقال: إن السبب في خطبته صلى الله عليه وسلم يوم الفتح بقوله: لا يقتل مسلم بكافر. ما ذكره الشافعي في " الأم " حيث قال: وخطبته يوم الفتح كانت بسبب القتيل الذي قتلته خزاعة وكان له عهد فخطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو قتلت مسلما بكافر لقتلته به. وقال: لا يقتل مؤمن بكافر. الخ.
8 - عن عبد الله بن عمر مرفوعا: لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهده في عهده.
أخرجه الجصاص في أحكام القرآن 1: 165.
* (أما الثانية) * ففيها:
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن عقل أهل الكتابين نصف عقل المسلمين وهم اليهود والنصارى (1)
وفي لفظ أبي داود: كانت قيمة الدية على عهد رسول الله ثمانمائة دينار، ثمانية آلاف درهم، ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلمين، قال: فكان ذلك كذلك حتى استخلف عمر فقام خطيبا فقال: إن الإبل قد غلت. ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار. الحديث سنن أبي داود 2: 251.
وفي لفظ آخر لأبي داود: دية المعاهد نصف دية الحر. 2: 257.
وفي لفظ أبي عاصم الضحاك في الديات ص 51: دية الكافر على النصف من دية المسلم، ولا يقتل مسلم بكافر.
قال الخطابي في شرح سنن ابن ماجة في ذيل الحديث 2: 142: ليس في دية أهل الكتاب شئ أثبت من هذا، وإليه ذهب مالك وأحمد، وقال أصحاب أبي حنيفة:
ديته كدية المسلم. وقال الشافعي: ثلث دية المسلم. والوجه الأخذ بالحديث ولا بأس بإسناده.
وأخرج النسائي في سننه 8: 45 من طريق عبد الله بن عمر مرفوعا: عقل الكافر نصف عقل المؤمن. وأخرجه الترمذي في سننه 1: 169.
____________
(1) سنن ابن ماجة 2: 142، سنن النسائي 8: 45.
- 13 -
رأي الخليفة في القراءة
قال ملك العلماء في بدايع الصنايع 1: 111: إن عمر رضي الله عنه ترك القراءة في المغرب في إحدى الأوليين فقضا هافي الركعة الأخيرة وجهر، وعثمان رضي الله عنه ترك القراءة في الأوليين من صلاة العشاء فقضاها في الأخريين وجهر.
وقال في صفحة 172: روي عن عمر رضي الله عنه: إنه ترك القراءة في ركعة من صلاة المغرب فقضاها في الركعة الثالثة وجهر. وروي عن عثمان رضي الله عنه: إنه ترك السورة في الأوليين فقضاها في الأخريين وجهر.
قال الأميني: إن ما ارتكبه الخليفتان مخالف للسنة من ناحيتين، الأولى: الاجتزاء بركعة لا قراءة فيها. والثانية: تكرير الحمد في الأخيرة أو الأخريين بقضاء الفائتة مع صاحبة الركعة، وكلاهما خارجان عن السنة الثابتة لا يتجزأ بالصلاة التي يكونان فيها، أما الناحية الأولى فإليك نبذة مما ورد فيها:
1 - عن عبادة بن الصامت مرفوعا: لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن فصاعدا.
وفي لفظ: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب إمام أو غير إمام.
وفي لفظ الدارمي: من لم يقرأ بأم الكتاب فلا صلاة له.
1 - عن أبي هريرة مرفوعا: لا صلاة لمن لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج، فهي خداج، فهي خداج، غير تمام.
وفي لفظ: من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، فهي خداج " ثلاثا " غير تمام.
وفي لفظ الشافعي: كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج. الحديث.
وفي لفظ أحمد: أيما صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج، ثم هي خداج، ثم هي خداج.
