وقال أبو حفص: ضعيف الحديث. وقال البخاري: منكر الحديث وقد رأيته وكتبت عنه وتركت حديثه. وقال أبو داود: ضعيف. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال أبو زرعة: ضعيف. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم. وذكر عند الفضل بن سهل فأساء القول فيه (1).
وعبد الرحمن الحاطبي ضعفه أبو حاتم الرازي كما في ميزان الاعتدال للذهبي.
ووالده عثمان لم أقف على ثناء عليه في معاجم التراجم.
فأي عبرة بما يرويه أو يرتأيه أمثال هؤلاء الدجالين؟ على أن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام كان على بصيرة من مسيره إلى حروبه كلها ومنقلبه عنها وفي جميع ما ارتكبه فيها أو تركه، وكل ذلك كان بأمر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعهد منه إليه عليه السلام، وقد عد ذلك من فضائله، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يحث أصحابه على مناصرته يومئذ كما مر تفصيله في الجزء الثالث ص 188 - 195 ط 2 وكان صلى الله عليه وآله ويلم يقول: سيكون بعدي قوم يقاتلون عليا على الله جهادهم فمن لم يستطع جهادهم بيده فبلسانه، فمن لم يستطع بلسانه فبقلبه، ليس وراء ذلك بشئ (2). وكان أبو أيوب الأنصاري وغيره من الصحابة يقول: عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نقاتل مع علي الناكثين (3).
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحذر أم المؤمنين عايشة عن ذلك التبرج تبرج الجاهلية الأولى ويقول لها: يا حميراء! كأني بك تنبحك كلاب الحوأب تقاتلين عليا وأنت له ظالمة (4) وقد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم كما مر في ج 3 ص 191 ط 2 قوله للزبير: إنك تقاتل عليا وأنت ظالم له.
فكان مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه مندفعا إلى ما ناء به من أعباء تلكم الحروب بالأمر النبوي، ولم يكن قط قد غلب على رأيه فلان وفلان، ولم يكن الإمام المجتبى المعصوم عن كل زلة وهفوة بالذي ينهى أباه عما أمر به جده الذي لا ينطق
____________
(1) تاريخ الخطيب 7: 119، تهذيب التهذيب 1: 144.
(2) راجع الجزء الثالث ص 190 ط 2.
(3) راجع الجزء الثالث ص 192، 95 1 ط 2.
(4) راجع الجزء الثالث ص 189 ط 2.
وأي صلاح في محمد بن طلحة؟ وقد شهر سيفه يحارب إمام المسلمين وقد أمر بنصرته والجهاد معه، فحاله حال أبيه في الزيغ والنكوص عن السنن اللاحب. هذه حقيقة الأمر لكن مهملجة الخلاف الوضاعين شاءوا أن يختلقوا ما يبرر أعمال الواثبين مع الهودج فقالوا، ولكن أين؟ وأني؟...
وكيف يصح عن مولانا أمير المؤمنين ما اختلقوا عليه من قوله لمحمد بن حاطب؟
وقد صدر عنه من فعل وقول قبل هذا الموقف وبعده ما يعرب عن رأيه في عثمان، ولا يصدق الخبر الخبر، راجع ما مر في هذا الجزء ص 69 - 77، وفي الجزء الثامن ص 287، 298، 300، 301 ط 2، وفي الجزء السابع ص 81 ط 2.
وهل تساعد سيرة الرجل أن يراه أمير المؤمنين من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا. الآية. وهي التي أركبته النهابير، وسقته كأس المنية، وكانت تخالف الكتاب والسنة، والصحابة الأولون وفي مقدمهم سيدنا الإمام عليه السلام كانوا مطبقين عن النكير والنقمة عليها، ولأجلها تمخضت البلاد عليه، وهي التي أقعدت الصحابة عن نصرته والذب عنه، وهي التي زحزحت الأمة الصالحة عن تجهيزه وتكفينه والصلاة عليه، وهي التي دفنته في مقابر اليهود بعد ما بقي جثمانه في مزبلة أياما وليالي تمر به عواصف الذل والهوان والملا الديني ينظر إليه من كثب، والناس قد بايع أمير المؤمنين عليا عليه السلام وبيده مقاليد الأمور يسمع قوله ويطاع، وهو الذي يتحمس لأمر ما، يراه الناس هينا وهو عنده عظيم، فيعاتب أصحابه ويقول في خطبته له: لقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فينتزع حجلها وقلبها وقلائدها ورعاثها (1) ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام ثم انصرفوا
____________
(1) القلب: السوار. الرعاث جمع رعثة بالفتح: القرط.
فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله. ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق.
17 - أخرج ابن أبي الدنيا من طريق فرج بن فضالة الدمشقي عن مروان بن أبي أمية عن عبد الله بن سلام قال: أتيت عثمان لأسلم عليه وهو محصور فدخلت عليه فقال: مرحبا بأخي، مرحبا بأخي، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة في هذه الخوخة - قال: و خوخة في البيت - فقال: يا عثمان! حصروك؟ قلت: نعم. قال: عطشوك؟ قلت: نعم، فأدلى دلوا فيه ماء فشربت حتى رويت حتى أني لأجد برده بين ثديي وبين كتفي وقال لي: إن شئت نصرت عليهم، وإن شئت أفطرت عندنا، فاخترت أن أفطر عنده، فقتل ذلك اليوم (2).
قال الأميني: هذه السفسطة من آفات فرج بن فضالة الدمشقي قال أحمد: يحدث عن الثقات أحاديث مناكير. وقال ابن معين: ضعيف الحديث. وقال ابن المديني: ضعيف لا أحدث عنه. وقال البخاري ومسلم: منكر الحديث. وقال النسائي: ضعيف وقال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال أبو أحمد: حديثه ليس بالقائم. وقال الدارقطني: ضعيف الحديث. وذكر البرقاني حديثا للدار قطني من طريق فرج بن فضالة فقال: الدارقطني: هذا باطل. فقال البرقاني: من جهة الفرج؟ قال: نعم. وقال عبد الرحمن ابن مهدي: حدث بأحاديث منكرة مقلوبة. وقال الساجي: ضعيف الحديث. وقال الخطيب: لا يغتر أحد بالحكاية المروية في توثيقه عن ابن مهدي فإنها من رواية سليمان بن أحمد وهو الواسطي وهو كذاب، وقد قال البخاري: تركه ابن مهدي. و
____________
(1) نهج البلاغة 1: 69.
(2) الأنساب للبلاذري 5: 82، تاريخ ابن كثير 7: 182، الرياض النضرة 2: 127.
هذا فرج بن فضالة وأما شيخه مروان فلست أدري أي هي بن بي هو (2) لم أقف في المعاجم على ترجمته ولم أجد له ذكرا لا في مشايخ ابن فضالة ولا فيمن يروي عن ابن سلام، ولعله لم يولد بعدوكم في سلسلة أسانيد الفضائل أمثاله من أناس لا تعرفهم أم الدنيا، وما صورهم فلم التصوير، وإنما اختلق أسمائهم الغلو في الفضائل.
ولست أدري هل أسر عثمان بهذه المكرمة إلى ابن سلام فحسب؟ أو أخبر بها هو أو ابن سلام جمهور الصحابة فوجدوها رؤيا لا تنهض للحجة، أو بلغتهم حينما مس الحزام الطبيين، وبلغ السيل الزبى، واتسع الخرق على الراقع، حينما فاتت الخليفة نهزة الحجاج، وتمت عليه الحجة وأصبح محجوجا، والأمة مجتمعة على مقته، و قطع أصول حياته وهي لا تجتمع على خطأ.
