وقال البلاذري في الأنساب 875: أقبل عبد الله المخزومي وكان عامله على مخاليف الجند لينصره فلما انتهى إلى بطن نخلة سقط عن راحلته فانكسرت رجله فانصرف إلى أهله.
14 - حديث سهل بن حنيف
أبي ثابت الأنصاري (يدري)
15 - رفاعة بن رافع بن مالك
أبي معاذ الأنصاري (بدري)
16 - الحجاج بن غزية الأنصاري
قال البلاذري في الأنساب 5: 78: قال أبو مخنف في روايته: إن زيد بن ثابت الأنصاري قال: يا معشر الأنصار! إنكم نصرتم الله ونبيه فانصروا خليفته. فأجابه قوم منهم فقال سهل بن حنيف: يا زيد! أشبعك عثمان بن عضدان المدينة - والعضيدة نخلة قصيرة ينال حملها - فقال زيد: لا تقتلوا الشيخ ودعوه حتى يموت فما أقرب أجله. فقال الحجاج بن غزية الأنصاري أحد بني النجار: والله لو لم يبق من عمره إلا بين الظهر والعصر لتقربنا إلى الله بدمه.
وجاء رفاعة بن مالك الأنصاري ثم الزرقي بنار في حطب فأشعلها في أحد البابين فاحترق وسقط، وفتح الناس الباب الآخر واقتحموا الدار.
وفي لفظ للبلاذري ص 90: قال زيد للأنصار: إنكم نصرتم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنتم أنصار الله فانصروا خليفته تكونوا أنصارا لله مرتين. فقال: الحجاج بن غزية:
والله إن تدري هذه البقرة الصيحاء ما تقول، والله لو لم يبق من أجله إلا ما بين العصر إلى الليل لتقربنا إلى الله بدمه.
وقال ابن حجر في الإصابة 1: 313: روى الحجاج بن غزية أصحاب السنن
____________
(1) الاستيعاب 1: 351، أسد الغابة 3: 155، الإصابة 2: 305.
- 17 -
حديث أبي أيوب الأنصاري
من السابقين من جلة الصحابة البدريين
قال في خطبة له: إن أمير المؤمنين - أكرمه - الله قد استمع من كانت له أذن واعية وقلب حفيظ، إن الله قد أكرمكم به كرامة ما قبلتموها حق قبولها، حيث نزل بين أظهركم ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخير المسلمين وأفضلهم وسيدهم بعده، يفقهكم في الدين ويدعوكم إلى جهاد المحلين، فوالله لكأنكم صم لا تسمعون، وقلوبكم غلف مطبوع عليها فلا تستجيبون، عباد الله! أليس إنما عهدكم بالجور والعدوان أمس؟
وقد شمل العباد، وشاع في الاسلام، فذو حق محروم مشتوم عرضه، ومضروب ظهره، وملطوم وجهه، وموطوء بطنه، وملقى بالعراء، فلما جاءكم أمير المؤمنين صدع بالحق، ونشر العدل، وعمل بالكتاب، فاشكروا نعمة الله عليكم ولا تتولوا مجرمين، ولا تكونوا كالذين قالوا: سمعنا وهم لا يسمعون، إشحذوا السيوف وجددوا آلة الحرب، واستعدوا للجهاد، فإذا دعيتم فأجيبوا، وإذا أمرتم فأطيعوا تكونوا بذلك من الصادقين.
الإمامة والسياسة 1: 112 في طبع وفي آخر ص 128، جمهرة الخطب 1: 236 قال الأميني: هذا أبو أيوب الأنصاري عظيم الصحابة الذي اختار الله داره منزلا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بين الأنصار، وحسبه ذلك شرفا، وهو من البدريين، وشهد المغازي كلها، وقد دعا له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أخذ شيئا من كريمته الشريفة بقوله: لا يصيبك السوء يا أبا أيوب! وهذا يعم الأسواء الظاهرة من قتل بهوان وأسر وسجن في مذلة وأمراض مخزية من جذام وبرص غيرهما، واختلال في العقل، والأسواء المعنوية من تزحزح عن الإيمان وتضعضع في العقيدة، وانحياز عن الدين، فهو رضوان الله عليه ملكوء
____________
(1) سيوافيك حديث ضربه مروان.
