وإذا تقرر هذا، فاعلم أنه مقو لما ذكرناه من الوجه في المدافعة(2) عن
____________
<=
ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد
أمرك أن تسمع وتطيع لعلي. وفي كنوز الحقائق للمناوي: ص 42.
أنا خاتم الأنبياء، وأنت يا علي خاتم الأوصياء.
وفي تاريخ بغداد: 10 / 356.
بسنده عن أنس بن مالك قال: لما حضرت وفاة أبي بكر (وساق الحديث إلى أن قال): قال:
أي أبو بكر - سمعت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يقول: إن على الصراط لعقبة لا
يجوزها أحد إلا بجواز من علي بن أبي طالب عليه السلام (إلى أن قال) قال أنس: فلما أفضت
الخلافة إلى عمر قال لي علي عليه السلام (وساق الحديث إلى أن قال): وقد سمعت رسول الله
صلى الله عليه (وآله) وسلم يقول: أنا خاتم الأنبياء وأنت يا علي خاتم الأولياء.
وفي كنوز الحقائق: ص 121.
لكل نبي وصي ووارث وعلي وصيي ووارثي. وكذلك رواه المحب الطبري في الرياض
النضرة: 2 / 178.
وروى الخطيب في تاريخ بغداد: 11 / 112.
بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم: ما في القيامة راكب غيرنا نحن
أربعة (وساق الحديث إلى أن قال) وأخي علي على ناقة من نوق الجنة زمامها من لؤلؤ رطب،
عليها محمل من ياقوت أحمر، قضبانها من الدر الأبيض على رأسه تاج من نور لذلك التاج
سبعون ركنا ما من ركن إلا وفيه ياقوتة حمراء تضئ للراكب المحث عليه حلتان خضراوان وبيده
لواء الحمد وهو ينادي: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه (وآله)
وسلم، فيقول الخلائق: ما هذا إلا نبي مرسل أو ملك مقرب، فينادي مناد من بطنان العرش:
ليس هذا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا حامل عرش، هذا علي بن أبي طالب وصي رسول الله
رب العالمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين.
(1) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.
(2) ن بزيادة: وذكر كلاما.
متبوعا، فهو(2) متطلع(3) على السيرة فبالأخلق أن يكون دافع فما ظنك بغيره ممن يؤثر الرئاسة واتباعهم ممن نفعهم نفعهم، ورفعهم رفعهم، ووضعهم وضعهم.
وهذه الآثار من طرق القوم من جهات معروفة ليست من كتب الروافض كما يزعم وتدليس للشيعة(4) كما يتوهم.
قال: (وزعم ناس من " العثمانية " أن الله قد اختار للناس إماما(5) لأن الله تعالى(6) قال: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) *(7) وقد عرفنا صفة العدالة فمتى رأيناها في إنسان علمنا أنه الذي(8) عنا الله بالآية وإن لم يسمه فيها، وكذلك قول الرسول: " ليؤمكم خياركم ")(9).
والذي يقال عند هذا: إن هذا أحد متعلقات الشيعة، إذ قد قرروا: أن
____________
(1) ن: نسب.
(2) ن: وهو.
(3) ن بزيادة: به.
(4) ن: الشيعة.
(5) المصدر بزيادة: ونصب لهم قيما على معنى الدلالة والإيضاح عنه بالعلامة لا على النص والتسمية.
(6) المصدر بزيادة: إذا.
(7) الطلاق: 2.
والآية كاملة: * (فإذا بلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم، وأقيموا الشهادة لله ذلك يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، ومن يتق الله يجعل له مخرجا) *.
(8) المصدر بزيادة: كان.
(9) العثمانية: 277.
فتى ما تخطى خطوة لدنية | ولا مد في يوم إلى سوءة يدا |
وذكر (التقدم في الصلاة)(2) وقد ذكرنا الجواب عنه. وأن أحدا من الإمامية لا يوافق علما ولا ظنا على أن رسول الله - صلى الله عليه وآله - أمر بذلك، ولو كان فلا يقدر أحد أن يقول: إني أعلم كون علي كان مأموما لأبي بكر في الصلاة، مقدما عليه، وهو موضع غرض الخصم. وادعى الجاحظ:
(أن الذي ذكره جمل جوابات العثمانية لجمل مسائل الرافضة والزيدية ولولا(3) أن فيما قدمه غنى عما أخره، لقد فسره كما أجمله في كلمات منمقات ولفظات ملفقات)(4).
