(إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَاب مَكْنُون)

(الواقعة/77)


الصفحة 5

الوحدة حول مائدة الكتاب والسنة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصَّلاة على محمّد وآله الطاهرين، والسلام على أصحابه البررة الميامين.

وبعد: تنازعنا معاشر المسلمين على مسائل الخلاف في الداخل ففرّق أعداء الإسلام من الخارج كلمتنا من حيث لا نشعر، وضعفنا عن الدفاع عن بلادنا، وسيطر الأعداء علينا، وقد قال سبحانه وتعالى: (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) (الأنفال/46).

وينبغي لنا اليوم وفي كلّ يوم أن نرجع إلى الكتاب والسنّة في ما اختلفنا فيه ونوحّد كلمتنا حولهما، كما قال تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ)(النساء/59).

وفي هذه السلسلة من البحوث نرجع إلى الكتاب والسنّة ونستنبط منها ما ينير لنا السبيل في مسائل الخلاف، فتكون بإذنه تعالى وسيلة لتوحيد كلمتنا.

راجين من العلماء أن يشاركونا في هذا المجال، ويبعثوا إلينا بوجهات نظرهم على عنوان:

بيروت     
ص.ب 124/24
العسكـري   


الصفحة 6

الصفحة 7

الصفحة 8

الصفحة 9

المصحف

1 ـ في اللغة:

الصحيفة: التي يكتب فيها، والجمع صحائف وصُحُف وصُحْف، والمُصْحف والمِصْحف: الجامع للصحف بين الدفّتين(1).

وقالوا في تفسير الدفّتين، الدفّة: الجنب من كلّ شيء وصفحته، ودفّتا الطبل: الجلدتان اللتان تكتنفانه، ويضرب عليهما، ومنه دفّتا المصحف، يقال: حفظ ما بين الدفّتين(2)،

____________

1- راجع مادة (صحف) في الصحاح للجوهري (ت393هـ). والمحكم لابن سيده (ت458هـ). والمفردات للراغب (ت502هـ). ولسان العرب لابن منظور (ت711هـ). والقاموس المحيط للفيروزآبادي (ت816 أو 817هـ).

2- راجع تاج العروس للزبيدي (ت1205هـ). والمعجم الوسيط، مادة (دفف).


الصفحة 10
أي: حفظ الكتاب من الجلد إلى الجلد.

وبناءً على ما ذكرنا، فإنّ المصحف: اسم للكتاب المجلّد، وذلك لأنّه إذا كانت الصحيفة: هي ما يكتب فيها وجمعها الصحف، والمصحف: هو الجامع للصحف بين الدفّتين، والدفّتان: هما جلدتا الكتاب، فالمصحف في كلامهم بمعنى الكتاب المجلد في كلامنا.

وبناءً على ما ذكرنا: إنّ المصحف اسم لكلّ كتاب مجلد قرآناً كان أم غير قرآن.

2 ـ في مصطلح الصحابة:

استعمل المصحف بالمعنى اللّغوي في روايات (جمع القرآن) حتى عهد عثمان.

فقد روى البخاري عن الصحابي زيد بن ثابت ما ملخّصه: أنّ الخليفة أبا بكر أمره بجمع القرآن. قال: فتتبعتُ القرآن أجمعه، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثمّ عند عمر في حياته، ثمّ عند حفصة بنت عمر.

وروى بعدها عن أنس ما ملخصه:


الصفحة 11
أنّ عثمان عندما أراد أن يجمع القرآن أرسله إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثمّ نردّها إليك ... ، الخبر(1).

ومن الواضح أنّ الصحف والمصاحف ذكرا في الخبرين المذكورين آنفاً بنفس المعنى اللغوي: "الكتاب المجلد".

وأكثر تصريحاً ممّا جاء عند البخاري، ما جاء عند ابن أبي داود السجستاني في باب: جمع القرآن في المصحف من كتابه: "المصاحف"، فقد روى فيه:

أ ـ عن محمد بن سيرين، قال:

لما توفي النبيّ (ص) أقسم عليٌّ أن لا يرتدي الرداء إلاّ لجمعة، حتى يجمع القرآن في مصحف.