راجع مسند أحمد 2: 241، 285، كتاب الأم للشافعي 1: 93، موطأ مالك 1: 81، المدونة الكبرى 1: 70، صحيح مسلم 1: 155، 156، سنن أبي داود 1: 130، سنن ابن ماجة 1: 277، سنن الترمذي 1: 42، سنن النسائي 2: 135، سنن البيهقي 2: 38، 39، 40، 159، 167، مصابيح السنة 1: 57.
3 - عن أبي هريرة قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يخرج فينادي: لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد.
أخرجه أحمد في المسند 2: 428، الترمذي في صحيحه 1: 42، أبو داود في سننه 1: 130، البيهقي في سننه 2: 37، 59، والحاكم في المستدرك 1: 239 وقال: صحيح لا غبار عليه.
4 - عن عائشة مرفوعا: من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج.
أخرجه أحمد في مسنده 6: 146، 275، وابن ماجة في سننه 1: 277. ويوجد في كنز العمال 4: 95، 96 من طريق عائشة، وابن عمر، وعلي، وأبي أمامة نقلا عن أحمد، وابن ماجة، والبيهقي، والخطيب، وابن حبان، وابن عساكر، وابن عدي.
5 - عن أبي سعيد الخدري مرفوعا: لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة الحمد
6 - عن أبي سعيد قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب وبما تيسر.
سنن البيهقي 2: 60، سنن أبي داود 1: 130، تيسير الوصول 2: 223.
7 - عن أبي قتادة قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب.
وفي لفظ مسلم وأبي داود: كان يصلي بنا فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين. الحديث.
راجع صحيح البخاري 2: 55، صحيح مسلم 1: 177، سنن الدارمي 1: 296، سنن أبي داود 1: 128، سنن النسائي 2: 165، 166، سنن ابن ماجة 1: 275، سنن البيهقي 2: 59، 63، 66، 193، مصابيح السنة 1: 57 وصححه.
8 - عن سمرة بن جندب قال: حفظت سكتتين في الصلاة. وفي لفظ: حفظت سكتتين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: سكتة إذا كبر الإمام حتى يقرأ، وسكتة إذا فرغ من فاتحة الكتاب وسورة عند الركوع.
سنن أبي داود 1: 124، صحيح الترمذي 1: 34، سنن الدارمي 1: 283، سنن ابن ماجة 1: 278، سنن البيهقي 2: 196، مستدرك الحاكم 1: 215، مصابيح السنة 1: 56، تيسير الوصول 2: 229.
9 - عن رفاعة بن رافع قال: جاء رجل يصلي في المسجد قريبا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أعد صلاتك فإنك لم تصل. فعاد فصلى كنحو مما صلى فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أعد صلاتك فإنك لم تصل. فقال: علمني يا رسول الله كيف أصلي؟ قال: إذا توجهت إلى القبلة فكبر ثم اقرأ بأم القرآن وما شاء الله أن تقرأ، فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك ومكن ركوعك وإمداد ظهرك فإذا رفعت فأقم صلبك، وارفع رأسك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها، فإذا سجدت فمكن سجودك فإذا رفعت فاجلس على فخذك اليسرى، ثم اصنع ذلك في كل ركعة وسجدة حتى تطمئن. وفي لفظ أحمد: فإذا أتممت صلاتك على هذا فقد أتممتها، وما انتقصت
سنن أبي داود 1: 137، سنن البيهقي 2: 345، مسند أحمد 4: 340، كتاب الأم للشافعي 1: 88، مستدرك الحاكم 1: 241، 242، المحلى لابن حزم 3: 256.
وأخرج البخاري مثله من طريق أبي هريرة في صحيحه 1: 314، وكذلك مسلم في صحيحه 1: 117، وذكر ره البيهقي في سننه 2: 37، 62، 122 نقلا عن الشيخين.