وأقول على هذا: إنه بهت في إيهامه(5) قصد الإيجاز، بل الذي ظهر منه أنه أطال من غير حاجة، وكرر من غير ضرورة، وأساء الأدب من غير مناسبة، وفي المثل " أول الغي الاختلاط وأسوأ القول الإفراط " لكنا نحن نقول: إنا لو أجرينا في ميادين البلاغة خيولها، وبلغنا اليراعة أفانين سؤلها ومأمولها، لصدعت غياهب الإيهام(6) بفجر غايات إبانتها، وصرعت كتائب المغالط بسهام نهايات بسالتها، وفجرت ينابيع الحكم من صفاة صلادتها، وسجرت(7) وطيس القول الألزم بشفاه أوارها وحرارتها، ولكنها حالفت الإغضاء عن تشقيق المقال، وخالفت انتضاء سيوف اللقاء بدقيق الجدال، ورأت أن الحق إذا
____________
(1) ن: المرسلين.
(2) العثمانية: 277.
(3) ن: ولو أن....
(4) العثمانية: 279.
(5) ق: إبهامه.
(6) ن: الإبهام.
(7) ق: وشجرت.
وها نحن نرجو من دفاع ابن فاطم | معاقل من يحلل بها لم يروع |
يحث عليها منه عزم وسؤدد | تذري سنام الفخر غير مدفع |
أغث من رماه الدهر عن قوس فتكه(6) | بسهم متى يقرع(7) صفا القلب يصدع |
ورو بصوب منك جدبا تباعدت | سحائبه يروي الربا غير مقلع |
وإلا فمن للحادثات إذا عرت | يحايدها عزم الكمي المقنع |
____________
(1) خام: جبن.
(2) الشكائم: مفرده شكيمة: الآنفة.
(3) ن: الحائم.
(4) ن: منازلة.
(5) تضجع في الأمر: قصر فيه.
(6) ن: فتكة.
(7) ق: يصرع.
صنف هذا الكتاب ناصرا لفرقة سماها " العثمانية " وهو تدليس وتلبيس، إذ ليس حاصل الكتاب متعلقا بالمسمين بهذه القضية.
وصنف كتابا ينصر فيه فرقة سماها " بالعباسية " ولا أعرف فرقة تسمى بهذا الاسم كما تسمى الفرقة الشافعية، والحنفية بالحنفية، أصحاب مباحث عقلية أو نقلية، بل ابتدأ تقريرات ومباحثات ينصر من أراده ويحرر إصداره وإيراده.
وصنف كتابا للفرقة العلوية بناه على قواعدهم المشهورة الجلية، يضرب القرابة عند ذلك بالقرابة، والصحابة بالصحابة، فأغرى كل فريق بفريقه بما زبره من ترويفه وتنميقه، وما خلت مطاوي هذا الكتاب الذي نحن بصدده من ضرب الأنساب بالأنساب، والأصحاب بالأصحاب، شيمة متفرج على أرباب المذاهب، غير حان على دين ثابت الأساس. باسق الذوائب، أكد الفتنة وولد المحنة، ومضى هازلا في مقام جاد(1)، مازحا في نظام استعداد، وخاصة هذا - كتاب العثمانية - فإنه بالغ في تصغيره أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - صلوات الله عليه - قلب الإسلام ويديه(2).
ولن يضر علا(3) الأفلاك عائبه | والنقص إذ ذاك طوق المبغض الشاني |
سيان إن جهل المهذار منقبها | أو عاند المجد قصد الخائف(4) الجاني |
مفاخر لأبي السبطين يعرفها | قلب البسيطة جهرا أي عرفان |
____________
(1) ق بزيادة: و.
(2) لا توجد في: ن وفيها زيادة: ونشدته.
(3) ق: على.
(4) ن: الخائف.
