لو وجب إنفاق كل المال لم يكن للآية وجه، وكانوا يجتمعون عليه مزدحمين حيث حل مستغربين منه ذلك، فاختار العزلة فاستشار عثمان فيها، وأشار إليه بالذهاب إلى الربذة، فسكن فيها حسبما يريد، وهذا ما يعول عليه في هذه القصة، ورواها الشيعة على وجه جعلوه من مطاعن ذي النورين وغرضهم بذلك إطفاء نوره ويأبى الله إلا أن يتم نوره. ا ه
* في هذه الكلمة مواقع للنظر *
1 - قوله: أخذ بظاهر الآية. الخ. ليس للآية ظاهر غير باطنها وليس فيها إيجاب لإنفاق جميع المال المؤد زكاته الفاضل عن الحاجة، فأي ظهور فيها يعاضد ما عزوه إلى أبي ذر؟ حتى يسعه الأخذ به والتعويل عليه، وإنما هي زاجرة عن الاكتناز الذي بيناه في صفحة 320 ولم يؤثر قط عن أبي ذر المصارحة ولا الإشارة إلى شئ مما عزاه إليه، بل أوقفناك على أن كل ما روي عنه أو فيه مناف لذلك.
2 - ما رتبه على ذلك من وقوع النزاع بينه وبين معاوية وقد أسلفنا في صفحة 295 عن صحيح البخاري من أن النزاع بينهما كان في نزول الآية لا في مفادها فكان معاوية يزعم إنها نزلت في أهل الكتاب وأبو ذر يعمهما عليهم وعلى المسلمين، ومر أيضا مراد أبي ذر من الانفاق ومقدار المنفق من المال وإنه ليس ما فضل عن الحاجة وإنما هو ما ندب إليه الشرع واجبا أو تطوعا، ولم يكن إنكار إلا على الاكتناز الذي هو لدة الاحتكار في الأطعمة يحر الملأ عن منافع النقدين ونمائهما، ويحرم الفقراء خاصة عن حقوقهم المجعولة فيهما من ناحية الدين، وقد فصلنا القول في هذه كلها.
3 - ما رواه من قصة كعب الأحبار. لقد أقرأناك المأثور من هذه القصة و كيفية الحال فيها واختلاف ألفاظها وليس في شئ منها أكثر ما لفقه الآلوسي من قول الرجل لأبي ذر: إن الملة الحنيفة. الخ. ومن استعاذته بظهر عثمان، وعدم اكتراث أبي ذر لذلك ووقوع الضربة على عثمان، ووليته ذكر لما تقوله مصدرا ولو من
ونذكر لك هنالك لفظ أحمد في مسنده 1 : 63 من طريق مالك بن عبد الله الزيادي عن أبي ذر: إنه جاء يستأذن على عثمان بن عفان رضي الله عنه فأذن له و بيده عصاه فقال عثمان رضي الله عنه: يا كعب! إن عبد الرحمن توفي وترك مالا، فما ترى فيه؟ فقال: إن كان يصل فيه حق الله فلا باس. فرفع أبو ذر عصاه فضرب كعبا وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ما أحب لو أن لي هذا الجبل ذهبا أنفقه ويتقبل مني أذر خلفي منه ست أواق. أنشدك الله يا عثمان! اسمعته؟ ثلاث مرات. قال: نعم.
ومنه يتجلى إنها قضية في واقعة ترجع إلى مال عبد الرحمن بن عوف الذي ترك ذهبا قطع بالفؤس حتى مجلت أيدي الرجال منه، وبلغ ربع ثمنه ثمانين ألفا، وقد أعطي له ذلك بغير استحقاق من مال الله الذي يستوي فيه المسلمون، فكانت أثرة ممقوتة واكتنازا منهيا عنه، وما كانت فتوى كعب تبرر شيئا من عمله لأنه لم يكن من نماء زرع أو نتاج ماشية أو ربحا من تجارة حتى يطهره إخراج حقوق الله منه، وإنما كان المال كله لله، وأفراد المسلمين فيه شرع سواء، وإن كان لابن عوف فيه حقا فعلى زنة بقية المسلمين فحسب.
والعجب من هذا الاستفتاء ومن توجيهه إلى كعب خاصة وهو يهودي قريب العهد بالاسلام وفي المنتدى مثل أبي ذر عالم الصحابة، والمستفتي جد عليم بحقيقة ذلك المال لأنه هو الذي أدره عليه جزاء حسن اختياره للخلافة يوم الشورى، ولم تكن ثروته الشخصية تفي لتلكم العطايا الجزيلة، فليس لها مدر إلا مال الله، فعلى أبي ذر البصير بمواقع أحكام الشرع أن ينكر تلكم المنكرات على من استباح ذلك العطاء، وعلى من استباح أخذه واكتنازه، وعلى من حاول أن يبرر تلكم الأعمال.
ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون.
