(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً)
(الأحزاب/56)
الوحدة حول مائدة الكتاب والسنة
الحمد لله ربّ العالمين، والصَّلاة على محمّد وآله الطاهرين، والسلام على أصحابه البررة الميامين.
وبعد: تنازعنا معاشر المسلمين على مسائل الخلاف في الداخل ففرّق أعداء الإسلام من الخارج كلمتنا من حيث لا نشعر، وضعفنا عن الدفاع عن بلادنا، وسيطر الأعداء علينا، وقد قال سبحانه وتعالى: (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) (الأنفال/46).
وينبغي لنا اليوم وفي كلّ يوم أن نرجع إلى الكتاب والسنّة في ما اختلفنا فيه ونوحّد كلمتنا حولهما، كما قال تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ)(النساء/59).
وفي هذه السلسلة من البحوث نرجع إلى الكتاب والسنّة ونستنبط منها ما ينير لنا السبيل في مسائل الخلاف، فتكون بإذنه تعالى وسيلة لتوحيد كلمتنا.
راجين من العلماء أن يشاركونا في هذا المجال، ويبعثوا إلينا بوجهات نظرهم على عنوان:
بيروت
ص.ب 124/24
العسكـري
الروايات الواردة في بكاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
على المتوفى وحثّه على ذلك
1 ـ بكاء الرسول (صلى الله عليه وآله) في مرض سعد بن عبادة
في صحيح مسلم:
عن عبد الله بن عمر قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتى رسول الله(ص) يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود، فلمّا دخل عليه وجده في غشية، فقال: "أقد قضى؟" قالوا: لا يا رسول الله! فبكى رسول الله(ص)، فلمّا رأى القوم بكاء رسول الله(ص)بكوا، فقال: "ألا تسمعون؟ إنّ الله لا يعذّب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذّب بهذا (وأشار إلى لسانه) أو يرحم"(1).
____________
1- صحيح مسلم 2 : 636 كتاب الجنائز، باب6 .
وشكوى له: أي مرض له. وغشية: ما يغشاه من كرب الموت.
2 ـ بكاء النبي (صلى الله عليه وآله) على إبنه إبراهيم
في صحيحي البخاري ومسلم وسنن أبي داود وابن ماجة واللفظ للأوّل:
قال أنس: دخلنا مع رسول الله (ص) ... وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلَتْ عينا رسول الله تذرفان، فقال له عبد الرحمن ابن عوف (رض): وأنت يا رسول الله؟! فقال: "يابن عوف، إنّها رحمة"، ثمّ أتبعها بأخرى فقال (ص): "إنّ العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلاّ ما يرضي ربّنا، وإنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون"(1).
وفي سنن ابن ماجة:
عن أنس بن مالك; قال: لماقبض ابراهيم، ابن النبي(ص) قال لهم النبي (ص): "لا تدرجوه في أكفانه حتى أنظر إليه" فأتاه فانكب عليه، وبكى(2).
____________
1- صحيح مسلم 4 : 1808 كتاب الفضائل، باب رحمته بالصبيان والعيال، ح2 ـ وسنن أبي داود 3 : 193 كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت ـ وسنن ابن ماجة 1 : 507 كتاب الجنائز، باب53 ح1589 ـ والبخاري 1 : 158 كتاب الجنائز، باب قول النبي (ص): "وإنّا بك لمحزونون".
2- سنن ابن ماجة 1 : 473 كتاب الجنائز، باب ما جاء في النظر الى الميت.
عن جابر بن عبد الله قال: أخذ النبي (ص) بيد عبد الرحمن بن عوف فانطلق به الى ابنه ابراهيم، فوجده يجود بنفسه فأخذه النبي (ص) فوضعه في حجره فبكى، فقال له عبد الرحمن: أتبكي، أوَلم تكن نهيت عن البكاء؟ قال: "لا، ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند مصيبة: خمشِ وجوه وشقِّ جيوب ورنّةِ شيطان"، وفي الحديث كلام أكثر من هذا. قال أبو عيسى هذا حديث حسن(1).
3 ـ بكاء الرسول (صلى الله عليه وآله) على سبطه
جاء في صحيحي البخاري ومسلم وسنن أبي داود وسنن النسائي واللفظ للأوّل:
أنّ ابنة النبيّ (ص) أرسلت اليه: أن ابناً لي قبض فأتنا، فقام ومعه سعد بن عبادة ورجال من أصحابه، فرفع الى
____________
1- صحيح الترمذي 4 : 226 كتاب الجنائز، باب الرخصة في البكاء على الميت.