10 - عن وائل بن حجر قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم وأتي بإناء " إلى أن قال ": فدخل في المحراب فصف الناس خلفه وعن يمينه وعن يساره ثم رفع يديه حتى حاذتا شحمة أذنيه ثم وضع يمينه على يساره وعند صدره ثم افتتح القراءة فجهر بالحمد ثم فرغ من سورة الحمد فقال: آمين. حتى سمع من خلفه ثم قرأ سورة أخرى ثم رفع يديه بالتكبير حتى حاذتا بشحمة أذنيه، ثم ركع فجعل يديه على ركبته " إلى أن قال ": ثم صلى أربع ركعات يفعل فيهن ما فعل في هذه. مجمع الزوائد 2: 134.
11 - عن عبد الرحمن بن أبزي قال: ألا أريكم صلاة رسول الله؟ فقلنا: بلى:.
فقام فكبر ثم قرأ ثم ركع فوضع يديه على ركبتيه حتى أخذ كل عضو مأخذه ثم رفع حتى أخذ كل عضو مأخذه، ثم سجد حتى أخذ كل عضو مأخذه، ثم رفع حتى أخذ كل وعضو مأخذه، ثم سجد حتى أخذ كل عضو مأخذه، ثم رفع فصنع في الركعة الثانية كما صنع في الركعة الأولى. ثم قال: هكذا صلاة رسول الله.
أخرجه أحمد في المسند 3: 407، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 2: 130 فقال: رجاله ثقات.
12 - عن عبد الرحمن بن غنم قال: إن أبا ملك الأشعري قال لقومه: قوموا حتى أصلي بكم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فصففنا خلفه وكبر ثم قرأ بفاتحة الكتاب فسمع من يليه ثم كبر فركع ثم رفع رأسه فكبر، فصنع ذلك في صلاته كلها.
(صورة مفصلة بلفظ أحمد)
إن أبا ملك الأشعري جمع قومه فقال: يا معشر الأشعريين اجتمعوا واجمعوا نساءكم وأبناءكم أعلمكم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم صلى لنا بالمدينة. فاجتمعوا وجمعوا نساءهم وأبناءهم فتوضأ وأراهم كيف يتوضأ فأحصى الوضوء إلى أماكنه حتى لما
أخرجه أحمد في المسند 5: 343، وعبد الرزاق والعقيلي كما في كنز العمال 4: 221، وذكره الهيثمي في المجمع 2: 130.
13 - أخرج أبو حنيفة وأبو معاوية وابن فضيل وأبو سفيان عن أبي نضرة عن سعيد عن النبي عليه السلام قال: لا تجزي صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بالحمد لله وسورة في الفريضة وغيرها. أحكام القرآن للجصاص 1: 23.
14 - عن أنس بن مالك: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين. كتاب الأم للشافعي 1: 93.
15 - عن علي بن أبي طالب قال: من السنة أن يقرأ الإمام في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بأم الكتاب وسورة سرا في نفسه، وينصت من خلفه ويقرأون في أنفسهم ويقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب في كل ركعة ويستغفر الله ويذكره ويفعل في العصر مثل ذلك.
بهذا اللفظ حكاه السيوطي عن البيهقي كما في كنز العمال 4: 251 وفي السنن الكبرى للبيهقي 2: 168 لفظه: إنه كان يأمر أو يحث أن يقرأ خلف الإمام في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب. وقريبا من هذا اللفظ أخرجه الحاكم في المستدرك 1: 239.
16 - عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين.
17 - عن أبي هريرة قال: في كل الصلاة يقرأ، فما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعنا كم، وما أخفى علينا أخفينا عليكم. وفي لفظ: في كل صلاة قراءة.
مسند أحمد 2: 348، صحيح مسلم 1: 116، سنن أبي داود 1: 127، سنن النسائي 2: 163، سنن البيهقي 2: 40 عن مسلم، وفي ص 61 عن البخاري، تيسير الوصول 2: 228.
18 - عن أبي هريرة قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح القراءة بالحمد لله رب العالمين. أخرجه ابن ماجة في سننه 1: 271.
