وفي لفظ: إنه قال وهو يطوف بالكعبة: ورب هذه البنية للعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم وما ولد. كنز العمال 6: 90.
وأخرج ابن عساكر من طريق محمد بن كعب القرظي أنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم وما ولد إلا الصالحين وهم قليل.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وعبد بن حميد والنسائي وابن المنذر والحاكم وصححه عن عبد الله قال: إني لفي المسجد حين خطب مروان فقال: إن الله تعالى قد أرى لأمير المؤمنين يعني معاوية في يزيد رأيا حسنا أن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر وعمر. فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: أهر قلية إن أبا بكر رضي الله تعالى عنه والله ما جعلها في أحد من ولده ولا أحد من أهل بيته ولا جعلها معاوية إلا رحمة وكرامة لولده. فقال مروان: ألست الذي قال لوالديه أف لكما؟ فقال عبد الرحمن: ألست ابن اللعين الذي لعن رسول الله أباك؟ فسمعت عائشة فقالت: مروان! أنت القائل لعبد الرحمن كذا وكذا، كذبت والله ما فيه نزلت، نزلت في فلان بن فلان.
وفي لفظ آخر عن محمد بن زياد: لما بايع معاوية لابنه قال مروان: سنة أبي بكر وعمر. فقال عبد الرحمن: سنة هرقل وقيصر. فقال مروان: هذا الذي قال الله فيه: والذي قال لوالديه أف لكما. الآية. فبلغ ذلك عائشة فقالت: كذب مروان، كذب مروان والله ما هو به ولو شئت أن اسمي الذي نزلت فيه لسميته، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه فمروان فضض من لعنة الله. وفي لفظ: ولكن رسول الله لعن أباك وأنت في صلبه فأنت فضض من لعنة الله. وفي لفظ الفائق: فأنت فظاظة (1) لعنة الله و ولعنة رسوله.
راجع مستدرك الحاكم 4: 481، تفسير القرطبي 16: 197، تفسير الزمخشري 3: 99، الفائق له 2: 325، تفسير ابن كثير 4: 159، تفسير الرازي 7: 491:، أسد الغابة لابن الأثير 2: 34، نهاية ابن الأثير 3: 23، شرح ابن أبي الحديد 2: 55،
____________
(1) قال الزمخشري: افتظظت الكرش إذا اعتصرت ماءها، كأنه عصارة قذرة من اللعنة.
(لفت نظر)
يوجد هذا الحديث في المصادر جلها لولا كلها باللفظ المذكور غير أن البخاري أخرجه في تفسير صحيحه في سورة الأحقاف وحذف منه لعن مروان وأبيه وما راقه ذكر ما قاله عبد الرحمن، وهذا دأبه في جل ما يرويه، وإليك لفظه:
كان مروان على الحجاز استعمله معاوية فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئا فقال: خذوه. فدخل بيت عائشة فلم يقدروا عليه، فقال مروان: إن هذا الذي أنزل الله فيه: والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني. فقالت عائشة من وراء الحجاب: ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن إلا أن الله أنزل عذري.
وهذا الحديث يكذب ما عزاه القوم إلى أمير المؤمنين وابن عباس من قولهما بنزول آية: وأصلح لي في ذريتي. في أبي بكر كما مر في الجزء السابع ص 6 32 ط 2.
وكان الحكم مع ذلك كله يدعو الناس إلى الضلال ويمنعهم عن الاسلام، إجتمع حويطب بمروان يوما فسأله مروان عن عمره فأخبره فقال له: تأخر إسلامك أيها الشيخ حتى سبقك الأحداث. فقال حويطب: الله المستعان والله لقد هممت بالاسلام غير مرة كل ذلك يعوقني أبوك يقول: تضع شرفك، وتدع دين آبائك لدين محدث؟ وتصير تابعا؟ فسكت مروان وندم على ما كان قال له، " تاريخ ابن كثير 8: 70 "
(الحكم في القرآن)
أخرج ابن مردويه عن أبي عثمان النهدي قال: قال مروان لما بايع الناس ليزيد:
سنة أبي بكر وعمر " إلى آخر الحديث المذكور " فسمعت ذلك عائشة فقالت: إنها لم تنزل في عبد الرحمن ولكن نزل في أبيك: ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم الآية " سورة القلم 10 ".