4 ـ بكاء الرسول (صلى الله عليه وآله) على عمّه حمزة
في طبقات ابن سعد ومغازي الواقدي ومسند أحمد وغيرها واللفظ للأوّل:
قال: لمّا سمع رسول الله (ص) بعد غزوة أُحد البكاء من دور الأنصار على قتلاهم، ذرفت عينا رسول الله (ص) وبكى، وقال: "لكن، حمزة لا بواكي له"، فسمع ذلك سعد بن معاذ، فرجع الى نساء بني عبد الأشهل فساقهنّ فدعا لهنّ وردّهنّ. فلم تبك امرأة من الأنصار بعد ذلك الى اليوم على
____________
1- صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب قول النبي (ص): "يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه" واللفظ له، كتاب المرضى، باب عيادة الصبيان 4 : 3 وفي 4 : 191 منه، كتاب التوحيد، باب انّ رحمة الله قريب من المحسنين ـ وصحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت 2 : 636 ح11 ـ وسنن أبي داود، كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت 3 : 193 ح3125 ـ وسنن النسائي 4 : 22 كتاب الجنائز، باب الأمر بالاحتساب والصبر، ومسند أحمد 5 : 204 و 206 و 207.
5 ـ بكاء الرسول على الشهداء بغزوة مُؤْتة
في صحيح البخاري: أنّ النبيّ نعى زيداً وجعفراً وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم وقال:
"أخذ الراية زيد، فأصيب. ثمّ أخذ جعفر، فأصيب. ثمّ أخذ ابن رواحة فأصيب"، وعيناه تذرفان ...(2).
6 ـ بكاء الرسول (صلى الله عليه وآله) على جعفر بن أبي طالب
في الاستيعاب وأُسد الغابة والإصابة وتاريخ ابن الأثير وغيره ما موجزه:
____________
1- أوردناه من ترجمة حمزة في طبقات ابن سعد 3 : 11 ط دار صادر بيروت سنة 1377هـ ـ وأكثر تفصيلا منه في مغازي الواقدي 1 : 315 ـ 317 ـ وبعد امتاع الأسماع 1 : 163 ـ ومسند أحمد 2 : 40 ـ وتاريخ الطبري 2 : 532 ط مصر ـ وسيرة ابن هشام 3 : 50 ـ وأورده ابن عبد البر بايجاز بترجمة حمزة من الاستيعاب، وباختصار أيضاً ابن الأثير بترجمته من اُسد الغابة.
2- صحيح البخاري 2 : 204 كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب خالد ـ والبداية والنهاية لابن كثير 4 : 255 ـ والسنن الكبرى للبيهقي 4 : 70 ـ وأنساب الأشراف 2 : 43 ـ وشرح ابن أبي الحديد 15 : 73.
7 ـ بكاء الرسول (صلى الله عليه وآله) على أُمّه عند قبرها
في صحيح مسلم ومسند أحمد وسنن أبي داود والنسائي وابن ماجة واللفظ للأوّل:
عن أبي هريرة قال: زار النبي (ص) قبر أمّه فبكى وأبكى مَن حوله(2).
____________
1- راجع ترجمة جعفر من الاستيعاب واُسد الغابة والاصابة وابن الأثير 2 : 90 .
2- في صحيح مسلم 2 : 671 كتاب الجنائز، باب36 ح108 ـ ومسند أحمد 2 : 441 ـ وسنن أبي داود 3 : 218 كتاب الجنائز، باب زيارة القبور ح3234 ـ وسنن النسائي 4 : 90 كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر المشرك ـ وسنن ابن ماجة 1: 501 كتاب الجنائز، باب ما جاء في زيارة قبور المشركين ح1572.
بكاء الرسول (صلى الله عليه وآله) على سبطه الحسين في
مناسبات متعددة
1 ـ حديث أمّ الفضل:
في مستدرك الصحيحين وتاريخ ابن عساكر ومقتل الخوارزمي وغيرها واللفظ للأوّل:
عن أمّ الفضل بنت الحارث، أنّها دخلت على رسول الله (ص) فقالت: يا رسول الله إنّي رأيت حلماً منكراً الليلة، قال: "وما هو؟" قالت: إنّه شديد، قال: "وما هو؟" قالت: رأيت كأنّ قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري، فقال رسول الله (ص): "رأيت خيراً، تلد فاطمة ـ إن شاء الله ـ غلاماً
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخيين ولم يخرجاه(1).
