وقال صلى الله عليه وآله لعلي: كأن بك وأنت على حوضي تذود عنه الناس، وإن عليه لأباريق مثل عدد نجوم السماء وإني وأنت والحسن والحسين وفاطمة وعقيل وجعفر في الجنة أخوانا على سرر متقابلين، أنت معي وشيعتك في الجنة. (مجمع الزوائد 9: 173)
وقال صلى الله عليه وآله لعلي: أنا أول أربعة يدخلون الجنة: أنا وأنت والحسن والحسين وذرارينا خلف ظهورنا، وأزواجنا خلف ذرارينا، وشيعتنا عن أيماننا وعن شمائلنا. (مجمع الزوائد 9: 174)
وصح عنه صلى الله عليه وآله: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. متفق على صحته.
وجاء عنه صلى الله عليه وآله: الحسن والحسين جدهما في الجنة، وأبوهما في الجنة، و أمهما في الجنة، وعمهما في الجنة، وعمتهما في الجنة، وخالاتهما في الجنة، وهما في الجنة، ومن أحبهما في الجنة، أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط.
وصح عنه صلى الله عليه وآله: إن جعفر بن أبي طالب في الجنة له جناحان يطير بهما حيث شاء. مجمع الزوائد 9 ص 272.
وصح عنه صلى الله عليه وآله في عمرو بن ثابت الأصيرم: إنه لمن أهل الجنة. المجمع 9: 363.
وروي عنه من قوله لعبد الله بن مسعود: أبشر بالجنة. أخرجه الطبراني في - الأوسط والكبير.
وقال صلى الله عليه وآله: أنا سابق العرب إلى الجنة، وصهيب سابق الروم إلى الجنة، وبلال سابق الحبشة إلى الجنة، وسلمان سابق الفرس إلى الجنة. أخرجه الطبراني وحسنه الهيثمي.
وبشر صلى الله عليه وآله وسلم عمرو بن الجموح أنه يمشي برجليه صحيحة في الجنة وكانت رجله عرجاء. أخرجه أحمد ورجاله ثقات.
وبشر صلى الله عليه وآله ثابت بن قيس بأنه يعيش حميدا، ويقتل شهيدا، ويدخله الله الجنة.
المجمع 9 ص 322.
فما هذا المكاء والتصدية، والتصعيد والتصويب حول رواية العشرة المبشرة وجعلها عنوان كل كرامة لأولئك الرجال واختصاصها بالعناية وإلحاقها بأسماء العشرة عند ذكرهم، وقصر البشارة بالجنة على ذلك الرحط فحسب، والصفح عما ثبت في غيرهم من -
ولنا حق النظر في الرواية من ناحيتي الاسناد والمتن.
أما الاسناد فإنه كما ترى ينتهي إلى عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد ولا يرويها غيرهما، وطريق عبد الرحمن ينحصر بعبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن الزهري عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف تارة وعن رسول الله صلى الله عليه وآله أخرى، وهذا إسناد باطل لا يتم نظرا إلى وفاة حميد بن عبد الرحمن فإنه لم يكن صحابيا وإنما هو تابعي لم يدرك عبد الرحمن بن عوف لأنه توفي سنة 105 (1) عن 73 عاما فهو وليد سنة 32 عام وفاة عبد الرحمن بن عوف أو بعده بسنة، ولذلك يرى ابن حجر رواية حميد عن عمر وعثمان منقطعة قطعا (2) وعثمان قد توفي بعد عبد الرحمن بن عوف. فالاسناد هذا لا يصح.
فيبقى طريق الرواية قصرا على سعيد بن زيد الذي عد نفسه من العشرة المبشرة، وقد رواها في الكوفة؟؟ معاوية كما مر النص على ذلك في صدر الحديث، ولم تسمع هي منه إلى ذلك الدور المفعم بالهنابث ولا رويت عنه قبل ذلك، فهلا مسائل هذا الصحابي عن سر إرجاء روايته هذه إلى؟ معاوية وعدم ذكره إياها في تلكم السنين المتطاولة عهد الخلفاء الراشدين وكانوا هم وبقية الصحابة في أشد الحاجة إلى مثل هذه الرواية لتدعيم الحجة وحقن الدماء وحفظ الحرمات في تلكم الأيام الخالية المظلمة بالشقاق والخلاف، فكأنها أوحيت إلى سعيد بن زيد فحسب يوم تسنم معاوية عرش الملك العضوض.