وفي الرواية موقع نظر أيضا من ناحية صوم عثمان عند من أرخ قتله بثاني أيام التشريق - كما في رواية أبي عثمان النهدي في أنساب البلاذري 5: 86، وقد رواه الواقدي أيضا، واختاره المبرد في " الكامل " 2: 241، وذكره أبو عمر في " الاستيعاب " 2: 477، وابن الجوزي في صفة الصفوة 1: 117، وابن حجر الهيثمي في الصواعق ص 66، والعسقلاني في تهذيب التهذيب 7: 141، والسيوطي في تاريخ الخلفاء ص 109 والديار بكري في تاريخ الخميس 2: 258، 264، ومن مؤلفي اليوم الأستاذ علي فكري في أحسن القصص 3: 164 وذلك أن الصوم في أيام التشريق محظور عند القوم، و هو قول أبي حنيفة والشافعي وعند مالك لغير المتمتع (3) وقال ابن العماد الحنبلي في الشذرات 1: 41: قوله: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: وتفطر عندنا. معناه أول شئ تستعمله على الريق يكون عندنا لا أنه فطر صائم إذ لم يكن يومئذ صائما، فإن يوم قتله كان ثاني أيام التشريق ولا يجوز صومه. ا هـ.
____________
(1) تهذيب التهذيب 8: 260 - 262.
(2) يقال: هي بن بي. أو: هيان بن بيان. أي مجهول لا يعرف هو ولا أبوه.
(3) المحلى لابن حزم 7: 28، نيل الأوطار 4: 353.
أفطر عندنا. فأصبح صائما وقتل من يومه.
وكذلك لا يلتئم هو وما أخرجه الهيثم بن كليب بالإسناد عن نائلة بنت الفرافصة " امرأة عثمان " قالت: لما حصر عثمان ظل اليوم الذي كان فيه قتله صائما، فلما كان عند إفطاره سألهم الماء العذب فأبوا عليه، وقالوا: دونك ذلك الركي - وركي في الدار الذي يلقى فيه النتن - قالت: فلم يفطر فرأيت جارا على أحاجير متواصلة - وذلك في السحر - فسألت الماء العذب. فأعطوني كوزا من ماء فأتيته فقلت: هذا ماء عذب أتيتك به، قالت: فنظر فإذا الفجر قد طلع فقال: إني أصبحت صائما، قالت فقلت: ومن أين ولم أر أحدا أتاك بطعام ولا شراب؟ فقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع علي من هذا السقف ومعه دلو من ماء فقال: اشرب يا عثمان! فشربت حتى رويت ثم قال: ازدد فشربت حتى نهلت، ثم قال: أما إن القوم سينكرون عليك فإن قاتلتهم ظفرت، وإن تركتهم أفطرت عندنا. قالت: فدخلوا عليه من يومه فقتلوه (1).
نعم: إن الحديثين لا يعول عليهما أيضا لما في إسنادهما من داعية إلى الأرجاء يبغض أهل بيت نبيه، ومن مجهول منكر لا يعرف، ومن متحامل على أمير المؤمنين من الفئة الباغية، فالحديثان كرواية ابن أبي الدنيا باطلان، وما ذهب إليه القوم من أن الرجل كان يوم قتله صائما منقبة مفتعلة لا تصح لاستنادهم فيها إلى تلكم الأباطيل التي اختلقتها يد الغلو في الفضائل.
18 - أخرج الحاكم وابن عساكر وغيرهما من طريق محمد بن يونس الكديمي أبي العباس البصري، عن هارون بن إسماعيل الخزاز أبي الحسن البصري، عن قرة ابن خالد السدوسي البصري، قال: سمع الحسن البصري عن قيس بن عباد البصري قال: شهدت عليا رضي الله عنه يوم الجمل يقول كذا: أللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان،
____________
(1) تاريخ ابن كثير البداية والنهاية 7: 183.