ب ـ عن أبي العالية:

أنّهم جمعوا القرآن في مصحف في خلافة أبي بكر.

ج ـ عن الحسين:

أنّ عمر بن الخطاب أمر بالقرآن، وكان أوّل من جمعه في

____________

1- صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن 3 : 150.


الصفحة 12
المصحف(1).

استشهدنا بهذه الروايات الثلاث لأنّها تدلّ على أنّ في عصر روايتها كان المصحف في كلامهم أعمّ من القرآن، فقد جاء فيها حسب التسلسل:

أ ـ حتى يجمع القرآن في مصحف.

ب ـ جمعوا القرآن في مصحف.

ج ـ وأمر بالقرآن فجمع، وكان أول من جمعه في المصحف.

ولو كان المصحف لديهم هو القرآن لكان تفسير الروايات كالآتي:

أ ـ حتى يجمع القرآن في القرآن.

ب ـ جمعوا القرآن في القرآن.

ج ـ وكان أوّل من جمع القرآن في القرآن.

____________

1- كتاب المصاحف للحافظ أبي بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني (ت316هـ) تصحيح الدكتور اثر جفري، ط الأولى القاهرة 1355هـ والروايتان: (أ) و (ج) في ص10 منه، والرواية (ب) في ص9 منه.


الصفحة 13

3 ـ في روايات أئمة أهل البيت (عليهم السلام):

وقد جاء المصحف في روايات أئمة أهل البيت (عليهم السلام)بنفس المعنى اللغوي لمدرسة الخلفاء، فقد روى الكليني في باب (قراءة القرآن في المصحف):

الحديث الأوّل عن أبي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام)، قال:

"من قرأ القرآن في المصحف متّع ببصره، وخفّف عن والديه، وإن كانا كافرين".

وفي الحديث الرابع منه ـ أيضاً ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: "قراءة القرآن في المصحف تخفف العذاب عن الوالدين، ولو كانا كافرين"(1).

وبناءً على ما ذكرنا ثبت أن المصحف كان يستعمل في كلام الصحابة والتابعين والرواة بمدرسة الخلفاء ومدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ويراد به الكتاب المجلد، أيّ: أنّ المصحف استعمل في محاوراتهما في عصر الإسلام الأوّل في معناه اللّغوي واشتهر بعد ذلك في مدرسة الخلفاء تسمية القرآن المدوّن والمخطوط بين الدفّتين بـ "المصحف".

____________

1- أصول الكافي 2 : 613 ط طهران سنة 1388هـ .


الصفحة 14

4 ـ في أخبار مدرسة الخلفاء:

وقد سمي في مدرسة الخلفاء غير القرآن بالمصحف كالآتي:

مصحف خالد بن معدان:

روى كلّ من ابن أبي داود (ت631هـ) وابن عساكر (ت715هـ) والمزّي (ت247هـ) وابن حجر (ت258هـ) بترجمة خالد بن معدان وقالوا:

انّ خالد بن معدان كان علمه في مصحف له أزرار وعرى(1).

فمن هو خالد بن معدان صاحب المصحف؟

كان خالد بن معدان من كبار علماء الشام ومن التابعين، أدرك سبعين من الصحابة، ترجم له ابن الأثير (ت306هـ) في

____________

1- المصاحف : 134-135. وتاريخ دمشق مخطوطة المكتبة الظاهرية بدمشق، مصورة المجمع العلمي الإسلامي بطهران 5/2/259أ. وتهذيب الكمال، مخطوطة المكتبة الظاهرية بدمشق، مصورة المجمع العلمي الإسلامي بطهران 2/170. وتهذيب التهذيب 3 : 118 ـ 119.


الصفحة 15
مادة الكلاعي(1)، وقال: توفي خالد سنة ثلاث أو أربع أو ثمان ومائة هجرية.

5 ـ اشتهار المصحف في كلّ ما كتب وجعل بين الدفّتين: الكتاب الملجد

كان استعمال المصحف في ما كتب وجعل بين الدفّتين ـ أي الكتاب المجلّد ـ مشهوراً ومتداولا لدى العلماء والباحثين بمدرسة الخلفاء، واليكم المثالين الآتيين لذلك:

أ ـ عنون ابن أبي داود السجستاني من أعلام القرن الثالث الهجري في كتابه المصاحف كالآتي:

1 ـ جمع أبي بكر الصديق (رض) القرآن في المصاحف بعد رسول الله (ص).

