وأما قوله(صلى الله عليه وسلم): تقتلهم أولى الطائفتين بالحق.. فهذا دليل على أن علياً ومن معه كان أولى بالحق إذ ذاك من الطائفة الأخرى، وإذا كان الشخص أو الطائفة مرجوحاً في بعض الأحوال، لم يمنع أن يكون قائماً بأمر الله، وأن يكون ظاهراً بالقيام بأمر الله عن طاعة الله ورسوله، وقد يكون الفعل طاعة وغيره أطوع منه.
وأما كون بعضهم باغياً في بعض الأوقات، مع كون بغيه خطأ مغفور، أو ذنباً مغفوراً، فهذا أيضاً ـ لا يمنع ما شهدت به النصوص، وذلك أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أخبر عن جملة أهل الشام وعظمتهم، ولا ريب أن جملتهم كانوا أرجح في عموم الأحوال(1).
ويظهر لنا من كلام ابن تيمية هذا ـ وهو من فقهاء الشام ـ ميله لأهل الشام وتبريره لشنائعهم في الوقت الذي يحاول فيه إظهار تعاطفه مع الإمام علي(عليه السلام) من خلال تعليقه على حديث:.. تقتلهم أولى الطائفتين بالحق. وهو حديث يشير إلى وقعة صفين بين الإمام علي ومعاوية، في الوقت الذي أجهد نفسه في تبرير وتأويل جريمة معاوية بقتاله الإمام.
وكان البخاري من قبل ابن تيمية قد روى حديث الطائفة المنصورة عن طريق معاوية الذي قال: سمعت النبي(صلى الله عليه وسلم) يقول من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين وإنما أنا قاسم ويعطي الله ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيماً حتى
____________
1- الفتاوى الكبرى ج4/447 وما بعدها.
وكأن معاوية يريد أن يؤكد من خلال هذه الرواية أنه المقصود بها، وأن نهجه هو نهج الاستقامة والرشاد، وقد صدق فقهاء أهل السنة هذا وباركوه وأشاعوه في الأمة وكل هذا من بركاته السياسية التي ساروا في ركابها(2).
ولقد كان معاوية ونهجه وأهل الشام الذين تحصن بهم أكثر حظاً من العباسيين في المجال الاعتقادي، إذ أن أهل السنة اعتبروه من الصحابة العدول فباركوه واعتمدوه كمصدر من مصادر الفقه والعلم والإمامة وعدوه من الفقهاء المجتهدين.
أما العباسيون فلم يحظ أحد منهم بهذه البركة أو هذا الصك السني، اللهم إلاّ صك الإمامة والسمع والطاعة، وهو صك تم منحه لجميع الحكام.
وقد اخترع معاوية وحزبه أحاديث نسبت إلى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)تبارك أهل الشام بينما فاتت على العباسيين فرصة تحقيق ذلك(3).
____________
1- كتاب الاعتصام، وانظر فتح الباري ج13/250، وشرح النووي على مسلم كتاب الإمارة.
2- انظر البخاري باب ذكر معاوية وليس فيه سوى رواية واحدة تقول: سئل ابن عباس عن معاوية فقال: أنه فقيه.
3- معاوية أحد رواة حديث الفرقة الناجية كما سبق ذكره.
فرق الماضي
وكان أن نشأت فى كل بلد فرقة على أساس هذه الروايات والسنن تتبنى عقائد ومفاهيم مختلفة عن فرق البلدان الآخرى.
ولم يكن الواقع في فترة القرن الأول ـ فترة حركة الصحابة في البلدان ـ قد تبلورت في دائرته تلك المفاهيم العقائدية التي نبعت من خلال علم الكلام والتي تكونت منها كتب العقائد فيما بعد.
من هنا فإن الفرق التي برزت في تلك الفترة لم تكن ذات أطر عقائدية محددة، فلم تكن هناك حاجة لتلك الأطر لقرب العهد بعصر الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولعدم وجود فرق مخالفة بارزة على الساحة تشكل تحدياً للاتجاه السائد الاتجاه الأموي والتابعين الذين ساروا في ركابه(2).
____________
1- لم يكن الصحاية ملتصقون بالرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) دائماً إنما كانوا يلتقون به على فترات غير منتظمة، من هنا فإن تلقيهم عن الرسول كان متفاوتاً، وهذا لا يعني أن هناك فئة خاصة كانت ملتصقة بالرسول على الدوام.
