القسم الأول
أهل البيت.. والتشيُّع
دفاعات.. واستدلالات:


وهو يشتمل على فصول:

الفصل الأول: تشيُّع ابن عربي: دليل ونقد..

الفصل الثاني: من هم أهل البيت, وحقيقة عصمتهم..

الفصل الثالث: ما يذم به الشيعة..

الفصل الرابع: هكذا يدافعون عن ابن عربي..


الفصل الأول
تشيُّع ابن عربي.. دليل ونقد..


من هو الشيعي:

قال الشيخ المفيد: «التشيع في أصل اللغة هو الإتِّباع على وجه التدين، والولاء للمتبوع على الإخلاص، قال الله تعالى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ}(6).

ففرق بينهما في الإسم بما أخبر به من فرق ما بينهما في الولاية والعداوة، وجعل موجب التشيع لأحدهما هو الولاء بصريح الذكر له في الكلام»..

إلى أن قال:

«.. فأما إذا أدخل فيه علامة التعريف، فهو على التخصيص لا محالة لأتباع أمير المؤمنين صلوات الله عليه، على سبيل الولاء والاعتقاد بإمامته بعد الرسول صلوات الله عليه وآله، بلا فصل. ونفي الإمامة عمن تقدمه في مقام الخلافة، وجعله في الاعتقاد متبوعاً لهم غير تابع لأحد منهم على وجه الاقتداء..» (7).

أي أن الحكم بالتشيع يحتاج إلى توفر أمرين، لا مجال للحكم على شخص بالتشيع إذا فقد أي منهما:

أحدهما: أن يكون من أتباع الإمام علي عليه السلام على سبيل الولاء، والاعتقاد بإمامته بعد الرسول بلا فصل..

الثاني: نفي الإمامة عمن تقدمه في مقام الخلافة.

وهذا الركن الثاني هو الركن الأهم، إذ إن الولاية الحقيقية لا تتحقق إلا به، فإن إظهار المحبة، والولاء أمر شائع، وهو خفيف المؤونة، يبادر الناس لإظهاره لأدنى مناسبة، حتى من يعتقد بإمامة على أمير المؤمنين عليه السلام، أما رفض ولاية من استأثروا لأنفسهم بالخلافة، فهو الأصعب، والأشد. وهو الذي يميز الشيعي حقيقة عن غيره..

فهل كان ابن عربي مستجمعاً لهذين الركنين؟! ليمكن الحكم بتشيعه بالمعنى العام؟

أم أنه فاقد لهما أو لأحدهما؟! لكي لا يحكم عليه بذلك..

ونقصد بالمعنى العام، ما يشمل الإمامية والجارودية من الزيدية، والإسماعيلية أيضاً..

وأما التشيع بمعناه الأخص، وهو كونه إمامياً اثنا عشرياً، فله سمات، وعلامات، وخصوصيات أخرى أيضاً، لا بد من التأكد من توافرها في أي شخص ليحكم بكونه شيعياً إمامياً..

وعلى كل حال، فإن بيان حال ابن عربي، والتأكد من صحة نسبة التشيع إليه، هو ما سيتضح في الفصول التالية..

بداية وتوطئة:

إن الذين قالوا عن ابن عربي: إنه شيعي يكتم تشيعه، قد استدلوا على مدَّعاهم هذا بعدة أمور، رأوا أنها مفيدة في إثباته، ونحن نوردها، وفقاً لما يستفاد من كلماتهم، ونسجل ملاحظاتنا عليها في ضمن المطالب التالية:

استدلوا بما يلي:

1ـ الاجتهاد ومقلدة العلماء..

2ـ أسعد الناس به أهل الكوفة..

3ـ الخليفة الموعود..

نقلوا عن محيي الدين بن عربي عبارة، ذكروا أنها تدل على تشيعه، وصحة عقيدته، من عدة وجوه، وهذه العبارة هي التالية:

«إن لله خليفة يخرج من عترة رسول الله صلى الله عليه وآله، من ولد فاطمة عليها السلام، يواطئ اسمه اسم رسول الله، جده الحسين بن علي عليه السلام، يبايع بين الركن والمقام. يشبه رسول الله صلى الله عليه وآله في الخلق ـ بفتح الخاء ـ وينزل عنه في الخلق ـ بضم الخاء. أسعد الناس به أهل الكوفة، يعيش خمساً، أو سبعاً، أو تسعاً. يضع الجزية، ويدعو إلى الله بالسيف، ويرفع المذاهب عن الأرض، فلا يبقى إلا الدين الخالص.

أعداؤه مُقلِّدة العلماء، أهل الاجتهاد، ولِما يرونه يحكم بخلاف ما ذهب إليه أئمتهم، فيدخلون كرهاً تحت حكمه، خوفاً من سيفه.

يفرح به عامة المسلمين أكثر من خواصهم. يبايعه العارفون من أهل الحقائق عن شهودٍ وكشفٍ بتعريفٍ إلهي.

له رجال إلهيون، يقيمون دعوته وينصرونه. ولولا أن السيف بيده لأفتى الفقهاء بقتله. ولكن الله يُظهره بالسيف والكرم، فيطمعون، ويخافون، ويقبلون حكمه من غير إيمان، ويضمرون خلافه، ويعتقدون فيه إذا حكم فيهم بغير مذهب أئمتهم أنه على ضلالٍ في ذلك.

لأنهم يعتقدون أن أهل الاجتهاد وزمانه قد انقطع، وما بقي مجتهد في العالم، وأن الله لا يُوجد بعد أئمتهم أحداً له درجة الاجتهاد.

وأما من يدعي التعريف الإلهي بالأحكام الشرعية، فهو عندهم مجنون فاسد الخيال»..(8). انتهى..

حيث استدلوا على صحة عقيدته بالفقرات التالية:

أولاً: استدلوا بقوله: «إن لله خليفة يخرج.. الخ»، إذ إن أهل السنة مع اعتقادهم بظهور المهدي الموعود، إلا أنهم يقولون: إنه سيولد. أما الاعتقاد بحياة ووجود الإمام المهدي فهو من مختصات الإمامية من الشيعة.

ثانياً: استدلوا بقوله: «وأسعد الناس به أهل الكوفة»، حيث إن هذه العقيدة من مختصات الشيعة الإمامية أيضاً، فإنهم يقولون: إنه عليه السلام يخرج من مكة، ثم يقدم الكوفة، ويرسل الجيوش منها إلى سائر البلاد.

ثالثاً: قالوا: إن التشنيعات الواردة في هذه الفقرة على مقلدة المجتهدين، تدل على أنه يشنع على أهل السنة، لأنهم هم الذين يقولون: إن الاجتهاد وزمانه قد انقطع..

ونقول:

إن جميع ما ذكروه لا يصلح للإستدلال به على صحة عقيدة ابن عربي، وذلك لما يلي:

أولاً: إن هناك جماعات من أهل السنة قد ألفوا كتباً في أحوال الأئمة الاثني عشر، مثل ابن الصباغ المالكي، والشبلنجي الشافعي، والشبراوي الشافعي، والفضل بن رزوبهان، وابن حجر الهيتمي، والقندوزي الحنفي.. وغيرهم كثير، فهل يمكن عد هؤلاء من الشيعة أيضاً؟!

