الصفحة 230
الزبير آخرهم فما زال يدعي بها ويحدث الناس عن عثمان بآخر ما مات عليه 8 * (وأخرج ص 129 بالإسناد الشعيبي) *

قالوا: وأحرقوا الباب وعثمان في الصلاة وقد افتتح " طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى " وكان سريع القراءة فما كرثه ما سمع وما يخطئ وما يتتعتع حتى أتى عليها قبل أن يصلوا إليه، ثم عاد فجلس إلى عند المصحف وقرأ: الذين قال لهم الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل. وارتجز المغيرة بن الأخنس وهو دون الدار في أصحابه:

قد علمت ذات القرون الميل * والحلي والأنامل الطفول
لتصدقن بيعتي خليلي * بصارم ذي رونق مصقول
لا أستقيل إن أقلت قيلي

وأقبل أبو هريرة والناس محجمون عن الدار إلا أولئك العصبة فدسروا فاستقبلوا فقام معهم وقال: أنا أسوتكم. وقال: هذا يوم طاب امضرب - يعني إنه من القتال و طاب وهذه لغة حمير - ونادى: يا قوم! مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار، وبادر مروان يومئذ ونادى: رجل رجل. فبرز له رجل من بني ليث يدعى النباع (1) فاختلفا ضربتين فضربه مروان أسفل رجليه وضربه الآخر على أصل العنق فقلبه فانكب مروان واستلقى فاجتر هذا أصحابه، واجتر الآخر أصحابة، فقال المصريون: أما والله لا أن تكونوا حجة علينا في الأمة لقد قتلناكم بعد تحذير فقال المغيرة: من بارز؟

فبرز له رجل فاجتلدوا وهو يقول:

أضربهم باليابس * ضرب غلام بائس * من الحياة آيس

فأجابه صاحبه... وقال الناس: قتل المغيرة بن الأخنس فقال الذي قتله: إنا لله فقال له عبد الرحمن بن عديس: ما لك؟ قال: إني أتيت فيما يرى النائم فقيل لي: بشر قاتل المغيرة بن الأخنس بالنار. فابتليت به، وقتل قباث الكناني نيار بن عبد الله الأسلمي، واقتحم الناس الدار من الدور التي حولها حتى ملؤها، ولا يشعر الذين بالباب، وأقبلت القبائل على أبنائهم فذهبوا بهم إذ غلبوا على أميرهم وندبوا رجلا لقتله، فانتدب له

____________

(1) كذا والصحيح: البياع، وهو عروة بن شييم الليثي كما مر.

الصفحة 231
رجل فدخل عليه البيت فقال: اخلعها وندعك. فقال: ويحك والله ما كشفت امرأة في جاهلية ولا إسلام ولا تغنيت ولا تمنيت ولا وضعت يميني على عورتي مذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولست خالعا قميصا كسانيه الله عز وجل وأنا على مكاني حتى يكرم الله أهل السعادة ويهين أهل الشقاء. فخرج وقالوا: ما صنعت؟ فقال: علقنا والله، والله ما ينجينا من الناس إلا قتله وما يحل لنا قتله، فأدخلوا عليه رجلا من بني ليث فقال:

ممن الرجل؟ فقال: ليثي. فقال: لست بصاحبي قال: وكيف؟ فقال: ألست الذي دعا لك النبي صلى الله عليه وسلم في نفر أن تحفظوا يوم كذا وكذا؟ قال: بلى. قال: فلن تضيع.

فرجع وفارق القوم، فأدخلوا عليه رجلا من قريش فقال: يا عثمان! إني قاتلك. قال:

كلا يا فلان! لا تقتلني. قال: وكيف؟ قال: إن رسول الله استغفر لك يوم كذا وكذا فلن تقارف دما حراما، فاستغفر ورجع وفارق أصحابه، فأقبل عبد الله بن سلام حتى قام على باب الدار ينهاهم عن قتله، وقال: يا قوم! لا تسلوا سيف الله عليكم فوالله إن سللتموه ولا تغمدوه، ويلكم إن سلطانكم اليوم يقوم بالدرة فإن قتلتموه لا يقيم إلا بالسيف، ويلكم إن مدينتكم محفوفة بملائكة الله والله لئن قتلتموه لتتركنها، فقالوا:

يا ابن اليهودية! وما أنت وهذا؟ فرجع عنهم. قالوا: وكان آخر من دخل عليه ممن رجع إلى القوم محمد بن أبي أبكر فقال له عثمان: ويلك أعلى الله تغضب؟ هل لي إليك جرم إلا حقه أخذته منك فنكل ورجع. قالوا: فلما خرج محمد بن أبي بكر وعرفوا انكساره ثار قتيرة وسودان بن حمران السكونيان والغافقي فضربه الغافقي بحديدة معه وضرب المصحف برجله فاستدار المصحف فاستقر بين يديه وسالت عليه الدماء، وجاء سودان بن حمران ليضربه فانكبت عليه نائلة ابنة الفرافصة واتقت السيف بيدها فتعمدها ونفح أصابعها فأطن أصابع يدها وولت فغمز أوراكها، وقال: إنها لكبيرة العجيزة وضرب عثمان فقتله، ودخل غلمة لعثمان مع القوم لينصروه، وقد كان عثمان أعتق من كف منهم فلما رأوا سودان قد ضربه أهوى له بعضهم فضرب عنقه فقتله، ووثب قتيرة على الغلام فقتله، وانتهبوا ما في البيت وأخرجوا من فيه ثم أغلقوه على ثلاثة قتلى فلما خرجوا إلى الدار وثب غلام لعثمان آخر على قتيرة فقتله، ودار القوم فأخذوا ما وجدوا حتى تناولوا ما على النساء، وأخذ رجل ملاءة نائلة والرجل يدعى كلثوم