وإن كانت توجب نظرية أبي ذر هذه الشيوعية أو الاشتراكية؟ فقد سبقه إليها
وأخرجه ابن حزم في المحلى 6: 158 فقال: هذا إسناد في غاية الصحة والجلالة وفي عصر المأمون 1: 2: حرم عمر بن الخطاب على المسلمين اقتناء الضياع والزراعة لأن أرزاقهم وأرزاق عيالهم وما يملكون من عبيد وموال، كل ذلك يدفعه لهم من بيت المال، فما بهم إلى اقتناء المال من حاجة.
نعم: عزبت عن اللجنة نظرية الخليفة الثاني في ناحية المال أو أن عظمة الخلافة صدتهم عن الجرأة عليه لكن أبا ذر لم يكن خليفة، فتمنعهم عظمته عن التقول عليه، وقد مات في المنفى فريدا وحيدا لا يجد من يعينه أو يدافع عنه أو يجهزه بعد موته فيتوثب عليه حتى الخنافس والديدان، غير إن له يوما آخر يحشر فيه أمة واحدة هنالك تبلى السرائر ويعلم ما ارتآه أبو ذر وما رمي به. ذلك يوم مشهود له الناس، والحكم هنالك لله الواحد القهار.
4 - ما عزا إليه من الحدة وهو ينافي تشبيه رسول الله صلى الله عليه وآله إياه بعيسى بن مريم في هديه وخلقه ونسكه وزهده (1) فهو ممثل المسيح عليه السلام في هذه الأمة، و أنى تقع الحدة منه؟ إلا أن يدعوه إليها الدين كما هو من خصال المؤمنين الموصوفين بالوداعة بينهم، والخشونة في ذات الله، وأبو ذر في الرعيل الأول منهم، فليس من المستطاع أن نخضع لصحة هذه الرواية وفيها الوقيعة من أبي ذر فيمن يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله يقربه ويدنيه ويحبه.
فلا تكاد تنهض حجة على مفادها ولو جاءت بسند صحيح لأن المعلوم من حال أبي ذر هو ما أخبر بن النبي الصادق الأمين، وعلى فرض صحتها قضية في واقعة لا تعدو أن تكون فلتة ليست لها لدة، ولعلها صدرت منه قبل تحريم ذلك كما ذهب إليه شراح صحيح البخاري (2) وبمثلها لا يمكن أن تثبت لأبي ذر غريزة الحدة فيحمل ما صدر
____________
(1) راجع ص 312 314 من هذا الجزء.
(2) راجع فتح الباري لابن حجر، وإرشاد الساري للقسطلاني، وعمدة القاري للعيني.
وكأن الرجل هاهنا ذهل عما ذكره في كتابه (مسائل الجاهلية) ص 129 من قوله: إن أبا ذر رضي الله تعالى عنه قبل بلوغه المرتبة القصوى من المعرفة تساب هو وبلال الحبشي المؤذن فقال له: يا ابن السوداء. فلما شكا بلال إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال له: شتمت بلالا وعيرته بسواد أمه؟ قال: نعم. قال: حسبت إنه بقي فيك شئ من كبر الجاهلية. فألقى أبو ذر خده على التراب ثم قال: لا أرفع خدي حتى يطأ بلال خدي بقدمه. ا ه.
وهكذا رواه البرماوي، وذكره القسطلاني في إرشاد الساري 1: 113 وقال:
زاد ابن الملقن: فوطئ خده.
هذا أبو ذر وهذا أدبه وكرم أخلاقه، وإنه لعلى خلق عظيم.
5 - ما ادعاه من كثرة المتعرضين على أبي ذر. الخ. ليته سمى واحدا من أولئك المتعرضين، أو سمى مصدرا ولو من أتفه المصادر يصافقه على هذه الدعوى، وإنما كانت الصحابة يومئذ بين مصافق لأبي ذر على هتافه، ومسل له على نكبته، ومستاء على ما أصابه من الأذى، وناقم على من فعل به ذلك، فلم يكن عندئذ من يرد عليه قوله، ويحفظ آية المواريث وأبو ذر ناسيها وهو وعاء ملئ علما بشهادة من أعلم الأمة باب مدينة علم النبي صلى الله عليهما وآلهما.
كان من العزيز على صلحاء الصحابة المنابأة بالفادح الجلل تسيير أبي ذر إلى الربذة لكرههم ذلك ونبوء سمعهم عنه، وكان الصحابي الصالح يسترجع مرارا لما قرع سمعه ذلك النبأ المزري، وكان يقول: ارتقبهم واصطبر، اللهم إن كذبوا أبا ذر فإني لا أكذبه، اللهم وإن اتهموه فإني لا أتهمه، اللهم وإن استغشوه فإني لا استغشه، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأتمنه حين لا يأتمن أحدا، ويسر إليه حين لا يسر إلى أحد (1).
ولعل الآلوسي يريد بمن ذكرهم من المتعرضين طغمة آل أمية المتخذين مال الله دولا، وعباده خولا، ودينه دخلا، وكتابه دغلا، غير أنهم ما كانوا يجادلون بالقرآن وما كانوا يعرفون منه إلا ظاهرا من قوله تعالى: ولا تنس نصيبك من الدنيا.