وأخرج ابن مردويه عن عائشة إنها قالت لمروان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لأبيك وجدك " أبي العاص بن أمية " إنكم الشجرة الملعونة في القرآن.
ويقول لأبيك وجدك " أبي العاص بن أمية ": إنكم الشجرة الملعونة في القرآن.
ذكره السيوطي في الدر المنثور 4: 191، والحلبي في السيرة 1: 337، و الشوكاني في تفسيره 3: 231، والآلوسي في تفسيره 15: 107. وفي لفظ القرطبي في تفسيره 10: 286.
قالت عائشة لمروان: لعن الله أباك وأنت في صلبه، فأنت بعض من لعنة الله ثم قالت: والشجرة الملعونة في القرآن.
و أخرج ابن أبي حاتم عن يعلى بن مرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله رأيت بني أمية على منابر الأرض وسيملكونكم فتجدونهم أرباب سوء، واهتم رسول الله لذلك، فأنزل الله: وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن و نخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا. " الاسراء 60 "
وأخرج ابن مردويه عن الحسين بن علي: إن رسول الله صلى الله عليه وآله أصبح وهو مهموم فقيل ما لك يا رسول الله؟ فقال: إني أريت في المنام كأن بني أمية يتعاورون منبري هذا فقيل: يا رسول الله! لا تهتم فإنها دنيا تنالهم فأنزل الله: وما جعلنا الرؤيا التي. الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي، وابن عساكر، عن سعيد بن المسيب قال: رأى رسول الله صل الله عليه وسلم بني أمية على المنابر فساءه ذلك فأوحى الله تعالى إليه: إنما هي دنيا أعطوها. فقرت عينه وذلك قوله تعالى: وما جعلنا الرؤيا التي أريناك. الآية.
وأخرج الطبري والقرطبي وغيرهما من طريق سهل بن سعد قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني أمية ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك فما استجمع ضاحكا حتى مات وأنزل الله تعالى: وما جعلنا الرؤيا التي أريناك. الآية.
وروى القرطبي والنيسابوري عن ابن عباس: إن الشجرة الملعونة هو بنو أمية
وفي لفظ: إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في المنام إن ولد الحكم بن أمية يتداولون منبره كما يتداولون الصبيان الكرة فساءه ذلك.
وفي لفظ للحاكم والبيهقي في الدلائل وابن عساكر وأبي يعلى من طريق أبي هريرة: إني أريت في منامي كأن بني الحكم بن العاص ينزون على منبري كما تنزو القردة. فما رؤي النبي مستجمعا ضاحكا حتى توفي.
(مصادر ما رويناه) تفسير الطبري 15: 77، تاريخ الطبري 11: 6 35، مستدرك الحاكم 4: 48، تاريخ الخطيب 8: 28 و ج 9: 44، تفسير النيسابوري هامش الطبراني 15: 55، تفسير القرطبي 10: 283، 286، النزاع والتخاصم للمقريزي ص 52، أسد الغابة 3: 14 من طريق الترمذي، م تطهير الجنان لابن حجر هامش الصواعق ص 148 فقال: رجاله رجال الصحيح إلا واحدا فثقة ] الخصايص الكبرى 2: 118، الدر المنثور 4: 191، كنز العمال 6: 90، تفسير الخازن 3: 177، تفسير الشوكاني 3: 230، 231، تفسير الآلوسي 15: 107 فقال الآلوسي:
ومعنى جعل ذلك فتنة للناس جعله بلاء لهم ومختبرا، وبذلك فسره ابن المسيب و كان هذا بالنسبة إلى خلفائهم الذين فعلوا ما فعلوا، وعدلوا عن سنن الحق وما عدلوا وما بعده بالنسبة إلى ما عدا خلفاءهم منهم ممن كان عندهم عاملا وللخبائث عاملا، أو ممن كان أعوانهم كيف ما كان، ويحتمل أن يكون المراد: ما جعلنا خلافتهم وما جعلنا أنفسهم إلا فتنة، وفيه من المبالغة في ذمهم ما فيه، وجعل ضمير " نخوفهم " على هذا لما كان له أولادا أو شجرة باعتبار أن المراد بها بنو أمية، ولعنهم لما صدر منهم من استباحة الدماء المعصومة، والفروج المحصنة، وأخذ الأموال من غير حلها، ومنع الحقوق عن أهلها، وتبديل الأحكام، والحكم بغير ما أنزل الله تبارك وتعالى على نبيه عليه الصلاة والسلام، إلى غير ذلك من القبايح العظام والمخازي الجسام التي لا تكاد
____________
(1) وفي بعض المصادر: ابن عمر.