وأخرجه الدارمي من طريق أنس بن مالك مع زيادة في سننه 1: 83، والنسائي في سننه 2: 133، والشافعي في كتاب الأم 1: 93.
19 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاصي مرفوعا: كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج، فهي خداج، فهي خداج. وفي لفظ أحمد: فهي خداج، ثم هي خداج، ثم هي خداج.
أخرجه أحمد في المسند 2: 204، 215، وابن ماجة في سننه 1: 278.
20 - أخرج أبو داود في سننه 1: 119 من طريق علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه كان إذا قام إلى الصلاة كبر ورفع يديه حذو منكبيه، و يصنع ذلك إذا قضى قراءته وإذا أراد أن يركع.
21 - كان أبو حميد الساعدي في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو قتادة فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان رسول الله إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يقرأ حتى يقر كل عظم في موضعه معتدلا ثم يقرأ ثم يكبر فيرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يركع " ثم ذكر كيفية الركوع والسجدتين " فقال: ثم يصنع في الركعة الأخرى مثل ذلك.
سنن أبي داود 1: 116، سنن الدارمي 1: 313، سنن ابن ماجة 1: 283 و ذكر شطرا منه، سنن البيهقي 2: 72، مصابيح السنة 1: 54.
سنن البيهقي 2: 63 فقال: وروينا ما دل على هذا عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعائشة. وأخرجه ابن أبي شيبة كما في كنز العمال 4: 209، 250، ورواه الطبراني باللفظ المذكور كما في مجمع الزوائد 2: 115.
23 - عن جابر بن عبد الله: من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل إلا وراء إمام.
صحيح الترمذي 1: 42، وصححه، موطأ مالك 1: 80، المدونة الكبرى لمالك 1: 70، سنن البيهقي 2: 160، تيسير الوصول 2: 223.
24 - عن عبد الله بن عمر مرفوعا: من صلى مكتوبة أو سبحة فليقرأ بأم القرآن وقرآن معها، ومن صلى صلاة لم يقرأ فيها فهي خداج. ثلاثا.
أخرجه عبد الرزاق كما في كنز العمال 4: 96 وحسنه.
25 - عن أبي هريرة مرفوعا: لا تجزئ صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب.
وفي لفظ الدار قطني وصححه: لا تجزئ صلاة لا يقرأ الرجل فيها فاتحة الكتاب.
وفي لفظ أحمد: لا تقبل صلاة لا يقرأ فيها بأم الكتاب.
كنز العمال 4: 96 نقلا عن جمع من الحفاظ.
26 - عن أبي الدرداء: إقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر والعشاء الآخرة في كل ركعة بأم القرآن وسورة، وفي الركعة الآخرة من المغرب بأم القرآن كنز العمال 4: 207.
27 - عن حسين بن عرفطة مرفوعا: إذا قمت في الصلاة فقل: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين. حتى تختمها، قل هو الله أحد إلى آخرها. أخرجه الدار قطني كما في كنز العمال 4: 96.
28 - عن ابن عباس: لا تصلين صلاة حتى تقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، ولا
29 - عن ابن سيرين قال: إن ابن مسعود كان يقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة في كل ركعة، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب.
ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 2: 117 فقال: رجاله ثقات إلا أن ابن سيرين لم يسمع من ابن مسعود.
30 - عن زيد بن ثابت قال: القراءة سنة لا تخالف الناس برأيك. أخرجه الطبراني في الكبير كما في مجمع الزوائد 2: 115.