قال الأميني: ألا تعجب من الحاكم يذكر مثل هذه الأضحوكة ويعدها مما استدرك به على الصحيحين ويمر بما فيها من اللغو كريما، ولعل الذهبي عرف بطلانها غير أنه لما وجدها في منقبة عثمان سكت عنها نهائيا ولم يلخصها ولم ينبس فيها ببنت شفة، ويدخر ما في علبة علمه أو في كنانة جهله إلى تزييف حديث " أنا مدينة العلم وعلي بابها " وأمثاله من الصحيح الوارد في فضائل مولانا أمير المؤمنين فيجابهها بكل جلبة ولغط، ولا تقصر عن أشواطهما خطى ابن كثير في تاريخه فيستند إليها مستدلا على ما يرومه من دحض الحق وترصيف الباطل، ونحن أسلفنا في الجزء الخامس ص 266 ط 2 في سلسلة الكذابين والوضاعين نزرا من أقوال الحافظ في جرح محمد بن يونس الكديمي وأنه كان يضع الحديث على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد وضع أكثر من ألف حديث وهاهنا نبسط القول فيها:
قال الآجري: سمعت أبا داود ابن الأشعث يتكلم في محمد بن سنان وفي محمد بن يونس يطلق فيهما الكذب. وقال ابن التمار: ما أظهر أبو داود السجستاني تكذيب أحد إلا في رجلين: الكديمي وغلام خليل. وقال أبو سهل القطان: كان موسى بن هارون ينهي الناس عن السماع من الكديمي ويقول: قد تقرب إلي بأني كتبت عن أبيك في مجلس محمد بن القاسم الأسدي وما حدث أبي قط عن محمد بن القاسم الأسدي. و عن موسى بن هارون أنه كان يقول وهو متعلق بأستار الكعبة -: أللهم إني أشهدك أن الكديمي كذاب يضع الحديث. وقال الشاذ كوني: الكديمي وأخو الكديمي وابن
____________
(1) مستدرك الحاكم 3: 103، تاريخ ابن كثير 7: 193.
وذكر السيوطي في اللئالي المصنوعة عدة أحاديث في شتى الأبحاث من طريق الكديمي فحكى فيها عن الحفاظ الحكم بوضعها وقولهم: إن آفتها الكديمي وإنه كذاب وضاع. وكأنه نسي كل ما ذكر هنالك فأورد هذه الأكذوبة في تاريخ الخلفاء ص 110 محذوفة الاسناد وقال: أخرجه الحاكم وصححه. ألم تكن تلك الأقوال الجارحة في الكديمي نصب عينه عند عد فضائل عثمان؟ أم أن فضائل الرجل لها حساب آخر يسوغ الغلو فيها كل كذب واختلاق؟ على أن الحاكم سكت عن هذه الأكذوبة ولم يصححها فنسبة التصحيح إليه لمحض إخراجه إياها في مستدرك الصحيحين وإلا فلا صراحة فيه بالتصحيح.
____________
(1) كما أن الحاكم يعرفه بالقرشي ولم يذكر نسبته إلى الكديم لئلا يعرف.
(2) راجع تهذيب التهذيب 9: 539، والمصادر التي مرت في ج 5: 266 ط 2.
وليته كان يسكت عنه يوم قام به وقعد (2) وقال على رؤس الاشهاد: قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع، إلى أن انتكث فتله، وأجهز عليه عمله، وكبت به بطنته.
وقال في اليوم الثاني من بيعته في خطبة له: ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان، وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال، فإن الحق القديم لا يبطله شئ ولو وجدته قد تزوج به النساء، وفرق في البلدان، لرددته إلى حاله. الخ.
وليته كان لم يجابهه بقوله: ما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بتحرفك عن دينك وعقلك، وإن مثلك مثل الظعينة سار حيث سار به.
وليته كان لم يكتب إلى المصريين بقوله: إلى القوم الذين غضبوا لله حين عصي في أرضه وذهب بحقه، فضرب الجور سرادقه على البر والفاجر، والمقيم الظاعن، فلا معروف يستراح إليه، ولا منكر يتناهى عنه.
وليته كان لم يقل: ما أحببت قتله ولا كرهته، ولا أمرت به ولا نهيت عنه. أو كان لم يقل: ما أمرت ولا نهيت، ولا سرني ولا ساءني.
وليته كان لم يخطب بقوله: من نصره لا يستطيع أن يقول: خذله من أنا خير منه، ومن خذله لا يستطيع أن يقول: نصره من هو خير مني.
____________
(1) بقال له: معاظم واجبة المراعاة. أي حقوقا مستعظمة.
(2) يقال: قام به وقعد: أي نشر عنه أخبار السوء.
وليته لما قال له حبيب وشرحبيل: أتشهد أن عثمان قتل مظلوما. كان لم يجب بقوله: لا أقول بذلك (1) وليته وليته..