نظرة في كلمتين
1 قال الطبري بعد روايته حديث الرؤيا: لا يدخل في هذا الرؤيا عثمان ولا عمر بن عبد العزيز ولا معاوية.
لا يهمنا بسط القول حول هذا التخصيص، ولا ننبس ببنت شفة في تعميم العموم الوارد في الأحاديث المذكورة وأمثالها الواردة في بني أمية عامة وفي بني أبي العاص جد عثمان خاصة، من قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح من طريق أبي سعيد الخدري: إن أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمتي قتلا وتشريدا، وإن أشد قومنا لنا بغضا بنو أمية و بنو المغيرة وبنو مخزوم (1).
وقوله صلى الله عليه وآله من طريق أبي ذر: إذا بلغت بنو أمية أربعين اتخذوا عباد الله خولا، ومال الله نحلا، وكتاب الله دغلا (2).
وقوله صلى الله عليه وآله من طريق حمران بن جابر اليمامي: ويل لبني أمية. ثلاث. أخرجه ابن مندة كما في الإصابة 1: 353، وحكاه عن ابن مندة وأبي نعيم السيوطي في الجامع الكبير كما في ترتيبه 6: 39، 91.
وقوله صلى الله عليه وآله من طريق أبي ذر: إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا مال الله دولا، وعباد الله خولا، ودين الله دغلا. قال حلام بن جفال: فأنكر على أبي ذر فشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إني سمعت رسول الله يقول: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، وأشهد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله.
أخرجه الحاكم من عدة طرق وصححه هو والذهبي كما في المستدرك 4: 480
____________
(1) مستدرك الحاكم 4: 487 وصححه.
(2) مستدرك الحاكم 4: 479، وأخرجه ابن عساكر كما في كنز العمال 6: 39.
م وذكر ابن حجر في تطهير الجنان هامش الصواعق 147 بسند حسنه: إن مروان دخل على معاوية في حاجة وقال: إن مؤنتي عظيمة أصبحت أبا عشرة، وأخا عشرة، و عم عشرة ثم ذهب فقال معاوية لابن عباس وكان جالسا معه على سريره: أنشدك بالله يا بن عباس أما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا بلغ بنو أبي الحكم ثلاثين رجلا اتخذوا آيات الله بينهم دولا، وعباد الله خولا، وكتابه دخلا، فإذا بلغوا سبعة وأربعمائة كان هلاكهم أسرع من كذا؟ قال: أللهم نعم.
وقوله صلى الله عليه وآله بإسناد حسنه ابن حجر في تطهير الجنان هامش الصواعق 143: شر العرب بنو أمية. وبنو حنيفة. وثقيف. وقال: صح قال الحاكم: على شرط الشيخين عن أبي برزة رضي الله عنه قال: كان أبغض الأحياء أو الناس إلى رسول الله بنو أمية ]
وقول مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: لكل أمة آفة وآفة هذه الأمة بنو أمية.
" كنز العمال 6: 91 ".
فالحكم في هذه العمومات ولا سيما بعد ملاحظة ما أثبتته السير ومدونات التاريخ وغيرها، وبعد الإحاطة بأحوال الرجال وما ارتكبوه وما ارتكبوا فيه، أنت و وجدانك أيها القارئ الكريم!.
2 قال ابن حجر في الصواعق ص 108: قال ابن ظفر: وكان الحكم هذا يرمى بالداء العضال وكذلك أبو جهل كذا ذكره الدميري في حياة الحيوان.