روح المعالي الزهر مقلتها | يمينها حل منها(1) أي جثمان |
سهم من الله لا تنمى رميته | سام تقاصر عنه مجد كيوان |
إذن تجاذبت الأبناء فخرهم | بمن مضى فبه فخر لعدنان(2) |
بالحلم والعلم سباق سمام عدى | غيث لغلة حران وظمآن |
أقام للدين رجلا طالما سقطت | بسيفه لا بأوتار وخرصان |
فكل من حوت الغبراء مقتبس | من نوره نازح الأوطان أو دان |
قطب لمضطرب الآراء مقتلع | أساس غي(3) بنى أساسها الباني |
إذا تجمعت الآراء تعرفه | تفرقت عن ضلال التائه الواني |
أو صعدت في بروج الجهد يغمضه | تجلببت بثياب(4) الساقط الشاني |
لا يكسف الشمس بالإيهام(5) عائبها | ولا يزيل(6) عنها عز تيجان |
حلا(7) ترائبنا التمجيد مفخرة | فباعنا لنجوم حلقت حان |
(بنا بقاء الدنى إن نبق تبق بنا | وإن نزل هد منها أي أركان)(8) |
فأي فخر يدانينا ومخفره | بحبنا(9) نص(10) آثار وقرآن |
وغير ذلك من علياء ترمقها | عين التيقظ لا عين لوسنان |
وشرع في الطعن على الأنبياء، وقد ذكرت عند ذلك ما يليق من الأنباء لو أن هذا الشيخ ذكر ممادح خيرا الأصحاب، من دون التعرض بالقرباء اللباب،
____________
(1) ق: فيها.
(2) ق: لآل عدنان.
(3) ج: عي.
(4) ق: ببيان.
(5) ن: الإبهام.
(6) ن: يزايل.
(7) ج و ق: جلا.
(8) هذا البيت لا يوجد في: ق.
(9) ق يخبنا ون: يحبنا.
(10) ق ون: قمص.
نصرنا فتى أنصاره في حياطة | من الزيغ قول المرسل الحق شاهد |
فتى قلد الإسلام سمطه فخاره | ولولاه أضحى ركنه وهو مائد |
فلا مهتد إلا عليه معاجه(1) | ولا راشد إلا لمسعاه حامد |
أبونا فتى لا يرهب الموت مقبلا | تعارضه منه الخطوب الرواصد |
وطيس وغى الهيجاء يسجره القنا | ليوقظ جفن الحق والحق راقد |
إذا ظمئت بيض بكف مدجج | سقاها وحلت بعد ذلك السواعد |
فقفر ربى الدقعاء(2) ريان فايض(3) | يظلله ثوب(4) من الأرض صاعد |
فأعجب ببحر فوقه الترب سائر | بكف فتى تهدى إليه الفرائد |
كما يتجافاه الحسود نفاسة(5) | وتدنو إليه بالغرام المحامد |
كما عدت الأخلاق منه دعابة | وفي الحرب عباس له الموت ساجد |
كما يتغشاه المنون إذا غدا | يخاطب عز الله والليل هامد |
ويعتنق البيض الرقاق فكاهة | كأن شفار المشرفي الخرائد |
وكم لأمير المؤمنين مناقبا | علت وغلت لا يطبيها المكائد |
كتبت هذا الكتاب المعروف بكتاب " بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية " لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ من نسخة صحيحة جيدة مقروءة على المصنف - رحمه الله تعالى - وفي ظهرها إجازة منه - رحمه الله - بخطه للقارئ ما صورتها:
____________
(1) المعاج: على المكان: مال وعطف (المنجد).
(2) الدقعاء: الأرض التي لا نبات لها.
(3) ج: قايض.
(4) ن: ترب.
(5) ق: نغاصه.
هذا آخر الإجازة، وهذه النسخة المذكورة هي من جملة الكتب الموقوفة على الحضرة الشريفة الغروية - صلوات الله على مشرفها - وهي بخط أبو داود المذكور وهو - رحمه الله - قد كتب في آخر هذا الكتاب ما صورته(2):
نجزت الرسالة والحمد لله على نعمه، وصلاته على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين.
كتبه العبد الفقير إلى الله تعالى حسن بن علي بن داود ربيب صدقات مولانا المصنف - ضاعف الله مجده وأمتعه الله بطول حياته - وصلاته على سيدنا محمد النبي وآله وسلامه.
وكان(3) نسخ الكتاب في شوال من سنة خمس وستين وستمائة.
هذا آخر خط ابن داود رحمه الله تعالى ورضي عنه.
وأنا الفقير إلى الله الدائم الغفار الغني حسين الخادم الكتابدار في الغري في شهر محرم الحرام سنة 1091 حامدا ومصليا والحمد لله وحده.