2 ـ جمع عليّ بن أبي طالب (رض) القرآن في المصحف.

3 ـ جمع عمر بن الخطاب (رض) القرآن في المصحف(2).

____________

1- اللباب في تهذيب الأنساب 3 : 62 ـ 63. وراجع مصادر ترجمته في الهامش رقم 8.

2- كتاب المصاحف : 5 و 10 منه، حسب التسلسل الذي أوردناه.


الصفحة 16
ب ـ ومن المعاصرين قال ناصر الدين الأسد في كتابه مصادر الشعر الجاهلي: وكانوا يطلقون على الكتاب المجموع: لفظ المصحف، ويقصدون به مطلق الكتاب، لا القرآن وحده، فمن ذلك ما ذكره ... .

ثمّ نقل خبر مصحف خالد بن معدان من كتاب المصاحف لابن أبي داود السجستاني(1).

6 ـ في مصطلح الأُمم السابقة:

تسمية الكتب الدينية للأُمم السابقة بالمصحف:

وكذلك سميّت الكتب الدينية للأُمم السابقة بالمصحف كما جاء في طبقات ابن سعد بسنده:

عن سهل مولى عُتيبة: أنّه كان نصرانياً من أهل مريس، وأنّه كان يتيماً في حجر أمّه وعمّه، وأنّه كان يقرأ الإنجيل، قال: فأخذتُ مصحفاً لعمّي فقرأته حتى مرّت بي ورقةٌ، فأنكرت كتابتها حين مرّت بي ومَسِستُها بيدي، قال: فنظرت فإذا

____________

1- مصادر الشعر الجاهلي : 139 ط الخامسة. وقد نقله من المصاحف للسجستاني : 134 ـ 135.


الصفحة 17
فصول الورقة ملصق بغراء، قال: ففتقتُها فوجدت فيها نعت محمد (ص): أنه لا قصير ولا طويل، أبيض، ذو ضفيرين، بين كتفيه خاتم، يكثر الاحتباء، ولا يقبل الصدقة، ويركب الحمار والبعير، ويحتلب الشاة، ويلبس قميصاً مرقوعاً، ومن فعل ذلك فقد برئ من الكبر، وهو يفعل ذلك، وهو من ذرية إسماعيل، اسمه أحمد. قال سهل: فلما انتهيت إلى هذا من ذكر محمد (ص) جاء عمّي، فلما رأى الورقة ضربني وقال: ما لك وفَتْحَ هذه الورقة وقراءتها؟ فقلت: فيها نعت النبي (ص) أحمد، فقال: إنّه لم يأت بعد(1).

* * *

وهكذا وجدنا المصحف إسماً عامّاً للصحف بين الدفّتين، وإن صحّ ما جاء في رواية المصاحف لابن أبي داود أنّ أبا بكر كان قد سمّى القرآن بالمصحف، فإنّ هذه التسمية لم تشتهر حتّى عصر عثمان، كما يظهر ذلك من الخبرين اللذين نقلناهما آنفاً من صحيح البخاري، وإنّما اشتهرت تسمية القرآن بالمصحف بعد ذلك، وعند ذاك أيضاً لم تبق

____________

1- طبقات ابن سعد 1 : 363 ط بيروت.


الصفحة 18
هذه التسمية منحصرة بالقرآن، بل سميت كتب أُخرى في مدرسة الخلفاء ومدرسة أهل البيت (عليهم السلام) بـ "المصحف". وكان منها مصحف فاطمة إبنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) كالآتي خبره:

7 ـ مصحف فاطمة (عليها السلام) ابنة الرسول (صلى الله عليه وآله):

جاء في الروايات: أنّ فاطمة ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان لها كتاب اسمه المصحف فيه إخبار بالمغيّبات.

لقد جاء في بصائر الدرجات بأكثر من سند عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: لأقوام كانوا يأتونه ويسألونه عمّا خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى عليّ (عليه السلام) وعمّا خلف عليّ إلى الحسن: "لقد خلّف رسول الله (صلى الله عليه وآله) عندنا ما فيها كلّ ما يحتاج إليه حتى أرش الخدش والظفر، وخلّفت فاطمة مصحفاً ما هو قرآن ..." الحديث(1).