هذه سنة نبي الاسلام في قراءة الفاتحة في كل ركعة من الفرائض والنوافل وعلى هذه فتاوى أئمة المذاهب وإليك نصوصها:
(رأي الشافعي)
قال إمام الشافعية في كتاب " الأم " 1: 93: سن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرأ القارئ في الصلاة بأم القرآن، ودل على إنها فرض على المصلي إذا كان يحسن أن يقرؤها. فذكر عدة من الأحاديث فقال: فواجب على من صلى منفردا أو إماما أن يقرأ بأم القرآن في كل ركعة لا يجزيه غيرها، وإن ترك من أم القرآن حرفا واحدا ناسيا أو تساهيا لم يعتد بتلك الركعة، من ترك منها حرفا لا يقال له قرأ أم القرآن على الكمال وقال في صفحة 89 فيمن لا يحسن القراءة: فإن لم يحسن سبع آيات وأحسن أقل منهن لم يجزه إلا أن يقرأ بما أحسن كله إذا كان سبع آيات أو أقل، فإن قرأ بأقل منه أعاد الركعة التي لم يكمل فيها سبع آيات إذا أحسنهن. قال: ومن أحسن أقل من سبع آيات فأم أو صلى منفردا ردد بعض الآي حتى يقرأ به سبع آيات أو ثمان آيات، وإن لم أر عليه إعادة، ولا يجزيه في كل ركعة إلا قراءة ما أحسن مما بينه وبين أن يكمل سبع آيات أو ثمان آيات من أحسنهن.
وقال (1): وأقل ما يجزئ من عمل الصلاة أن يحرم ويقرأ بأم القرآن يبتدئها ب " بسم الله الرحمن الرحيم " إن أحسنها، ويركع حتى يطمأن راكعا، ويرفع حتى يعتدل قائما، ويسجد حتى يطمئن ساجدا على الجبهة، ثم يرفع حتى يعتد جالسا، ثم
____________
(1) ذكره المزني في مختصره هامش كتاب الأم 1: 90، 91.
وقال في كتاب " الأم " 1: 217: إن من ترك أم القرآن في ركعة من صلاة الكسوف في القيام الأول أو القيام الثاني لم يعتد بتلك الركعة، وصلى ركعة أخرى وسجد سجدتي السهو، كما إذا ترك أم القرآن في ركعة واحدة من صلاة المكتوبة لم يعتد بها.
(رأي مالك)
وقال أمام المالكية كما في المدونة الكبرى 1: 68: ليس العمل على قول عمر حين ترك القراءة (1) فقالوا له: إنك لم تقرأ؟ فقال: كيف كان الركوع والسجود؟ قالوا حسن. قال: فلا بأس إذن. وأرى أن يعيد من فعل هذا وإن ذهب الوقت. وقال في رجل ترك القراءة في ركعتين من الظهر أو العصر أو العشاء الآخرة: لا تجزئه الصلاة و عليه أن يعيد، ومن ترك القراءة في جل ذلك أعاد، وإن قرأ في بعضها وترك في بعضها أعاد أيضا، وإذا قرأ في ركعتين وترك القراءة في ركعتين، فإنه يعيد الصلاة من أي الصلات كانت.
وقال: من نسي قراءة أم القرآن حتى قرأ سورة فإنه يرجع فيقرأ أم القرآن ثم يقرأ سورة أيضا بعد قراءته أم القرآن. وقال: لا يقضي قراءة نسيها من ركعة في ركعة أخرى. وقال فيمن ترك أم القرآن في الركعتين وقد قرأ بغير أم القرآن: يعيد صلاته، وقال في رجل ترك القراءة في ركعة في الفريضة. يلغي تلك الركعة بسجدتيها ولا يعتد بها.
____________
(1) مر حديثه في الجزء السادس صفحة 100 ط 1 و 108 ط 2.
(رأي الحنابلة)
قال ابن حزم في المحلى 3: 236: وقراءة أم القرآن فرض في كل ركعة من كل صلاة إماما كان أو مأموما أو منفردا، والفرض والتطوع سواء، والرجال والنساء سواء. ثم ذكر جملة من أدلة المسألة.