2 ـ رواية زينب بنت جحش:
في تاريخ ابن عساكر ومجمع الزوائد وتاريخ ابن كثير
____________
1- مستدرك الصحيحين 3 : 176 وباختصار ص179 منه ـ وتاريخ ابن عساكر ح631 وقريب منه في ح630 ـ وفي مجمع الزوائد 9 : 179 ـ ومقتل الخوارزمي 1 : 159 وفي 162 بلفظ آخر ـ وتاريخ ابن كثير 6 : 230 وأشار اليه في 8 : 199 ـ وأمالي الشجري : 188 ـ وراجع الفصول المهمّة لابن الصباغ المالكي : 145 ـ والروض النضير 1 : 89 ـ والصواعق : 115 وفي ط 190 ـ وراجع كنز العمال 6 : 223 ط القديمة ـ والخصائص الكبرى 2 : 125 .
وفي كتب أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ورد في مثير الأحزان : 8 ـ واللهوف لابن طاووس : 6 ـ 7 .
عن زينب، قالت: بينا رسول الله (ص) في بيتي وحسين عندي حين درج، فغفلت عنه، فدخل على رسول الله (ص) فقال: "دعيه" ـ الى قولها ـ ثمّ مدّ يده فقلت حين قضى الصلاة: يا رسول الله! إنّي رأيتك اليوم صنعت شيئاً ما رأيتك تصنعه؟ قال: "إنّ جبرئيل أتاني فأخبرني أنّ هذا تقتله أمتي" فقلت: فأرني تربته، فأتاني بتربة حمراء(1).
3 ـ رواية عائشة:
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن في تاريخ ابن عساكر، ومقتل الخوارزمي ومجمع الزوائد، وغيرها واللفظ للثاني:
عن عائشة، قالت: إنّ رسول الله (ص) أجلس حسيناً على فخذه، فجاء جبرئيل إليه، فقال: هذا ابنك؟ قال: "نعم"،
____________
1- تاريخ ابن عساكر، ترجمة الحسين (عليه السلام) ح629 ـ ومجمع الزوائد 9 : 188 ـ وكنز العمال 13 : 112 ـ وأشار اليه ابن كثير بتاريخه 8 : 199 .
وورد في كتب أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) بأمالي الشيخ الطوسي 1 : 323 ـ ومثير الأحزان : 7 ـ 8 وورد قسم منه في ص9 ـ 10 وفي آخره تتمة مهمّة ـ وكذلك في اللهوف : 7 ـ 9 .
وزينب هي أمّ المؤمنين زينب بنت جحش.
وفي لفظ آخر: فأشار له جبرئيل الى الطفّ بالعراق، فأخذ تربة حمراء فأراه إيّاها، فقال: هذه من تربة مصرعه(1).
4 ـ روايات أم سلمة:
في مستدرك الصحيحين، وطبقات ابن سعد، وتاريخ ابن عساكر، وغيرها، واللفظ للأوّل:
قال: أخبرتني أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ : أنّ رسول الله (ص) اضطجع ذات ليلة للنوم فاستيقظ وهو حائر، ثمّ اضطجع فرقد، ثمّ استيقظ وهو خائر ما دون ما رأيت به المرّة الأولى، ثمّ اضطجع فاستيقظ وفي يده تربة حمراء يقلّبها،
____________
1- طبقات ابن سعد ح269 ـ وتاريخ ابن عساكر بترجمة الحسين ح627 ـ ومقتل الخوارزمي 1 : 159 ـ ومجمع الزوائد 9 : 187 - 188 ـ وكنز العمال 13 : 108 وفي ط القديمة 6 : 223 ـ والصواعق المحرقة لابن حجر : 115 وفي ط : 19 ـ وراجع خصائص السيوطي 2 : 125 و126 ـ وجوهرة الكلام للقره غولي : 117 ـ وفي أمالي الشيخ الطوسي من كتب أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) 1 : 325 ـ وفي أمال الشجري : 177 بتفصيل.
فقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه(1).