____________

1- بصائر الدرجات : 156، وأوردت موضع الحاجة من الحديث. وراجع تفصيل الخبر في معالم المدرستين 2 : 322.


الصفحة 19
إذن فقد كان لابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) مصحف، كما كان لخالد ابن معدان كتاب اسمه المصحف فيه علمه.

وإنّ أئمة أهل البيت الذين انتشر منهم هذا الخبر نصّوا على أنّه ما هو بالقرآن وليس فيه شيء من القرآن، بل هو إخبار بالحوادث الكائنة في المستقبل.

ومع الأسف الشديد افترى بعض الكتّاب في مدرسة الخلفاء وقال: إنّ مصحف فاطمة عند أتباع مدرسة أهل البيت، قرآن آخر!!! ولكن أتباع مدرسة أهل البيت لم يقولوا هذا القول في شأن مصحف خالد ولا الكتاب لسيبويه.

8 ـ مصاحف الصحابة:

انّه كان لكثير من الصحابة مصاحف كتب كلّ منهم في مصحفه القرآن وما سمعه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) في تفسير بعض آيات القرآن، إذاً كان معنى مصاحف الصحابة في عصر الصحابة: القرآن المكتوب مع حديث الرسول في تفسير بعض آياته، كما هو الحال في تفاسير القرآن بالمأثور مثل: الدرّ المنثور في تفسير القرآن بالمأثور للسيوطي في مدرسة

الصفحة 20
الخلفاء، والبرهان في تفسير القرآن لدى أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام).

مثالان لمصاحف الصحابة:

أ ـ مصحف أمّ المؤمنين عائشة.

رووا عن أبي يونس مولى عائشة أنّه قال: أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفاً وقالت: إذا بلغت هذه الآية فآذنّي: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوتِ وَالصَّلوةِ الْوُسْطَى)، فلمّا بلغتها آذنتها، فأملت عليَّ: حافظوا على الصلاة والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين، قالت عائشة: سمعتها من رسول الله (ص).

ب ـ مصحف أمّ المؤمنين حفصة.

عن أبي رافع مولى حفصة أنّه قال: استكتبتني حفصة مصحفاً، فقالت: إذا أتيت على هذه الآية، فتعال حتى أمليها عليك كما قرأتها، فلما أتيت على هذه الآية (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوتِ)، قالت: اكتب: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوتِ وَالصَّلوةِ الْوُسْطَى) [وصلاة العصر] (1).

____________

1- سيأتي تفصيل أخبار مصاحف الصحابة باسنادها إن شاء الله تعالى في المجلّد الثاني من هذا الكتاب في بحث اختلاف مصاحف الصحابة.


الصفحة 21
ومصاحف أُخرى سوف نذكرها في ما يأتي بإذنه تعالى.

9 ـ مصحف الرسول (صلى الله عليه وآله):

سيأتي في بحث من تاريخ القرآن على عهد أبي بكر أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) أوصى الإمام عليّاً (عليه السلام) أن لا يرتدي رداءه بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) حتى يجمع الصحف التي كانت في بيت الرسول (صلى الله عليه وآله) التي كُتب عليها القرآن بأمر الرسول (صلى الله عليه وآله)، ولم تكن آي القرآن التي كتبت في تلك الصحف بدعاً عمّا كتبها الصحابة في صحفهم ممّا تعلّموها من لفظ الآيات ومعانيها ممّا تلقاها الرسول (صلى الله عليه وآله) جميعاً عن طريق الوحي، بل لابدّ أن تكون مشابهة لمصاحف الصحابة في كتابة اللفظ والمعنى معاً، ما عدا أمراً واحداً، وهو أنّ كلّ صحابي كان يكتب مع ما يكتب من آي القرآن ما بلغه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في تفسير الآية، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أمر الإمام عليّاً بكتابة كلّ ما يحتاجه المسلمون في تفسير الآيات ممّا تلقاه عن طريق

الصفحة 22
الوحي(1).