- 18 -
حديث قيس بن سعد
ابن عبادة الأنصاري، سيد الخزرج " بدري "
1 - من خطبة له خطبها بمصر في أخذ البيعة لأمير المؤمنين علي صلوات الله عليه قال: الحمد لله الذي جاء بالحق وأمات الباطل، وكبت الظالمين، أيها الناس إنا قد بايعنا خير من نعلم بعد محمد نبينا صلى الله عليه وسلم فقوموا أيها الناس فبايعوا على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
تاريخ الطبري 5: 228، الكامل لابن الأثير 3: 115، شرح ابن أبي الحديد 2: 23.
2 - من كتاب لمعاوية إلى قيس بن سعد قبل وقعة صفين: أما بعد: فإنكم إن كنتم نقمتم على عثمان بن عفان رضي الله عنه في أثرة رأيتموها أو ضربة سوط ضربها، أو شتيمة رجل، أو في تسييره آخر، أو في استعماله الفتي، فإنكم قد علمتم إن كنتم تعلمون أن دمه لم يكن يحل لكم، فقد ركبتم عظيما من الأمر وجئتم شيئا إدا، فتب إلى الله عز وجل يا قيس بن سعد! فإنك كنت في المجلبين على عثمان بن عفان رضي الله عنه إن كانت التوبة من قتل المؤمن تغني شيئا.
فأما صاحبك: فإنا استيقنا أنه الذي أغرى به الناس وحملهم على قتله حتى قتلوه وإنه لم يسلم من دمه عظم قومك، فإن استطعت يا قيس! أن تكون ممن يطلب بدم عثمان فافعل، تابعنا على أمرنا ولك سلطان العراقين إذا ظهرت ما بقيت، ولمن أحببت من أهل بيتك سلطان الحجاز ما دام لي سلطان، وسلني غير هذا مما تحب فإنك لا تسألني شيئا إلا أوتيته، واكتب إلي برأيك فيما كتبت به إليك. والسلام.
أما بعد: فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت فيه من قتل عثمان رضي الله عنه وذلك أمر لم أقارفه ولم أطف به. وذكرت صاحبي هو أغرى الناس بعثمان ودسهم إليه حتى قتلوه، وهذا لم أطلع عليه، وذكرت عظم عشيرتي لم تسلم من دم عثمان فأول الناس كان فيه قياما عشيرتي. إلخ.
وفي لفظ: فلعمري إن أولى الناس في أمره عشيرتي. فلعمري إن أول الناس كان فيه قياما عشيرتي ولهم أسوة تاريخ الطبري 5: 227، كامل ابن الأثير 3: 116، شرح ابن أبي الحديد 2: 23، النجوم الزاهرة 1: 99، جمهرة الرسائل 1: 524.
3 - تحاور قيس بن سعد والنعمان بن بشير بين الصفين بصفين فقال النعمان: يا قيس بن سعد! أما أنصفكم من دعاكم إلى ما رضي لنفسه؟ إنكم يا معشر الأنصار!
أخطأتم في خذل عثمان يوم الدار، وقتلكم أنصاره يوم الجمل، وإقحامكم على أهل الشام بصفين فلو كنتم إذ خذلتم عثمان خذلتم عليا، كان هذا بهذا، ولكنكم خذلتم حقا، و نصرتم باطلا، ثم لم ترضوا أن تكونوا كالناس، شعلتم الحرب، ودعوتم إلى البراز، فقد والله وجدتم رجال الحرب من أهل الشام سراعا إلى برازكم غير أنكاس عن حربكم. الكلام.
فضحك قيس وقال: والله ما كنت أراك يا نعمان! تجترئ على هذا المقام، أما المنصف المحق فلا ينصح أخاه من غش نفسه، وأنت والله الغاش لنفسه، المبطل فيما نصح غيره.
أما ذكر عثمان فإن كان الايجاز يكفيك؟ فخذه. قتل عثمان من لست خيرا منه، وخذله من هو خير منك، وأما أصحاب الجمل فقاتلناهم على النكث، وأما معاوية فلو اجتمعت العرب على بيعته لقاتلتهم الأنصار. وأما قولك: إنا لسنا كالناس فنحن في هذه الحرب كما كنا مع رسول الله، نلقي السيوف بوجوهنا والرماح بنحورنا، حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون. ولكن أنظر يا نعمان! هل ترى مع معاوية إلا طليقا أعرابيا أو يمانيا مستدرجا؟ وانظر أين المهاجرون والأنصار والتابعون بإحسان، الذين رضي الله
كتاب صفين لابن مزاحم ص 511، الإمامة والسياسة 1: 94، وفي ط 83، شرح ابن أبي الحديد 2: 298، جمهرة الخطب 1: 190.