الصفحة 232
ابن تجيب فتنحت نائلة فقال: ويح أمك من عجيزة ما أنمك، وبصر به غلام لعثمان فقتله وقتل وتنادى القوم أبصر رجل من صاحبه، وتنادوا في الدار: أدركوا بيت المال لا تسبقوا إليه، وسمع أصحاب بيت المال أصواتهم وليس فيه إلا غرارتان (1) فقالوا: النجاء فإن القوم إنما يحاولون الدنيا، فهربوا وأتوا بيت المال فانتهبوه، وماج الناس فيه، فالتانئ يسترجع ويبكي، والطارئ يفرح، وندم القوم وكان الزبير قد خرج من المدينة فأقام على طريق مكة لئلا يشهد مقتله، فلما أتاه الخبر بمقتل عثمان وهو بحيث هو قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، رحم الله عثمان وانتصر له. وقيل: إن القوم نادمون. فقال: دبروا دبروا، وحيل بينهم وبين ما يشتهون. الآية. وأتى الخبر طلحة فقال: رحم الله عثمان وانتصر له وللاسلام وقيل له: إن القوم نادمون. فقال:

تبا لهم وقرأ: فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون. وأتى علي فقيل: قتل عثمان: فقال رحم الله عثمان وخلف علينا بخير. وقيل: ندم القوم. فقرأ: كمثل الشيطان إذ قال للانسان اكفر. الآية. وطلب سعد فإذا هو في حائطه وقد قال: لا أشهد قتله.

فلما جاءه قتله قال: فررنا إلى المدينة فدنينا وقرأ: الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، أللهم أندمهم ثم خذهم.

9 - * (وأخرج ص 131 بالإسناد الشعيبي) *

قال المغيرة بن شعبة لعلي: إن هذا الرجل مقتول وإنه إن قتل وأنت بالمدينة اتخذوا فيك فاخرج فكن بمكان كذا وكذا، فإنك إن فعلت وكنت في غار باليمن طلبك الناس. فأبى وحصر عثمان اثنتي وعشرين يوما ثم أحرقوا الباب وفي الدار أناس كثير فيهم عبد الله بن الزبير ومروان فقالوا: إئذن لنا. فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا فأنا صابر عليه، وإن القوم لم يحرقوا باب الدار إلا وهم يطلبون ما هو أعظم منه، فأحرج على رجل يستقتل ويقاتل، وخرج الناس كلهم ودعا بالمصحف يقرأ فيه والحسن عنده فقال: إن أباك الآن لفي أمر عظيم، فأقسمت عليك لما خرجت.

وأمر عثمان أبا كرب رجلا من همدان وآخر من الأنصار أن يقوما على باب بيت المال

____________

(1) ذكره ابن كثير في تاريخه 7: 189 وحرفه وبدله بقوله: فأخذوا بيت المال وكان فيه شئ كثير جدا.

الصفحة 233
وليس فيه إلا غرارتان من ورق، فلما أطفئت النار بعد ما ناوشهم ابن الزبير ومروان وتوعد محمد بن أبي بكر ابن الزبير ومروان، فلما دخل على عثمان هربا، ودخل محمد ابن أبي بكر على عثمان فأخذ بلحيته فقال: أرسل لحيتي فلم يكن أبوك ليتناولها، فأرسلها ودخلوا عليه فمنهم من يجئه بنعل سيفه وآخر يلكزه وجاءه رجل بمشاقص معه فوجأه في ترقوته، فسال الدم على المصحف وهم في ذلك يهابون في قتله، وكان كبيرا وغشي عليه ودخل آخرون، فلما رأوه مغشيا عليه جروا برجله، فصاحت نائلة وبناته، وجاء التجيبي مخترطا سيفه ليضعه في بطنه فوقته نائلة فقطع يدها، واتكأ بالسيف عليه في صدره، وقتل عثمان رضي الله عنه قبل غروب الشمس ونادى مناد: ما يحل دمه ويحرج ماله؟ فانتهبوا كل شئ، ثم تبادروا بيت المال فألقى الرجلان المفاتيح ونجوا وقالوا: الهرب الهرب، هذا ما طلب القوم.

10 - * (وأخرج ص 135 بالإسناد الشعيبي) *

لما حدثت الأحداث بالمدينة خرج منها رجال إلى الأمصار مجاهدين وليدنوا من العرب فمنهم من أتى البصرة، ومنهم من أتى الكوفة، ومنهم من أتى الشام. فهجموا جميعا من أبناء المهاجرين بالامصار على مثل ما حدث في أبناء المدينة، إلا ما كان من أبناء الشام فرجعوا جميعا إلى المدينة إلا من كان بالشام فأخبروا عثمان بخبرهم فقام عثمان في الناس خطيبا فقال:

يا أهل المدينة! أنتم أصل الاسلام وإنما يفسد الناس بفسادكم، ويصلحون بصلاحكم، والله والله والله لا يبلغني عن أحد منكم حدث أحدثه إلا سيرته، ألا فلا أعرفن أحدا عرض دون أولئك بكلام ولا طلب، فإن من كان قبلكم كانت تقطع أعضاؤهم دون أن يتكلم أحد منهم بما عليه ولا له. وجعل عثمان لا يأخذ أحدا منهم على شر أو شهر سلاح عصا فما فوقها إلا سيره. فضج آبائهم من ذلك حتى بلغه أنهم يقولون: ما أحدث التسيير ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سير الحكم بن أبي العاص فقال:

إن الحكم كان مكيا فسيره رسول الله صلى الله عليه وسلم منها إلى الطائف، ثم رده إلى بلده فرسول الله صلى الله عليه وسلم سيره بذنبه ورسول الله صلى الله عليه وسلم رده بعفوه، وقد سيره الخليفة من بعده وعمر رضي الله عنه من بعد الخليفة، وأيم الله لآخذن العفو من أخلاقكم، ولأبذلنه

الصفحة 234
لكم من خلقي، وقد دنت أمور ولا أحب أن تحل بنا وبكم وأنا على وجل وحذر فاحذروا واعتبروا.

قال الأميني: هذه سلسلة بلاء وحلقة أكاذيب جاء بها أبو جعفر الطبري في تاريخه بإسناد واحد أبطلناه وزيفناه وأوقفناك عليه وعلى ترجمة رجاله في الجزء الثامن ص 84، 140، 141، 333، أضف إليها ما ذكره المحب الطبري مما أسلفنا صدره في هذا الجزء صفحة 179 من طريق سعيد بن المسيب مما اتفق الرواة والحفاظ والمؤرخون على نقله وجاء بعض بزيادة مفتعلة وتبعه المحب الطبري وإليك نصها:

ثم بلغ عليا أنهم يريدون قتل عثمان فقال: إنما أردنا منه مروان فأما قتل عثمان فلا، وقال للحسن والحسين: اذهبا بسيفكما حتى تقوما على باب عثمان فلا تدعا أحدا يصل إليه، وبعث الزبير ابنه، وبعث طلحة ابنه، وبعث عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبناءهم يمنعون الناس أن يدخلوا على عثمان ويسألونه إخراج مروان، فلما رأى الناس ذلك رموا باب عثمان بالسهام حتى خضب الحسن بن علي بدمائه وأصاب مروان سهم وهو في الدار وكذلك محمد بن طلحة، وشج قنبر مولى علي، ثم إن بعض من حصر عثمان خشي أن يغضب بنو هاشم لأجل الحسن والحسين فتنتشر الفتنة، فأخذ بيد رجلين فقال:

لهما: إن جاء بنو هاشم فرأوا الدم على وجه الحسن كشفوا الناس عن عثمان وبطل ما تريدون، ولكن اذهبوا بنا نتسور عليه الدار فنقتله من غير أن يعلم أحد، فتسوروا من دار رجل من الأنصار حتى دخلوا على عثمان، وما يعلم أحد ممن كان معه، لأن كل من كان معه كان فوق البيت ولم يكن معه إلا امرأته فقتلوه وخرجوا هاربين من حيث دخلوا، وصرخت امرأته فلم يسمع صراخها من الجلبة، فصعدت إلى الناس فقالت:

إن أمير المؤمنين قتل. فدخل عليه الحسن والحسين ومن كان معهما فوجدوا عثمان مذبوحا فانكبوا عليه يبكون، ودخل الناس فوجدوا عثمان مقتولا فبلغ عليا وطلحة والزبير وسعدا ومن كان بالمدينة فخرجوا وقد ذهبت عقولهم حتى دخلوا على عثمان فوجدوه مقتولا فاسترجعوا وقال علي لابنيه: كيف قتل أمير المؤمنين وأنتما على الباب؟

ورفع يده فلطم الحسن وضرب صدر الحسين، وشتم محمد بن طلحة. ولعن عبد الله بن الزبير، وخرج علي وهو غضبان فلقيه طلحة فقال: مالك يا أبا الحسن؟! ضربت الحسن

الصفحة 235
والحسين؟ وكان يرى أنه أعان على قتل عثمان. فقال: عليك كذا وكذا رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بدري لم تقم عليه بينة ولا حجة. فقال طلحة: لو دفع مروان لم يقتل. فقال علي: لو أخرج إليكم مروان لقتل قبل أن تثبت عليه حكومة. وخرج علي فأتى منزله وجاء الناس كلهم إلى علي ليبايعوه، فقال لهم: ليس هذا إليكم إنما هو إلى أهل بدر فمن رضي به أهل بدر فهو الخليفة، فلم يبق أحد من أهل بدر إلا قال: ما نرى أحق لها منك، فلما رأى علي ذلك جاء المسجد فصعد المنبر وكان أول من صعد إليه وبايعه طلحة والزبير وسعد وأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وطلب مروان فهرب وطلب نفرا من ولد مروان بني أبي معيط فهربوا (1).