ولعنته صلى الله عليه وسلم للحكم وابنه لا تضرهما لأنه صلى الله عليه وسلم تدارك ذلك بقوله مما بينه في الحديث الآخر: إنه بشر يغضب كما يغضب البشر، وإنه سأل ربه إن من سبه أو لعنه أو دعا عليه أن يكون رحمة وزكاة وكفارة وطهارة. وما نقله " الدميري " عن ابن ظفر في أبي جهل لا تأويل عليه فيه بخلافه في الحكم فإنه صحابي وقبيح أي قبيح أن يرمى صحابي بذلك فليحمل على أنه إن صح ذلك كان يرمى به قبل الاسلام. ا ه.
أنا لا أدري أيعلم ابن حجر ماذا يلوك بين أشداقه؟ أهو مجد فيما يقول أم هازىء؟ أما ما اعتذر به عن إن لعنته صلى الله عليه وآله لا تضر الحكم وابنه. الخ. فقد أخذه مما أخرجه
هذا حط من مقام الرسالة لأجل أموي ساقط، وحسبان إن صاحبها كإنسان عادي يثيره ما يثير غيره فيغضب لما لا ينبغي أن يغضب له، ومخالف للكتاب العزيز من قوله سبحانه: وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. نعم: هو صلى الله عليه وآله بشر غير إنه كما قال في الذكر الحكيم: قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي. فإن كان في الوحي أن يلعن الطريد وما ولد فماذا ينجيه من اللعن؟ إلا أن يحسب ابن حجر إن الوحي أيضا يتبع الشهوات، كبرت كلمة تخرج من أفواههم.
وكيف يكون اللعن رحمة وزكاة وطهارة وكفارة وقد أصاب موضعه بأمر من الله سبحانه؟
وما يصنع ابن حجر بالصحيح المتضافر من إن سباب المسلم فسوق (2)؟
وكيف يسوغ له إيمانه أن يكون رسول الله سبابا أو لعانا أو مؤذيا لأحد أو جالدا لمسلم على غير حق؟ وكل ذلك من منافيات العصمة والله سبحانه يقول: الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا. وجاء في الصحيح: إنه صلى الله عليه وآله لم يكن سبابا ولا فحاشا ولا لعانا، وقد أبى رسول الله صلى الله عليه وآله عن الدعاء على المشركين، وقال صلى الله عليه وآله إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة (3) فهو صلى الله عليه وآله كان يأمل في أولئك المشركين الهداية فلم يلعنهم ولا دعا عليهم، ولما كان لم يرج في الحكم وولده أي خير لعنهم لعنا يبقي عليهم خزي الأبد.
نعم رواية الصحيحين المنافي لعصمة الرسول صلى الله عليه وآله اختلقتها يد الهوى على عهد
____________
(1) صحيح البخاري 4: 71 كتاب الدعوة. صحيح مسلم 2: 391 كتاب البر والصلة
(2) أخرجه أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم من طريق ابن مسعود.
وابن ماجة من طريق جابر وسعد. والطبراني عن عبد الله بن المغفل وعمرو بن النعمان. وصححه غير واحد من الحفاظ كالهيثمي والسيوطي والمناوي.
(3) أخرجه البخاري 9: 22، ومسلم في صحيحه 2: 393.
هبنا " العياذ بالله " ماشينا ابن حجر في أساطيره في نبي العصمة والقداسة فما حيلة المغفل فيما نزل من الذكر الحكيم في الحكم وبنيه؟ هل فيه ضير؟ أم يراه أيضا رحمة وزكاة وكفارة وطهارة.
وشتان بين رأي ابن حجر في الحكم وبين ما يأتي من قول أبي بكر لعثمان فيه: عمك إلى النار وقول عمر لعثمان: ويحك يا عثمان! تتكلم في لعين رسول الله و طريده وعدو الله وعدو رسوله؟.