4 - قدم المدينة قيس بن سعد فجاءه حسان بن ثابت شامتا به وكان حسان عثمانيا فقال له: نزعك علي بن أبي طالب وقد قتلت عثمان، فبقي عليك الإثم ولم يحسن لك الشكر. فقال له قيس: يا أعمى القلب والبصر، والله لولا أن ألقي بين رهطي ورهطك حربا لضربت عنقك، أخرج عني. تاريخ الطبري 5: 321، شرح ابن أبي الحديد 2: 25.
قال الأميني: إن فتى الأنصار وأمير الخزرج وابن أميرها قيس بن سعد الذي تقدمت فضائله وفواضله في الجزء الثاني ص 69 - 110 ط 2 تراه يتبجح في كتابه إلى معاوية بأن عشيرته الأنصار كانوا أول الناس قياما في دم عثمان، وفي خطبته ترى أن الحق المحيى مع مولانا أمير المؤمنين، وإن الباطل الذي أميت كان في العهد البائد بقتل عثمان، وأن المقتولين في واقعة الدار هم الظالمون، واعطف على هذه كلها محاورته مع النعمان بن بشير بصفين، فالكل لهجة واحدة من رئي في الدين والدنيا واحد.
- 19 -
حديث فروة بن عمرو
ابن ودقة البياضي الأنصاري (بدري)
أخرج مالك في الموطأ حديثه في باب (العمل في القراءة) وسكت عن اسمه ولم يسمه، بل ذكره بلقبه " البياضي " وقال ابن وضاح (3) وابن مزين (4): إنما سكت مالك عن اسمه، لأنه كان ممن أعان على قتل عثمان.
وعقبه أبو عمر في " الاستيعاب " فقال: هذا لا يعرف ولا وجه لما قالاه في ذلك و لم يكن لقائل هذا علم بما كان من الأنصار يوم الدار.
____________
(1) يعني به عمرو بن العاص.
(2) يعني ممن بايعوه صلى الله عليه وآله في العقبة.
(3) أبو عبد الله محمد بن الحسين بن علي بن الوضاح الأنباري المتوفى 345.
(4) كذا في الاستيعاب وأسد الغابة وشرح الموطأ للزرقاني، وفي الإصابة: ابن سيرين.
قال الأميني: الذي يشهد ببطلان ما قالاه أن ما حسبوه جريمة من فروة إن كان مسقطا لعدالته؟ فالإخراج عنه باطل سماه أولم يسمه، وإن كان غير مسقط لها؟ فهو مشمول لما عم الصحابة عند القوم من الفضل والعدالة، وإن روايته حجة يؤخذ بها ولا يضره إذن إلغاء الاسم، ثم إن كانت هذه الجريمة مما يؤاخذ به صاحبه؟ فهي عامة للأنصار كلهم كما أو عز إليه أبو عمر بقوله: لم يكن لقائل هذا علم بها كان من الأنصار يوم الدار. فيجب إسقاط رواياتهم أو السكوت عن أسمائهم جمعاء. وبالجملة: إن هذا الأنصاري البدري عد ممن أعان على قتل عثمان، ولم يشذ في رأيه عن الأنصار أو عن بقية الصحابة أجمع.
- 20 -
حديث محمد بن عمرو
ابن حزم أبي سليمان الأنصاري
أحد المحامدة الذين سماهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محمدا. قال أبو عمر في " الاستيعاب " في ترجمته: يقال: إنه كان أشد الناس على عثمان المحمدون: محمد بن أبي بكر. محمد بن أبي حذيفة. محمد بن عمرو بن حزم.