5 ـ حديث أنس بن مالك:
في مسند أحمد، والمعجم الكبير للطبراني، وتاريخ ابن عساكر وغيرها، واللفظ للأوّل:
عن أنس بن مالك، قال: استأذن ملك القطر ربّه أن يزور النبي (ص)، فأذن له وكان في يوم أم سلمة، فقال النبي (ص): "يا أم سلمة احفظي علينا الباب، لا يدخل علينا أحد". قال: فبينا هي على الباب إذ جاء الحسين بن عليّ (عليه السلام)
____________
1- مستدرك الصحيحين 4 : 398 ـ والمعجم الكبير للطبراني ح55 ـ وتاريخ ابن عساكر ح619 - 921 ـ وترجمة الحسين ومقتله من طبقات ابن سعد، نشر وتحقيق عبد العزيز الطباطبائي : 42 - 44 ح628 ـ والذهبي في تاريخ الإسلام 3 : 11 ـ وسير أعلام النبلاء 3 : 194 - 195 ـ والخوارزمي في المقتل 1 : 158 - 159 باختصار ـ والمحب الطبري في ذخائر العقبى : 148 - 149 ـ وتاريخ ابن كثير 6 : 230 ـ وكنز العمال للمتقي 16 : 266 .
والخائر: ثقيل النفس غير طيب ولا نشيط.
____________
1- مسند أحمد 3 : 242 و 265 ـ وتاريخ ابن عساكر ترجمة الحسين (عليه السلام)ح615 و 617 ـ وتهذيبه 4 : 325 واللفظ له ـ وبترجمة الحسين من المعجم الكبير للطبراني ح47 ـ ومقتل الخوارزمي 1 : 160 × 162 ـ والذهبي في تاريخ الإسلام 3 : 10 ـ وسير أعلام النبلاء 3 : 194 ـ وذخائر العقبى : 146 - 147 ـ ومجمع الزوائد 9 : 187 وفي ص190 منه بسند آخر وقال: اسناده حسن ـ وفي باب الاخبار بمقتل الحسين من تاريخ ابن كثير 6 : 229 في لفظه: "وكنّا نسمع يقتل بكربلاء" وفي 8 : 199 ـ وكنز العمال 16 : 266 ـ والصواعق المحرقة لابن حجر : 115 ـ وراجع الدلائل للحافظ أبي نعيم 3 : 202 ـ والروض النضير 1 : 192 ـ والمواهب اللدنيّة للقسطلاني 2 : 195 ـ والخصائص للسيوطي 2 : 25 ـ وموارد الضمآن بزوائد صحيح ابن حبان لأبي بكر الهيتمي : 554 .
وفي كتب أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) بأمالي الشيخ الطوسي (ت/460هـ) ط النعمان بالنجف سنة 1384 هـ 1 : 221 وفي لفظه: "انّ عظيماً من عظماء الملائكة ...".
روايات نهي النبي (صلى الله عليه وآله) عن البكاء ومنشأه
في صحيح مسلم وسنن النسائي واللفظ للأوّل:
عن عبد الله، أنّ حفصة بكت على عمر.
فقال: مهلا يا بنية! ألم تعلمي أنّ رسول الله (ص) قال: "إنّ الميت يعذّب ببكاء أهله عليه"(1).
وفي رواية أخرى:
عن عمر، عن النبي (ص) قال: "الميت يعذّب في قبره بما نيح عليه"(2).
وفي أخرى:
عن ابن عمر، قال: لما طعن عمر أغمي عليه، فصيح
____________
1- صحيح مسلم 2 : 639 كتاب الجنائز، باب الميت يعذّب ببكاء أهله عليه ـ وسنن النسائي 4 : 18 كتاب الجنائز، باب النهي عن البكاء على الميت.
2- صحيح مسلم 2 : 639 ـ وصحيح الترمذي 4 : 222 كتاب الجنائز، باب 24 ـ وسنن ابن ماجة 1 : 508 كتاب الجنائز، باب الميت يعذّب بما نيح عليه.
استدراك عائشة على حديث عمر وابنه
وفي صحيحي البخاري ومسلم وسنن النسائي واللفظ لمسلم:
عن ابن عباس ما موجزه: لمّا قدمنا المدينة لم يثبت أمير المؤمنين أن أصيب، فجاء صهيب يقول: واأخاه! واصاحباه! فقال عمر: ألم تعلم أو لم تسمع أنّ رسول الله(ص) قال: "إنّ الميت ليعذّب ببعض بكاء أهله".
فقمت فدخلت على عائشة، فحدّثتها بما قال ابن عمر. فقالت: لا والله! ما قال رسول الله (ص) قط "إنّ الميت يعذب ببكاء أحد" ولكنّه قال: "إنّ الكافر يزيده الله ببكاء أهله عذاباً وإنّ الله لهو أضحك وأبكى. ولا تزر وازرة وزر أخرى".