2- كان هناك تيار الخوارج وتيار الشيعة إلاّ أنهما كانوا محظورين ولم يكن لهما وجوداً علنياً بارزاً.
وجاء رد الفعل عنيفاً وشديداً من قبل فرق أهل السنة السائدة، ونتج عن رد الفعل هذا وقوع خلافات وصدامات أدت إلى بروز فرق في دائرتهم تبنت علم الكلام الذي نبذ من قبل الفرق القديمة واستخدمته كسلاح في مواجهة الفرق المخالفة(1).
ويمكن القول أن العصر العباسي هو عصر تأسيس وبلورة عقائد وأفكار فرق أهل السنة المختلفة، وهو عصر التعددية في دائرتهم أيضاً، فأغلب فرق أهل السنة برزت في هذا العصر.
وإذا كان العصر الأموي قد حوى فرق البصرية والحنفية والمالكية والأوزاعية، فإن العصر العباسي قد حوى فرق الشافعية والحنابلة والظاهرية والأشاعرة والماتريدية وكذلك الحنفية والمالكية والأوزاعية التي عاصرت العباسيين أيضاً.
وهذه هي الفرق التي سوف نعرض لها في هذا الباب بالإضافة إلى فرقة
____________
1- علم الكلام هو العلم الذي اشتق من الفلسفات التي تم ترجمتها وتفسيرها ويعتمد على استخدام الحجج المنطقية في إثبات العقائد ودفع الشبه عنها. وينقل ابن خلكان إن لفظة متكلم تطلق على من يعرف علم الكلام وهو أصول الدين. وإنما قيل علم الكلام لأن أول خلاف وقع في الدين كان في كلام الله. أمخلوق هو أم غير مخلوق؟
انظر وفيات الأعيان ج1/609. وقد هوجم علم الكلام من قبل فرق الحنابلة والمالكية والشافعية وغيرهم، بينما تبناه الأشاعرة والماتريدية.
وهذه الفرق الخمسة عشر التي يحتويها هذا الباب هي الفرق الكبرى البارزة في واقع أهل السنة التي سلطت عليها الأضواء قديماً، وهي تنقسم إلى قسمين:
فرق الفقة والعقائد.
فرق الرواة.
البصرية:
اتخذ الحسن البصري في مسجد البصرة حلقة له يدرّس فيه الوعظ والحكم والإرشاد وتلاوة القرآن والزهد ومكارم الأخلاق وذم الدنيا بعيداً عن السياسة والقضايا الكلامية والفلسفية التي لم تكن قد فرضت نفسها على واقع المسلمين في أوائل القرن الثاني الذي هو عصر البصري.
وقد استفزت سلبية البصري وعدم ايجابيته في مواجهة عدة قضايا كانت تشغل المسلمين في ذلك الوقت تتعلق بشرعية الحكم الأموي وما ارتكبه من جرائم في حق آل البيت والمسلمين عموماً، استفزت أحد اتباعه، فسأله عن حكم الشرع في مرتكب الكبيرة هل هو مؤمن أو كافر؟
وانفرد بالجواب قبل البصري واصل بن عطاء أحد اتباعه والمترددين على حلقته، وقال صاحب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين، أي بين الإيمان والكفر.
أما جواب البصري فقد اعتبر من أتى بكبيرة منافقاً، وهو جواب سلبي، إذ أن المقصود بصاحب الكبيرة في تلك الفترة حكام بني أمية.
وتتركز أفكار البصري فيما يلي:
ـ الدعوة إلى الزهد والصبر على المكاره.
ـ مسالمة الحكام.
ويعد الحسن البصري من التابعين الذين عاصروا عدداً كبيراً من الصحابة غير أن أفكاره وفرقته لم يتحقق لها الانتشار والبقاء إذ ذابت وتوزعت بين فرق أهل السنة التي برزت فيما بعد(1).
____________
1- انظر ترجمة الحسن البصري في طبقات ابن سعد ج7/156، وسير أعلام النبلاء للذهبي ج4/563، وحلية الأولياء للأصفهاني ج2 / ترجمة رقم 169.
الأحناف:
تأسست هذه الفرقة على يد النعمان بن ثابت الملقب بأبي حنيفة الذي يعد من التابعين.
وتقوم أفكار هذه الفرقة على الكتاب والسنة والاجتهاد أو الرأي.
وما تميزت به عن الفرق الأخرى هو ما يلي:
ـ حجية القراءة الشاذة في الاستدلال.
ـ جواز القراءة في الصلاة بغير العربية.
ـ الشك في حديث الآحاد.