- 21 -
حديث جابر بن عبد الله
أبي عبد الله الأنصاري الصحابي العظيم وقوم آخرين من الصحابة
لما فرغ الصحابة من أمر ابن الزبير كنس المسجد الحرام من الحجارة والدم وأتته ولاية مكة والمدينة، وكان عبد الملك حين بعثه لقتال عبد الله بن الزبير عقد له على مكة ولكنه أحب تجديد ولايته إياها، فشخص الحجاج إلى المدينة، واستخلف على مكة عبد الرحمن بن نافع بن عبد الحارث الخزاعي، فلما قدم المدينة أقام بها شهرا أو شهرين فأساء إلى أهلها واستخف بهم وقال: إنهم قتلة أمير المؤمنين عثمان، وختم يد جابر بن عبد الله برصاص وأيدي قوم آخرين كما يفعل بالذمة، منهم: أنس بن مالك
أنساب البلاذري 5: 373، تاريخ الطبري 7: 206، الكامل لابن الأثير 4: 149 قال الأميني: تعطي هذه الرواية أن مؤاخذة الحجاج لبقية الصحابة وفيهم جابر صاحب الحلقة في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يؤخذ منه العلم كما في الإصابة 1: 213 كانت لتدخلهم في واقعة عثمان بمباشرة أو تخذيل عنه أو بتقاعد عن نصرته، نحن لا نقول بوثاقة الرجل فيها يرويه كما لا نقول بسداده فيما يرتأيه، غير أن الحالة تشهد أن تلكم النسبة كانت مشهورة بين الملأ فاحتج بها الحجاج على ما ارتكبه من إهانتهم ولم يظهر من القوم أي إنكار لما رموا به ردئا لعادية الطاغية، لكنهم صبروا على البلاء وشدة المنازلة ثباتا منهم على ما ارتكبوه في واقعة الدار.
- 22 -
حديث جبلة بن عمرو (1)
ابن ساعدة الساعدي الأنصاري (بدري)
أخرج الطبري من طريق عثمان بن الشريد قال: مر عثمان علي جبلة بن عمرو الساعدي وهو بفناء داره ومعه جامعة فقال: يا نعثل؟ والله لأقتلنك ولأحملنك على قلوص جرباء ولأخرجنك إلى حرة النار، ثم جاءه مرة أخرى وعثمان على المنبر فأنزله عنه وأخرج من طريق عامر بن سعد قال: كان أول من أجرأ على عثمان بالمنطق السئ جبلة بن عمرو الساعدي، مر به عثمان وهو جالس في ندي قومه وفي يد جبلة بن عمرو جامعة، فلما مر عثمان سلم فرد القوم فقال جبلة: لم تردون على رجل فعل كذا وكذا؟ قال: ثم أقبل على عثمان فقال: والله لأطرحن هذه الجامعة في عنقك أو لتتركن بطانتك هذه. قال عثمان: أي بطانة؟ فوالله إني لا أتخير الناس. فقال: مروان تخيرته، ومعاوية تخيرته، وعبد الله بن عامر بن كريز تخيرته، وعبد الله بن سعد تخيرته، منهم من نزل القرآن بذمه وأباح رسول الله دمه (2) قال: فانصرف عثمان فما
____________
(1) قال البلاذري في الأنساب 5: 47: قال الكلبي: هو رخيلة بن ثعلبة البياضي، بدري.
(2) هو عبد الله بن سعد راجع ما أسلفناه في ج 8: 280 ط 2.
تاريخ الطبري 5: 114، الكامل لابن الأثير 3: 70، تاريخ ابن كثير 7: 176، شرح ابن أبي الحديد 1: 165.
وأخرج البلاذري في الأنساب 5: 47 الحديث الأول باللفظ المذكور فقال: ثم أتاه وهو على المنبر فأنزله، وكان أول من اجترأ على عثمان وتجهمه بالمنطق الغليظ وأتاه يوما بجامعة فقال: والله لأطرحنها في عنقك، أو لتتركن بطانتك هذه، أطعمت الحارث بن الحكم السوق وفعلت وفعلت، وكان عثمان ولى الحارث السوق فكان يشتري الجلب بحكمه ويبيعه بسومه، ويجبي مقاعد المتسوقين، ويصنع صنيعا منكرا، فكلم في إخراج السوق من يده فلم يفعل، وقيل لجبلة في أمر عثمان وسئل الكف عنه فقال: والله لا ألقى الله غدا فأقول: إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل.
وأخرج ابن شبه في أخبار المدينة من طريق عبد الرحمن بن الأزهر: إنهم لما أرادوا دفن عثمان فانتهوا إلى البقيع من دفنه جبلة بن عمرو فانطلقوا إلى حش كوكب فدفنوه فيه (1).