وجدت في آخر هذه النسخة المذكورة التي هي بخط ابن داود رحمه الله مكتوبا بخط دقيق ما صورته:
هذه الأبيات كتبها أصغر عباد الله تعالى محمد بن الحسن بن محمد بن
____________
(1) إلى هنا تمت النسخة (ن).
(2) ليس من: ج.
(3) هذا فقط في: ق.
لله آلاما ألاقي | شوقا إلى أرض العراق |
وعظيم وجد ينقضي | عمر التفرق وهو باق |
شطت(1) عن الزوراء بي | دار فروحي في السياق |
فارقتها بقضا الزمان | فبدر لهوي في محاق |
لو لم أعدها مسرعا | لقضيت من عظم اشتياق |
لما وصلنا أرضها | وغدت تبشرني رفاقي |
وشممت من أرض العراق | نسيم لذات التلاق |
أيقنت لي ولمن أحب | بجمع شمل واتفاق |
فضحكت من طيب اللقاء | كما بكيت من الفراق |
ووجدت أيضا في آخر النسخة المذكورة التي هي بخط ابن داود رحمه الله تعالى مكتوبا ما صورته(2):
وجدت على نسخة مولاي المصنف جمال الدنيا والدين أعز الله الإسلام والمسلمين ببقائه صورة هذا النثر والنظم:
أقول: وقد رأيت أن أنشد في مقابلة شئ مما تضمنته مقاصد أبي عثمان
____________
(1) ج: مشت.
(2) ليس من: ج.
ومن عجب أن يهزأ الليل بالضحى | ويهزأ بالأسد الغضاب الفراعل(2) |
ويسطو على البيض الرفاق ثمامة(3) | ويعلو على الرأس الرفيع الأسافل |
ويسمو على حال من المجد عاطل | ويبغي المدى الأسمى العلي الأراذل |
وينوي نزال الأضبط النجد صافر(4) | ويزري بسحبان(5) البلاغة بأقل(6) |
ويبغي مزايا غاية السبق مقعد | وقد قيدته بالصغار السلاسل |
غرائب لا ينفك للدهر شيمة | فسيان فيها آخر وأوائل |
وللشهب الشم الزواهر مجدها | وإن جهلت تبغي مداها الجنادل(7) |
عدتك أمير المؤمنين نقائص | وجزت المدى تنحط عنك الكوامل |
غلا فيك غال وانزوى منك ساقط | فسمتهما عن منهج الحق مائل |
فأعجب فغال سار في تيه غيه | وقال رمته بالضلال المجاهل |
ويغنيك مدح الآي عن كل مدحة | مناقب يتلوها خبير وجاهل |
ومقت لمن يكسو القلائد مقته | إذ العرش لا تدنو إليه النوازل |
ويعزى بأرباب الكمال مقلد | حلي المجد لا خال من المجد عاطل(8) |
ووجدت أيضا في آخر الكتاب المشار إليه مكتوبا بخط ابن داود رحمه الله تعالى مكتوبا ما هذا صورته:
ورأيت في أواخر الكتاب المشار إليه بخط مولانا الإمام المصنف ضاعف
____________
(1) الغيطان: مفرده الغوطة، المطمئن من الأرض.
(2) الفراعل: مفرده الفرعل، ولد الضبع (أقرب الموارد مادة فرع).
(3) الثمامة: نبت ضعيف لا يطول.
(4) الصافر: طائر يصفر ليلا خيفة أن ينام فيؤخذ، ومنه المثل (هو أجبن من صافر). (المنجد).
(5) سحبان وائل: خطيب فصيح يضرب به المثل في الفصاحة والبلاغة.
(6) بأقل الأيادي، جاهلي يضرب به المثل في العي والبلاهة وتنقل عنه حكايات في ذلك.
(7) الجنادل: الأحجار.
(8) من نسخة: ق.