ـ جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن وإقامة الآذان.
ـ صحة صلاة الجمعة في أكثر من جامع واحد في البلد الواحد.
ـ جواز الوضوء بالنبيذ.
ـ عدم جواز مرور الجنب في المسجد.
ـ جواز دخول المشركين المساجد.
ـ جواز إعطاء اليهود والنصارى زكاة الفطرة والكفارة.
ـ الإيمان لا يزيد ولا ينقص.
ـ جواز وقوع طلاق المكره.
ـ جواز استخدام الحيل للوصول إلى المباح.
ـ جواز قتل المسلم بالكافر.
ـ جواز تولي المرأة القضاء.
وهذه أمثلة من أفكار الفرقة الحنفية التي اختلفت معها فرق أهل السنة بسببها، ومصادر هذه الفرقة تحوى الكثير من الأمور التي لا يتسع المجال لذكرها هنا، غير أن هذه الأفكار قد جذبت الكثير من المسلمين نحو الأحناف.
إن فرقة الأحناف تعدّ من أوائل الفرق الكبرى التي ظهرت في واقع أهل السنة، إذ لم تكن هناك فرقة تنافسها في زمانها وقد ساعدها هذا الوضع على أن تكون من أكبر الفرق السنية وأوسعها انتشاراً، إذ سادت كل بلاد المشرق تقريباً بدءاً من العراق وتركيا وحتى الصين، وذلك بتأثير الدولة العثمانية التي اعتنقت أفكار هذه الفرقة وتمذهبت بمذهبها ليصبح المذهب الرسمي السائد في الشام ومصر أيضاً، وهما في دائرة نفوذها واستمر تواجد الأحناف فيهما حتى اليوم.
ومن أشهر تصانيف أبي حنيفة في مجال العقائد كتابه الفقه الأكبر، وهي رسالة يتعرض فيها لأصل التوحيد والإيمان والقضاء والقدر وصفات الله وأفعال العباد والنبوة وعصمة الأنبياء وكرامات الأولياء والشفاعة والجنة والنار وعذاب القبر والخلفاء الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعلامات الساعة.
وهذه القضايا التي حوتها هذه الرسالة هي محور الخلاف بين فرق أهل السنة، وهي الأساس الذي بررت به إنشقاقها وتميزها عن الفرقة الأم.
____________
1- زفر من الزهاد وثقه علماء الحديث وهو من أصحاب الحديث وكان يخلف أبا حنيفة في مجلسه إذا غاب ويعد من أبرز الأحناف وأكثرهم فقهاً.
وسفيان الثوري كان يلقب بأمير المؤمنين في الحديث، وُثق من قبل علماء الحديث، جمع بين الفقه والحديث والزهد والورع.
والمقري من رجال الحديث المعتمدين، روى عنه ابن حنبل والبخاري وآخرون.
والشيباني هو صاحب كتب الفرقة تولى القضاء أيام الرشيد صنف الكثير من الكتب.
ووكيع هو محدث العراق وأحد الأعلام، روى له أصحاب السنن وتتلمذ عليه الشافعي.
وابن المبارك من مشاهير العباد جمع بين العلوم المختلفة وروى عنه الكثير من الرواة.
والأنصاري هو القاضي أبو يوسف من أشهر الأحناف، ولي القضاء أيام المهدي والهادي وهارون الرشيد.
ويزيد بن هارون هو من الحفاظ روى عنه ابن حنبل وغيره.
انظر تراجم هؤلاء في: تذكرة الحفاظ للذهبي، وتهذيب التهذيب لابن حجر، وميزان الأعتدال للذهبي وسير أعلام النبلاء له ايضاً، والفوائد البهية في تراجم الحنفية.
وانظر ترجمة أبو حنيفة في كتب التراجم والتاريخ.
الأوزاعية
تنسب هذه الفرقة إلى عبدالرحمن بن عمرو الأوزاعي، نسبة إلى محلة الأوزاع بدمشق(1).
وكان الأوزاعي قد ذاع صيته في محيط الشام في النصف الأول من القرن الثاني الهجري.
وفترة بروز الأوزاعي كانت فترة التابعين، وقد عاصر الكثيرين منهم، وحدّث عنهم، مثل عطاء بن رباح ومكحول والزهري ومحمد بن سيرين ونافع مولى ابن عمر وغيرهم.
وقد استطاع أن يكوّن لنفسه فرقة ومذهباً مستقلا ساد الشام لفترة من الزمن ثم اندثر(2).