قال الأميني: إنك جد عليم بما في هذا المبجل البدري الذي أثنى عليه أبو عمر في " الاستيعاب " بقوله: كان فاضلا من فقهاء الصحابة. وهو أحد الصحابة العدول الذين يحتج بما رووه أو رأوه من شدة على عثمان وثباة عليها، حتى أنه يعد المحايدة يومئذ من الضلال الذي يأمر به السادة والكبراء الضالون، ويهدد عثمان و يرعد ويبرق وينهى عن رد السلام عليه الذي هو تحية المسلمين، ومن الواجب شرعا ردها، وينزله عن منبر الخطابة إنزالا عنيفا بين الملأ، ثم لم يزل يستخف به ويهينه ولا تأخذه فيه هوادة حتى منعه عن الدفن في البقيع، فدفن في حش كوكب مقابر اليهود وكل هذه لا تلتئم مع حسن ظنه به فضلا عن حسن عقيدته.
نعم: إن جبلة فعل هذه الأفاعيل بين ظهراني الملأ الديني الصحابة العدول وهم بين متجمهر معه، ومخذل عن الخليفة المقتول، ومتثبط عنه، وراض بما دارت على الخليفة من دائرة سوء، ما خلا شذاذ من الأمويين الذين وصفهم جبلة في بيانه،
____________
(1) الإصابة 1: 223.
- 23 -
حديث محمد بن مسلمة
أبي عبد الرحمن الأنصاري (بدري)
أخرج الطبري من طريق محمد بن مسلمة قال: خرجت في نفر من قومي إلى المصريين وكان رؤساءهم أربعة: عبد الرحمن بن عديس البلوي، وسودان بن حمران المرادي، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وابن النباع (2) قال: فدخلت عليهم وهم في خباء لهم أربعتهم ورأيت الناس لهم تبعا، قال: فعظمت حق عثمان، وما في رقابهم من البيعة، وخوفتهم بالفتنة، وأعلمتهم أن في قتله اختلافا وأمرا عظيما، فلا تكونوا أول من فتحه وأنه ينزع عن هذه الخصال التي نقمتم منها عليه وأنا ضامن لذلك. قال القوم: فإن لم ينزع قال: قلت فأمركم إليكم. قال: فانصرف القوم وهم راضون فرجعت إلى عثمان فقلت:
اخلني. فأخلاني فقلت: الله الله يا عثمان! في نفسك، إن هؤلاء القوم إنما قدموا يريدون دمك وأنت ترى خذلان أصحابك لك، لا، بل هم يقوون عدوك عليك، قال: فأعطاني الرضا وجزاني خيرا قال: ثم خرجت من عنده فأقمت ما شاء الله أن أقيم، قال: وقد تكلم عثمان برجوع المصريين وذكر أنهم جاءوا لأمر فبلغهم غيره فانصرفوا. فأردت أن آتيه فأعنفه ثم سكت فإذا قائل يقول: قد قدم المصريون وهم بالسويداء (3) قال: قلت: أحق ما تقول؟ قال: نعم، قال: فأرسل إلى عثمان، قال: وإذا الخبر قد جاءه و قد نزل القوم من ساعتهم ذا خشب (4) فقال: يا أبا عبد الرحمن! هؤلاء القوم قد رجعوا فما الرأي فيهم؟ قال قلت: والله ما أدري إلا إني أظن أنهم لم يرجعوا لخير قال: فارجع إليهم فارددهم قال: قلت: لا والله ما أنا بفاعل، قال: ولم؟ قال: لأني ضمنت لهم أمورا تنزع عنها، فلم تنزع عن حرف منها قال: فقال: الله المستعان قال: وخرجت
____________
(1) راجع صفحة 247 - 249، 275، 218 ط 2.
(2) كذا في تاريخ الطبري وفيما حكي عنه والصحيح: ابن البياع وهو عروة بن شييم الليثي.
(3) السويداء: موضع على ليلتين من المدينة على طريق الشام.
(4) واد على مسيرة ليلة من المدينة.