____________
(1) كما اختاره أحمد، والفلاس، والحربي، وابن أبي عاصم، وابن خياط، وابن سفيان، وابن معين.
(2) تهذيب التهذيب 3: 46.
نظرة في المتن
ولنا في متن الرواية نظرات وتأملات يزحزحنا عن الاخبات إلى صحتها.
هل عبد الرحمن بن عوف المعزو إليه الرواية وهو أحد العشرة المبشرة كان يعتقد بها ويصدقها ومع ذلك سل سيفه على علي يوم الشورى قائلا: بايع وإلا تقتل. وقال
____________
(1) تاريخ ابن عساكر 6: 128.
(2) راجع الجزء الثامن والتاسع من الغدير فيهما تفصيل ما أوعزنا إليه ههنا.
وهل أبو بكر وعمر المبشران بالجنة هما اللذان ماتت الصديقة بضعة المصطفى صلى الله عليه وآله وهي وجدى عليهما؟ وهل هما اللذان قالت لهما: إني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه. وهل هما اللذان تقول أم السبطين فيهما شاكية نادبة باكية بأعلى صوتها: يا أبت! يا رسول الله! ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة. وهل هما اللذان نهبا تراث العترة وحق فيهما قول أمير المؤمنين عليه السلام: صبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى أرى تراثي نهبا. وهل أبو بكر هو الذي أوصت فاطمة سلام الله عليها أن لا يصلي عليها، وأن لا يحضر جنازتها، فلم يحضرها هو وصاحبه. وهل هو الذي قالت له كريمة النبي الأقدس الطاهرة المطهرة لأدعون عليك في كل صلاة أصليها. وهل هو الذي كشف عن بيت فاطمة وآذى رسول الله فيها (2) والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم. وهل وهل إلى أن ينقطع النفس وهل كان عمر يصدق هذه الرواية وكان عنده إلمام بها وهو يناشد مع ذلك حذيفة اليماني العالم بأسماء المنافقين ويسأله عن أنه هل هو منهم؟ وهل سماه رسول الله صلى والله عليه وآله وسلم في زمرتهم؟ (3)
وهلا كان على يقين من هذه البشارة يوم نهى عن التكني بأبي عيسى أيام خلافته وقال له المغيرة: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كناه بها فقال: إن النبي غفر له وإنا لا ندري ما يفعل بنا وغير كنيته وكناه أبا عبد الله (4) فكيف كان لم يدر ما يفعل به بعد تلكم البشارة إن صدقت؟
____________
(1) راجع الجزء التاسع ص 87 ط 1، و 90 ط 2.
(2) مر تفصيل هذه كلها في الجزء السابع.
(3) الغدير 6: 241 ط 2.
(4) راجع الغدير 6: 308 ط 2.
بايع وإلا تقتل؟ وهلا كان هو الذي أنكر إخوة علي مع رسول الله صلى الله عليه وآله يوم ذاك، وهي ثابتة له بالسنة الصحيحة المتسالم عليها؟ كما أنه أنكر من السنة شيئا كثيرا نبى عن الحصر.
وهلا كان هو الذي أوصى بقتل من خالف البيعة يوم الشورى؟ وهو جد عليم بأن المخالف الوحيد لذلك الانتخاب المزيف هو علي أمير المؤمنين " دع هذا " أو أحد غيره من العشرة المبشرة؟ ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاءه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما.
وهل كان عثمان يخبت إلى صحة هذه الرواية ويذعن بها وهو يقول بعد لمغيرة ابن شعبة لما كلفه أن يغادر المدينة إلى مكة حينما حوصر به: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يلحد بمكة رجل من قريش عليه نصف عذاب هذه الأمة فلن أكون ذلك الرجل؟ (1) وكيف كان لم ير عليا أفضل من مروان؟ ومروان ملعون بلسان رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام هو المبشر بالجنة. لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون.