____________
1- انظر سير أعلام النبلاء للذهبي ج7 ترجمة رقم 48 ط بيروت.
وأنظر تهذيب التهذيب لابن حجر ج6 ترجمة رقم 484 ط الهند.
والبداية والنهاية لابن كثير ج10 أحداث عام 157 هـ. وطبقات ابن سعد ج7 ترجمة رقم 3987. وانظر ابن عساكر وحلية الأولياء وسميت الأوزاع لكونها قد سكنت من قبل قبائل عربية شتى.
2- سادت فرقة الأوزاعية الأندلس لفترة أيضاً ثم غلبت عليها فرقة المالكية انظر ابن حجر تهذيب التهذيب. وانظر تاريخ الإسلام للذهبي حوادث عام 141: 160هـ، تراجم الطبقة: 16، حرف العين، ط بيروت.
ـ ان الله تعالى فوق عرشه.
ـ الإيمان بصفات الله التي وردت في السنة.
ـ العلم ما جاء عن أصحاب الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) فقط.
ـ الاعتماد على النقل والرواية في الفتيا.
ـ علامة الإيمان حب علي وعثمان.
ـ لزوم الجماعة ولزوم السنة.
ولم يترك الأوزاعي تصانيف أو كتب، وقيل ان كتبه احترقت في حادثة الرجفة(1).
وكان الأوزاعي قد قال في أبي حنيفة: إنّا لا ننقم على أبي حنيفة أنه رأى، كلنا نرى، ولكننا ننقم عليه أنه رأى الشيء عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فخالفه(2).
____________
1- هي زلزلة عظيمة وقعت بالشام والقدس خاصة عام 130هـ.
2- تاريخ الإسلام للذهبي المرجع السابق ص492.
المالكية:
تنسب هذه الفرقة لمالك بن أنس، وكان موطنها مدينة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)التي برزت فيها في حدود القرن الثاني الهجري.
وقد اشتهر مالك وذاع صيته، وجذبت فرقته المسلمين فى كل مكان، وسلطت عليها الأضواء حتى قيل أن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) تنبأ وبشر به.
وما يميز هذه الفرقة تركيزها على الرواية وتبنيها عمل أهل المدينة كمصدر من مصادر الفقة والاجتهاد، واتخاذها هذا النهج كان محاولة للتحصن من الفرق الكلامية والفكرية والثقافية التي برزت في عصر مالك.
من هنا يمكن القول أن أفكار هذه الفرقة التي تسلحت بها في مواجهة الفرق الأخرى هي ما يلي:
ـ الإيمان يزيد والتوقف في القول بنقصانه.
ـ القرآن كلام الله لا مخلوق.
ـ مرتكب الكبيرة والذنوب عموماً مؤمن.
ـ أقوال الصحابة وفتاواهم من السنة.
ـ القول بطهارة الكلب.
ـ جواز قصر الصلاة في سفر المعصية.
ـ عدم جواز إقامة الجمعة إلاّ في الجامع.
ـ أنكحة الكفار باطلة.
ـ أقصى مدة للحمل خمس سنين.
وغير هذه الأفكار كثيرة، وهي متناثرة في كتب الفرقة المالكية التي دونت فى حياة مالك وهي من تصنيفه والتي دونت من قبل تلاميذه ورموز الفرقة من بعده(1).
وتنتشر الفرقة المالكية في بلاد الحجاز والخليج ومصر وبلاد المغرب.
____________
1- كان الشافعي من تلاميذ مالك. ومن أشهر المالكية عبدالله بن وهب الفهري، له الموطأ الكبير والموطأ الصغير وغيرهما وأشهب بن عبدالعزيز التيمي صاحب المدونة في فقه مالك. وابن الماجشون عبدالملك ابن عبدالعزيز التيمي وهو من الفقهاء البارزين في دائرة الفرقة. توفي ابن وهب عام 199هـ وأشهب عام 204هـ. وابن الماجشون عام 212هـ. انظر طبقات الفقهاء وسيرة مالك في كتب التاريخ والتراجم.
الشافعية:
برز محمد بن إدريس الشافعي في حياة مالك رافعاً لواء التجديد والتوفيق بين فرقة الأحناف أصحاب الرأي وفرقة المالكية أصحاب الحديث، واستقطب كثير من المسلمين إلى فرقته وخطف الأضواء من الفرق الأخرى.
وقد تجاوزت الأفكار التي طرحها الشافعي وفرقته حدود الفقة والعقيدة والسنة لتدخل في الإمامة والسياسة والأدب والفكر الإسلامي.