قال الأميني: إنك تجد محمد بن مسلمة هاهنا لا يشك في أن ما نقمه القوم على الخليفة موبقات يستحل بها هتك الحرمات ممن ارتكبها، لكنه كره المناجزة وحاول الاصلاح حذار الفتنة المستتبعة لطامات وهنابث، وسعى سعيه في رد القوم بضمانه عسى أن ينزع الخليفة عما فرط في جنب الله، وأن يكون ذلك توبة نصوحا، فلعل الفورة تهدأ، ولهيب الثورة يخبأ، لكنه لما شاهد الفشل في مسعاه، وأخفق ظنه بعثمان، و رأى منه حنث الإل، وعدم النزوع عن أحداثه، تركه والقوم، فارتكبوا منه ما ارتكبوا ولم يجبه حينما استنصره، ولم يقم لطلبته وزنا، ولم ير له حرمة يدافع بها عنه، و لذلك خاشنه في القول، فكان ما كان مقضيا.
- 24 -
حديث ابن عباس
حبر الأمة ابن عم النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم
1 - أخرج أبو عمر في " الاستيعاب " في ترجمة مولانا أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه من طريق طارق قال: جاء ناس إلى ابن عباس فقالوا: جئناك نسألك فقال: سلوا عما شئتم فقالوا: أي رجل كان أبو بكر؟ فقال: كان خيرا كله. أو قال: كالخير كله على حدة كانت فيه. قالوا: فأي رجل كان عمر؟ قال: كان كالطائر الحذر الذي يظن أن له في كل طريق شركا. قالوا: فأي رجل كان عثمان؟ قال: رجل ألهته نومته عن يقظته. قال: فأي رجل كان علي؟ قال: كان قد ملئ جوفه حكما وعلما وبأسا و نجدة مع قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يظن أن لا يمد يده إلى شئ إلا ناله، فما مد يده إلى شئ فناله.
فكتب إليه ابن عباس جوابا طويلا يقول فيه: وأما قولك " إني من الساعين على عثمان والخاذلين له، والسافكين له، وما جرى بيني وبينك صلح فيمنعك مني " فأقسم بالله لأنت المتربص بقتله، والمحب لهلاكه، والحابس الناس قبلك عنه على بصيرة من أمره، ولقد أتاك كتابه وصريخه يستغيث بك ويستصرخ فما حفلت به حتى بعثت إليه معذرا بأجرة أنت تعلم أنهم لن يتركوه حتى يقتل، فقتل كما كنت أردت ثم علمت عند ذلك أن الناس لن يعدلوا بيننا و بينك فطفقت تنعي عثمان وتلزمنا دمه، وتقول قتل مظلوما، فإن يك قتل مظلوما فأنت أظلم الظالمين، ثم لم تزل مصوبا و مصعدا وجاثما ورابضا تستغوي الجهال وتنازعنا حقنا بالسفهاء حتى أدركت ما طلبت وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين.
قال الأميني: إن حبر الأمة وإن لم يكن له أي تدخل في واقعة الدار، وكان أمير الحاج في سنته تلك، لكنك تراه لا يشذ عن الصحابة في الرأي حول الخليفة، ولا يقيم له وزنا، ولا يرى له مكانة، ومن أجل ذلك أعطى المقام حقه في جواب السائل عن الخلفاء، غير أنه لم يصف عثمان إلا بما ينبأ عن عدم كفائته برقدته الطويلة الغاشية على يقظته، وسباته العميق الساتر لانتباهته، ومن جراء ذلك الاعتقاد تجده لم يهتم بشئ من أمره لما جاءه نافع بن طريف بكتاب (2) من الخليفة يستنجد الحجيج و يستغيث بهم، على حين أنه محصور، فقرأه نافع على الناس بينما كان ابن عباس يخطب فلما نجزت قراءته أتم خطبته من حيث أفضت إليه، ولم يلو إلى أمر عثمان وحصاره، ولم ينبس في أمره ببنت شفة، وكان في وسعه أن يستثيرهم لنصرته، وهل ذلك كله لسوء رأي منه في الخليفة؟ أو لعدم الاهتمام في أمره؟ أو لحسن ظنه بالثائرين عليه؟
إختر ما شئت، ولعلك تختار تحقق الجميع لدى ابن عباس، وكأن عائشة شعرت منه
____________
(1) شرح ابن أبي الحديد 4: 58. قال: كتبه إليه عند صلح الحسن عليه السلام يدعوه إلى بيعته.
(2) يأتي تفصيله في هذا الجزء عند ذكر كتب عثمان إن شاء الله.