وأما ما عالج به داء الحكم فهو يعلم أنه موصوم بما هو أفظع من ذلك من لعن رسول الله وطرده إياه، وكان الخبيث يهزأ برسول الله صلى الله عليه وآله في مشيته حتى أخذته دعوته صلى الله عليه وآله، وهل تجديه الصحبة وحاله هذه؟ وهل تشمل الصحبة التي هي من أربى الفضائل اللص الذي ساكن الصحابة لاستراق أموالهم والقاح الفتن فيهم؟ وهل تشمل المنافقين الذين كانوا في المدينة يومئذ؟ " ومن أهل المدينة مردوا على النفاق " فإن طهرت الصحبة أمثال الحكم فهي مطهرة أولئك بطريق أولى لأنه لم يكشف عنهم الغطاء كما كشف عن الحكم على العهد النبوي وفي دور الشيخين حتى أراد ابن أخيه ينقذه من الفضيحة فزيد ضغث على أبالة، ونبشت الدفائن، وذكر ما كاد أن ينسى.
ثم هب أن الصحبة مزيحة لعلل النفس والأمراض القلبية فهل هي مزيلة للأدواء الجسمانية؟ لم نجد في كتب الطب من وصفها بذلك، ولا تعدادها في الصف الأدوية المفيدة لداء من الأدواء، ولا لذلك الداء العضال الذي زعم ابن حجر إنه منفي عن الحكم لمحض الاسلام والصحبة، وجوز أن يكون قبل اتصاله بالمسلمين، حيا الله هذا الطب الجديد.
إن من الممكن جدا أن يكون هذا الداء العضال من علل طرد الرجل من المدينة فلم يرد صلى الله عليه وآله أن يكون بين صحابته في عاصمة نبوءته مخزي مثله.
إذا أنهاك البحث إلى هاهنا وعرفت الحكم ومقداره في أدوار حياته جاهلية
سبحانك اللهم ما قيمة بشر خيره الحكم؟ وما شأن جدوب غيثها بنو مروان؟ إن هي إلا أساطير الأولين نسجتها يد الغلو في الفضائل.
* (المسائلة) *
هلم معي نسائل الخليفة في إيواء لعين رسول الله وطريده (الحكم) وبمسمع منه ومرأى نزول القرآن فيه واللعن المتواصل من مصدر النبوة عليه وعلى من تناصل منه عدا المؤمنين، وقليل ماهم، ما هو المبرر لعمله هذا ورده إلى مدينة الرسول؟
وقد طرده صلى الله عليه وآله وأبناءه منها تنزيها لها من تلكم الأرجاس والأدناس الأموية وقد سأل أبا بكر وبعده عمر أن يرداه فقال كل منهما: لا أحل عقدة عقدها رسول الله صلى الله عليه وآله (1) وقال الحلبي في السيرة 2: 85: كان يقال له: طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعينه وقد كان صلى الله عليه وسلم طرده إلى الطائف ومكث به مدة رسول الله ومدة أبي بكر بعد أن سأله عثمان في إدخاله المدينة فأبى فقال له عثمان: عمي، فقال: عمك إلى النار، هيهات هيهات أن أغير شيئا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لا رددته أبدا، فلما توفي أبو بكر وولي عمر كلمه عثمان في ذلك فقال له: ويحك يا عثمان! تتكلم في لعين رسول الله صلى الله عليه وسلم وطريده وعدو الله وعدو رسوله؟ فلما ولي عثمان رده إلى المدينة فاشتد ذلك على المهاجرين والأنصار فأنكر ذلك عليه أعيان الصحابة، فكان ذلك من أكبر الأسباب على القيام عليه. ه ألم تكن للخليفة أسوة في رسول الله؟ والله يقول: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا. (2) أو كان قومه وحامته أحب إليه من الله ورسوله؟ وبين يديه الذكر الحكيم: قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم
____________
(1) الأنساب للبلاذري 5: 27، الرياض النضرة 2: 143، أسد الغابة 2: 35، السيرة الحلبية 1: 337، الإصابة 1: 345، (2) سورة الأحزاب: 21.
ثم ما هو المبرر لتخصيص الرجل بتلك المنحة الجزيلة من حقوق المسلمين و إعطياتهم؟ بعد تأمينه على أخذ الصدقات المشترط فيه الثقة والأمانة واللعين لا يكون ثقة ولا أمينا.