وسطرت خلف جزارة جعلتها منذ زمن في مطاوي كتاب الجاحظ معتذرا عن الإيراد عليه والقصد بالرد إليه:
ولم يعدنا التوفيق بعد ولم تحم | وصلنا بأطراف اليراع القواطع |
فلم نبق رسما للغوي يؤمه | خيال غبي أو بصير مخادع |
ومن رام كسف الشمس أعيا مرامه | بهاء به يخفي ضياء السواطع |
ولما قابلناه بين يديه أدام الله علوه، سطر هذه الأبيات على أخر نسخته:
بلغنا قبالا للبناء ولم ندع | لشانئنا في القول جدا ولا هزلا |
ولا غلبتنا المعضلات ولم يخم | يراع يغل المشرفي إذا سلا |
ولا تنتم التضجيع منا ملامح | ولم ترضه علا ولم ترضه نهلا(1) |
وليس ببدع أن تشن كتائب | من الدهر يبغي مجد سؤددنا ذحلا(2) |
فيقذفنا عن قوس نجد وخائم | ويهدي لنا من كف معصمه نبلا |
نزعنا بفرسان الفخار فؤاده | ومقلته والسمع والشكل والدلا |
فقارضنا فاستنجدت نهضاتنا | عزائم تعلو الفرقدين ولا تعلى |
ففتنا غلاب الدهر إذ ذاك وانبرى | يخالص في لقيا مناقبنا الذلا |
خطفنا بهاء الشمس تعمى بنورنا | حداق إذا ما القرص في برجه حلا |
ويخطفه حان وقال مباهت | ومطر يحلي جيده المجد والفضلا |
ولو صدقته منا العزائم مدحة | لقلنا وما نخشى ملاما ولا عذلا |
أبى شيخنا أن تنفس الشهب مجده | ولم يرها شكلا ولم يرها مثلا |
إذا خالصتنا الروح جلت حباهها | مناسب لا تستردف النسب الفسلا(3) |
____________
(1) النهل: أول الشرب والعل الشرب ثانيا أو تباعا (المنجد).
(2) الذحل: العداوة والحقد.
(3) الفسن: الضعيف، الردئ.
وفازت إذا ما النار شب ضرامها | بها مهجات الشانئين لها نصلا |
بنجم أمير المؤمنين اهتداؤنا | إذا زاغ عن سمت المراشد من ضلا |
وكم راغم أنفا تسامى وهومه | مقاما لنا من دونه الفلك الأعلى |
تصادمنا والبدر لا يلمح السهى | ولو طرفت كف السهى عينه النجلا |
ولو لمح البدر السهى عند غمضه | لضلته معاني اللوم في لمحه تتلى |
وقال مولانا المصنف عند عزمه على التوجه إلى مشهد أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - لعرض الكتاب الميمون عليه، مستجديا سيب(1) يديه:
أتينا(2) تباري الريح منا عزائم | إلى ملك يستثمر الغوث آمله |
كريم المحيا ما أظل سحابه | فأقشع حتى يعقب الخصب هاطله |
إذا أمل أشفت على الموت روحه | أعادت عليه الروح فأتت شمائله |
من الغرر الصيد الأماجد سنخه | نجوم إذا ما الجو غابت أوافله |
إذا استنجدوا للحادث الضخم سددوا | سهامهم حتى تصاب مقاتله |
وها نحن من ذاك الفريق يهزنا | رجاء تهز الأريحي وسائله |
وأنت الكمي الأريحي فتى الورى | فرو سحابا تنعش الجدب هاملة |
وإلا فمن يجلو الحوادث شمسه | وتكفى به من كل خطب نوازله |
وقال وقد تأخر حصول سفينة يتوجه فيها إلى الحضرة المقدسة الغروية صلى الله على مشرفها:
لئن عاقني عن قصد ربعك عائق | فوجدي لا يقاسي(3) إليك طريق |
تصاحب أرواح الشمال إذا سرت | فلا عائق إذ ذاك عنك يعوق |
ولو سكنت ريح الشمال لحركت | سواكنها نفس إليك تشوق |
____________
(1) السيب: العطاء.
(2) ق: بينا.
(3) كذا في ج و ق.