والعجب كل العجب من قول علي صلوات الله عليه " فلما قالوا: أمير المؤمنين صدع قلبي " لماذا صدع قلبه صلوات الله عليه ولم تكن لهذه التسمية جدة؟ وإنما سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك وحكاه عن الله تعالى وعن جبرئيل عليه السلام وما صدع قلبه يوم ذاك، فعلي من أول يومه هو أمير المؤمنين بنص من الصادع الأمين، وما أنزل الله آية فيها يا أيها الذين آمنوا إلا وعلي رأسها وأميرها (2).
19 - أخرج ابن سعد في الطبقات 3: 47 ط ليدن عن محمد بن عمر عن عمرو بن عبد الله بن عنبسة بن عمرو بن عثمان عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن ابن لبيبة قال: إن عثمان بن عفان لما حصر أشرف عليهم من كوة في الطمار فقال: أفيكم طلحة؟ قالوا: نعم. قال: أنشدك الله هل تعلم أنه لما آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار آخى بينه وبين نفسه؟ فقال طلحة: أللهم نعم. فقيل لطلحة في ذلك فقال: نشدني وأمر رأيته ألا أشهد به؟
رجال الاسناد:
1 - محمد بن عمر. هو الواقدي، راجع ترجمته في ميزان الاعتدال 3: 110.
2 - عمرو بن عبد الله الأموي حفيد عثمان، لم أجد له ذكرا في المعاجم، ولعل فيه تدليس.
3 - محمد بن عبد الله الأموي حفيد عثمان، قال البخاري: عنده عجائب، وقال ابن الجارود: لا يكاد يتابع على حديثه. وقال النسائي مرة: ثقة. وأخرى: ليس بالقوي. راجع تهذيب التهذيب 9: 268.
4 - ابن لبيبة ويقال: ابن أبي لبيبة محمد بن عبد الرحمن. قال ابن معين: ليس
____________
(1) راجع ما مر في ج 7: 81، و ج 8: 287، و ج 9: 69، 70، 72، 74، 172، 174.
(2) راجع ما أسلفناه في الجزء الثامن ص 87، 89 ط 2.
وهلا يعلم مفتعل هذه الأضحوكة أن أئمة الحديث وحفاظه ورجال التاريخ أصفقت على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يتخذ لنفسه أخا يوم المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار إلا ابن عمه علي بن أبي طالب؟ وهذا الذي يقتضيه الاعتبار بعد ما نص الكتاب العزيز على أن عليا سلام الله عليه نفس النبي الأقدس. وإنهما من أهل بيت أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وإن ولاية علي مقرونة بولاية الله ورسوله (2).
وبعد ما ثبت أنه سلام الله عليه صنو النبي الأعظم في الفضائل، وشاكلته في النفسيات، ورديفه في الملكات الفاضلة، ونظيره من أمته كما جاء عنه صلى الله عليه وآله سلم (3) وهو منه صلى الله عليه وآله بمنزله رأسه من بدنه نصا منه صلى الله عليه وآله وسلم (4) وهو منه صلى الله عليه وآله وسلم بمنزلته من ربه كما ورد عن أبي بكر مرفوعا (5) وهما من شجرة واحدة وساير الناس من شجر شتى كما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم (6) وهو الذي ثبت فيه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: أنت مني وأنا منك (7) وهو الذي أنزله صلى الله عليه وآله وسلم من نفسه بمنزلة هارون من موسى ولم يستثن له مما اختصه الله به إلا النبوة (8).
____________
(1) ميزان الاعتدال 3: 89، تهذيب التهذيب 9: 301.
(2) راجع ما مر في ج 2: 47، و ج 3: 156 167 ط 2.
(3) الرياض النضرة 2: 164.
(4) تاريخ الخطيب البغدادي 7: 12، الرياض النضرة 2: 162، مصباح الظلام للدمياطي 2: 56.
(5) الرياض النضرة 2: 163.
(6) سيوافيك حديثه إنشاء الله تعالى بألفاظه ومصادره.