ثانياً: إنه لم يصرح بأن هذا الخليفة لله (وهو المهدي)، الذي يتحدث عنه: على قيد الحياة أو لا، بل ذكر أن لله خليفة، ولم يزد على ذلك..

فلماذا يتبرع المستدل بإضافة أنه «على قيد الحياة»..

ثالثاً: ما معنى قوله: يعيش خمساً، أو سبعاً، أو تسعاً..

فهل يقصد: أن هذا هو تمام عمره الشريف؟ أم يقصد أنه يعيش بصفته حاكماً هذا المقدار من السنين؟ ولكن العبارة خانته، ولم يصلحها.. فإذا كان يقصد الشق الثاني، وأن العبارة قد خانته، فنقول:

لماذا لم يصلحها له كشفه، خصوصاً وأنه يدعي ـ كما سيأتي ـ أنه قد كتب الفتوحات منقاداً فيه إلى الجبر الإلهي، وكانت مضامينه تملى على سبيل الإلهام، فيلقي إليه ما يشاء، ويمسك ما يشاء. كما سنشير إليه في فصل: مادح نفسه..

فكيف يخطئ هذا الإلهام الإلهي؟ ولماذا لم يلتفت هو إلى هذا الخطأ، فيراجع فيه ربه ليأذن له بإصلاحه؟ أو يصلحه هو بنفسه؟ أو يعتذر عن إصلاحه بعدم الإذن له فيه؟!

رابعاً: إن ذهاب الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف إلى الكوفة بعد ظهوره، وإرسال جيوشه إلى سائر البلاد، ليس من اعتقادات الشيعة، وإنما هو مجرد رواية وردت في كتبهم، كسائر الروايات.

كما أنها قد وردت في كتب أهل السنة أيضاً..(9).

فلماذا لا ينسبه إليهم من أجل ذلك؟!!. أو فليحكم بتشيع جميع أهل السنة، لأنهم قد رووا هذه الرواية في كتبهم!!..

خامساً: بالنسبة لمهاجمته للقائلين بانقطاع الاجتهاد، نقول:

أ ـ إن ذلك لا يدل على تشيعه، حتى لو تفرد هو بهذا النقد لهم.. لأن فتح باب الاجتهاد وسدِّه، لا ينافي شيئاً من عقائد الشيعة، فلا يدل مثلاً على أحقية من غصب الخلافة..

ب ـ إنه ليس هو الوحيد من علماء أهل السنة الذي أعلن بنقد هذا الموضوع، ورفضه جملة وتفصيلاً..

فقد ذكر الشيخ آقا بزرك الطهراني رحمه الله: أن هناك من كان يدعو إلى فتح باب الاجتهاد، ويعترض على سده منذ القرون التي أعلن فيها انسداد بابه حتى يومنا هذا، أمثال:

أبي الفتح الشهرستاني المتوفى سنة 548 هـ.

وأبي إسحاق الشاطبي المتوفى سنة 790 هـ.

والسيوطي المتوفى سنة 911 هـ.

وقد ألف السيوطي رسالة سماها: «الرد على من أخلد إلى الأرض، وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض» وقدم لهذا الرسالة بقوله:

«إن الناس قد غلب عليهم الجهل، وعمهم، وأعماهم حب العناد، وأصمهم. فاستعظموا دعوى الاجتهاد، وعدوه منكراً بين العباد. ولم يشعر هؤلاء الجهلة: أن الاجتهاد فرض من فروض الكفايات في كل عصر، وواجب على أهل كل زمان، أن يقوم به طائفة في كل قطر»(10).

وقال الشوكاني: «ومن حصر فضل الله على بعض خلقه، وقصر فهم هذه الشريعة على من تقدم عصره، فقد تجرأ على الله عز وجل، ثم على شريعته الموضوعة لكل عباده، ثم على عباده الذين تعبدهم الله بالكتاب والسنة».

هذا بالإضافة إلى غير هؤلاء من العلماء الكبار، الذين كانوا يدعون إلى فتح باب الاجتهاد، ويقفون أمام غلقه.

وقد استمر هذا الصمود أمام غلق باب الاجتهاد إلى القرون المتأخرة، حيث اعترض على هذا الاغلاق أيضاً أمثال:

جمال الدين الأفغاني.

والشيخ محمد عبده.

ومحمد رشيد رضا (11).

والسيد سابق(12).

وغيرهم..

سادساً: بالنسبة لما ذكره عن خليفة الله نقول: إنه حتى لو كان يقصد به الإمام المهدي عليه السلام، وأنه حي فعلاً، وأنه ابن الإمام العسكري عليه السلام..

فإن ذلك لا يدل أيضاً على تشيعه، وذلك لأن الحديث القائل: إنه يكون بعد النبي صلى الله عليه وآله اثنا عشر خليفة، أو أميراً، أو إماماً، كلهم من قريش، قد أحرج أهل السنة بدرجة كبيرة، حيث إنه مروي في أصح الكتب والمسانيد، وعلى رأسها كتب الصحاح عندهم، مثل البخاري، ومسلم، وأبي داود، ومسند أحمد بن حنبل، وغير ذلك كثير، بل ذكر في ينابيع المودة: أنه مروي عن بضعة وعشرين صحابياً..

وقد حير هذا الحديث علماء أهل السنة، وشرّقوا وغرّبوا في بيان المراد منه، فجاء أمثال ابن الصباغ المالكي، والشبلنجي الشافعي، والكنجي الشافعي، والقندوزي الحنفي، والشبرواي الشافعي، وابن روزبهان، والهيتمي و.. و.. وتكفلوا بحل الإشكال بطريقة تحفظ لهم تسننهم العميق، وعصبيتهم للخلفاء، وتدفع عنهم غائلة إلزام الشيعة لهم، فقالوا:

نحن نقبل بتطبيق الحديث المذكور على الاثني عشر إماماً الذين يقول بهم الشيعة، والذين أولهم علي عليه السلام، وآخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه، ولكننا نفسر خلافتهم، وإمارتهم، وإمامتهم، بما يتناسب مع حفظ سائر الخصوصيات الاعتقادية لأهل السنة، خصوصاً بالنسبة لأبي بكر، وعمر، وعثمان، وغيرهم من الحاكمين.. فنقول:

إن المراد بالخلافة هو الخلافة في التقوى، والصلاح، والكرامات، تماماً كما يعتقد أهل التصوف في أولياء الصوفية.. أو حتى أدنى من ذلك بمراتب..

أما الإمامة بمعناها الصحيح الذي يقول به الشيعة الإمامية، تبعاً لأئمتهم الطاهرين، وكذلك الإمامة بمعنى الحاكمية، فهي لأبي بكر، وعمر، وعثمان، و..و.. بل إن لهؤلاء مقام العصمة، وأعظم مراتب الكرامة عند الله، حتى إنه سيأتي أن أبا بكر يكون على العرش على يمين الله، وغير ذلك..

وماذا على أهل السنة لو قالوا لأنفسهم، إذا تم لهم ذلك: لا ضير علينا بعد اليوم، من تجويز كل فضيلة في حق أبي بكر، وعمر، وليتوسع الناس، وليترخصوا في هذا الأمر ما شاؤا، فقد حلت مشكلة ذلك الحديث المحرج، وقد أسكتنا الشيعة باعترافنا بصلاح أئمتهم، وباعطائهم درجة أولياء الصوفية، وتمكنا بذلك من حفظ كل خصوصياتنا الاعتقادية، وحفظ التسنن بمعناه الدقيق والعميق..