ثم نسائل الحكم والخليفة على تقريره لما ارتكبه من حمل صدقات قضاعة إلى دار الخلافة وقد ثبت في السند كما مر ص 245 إنها تقسط على فقراء المحل و عليها أتت الأقوال قال أبو عبيد في الأمول ص 596: والعلماء اليوم مجمعون على هذه الآثار كلها: أن أهل كل بلد من البلدان، أو ماء من المياه أحق بصدقتهم ما دام فيهم من ذوي الحاجة واحد فما فوق ذلك وإن أتى ذلك على جميع صدقتها حتى يرجع الساعي ولا شئ معه منها، بذلك جاءت الأحاديث مفسرة. ثم ذكر أحاديثا فقال ص 597: قال أبو عبيد: فكل هذه الأحاديث تثبت إن كل قوم أولى بصدقتهم حتى يستغنوا عنها، ونرى استحقاقهم ذلك دون غيرهم إنما جاءت به السنة لحرمة الجوار وقرب دراهم من دار الأغنياء. ا ه.
ألم يكن في قضاعة ذو حاجة فيعطى؟ أو لم يكن في المدينة الطيبة من فقراء المسلمين أحد فيقسم ذلك المال الطائل بينهم بالسوية؟ إنما الصدقات للفقراء و المساكين والعاملين عليها. الآية. فتخصيصها للحكم لماذا؟.
وهلم معي إلى المسكين صاحب المال تؤخذ منه الصدقات شاء أو أبى وهو يعلم مصب تلكم الأموال ومدرها من أيدي أولئك الجبابرة أو الجباة الجباه السود (نظراء الحكم ومروان والوليد وسعيد) وما يرتكبونه من فجور ومجون، وبعد لم ينقطع من أذنه صدى ما ارتكبه خالد بن وليد سيف.. مع مالك بن نويرة وحليلته وذويه وما يملكه، وكان يسمع من وحي الكتاب قوله تعالى: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم بها وتزكيهم (سورة التوبة 140) فهل يرى المسكين أن هذا الأخذ يطهره ويزكيه؟ لا حكم إلا لله.
نحن لا نقيم لأمثال هذه الآراء وزنا، ولا أحسب إن الباحث يقدر لها قيمة فإنها ولائد ظنون مجردة. وقد جاء في أولئك الأمراء بإسناد صححه الحاكم والذهبي من طريق جابر بن عبد الله قال قال صلى الله عليه وآله لكعب بن عجرة: أعاذك الله يا كعب! من إمارة السفهاء. قال: وما إمارة السفهاء يا رسول الله؟ قال: أمراء يكونون بعدي لا يهدون بهديي، ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني و لست منهم، ولا يردون علي حوضي (3).
فإعطاء الصدقات لأولئك الأمراء من أظهر مصاديق الاعانة على الإثم والعدوان والله تعالى يقول: تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " سورة المائدة 2 ".
ثم إن الصدقات كضرائب مالية في أموال الأغنياء لإعاشة الضعفاء من الأمة قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: إن الله عز وجل فرض على الأغنياء في أموالهم ما يكفي الفقراء فإن جاعوا أو عروا أو جهدوا فبمنع الأغنياء، وحق على الله تبارك وتعالى أن يحاسبهم ويعذبهم. (الأموال لأبي عبيد ص 595، المحلى لابن حزم 6: 158، و أخرجه الخطيب في تاريخه 5: 208 من طريق علي مرفوعا)
وفي لفظ: إن الله سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلا بما متع به غني، والله سائلهم عن ذلك (نهج البلاغة 2: 214)
هذا هو مجرى الصدقات في الشريعة المطهرة، وهو الذي يطهر صاحب المال و يزكيه، ويكتسح عن المجتمع معرة الآراء الفاسدة من الفقراء، المقلقة للسلام و المعكرة لصفو الحياة.
____________
(1) سنن البيهقي 4: 115.
(2) سنن البيهقي 4: 115، الأموال لأبي عبيد ص. 57.
(3) مستدرك الحاكم 4: 422.