وعن القاسم بن محمد قال: لما بلغ عائشة قول عمر وابن عمر قالت: إنّكم تحدّثوني عن غير كاذبين ولا مُكذبين،
____________
1- صحيح مسلم 2 : 639 ـ وسنن النسائي 4 : 18 .
وجاء في صحيحي مسلم والبخاري وسنن الترمذي وموطأ مالك واللفظ للأوّل:
عن هشام بن عروة عن أبيه، قال: ذُكر عند عائشة قول ابن عمر: الميت يعذّب ببكاء أهله عليه، فقالت: رحم الله أبا عبد الرحمن، سمع شيئاً فلم يحفظه، إنّما مرّت على رسول الله (ص) جنازة يهوديّ وهم يبكون عليه، فقال: "أنتم تبكون وإنّه ليعذّب"(2).
قال الإمام النووي (ت/676 هـ) في شرح صحيح مسلم عن روايات النهي عن البكاء المروية عن رسول الله (ص): وهذه الروايات من رواية عمر بن الخطاب وابنه عبدالله(رض)
____________
1- صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب 9 ح22 و23 ـ وصحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب يعذب الميت ببكاء أهله عليه 1 : 155 - 156 ـ وسنن النسائي 4 : 18 كتاب الجنائز، باب النياحة على الميت ـ والاجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة للزركشي : 82 باب استدراكها على عمر بن الخطاب.
2- صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب9 ح25 ـ وصحيح البخاري 1 : 156 كتاب الجنائز، باب الميت يعذّب ببكاء بعض أهله ـ وصحيح الترمذي، كتاب الجنائز، باب25 4 : 226 - 227 روايتان ـ وموطأ مالك 1 : 234 كتاب الجنائز، باب النهي عن البكاء على الميت.
الرسول (صلى الله عليه وآله) يزجر عمر عند نهيه عن البكاء
في سنن النسائي وابن ماجة ومسند أحمد واللفظ للأوّل:
عن سلمة بن الأزرق قال: سمعت أبا هريرة قال: مات ميّت من آل رسول الله (ص) فاجتمع النساء يبكين عليه، فقام عمر ينهاهنّ ويطردهنّ، فقال رسول الله (ص): "دعهنّ يا عمر، فإنّ العين دامعة والقلب مصاب والعهد قريب"(2).
وفي مسند أحمد:
عن وهب بن كيسان، عن محمد بن عمرو أنّه أخبره: أنّ سلمة بن الأزرق كان جالساً مع عبد الله بن عمر بالسوق، فمرّ بجنازة يبكى عليها، فعاب ذلك عبد الله بن عمر
____________
1- الإمام النووي في شرح صحيح مسلم 6 : 228 كتاب الجنائز.
2- سنن النسائي 2 : 19 باب الرخصة في البكاء على الميت ـ ومسند أحمد 2 : 110، 273، 333، 408، 444 ـ وسنن ابن ماجة 1 : 505 كتاب الجنائز، باب ما جاء في البكاء على الميت، ح1587.
مقارنة الروايات ونتيجتها:
أثبت القسم الأوّل من الروايات أنّه كان من سيرة النبي(صلى الله عليه وآله) البكاء على من رآه مشرفاً على الموت وعلى من توفّى شهيداً أو غير شهيد وعلى قبر المتوفى.
وأثبت القسم الثاني من الروايات بكاء النبي (صلى الله عليه وآله) عدّة مرّات على سبطه الشهيد وبذلك يلحق بكاؤه على
____________
1- مسند أحمد 2 : 273 و 408 وقريب منه في ص333 .
وأثبت القسم الثالث من الروايات أنّ روايات نهي الرسول (صلى الله عليه وآله) عن البكاء على الميت انحصرت بالخليفة الثاني وابنه عبد الله، وثبت من استدراك أمّ المؤمنين عائشة عليهما وأقوال صحابة آخرين مثل أبي هريرة وابن عباس حول الأمر:
أنّ ما رواه الخليفة الثاني وابنه عبدالله من نهي النبي (صلى الله عليه وآله)عن البكاء على الميّت كان خطأ.
وأنّ البكاء على من يخاف موته وعلى المتوفّى وعلى قبر المتوفى من سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) وسنّته، وبذلك يكون البكاء على الحسين (عليه السلام) اتباعاً لسيرة النبي (صلى الله عليه وآله) وسنّته.