وابن عربي كما يظهر من كلماته الكثيرة جداً هو من هذا الفريق العريق في التسنن، الذين هم في الحقيقة، الأصلب في التسنن والأصعب.. والأبعد عن إمكانية اقناعهم بالحق..

إن نفس الباب الذي ذكر فيه ابن عربي تلك الفقرات، قد اشتمل على أمور تخالف عقيدة الشيعة، وأحاديثهم، مثل أن عيسى ينزل من السماء بالمنارة البيضاء بشرق دمشق، وأن المهدي هو الذي يصلي خلف عيسى..(13) وغير ذلك..

4ـ لا يعمل بالقياس:

واستدلوا على تشيع ابن عربي، بأنه لا يعمل بالقياس، ولا يقول به..(14) وغير الشيعة هم الذين يعملون بالقياس.

ونقول:

إن ذلك لا يدل على تشيعه أيضاً، وذلك للأمور التالية:

أولاً: إن الشافعي، وآخرين من أئمة أهل السنة أيضاً، لا يعملون بالقياس، ولا يقولون به، فهل صار الشافعي شيعياً، فضلاً عن غيره؟!

ثانياً: لنفترض: أن ابن عربي كان وحده الذي وافق الشيعة في رفض العمل بالقياس، فإن هذا لا يجعله في جملة «الشيعة»؟! فإن للتشيع عقائده، وأسسه، وأركانه.. وعلى رأسها رفض صحة خلافة أحد سوى أمير المؤمنين عليه السلام، واعتبار التعدي على السيدة الزهراء عليها السلام أمراً يوجب غضب الله ورسوله، ويَحْرِم فاعله من أي مقام. فضلاً عن أن يتصدى لمقام الخلافة والإمامة؟!

ولم يكن ابن عربي ممن يرى ذلك في شأن من تعدى على السيدة الزهراء عليه السلام، واغتصب مقام الخلافة، كما ستظهره النصوص التي أوردناها في هذه الدراسة الموجزة إن شاء الله تعالى..

ثالثاً: إنهم ينسبون إلى ابن الجنيد الإسكافي، أنه كان يعمل بالقياس في الفقه أيضاً(15)، فلو صح هذا الأمر عنه، فهل يجعله في جملة أهل السنة، ويخرجه عن مذهب التشيع؟!..

هذا إن لم نقل: إن القياس الذي عمل به ابن الجنيد، هو قياس الأولوية القطعية، الداخل في باب الظهورات، والذي من أمثلته قوله تعالى: {لاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ}(16) الدالة علىحرمة ضربهما..

ولعله قد اشتبه عليه الأمر أحياناً فتخيل ما هو ظني ـ بحسب الفهم النوعي ـ قطعياً، حين حصل له القطع الشخصي به.

أو نقول: كما احتمله بعضهم: إنه كان يستعمل القياس في مناقضاته مع أهل السنة ليلزمهم بما يلزمون به أنفسهم(17).

هذا وقد نسب العمل بالقياس، إلى الحسن بن علي ابن أبي عقيل أيضاً(18).

فلعله بقي متأثراً بهم بهذا المقدار، ولعل الأمر بالنسبة إليه هو نفس ما قدمناه بالنسبة للإسكافي.

وروي القول بالقياس عن الفضل بن شاذان، ويونس بن عبد الرحمان، وجماعة(19).

رابعاً: قد أظهرت كلمات ابن عربي: أنه لا يرضى بالاعتراض على من يعمل بالقياس، ويعتبر العامل به عاملاً بشرع الله أيضاً.. وليس هذا هو رأي الشيعة في هذه المسألة..

وستأتي طائفة من عباراته الصريحة في ذلك في فصل: سمات ومناهج..

خامساً: إن ابن عربي حين استدل على ضرورة استبعاد القياس، قد وجه ما قد يدخل في عداد الإهانات لرسول الله صلى الله عليه وآله، حيث قال:

«بل عاتبه سبحانه، لما حرم على نفسه باليمين في قصة عائشة وحفصة، بقوله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ}(20)..

وكان هذا مما أرته نفسه، فلو كان هذا الدين بالرأي، لكان رأي النبي أولى من رأي من ليس بمعصوم..».

فإن كلامه هذا يتضمن تخطئة رسول الله صلى الله عليه وآله، واعتبار ما يفعله النبي صلى الله عليه وآله رأياً له، وليس بدلالة إلهية.. مع أن هذه الآية التي هي في صورة عتاب إلهي، إنما جاءت لتسجل غاية الثناء والمدح، والتكريم لرسول الله صلى الله عليه وآله، وقد أراد الله تعالى من خلالها أن يجعل الرسول لنا أسوة وقدوة في نفس فعله هذا..

إنه تعالى يقول: إن هاتين المرأتين اللتين تواجهان رسول الله صلى الله عليه وآله، بأعظم الأذى، قد تظاهرتا عليه صلى الله عليه وآله، إلى الحد الذي أوجب التدخل الإلهي، لفضح أمر المتظاهرتين، وإعلان: أن {اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ}(21).

والمتظاهرتان هما اللتان أفشتا سره، وتفننتا في الإضافة على هذا السر، والزيادة فيه، حتى عرف رسول الله صلى الله عليه وآله بعضه، وأعرض عن بعض..

واللافت هو: أنه صلى الله عليه وآله، إنما يلقى هذه المعاملة من امرأة، وممن هي زوجته، التي له حق القوامة عليها، وهو نبيها، وأولى بها من نفسها..

هذا النبي ـ برغم ذلك كله ـ يعاملها أحسن معاملة، ويكون موقفه منها ليس مجرد الصفح والعفو، بل يصل إلى حد أنه صلى الله عليه وآله يَحْرِم نفسه مما هو حلال له، لتبقى نفس تلك الزوجة المؤذية له، مرتاحة، ومسرورة، وإنما كان سرورها في محروميته وعذابه..

فالله تعالى يريد أن يظهر لنا هذا الخلق العظيم لرسول الله صلى الله عليه وآله، فيقول له على مسمع منا:

«لماذا أنت حليم وكريم، وسموح ونبيل، إلى هذا الحد»؟!

فهل من يكون حليماً، وكريماً، وصاحب نبل، وخلق رفيع، يكون قد ارتكب ذنباً بذلك؟!

وهل يصح أن يعّد هذا النوع من الكلام معه لوماً له، وانتقاصاً لشأنه، وإنقاصاً من قدره ومقامه؟!..

حاشا وكلا!!..

بل هو غاية التكريم له، والثناء عليه، وهو إعلان بمقامه السامي، وتنويه عظيم به، وإظهار لمآثره الجليلة، لنجد نحن فيه الأسوة الحسنة الفضلى، والقدوة المثلى..

ولكن ابن عربي أراد أن يفسر كلام الله، بما يناقض المقصود الحقيقي، بل لقد وصل الأمر به إلى حد أن ينسب النقص والخلاف لرسول الله صلى الله عليه وآله!!