____________
(1) راجع من هذا الجزء صفحة 315.
6 - حسبانه بأن خروجه إلى الربذة كان مللا منه من تعرض الناس وازدحامهم عليه مستغربين منه رأيه بعد أن استشار عثمان فأشار إليه بالذهاب إليها فسكن فيها حسبما يريد. وهذه أكذوبة أخرى فقد مر فيما تقدم إنه نفي إلى الربذة، ومنع الناس عن مشايعته، فلم يدن منه أحد إلا مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وابناه الإمامان وعمار معهم، وما جرى بينهم وبين مروان، ثم ما جرى بين الإمام وبين عثمان، وما قال له مشايعوه من كلمات التسلية، وما قاله أبو ذر نفسه لمن زاره في الربذة، وقول عثمان لعمار: يا عاض أير أبيه! أتحسب أني ندمت من تسييره؟ إلى كلمات أخرى كلها صريحة في تسييره على صورة غير مرضية، ونقمة الصحابة جمعاء على من فعل به ذلك. وقد عرفت قبل هذه كلها إخبار رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك النفي والإخراج بالرغم من أشواق أبي ذر المحتدمة على جواره مرقد النبي الأعظم، فراجع تفاصيل هذه الجمل فيما تقدم من صحائف هذا الجزء، لكن الآلوسي أراد أن يخفف وطأة النقد على من والاه ورد النقمة عنه فصدر للقصة صورة خيالية، وحسب أن التنقيب لا يكشف عن عوارها، وليت اللجنة الحاكمة لم تتغافل عن إن هذه الجملة الأخيرة تنافي ما استشهدت به من كلام ابني كثير وحجر فقد اعترفا بأن خروج أبي ذر إلى الربذة كان تسييرا بلا اختيار منه غير أنهما حاولا الاعتذار عن قبل من ارتكب ذلك.
7 - قوله: هذا ما يعول عليه في هذه القصة. الخ. انظر إلى هذا الرجل كيف يحاول أن يغمط الحقائق الثابتة حسب ميوله وأهواءه، وهو يزعم أن الأمة ستتخذ ما لفقه أصلا متسبعا، فتمحو الكتب وتلقي الستار على صفحة التاريخ، وتحذف الأحاديث من مدوناتها وتضرب صفحا عن غير كتابه مما ثبت فيها كل ما نفاه هو كما قدمنا لك ذلك في أبحاثنا هذه؟ وقصارى القول إن العلماء في هذه المسألة فريقان: فقسم سرد تلكم الأحوال سردا تاريخيا أو أخرجها إخراج الحديث من غير تعرض لما لها أو عليها وقد عرفت هؤلاء، وفريق يعترف بكل ما هنالك غير إنه يعتذر عمن ارتكب هاتيك الأحوال بأنها كانت لحفظ أبهة الخلافة، وصيانة منصب الشريعة، وإقامة حرمة
الشاهد الثاني
أما شاهد اللجنة الثاني وهو ابن كثير، وما أدراك ما ابن كثير، وما أراك ما كتاباه في التفسير والتاريخ؟ مجاميع الفحش، وموسوعات البهت، وكراريس الدجل، ومن تدجيله هاهنا ما ادعاه من نسبة تحريم ادخار ما زاد على نفقة العيال إلى أبي ذر و إنه كان يفتي به ويحثهم عليه. الخ. على حين إنه لا يوجد لأبي ذر أي فتوى تصرح أو تلوح بذلك التحريم أو حث له على ذلك أو أمر به أو تغليظ فيه، غير ما لفقه الأفاكون في الأدوار المتأخرة من عزو مختلق، نعم: وربما يتخذ مصدرا لهذه الأفائك ما شوه به الطبري صحيفة تاريخه من مكاتبة السري الكذاب من طريق شعيب المجهول عن سيف الساقط المتهم بالزندقة، الذين عرفت موقفهم من الدين والصدق والأمانة وعرفت حال روايتهم خاصة في ص 328326، وغير خاف ذلك على مثل ابن كثير و من لف لفه، لكنهم نبذوا الرجل نبذة ليسقطوه عن محله، ويسقطوا آرائه عن الاعتبار فتشبثوا بالحشيش كالغريق، لكنهم خابوا وفشلوا، وإنما المأثور عنه تلاوة الآية الكريمة، ونقل السنة الواردة عن نبي الاسلام في اكتناز الذهب والفضة، وأما الآية الكريمة فقد عرفت مقدار دلالتها وإن الخلاف لواقع بين أبي ذر ومعاوية إنما هو بالنسبة إلى نزولها دون المفاد، وإنه لو صحت النسبة لوجب قذفهما معا أو تبرئتهما معا.
علي أن لأبي ذر في ما ادعاه من شأن الآية مصافقون فروى ابن كثير نفسه عن ابن عباس: إنها عامة. وعن السدي أنه قال: هي في أهل القبلة. فهو أيضا يوافقه في الجملة.