(7) صحيح البخاري كتاب المناقب 5: 219، مسند أحمد 5: 204، 356، صحيح الترمذي في المناقب 2، 213، خصائص النسائي ص 20، 24، 36، تاريخ الخطيب 4: 140، و راجع ما مضى في الجزء السادس 338 - 350 ط 2.
(8) حديث المنزلة أخرجه أئمة الحديث بطرق صحيحة في الصحاح والمسانيد.
إنما فدحت هذه المأثرة أهل الأهواء كبقية مآثر الإمام صلوات الله عليه فوضعوا تجاها أكذوبة في أبي بكر وأنه هو أخو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1) وأخرى في عثمان و إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخى بينه وبين نفسه. وثالثة في علي عليه السلام إن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بينه وبين عثمان (2) ورواة السوء يعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخى بين أبي بكر و بين عمر في المؤاخاة الأولى بمكة (3) وبينه وبين خارجة بن زيد الأنصاري في المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار بالمدينة (4) وآخر بين عثمان وبين عبد الرحمن بن عوف في المؤاخاة بمكة (5) وبينه وبين أوس بن ثابت يوم المؤاخاة بالمدينة. (6) فعثمان قط لا ينشد بالمكذوب، وطلحة لا يدعي رؤية ما لم يره، ولا يشهد بخلاف ما شاهده وعاينه، إن كانا من عدول الصحابة صدقا، ومن المبشرين بالجنة حقا، وأنت تعرف حكم هذه الدعاوي من الصحيح الثابت عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله لا يقولها أحد غيري إلا كذاب. قال ابن كثير في تاريخه 7: 335: وقد جاء من غير وجه. وقال ابن حجر: رويناه من وجوه (7) و
____________
(1) راجع ج 3 من كتابنا هذا ص 111، والإصابة 1: 35 وضعفه.
(2) الرياض النضرة 1: 17.
(3) راجع تاريخ ابن عساكر 6: 90، أسد الغابة 2: 221، عيون الأثر 1: 199، الرياض النضرة 1: 15، 17، فتح الباري 7: 217.
(4) راجع سيرة ابن هشام 2: 124، تاريخ ابن كثير 3: 226، عيون الأثر 1: 201، الرياض النضرة 1: 16، فتح الباري 7: 216، 218.
(5) راجع تاريخ ابن عساكر 6: 90، عيون الأثر 1: 199، الرياض النضرة 1: 15، 17، فتح الباري 7: 218.
(6) راجع سيرة ابن هشام 2: 125، تاريخ ابن كثير 3: 227، عيون الأثر 1: 201، الرياض النضرة 1: 61.
(7) تهذيب التهذيب 7: 337، وراجع ج 3 من كتابنا هذا ص 121.
وأول من فتح باب التجري بمصراعيه على هذه الفضيلة الرابية هو عمر بن الخطاب يوم قادوا صاحب الفضيلة إلى البيعة كما يقاد الجمل المخشوش، وقال: إن أنا لم أفعل فمه؟ قالوا: إذن والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك. قال: إذن تقتلون عبد الله وأخا رسوله. قال عمر: أما عبد الله فنعم وأما أخو رسوله فلا (2).
أنا لست أخدش العواطف بالأعراب عن حكم إنكار عمر الأخوة الثابتة بتلكم النصوص الصريحة الأكيدة وقد سمعها هو من الصادع الكريم في ذلك اليوم المشهود غير أني جد عليم بأن حجاج مولانا أمير المؤمنين كان أخذا بما مر قبيل هذا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: فإن ناكرك أحد فقل: أنا عبد الله وأخو رسول الله. وهل قرع هذا سمع عمر أيضا وجابهه مع ذلك بالشدة في النكير عليه؟ أنا لا أدري، فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم، وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا، وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين " المائدة 42 ".
20 - أخرج ابن عدي من طريق مصعب بن سعيد المصيصي عن عيسى بن يونس عن وائل بن داود عن البهي عن الزبير رضي الله عنه مرفوعا: لا يقتل قرشي بعد اليوم صبرا إلا قاتل عثمان فإن لم يفعلوا فابشروا بذبح مثل ذبح الشاة.