5ـ شعره في الوصية:

واستدلوا على تشيع هذا الرجل بأشعاره التي يذكر فيها الوصية، وهي:


وصّى الإله، ووصت رسله فـلـذاكـان التأسي بهم من أفضل العمل
لولا الوصية كان الخلق في عمـهوبـالـوصية دام الملك في الـدول
فاعمد إليها ولا تهمل طريـقتهــاإن الـوصية حكـم الله في الأزل(22)

حيث قالوا: إن هذه الأبيات قد تضمنت تلويحاً بحسن طويته، وصفاء عقيدته.

ونقول:

أولاً: إنه إن كان يتحدث عن وصي الرسول صلى الله عليه وآله، فإنه لم يعين من هو هذا الوصي، فهل هو أبو بكر؟! أم هو علي؟! أم شخص ثالث سواهما؟!

ثانياً: سلمنا أن المراد به الإمام علي عليه السلام، بقرينة أنه قد صرح بذلك في بعض مؤلفاته، حيث قال: «فلا الحق رضيها لنبيه، ولا النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم، رضيها لابنته ووصيه»(23)..

فإننا نقول:

ولكن ليت شعري، ما هو مقصوده من كونه وصيا؟!، فإن ظاهر كلامه، بل صريحه، يتحدث في هذا المورد، عن أصل الوصية، التي هي مطلوبة للشارع من كل أحد، ولذلك قال مخاطباً سامعه وقارئه: «فاعمد إليها ولا تهمل طريقتها»..

فإنه لا يريد أن يقول: إن على كل مسلم أن يوصي بالخلافة من بعده.

وأما بالنسبة لوصف الإمام علي عليه السلام بالوصي في بعض مؤلفاته الأخرى، فإننا نقول:

إنه ليس ثمة ما يثبت: أنه يقصد أيضاً الوصية في أمر الإمامة، أو الخلافة.

ولذلك تجد أهل السنة لا ينكرون، بل هم يصرحون بكون علي عليه السلام هو الوصي لرسول الله صلى الله عليه وآله، ولكنهم يصححون خلافة أبي بكر وعمر أيضاً، باعتبار أن الوصاية لعلي ـ عندهم ـ إنما هي في الأمور المتعلقة بشخص النبي، كالديون، والودائع، وبعض ما يرتبط بالتعامل مع أبنائه، أو مع غيرهم، وما إلى ذلك..

ثالثاً: إنه هو نفسه يصرح بأنه لم يكن بين رسول الله صلى الله عليه وآله وبين أبي بكر رجل! ألا يدل ذلك على أنه يرى أبا بكر في المقام الأول بعد رسول الله صلى الله عليه وآله؟!.

يضاف إلى ذلك: ما سوف نورده في هذه الدراسة، من نصوص فإنها تكفي لإظهار حقيقة اعتقاده في أبي بكر وعمر، وعائشة، وسائر المناوئين للإمام علي عليه السلام. الأمر الذي لا ينسجم مع اعتقاده بالوصاية لعلي في تولي أمور الناس بعده صلى الله عليه وآله، إلا إذا كان يرى الجمع بين الأضداد.

رابعاً: إنه يصرح أيضاً بأن النبي صلى الله عليه وآله لم يستخلف أحداً بعده، فراجع..(24).

إلا أن يدعى أن مقصوده هو الخلافة الصوفية، ولكنه تأويل تحكمي تعسفي، يخالفه ظاهر كلامه..

والغريب في الأمر، أنهم يلجأون إلى كلام مبهم ومجمل، ويرون أن فيه تلويحاً أو دلالة على حسن طويته، ويتركون تصريحاته التي لا بد من عدها في ضد ذلك.. مع أنها لا مجال لتأويلها!!

إن هذا لشيء عجاب؟!..

6ـ حديث المنزلة:

وقالوا: «لقد أومأ بدقة إلى حديث المنزلة، تحت عنوان «فص هاروني» من كتاب الفصوص، والعبارة هي قوله:

«فص حكمة إمامية في كلمة هارونية».

حيث دلت عبارته هذه ـ بزعمهم ـ على أمرين:

أحدهما: أن ظاهر الكلمة يوهم: أن حكمة الطائفة الإمامية في الكلمة الهارونية، وهي حديث المنزلة، ولفظ أخلفني.

ثانيهما: إنه أورد في عبارته المقام الهاروني صريحاً بلفظ «الإمامة»، ولم يبال بمخالفة علماء أهل السنة، وإنكارهم الخلافة الهارونية..»(25).

ونقول:

أولاً: إن هذا الإستدلال غريب أيضاً.. فإنه لم يورد في ذلك الفصل أي شيئ يشير إلى هذه التفاصيل التي ذكروها سوى هذا العنوان الآنف الذكر، فهو لم يشر إلى الإمام علي عليه السلام، ولا إلى حجة الوداع، ولا إلى حديث المنزلة، ولا لغير ذلك، مما يدل على أمر الإمامة، لا من قريب ولا من بعيد..

ثانياً: إن كلمة الإمامة تستعمل عند أهل السنة في معنى الخلافة أيضاً.. وأهل السنة ينكرون خلافة هارون لأخيه موسى، وصيرورته بذلك إماماً لقومه بعده.. بحجة أن النبي هارون عليه السلام، قد مات قبل النبي موسى عليه السلام، فلا معنى لأن يكون خليفة له من بعده..

ونقول لهم: إن المراد من حديث المنزلة هو إثبات المنزلة التي كانت لهارون النبي من النبي موسى عليهما السلام ـ إثباتها لأمير المؤمنين عليه السلام، فإذا ثبتت بقيت.

ويكون للإمام علي عليه السلام من النبي صلى الله عليه وآله منزلة هارون من موسى ما دام الإمام علي عليه السلام حياً، حتى بعد وفاته صلى الله عليه وآله.. وليس المراد التشبيه بموسى وهارون من جميع الجهات، حتى في الحياة والممات، وحتى في مواجهة هارون لعبادة العجل الذي صنعه السامري لبني إسرائيل.. وما إلى ذلك..

ثالثاً: إنه إذا جاز أن يكون لهذا التلويح المدعى أي أثر في معرفة حقيقة اعتقاد ابن عربي، فلماذا لا يكون لتلك التصريحات التي وردت في هذه الدراسة، وهي تعد بالعشرات، بل بالمئات، دلالة على ضد ذلك؟!..

خصوصاً مع تصريحه بعدم استخلاف رسول الله صلى الله عليه وآله لأحد من بعده، وغير ذلك مما سيأتي..

7ـ مودة ذوي القربى:

قد نسبوا إلى هذا الرجل قوله:


رأيـت ولائي آل طــه وسـيلـةعلى رغم أهل البعد يورثني القربى
فما طلب المبعوث أجراً على الهدىبـتبليغه إلا المودة في القربى(26)

وقد اعتبروا ذلك من دلائل تشيعه..

ونقول:

أولاً: إن هذين البيتين لا يدلان على أكثر من إظهار الحب والولاء لأهل البيت عليهم السلام، ولا يدلان على الاعتقاد بإمامتهم.