وهل طلحة والزبير هما اللذان قتلا عثمان وألبا عليه وكانا كما قال أمير المؤمنين عليه السلام أهون سيرهما فيه الوجيف، وأرفق حدائهما العنيف، فأجلبا عليه وضيقا خناقه، وهما يريدان الأمر لأنفسهما، وكانا أول من طعن وآخر من أمر حتى أراقا دمه (2)
وهل هما اللذان عرفهما الإمام مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: كل منهما يرجو الأمر له ويعطف عليه دون صاحبه، لا يمتان إلى الله بحبل، ولا يمدان إليه بسبب، كل واحد منهما حامل ضب لصاحبه، وعما قليل يكشف قناعه به؟. إلى آخر ما مر في هذا الجزء ص 58.
وهل هما اللذان خرجا على إمام الوقت المفروضة عليهما طاعته، ونكثا بيعته، وأسعرا عليه نار البغي، وقاتلاه وقتلا وهما أبين مصداق لقول رسول الله صلى الله عليه وآله: من
____________
(1) راجع الغدير 9: 152، 153 ط 2.
(2) راجع الغدير 9: 103 - 110 ط 2.
وهل هما اللذان قادا جيوش النكث على قتال سيد العترة، وأخرجا حبيسة رسول الله صلى الله عليه وآله من عقر دارها، وترؤسا الناكثين الذين حث رسول الله صلى الله عليه وآله عليا والعدول من صحابته على قتالهم، وحضهم على منابذتهم؟ أفمن آذن نبي العظمة بحربه وقتاله ورآه من واجب الاسلام يعده صلى الله عيه وآله وسلم بعد من أهل الجنة؟ إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم.
وهل الزبير هذا هو الذي صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله قوله له: تحارب عليا و أنت ظالم؟ فهل المحارب عليا وهو ظالم إياه مثواه الجنة؟ ورسول الله يقول: أنا حرب لمن حاربه، وسلم لمن سالمه كما جاء في الصحيح الثابت. فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب، وما الله بغافل عما تعملون.
وهل الزبير هو الذي قال فيه عمر: من يعذرني من أصحاب محمد لولا أني أمسك لفم هذا الشغب لأهلك أمة محمد صلى الله عليه وسلم (1).
وقال له عمر يوم طعن: أما أنت يا زبير! فوعق لقس مؤمن الرضا، كافر الغضب، يوما إنسان، ويوما شيطان، ولعلها لو أفضت إليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء على مد من شعير، أفرأيت إن أفضت إليك فليت شعري من يكون للناس يوم تكون شيطانا؟ ومن يكون يوم تغضب؟ أما وما كان الله ليجمع لك أمر هذه الأمة وأنت على هذه الصفة (2).
وقال له أيضا: أما أنت يا زبير فوالله ما لان قلبك يوما ولا ليلة، وما زلت جلفا جافيا. (3)
____________
(1) راجع الغدير 9: 366.
(2) شرح ابن أبي الحديد 1: 62.
(3) شرح ابن أبي الحديد 3: 170.
غفرانك اللهم وإليك المصير.
وهل طلحة هذا هو الذي أقام علي أمير المؤمنين عليه السلام عليه الحجة يوم الجمل باستنشاده إياه حديث الولاية [من كنت مولاه فعلي مولاه] فاعتذر بما اعتذر من نسيانه الحديث، لكنه لم يرتدع بعد عن غيه بمناصرة أمير المؤمنين مع بيعته إياه، ولا فوض الحق إلى أهله حتى أتى عليه سهم مروان فجرعته منيته وهو الخارج على إمام وقته! أفهل ترى الإمام والخارج عليه كلا منهما في الجنة؟
وهل طلحة هذا هو الذي نزل فيه قوله تعالى: وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا، إن ذلكم كان عند الله عظيما؟ (الأحزاب 53) نزلت الآية الشريفة لما قال طلحة: أيحجبنا محمد عن بنات عمنا، ويتزوج نساءنا من بعدنا؟ فإن حدث به حدث لنزوجن نساءه من بعده. وقال: إن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم لتزوجت عائشة وهي بنت عمي فبلغ ذلك رسول الله فتأذى به فنزلت.
أقبل عليه عمر يوم طعن وقال له: أقول أم أسكت؟ قال: قل فإنك لا تقول من الخير شيئا. قال: أما إني أعرفك منذ أصيبت إصبعك يوم أحد والبا بالذي حدث لك، ولقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ساخطا عليك بالكلمة التي قلتها يوم نزلت آية الحجاب.