وهلا رواه لهما حين كلمهما في رده فجبهاه بما عرفت؟ أو أنهما لم يثقا بتلك الرواية؟
فهذه مشكلة أخرى. أو إنهما صدقاه؟ غير إنهما رأيا أن صلى الله عليه وآله وعده أن يرده هو صلى الله عليه وآله ولم يرده، ولعل المصلحة الواقعية أو الظروف لم تساعده على إنجاز الوعد حتى قضى نحبه، فمن أين عرف الترخيص له في رده؟ ولو كانت هناك شبهة رخصة؟
لعمل بها الشيخان حين فاوضهما هو في ذلك، لكنهما ما عرفا الشبهة ولا علما تلميحا للرخصة بل رأياه عقدة لرسول الله صلى الله عليه وآله لا تنحل، وفي الملل والنحل للشهرستاني 1: 25: فما أجابا إلى ذلك ونفاه عمر من مقامه باليمن أربعين فرسخا. ه. ومن هنا رأى ابن عبد ربه في العقد، وأبو الفدا في تاريخه 1: 168: أن الحكم طريد رسول الله وطريد أبي بكر وعمر أيضا، وكذلك الصحابة كلهم ما عرفوا مساغا لرد الرجل وأبناؤه وإلا لما نقموا به عليه ولعذروه على ما ارتكبه وفيهم من لا تخفى عليه مواعيد النبي صلى الله عليه وآله.
وللخليفة معذرة أخرى قال ابن عبد ربه في العقد الفريد 2: 272: لما رد عثمان الحكم طريد النبي صلى الله عليه وسلم وطريد أبي بكر وعمر إلى المدينة تكلم الناس في ذلك فقال عثمان: ما ينقم الناس مني؟ أني وصلت رحما وقريت عينا. ا ه ونحن لا نخدش العواطف بتحليل كلمة الخليفة هذه، ولا نفصل القول في مغزاها وإنما نمر به كراما، وأنت إذا عرفت الحكم وما ولد فعلمت أن ردهم إلى المدينة المشرفة وتوليهم على الأمور، وتسليطهم على ناموس الاسلام، واتخاذ الحمى لهم كما مر ص 242 جناية كبيرة على الأمة لا تغتفر، ولا تقر بها قط عين.
- 32 -
أيادي الخليفة عند مروان
أعطى مروان بن الحكم بن أبي العاص ابن عمه وصهره من ابنته أم أبان خمس غنائم أفريقية وهو خمسمائة ألف دينار، وفي ذلك يقول عبد الرحمن بن حنبل الجمحي الكندي مخاطبا الخليفة:
____________
(1) الأنساب للبلاذري 5: 27، الرياض النضرة 2: 143، مرآة الجنان لليافعي 1: 85 الصواعق ص 68، السيرة الحلبية 2: 86.
هكذا رواه ابن قتيبة في المعارف ص 84، وأبو الفدا في تاريخه 1: 168، و ذكر البلاذري الأبيات في الأنساب 5: 38 ونسبها إلى أسلم بن أوس بن بجرة الساعدي الخزرجي الذي منع أن يدفن عثمان بالبقيع وإليك لفظها:
قال: يعني الحكم والد مروان.
وذكرها ابن عبد ربه في العقد الفريد 2: 261 ونسبها إلى عبد الرحمن، وروى البلاذري من طريق عبد الله بن الزبير أنه قال: أغزانا عثمان سنة سبع وعشرين أفريقية فأصاب عبد الله بن سعد بن أبي سرح غنائم جليلة فأعطى عثمان مروان بن الحكم خمس الغنائم. وفي رواية أبي مخنف: فابتاع الخمس بمائتي ألف دينار فكلم عثمان فوهبها له فأنكر الناس ذلك على عثمان (1).
وفي رواية الواقدي كما ذكره ابن كثير: صالحه بطريقها على ألفي ألف دينار وعشرين ألف دينار فأطلقها كلها عثمان في يوم واحد لآل الحكم ويقال: لآل مروان (2)
____________
(1) الأنساب 5: 27، 28.
(2) تاريخ ابن كثير 7: 152. لا يخفى على القاري تحريف ابن كثير رواية الواقدي والصحيح ما ذكره الطبري عنه.
قال لا أدري. (تاريخ الطبري 5: 50).