وفي لفظ المسعودي في مروج الذهب 1: 441: لما بلغ عليا أنهم يريدون قتله بعث بابنيه الحسن والحسين ومواليه بالسلاح إلى بابه لنصرته، وأمرهم أن يمنعوه منهم، وبعث الزبير ابنه عبد الله، وبعث طلحة ابنه محمدا وأكثر أبناء الصحابة أرسلهم آباؤهم اقتداء بمن ذكرنا فصدوهم عن الدار، فرمي من وصفنا بالسهام واشتبك القوم وجرح الحسن وشج قنبر وجرح محمد بن طلحة، فخشي القوم أن يتعصب بنو هاشم و بنو أمية فتركوا القوم في القتال على الباب ومضى نفر منهم إلى دار قوم من الأنصار فتسوروا عليها وكان ممن وصل إليه محمد بن أبي بكر ورجلان آخران وعند عثمان زوجته، وأهله ومواليه مشاغيل بالقتال، فأخذ محمد بن أبي بكر بلحيته فقال: يا محمد! والله لو رآك أبوك لساءه مكانك. فتراخت يده وخرج عنه إلى الدار، ودخل رجلان فوجداه فقتلاه، وكان المصحف بين يديه يقرأ فيه فصعدت امرأته فصرخت وقالت: قد قتل أمير المؤمنين.

فدخل الحسن والحسين ومن كان معهما من بني أمية فوجدوه وقد فاضت نفسه رضي الله عنه فبكوا فبلغ ذلك عليا وطلحة والزبير وسعدا وغيرهم من المهاجرين والأنصار فاسترجع القوم ودخل علي الدار وهو كالواله الحزين فقال لابنيه: كيف قتل أمير المؤمنين وأنتما على الباب؟ ولطم الحسن وضرب الحسين وشتم محمد بن طلحة

____________

(1) الرياض النضرة 2: 125 تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 108، نقلا عن ابن عساكر، تاريخ الخميس 2: 261، 262، نقلا عن الرياض.

الصفحة 236
ولعن عبد الله بن الزبير فقال له طلحة: لا تضرب يا أبا الحسن! ولا تشتم ولا تلعن، ولو دفع مروان ما قتل، وهرب مروان وغيره من بني أمية وطلبوا ليقتلوا فلم يوجدوا، وقال علي لزوجته نائلة بنت الفرافصة: من قتله؟ وأنت كنت معه. فقالت: دخل إليه رجلان وقصت خبر محمد بن أبي بكر، فلم ينكر ما قالت، وقال: والله لقد دخلت وأنا أريد قتله فلما خاطبني بما قال خرجت ولا أعلم بتخلف الرجلين عني، ولله ما كان لي في قتله سبب، ولقد قتل وأنا لا أعلم بقتله.

وروى ابن الجوزي في التبصرة (1) من طريق ابن عمر قال: جاء علي إلى عثمان رضي الله عنهما يوم الدار وقد أغلق الباب ومعه الحسن بن علي وعليه سلاحه فقال للحسن: ادخل إلى أمير المؤمنين فاقرأه السلام وقل له: إنما جئت لنصرتك فمرني بأمرك. فدخل الحسن ثم خرج فقال لأبيه: إن أمير المؤمنين يقرئك السلام ويقول لك: لا حاجة لي بقتال وإهراق الدماء قال: فنزع علي عمامة سوداء ورمي بها بين يدي الباب وجعل ينادي: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وإن الله لا يهدي كيد الخائنين.

وعن شداد بن أوس نزيل الشام والمتوفى بها عهد معاوية أنه قال: لما اشتد الحصار بعثمان رضي الله عنه يوم الدار رأيت عليا خارجا من منزله معتما بعمامة رسول الله متقلدا سيفه وأمامة ابنه الحسن والحسين وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم في نفر من المهاجرين والأنصار فحملوا على الناس وفرقوهم ثم دخلوا على عثمان فقال علي:

السلام عليك يا أمير المؤمنين! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يلحق هذا الأمر حتى ضرب بالمقبل المدبر، وإني والله لا أرى القوم إلا قاتلوك فمرنا فلنقاتل. فقال عثمان: انشد الله رجلا رأى لله عز وجل عليه حقا وأقر أن لي عليه حقا أن يهريق في سببي ملء محجمة من دم أو يهريق دمه في. فأعاد علي رضي الله عنه القول فأجاب عثمان بمثل ما أجاب، فرأيت عليا خارجا من الباب وهو يقول: أللهم إنك تعلم أنا قد بذلنا المجهود ثم دخل المسجد وحضرت الصلاة فقالوا له: يا أبا الحسن! تقدم فصل بالناس، فقال:

لا أصلي بكم والإمام محصور ولكن أصلي وحدي، فصلى وحده وانصرف إلى منزله

____________

(1) راجع تلخيصه قرة العيون المبصرة 1: 180.

الصفحة 237
فلحقه ابنه وقال: والله يا أبت! قد اقتحموا عليه الدار قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، هم والله قاتلوه، قالوا: أين هو يا أبا الحسن؟! قال: في الجنة والله زلفى، قالوا: وأين هم يا أبا الحسن؟! قال: في النار والله. ثلاثا.

الرياض النضرة 2: 127، تاريخ الخميس 2: 262.