قال أبو عثمان الجاحظ: إن طلحة لما أنزلت آية الحجاب قال بمحضر ممن نقل عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ما الذي يغنيه حجابهن اليوم فسيموت غدا فننكحهن.
قال أبو عثمان: لو قال لعمر قائل: أنت قلت: إن رسول الله صلى الله عليه وآله مات وهو راض عن الستة فكيف تقول الآن لطلحة: إنه مات عليه السلام ساخطا عليك للكلمة التي قلتها لكان قد رماه بمشاقصه، ولكن من الذي كان يجسر على عمر أن يقول له ما دون هذا فكيف هذا؟ (1)
راجع تفسير القرطبي 14: 228، فيض القدير 4. 290، تفسير ابن كثير 3: 506، تفسير البغوي 5: 225، تفسير الخازن 5: 225، تفسير الآلوسي 22: 74.
____________
(1) شرح ابن أبي الحديد 1: 62، ج 3: 170.
وهل تصدق في سعد هذه الرواية وهو المتخلف عن بيعة إمام وقته والمتقاعس عن نصرته بعد ما تمت بيعته وأجمعت عليها الأمة وأصفقت عليها البدريون والمهاجرون والأنصار، وحقت كلمة العذاب على من نزعها من ربقته؟ أفهل نزل في سعد كتاب من الله أخرجه عن محكمات الاسلام وبشر له بالجنة؟.
وهل يترآى لك من ثنايا التاريخ وراء صحائف أعمال أبي عبيدة الجراح (حفار القبور بالمدينة) ما يأهله لهذه البشارة؟ ويدعم له ما يستحق به للذكر من الفضيلة غير ما قام به يوم السقيفة من دحضه ولاية الله الكبرى، وتركاضه وراء الانتخاب الدستوري واقتحامه في تلكم البوائق التي عم شومها الاسلام، وهدت قوائم الوئام والسلام، وجرت الويلات على أمة محمد صلى الله عليه وآله حتى اليوم، وهتكت حرمة المصطفى في ظلم ابنته بضعة لحمه وفلذة كبده، واضطهاد خليفته، واهتضام أخيه علم الهدى؟ فكأنها كانت كلها قربات فأوجبت لابن الجراح الجنة. أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم؟ ساء ما يحكمون.
نبأ يصك المسامع
وجاء بعد لأي من عمر الدهر من لم ير في الرواية فضيلة رابية تخص العشرة نظرا إلى أن البشارة بالجنة كما سمعت تعم المؤمنين جمعاء ولا تنحصر بقوم منهم دون آخرين، ووجد فيها مع ذلك نقصا من ناحية خلوها عن ذكر عائشة أم المؤمنين فصبها في قالب يروقه وصور لها صورة مكبرة تخص بأولئك العشرة ولا يشاركهم فيها أحد، وأسند إلى أبي ذر الغفاري أنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزل عائشة فقال: يا عائشة!
ليت لهذه الرواية إسنادا معنعنا حتى نعرف واضعها ومختلقها على النبي الأقدس، وليت مفتعلها يدري بأن الرفاقة بين اثنين تستدعي مشكالتهما في الخصال، وتقتضيها الوحدة الجامعة من النفسيات والملكات، فهل يسع لأي إنسان أن يقارن بين أولئك الأنبياء المعصومين وبين تسعة رحط كانوا في المدينة في شيئ مما يوجب الرفاقة؟ وهل لبشر أن يفهم سر هذا التقسيم في كل نبي معصوم مع رفيقه الذي لا عصمة له؟ ولعمر الحق أن هذا الانتخاب والاختيار في الرفاقة يضاهي الانتخاب في أصل الخلافة الذي كان لا عن جدارة وتأمل. ما عشت أراك الدهر عجبا.