قال الأميني: ذكره الذهبي في الميزان 3: 173 مع حديثين من طريق مصعب ابن سعيد فقال: ما هذه إلا مناكير وبلايا.
وقال ابن عدي: يحدث مصعب عن الثقات بالمناكير ويصحف وهو حراني (3) نزل المعصيصة (4) وله غير ما ذكر والضعف على رواياته بين. وقال ابن حبان: كان
____________
(1) راجع ما أسلفناه في الجزء الثالث ص 115 ط 2.
(2) راجع ما مضى في الجزء السابع ص 78.
(3) حران: قرية من قرى حلب.
(4) مدينة على شاطئ جيحان من تغور الشام بين انطاكية وبلاد الروم.
وفي الاسناد عيسى بن يونس قال الدارقطني: مجهول. والبهي هو عبد الله أبو محمد مولى مصعب بن الزبير ولا يصح روايته عن الزبير بل يروي عن عبد الله بن الزبير، وقال أبو حاتم في العلل: لا يحتج بالبهي وهو مضطرب الحديث.
21 - أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء 1: 57 من طريق حامد بن آدم المروزي عن عبد الله بن المبارك عن سفيان عن عثمان بن غياث البصري عن أبي عثمان النهدي عن أبي موسى الأشعري قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط من تلك الحوائط إذ جاء رجل فاستفتح الباب فقال: افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه. فإذا هو عثمان فأخبرته فقال: الله المستعان.
قال الأميني: هلا يعرف أبو نعيم مفتعل هذه الأكذوبة حامد بن آدم؟ أو يعرفه بعجره وبجره غير أن الغلو في الفضائل يسوغ له ولقومه رواية كل كذب مختلق في فضائل المستخلفين بالانتخاب الدستوري الذي لم تره عين الدنيا صحيحا قط.
أنى يخفى على مثل أبي نعيم أن حامد بن آدم كذبه الجوزجاني وابن عدي، وعده أحمد بن علي السليماني فيمن اشتهر بوضع الحديث. وقال أبو داود السبخي: قلت لابن معين: عندنا شيخ يقال له: حامد بن آدم. الخ. فقال: هذا كذاب لعنه الله (2).
على أن عثمان لو كان مبشرا بالجنة ومصدقا بوعد النبي الأقدس لما كان في نفسه خيفة من أن يكون هو ذلك الملحد بمكة الذي أخبر صلى الله عليه وآله وسلم بأن عليه عذاب نصف أهل الأرض كما مر فصحيحة أحمد. وأعجب من هذا مهزأة جاء بها الخطيب ألا وهي:
22 - أخرج الخطيب البغدادي في تاريخه 8: 157 من طريق الحسين بن حميد ابن موسى العكي قال: حدثنا حماد بن المبارك البغدادي قال: حدثنا إسماعيل بن أمية عن ابن جريج عن عطاء عن جابر قال: ما صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر قط إلا قال: عثمان في الجنة. قال: قال الدارقطني: كذا قال حماد بن المبارك عن عبد الله بن ميمون عن إسماعيل بن أمية عن ابن جريج، وهذا الحديث إنما يعرف من رواية إسماعيل بن
____________
(1) لسان الميزان 6: 43.
(2) ميزان الاعتدال 1: 208، لسان الميزان 2: 163.
خبر غير صحيح. راجع لسان الميزان 2: 353.
قال الأميني: لا تعجب من الخطيب يذكر مثل هذه السفسطة بهذا الاسناد الوعر ولم ينبس ببنت شفة، ولم يعرب عن حال رجاله عادته في فضائل كل من أعماه حبه وأصمه، وأنت تجد نقضه وإبرامه، وجرحه وتعديله، وتصويبه وتصعيده في مناقب آل الله صلوات الله عليهم.