ومن طريق محمد بن طلحة عن كناسة (1) مولي صفية: شهدت مقتل عثمان فاخرج من الدار أمامي أربعة من شباب قريش مضرجين بالدم محمولين كانوا يدرؤن عن عثمان وهم: الحسن بن علي و عبد الله بن الزبير ومحمد بن حاطب ومروان فقلت له:

هل تدري محمد بن أبي بكر بشئ من دونه؟ قال: معاذ الله دخل عليه فقال له عثمان:

يا ابن أخي! لست بصاحبي وكلمه بكلام فخرج (2)

في الاسناد كنانة ذكره الأزدي في الضعفاء، وقال: لا يقوم إسناد حديثه وقال الترمذي: ليس إسناده بذاك. وقال أيضا: ليس إسناده بمعروف (3)

وروى البخاري في تاريخه 4 قسم 1 ص 237 من طريق كنانة مولى صفية قال:

كنت أقود بصفية لترد عن عثمان فلقيها الأشتر فضرب وجه بغلتها حتى قالت: ردوني ولا يفضحني هذا الكلب. وكنت فيمن حمل الحسن جريحا، ورأيت قاتل عثمان من أهل مصر يقال له: جبلة.

وقال سعيد المقبري عن أبي هريرة: كنت محصورا مع عثمان في الدار فرمي رجل منا، فقلت: يا أمير المؤمنين! الآن طاب الضراب قتلوا رجلا منا. قال: عزمت عليك يا أبا هريرة! إلا رميت بسيفك، فإنما تراد نفسي، وسأقي المؤمنين بنفسي اليوم، قال أبو هريرة: فرميت بسيفي فلا أدري أين هو حتى الساعة (4)

لم أقف علي رجال إسناد هذه الأسطورة غير سعيد المقبري، وهو سعيد بن أبي سعيد أبو سعد المدني، والمقبري نسبة إلى مقبرة بالمدينة كان مجاورا لها. قال يعقوب ابن شيبة والواقدي وابن حبان: إنه تغير وكبر واختلط قبل موته بأربع سنين. راجع

____________

(1) كذا في بعض النسخ والصحيح: كنانة.

(2) الاستيعاب 2، 478، تهذيب التهذيب 7: 141، تاريخ الخميس 2: 264.

(3) تهذيب التهذيب 8: 450.

(4) الاستيعاب 2: 478، تهذيب التهذيب 7: 142، تاريخ الخميس 2: 263.

الصفحة 238
تهذيب التهذيب 4: 38، ومتن الرواية أقوى شاهد على اختلاط الرجل، فإن أول من رمى يوم الدار هو رجل من أصحاب عثمان رمى نيار بن عياض الأسلمي وكان شيخا كبيرا فقتله الرجل كما مر في ص 201 ومضى في ص 200: إن أبا حفصة مولى مروان هو الذي أنشب القتال ورمى نيار الأسلمي، ولعلك تعرف أبا هريرة ومبلغه من الصدق والأمانة على ودايع العلم والدين، وإن كنت في جهل من هذا فراجع كتاب أبي هريرة لسيدنا الحجة شرف الدين العاملي حياه الله وبياه، ولعل تقاعد أبي هريرة عن نصرة الإمام أمير المؤمنين علي على السلام في حروبه الدامية كان لأنه لم يك يدري أين سيفه.

وعن أشعب بن حنين مولى عثمان: إنه كان مع عثمان في الدار فلما حصر جر مماليكه السيوف فقال لهم عثمان: من أغمد سيفه فهو حر. فلما وقعت في أذني كنت والله أول من أغمد سيفه، فأعتقت.

قال الذهبي: هذا الخبر باطل لأنه يقتضي أن لأشعب صحبة وليس كذلك لسان الميزان 4:، 12.

صورة مفصلة

عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: كنا مع عثمان رضي الله عنه وهو محصور في الدار فقال: وبم يقتلونني؟ وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: رجل كفر بعد إسلام، أو زنى بعد إحصان، أو قتل نفسا بغير حق فيقتل بها، فوالله ما أحببت لديني بدلا منذ هداني الله تعالى، ولا زنيت في جاهلية ولا إسلام، ولا قتلت نفسا بغير حق، فبم يقتلونني؟ فلما اشتد عطشه أشرف على الناس فقال: أفيكم علي؟ فقالوا: لا. فقال: أفيكم سعد؟ فقالوا: لا. فسكت ثم قال: ألا أحد يبلغ عليا فيسقينا ماء؟ فبلغ ذلك عليا فبعث إليه بثلاث قرب مملؤة ماء فما وصل إليه حتى جرح بسببها عدة من بني هاشم وبني أمية، فلما بلغ عليا أن عثمان محاصر يراد قتله قام خارجا من منزله معتما بعمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم متقلدا سيفه وأمامه ابنه الحسن وعبد الله بن عمر في نفر من الصحابة والمهاجرين والأنصار رضي الله عنهم، ودخلوا على عثمان وهو محصور فقال له علي كرم الله وجهه: السلام عليك يا أمير المؤمنين! إنك إمام العامة وقد نزل بك ما ترى، وإني أعرض عليك خصالا ثلاثا إختر إحداهن:


الصفحة 239
إما أن تخرج فتقاتلهم ونحن معك وأنت على الحق وهم على الباطل، وإما أن تخرق بابا سوى الباب الذي هم عليه فتركب رواحلك وتلحق بمكة فإنهم لن يستحلوك وأنت بها، وإما أن تلحق بالشام فإنهم أهل الشام وفيهم معاوية. فقال عثمان: أما أن أخرج إلى مكة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقول: يلحد رجل من قريش بمكة يكون عليه نصف عذاب العالم. فلن أكون أنا. وأما أن ألحق بالشام فلن أفارق دار هجرتي ومجاورة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فأذن لنا أن نقاتلهم ونكشفهم عنك، قال: فلا أكون أول من يأذن في محاربة أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فخرج علي وهو يسترجع وقال للحسن والحسين:

إذهبا بسيفكما حتى تقوما على باب عثمان فلا تدعا أحدا يصل إليه، وبعث الزبير ابنه، وبعث طلحة ابنه، وبعث عدة من أصحاب محمد أبناءهم يمنعون الناس أن يدخلوا على عثمان ويسألونه إخراج مروان، فلما رأى ذلك محمد بن أبي بكر وقد رمى الناس عثمان بالسهام حتى خضب الحسن بالدماء على بابه وغيره، فخشي محمد بن أبي بكر أن يغضب بنو هاشم لحال الحسن ويكشفوا الناس عن عثمان فأخذ بيد رجلين من أهل مصر فدخلوا من بيت كان بجواره، لأن كان من كان مع عثمان كانوا فوق البيوت ولم يكن في الدار عند عثمان إلا امرأته، فنقبوا الحائط فدخل عليه محمد بن أبي بكر فوجده يتلو القرآن فأخذ بلحيته فقال له عثمان: والله لو رآك أبوك لساءه فعلك. فتراخت يده ودخل الرجلان عليه فقتلاه وخرجوا هاربين من حيث دخلوا، قيل: جلس عمرو بن الحمق على صدره ضربه حتى مات، ووطأ عمير بن ضابئ على بطنه فكسر له ضلعين من أضلاعه، وصرخت امرأته فلم يسمع صراخها لما كان حول الدار من الناس وصعدت امرأته فقالت: إن أمير المؤمنين قد قتل فدخل الناس فوجدوه مذبوحا وانتشر الدم على المصحف على قوله تعالى: " فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم "، وبلغ الخبر عليا وطلحة والزبير وسعدا ومن كان بالمدينة فخرجوا وقد ذهبت عقولهم للخبر الذي أتاهم حتى دخلوا على عثمان فوجدوه مقتولا فاسترجعوا، وقال علي لابنيه: كيف قتل أمير المؤمنين وأنتما على الباب؟ ورفع يده فلطم الحسن، وضرب على صدر الحسين، وشتم محمد بن طلحة وعبد الله بن الزبير، وخرج وهو غضبان حتى أتى منزله، وجاء الناس يهرعون إليه فقالوا له: نبايعك فمد يدك فلا بد لنا من أمير. فقال علي: والله أني

الصفحة 240
لأستحي أن أبايع قوما قتلوا عثمان، وإني لأستحي من الله تعالى أن أبايع وعثمان لم يدفن بعد، فافترقوا ثم رجعوا فسألوه البيعة فقال: أللهم إني مشفق مما أقدم عليه فقال لهم: ليس ذلك إليكم إنما ذلك لأهل بدر فمن رضي به أهل بدر فهو خليفة، فلم يبق أحد من أهل بدر حتى أتى عليا فقالوا: ما نرى أحدا أحق بها منك، مد يدك نبايعك. فبايعوه، فهرب مروان وولده، وجاء علي وسأل امرأة عثمان فقال لها: من قتل عثمان؟ قالت: لا أدري دخل عليه محمد بن أبي بكر ومعه رجلان لا أعرفهما، فدعا محمدا فسأله عما ذكرت امرأة عثمان فقال محمد: لم تكذب والله دخلت عليه وأنا أريد قتله فذكر لي أبي فقمت عنه وأنا تائب إلى الله تعالى، والله ما قتلته ولا أمسكته. فقالت امرأته: صدق ولكنه أدخلهما عليه.

راجع أخبار الدول للقرماني هامش الكامل لابن الأثير 1: 210 - 213.

نظرة في الموضوعات

هذه الموضوعات اختلقت تجاه التاريخ الصحيح المتسالم عليه المأخوذ من مئات الآثار الثابتة المعتضد بعضها ببعض، فيضادها ما أسلفناه في البحث عن آراء أعاظم الصحابة في عثمان وما جرى بينهم وبينه من سئ القول والفعل، وفيهم بقية أصحاب الشورى وغير واحد من العشرة المبشرة وعدة من البدريين، وقد جاء فيه ما يربو على مائة وخمسين حديثا راجع ص 69 - 157 من هذا الجزء.

وتكذبها أحاديث جمة مما قد منا ذكرها ص 157 - 163 من حديث المهاجرين والأنصار وأنهم هم قتلة عثمان.

ومن حديث كتاب أهل المدينة إلى الصحابة في الثغور من أن الرجل أفسد دين محمد فهلموا وأقيموا دين محمد صلى الله عليه وسلم.

ومن حديث كتاب أهل المدينة إلى عثمان يدعونه إلى التوبة ويقسمون له بالله أنهم لا يمسكون عنه أبدا حتى يقتلوه أو يعطيهم ما يلزمه من الله.

ومن حديث كتاب المهاجرين إلى مصر أن تعالوا إلينا وتداركوا خلافة رسول الله قبل أن يسلبها أهلها، فإن كتاب الله قد بدل، وسنة رسوله قد غيرت. إلى آخر ما مر في ص 161، 162.


الصفحة 241
ومن حديث الحصار الأول المذكور في صفحة 168 - 177.

ومن حديث كتاب المصريين إلى عثمان إنا لن نضع سيوفنا عن عواتقنا حتى تأتينا منك توبة مصرحة، أو ضلالة مجلحة مبلجة. إلى آخر مر ص 170.

ومن حديث عهد الخليفة على نفسه أن يعمل بالكتاب والسنة سنة 35 كما مر ص 170 - 172.