لماذا لم يكن عبد الله بن مسعود الذي صح عند القوم في الثناء عليه: إنه كان أشبه الناس هديا ودلا وسمتا بمحمد صلى الله عليه وآله (2) رفيق رسول الله صلى الله عليه وآله ويرافقه عثمان؟
ولماذا لم يرافق عيسى بن مريم أبو ذر الثابت فيه: إنه أشبه الناس بعيسى بن مريم هديا وبرا وزهدا ونسكا وصدقا وجدا وخلقا وخلقا (3) ويرافقه عبد الرحمن بن عوف؟
ولماذا رافق رسول صلى الله عليه وآله عثمان بن عفان ولا مشاكلة بينهما خلقا وخلقا وأصلا ومحتدا وسيرة وسريرة، ولم يتخذ صلى الله عليه وآله جعفر بن أبي طالب رفيقا له وقد جاء عنه قوله له: يا حبيبي! أشبه الناس بخلقي وخلقي، وخلقت من الطينة التي خلقت منها،
____________
(1) الرياض النضرة 1: 20 وقال: أخرجه الملا في سيرته.
(2) راجع " الغدير " 9: 9 ط 1.
(3) الغدير 8: 329، 321 ط 1.
ولماذا اختار رسول الله صلى الله عليه وآله لرفاقته عثمان ولم يرافق أبا بكر وقد صح عنه صلى الله عليه وآله عند القوم: لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر. وجاء عنه صلى الله عليه وآله - في مكذوبة - أنه كان يدعو ويقول: اللهم إنك جعلت أبا بكر رفيقي في الغار فاجعله رفيقي في الجنة؟ (2)
ولماذا لم يكن عثمان رفيق إبراهيم، وقد جاء في مناقبه - المكذوبة - إنه شبيه إبراهيم كما مر في ج 9 ص 348.
ولماذا لم يكن عمر رفيق موسى، وعثمان رفيق هارون، وعلي بن أبي طالب رفيق رسول الله صلى الله عليه وآله أخذا بما مر من مكذوبة أنس مرفوعا: ما من نبي إلا وله نظير في أمتي، فأبو بكر نظير إبراهيم، وعمر نظير موسى، وعثمان نظير هارون، وعلي بن أبي طالب نظيري؟ (3)
نعم: عزب عن مفتعل الرواية ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله من قوله: يا علي أنت أخي وصاحبي ورفيقي في الجنة، وهذه الرفاقة والصحبة والأخوة تقتضيها البرهنة الصادقة وتعاضدها المجانسة بين نبي العظمة وصنوه الطاهر في كل خلة ومأثرة، وهي التي جمعتهما في آية التطهير، وجعلتهما نفسا واحدة في الذكر الحكيم، وقارنت بين ولايتيهما في محكم القرآن، وكل تلكم الموضوعات نعرات الإحن ونفثات الأضغان اختلقت تجاه هذه المرفوعة في فضل مولانا سيد العترة أمير المؤمنين عليه السلام.
وهلم معي نسائل أبا ذر المنتهي إليه إسناد الرواية وعائشة المخاطبة بها هل كانا على ثقة وتصديق بها، وإنها صدرت من مصدر الوحي الإلهي الذي لا ينطق عن الهوى أم لا؟ ولئن سألتهما فعلي الخبيرين سقطت، وأبو ذر هو الذي ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء أصدق منه، وإذا أنت قرأت حديث ما جرى بين عثمان وأبي ذر لوجدت سيد غفار في جانب جنب عن هذه الرواية، ولما يحكم عقلك بأن يكون هو راويها
____________
(1) مجمع الزوايد 9: 272، 275.
(2) الغدير 9: 294 ط 1.
(3) راجع ما مر في هذا الجزء ص 75
ولم يكن أبو ذر شاذا عن الصحابة في رأيه السيئ ونقمته على عثمان، بل نبأ المتجمهرين عليه من المهاجرين والأنصار والناقمين عليه من الحواضر الإسلامية، و المجتمعين على وئده المحتجين عليه بالكتاب العزيز يعطينا خبرا بأن الرواية لا تصح عندهم، ولا يصدقها رجل صدق منهم.