وذكر في ص 243 فعل عمر وما يعزى إلى علي وحاشا من ذلك فقال: لا حجة في قول أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال في ص 250: من نسي التعوذ أو شيئا من أم القرآن حتى ركع أعاد متى ذكر فيها وسجد للسهو إن كان إماما أو فذا، فإن كان مأموما ألغى ما قد نسي إلى أن ذكر، وإذا أتم الإمام قام يقضي ما كان ألغى ثم سجد للسهو، ولقد ذكرنا برهان ذلك في من نسي فرضا في صلاته فإنه يعيد ما لم يصل كما أمر، ويعيد ما صلى كما أمر. قال:
ومن كان لا يحفظ أم القرآن وقرأ ما أمكنه من القرآن إن كان يعلمه، لا حد في ذلك وأجزأه، وليسع في تعلم أم القرآن فإن عرف بعضها ولم يعرف البعض قرأ ما عرف منها فأجزأه، وليسع في تعلم الباقي، فإن لم يحفظ شيئا من القرآن صلى كما هو يقوم ويذكر الله كما يحسن بلغته ويركع ويسجد حتى يتم صلاته ويجزيه، وليسع في تعلم أم القرآن.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار 2: 233: إختلف القائلون بتعيين الفاتحة في كل ركعة هل تصح صلاة من نسيها؟ فذهبت الشافعية وأحمد بن حنبل إلى عدم الصحة وروى ابن القاسم عن مالك: إنه إن نسيها في ركعة من صلى ركعتين فسدت صلاته، وإن نسيها في ركعة من صلى ثلاثية أو رباعية فروي عنه إنه يعيدها ولا تجزئه، وروي عنه: إنه يسجد سجدتي السهو، وروي عنه: إنه يعيد تلك الركعة ويسجد للسهو بعد السلام، ومقتضى الشرطية التي نبهناك على صلاحية الأحاديث للدلالة عليها: إن الناسي يعيد الصلاة كمن صلى بغير وضوء ناسيا. ا ه.
وأما أبو حنيفة إمام الحنفية فإن له في مسائل الصلاة آراء ساقطة تشبه أقوال المستهزأ بها وحسبك برهنة صلاة القفال (1)، وسنفصل القول في تلكم الآراء الشاذة
____________
(1) ذكرها ابن خلكان في تاريخه في ترجمة السلطان محمود السبكتكين.
قال ابن حجر في فتح الباري: إن الحنفية يقولون بوجوب قراءة الفاتحة لكن بنوا على قاعدتهم إنها مع الوجوب ليست شرطا في صحة الصلاة لأن وجوبها إنما ثبت بالسنة والذي لا تتم الصلاة إلا به فرض والفرض عندهم لا يثبت بما يزيد على القرآن وقد قال تعالى: فاقرأوا ما تيسر منه. فالفرض قراءة ما تيسر، وتعين الفاتحة إنما يثبت بالحديث فيكون واجبا يأثم من يتركه وتجزئ الصلاة بدونه، وهذا تأويل على رأي فاسد، حاصله رد كثير من السنة المطهرة بلا برهان ولا حجة نيرة، فكم موطن من المواطن يقول فيها الشارع: لا يجزئ كذا، لا يقبل كذا، لا يصح كذا، و يقول المتمسكون بهذا الرأي يجزئ، ويقبل، ويصح، ولمثل هذا حذر السلف من أهل الرأي. ا ه. وذكره الشوكاني في نيل الأوطار 2: 230.
ونظرا إلى الأهمية الواردة في قراءة أم الكتاب في الصلوات كلها، وأخذا بظاهر: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، ذهب من ذهب من القوم إلى وجوبها على المأموم أيضا مطلقا أو في الصلوات الجهرية، قال الترمذي في الصحيح 1: 42: قد اختلف أهل العلم في القراءة خلف الإمام، فرأى أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم و التابعين من بعدهم القراءة خلف الإمام، وبه يقول مالك وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، وروي عن عبد الله بن المبارك إنه قال: أنا أقرأ خلف الإمام والناس يقرأون إلا قوم من الكوفيين، وأرى أن من لم يقرأ صلاته جائزة، وشدد قوم من أهل العلم في ترك قراءة فاتحة الكتاب وإن كان خلف الإمام فقالوا: لا تجزئ صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب وحده كان أو خلف الإمام. ا ه.