ومن حديث توبته مرة بعد أخرى كما فصلناه ص 172 - 178.

ومن حديث الحصار الثاني الذي أسلفناه ص 177 - 189.

ومن حديث كتاب عثمان إلى معاوية في أن أهل المدينة قد كفروا وأخلفوا الطاعة. إلى آخر ما سبق في صفحة 190.

ومن حديث كتابه إلى الشام عامة: إني في قوم طال فيهم مقامي واستعجلوا القدر في. وخيروني بين أن يحملوني على شارف من الإبل الدحيل، وبين أن أنزع لهم رداء الله. إلى آخر ما مر ص 190.

ومن حديث كتابه أهل البصرة المذكور صفحة 191.

ومن حديث كتابه إلى أهل الأمصار مستنجدا يدعوهم إلى الجهاد مع أهل المدينة واللحوق به لنصره كما مر ص 191.

ومن حديث كتابه إلى أهل مكة ومن حضر الموسم ينشد الله رجلا من المسلمين بلغه كتابه إلا قدم عليه. إلخ.

ومن حديث يوم الدار والقتال فيه، وحديث من قتل في ذلك المعترك مما مضى في ص 198 - 204.

ومن حديث مقتل عثمان وتجهيزه ودفنه بحش كوكب بدير سلع مقابر اليهود المذكور ص 204 - 217.

ومما ثبت من أحوال هؤلاء الذين زعموا أنهم بعثوا أبنائهم للدفاع عن عثمان، وأنهم لم يفتأوا مناوئين له إلى أن قتل وبعد مقتله إلى أن قبر في أشنع الحالات، أما علي أمير المؤمنين فمن المتسالم عليه أنه لم يحضر مقتل الرجل في المدينة فضلا عن دخوله عليه قبيل ذلك واستيذانه منه للذب عنه وبعد مقتله وبكاءه عليه وصفعه ودفعه وسبه

الصفحة 242
ولعنه وحواره حول الواقعة، قال الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 230 ردا علي حديث: الظاهر أن هذا ضعيف لأن عليا لم يكن بالمدينة حين حصر عثمان ولا شهد قتله.

وقد سأله عثمان أن يخرج إلى ماله بينبع ليقل هتف الناس باسمه للخلافة، و كان ذلك مرة بعد أخرى وفي إحداهما قال لابن عباس: قل له فليخرج إلى ماله بينبع فلا أغتم به ولا يغتم بي. فأتى ابن عباس عليا فأخبره فقال عليه السلام: يا ابن عباس! ما يريد عثمان إلا أن يجعلني جملا ناضحا بالغرب أقبل وأدبر، بعث إلي أن أخرج، ثم بعث إلي أن أقدم، ثم هو الآن يبعث إلي أن أخرج.

وعلي عليه السلام هو الذي مر حديث رأيه في عثمان فراجع حتى يأتيك اليقين بأنه صلوات الله عليه لم يكن كالواله الحزين، ولم يكن ذاهبا عقله يوم الدار، ولا يقذفه بهذه الفرية الشائنة إلا من ذهبت به الخيلاء، وتخبطه الشيطان من المس، وخبل حب آل أمية قلبه واختبله، فلا يبالي بما يقول، ولا يكترث لما يتقول.

وأما طلحة فحدث عنه ولا حرج، كان أشد الناس على عثمان نقمة، وله أيام الحصارين وفي يومي الدار والتجهيز خطوات واسعة ومواقف هائلة خطرة ثائرة على الرجل كما مر تفصيل ذلك كله، وإن كنت في ريب من ذلك فاسأل عنه مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لتسمع منه قوله: والله ما استعجل متجردا للطلب بدم عثمان إلا خوفا من أن يطالب بدمه لأنه مظنته، ولم يكن في القوم أحرص عليه منه، فأراد أن يغالط مما أجلب فيه ليلبس الأمر ويقع الشك. وقوله: لحا الله ابن الصعبة أعطاه عثمان ما أعطاه وفعل به ما فعل. إلى أقواله الأخرى التي أوقفناك عليها.

وسل عنه عثمان نفسه وقد مرت فيه كلماته المعربة عن جلية الحال، وسل عنه مروان لماذا قتله؟ وما معنى قوله حين قتله لأبان عثمان: قد كفيتك بعض قتلة أبيك؟

وسل عنه سعدا ومحمد بن طلحة وغيرهما ممن مر حديثهم.

وأما الزبير فإن سألت عنه مولانا أمير المؤمنين عليه السلام فعلى الخبير سقطت قال عليه السلام له: أتطلب مني دم عثمان وأنت قتلته؟ سلط الله على أشدنا عليه اليوم ما يكره، وقال فيه وفي طلحة: إنهم يطلبون حقا هم تركوه، ودما هم سفكوه، فإن كنت شريكهم فيه فإن لهم نصيبهم منه، وإن كان ولوه دوني فما الطلبة إلا قبلهم. إلى آخر ما

الصفحة 243
أسلفناه من كلماته عليه السلام.

وقد مر قول ابن عباس: أما طلحة والزبير فإنهما أجلبا عليه وضيقا خناقه. و قول عمار بن ياسر في خطبة له: إن طلحة والزبير كانا أول من طعن وآخر من أمر.