وقد مدح الشافعي أهل البيت عليهم السلام، والشافعي ليس من الشيعة قطعاً.. ومدحهم أيضاً وغالى فيهم ابن أبي الحديد المعتزلي، وهو ما فتئ يبذل جهده في نقض عقائد الشيعة، حتى إنه ليتشبث بما هو أوهى من بيت العنكبوت، فهل صار المعتزلي شيعياً، وكذلك كل من أظهر الولاء والحب لأهل البيت صلوات الله عليهم؟!..

ثم إن من المعلوم: أن إظهار الحب لهم عليهم السلام واجب على كل مسلم، بنص آية المودة وغيرها، فمن لا يواليهم لا يكون مسلماً بإجماع الأمة، لأنه يكون صريح المعاندة للقرآن الكريم..

ثانياً: لو كان هذان البيتان يدلان على التشيع بمعناه الاعتقادي والفقهي لدخلت في التشيع أمم عظيمة من الناس من أهل السنة الذين مدحوا أهل البيت عليهم السلام، مع أن منهم من هو من أشد الناس على شيعة أهل البيت، وأحرص الناس على نقض عقائدهم، مثل الفضل بن رزوبهان، وابن حجر الهيتمي..

بل يدخل فيهم من حارب أهل البيت عليهم السلام أنفسهم، فقد ورد في التاريخ: مدح عمرو بن العاص علياً، وورد أيضاً مدحه عليه السلام من قبل معاوية، وعمر بن الخطاب، وغير هؤلاء أيضاً..

ثالثاً: قد تقدم أن ابن عربي نفسه قد صرح بأن النبي صلى الله عليه وآله لم يستخلف أحداً..(27) وأي تأويل لكلامه مرفوض، لأن سائر كلماته الصريحة تؤيد وتؤكد عدم تشيعه..

رابعاً: إننا نشك في صحة نسبة هذا الشعر لابن عربي، إذ قد قال الكنجي ما يلي: «وأنشد بعض مشايخنا، وهو محمد بن العربي، شيخ المحققين: رأيت ولائي آل طه وسيلة.. الخ..»(28).

وقال ابن حجر الهيتمي:

«وللشيخ الجليل شمس الدين ابن العربي: رأيت ولائي آل طه الخ..»(29).

ونحن نسجل هنا الملاحظات التالية:

أ ـ إننا لم نجد هذين البيتين فيما بين أيدينا من مؤلفات لابن عربي، رغم أنه قد ضمن كتبه الكثير من أشعاره..

ب ـ هناك اثنان باسم ابن عربي، وابن العربي..

أحدهما: القاضي محمد بن عبد الله، بن محمد المعافري، الأشبيلي، المالكي، أبو بكر ابن العربي. وهو من حفاظ الحديث، وهو صاحب كتاب العواصم من القواصم. وكتاب عارضة الأحوذي في شرح سنن الترمذي، وغير ذلك، وقد رحل إلى المشرق أيضاً، وتوفي سنة 543..(30).

الثاني: محمد بن علي، بن محمد ابن العربي، أبو بكر الحاتمي، الطائي الأندلسي، المعروف بمحيي الدين بن عربي، والملقب بالشيخ الأكبر. زار بلاد الشام، وبلاد الروم، والعراق، والحجاز، ومصر، وغيرها..

ويقول محمد قطة العدوي: إن أهل المشرق قد اصطلحوا على التعبير عن محيي بكلمة «ابن عربي» بدون ألف ولام، فرقاً بينه وبين القاضي ابن العربي..(31).

وبعدما تقدم نقول:

إن الملاحظ هو: أن الكنجي الشافعي، وهو مشرقي، قد عبر بـ: «ابن العربي» وهذا هو نفس التعبير الذي ورد في الصواعق أيضاً..

فإذا صح ما قاله العدوي، فإن قائل هذين البيتين يكون هو ابن العربي، أي القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله، بن محمد المعافري، وليس محيي الدين محمد بن علي، ابن عربي الطائي..

ج ـ إن اللقب الذي أطلقه الهيتمي على قائل هذين البيتين هو «شمس الدين»، ومن الواضح أن لقب صاحب الفتوحات هو محيي الدين.. وهذه قرينة أخرى على أن المراد هو ابن عربي آخر، فإما أن يكون القاضي المعافري، وهو محمد ابن العربي، أو يكون شخصاً غير هذين الاثنين..

8 ـ سلمان منا أهل البيت:

استدلوا بما قاله في حق سلمان المحمدي (الفارسي)، وهو ما يلي:

«هذا شهادة من النبي لسلمان الفارسي بالطهارة، وحفظ الآل، حيث قال فيه رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: سلمان منا أهل البيت.

وشهد الله لهم بالتطهير، وذهاب الرجس عنهم. وإذا كان لا يضاف إليهم إلا مطهر مقدس، وحصلت له العناية الإلهية بمجرد الإضافة، فما ظنك بأهل البيت في نفوسهم، وهم المطهرون، بل عين الطهارة».

ونقول:

إنه لا يصح الاستناد إلى هذا القول وأمثاله لإثبات تشيع هذا الرجل، وذلك لما يلي:

أولاً: إن مدائحه لغير أهل البيت عليهم السلام، لا تقلُّ عن ذلك، إن لم تكن تزيد عليه..

بل هو يمدح نفسه، ويثبت لنفسه أموراً ومقامات عظيمة جداً. تفوق مقامات الأنبياء والأوصياء، كما أنه يمدح أولياء الصوفية، بما هو أعظم من ذلك بمراتب، أما مدحه لأبي بكر وعمر، وغيرهما.. فهو يتجاوز حدود الخيال.

ثانياً: إنه كما أثبت لأهل البيت عليهم السلام صفة العصمة بهذه الآية، فإنه قد أثبت لعمر بن الخطاب صفة العصمة أيضاً، ولكن من دون أن يحتاج إلى آية أو إلى دليل يستند إليه في ذلك، وسنقرأ ذلك في الفصل الخاص بعمر بن الخطاب..

ثالثاً: إن العصمة لا تلازم الإمامة، وقد كان سلمان ـ حسبما ذكره ـ معصوماً، ولم يكن إماماً..

رابعاً: إنه يرى أن المراد بأهل البيت عليهم السلام جميع أولاد السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام إلى يوم القيامة، ويُدْخِل فيهم جعفراً وسلمان الفارسي، مع أنهما ليسا من أولاد السيدة الزهراء عليها السلام.

ثم هو يفرق بين آل وأهل، فيقول: إن آل البيت هم العلماء والصالحون من أمته، كما سيأتي..

وبذلك يكون قد خرب ـ بزعمه ـ عقيدة التشيع، أو هو على الأقل قد خرج عنها بنفس كلامه هذا، إذ أن الشيعة يعتقدون اختصاص أهل البيت بالنبي والزهراء والأئمة الطاهرين عليهم السلام..

خامساً: إنه يصرح بأن تطهير أهل البيت عليهم السلام، لا يمنع من صدور المعاصي الظاهرية منهم، مثل الكذب، والسرقة، والزنا، وغير ذلك.. فتجري عليهم الحدود، والأحكام في الدنيا، أما في الآخرة، فإن المعاصي لا تضرهم، ولا تنقص من مقامهم هناك..