وهل نسيتها أم المؤمنين المخاطبة بها، أو تغاضت عنها يوم كانت تنادي في ملأ من الصحابة: اقتلوا نعثلا قتله الله؟ ويوم قالت لمروان: وددت والله أنك وصاحبك هذا الذي يعنيك أمره في رجل كل واحد منكما رحا وأنكما في البحر. ويوم قالت:
وددت والله أنه في غرارة من غرائري هذه وأني طوقت حمله حتى ألقيه في البحر ويوم قالت لابن عباس: إن الله قد آتاك عقلا وفهما وبيانا فإياك أن ترد الناس عن هذه الطاغية. ويوم أخرجت ثوب رسول الله وهي تقول: هذا ثوب رسول الله صلى الله عليه وآله لم يبل وعثمان قد أبلى سنته. ويوم قالت لما بلغها نعيه: أبعده الله ذلك بما قدمت يداه وما الله بظلام للعبيد. ويوم قالت: بعد لنعثل وسحقا (1)
أيخبرك ضميرك الحر بأن صاحبة تلكم المواقف الهائلة كانت تصدق تلك الرواية وتؤمن بها وترى نعثلا رفيق رسول الله صلى الله عليه وآله في الجنة؟ فاستعذ بالله من أن تكون من الجاهلين.
38 - قال محمد بن آدم: رأيت بمكة أسقفا (2) يطوف بالكعبة فقلت له: ما الذي
____________
(1) راجع الغدير ج 9: 78 - 86.
(2) الأسقف والأسقف: فوق القسيس ودون المطران والكلمة يونانية ج أساقفة وأساقف
فقالت: ويلك ارجع إلى ابن الحنفية فقد حللت بفناء قوم من مسلمي الجن لا ينجو منهم إلا من كان مسلما، فقلت: وكيف الاسلام؟ قالت: تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فقلتها، فقالت: أتم إسلامك بالترحم على أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم. فقلت: ومن أتاكم بذلك؟ قالت: قوم منا حضروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعوه يقول: إذا كان يوم القيامة تأتي الجنة فتنادي بلسان طلق فصيح:
إلهي قد وعدتني أن تشيد أركاني. فيقول الجليل جل جلاله: قد شيدت أي رفعت أركانك بأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وزينتك بالحسن والحسين. ثم قالت الدابة:
أتريد أن تقعد هاهنا أم الرجوع إلى أهلك؟ فقلت: الرجوع إلى أهلي. فقالت: اصبر حتى تمر بك مركب فبينما نحن كذلك وإذا بمركب أقبلت تجري فأومأت إليها فرفعوا إلي زورقا فركبت فيه ثم جئت إليهم فوجدت المركب فيها اثنا عشر رجلا كلهم نصارى
قال الأميني: ابن آدم راوي هذه الأغلوطة لا يعرفه الحفاظ رجال الجرح والتعديل في أولاد آدم، وإنما عرفوه بالجهالة، ولا أحسب أن آدم أبا البشر أيضا يعرف ابنه هذا، ولا تدري الأمهات أي ابن بي هو، والأسقف صاحب القصة وابن آدم هما صنوان في الجهالة لا يعرفهما آدمي.
ونحن إن صدقنا متن الرواية، وذهبنا إلى ما ذهب إليه مسلم الجن وأخبر به ولعنا مبغضي الخلفاء الأربعة، ورأينا مأواهم النار، فإلى من وجهنا القوارص عندئذ؟
وأين تقع من سبابنا أمة كبيرة من الصحابة العدول أو عدول الصحابة الذين كان بينهم وبين أي من هؤلاء الأربعة عداء محتدم وبغضاء لاهبة؟ أنا هنا في مشكلة لا تنحل لي.
وعجبي من رعونة أولئك الرحط من النصاري الذين قبلوا من الأسقف دعواه المجردة وأذعنوا بها وصدقوه فيما جاء به عن وادي الجن، وما كانوا مصدقين نبأ الرسول الأمين عن إله السماوات المحفوفة دعوته بألف من الدلائل والبينات، والمتلوة بأنباء الكهنة والأساقفة والهتافات الكثيرة التي سجلها التاريخ، كأنهم سحرهم سجع دابة الجن الموزون في ورد ليله وسحره ووجدوه آية الحق وشاهد الدعوى.
39 - قال القرطبي في تفسيره 20: 180: قال أبي بن كعب: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم والعصر ثم قلت: ما تفسيرها يا نبي الله؟ قال: " والعصر " قسم من الله أقسم ربكم بآخر النهار " إن الانسان لفي خسر " أبو جهل " إلا الذين آمنوا " أبو بكر " وعملوا الصالحات " عمر " وتواصوا بالحق " عثمان " وتواصوا بالصبر " علي رضي الله عنهم أجمعين. وهكذا خطب ابن عباس على المنبر موقوفا عليه.