وقول سعيد بن العاص لمروان: هؤلاء قتلة عثمان معك إن هذين الرجلين قتلا عثمان:

طلحة والزبير، وهما يريدان الأمر لأنفسهما، فلما غلبا عليه قالا: نغسل الدم بالدم والحوبة بالحوبة.

وأما سعد بن أبي وقاص فهو القائل كما مر حديثه: وأمسكنا نحن ولو شئنا دفعنا عنه ولكن عثمان غير وتغير، وأحسن وأساء، فإن كنا أحسنا فقد أحسنا، وإن كنا أسأنا فنستغفر الله.

وأعطف على هؤلاء بقية الصحابة الذين حسب واضعوا هذه الروايات أنهم بعثوا أبناءهم للدفاع عن عثمان، وقد أسلفنا إجماعهم عدا ثلاثة رجال منهم على مقته المفضي إلى قتله، وهل ترى من المعقول أن يمقته الآباء إلى هذا الحد الموصوف ثم يبعثوا أبنائهم للمجالدة عنه؟ إن هذا إلا اختلاق.

وهل من المعقول أن القوم كانوا يمحضون له الولاء، وحضروا للمناضلة عنه، فباغتهم الرجلان اللذين أجهزا عليه وفرا ولم يعلم بهما أحد إلى أن أخبرتهم بهما الفرافصة ولم تعرفهما هي أيضا، وكانت إلى جنب القتيل تراهما وتبصر ما ما ارتكباه منه؟.

وهل عرف مختلق الرواية التهافت الشائن بين طرفي ما وضعه من تحريه تقليل عدد المناوئين لعثمان المجهزين عليه حتى كاد أن يخرج الصحابة الآباء منهم والأبناء عن ذلك الجمهور، ومما عزاه إلى مولانا أمير المؤمنين عليه السلام من قوله لما انثال إليه القوم ليبايعوه: والله إني لأستحي أن أبايع قوما قتلوا عثمان. الخ؟ وهو نص على أن مبايعيه أولئك هم كانوا قتلوا عثمان وهم هم المهاجرون والأنصار الصحابة الأولون الذين جاء عنهم يوم صفين لما طلب معاوية من الإمام عليه السلام قتلة عثمان وأمر عليه السلام بتبرزهم فنهض أكثر من عشرة آلاف قائلين: نحن قتلته، يقدمهم عمار بن ياسر، ومالك الأشتر، و محمد بن أبي بكر، وفيهم البدريون، فهل الكلمة المعزوة إلى الإمام عليه السلام لمبايعيه عبارة أخرى عن الرجلين المجهولين اللذين فرا ولم يعرف أحد خبرهما؟ أو هما وأخلاط من

الصفحة 244
الناس الذين كانت الصحابة تضادهم في المرمى؟ وهل في المعقول أن يلهج بهذا إلا معتوه؟

وهل نحت هذا الانسان الوضاع إن صدق في أحلامه عذرا مقبولا لأولئك الصحابة العدول الذابين عن عثمان بأنفسهم وأبنائهم الناقمين على من ناوئه في تأخيرهم دفنه ثلاثا وقد ألقي في المزبلة حتى زج بجثمانه إلى حش كوكب، دير سلع، مقبرة اليهود، ورمي بالحجارة، وشيع بالمهانة، وكسر ضلع من أضلاعه، وأودع الجدث بأثيابه من غير غسل ولا كفن، ولم يشيعه إلا أربعة، ولم يمكنهم الصلاة عليه؟ فهل كل هذا مشروع في الاسلام، والصحابة العدول يرونه ويعتقدون بأنه خليفة المسلمين، وأن من قتله ظالم، ولا ينبسون فيه ببنت شفة، ولا يجرون فيه أحكام الاسلام؟ أو أنهم ارتكبوا ذلك الحوب الكبير وهم لا يتحوبون متعمدين؟ معاذ الله من أن يقال ذلك. أو أن هذا الانسان زحزحته بوادره عن مجاري تلكم الأحكام، وحالت شوارده بينه وبين حرمات الله، وشرشرت منه جلباب الحرمة والكرامة ومزقته تمزيقا، حتى وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة؟

ومن الكذب الصريح في هذه الروايات عد سعد بن أبي وقاص في الرعيل الأول ممن بايع عليا عليه السلام وهو من المتقاعدين عن بيعته إلى آخر نفس لفظه وهذا هو المعروف منه والمتسالم عليه عند رواة الحديث ورجال التاريخ، وقد نحتت يد الافتعال في ذلك له عذرا أشنع من العمل، راجع مستدرك الحاكم 3: 116.

ومن المضحك جدا ما حكاه البلاذري في الأنساب 5: 93 عن ابن سيرين من قوله: لقد قتل عثمان وإن في الدار لسبعمائة منهم الحسن وابن الزبير فلو أذن لهم لأخرجوهم من أقطار المدينة.

وعن الحسن البصري (1) قال: أتت الأنصار عثمان فقالوا: يا أمير المؤمنين! ننصر الله مرتين نصرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وننصرك. قال: لا حاجة لي في ذلك ارجعوا. قال الحسن: والله لو أرادوا أن يمنعوه بأرديتهم لمنعوه.

أي عذر معقول أو مشروع هذا؟ يقتل خليفة المسلمين في عقر داره بين ظهراني سبعمائة صحابي عادل وهم ينظرون إليه، ومحمد بن أبي بكر قابض على لحيته عال بها

____________

(1) راجع إزالة الخفاء 2: 242