9ـ كتاب: دوازده إمام:

إن البعض ينسب إلى ابن عربي كتاباً باسم: «دوازده إمام» أي «اثنا عشر إماماً»، وقد اعتبر هذا دليلاً على تشيع هذا الرجل(32).

ونقول:

أولاً: إن كثيرين غير ابن عربي أيضاً قد ألفوا كتباً في مناقب الأئمة الاثني عشر عليهم السلام، مع أن أحداً لا يشك في أنهم من علماء أهل السنة، مثل الشبلنجي، وابن الصباغ، والشبراوي، والقندوزي، وابن طلحة، والكنجي، وغيرهم من علماء السنة.

بل إن بعض من ألَّف في الأئمة الاثني عشر قد كان من المعلنين بعداء الشيعة، والجادين في إطفاء نور الله، والمحاربين لأولياء الله.. مثل ابن حجر الهيتمي صاحب الصواعق المحرقة، والفضل بن رزوبهان صاحب كتاب: إبطال نهج الباطل، الذي رد فيه على كتاب: نهج الحق.. ودلس فيه وكذب، وافترى ما شاءت له قريحته..

ثانياً: إن تأليف هذا النوع من الكتب حول أهل البيت عليهم السلام، وفي خصوص الأئمة الاثني عشر عليهم السلام، إنما كان يهدف إلى الحفاظ على مذهب التسنن، كما أوضحناه فيما سبق. إذ الحديث الذي يثبت أن الأئمة اثنا عشر، قد أعجز أهل السنة، فتشبثوا بكل حشيش لكي يجيبوا عنه، وكان الحل لدى هؤلاء المتعصبين، هو القول بأن المراد به أئمة لهم مقام رفيع في الهداية والتقوى والعلم، والصلاح، شرط أن لا يبلغ الأمر إلى إعطائهم مقام الخلافة، والإمامة بمعناها الصحيح.. وبعد هذا فلا مانع من تطبيق الحديث على أئمة أهل البيت عليهم السلام..

ثالثاً: إنه يُشَكُّ في صحة نسبة الكتاب المذكور إلى ابن عربي، فقد قال المرحوم الشيخ آقا بزرك الطهراني ما يلي:

«المناقب» مر بعنوان: «دوازده إمام»، منسوباً إلى محيي الدين بن العربي، ولعله من إنشاء العيّاني الخفري المذكور في ج9 ص777»(33).

رابعاً: إنهم إذا كانوا يدَّعون أن ما ظهر من ابن عربي مما يدل على تسننه، وهو بهذه القوة والكثرة، والصراحة، إنما جاء على سبيل التقية.. أو أنه قد دس في كتبه..

فإننا نقول لهم: هل إن التقية تفرض أن تكون تأليفات هذا الرجل زاخرة بالشواهد والدلائل والمؤيدات للمذهب الذي لا يؤمن به، وأن تكون جميعها مبنية في مختلف فصولها، ومطالبها على قواعد المذهب السني، ومسوقة لتأكيده، وتشييده؟!

وأية ضرورة تفرض عليه التصدي لأصل التأليف، إذا كانت جميع مؤلفاته سوف تكون في خدمة وتأكيد صحة مذهب لا يرى المؤلف صحته، ولا يعتقد به؟!..

ولماذا يستعمل التقية بهذا المستوى، وبمثل هذا الإغراق والاستغراق في جميع مؤلفاته، ثم ينسى التقية هنا، فيؤلف كتاباً في الأئمة الاثني عشر؟! وهو أمر قد يودي بحياته، لا سيما إذا كان عملاً متكاملاً، ومستقلاً، وظاهراً!!

10 ـ ذكر مناقب أهل البيت عليهم السلام:

وقد استدلوا على تشيعه بذكره مناقب أهل البيت عليهم السلام في كتبه، فقد قال الطهراني:

«بالرغم من أن كتب محيي الدين مشحونة بمناقب أهل البيت عليهم السلام، ككتاب: «محاضرة الأبرار، ومسامرة الأخيار»، إلا أن أساس مطالبه على أصول أهل السنة، كمثل هذا الفص الداودي الذي ذكره، أما في فتوحاته المكية، الذي ألفه في مكة، فليس فيه ما يوافق أصول السنة»(34).

وأقول:

أولاً: إن جميع ما ذكره في كتبه من مناقب العترة إذا كان أساسه هو أصول أهل السنة، فهو دليل على تسننه.

لأن المائز بين التشيع والتسنن ليس هو رواية مناقبهم عليهم السلام، أو قبولها، أو إنكارها، بل هو القبول بأحقيتهم عليهم السلام بمقام الخلافة بعد رسول الله، وبطلان خلافة من تقدم عليهم..

ثانياً: إن قوله: إن كتاب الفتوحات لم يتضمن شيئاً يوافق أصول السنة.. لا يفيد في إثبات تشيعه. بل المفيد هو إثبات: أنه موافق لأصول مذهب الشيعة الإمامية، ليمكن الحكم بتشيع مؤلفه، حين تأليفه لذلك الكتاب على الأقل..

فإن كان قد ألف تلك الكتب الموافقة لأصول مذهب السنة بعد ذلك الكتاب، فيحكم بتسننه من أجل ذلك.

وإن كان ذلك الكتاب هو آخر مؤلفاته، فإنه يحكم بتشيعه في آخر حياته. على فرض تضمن ذلك الكتاب أي شيء يدل على تشيعه..

ثالثاً: إنه ليس صحيحاً قوله: إنه ليس في كتاب الفتوحات ما يوافق أصول أهل السنة.. والصحيح هو أن كل ذلك الكتاب مبني على أصولهم في الاعتقادات، وفي الفقه، والتاريخ، والرجال، و.. و.. الخ.. وأدنى مراجعة له خير شاهد على ما نقول، وتتضمن دراستنا الموجزة هذه، عشرات الموارد من ذلك الكتاب بالذات، وكلها قد جاءت مبنية على أصول السنة..

رابعاً: إن ذكر مناقب أهل البيت عليهم السلام، في المواقع المناسبة، لهو مما يلتزم به كل مسلم، ولكن المهم هو التصريح بلوازم ومعاني تلك المناقب. وهو دلالتها على بطلان خلافة المتقدمين على الإمام علي عليه السلام، وعلى أنهم كانوا معتدين عليه، وغاصبين لحقه..

وقد ذكر مؤلفوا كتب الصحاح وغيرها، مثل صحيح مسلم، ومسند أحمد، وسنن ابن ماجة، وأبي داود، وصحيح البخاري، وغير ذلك.. الكثير من مناقبهم عليهم السلام، مع الالتزام الشديد منهم بأصول التسنن ومناهجه..

11ـ علي إمام العالم:

وقد استدلوا على تشيعه بكلمة نسبوها إليه، يصرح فيها ـ بحسب قولهم ـ بأن الإمام علياً عليه السلام: «إمام العالم».

وقالوا: إن الفيض والشعراني يقولان: إن صاحب الفتوحات بعد أن ذكر أن نبينا صلى الله عليه وآله أول ظاهر في الوجود، قال:

«وأقرب الناس إليه علي بن أبي طالب، إمام العالم، وسر الأنبياء أجمعين»(35).