ومن جراء رأيه الذايع الشايع كان يحذر معاوية ويخاف بطشه، ولما قال له أمير المؤمنين عليه السلام: إذهب أنت إلى الشام فقد وليتكها. قال: إني أخشى من معاوية أن يقتلني بعثمان، أو يحبسني لقرابتي منك، ولكن اكتب معي إلى معاوية فمنه وعده. الحديث (2).
وفي أثر ذلك الرأي كان يسكت عن لعن قتلة عثمان ولما كتب إليه معاوية: أن اخرج إلى المسجد والعن قتلة عثمان. أجاب بقوله: لعثمان ولد وخاصة وقرابة هم أحق بلعنهم مني، فإن شاءوا أن يلعنوا، وإن شاءوا أن يمسكوا فليمسكوا (3)
- 25 -
حديث عمرو بن العاصي
الذي عرفناكه في ج 2 ص 120 - 176
أخرج الطبري من طريق أبي عون مولى المسور قال: كان عمرو بن العاصي على مصر عاملا لعثمان فعزله عن الخراج واستعمله على الصلاة، استعمل عبد الله بن سعد على الخراج، ثم جمعهما لعبد الله بن سعد، فلما قدم عمرو بن العاصي المدينة جعل يطعن على عثمان، فأرسل إليه يوما عثمان خاليا به فقال: يا ابن النابغة ما أسرع ما قمل به جربان جبتك؟ إنما عهدك بالعمل عاما أول، أتطعن علي، ويأتيني بوجه، وتذهب عني بآخر؟ والله لولا أكلة ما فعلت ذلك. فقال عمرو: إن كثيرا مما يقول الناس وينقلون إلى ولاتهم باطل، فاتق الله يا أمير المؤمنين! في رعيتك، فقال عثمان: والله لو استعملتك على ظلعك وكثرة القالة فيك، فقال عمرو: قد كنت عاملا لعمر بن الخطاب ففارقني وهو عني راض فقال عثمان: وأنا والله لو آخذتك بما آخذك به عمر لاستقمت ولكني لنت عليك فاجترأت علي، أما والله لأنا أعز منك نفرا في الجاهلية وقبل أن ألي هذا
____________
(1) راجع ما مر في هذا الجزء من حديث عائشة.
(2) تاريخ ابن كثير 7: 228، الكامل لابن الأثير 3: 83.
(3) الإمامة والسياسة قتيبة 1: 148.
وقد بلغت مبلغا يذكر عمرو بن العاصي أباك، فقال عثمان: دع هذا عنك، من ذكر آباء الرجال ذكروا أباه. قال فخرج عمرو من عند عثمان وهو محتقد عليه يأتي عليا مرة فيؤلبه على عثمان، ويأتي الزبير مرة فيؤلبه على عثمان، ويأتي طلحة مرة فيؤلبه على عثمان ويعترض الحاج فيخبرهم بما أحدث عثمان، فلما كان حصر عثمان الأول خرج من المدينة حتى انتهى إلى أرض له بفلسطين يقال لها: السبع، فنزل في قصر له يقال له: العجلان وهو يقول: العجب ما يأتينا عن ابن عفان قال: فبينا هو جالس في قصره ذلك ومعه إبناه محمد، وعبد الله، وسلامة بن روح الجذامي إذا مر بهم راكب فناداه عمرو: من أين قدم الرجل؟ فقال: من المدينة، قال: ما فعل الرجل؟ يعني عثمان. قال: تركته محصورا شديد الحصار قال عمرو: أنا أبو عبد الله قد يضرط العير والمكواة في النار فلم يبرح مجلسه ذلك حتى مر به راكب آخر فناداه عمرو: ما فعل الرجل؟ يعني عثمان. قال: قتل. قال: أنا أبو عبد الله إذا حككت قرحة نكأتها، إن كنت لأحرض عليه حتى إني لأحرض عليه الراعي في غنمه في رأس الجبل. فقال له سلامة بن روح: يا معشر قريش! إنه كان بينكم وبين العرب باب وثيق فكسرتموه، فما حملكم على ذلك؟ فقال: أردنا أن نخرج الحق من حافرة الباطل، وأن يكون الناس في الحق شرعا سواء، وكانت عند عمرو أخت عثمان لأمه كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ففارقها حين عزله (2).