وقال ابن الأثير في الكامل 3: 38: وحمل خمس أفريقية إلى المدينة فاشتراه مروان بن الحكم بخمسمائة ألف دينار فوضعها عنه عثمان، وكان هذا مما أخذ عليه، وهذا أحسن ما قيل في خمس أفريقية، فإن بعض الناس يقول: أعطى عثمان خمس أفريقية عبد الله بن سعد. وبعضهم يقول: أعطاه مروان الحكم، وظهر بهذا إنه أعطى عبد الله خمس الغزوة الأولى، وأعطى مروان خمس الغزوة الثانية التي افتتحت فيها جميع أفريقية. والله أعلم.
وروى البلاذري وابن سعد: إن عثمان كتب لمروان بخمس مصر وأعطى أقرباءه المال، وتأول في ذلك الصلة التي أمر الله بها، واتخذ الأموال واستسلف من بيت المال وقال: إن أبا بكر وعمر تركا من ذلك ما هو لهما، وإني أخذته فقسمته في أقربائي.
فأنكر الناس عليه ذلك. (1)
وأخرج البلاذري في الأنساب 5: 28 من طريق الواقدي عن أم بكر بنت المسور قالت: لما بني مروان داره بالمدينة دعا الناس إلى طعامه وكان المسور فيمن دعا، فقال مروان وهو يحدثهم: والله ما أنفقت في داري هذه من مال المسلمين درهما فما فوقه. فقال المسور: لو أكلت طعامك وسكت لكان خيرا لك، لقد غزوت معنا افريقية وإنك لأقلنا مالا ورقيقا وأعوانا وأخفنا ثقلا، فأعطاك ابن عفان خمس افريقية وعملت على الصدقات فأخذت أموال المسلمين. فشكاه مروان إلى عروة وقال: يغلظ لي وأنا له مكرم متق.
قال ابن أبي الحديد في الشرح 1: 67: أمر (عثمان) لمروان بمائة ألف من بيت المال وقد زوجه ابنته أم أبان فجاء زيد بن أرقم صاحب بيت المال بالمفاتيح فوضعها
____________
(1) طبقات ابن سعد 3: 44 ط ليدن، الأنساب للبلاذري 5: 25.
وقال الحلبي في السيرة 2: 87: وكان من جملة ما انتقم به على عثمان رضي الله تعالى عنه أنه أعطى ابن عمه مروان بن الحكم مائة ألف وخمسين أوقية.
* مروان وما مروان؟ *
مر في صفحة 246 ما صح من لعن رسول الله صلى الله عليه وآله على أبيه وعلى من يخرج من صلبه. وأسلفنا ما صح من قول عائشة لمروان: لعن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم أباك فأنت فضض من لعنة الله.
وأخرج الحاكم في المستدرك 4: 479 من طريق عبد الرحمن بن عوف وصححه أنه قال: كان لا يولد لأحد بالمدينة ولد إلا أتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأدخل عليه مروان بن الحكم فقال: هو الوزغ ابن الوزغ، الملعون ابن الملعون.
وذكر الدميري في حيوة الحيوان 2: 399، وابن حجر في الصواعق ص 108، والحلبي في السيرة 1 6 337 ولعل معاوية أشار إليه بقوله لمروان: يا ابن الوزغ لست هناك. فيما ذكره ابن أبي الحديد 2: 56.
وأخرج ابن النجيب من طريق جبير بن مطعم قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله فمر الحكم بن أبي العاص فقال النبي صلى الله عليه وآله: ويل لأمتي مما في صلب هذا (1).
وفي شرح ابن أبي الحديد 2: 55 نقلا عن الاستيعاب: نظر علي عليه السلام يوما إلى مروان فقال له: ويل لك وويل لأمة محمد منك ومن بيتك إذا شاب صدغاك. وفي لفظ ابن الأثير: ويلك وويل أمة محمد منك ومن بنيك. " أسد الغابة 4: 348 " ورواه ابن عساكر بلفظ آخر كما في كنز العمال 6: 91.
وقال مولانا أمير المؤمنين يوم قال له الحسنان السبطان: يبايعك مروان يا أمير
____________
(1) أسد الغابة 2: 34، الإصابة 1: 346، السيرة الحلبية 1: 337، كنز العمال 6: 40.