ونقول:

أولاً: قد ذكرنا في فصل: «هكذا يدافعون عن ابن عربي»، تحت عنوان: «الدس في كتاب الفتوحات» وغيره: أن كتب ابن عربي قد تعرضت للدس والتحريف، فزادوا فيها ما يخالف مذهب أهل السنة، فإذا صح قولهم هذا، فلا بد أن تكون هذه الكلمة من أوضح مصاديق هذا المدسوس عليه.. لأن أهل السنة لا يرضون بمضمونها حتماً وجزماً، ويسعون إلى تكريس هذا الأمر في أبي بكر..

إلا إذا أريد منها معنى يتناسب مع اعتقاداتهم ومناهجهم.

ثانياً: إن الشعراني وغيره يدَّعون: أنه قد زيد في كتاب الفتوحات المكية ما يخالف مذهب أهل السنة، ولا يدعون وجود نقيصة فيه. ورغم ذلك، فإن هذه العبارة المنسوبة إليه لا توجد في الفتوحات، وهذا معناه: أن التحريف بالنقيصة حاصل أيضاً.. والظاهر: أنها عبارة مستنبطة بصورة خاطئة سنشير إليها بعد صفحات يسيرة..

ثالثاً: إن ما ذكره ابن عربي حول أبي بكر، وعمر، وطلحة، والزبير، وعائشة، وحتى معاوية، والمتوكل، فضلاً عن الحجاج، لا يبقي مجالاً لاعتقاد: أنه يقصد بالإمامة للعالم هو الإمامة بمعناها الشيعي، بل هو ـ لو صحت نسبة هذه الكلمة إليه ـ يقصد إمامة لا تتعارض مع جلوس أبي بكر على العرش، ومع عصمة عمر، ومع تعظيم المتوكل، والحجاج، وما إلى ذلك..

رابعاً: قد ذكرنا: أنه قد صرح بأن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يستخلف أحداً من بعده..(36)، وأن تأويل كلامه بإرادة الخلافة الصوفية، لا يصار إليه إلا بدليل. والدليل قائم على خلافه، كما أشرنا إليه غير مرة..

فإن صح أن يكون ابن عربي قد قال: إن علياً عليه السلام، إمام العالم، فلا بد أن لا يكون مقصوده الإمامة الدينية بالمعنى الشيعي، بل مراده إمامة صوفية ـ لا تصل إلى مستوى ما يدّعيه لنفسه ولغيره ممن يطلق عليهم اسم الأولياء ـ أو إمامة بمعناها اللغوي حيث يراد بها مجرد التعظيم، ولا تتعارض مع خلافة خلفائهم، بل تكون كإمامة الغزالي، والرازي، وما إلى ذلك..

وإنما قلنا: لا تصل إلى مستوى ما يدّعيه لنفسه ولغيره من أولياء الصوفية، لأنه يدّعي لنفسه درجات النبوة من دون تشريع، ويصر على ذلك أيما إصرار.. كما سنرى..

خامساً: من أين جاء القطيفي والفيض بعبارة «إمام العالم»، فإن الموجود في «الفتوحات المكية» غير ذلك، فقد قال ابن عربي:

«قال تعالى: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ}(37)، فشبه نوره بالمصباح، فلم يكن أقرب إليه قبولاً في ذلك الهباء إلا حقيقة محمد صلى الله عليه وآله، المسماة بالعقل، فكان سيد العالم بأسره، وأول ظاهر في الوجود، فكان وجوده من ذلك النور الإلهي، ومن الهباء، والحقيقة الكلية وفي الهباء وجد عينه، وعين العالم من تجليه..

وأقرب الناس إليه، علي بن أبي طالب، وأسرار الأنبياء أجمعين..»(38).

وليس في هذه عبارة: أن علياً «إمام العالم».. بل الموجود هو أن النبي صلى الله عليه وآله هو سيد العالم بأسره..

كما أن الشعراني قد نقل هذه الفقرة عن الفتوحات، ولم يذكر أن هذه الكلمة منسوبة إلى الإمام علي عليه السلام، وإن كانت عبارته تختلف عن عبارة الفتوحات أيضاً، فقد قال: «فكان صلى الله عليه [وآله] وسلم مبدأ ظهور العالم، وأول موجود. قال الشيخ محيي الدين. وكان أقرب الناس إليه في ذلك الهباء علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، الجامع لأسرار الأنبياء أجمعين..(39).

سادساً: وكما أنه ليس في هذه الفقرة: أن علياً عليه السلام إمام العالم. ليس فيها أيضاً: إنه الجامع لأسرار الأنبياء، بل فيها: إن القريب من النبي صلى الله عليه وآله هو علي وأسرار الأنبياء. وشتان ما بينهما..

سابعاً: أضف إلى ذلك: أن مجرد قرب علي عليه السلام من حيث الظهور في الوجود لا يعني أنه الأفضل بعد رسول الله صلى الله عليه وآله.. فإن النبي آدم عليه السلام كان أباً للبشر كلهم، ولم يكن أفضل من النبي إبراهيم، أو من نبينا الأعظم صلى الله عليه وآله وعلى النبي إبراهيم وآله..

ويضاف إلى ذلك: أن الأفضلية بعد رسول الله ـ بنظر ابن عربي ـ هي لأبي بكر، لأنه يصرح بأنه ليس بين النبي صلى الله عليه وآله وبين أبي بكر رجل، كما أن سائر ما ذكره عن أبي بكر مما سنورده في فصل مستقل يدل على أن مقصوده بالعبارة المشار إليها آنفاً هو قربه منه صلى الله عليه وآله من حيث النسب، لا الفضل..

وأخيراً نقول:

إن الظاهر هو أنهم قد استنبطوا هذه الكلمة استنباطاً، فإن ابن عربي قد وصف النبي صلى الله عليه وآله بأنه سيد العالم بأسره، ثم قال: إن أقرب الناس إليه هو علي، فاستفادوا من قربه إليه إمامته وسيادته للعالم أيضاً مثله صلى الله عليه وآله..

مع أن استفادة ذلك غير ظاهرة، ولا صحيحة، فإنه إذا وصف النبي بالنبوة، فإن هذا الوصف لا يثبت لأقرب الناس إليه أيضاً..

12ـ التنويه بحديث الغدير:

وقد استدلوا أيضاً بكلام ابن عربي حول الغدير، فقالوا:

«وقد أعرض في رسالته المشهودة عن ذكر إيمانه بإمامة الخلفاء، ونوه بلطف إلى وجوب الاعتقاد بالأمور الواقعة في يوم الغدير، ومن جملتها تعيين خلافة الأمير عليه السلام، حتى يصل إلى قوله:

«ووقف في حجة وداعه على كل من حضر من أتباعه، فخطب وذكَّر، وخوف وحذَّر، ووعد وأوعد.. إلى أن قال: هل بلغت؟!

فقالوا: بلغت يا رسول الله.

فقال: اللهم اشهد»(40).

ونقول:

أولاً: قد يكون سبب إعراضه عن ذكر إيمانه بإمامة الخلفاء هو عدم وجود مناسبة تقتضي ذلك، لا لأجل وجود تحفظ لديه على إمامتهم.

ثانياً: إن ذكر واقعة الغدير بكل دقائقها وتفاصيلها في كتاب لا يدل على التزام مؤلفه بمضمونها وفق التفسير الشيعي الإمامي لها. فإن كثيراً من علماء أهل السنة، قد أوردوها في كتبهم، وبقوا على تسننهم، وحاولوا تأويلها، والخروج من تبعات الالتزام بها..