2 - لما ركب علي وركب معه ثلاثون رجلا من المهاجرين والأنصار إلى أهل مصر في أول مجيئهم المدينة ناقمين على عثمان، وردهم عنه فانصرفوا راجعين ورجع
____________
(1) ليت شعري ما مكانة عفان من الشرف إن كان يفضل عليه العاصي الساقط المشرف بقوله تعالى: " إن شانئك هو الأبتر " كما مر تفصيله في الجزء الثاني ص 120 ط 2.
(2) تاريخ الطبري 5: 108، 203، الأنساب للبلاذري 5: 74، الإمامة والسياسة 1: 42، الاستيعاب ترجمة عبد الله بن سعد بن أبي سرح، شرح ابن أبي الحديد 1: 63، وأوعز إليه ابن كثير في تاريخه 7: 170 بصورة مصغرة جريا على عادته فيما لا يروقه.
تاريخ الطبري 5: 110، 114، أنساب البلاذري 5: 74، الاستيعاب ترجمة عثمان، شرح ابن أبي الحديد 2: 113، الكامل لابن الأثير 3: 68، الفائق للزمخشري 2: 296، نهاية ابن الأثير 4: 196، تاريخ ابن كثير 7: 175، تاريخ ابن خلدون 2: 396، لسان العرب 7: 98، تاج العروس 3: 592.
3 - قال ابن قتيبة: ذكروا أن رجلا من همدان يقال له " برد " قدم على معاوية فسمع عمرا يقع في علي فقال له: يا عمرو إن أشياخنا سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه. فحق ذلك أم باطل؟ فقال عمرو: حق وأنا أزيدك أنه ليس
____________
(1) ما عذر الخليفة في هذا الكذب الفاحش على منبر النبي الأعظم وهو بين يدي قبره الشريف لعله يعتذر بأن مروان حثه عليه ولم يكن له منتدح من قبول أمره، والملك عقيم.
(2) النهابير والنهابر: المهالك: الواحدة: نهبرة ونهبور.
قال له: وأنت أيضا قد أتهمت. قال: صدقت فيها، خرجت إلى فلسطين. فرجع الفتى إلى قومه فقال: إنا أتينا قوما أخذنا الحجة عليهم من أفواههم، علي على الحق فاتبعوه. " الإمامة والسياسة 1 ص 93 ".
4 - أخرج الطبري في تاريخه 5: 234 من طريق الواقدي قال: لما بلغ عمرا قتل عثمان رضي الله عنه قال: أنا أبو عبد الله قتلته وأنا بوادي السباع، من يلي هذا الأمر من بعده؟ إن يله طلحة فهو فتى العرب سيبا، وإن يله ابن أبي طالب فلا أراه إلا سيستنظف الحق، وهو أكره من يليه إلي.
5 - أسلفنا في حديث طويل في الجزء الثاني ص 133 - 136 ط 2 من قول الإمام الحسن السبط الزكي لعمرو بن العاصي: وأما ما ذكرت من أمر عثمان فأنت سعرت عليه الدنيا نارا، ثم لحقت بفلسطين فلما أتاك قتله قلت: أنا أبو عبد الله إذا نكأت " أي قشرت " قرحة أدميتها، ثم حبست نفسك إلى معاوية وبعت دينك بدنياه، فلسنا نلومك على بغض، ولا نعاتبك على ود، وبالله ما نصرت عثمان حيا، ولا غضبت له مقتولا.
قال أبو عمر في " الاستيعاب " في ترجمة عبد الله بن سعيد بن أبي سرح: كان عمرو ابن العاصي يطعن على عثمان ويؤلب عليه ويسعى في إفساد أمره، فلما بلغه قتل عثمان وكان معتزلا بفلسطين قال: إني إذا نكأت قرحة أدميتها أو نحو هذا.
وقال في ترجمة محمد بن أبي حذيفة: كان عمرو بن العاص مذ عزله عثمان عن مصر يعمل حيلة في التأليب والطعن على عثمان.
وفي الإصابة 3: 381: إن عثمان لما عزل عمرو بن العاص عن مصر قدم المدينة فجعل يطعن على عثمان، فبلغ عثمان فزجره، فخرج إلى أرض له بفلسطين فأقام بها.
قال الأميني: لعل مما يستغني عن الافاضة فيه مناوءة ابن العاصي لعثمان ورأيه في
سقوطه، وتبجحه بالتأليب عليه، ومسرته على قتله، وقوله بملأ فمه: أنا أبو عبد الله قتلته