وقد جاء مع ذلك عن عبادة بن الصامت مرفوعا: إني أراكم تقرأون وراء إمامكم فلا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأها.
وفي لفظ أبي داود: لا تقرؤا بشئ من القرآن إذا جهرت إلا بأم القرآن.
وفي لفظ الحاكم: إذا قرأ الإمام فلا تقرأوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها.
وفي لفظ الطبراني: من صلى خلف الإمام فليقرأ بفاتحة الكتاب.
وعن أنس بن مالك مرفوعا: أتقرأون في صلاتكم خلف الإمام بقرآن والإمام يقرأ؟ فلا تفعلوا وليقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه.
وعن أبي قلابة مرسلا: أتقرأون خلفي وأنا أقرأ فلا تفعلوا ذلك، ليقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه سرا (1).
قال ابن حزم في المحلى 3: 239: اختلف أصحابنا فقالت طائفة: فرض على المأموم أن يقرأ أم القرآن في كل ركعة أسر الإمام أو جهر، وقالت طائفة: هذا فرض عليه فيما أسر فيه الإمام خاصة ولا يقرأ فيما جهر فيه الإمام، ولم يختلفوا في وجوب قراءة أم القرآن فرضا في كل ركعة على الإمام والمنفرد.
وأخرج البيهقي أحاديث صحاح تدل على إن القراءة تسقط مع الإمام جهر أو لم يجهر. وذكر قول من قال: يقرأ خلف الإمام مطلقا ثم قال: هو أصح الأقوال على السنة وأحوطها. راجع السنن الكبرى 2: 159 166.
هذا تمام القول في الناحية الأولى من ناحيتي مخالفة عمل الخليفتين في الصلاة للسنة الشريفة، ومن ذلك كله، يعلم حكم الناحية الثانية وإن الأمة مطبقة على إن تدارك الفائتة من قراءة ركعة في ركعة أخرى لم يرد في السنة النبوية، وإن رأي الرجلين غير مدعوم بحجة، لا يعمل به، ولا يعول عليه، ولا يستن به قط أحد من رجال الفتوى، والحق أحق أن يتبع.
____________
(1) مسند أحمد 2: 302، 308، ج 5: 313، 316، 322، سنن الترمذي 1: 42، المحلى لابن حزم 3: 236، مستدرك الحاكم 1: 238، 239، سنن النسائي 2: 141، سنن البيهقي 2: 164، 165، مصابيح السنة 1: 60.
- 14 -
رأي الخليفة في صلاة المسافر
أخرج أبو عبيد في الغريب وعبد الرزاق والطحاوي وابن حزم عن بي المهلب قال:
كتب عثمان: إنه بلغني إن قوما يخرجون إما لتجارة أو لجباية أو لحشرية (1) يقصرون الصلاة وإنما يقصر الصلاة من كان شاخصا أو بحضرة عدو.
ومن طريق قتادة عن عياش المخزومي: كتب عثمان إلى بعض عماله: إنه لا يصلي الركعتين المقيم ولا البادي ولا التاجر، إنما يصلي الركعتين من معه الزاد والمزاد.
وفي لفظ ابن حزم: إن عثمان كتب إلى عماله: لا يصلي الركعتين جاب ولا تاجر ولا تان (2) إنما يصلي الركعتين. الخ.
وفي لسان العرب: في حديث عثمان رضي الله عنه أنه قال: لا يغرنكم جشركم من صلاتكم فإنما يقصر الصلاة من كان شاخصا أو يحضره عدو. قال أبو عبيد: الجشر القوم يخرجون بدوابهم إلى المرعى، ويبيتون مكانهم ولا يأوون إلى البيوت (3).