وقد تقدم التصريح من قبل الراغبين بإثبات تشيع ابن عربي: بأنه قد شحن بعض كتبه بمناقب أهل البيت عليهم السلام، ولكن أساس مطالبه قد جرى وفق أصول أهل السنة..

ونحن نتيقن: أنه قد جرى في هذا المورد ـ أي في حديثه عن الغديرـ على نفس هذا النهج، وهو نهج التسنن أيضاً؟! وذلك لما نجده من دلائل وشواهد على تسننه، تعد بالمئات، وربما تزيد..

ثالثاً: هل صرح ابن عربي، وهو يتحدث عن قضية الغدير بالمضامين الصحيحة، الدالة على أمر الإمامة، فلم يتصرف بها بالحذف والتشويه؟!! ـ كما فعل بالنسبة لحديث الثقلين، وكما فعل في غيره؟!..

والجواب: إنه لم يفعل ذلك، ولم يصرح باسم علي عليه السلام، وأقحم في كلامه جملة لا ربط لها بموضوع الإمامة.. فراجع النص الذي ذكره المستدل آنفاً..

ويبقى السؤال حائراً وتائها، عن أنه، كيف رأوا خصوص تلك الإيحاءات الضعيفة والواهية كافية للدلالة على تشيعه؟ ولم يروا هذا الحشد العظيم، والكم الهائل مما هو صريح في رسوخ قدمه في التسنن؟!.. كافياً للتشكيك في دلالة وصحة تلك الشواهد الواهية والمريضة!!

رابعاً: إنه هو نفسه ـ كما تقدم ـ قد صرح بأن النبي صلى الله عليه وآله، لم يستخلف أحداً من بعده، فكيف تكون إشارته لحديث الغدير دللى الله عليه وآله، لم يستخلف أحداً من بعده، فراجع كلامه.. يد هؤلاء إثبات تشيعه استناداً إلى تلك يلاً على تشيعه؟!

إلا أن يدعى أن مراده: أنه صلى الله عليه وآله لم يستخلف ولياً صوفياً، كما ألمحنا إليه وقلنا: إنه تأويل بارد، والمتاجرة به متاجرة بكاسد، والإعتماد عليه اعتماد على أمر فاسد. بعد ما أوردناه في هذه الدراسة من دلائل وشواهد، على أن ابن عربي، عن التشيع حائد، وبه زاهد.

13ـ يكني عن علي عليه السلام، بفلان:

وقالوا: إن ابن عربي قال في معرفة أسرار {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.. وأسرار الفاتحة.

«فالياء في الرحيم ترمز لليالي العشر، والنقتطتان الشفع، والألف الوتر.. والاسم الرحيم، مالكيته: الفجر. ومعناه الباطن الجبروتي: والليل إذا يسر، وهو الغيب الملكوتي. وترتيب النتقطتين الواحدة مما يلي الميم، والثانية مما يلي الألف: وجود العالم الذي بعث إليهم، والنقطة التي تليه (أي الميم) فلان.. والنقطة التي تلي الألف محمد..»(41).

قالوا: أراد بفلان علياً عليه السلام، لأنه هو الذي يناسب التقية فيه..

ونقول:

أولاً: إن النص الموجود في الفتوحات المكية ج1 ص110 ط دار صادر أوفست عن دار الكتب العربية الكبرى بمصر. هكذا:

«والنقطة التي تليه أبو بكر رضي الله عنه الخ..».

وليس هذا من موارد الدس المدعى، لأن الدس المدعى حصوله، إنما هو لما يخالف عقيدة أهل السنة فقط..

ثانياً: إن تقدير كلمة (علي) تأباه القرينة الموجودة في الكلام نفسه، فإن العبارة هكذا:

«والنقطة التي تليه أبو بكر رضي الله عنه، والنقطة التي تلي الألف محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم. وقد تقببت الباء عليهما كالغار {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}(42).. فإنه واقف مع صدقه، ومحمد عليه السلام واقف مع الحق، في الحال الذي هو عليه في ذلك الوقت، فهو الحكيم، كفعله يوم بدر في الدعاء والإلحاح، وأبو بكر عن ذلك صاح، فإن الحكيم يوفي المواطن حقها..

ولما لم يصح اجتماع صادقين معاً، لذلك لم يقم أبو بكر في حال النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم، وثبت مع صدقه به..

فلو فقد النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم في ذلك الموطن، وحضره أبو بكر، لقام في ذلك المقام الذي أقيم فيه رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، لأنه ليس ثم أعلى منه يحجبه عن ذلك، فهو صادق ذلك الوقت وحكيمه، وما سواه تحت حكمه..

فلما نظرت نقطة أبي بكر إلى الطالبين أسف عليه، فأظهر الشدة وغلب الصدق، وقال: {لاَ تَحْزَنْ} لأثر ذلك الأسف {إِنَّ اللّهَ مَعَنَا} كما أخبرتنا!» ويستمر الكلام على هذا المنوال ومحوره، أبو بكر، لا الإمام علي عليه السلام، فراجع..(43).

فكيف يكون المراد من كلمة فلان هو علي، وليس أبا بكر؟!

14ـ بركة أهل البيت عليهم السلام:

وقد يستدل على ذلك بأنه يرى: أن الموحدين لا يبقون في النار، ولو بقوا فيها لعادت عليهم برداً وسلاماً ببركة أهل البيت عليهم السلام..(44).

فهذا يدل أن قلبه مملوء بحب أهل البيت عليهم السلام، وعلى أنه يعتقد فيهم هذا المستوى من التأثير، حتى إن النار تكون برداً وسلاماً ببركتهم..

ونقول:

أ ـ إنه يثبت لأبي بكر، وعمر، وسواهما، ولأولياء الصوفية بركات ومقامات أعظم. وبعضها لم يثبته لأهل البيت عليهم السلام ولا لغيرهم..

ب ـ إن حبه لأهل البيت عليهم السلام هو المفروض على كل مسلم بنص القرآن، ولكن، ليس هذا هو كل المطلوب، بل المطلوب هو أن يعتقد إمامتهم، وأن يصرح بعدم صحة إثبات الإمامة لغيرهم، ممن غصب هذا الحق منهم.. وليس في إثبات هذه البركات العظيمة لهم ما يدل على اعتقاده بهذا، أو بذاك..

ج ـ إن الشفاعة في يوم القيامة تكون لكل مؤمن، حتى إن المؤمن الواحد قد يشفع لأمم كبيرة، حتى لو كانت مثل قبيلتي ربيعة ومضر.. ولكن ذلك لا يعني ثبوت الإمامة لهذا الشافع.

والسيدة الزهراء عليها السلام أيضاً، تشفع لشيعتها ومحبيها، مع أنها ليس لها مقام الإمامة الظاهرية، وإن كان لها مقام من نوع آخر، يقتضي شراكتها في حفظ الدين، وصيانة الأمة، وهدايتها، ورعايتها..

وقد ورد أيضاً في إمام الجماعة: أن أئمتكم شفعاؤكم..

والأحاديث في الشفاعة كثيرة ومتنوعة..