* * *

بناءً على ما سبق كانت المصاحف في صدر الإسلام مثل كتب التفسير في عصرنا تشتمل على القرآن وما بيّنه الرسول(صلى الله عليه وآله) في تفسير الآيات.

ولمّا اقتضت سياسة الخلفاء بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) تجريد القرآن من حديث الرسول (صلى الله عليه وآله) جرى في هذا الشأن ما سنبيّنه في ما يأتي بإذنه تعالى.

سياسة تجريد القرآن من حديث الرسول (صلى الله عليه وآله)

نزلت آيات في ذمّ سادة قريش الذين خاصموا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحاربوه، وآيات أُخرى في ذمّ قبائل بعض الصحابة من قريش، مثل قوله ـ تعالى ـ في سورة الإسراء:

(وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) (الإسراء/60).

في بني أُميّة أو أفراد من الصحابة مثل قوله في سورة

____________

1- كما برهنّا عليه في بحث: "القرآن والسنّة هما مصدر التشريع لدى مدرسة أهل البيت (عليه السلام)" من المجلد الثاني من معالم المدرستين.


الصفحة 23
التحريم:

(إِنْ تَتُوبَا اِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ)(التحريم/4).

(عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَات مُؤْمِنَات قَانِتَات تَائِبَات عَابِدَات سَائِحَات ثَيِّبَات وَأَبْكَاراً) (التحريم/5).

والتي نزلت في أُم المؤمنين عائشة وأُمّ المؤمنين حفصة، في مقابل آيات نزلت في مدح آخرين، مثل آية التطهير في قوله ـ تعالى ـ في سورة الأحزاب:

(اِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (الأحزاب/33).

والتي نزلت في حقّ الرسول (صلى الله عليه وآله) وعليّ وفاطمة والحسن والحسين.

هذه إلى كثير غيرها كانت تخالف حكومة الخلفاء الثلاثة، فرفعوا شعار حسبنا كتاب الله، وجرّدوا القرآن من حديث الرسول (صلى الله عليه وآله)، وبدأ العمل به أبو بكر، وأمر بكتابة

الصفحة 24
نسخة من القرآن مجرّدة عن حديث الرسول (صلى الله عليه وآله)، وانتهى العمل على عهد عمر، فبدأ عمله بمنع نشر حديث الرسول، وبعد وفاته وقعت الخصومة بين بعض الصحابة والتابعين وبني أميّة وعصبة عثمان، وأخذ الخصوم يروون من حديث الرسول ما فيه ذمّ لعصبة الخلافة، وكانت بأيدي الخصوم مصاحف فيها من بيان الرسول (صلى الله عليه وآله) ما يستدلّ به الخصوم في مقابل عصبة الخلافة، فقام عثمان بتنفيذ شعار جردّوا القرآن من حديث الرسول، وأخذ نسخة المصحف المجرّد من حديث الرسول (صلى الله عليه وآله) من أمّ المؤمنين حفصة، واستنسخ منها عدّة نسخ من المصاحف المجرّدة عن حديث الرسول (صلى الله عليه وآله)، ووزّعها في بلاد المسلمين، وجمع مصاحف الصحابة اللاّتي كان أصحابها قد دوّنوا فيها النصّ القرآني مع ما سمعوه من بيان الرسول في تفسير آياتها وأحرقها جميعاً، فاستنسخ المسلمون مصاحف من تلك المصاحف المجرّدة عن بيان الرسول (صلى الله عليه وآله).

وأصبح المصحف بعد ذلك اسماً علماً للقرآن المجرّد عن بيان الرسول (صلى الله عليه وآله)، ومع مرور الزمن لم يعرف المسلمون

الصفحة 25
في القرون التالية أنّ مصاحف الصحابة كان فيها بيان الرسول(صلى الله عليه وآله) مع النصّ القرآني.

وعندما حثّ المنصور العباسي في سنة ثلاث وأربعين بعد المائة من الهجرة علماء المسلمين على تدوين العلوم، وكتب المتخصصون منهم بعلوم القرآن مع بيان آياته كما كان عليه الأمر على عهد الرسول، سمِّي المصحف الذي دوّن فيه القرآن مع بيان آياته بالتفسير، كما مرّ بيانه.