____________
(1) راجع الرياض النضرة 2: 146، الصواعق ص 68، تاريخ الخميس 2:
وقال الزمخشري في الكشاف 2: 31: ويجوز أن يراد المسلمون الكانزون غير المنفقين. وقال البيضاوي في تفسيره 1: 499: ويجوز أن يراد به المسلمون الذين يجمعون المال ويقتنونه ولا يؤدون حقه. وقال الشوكاني في تفسيره 2: 339: والأولى حمل الآية على عموم اللفظ فهو أوسع من ذلك. وقال الآلوسي في تفسيره 10: 87: والمراد من الموصول إما الكثير من الأحبار والرهبان، وإما المسلمون وهو الأنسب لقوله: ولا ينفقونها في سبيل الله.
فرأي أبي ذر أخذا بمجاميع هذه الكلمات هو الصحيح والأنسب والأولى، وما تفرد به بل ذهب إليه آخرون، فلماذا لا يقذفون هؤلاء بما قذف به أبو ذر، وهل لأبي ذر حساب آخر يسوغ الفرية عليه دون أولئك؟ نعم. نعم.
وأما السنة فقد روى نظير ما رواه غير واحد من الصحابة، لكن القوم لم يضمروا على أحد منهم من الحقد ما أضمروه على أبي ذر لمكان رأيه في الإمامة منذ الصدر الأول، ونزعته العلوية التي لم يزل مجاهرا بها، ومناوئته للبيت الأموي، فحاولوا تشويه ذكره وتفنيد رأيه بكل ما تيسر لهم، فمن أولئك الصحابة:
1 - عبد الله بن مسعود قال: دخل النبي صلى الله عليه وآله على بلال وعنده صبرة من تمر فقال: ما هذا يا بلال؟ قال: أعد ذلك لأضيافك. قال: أما تخشى أن يكون لك دخان في نار جهنم؟ أنفق بلال! ولا تخش من ذي العرش إجلالا.
رواه البزاز بإسناد حسن والطبراني في الكبير وقال: أما تخشى أن يفور له بخار في نار جهنم؟.
2 - أبو هريرة قال: إن النبي صلى الله عليه وآله عاد بلال فأخرج له صبرا من تمر فقال: ما هذا
رواه أبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط بإسناد حسن.
3 - أسماء بنت أبي بكر قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا توكي فيوكا عليك. وفي رواية: أنفقي، أو أنفحي، أو أنضحي، ولا تحصي فيحصي الله عليك، ولا توعي فيوعي الله عليك. رواه البخاري ومسلم وأبو داود.
4 - بلال مرفوعا: يا بلال! مت فقيرا ولا تمت غنيا، قلت: وكيف لي بذلك؟ قال ما رزقت فلا تخبأ، وما سئلت فلا تمنع. فقلت: يا رسول الله! وكيف لي بذلك؟ قال: هو ذاك أو النار.
رواه الطبراني في الكبير، وابن حبان في كتاب الثواب، والحاكم وصححه.
5 - أنس بن مالك قال أهديت للنبي ثلاث طوائر فأعطى خادمه طائرا فلما كان من الغد أتته بها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: ألم أنهك أن ترفعي شيئا لغد، فإن الله يأتي برزق غد. رواه أبو يعلى والبيهقي ورجال أبي يعلى ثقات.
6 - أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يدخر شيئا لغد.
رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي.
7 - سمرة بن جندب مرفوعا: إني لألج هذه الغرفة ما ألجها خشية أن يكون فيها مال فأتوفى ولم أنفقه. رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن.
8 - أبو سعيد الخدري مرفوعا: ما أحب أن لي أحدا ذهبا أبقى صبح ثالثة و عندي منه شئ إلا شئ أعده للدين.
رواه البزار وهو إسناد حسن وله شواهد كثيرة.
9 - أبو أمامة: إن رجلا توفي على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يوجد له كفن فأتي النبي صلى الله عليه وآله فقال: انظروا إلى داخلة إزاره فأصيب دينار أو ديناران فقال: كيتان
10 - توفي رجل من أهل الصفة فوجد في مئزره دينار فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: كية. ثم توفي آخر فوجد في مئزرة ديناران، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: كيتان.
رواه أحمد والطبراني من عدة طرق، وابن حبان في صحيحه من طريق عبد الله
11 - سلمة بن الأكوع قال: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وآله فأتي بجنازة ثم أتي بأخرى فقال: هل ترك من دين؟ قالوا: لا. قال: فهل ترك شيئا؟ قالوا: نعم ثلاثة دنانير. فقال باصبعه: ثلاث كيات.
أخرجه أحمد بإسناد جيد وابن حبان في صحيحه باللفظ المذكور والبخاري نحوه
12 - أبو هريرة: إن أعرابيا غزا مع رسول الله صلى الله عليه وآله خيبر فأصابه من سهمه ديناران فأخذهما الأعرابي فجعلهما في عباءة فخيط عليهما ولف عليهما، فمات الأعرابي فوجد الديناران فذكر ذلك لرسول الله فقال: كيتان.