وفي هامش سنن البيهقي 3: 137: شاخصا: يعني رسولا في حاجة، وفي النهاية: شاخصا: أي مسافرا ومنه حديث أبي أيوب: فلم يزل شاخصا في سبيل الله.
قال الأميني: من أين جاء عثمان بهذا القيد في السفر؟ والأحاديث المأثورة في صلاته مطلقات كلها كما أوقفناك عليها في ص 111 - 115، وقبلها عموم قوله تعالى: وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة (4) ولأبي حنيفة وأصحابه والثوري وأبي ثور في عموم الآية نظر واسع لم يخصوه بالمباح من السفر بل قالوا بأنه يعم سفر المعصية أيضا كقطع الطريق والبغي كما ذكره ابن حزم في المحلى 4: 264، والجصاص في أحكام القرآن 2: 312، وابن رشد في بداية المجتهد 1: 163، وملك العلماء في البدايع 1: 93، والخازن في تفسيره 1: 413.
____________
(1) كذا في النسخ بالمهملة والصحيح كما يأتي، الجشر. بالمعجمة.
(2) التناية: هي الفلاحة والزراعة " نهاية ابن الأثير ".
(3) سنن البيهقي 3: 126، المحلى لابن حزم 5: 1، نهاية ابن الأثير 2: 325، لسان العرب 5: 207، كنز العمال 4: 239، تاج العروس: 100 و ج 4: 401.
فمقتضى الأدلة كما ذهبت إليه الأمة جمعاء: إن التاجر والجابي والتاني والجشرية وغيرهم إذا بلغوا مبلغ السفر فحكمهم القصر، فهم وبقية المسافرين شرع سواء، وإلا فهم جميعا في حكم الحضور يتمون صلاتهم من دون أي فرق بين الأصناف، وليس تفصيل الخليفة إلا فتوى مجردة ورأيا يخص به، وتقولا لا يؤبه له تجاه النصوص النبوية، وإطباق الصحابة، واتفاق الأمة، وتساند الأئمة والعلماء، وإنما ذكرناه هنا لإيقافك على مبلغ الرجل من الفقاهة، أو تسرعه في الفتيا من غير فحص عن الدليل، أو أنه عرف الدليل لكنه لم يكترث له وقال قولا أمام قول رسول الله صلى الله عليه وآله.
على أن التاجر جاء فيه ما أخرجه ابن جرير الطبري وغيره من طريق علي كرم الله وجهه قال: سأل قوم من التجار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! إنا نضرب في الأرض فكيف نصلي؟ فأنزل الله تعالى: وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة (1).
وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن الأعمش عن إبراهيم قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله! إني رجل تاجر أختلف إلى البحرين فأمره أن يصلي بركعتين. (2)
- 15 -
رأي الخليفة في صيد الحرم (3)
أخرج إمام الحنابلة أحمد وغيره بإسناد صحيح عن عبد الله بن الحارث بن نوفل
____________
(1) تفسير ابن جرير 5: 155، مقدمات المدونة الكبرى لابن رشد 1: 136، تفسير ابن عطية كما في تفسير القرطبي 5: 362، الدر المنثور 2: 209، تفسير الشوكاني 1: 471 تفسير الآلوسي 5: 134.
(2) تفسير ابن كثير 1: 544، الدر المنثور 2: 210
(3) مسند أحمد 1: 100، 104، كتاب الأم للشافعي 7: 157، سنن أبي داود 1: 291، سنن البيهقي 5: 194، تفسير الطبري 7: 45، 46 المحلى لابن حزم 8: 254، كنز العمال 3: 53، نقلا عن أحمد وأبي داود وابن جرير وقال: صححه، وعن الطحاوي و أبي يعلى والبيهقي.