ومن أهم أفكار الشافعية:
ـ نبذ علم الكلام.
ـ القرآن كلام الله قديم غير مخلوق.
ـ الأحاديث حجة بعد القرآن.
ـ الجمع بين فقه الرأي وفقه الحديث.
ـ تقنين الفقة وأصوله.
ـ الإمامة في قريش.
ـ جواز تخصيص القرآن بالسنة.
ـ الالتزام بالقياس ورفض الاجتهاد بالرأي.
ـ القول بطهارة المني.
ـ جواز دخول المشركين المساجد إلاّ المسجد الحرام.
ـ عدم جواز الصلاة على الشهيد.
ـ وجوب الزكاة على الطفل.
ـ المرتد لا يبطل اعتكافه.
ـ جواز نكاح الرجل ابنته من الزنا.
ـ النكاح الفاسد يحلل الزوجة المطلقة ثلاثاً.
ـ جواز أن يطلق السلطان عن الزوج.
ـ يجوز أكل الذبيحة التي لم يسم عليها عمداً.
ـ الغناء ليس حراماً ولا يفسق فاعله ولا ترد شهادته.
ولقد قدر للفرقة الشافعية أن تكون أكثر الفرق انتشاراً في عالم المسلمين في المشرق والمغرب في بلاد المسلمين وغير المسلمين مثل الهند وأوروبا.
ونظراً لهذا الوضع فقد واجه الشافعي وفرقته عداوات كثيرة من الفرق الأخرى ودبرت المؤامرات له ولفرقته(1).
____________
1- من أشهر أتباع الشافعية في مكة: أبو بكر الحميري المحدث الفقيه وابن أبي الجارود الفقيه، وفي بغداد أبو علي الكرابيس وأبو ثور الكلبي وأحمد بن حنبل واسحاق بن راهوية استاذ البخاري، وفي مصر: حرملة بن يحيى وإسماعيل بن يحيى المزني صاحب المصنفات الكثيرة في الشافعية.
أنظر تراجم هؤلاء وغيرهم في كتاب توالي التأسيس لابن حجر. وانظر طبقات الفقهاء. وطبقات الشافعية للسبكي. وانظر ترجمة الشافعي في كتب التاريخ والتراجم.
الحنابلة:
قام بتأسيس هذه الفرقة أحمد بن حنبل الشيباني في بغداد في النصف الأول من القرن الثالث الهجري وكانت اهتماماته تتجه نحو الحديث وفتاوى الصحابة وآرائهم ولم يكن يميل إلى الاجتهاد برأيه.
وتعد فرقة الحنابلة أول من زرع بذور الشقاق والتطرف والخصومة في واقع المسلمين بسبب تعصبها الشديد وانغلاقها على الحديث والمأثور فمن ثم كان الرأي والاجتهاد يمثّل استفزازاً كبيراً لها.
وقد اشتهرت فتن الحنابلة واعتداءاتهم على خصومهم من الفرق الأخرى واكتظت كتب التاريخ بحوادثهم.
وكان أحمد بن حنبل واحداً من تلاميذ الشافعي، وكان ميله الشديد نحو الحديث وتتبعه من رواته وحفظته قد أدى بالشافعي إلى أن يقر بتفوقه في هذا المجال الذي أثمر في النهاية عن كتابه المسند الذي جمع فيه الأحاديث التي رواها وتلقاها من مصادر طوال حياته وهى تصل إلى حوالي أربعين ألف حديث.
ويعد المسند هو المرجع الأول عند فرقة الحنابلة.
ـ نماذج من الأفكار الحنبلية:
ـ الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص.
ـ محاربة الجدل ونبذ علم الكلام وأهله.
ـ الإيمان بصفات الله كما وردت في القرآن والأحاديث.
ـ القرآن غير مخلوق.
ـ رؤية الله تعالى يوم القيامة.
ـ لا يجوز الخروج على الحاكم ولو كان ظالماً فاسقاً.
ـ عدالة جميع الصحابة.
ـ الخير والشر من قضاء الله وقدره.
ـ الخلافة في قريش.
ـ الجهاد ماض قائم مع الإمام براً كان أو فاجراً وكذلك الجمعة والحج والعيدان.
ـ دفع الصدقات والفيء والخراج والغنائم إلى الأمراء عدلوا فيها أو جاروا.
ـ عدم جواز الصلاة خلف أهل البدع أو الصلاة على من مات منهم.