رواه أحمد وإسناد حسن لا بأس به.
هذه جملة من تلكم الأحاديث، وقد جمعها الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب 1: 253 258.
13 - أخرج أحمد في مسنده 1: 300 من طريق ابن عباس قال: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم التفت إلى أحد فقال: والذي نفس محمد بيده ما يسرني إن أحدا يحول لآل محمد ذهبا أنفقه في سبيل الله أموت يوم أموت ادع منه دينارين إلا دينارين أعدهما للدين إن كان.
14 - أخرج ابن كثير نفسه في تفسيره 2: 352 من طريق عبد الله بن مسعود: والذي لا إله غير لا يكون عبد يكنز فيمس دينار دينارا ولا درهم درهما ولكن يوسع جلده فيوضع كل دينار ودرهم على حدته.
رواه سفيان عن عبد الله بن عمر بن مرة عن مسروق عن ابن مسعود، ورواه ابن مردويه عن أبي هريرة.
15 - حكى ابن كثير عن أبي جعفر ابن جرير الطبري من طريق ثوبان مرفوعا: من ترك بعده كنزا مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يتبعه ويقول: ويلك ما أنت؟ فيقول: أنا كنزك الذي تركته بعدك. ولا يزال يتبعه حتى يلقمه يده فيقضمها ثم يتبعها سائر جسده. قال: ورواه ابن حبان في صحيحه.
16 - ونقل في ص 353 عن ابن أبي حاتم بإسناده من طريق ثوبان مرفوعا: ما من رجل يموت وعنده أحمر أو أبيض إلا جعل الله بكل قيراط صفحة من نار يكوى بها من قدمه إلى ذقنه.
18 - أخرج أحمد من طريق عبد الله بن أبي الهذيل قال: حدثني صاحب لي: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: تبا للذهب والفضة وقال: إنه انطلق مع عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله! قولك: تبا للذهب والفضة. ماذا ندخر؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لسانا ذاكرا، وقلبا شاكرا، وزوجة تعين على الآخرة. تفسير ابن كثير 2: 351.
19 - أخرج أحمد والترمذي وابن ماجة من طريق سالم بن أبي الجعد عن ثوبان قال: لما نزلت في الذهب والفضة ما نزل قالوا: فأي المال نتخذ؟ قال عمر: فأنا أعلم لكم ذلك فأوضع على بعير فأدركه وأنا في أثره فقال: يا رسول الله! أي المال نتخذ؟
قال: قلبا شاكرا، ولسانا ذاكرا، وزوجة تعين أحدكم على أمر الآخرة.
20 - وقبل هذه كلها ما أخرجه إمام الحنابلة أحمد في مسنده 1: 62 من طريق عثمان بن عفان من أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: كل شئ سوى ظل بيت، وجلف الخبز، وثوب يواري عورته والماء، فما فضل عن هذا فليس لابن آدم فيهن حق. وأخرجه أبو نعم في حلية الأولياء 1: 61.
هذه الأحاديث أخرجها أئمة الفقه وحفاظ الحديث وأعلام التفسير في تآليفهم محتجين بها لما ارتأوه من الترغيب إلى الزهد والتطوع بالانفاق، والترهيب عن الاكتناز والادخار، ولم يتكلم أحد منهم في راو من رواتها، وما أتهم أي منهم بما اتهم به أبو ذر، فإن كان للتأويل والحمل على معنى صحيح فيها مجال فهي وما رواه أبو ذر على شرع سواءا فأي وازع عن تأويل ما جاء به أبو ذر؟ ولماذا رشقوه بين أولئك الصحابة بنبال القذف؟ مع أن أبا ذر لم يكن هتافه ذلك للدعوة إلى تهذيب النفس بالزهادة في حطام الدنيا والفوز بمراتب الكمال، وإنما كان نكيره على أمة اتخذت كنوزا مكدسة من الذهب والفضة على غير وجه حلها كما فصلنا القول في ذلك تفصيلا.
وإذ لم يجد ابن كثير شاهدا قويما لما ادعاه من أقوال أبي ذر تشبث بعمله فقال: وقد أحضره رضي الله عنه وهو عنده هل يوافق عمله قوله فبعث إليه بألف دينار ففرقها
وليس فيه إلا زهد أبي ذر المهلك سبده ولبده، ولم يكن عمله هذا عن فتوى و لا إيجاب، وإنما كان تطوعا ومبالغة في الزهادة والجود، وقد سبقه إلى ذلك سيد البشر صلى الله عليه وآله، عاش صلى الله عليه وآله كما عرفت ومات ولم دع دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة ولا شاة ولا بعيرا، وترك درعه رهنا عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير (1) وحذا حذوه آله سلام الله عليهم الذين كانوا يطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة (2) الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة وهم راكعون (3) الذين ينفقون أموالهم باليل والنهار سرا وعلانية (4) وقد خرج الإمام السبط الحسن الزكي من ماله مرتين، وقاسم الله عز وجل ماله ثلاث مرارا حتى أن كان ليعطي نعلا ويمسك نعلا، ويعطي خفا ويمسك خفا (5)
وما أكثر الزهاد أمثال أبي ذر في أمة محمد صلى الله عليه وآله وقد أفنت الزهادة كل مالهم من ثمة ورمة وقد عد ذلك في الجميع فضيلة يذكرون بها ويشكرون عليها إلا في أبي ذر شبيه عيسى بن مريم في الأمة المرحومة فاتخذوه مدركا لتلك الفتوى المزعومة غفرانك اللهم وإليك المصير.