إذا نهضت روح الغرام وخلفت | جسوما يحيل الوامقين وميق(1) |
وليس سواء جوهر متايد | له نسب في الغابرين عريق |
وجسم تباريه الحوادث ناحل | ببحر الحتوف الفاتكات غريق |
أسير بكف الروح يجري بحكمها | وليس سواء موثق وطليق |
ومما سطره أجل الله به أولياءه، عند قراءتنا هذا الكتاب لدى الضريح المقدس عند الرأس الشريف - صلى الله عليه - لما قصدنا مشهد مولانا أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - إبان الزيارة الرجبية النبوية عرضنا عليه هذا الكتاب، قرائين له بخدمته، لائذين بحرم رأفته، مستهطلين سحاب إغاثته، في خلوة من الجماعات المتكاثرات الشاغلات، وأنشد مجده بعض من كان معنا، ما اتفق من مخاطباتنا ومنافثاتنا(2)، وغير ذلك من كلام له يناسب حالنا في مقام حاثين عزائمه على مبراتنا، وإجابة دعواتنا، ولجأنا إليه التجاء الجدب الداثر إلى السحاب، والمسافر المبعد إلى الاقتراب، والمريض إلى زوال الأوصاب، وذي الجريض(3) إلى إماطة مخاطر الفناء والذهاب، ومن فعل ذلك مع بعض أتباع مولانا - صلوات الله عليه - خليق باقتطاف ثمرات البغية من دوح يديه، فكيف وهو الأصل الباذخ(4)، والملك العدل السامق(5) الشامخ، غير مستغش في خيبة سائليه، وإرجاء رجاء آمليه، بل للبناء على أن المسائل ناجحة، وإن تأخرت والفواضل سانحة لديه وإن تبعدت:
يلوح بآفاق المناجح سعدها | وإن قذفت بالبعد عنها العوائق |
كما الغيث يرجى في زمان وتارة | تخاف عزاليه(6) الدواني الدوافق |
____________
(1) الوامق: المحب، الوميق المحبوب.
(2) المنافثة: نافثه، خاطبه وساره.
(3) الجريض: يقال: أفلت فلان جريضا، أي مشرفا على الهلاك (المنجد).
(4) الباذخ: العالي يقال شرف باذخ أي عال.
(5) السامق: الطويل.
(6) العزالي: مفرده الأعزل، يقال: أنزلت السماء عزاليها، إشارة إلى شدة وقع المطر (المنجد).
العبد المملوك أحمد بن طاووس، يقبل محال الشرف بثغور العبودية، ويقبل على جناب الجلال الأراف بمبرور النية، ويقيل في أندية الكمال الألطف بالمخالصات الصفية، ويستغرض أهداف المراحم بمجملة مخالصته الرضية، ويستعرض إسعاف المكارم العلية، ويسترفد منال المواهب العلوية، فيسترفد عيان إحسان السواكب العادية، السرية الروية، كما يستقدم ذمام الغرائز العربية، ويستلزم زمام النحائز(1) الهاشمية، ويستوري زند المناقب الوضية، ويستروي برد المشارب الهنية الغروية، بوسائل الأواصر الفاطمية، ورسائل سجايا المفاخر السخية،:
ومن وعد استجلت بدور وعوده | حداق لآمال الرجاء المحلق |
وبخدماته الشائعة بين البرية، الذائعة بعين المشاهدة الجلية، وسبحه في تيار بحار المنازلات العميقة القصية، ولمحه بأنوار التوفيقات لطائف المنافثات السحيقة الخفية:
فكم صرعت كف اليراع مجالدا | يصادم فخر المجد قد ملأ القطرا |
تراه يريد النصر والنصر خاذل | فكان له مجد ابن فاطمة قبرا |
تنوره منا العروم سواميا | ولو غارت الجوزاء واختفت الشعرى |
بكل شناة من يراع غروبه | تفل بحديها المشحذة البترا |
ولو لم يكن فالبدر لا بد واضح | ولو قصدت كف الوجود له سترا |
على أننا لا نعدم الفخر شامخا | بمدحتنا نعلو بمنقبها النسرا |
____________
(1) النحائز: مفرده النحيزة، الطبيعة.
أتينا إلى الشمس المنيرة في الضحى | نريد لها عزا ونبغي(1) لها نصرا |
ومن رام كشف الواضحات مؤكدا | وفاز بمغنى(2) حد منصبه قدرا |
إليك أمير المؤمنين اعتذارنا | أبيت بيان القول ينتظم الدرا |
وحليت أجياد العزائم حلية | من العجز إن همت بمدحكم تترى |
لك الراحة العليا بالفضل إذ سمى | فخارك يرضى النظم يعتقب النثرا |
ولكننا عدنا بربع مروض(3) | ومن شام(4) روضا ضم شائمه الزهراء |
والحمد لله وحده وصلاته على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله الأطهار الأخيار وسلامه.
هذا آخر ما وجدته في ظهر الكتاب.
____________
(1) ن: نبني.
(2) ق: بمعنى.
(3) مروض: مخضر بالنبات.
(4) شام: نظر إليه.
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعداءهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.