أيخفى على مثل الخطيب قول مسلمة بن قاسم في الحسين العكي: إنه مجهول؟
أم لا يهمه وجود حماد بن المبارك في الاسناد؟ وهو المجهول الذي لا يعرف (1) أم عزب عنه قول البخاري في عبد الله بن ميمون: إنه ذاهب الحديث؟ وقول أبي زرعة: إنه واهي الحديث؟ وقول أبي حاتم والترمذي: إنه منكر الحديث؟ وقول ابن عدي: إن عامة ما يرويه لا يتابع عليه؟ وقول النسائي: إنه ضعيف؟ وقول أبي حاتم أيضا: يروي عن الاثبات الملزقات، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد؟ وقول الحاكم: إنه يروي أحاديث موضوعة؟ وقول أبي نعيم: إنه روى المناكير؟ (2)
أم لا يروق الخطيب الجرح في إسماعيل بن أمية العبشمي الأموي وهو ابن عم عثمان وقد جاء بالرواية مختلقة في ابن عمه الخليفة؟ أم لا ينبهه ما حكاه عن الدارقطني إلى أن إسماعيل لا يروي عن ابن جريج؟ وإنما الراوي إسماعيل بن يحيى التيمي.
أم أراد حفظ سمعة الصديق أبي بكر في حفيده إسماعيل بن يحيى التيمي (3) والستر على قول صالح بن جزرة فيه: إنه كان يضع الحديث. وقول الأزدي: إنه ركن من أركان الكذب لا تحل الرواية عنه. وقول أبي علي النيسابوري والدارقطني والحاكم إنه كذاب. وقول الحاكم: روى أحاديث موضوعة. وقول الدارقطني: إنه كان يكذب على مالك والثوري وغيرهما. وقول ابن حبان: إنه كان يروي الموضوعات عن الثقات لا تحل الرواية عنه بحال؟ (4)
____________
(1) ميزان الاعتدال 1: 281، لسان الميزان 2: 353.
(2) تهذيب التهذيب 6: 49.
(3) إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله بن طلحة بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة.
(4) ميزان الاعتدال 1: 117، لسان الميزان 1: 442.
ولو كان لهذا الخيال مقيل من الصحة لاستدعى أن يكون ما اختلق فيه من كون عثمان في الجنة أهم ما صدع به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المعارف والأحكام والحكم فإنا لم نجد ولا وجد واجد شيئا منها يهتم صلى الله عليه وآله وسلم له هذا الاهتمام ويصدع به على كل منبر صعده، نعم كان يكرر بعض ما يصدع به في عدة مقامات للكشف عن أهميته غير أنها مما تعده الأنامل، حتى أن الصلاة التي هي عماد الدين لم يكررها هذا التكرار الممل.
وليت شعري هل كون عثمان في الجنة من أصول الدين وأسس الاسلام التي لا تتم الشريعة إلا بها فطفق صلى الله عليه وآله وسلم يبالغ في تبليغه هذه المبالغة في كل حين؟
فهل هو حكم شرعي؟ أو حكمة بالغة؟ أو ملكة فاضلة؟ أو ناموس إلهي يستحق هذا التأكيد والاصرار؟
ثم لو كان عثمان من المؤمنين لكفاه تبشير الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة الجمة لهم بالجنة، فما الحاجة إلى هذا التهالك في تخصيصه بالذكر تهالكا لم يشاهد له نظير في شئ مما بلغه صلى الله عليه وآله وسلم عن ربه؟
على أنه لو كان صلى الله عليه وآله وسلم مرتكبا ذلك لوجب أن يسمعه منه جميع الصحابة حتى من حظي بالإصاخة إلى قيله ولو مرة واحدة طليلة حياته، ووجب أن يتواتر الحديث منه صلى الله عليه واله وسلم فلا يختص بعزوه المختلق جابر، ولم يك يسنده عنه أناس دجالون، وإن من أهم تلكم المنابر منبر يوم الغدير وقد حضره مائة ألف أو يزيدون، فهل سمع أحد من أحدهم من الأعالي والساقة يحدث أنه صلى الله عليه وآله وسلم هتف عليه بأن عثمان في الجنة؟ و هذه خطب النبي الأعظم هل تجد في شئ منها عما تقولوه حسيسا أو تسمع منه ركزا؟ وهل هؤلاء الصحابة البالغون مئات الألوف الذين سمعوا هذا المقال ووعوه تركوه
____________