استشهاد اللجنة بكلمة ابن حجر
أما الشاهد الثالث (ابن حجر) فليت اللجنة الحاكمة لم تلخص كلامه ففيما سرده في فتح الباري 3: 213 ما لا يلائم خطة اللجنة ففيه من أعلام النبوة ما قدمنا ذكره من عهد النبي صلى الله عليه وآله بذلك النفي والإخراج في سياق يؤدي أن أبا ذر سيكون مضطهدا في ذلك مظلوما، ويؤكد هذا السياق ما أسلفناه من قوله صلى الله عليه وآله: يا أبا ذر! أنت
____________
(1) طبقات ابن سعد ط مصر رقم التسلسل 836، 837، مسند أحمد 1: 300، تاريخ الخطيب البغدادي 4: 396.
(2) راجع ما أسلفناه في الجزء الثالث 107 111 ط 2.
(3) راجع ما فصلناه في الجزء الثاني ص 47، 52، ج 3: 163155 ط 2.
(4) نزلت في أمير المؤمنين كما مر في هذا الجزء. ص 54.
(5) حلية الأولياء 2: 38، صفة الصفوة 1: 330، الصواعق ص 82.
ومما ذكره ابن حجر في فتح الباري ما حكاه عن بعض أعلام قومه: الصحيح أن إنكار أبي ذر كان على سلاطين الذين يأخذون المال لأنفسهم ولا ينفقونه في وجهه.
نعم هذا هو الصحيح كما قدمناه في صفحة 335 ويعرفه كل من سبر التاريخ و الحديث. إذن فليس من المتسالم عليه ما حاوله ابن حجر في ملخص قوله وتحرته اللجنة في حكمها والاستشهاد بكلامه، مثل هذا الأساس لا تبنى عليه برهنة، ولا يصح به حكم لأي إنسان أو عليه لكن ابن حجر قال، والجنة حكمت، والقوة نفذت ذلك الحكم، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
هؤلاء شهود اللجنة الحاكمة، وقد اختبرت أنت أيها القارئ حالهم ومقالهم، إذن فما ظنك بما ابتنوه على ذلك من شفا جرف هار؟ نحن أعلم بما يقولون، وما أنت عليهم بجبار، فذكر بالقرآن من يخاف وعيد.
هاهنا أكرر مخاطبة اللجنة بأن دليلها في إثبات شيوعية أبي ذر غيرنا ناهضة لإثبات ما ترتأيه لأن نظرية أبي ذر على ما ادعته هي وجوب إنفاق ما فضل عن حاجة الانسان، ومقتضاه أنه يملك التصرف في قدر الحاجة، والشيوعي لا يقول بذلك وإنما يحاول إلغاء الملكية رأسا، ثم إن الحكومة الشيوعية تدر عليه قدر الحاجة أو بمقدار العمل صونا لحياته فهو كالأجير عندها يقتات بما يعمل أو كعائلتها تسد عيلتها بمقدار خلتها، على ما قدمناه من أن رأي أبي ذر لا يستوعب المال كله وإنما يريد الإخراجات الواجبة وما تدعو إليه العاطفة البشرية والمروءات من الأعطيات المندوبة، فاللجنة لم تعط النصفة حقها في إسناد ما أسندته إلى أبي ذر، كما إنها لم تؤد حق الرد على الشيوعية الممقوتة، فهي مائنة فيما تقول خبريا أو مخبريا، وجائرة في حكمها من حيث لا تشعر.
كان حقا علينا أن ننظر في بقية الكلمات المقولة في شيوعية أبي ذر على وجه.
أحمد أمين في فجر إسلامه 1: 136. و
محمد أحمد جاد المولى بك في " إنصاف عثمان " ص 41 - 45. و
صادق إبراهيم عرجون في " إنصاف عثمان " ص 35. و
عبد الوهاب النجار في " الخلفاء الراشدون " ص 317.