وذكره المحب الطبري في رياضه النضرة 1: 34، والشربيني في تفسيره 4: 561.
قال الأميني: أيسوغ التقول على الله وعلى رسوله وتحريف الكلم عن مواضعه بمثل هذه المهزأة المرسلة؟ وهل ينبغي لمؤلف في التفسير أو الحديث أن يسود بها صحيفته أو صحيفة تأليفه؟ وهل لنا في مثل المقام أن نطالبه بالسند ونناقش فيه بالإرسال؟ وهلا ما في متن الرواية ما يغنينا عن البحث عن رجال الاسناد إن كان له إسناد؟ وهل
على أن المأثور عن ابن عباس من طريق ابن مردويه في قوله تعالى: إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنه قال: ذكر عليا وسلمان (1) ويؤيده قوله الوارد في قوله تعالى: أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن يجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات.
قال: نزلت في علي يوم بدر، فالذين اجترحوا السيئات: عتبة وشيبة والوليد، والذين آمنوا وعملوا الصالحات علي عليه السلام (2). ومر في الجزء الثاني ص 52 ط 1 من طريق ابن عباس قوله: لما نزلت: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم البرية. قال صلى الله عليه وآله لعلي: هو أنت وشيعتك.
فرواية أبي بن كعب اختلقت تجاه هذه الأخبار التي تساعدها العقل والمنطق والاعتبار.
ولصراحة الكذب في فصول هذه السفسطة لم يذكرها أحد من المفسرين غير القرطبي والشربيني وهي بين أيديهم، ولعل ابن حجر يوعز إلى بطلانها في فتح الباري 8: 392 بقوله: تنبيه، لم أر في تفسير هذه السورة حديثا مرفوعا صحيحا.
على أن الظاهر من سياق السورة أن الجمل التالية للذين آمنوا أوصاف لهم لا أنها إعراب عن أناس آخرين غير من هو المراد من الجملة الأولى.
40 - أخرج الواحدي في أسباب النزول ص 207 عن عبد الرحمن بن حمدان العدل قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني محمد بن سليمان بن خالد الفحام قال: حدثنا علي بن هاشم عن كثير النواء قال: قلت لأبي جعفر: إن فلانا حدثني عن علي بن الحسين رضي الله عنهما: إن هذه الآية نزلت
____________
(1) الدر المنثور 6: 392 ومر في ج 2: 53 (2) تذكرة السبط ص 11، ومر في ج 2: 51.
قال الأميني: لا تدعم أي مأثرة بمثل هذا الاسناد المركب من مجهول كعبد الرحمن العدل ومحمد الفحام، وممن خرف في آخر عمره (3) حتى كان لا يعرف شيئا مما يقرأ عليه كما قاله أبو الحسن بن الفرات (4) وحكى الخطيب البغدادي في تاريخه 4: 4 عن أبي عبد الله أحمد بن أحمد القصري قال: قدمت أنا وأخي من القصر إلى بغداد وأبو بكر [أحمد بن جعفر] بن مالك القطيعي حي وكان مقصودنا درس الفقه والفرايض، فأردنا السماع من ابن مالك فقال لنا ابن اللبان الفرضي: لا تذهبوا إليه فإنه قد ضعف واختل، ومنعت ابني السماع منه، قال: فلم نذهب إليه. وذكره ابن حجر في اللسان 1: 145، وقال في ج 2: 237: إنه شيخ ليس بمتقن.
ومن شيعي غال (5) وصفه بذلك الجوزجاني وابن حبان، ولعل الدارقطني ضعفه لذلك، وذكره ابن حبان في الضعفاء وإن ذكره في الثقات أيضا.
وبعد هؤلاء كثير النواء الذي عرفناكه قبيل هذا صحيفة 117، وإنه ضعيف زائغ منكر الحديث، بابه باب سعد بن طريف الذي كان يضع الحديث وكان شيعيا مفرطا ضعيفا جدا عند القوم.