ـ كفر تارك الصلاة وعدم جواز الصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين.
ومثل هذه الأفكار وغيرها مما تكتظ به كتب الحنابلة قد أتت بنتائج عكسية طوقت فرقة الحنابلة وجعلتها من أقل فرق أهل السنة شأناً وانتشاراً في بقاع المسلمين، وإن كان بروز الفرقة الوهابية وسيطرتها على جزيرة العرب قد جعل هذه الفرقة تسودها وتخترق بها بقاع أخرى كثيرة بفضل النفط.
وقد اختلف المؤرخون والفقهاء في أمر الحنابلة وتصنيفهم هل هي
والحق أنها فرقة حديث وفقه وعقائد شاذة لا زالت تلقى بظلالها على واقع المسلمين وتسهم في تأصيل الخلاف والتطرف.
ومن أشهر الحنابلة صالح بن أحمد بن حنبل وأخيه عبد الله، وكلاهما نقل فقه أبيهما وعقائده وأفكاره إلى الناس، وعبد الله هو الذي روى المسند وتممه عن أبيه وتوفي عام 290 هـ.
وأحمد بن الحجاج المروزي وهو الذي نقل كتاب الورع عن ابن حنبل وكان من خواصه، توفي عام 275 هـ.
وأحمد بن هارون أبو بكر الخلال وهو الذي قام بجمع فقه ابن حنبل وتوفي عام 311 هـ(1).
____________
1- أنظر المناقب لابن الجوزي. وكتب التراجم والتاريخ.
الأشاعرة:
تنسب هذه الفرقة إلى أبى الحسن الأشعري الذي كان من أتباع فرقة المعتزلة ثم انشق عنها وقام بطرح أفكاره الجديدة التي قامت على أساسها فرقة الأشاعرة وهي أفكار تتعلق بالاعتقاد، وأما ما يتعلق بالفقة فقد التزم فيه بفرقة الشافعي.
وجاء الأشعري بأفكاره هذه من أجل التوفيق بين العقل والنقل، أي بين الفرق التي أسرفت في الاعتماد على أحاديث وأقوال الصحابة والتابعين والفرق التي أسرفت في استخدام العقل إلاّ أنه مال أكثر لأهل السنة.
ويمكن تحديد أفكار الأشعري التي تميز بها فيما يلي:
ـ كلام الله قديم بمعانية حادث بألفاظه.
ـ الإيمان بصفات الله بلا تشبيه ولا تكييف.
ـ صفات الله حقيقة لا مجاز.
ـ الله سبحانه وتعالى فوق السموات على عرشه دون أرضه.
ـ المؤمنون يرون ربّهم يوم القيامة.
ـ الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ويفعل ما يشاء.
ـ إن الله قسم خلقه فرقتين: فرقة خلقهم للجنة وفرقة خلقهم للسعير.
ـ الكبيرة لا تخرج عن الإيمان.
ـ عذاب القبر حق.
ـ شفاعة النبي لأهل الكبائر من أمته.
ـ السمع والطاعة لأئمة المسلمين عن رضى أو غلبة جاروا أو عدلوا يغزوا معهم ويحجوا معهم ويدفعون لهم الصدقات.
ـ الكف عن ذكر الصحابة بسوء.
ـ ذم أهل البدع والتبري منهم.
ـ عدم جواز الخروج عن أقوال السلف فيما اجتمعوا عليه.
ـ العقل يميّز بين الخير والشر وفق أحكام الشرع.
ـ الإنسان يريد الفعل باختياره والله ينفذه له.
ولقد كانت فرقة الأشاعرة أكثر حظاً من فرق أخرى كثيرة إذ تبنتها الدولة الأيوبية ثم المملوكية من بعدها وفرضتها على مصر والشام لتأخذ دفعة قوية نحو الانتشار والبقاء في واقع المسلمين حتى يومنا هذا(1).
ومن أبرز أئمة هذه الفرقة:
القاضي أبو بكر الباقلاني (328 / 403هـ) وهو من كبار علماء الكلام،
____________
1- اعتبرت الأشاعرة الجناح الأيمن لأهل السنة بينما اعتبرت فرقة الماتريدية الجناح الأيسر وهي تدرّس في المدارس حتى اليوم. ويذكر أن صلاح الدين فرض الأشاعرة على الشام ومصر بالقوة واعتبر الخارج عن معتقداتها في دائرة الزائغ المتزندق وعقوبته الموت، وهذا الحكم كان موجهاً لاتباع الفرق والاتجاهات الأخرى.