ومن حذا حذوهم ممن اقتحم معارك التاريخ والأبحاث الخطرة من دون منة علمية تنقذهم من القحمة وصرعة الاسترسال التي لا تستقال، لكنهم لم يألوا بأكثر مما فندناه غير ما ذكره بعضهم (1) من أن أبا ذر أخذ المبدأ الشيوعي من عبد الله بن سبا إستنادا إلى رواية الطبري السابقة في ص 326 عن السري عن شعيب عن سيف عن عطية عن يزيد الفقعسي، وقد عرفناك هنالك ما في رجالها من أفاك وضاع، أو معتد أثيم، أو ضعيف متفق على ضعفه، أو مجهول لا يعرف، وما في متنها من ملامح الكذب وآثار الافتعال.
على أن عبد الله بن سبا المعروف باليهودية والافساد وتفريق كلمة المسلمين الذي عزوا إليه ثورة المصريين، وإنه يمم الحواضر الإسلامية لإلقاح الفتن وإثارة الملأ على خليفة الوقت، وبث تلكم المبادئ التعيسة، لم ينظر إليه رامق شزرا، ولا وقع عليه قبض من سلطات الوقت، ولا أصابه نفي عن الأوساط الدينية، وقد ترك يلهو ويلعب كما تشاء له الميول والشهوات، لكن النقمات كلها توجهت على الأبرار من صحابة محمد صلى الله عليه وآله والتابعين لهم بإحسان كأبي ذر، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، ومالك بن الحارث الأشتر، وزيد وصعصعة ابني صوحان، وجندب بن زهير، وكعب بن عبدة الناسك، ويزيد الأرحبي العظيم عند الناس، وعامر بن قيس الزاهد الناسك، وعمرو بن الحمق المعروف بدعاء النبي صلى الله عليه وآله له، وعروة البارقي الصحابي الجليل، وكميل بن زياد الثقة الأمين، والحارث الهمداني الفقيه الثقة (2) فمن منفي
____________
(1) كالخصري وأحمد أمين.
(2) سيوافيك حديث أمرهم في الجزء التاسع بإذن الله تعالى.
وقبل هؤلاء مولانا أمير المؤمنين صالح الأمة، يراه عثمان أحق بالنفي من أولئك كما يأتي حديثه، وأخرجه إلى ينبع مرة بعد أخرى ليقل هتاف الناس باسمه للخلافة، وقال لابن عباس: اكفني ابن عمك. وقال ابن عباس: ابن عمي ليس بالرجل يرى له ولكنه يرى لنفسه فأرسلني إليه بما أحببت. قال: قل له: فليخرج إلى ماله بالينبع فلا اغتم به ولا يغتم بي. فأتى عليا فأخبره فقال: ما اتخذني عثمان إلا ناضحا ثم أنشد يقول:
وقال: يا ابن عباس! ما يريد عثمان إلا أن يجعلني جملا ناضحا بالغرب (1) أقبل وأدبر بعث إلي أن أخرج، ثم بعث إلي أن أقدم، ثم هو الآن يبعث إلي أن أخرج والله لقد دفعت عنه حتى خشيت أن أكون آثما. (2)
فهلا كان ابن سبا وأصحابه بمرأى من الخليفة ومسمع وقد طغوا في البلاد و أكثروا فيها الفساد؟ وكيف بهضة أمر أولئك الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ولا يهمه قمع تلكم الجرثومة الخبيثة باجتثاث أصلها؟ بإعدام عبد الله بن سبا، أو صلبه على جذوع النخل، أو قطع يده ورجله من خلاف، أو نفيه من الأرض.
هلا كان واجب الخليفة أن يشاور صلحاء الصحابة في الرجل الضال المضل بدل ما شاور أبناء بيته الساقط في أبي ذر العظيم بقوله القارص: أشيروا علي في هذا الشيخ الكذاب إما أن اضربه أو أحبسه أو اقتله، فإنه قد فرق جماعة المسلمين، أو أنفيه من أرض الاسلام؟ (3)
نعم: كان عبد الله بن سبا من جراثيم العيث والفساد، وجذوم الكفر والالحاد، ولم يفتأ يتقلب بين المسلمين بنواياه السيئة وإن لم يثبت عنه المبدأ الشيوعي قط، ولا
____________
(1) نضح الجمل حمله من بئر أو نهر ليسقى به الزرع فهو ناضح. والغرب بالفتح فسكون:
الدلو العظيمة، والكلام تمثيل للتسخير.
(2) نهج البلاغة 1: 468، العقد الفريد 2: 274.
(3) راجع ما مر ص 298، 306 من هذا الجزء.
كلمتنا الأخيرة
لو درست الأساتذة حقيقة الشيوعية وما يهتفون به من أصولها وحقيقة أبي ذر العالم الصحابي ونظراءه وما يؤثر عنهم من قول وعمل وأحاديث جاءت فيهم عرفوا البون الشاسع بين المبدأين، وإن مثل أبي ذر لا يكون شيوعيا مهما أسف من أوج عظمته وانكفأ عن صهوة علمه، وتنازل عن مبادئه المقدسة، وإنه لا يعتنق ذلك المذهب عالم وإن قلت بضاعته، وضعفت منته العلمية.