وفي تأويل قوله تعالى: ونزعنا في صدورهم من غل. الآية أحاديث تافهة عندهم أعجب من رواية الواحدي منها:
قال الصفوري في نزهة المجالس 2: 217، قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله
____________
(1) كذا في أسباب النزول. وفي الدر المنثور: وفيمن تنزل إلا فيهم؟.
(2) في الدر المنثور: فيكوى.
(3) هو أحمد بن جعفر بن مالك أبو بكر القطيعي.
(4) ميزان الاعتدال 1: 41.
(5) هو علي بن هاشم.
* (ومنها) * من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: ونزعنا ما في صدورهم من غل قال: نزلت في عشرة: أبو بكر. وعمر: وعثمان. وعلي. وطلحة. والزبير. وسعد. و سعيد. وعبد الرحمن بن عوف. وعبد الله بن مسعود.
ومن طريق النعمان بن بشير عن علي: ونزعنا ما في صدورهم من غل. قال: ذاك عثمان وطلحة والزبير وأنا.
هكذا يحرفون الكلم عن مواضعه، وهل من مسائل رواة هذه السفاسف عن الغل الذي نزع من صدور أولئك المذكورين متى نزع؟ وإلى أين ذهب؟ وهذا الحديث والتاريخ يعلماننا أن الغل المنتزع منهم بعد إسلامهم لم يزل مستقرا بينهم منذ يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وما وقع هناك من حوار وشجار، إلى الحوادث الواقعة حول واقعة الدار، إلى المحتشد الدامي يوم الجمل، أو ليست هذه كلها منبعثة عن غل محتدم، ووغر في الصدور، وسخيمة في القلوب، وبغضة مستثيرة؟ أو ليس منها أن يستبيح الانسان دم صاحبه و هتك حرماته والوقيعة في عرضه؟ فهل مع هذه كلها صحيح أنه نزع ما في صدورهم من غل؟
والآيات المحرفة من هذا القبيل كثيرة جدا لو تجمع يأتي منها كتاب ضخم غير أنا لا يروقنا البحث عنها فإنه إطالة من غير جدوى فهي بأنفسها وما فيها من تهافت و تفاهة كافية في إبطالها، وما عساني أن أقول في مثل ما رووه في قوله تعالى: وحملناه
وللقوم في تحريف الكتاب معارك دامية منها وقعة سنة 317 ببغداد بين أصحاب أبي بكر المروزي الحنبلي، وبين طائفة أخرى من العامة أيضا، اختلفوا في تفسير قوله تعالى:
عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا. فقالت الحنابلة يجلسه معه على الاتحاد. وقال الآخرون: المراد بذلك الشفاعة العظمى. فاقتتلوا بذلك وقتل بينهم قتلى " تاريخ ابن كثير 11: 162 "
فخذ ما ذكرناه مقياسا لمئات خرافة من أمثاله تقولها على الله ألسنة الغلاة في الفضائل، واتخذوا آيات الله هزوا، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق، وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون.
منتهى المقال
هذه نماذج من أفائك الوضاعين في الفضائل حسبتها الأغرار حقائق فسودوا بها صحائف من التفسير والحديث والتاريخ، وموهوا بها على الحقايق الراهنة وفككوا بها عرى الاسلام، وشتتوا شمل الأمة وفرقوا صفوفها، وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر، أردنا بسردها أن نعطيك مقياسا لما حاولوه من المغالاة نكتفي بها عن غيرها، وهناك مئات من أمثالها ضربنا الصفح عنها تنزها عن نبش المخاريق ونشر المخازي، والباحث يجد شواهد صادقة على دعوانا في غضون (الرياض النضرة) علبة السفاسف والخرافات، و " الصواعق المحرقة " عيبة الأفائك والأكاذيب، و " السيرة الحلبية " المشحونة بالموضوعات، و " نزهة المجالس " موسوعة الترهات والصحاصح، و " مصباح الظلام " ديوان كل حديث مفترى ورواية مفتعلة، إلى تآليف جمة من القديم والحديث، فويل لهم مما كسبت أيديهم وويل لهم مما يكتبون، فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون، و ليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون، والله يعلم أنهم لكاذبون.
____________
(1) نزهة المجالس 2: 214 نقلا عن شوارد الملح.