أنى يهتف بالشيوعية ويعتنقها من وقف واطلع على ما جاء به الاسلام المقدس في تأمين مؤن الفقراء وسد عيلتهم، وما وطد من مشارع تخفف عنهم ما يبهضهم من عمبء حزانتهم، وما شرع لهم من منابع الحياة المادية في أموال الأغنياء، بقدر ما يسعهم كما أخبر به النبي الأعظم بقوله: إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم، ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا وعروا إلا بما يصنع أغنياؤهم، ألا و
____________
(1) راجع ص 328326 من هذا الجزء.
وأما التطوع بالصدقات والانفاق مما فضل وهو الذي كاد أن يعد من فروض الانسانية فحدث عنه ولا حرج، وقد بالغ الصادع الكريم في الحث عليه ومر شطر من أحاديثه، وأخرج مسلم والترمذي وغيرهما من طريق أبي أمامة مرفوعا: يا ابن آدم إنك إن تبذل الفضل خير لك، وإن تمسكه شر لك، ولا تلام على كفاف. الترغيب والترهيب 1: 232، 252.
وأخرج مسلم من طريق أبي سعيد الخدري مرفوعا: من كان معه فضل من ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان عنده فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له. سنن البيهقي 4: 182.
وفي صحيح مر في ص 354 قوله صلى الله عليه وآله وسلم: على كل نفس يوم طلعت فيه الشمس صدقة عنه على نفسه.
____________
(1) أخرجه الطبراني في الأوسط والصغير كما في الترغيب والترهيب 1: 213، وروى موقوفا على أمير المؤمنين كما مر ص 256.
(2) الترغيب والترهيب 1: 233 نقلا عن أبي داود والبيهقي.
(3) صحيح البخاري 3: 34، صحيح مسلم 3: 97، سنن البيهقي 4: 195، الترغيب والترهيب 1: 233.
وقال: الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (6). وقال: قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم (7).
وقال النبي الأعظم صلى الله عليه وآله: لا يقبل الله من مسمع ولا مراء ولا منان والمتحدث بصدقته يطلب السمعة، والمعطي في ملأ من الناس يبغي الرياء (8).
وأخرج مسلم في صحيحه مرفوعا: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المنان بما أعطى.. سنن البيهقي 4: 191.
وذكر ابن كثير مرفوعا: لا يدخل الجنة عاق، ولا منان، ولا مدمن خمر. تفسير ابن كثير 1: 318.
____________
(1) سورة الفجر آية 15، 16.
(2) سورة البقرة آية 267.
(3) سورة آل عمران آية 92.
(4) سورة الضحى آية 10.
(5) سورة البقرة آية 264.
(6) سورة البقرة آية 262.
(7) سورة البقرة آية 263.
(8) إحياء العلوم 1: 222.
وفي صحيح أخرجه مسلم 3: 85 من طريق أبي هريرة مرفوعا: ما تصدق أحد بصدقة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمان بيمينه وإن كانت تمرة، فتربو في كف الرحمان حتى تكون أعظم من الجبل. الحديث.
فيرى المعطي المسلم وجهه إلى الله وهو محسن إنه مسلم إلى الله جلا وعلا حقه مما خوله سبحانه بمنه إياه. والفقير يرى أنه آخذ من الله وباسط كفه إلى الله و يد الله هي مدر الأنعم، وهي اليد العليا، وهي الوسيطة بين المعطي والآخذ، وله المن عليهما، والله الغني وأنتم الفقراء (2)! إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما (3)
فالشيوعي لا يكون شيوعيا إلا ويغمره تيار الجهل الهائج، وإن سماسرة الشيوعية يمنعون قبل كل شئ عن تحري العلم الصحيح ويسوقون الملأ إلى مستوى الجهل والبساطة، ولعلك لا تشك في ذلك متى جست خلال الديار في المملكة " السوفيتية " ومن جنح إليها من أقطار الأرض، فإنك لا تجد من يهملج إلى الغاية الشيوعية إلا الرجرجة الدهماء الذين لم يعطوا من العلم شيئا، لكن البلاد الخصبة بالعلم والعلماء كلها من إسلامي وغيره في منتأى عن تلك الخسة، وكذلك كل من أوتي نصيبا من العلم لا تدعه عقليته أن يسف إلى تلكم الهوة الوبيئة وكيف بأبي ذر " وعاء العلم " وأمثاله؟.
نعم: للبلاد الإسلامية خاصتها في الابتعاد عن هاتيك السفاسف لوجود العلم الصحيح الناجع عند علمائها " لا ما جاءت به اللجنة الحاكمة " والمواد الحيوية المبثوثة في دينها الاسلامي الحنيف، فهي وهم سدان قويان لدفع ذلك السيل الآتي، فليس لمجابهة الشيوعية ومكافحتها شئ أقوى من العلم والدين، وتنوير فكرة الشعب الاسلامي
____________
(1) أخرجه الدار قطني والبيهقي في شعب الإيمان.
(2) سورة محمد آية 38.
(3) سورة النساء آية 135.